الصولة الجعفرية في الرد على اللمعة البهية

 

 

تأليف

 

 

تحقيق

 

مقدمة الطبعة الثانية

الحَمْدُ لِلهِ الذي أَظهَرَ بِبَوارِقِ (الصَّوّلةِ اَّلجَعفَرِيّةَ) أَفائِكَ مَزاعِم ما سُمّيَ ضَلَّةً بـ(اللّمعة البَهيّة)، فَأحالَها إِلى قاعٍ صَفْصَفٍ لا تَرى فيها أثَراً ولا عيناً للأدِلةِ الْمْرضيّة.

والصَلاةُ والسّلام على سيّد رُسُلِهِ وأنْبِيائهِ المبعوثِ بالشَّريعَة آلسَّمّحَةِ الحنَيِفيَّة, وَعلى آلهِ الطّيّبين الطاهِريْن ساداتِ البَريّة. والرِضا عَنْ أَصحابِه الكرام المُستَرْشِدِيْنَ بصُوى مِنهاج شرِيعتهِ الأحمديّة.

وبعد: فَبَيْنَ يَدَي القارِئ الكريم هذِهِ السّبائِكُ العَسْجِديّة والدُّرَرُ الغَوالي مِمّا رَعَفَ بِهِ يَراعُ عَلَمِ الشَّريعةِ الخَفّاق, وعَيلَمِ عُلُوْم العِتّرَةِ الدَفّاق سَماحَةِ آية الله العُظْمى الفقيهِ الأُصوليّ المُحقّق الشَّيخ هادي آل كاشف الغِطاء  قدس سره  وَفي أَعاليَ فَرادِيْسِ الجِنانِ أبْهَجَهُ وَسَرَّهُ, أَخْرَجَها مِنْ مَنْجَمِ دائِرةِ مَعارفهِ المُتْرَعِ بِذَخائِر المعارف الإسلامية والأعلاقِ النَّقية, وَهِيَ -في الجملة- جُزْءٌ مِنْ مَشْرُوْعهِ الواسع المدى، المَرِيْرِ الغاَية في (كَشْفِ الغِطاء) عَنْ حَقائِقِ عقائِدِ الإماميّة، والذّوْدِ عَنْ حياضِها الصافية النقيّة، وَدَرْءِ الشُّبُهات والحملات المسعورة التي يُوَجِّهُها بين الفَيْنَةِ والفَيْنَةِ بَعْضُ مَنْ جبِلُوْا على التطبُّع بالعِنادِ والمُكابَرَة؛ لإشاعَةِ الفُرْقَةِ والمُكاشَرة؛ وتَمْزيق وحدة المسلمين التي أَمَرَنا اللهُ تعالى بالحفاظِ عليها وتفيّؤ ظِلالها، وهذِه (الوحدةُ) بمفهومها الشّامل هي من مُستَلْزَمات كَلِمة (التوحيد)، ولِحكْمَةٍِ بالغةٍ جاءَ اشْتِقاقُهما مِنْ مادَّةٍ واحِدَةٍ في لُغَةِ الضّاد التي هي لُغَةُ الكتاب العزيز الحكيم وَلُغَةُ سيّد الرُّسُل وَعْترتهِ الأئِمّةِ اللَّهاميم عليهم أفْضَلُ الصَّلاةِ وأتمُّ التّسليم.

وَقَدْ رَدَّ الشيخُ الهادي رضوان الله تعالى عليه في هذا السّفرِ القيّم ما باءَ بإِثْمِ إِثارَتهِ وَقَيَّدَهُ بِعبارَتهِ مرشدُ الطريقة الرّفاعيّة في عَصْره الشيخ ابراهيم الرّاوي في كتابه الموسوم بـ(اللمعة البهية)، وَهذا العُنوانُ البّراقُ المُبايِنُ لِمَضّمُونهِ بَيْنُوْنَةً يَسْتَحْيلُ مَعَها الوِفاق جاءَ مِنْ باب -التَّسُمِيَة بالضِّدّ-, وَمُشكِلةُ مُباينَةِ العناوين لِلْمَضامين في غالبِ الأَحوالِ ضاربَةٌ جُذُوْرَها في أعماقِ التاريخ, وليست هي من مُبْتَدَعات العُصور المُتَأَخِرة، وَقَدْ لَمَّحَ إلى اختِلافِ الآراءِ باختلافِ الأذْواق بَعْضُ المتقدمين بقولهِ:

تَقُوْلُ هذا رُضابُ النَّحْلِ تَمْدحُهُ
 

 

وَإِنْ هَجَوْتَ تَقُلْ قَيْئُ الزَّنابِيْرِ
 

 

وهذا بابٌ واسِعٌ لا يَسَعُ المقام بَسْط القول فيه فَلْنَعُجْ على ذكْرِ نَزْرٍ يَسِيْرٍ مِنْ سِماتِ ما جاءَتْ به يَراعةُ الشيخ الفقيه المُتَكلّم النَّظار أبو الرِضا الهادي  قدس سره  في الرَّدّ على الكتاب المذكور فنقول بالله التوفيق:

إِنّ مَنْ طالعَ كتاب (الصَّولة الجعفرية) وأجالَ رائِدَ النَّظَرِ في صفحاتهِ ظَهَر له جَليّاً بلوغُ الشيخ الهادي مرتبة الامتياز في سُلوكهِ المَنْهَجَ اللاّحِبَ - الذي لا يُرى فيه عِوَجاً وَلا أَمْتاً - في الرّدّ الموضوعيّ، البعيدِ عن المُهاتَرَةِِ والمُكابرة والشَّتْمِ والسَّباب والمُشاجَرةِ، والالتزام بآداب المُناظرة والِنّقاش العِلمِّي الهادئ، واللُّغَةِ الْمُوْنِقَةِِ البعيدَةِ عَنِ التَّزَيُّدِ وَالْحَشوِ, واللّهجةِ النَزِيْهَةِ عن كَيّل التُهَم والأدِلَّةِ الخطابيّة, بَلْ يَرى القارئ المُنْصِفُ أنَّ مُؤَلّف (الصَّولة) إنَّما صالَ بِسِلاحِ العِلْمِ والأَدَبِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ آدابِهما قَيْدَ أُنْمُلة، وَقَدْ سَلَكَ نهْجَ (الإلزام)، بخلاف الشيخ الرّاوي الذي كانَ جُلُّ ما أتى به في كتابهِ إنْ لم نَقُلْ كُلُّه مِنْ باب (المُصادرة على المطلوب)، وَمَعَ احتجاج الشيخ الراوي بعُلَماءِ مذهَبهِ فَقَدْ أظهر له (الشيخُ الهادي) مَواضع النَّظر ومكامِنَ الخَطر فيما ادّعاهُ الرّاوي حتى آبَ كلامُهُ سَراباً خادِِعاً وَهَباءً مَنْثوْرا.

وكانَ الواجب على الشيخ الرّاوي قَبْلَ أنْ يَجْريَ قَلَمُهُ بِما جَرى بهِ من الافْتِئاتِ والتّحامُل المَقِيتِ الناشِئِ عَنِ الإِغراقِ في لُجَجِ التَّعَصب والْجَهالة أنْ يَرْجِعَ إلى كُتُبِ الإماميّة وَيَسْتَطلِعَ آراءَهُمْ وَيَتَحرّى الوُقُوْفَ على كُتُبِهم في العقائِد، وَما اسْتَدَلُّوْا بهِ عليها من المدارك والحُجَج، لا أَنْ يَجْعَلَ أقوالَ عُلماءِ مَذْهَبهِ هي الفَيْصَل في المقام، وَيوْغِلَ في البُعْدِ عَنْ صراط الحَقِّ والصَّوابِ في الحمل على هذه الطائِفة الاسلاميّة المُفْتَرى عَلَيْهِا ليكونَ مِصْداقَ قول الشاعر:

وَقالُوا رَوى عَنْكَ الأَحادِيْثَ كاذِبٌ
 

 

لَقَدْ صَدَقُوْا لِكنمَّا كَذَبَ (الرّاوِيْ)
 

 

وقول الآخر:

لقَد نَقلُوْا عَنِّيْ الَّذِيِْ لَمْ أَفُهْ بِهِ
 

 

وَما آفَةُ الأَخْبارِ إِلاّ رْواتُها
 

 

وَإِنَّ ممِّا يُسَجَّلُ لمؤسسة كاشِف الغطاء في النجف الأشرف من الأيادِي الْبِيضِ في خِدْمةِ العِلْمِ والتُّراث أَنْ تُبادِرَ إلى نَشْرِ كنوز تراث الفِكر الإسلاميّ على اختلاف موضوعاتهِ، مع التحقيق الرصين، والإِخراج المُوْنِق، ومنها اضْطِلاعُها بِالقيامِ بَنشْر كتاب (الصولة الجعفرية) لسماحةُ آية الله العظمى الشيخ الهادي كاشف الغطاء  قدس سره  وإخراجِه للملأ الثّقافي بهذه الحلّة القشيبة من التحقيقِ والطّباعة.

ولا يسعنا -في هذا المجال-, إلاّ أَنْ نتَقدَمَ بأسنى آيات الشُكْرِ والثّناء للقائمين على هذه المؤسسة الجليلة وعلى رأسِهِم سماحة العلاّمة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور الشيخ عباس آل كاشف الغطاء (دام ظله) سائلين المولى تبارك وتعالى أَنْ يُوَفِّقَه وسائِر العاملين في المؤسّسة لخدمة الدين والتّراث الإسلامي الأصيل.

                                                      

مؤسسة كاشف الغطاء العامة

                                                                       النجف الاشرف

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الطبعة الاولـى

الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين.

وبعد:

ليس أمراً يسيراً توظيف مباحث الخبر التاريخي في تأكيد الواقع الدلالي لآيات الكتاب العزيز، وتجسيد المفهوم الصائب لمضامين السنّة الشريفة المطهّرة للوصول الى حقيقة الأصل العقائديّ السليم على نحو الاستدلال العقلي  وَالمُحاجّة المنطقية، وليس هيّناً على باحثٍ متفرد أنْ يضمَّ الى ذلك كله إمكانات عالية في عملية الاستدلال والدحض من خلال استخدامه بتقَنيّة متميزة ولباقةٍ مسترسلة للقرائن العقلية والنقلية وروايات الجرح والتعديل وتراجم الرجال في إِثباته الحجة وتأكيده ضرورة توافر عامِلَيَ الإقناع والاقتناع في العرض الموضوعي الجادّ والرصين.

وهو ما تميّزتْ به طروحاتُ هذه الرّسالة المقتضبة التي صنّفها العلامة آية الله الشيخ هادي كاشف الغطاء (1290- 1361هـ) (نجل العلامة المحقق آية الله الشيخ عباس نجل العلامة آية الله الشيخ علي نجل الشيخ الأكبر فقيه عصره الشيخ جعفر النجفي صاحب كتاب كشف الغطاء)، والتي مثلت ردّاً علميَّا عقائدياً موثّقاً على رسالة اللمعة البهية التي وضعها السيّد الشيخ إبراهيم الرّاوي الرفاعي في بيان شُبهات المذهب الإمامي والتي ورد ذكر نصّها في نهاية هذا الكتاب.

وتجدرُ الاشارةُ الى أنَّ دوافعَ الشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  من هذا الرّد ليست كما قد يَبدو للقارئ الكريم من إنها محضُ إثارةٍ وسبيلٍ الى الشحناء، وإنّما هو تأكيدٌ على نبذ روح الفرقة والتمايز (بما لا يمسّ عاطفة ولا ينشأ عن تحزّب وعصبية) على حدّ تعبير الشيخ، ودعوةٌ صريحةٌ الى التماسك والوحدة في ظِلّ الاسلام الخالد أمام ما وصفه  قدس سره  بــ(اليد الاجنبية التي تحبُّ الوقيعة بالمسلمين وتودُّ تفريق كلمتهم وتشتيت شملهم).

وقد اكتسبت هذه الرسالةُ أَهَمِّيَتَها العِلْميةَ في الوَسَطَيْنِ:

الأكاديمي: منهجاً وطريقة بحث من خلال الاستخدام الأَمثل في الاستفادة من الموارد.

والحوزويّ: أسلوباً وطرائق استدلال ،واحتجاج من خلال استخدام العقل لحمل النصوص على الظاهر والباطن بما يتوافق مع صيغها اللفظية المختلفة.

وبعد، فهذا غيض من فيض.

والله الـمُسَدّد والموفّقُ الى سواء السبيل.

 

 

مقدمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على رسوله الأمين وآله الطاهرين.

وبعد:

الإِسلامُ هو الدّينُ الذي ارْتَضاهُ اللهُ تَعالى للبشرية ليكون الحلقة الأعلى والأخيرة في تكامل المجتمعات نحو الرقي والمدنية والحضارة، مع حفظ الحرمات والحقوق، ومراعاة كافة الاعتبارات التغيرية والتطورية لسير المجتمعات حتى يأذن الله بزوال الدنيا.

فأرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه، هذا الرسول الذي هو غُرّةُ جَبِين الدنيا، وَقَمَرُ الإِنسانية وَممَثِّلُها الأعلى بجميع فصولها وتجلّياتها. فسعى وجَدّ واجتهد حتى بلّغ رسالات ربّه وأتمّ الله نعمته علينا، حتى شاء تعالى رفع نبيّه اليه، فاضطرب حال الناس وتفرّقوا أيدي سبا، وشرّق قومٌ وغرّب آخرون، ومال هذا لأبناء عشيرته ومال ذاك لأصهاره، وحُرِّف الأمر عن مَسارِه المخطّط له, فجرى ما جرى, وكان ما كان, مما لستُ أذكره.

صار المسلمون مجموعتين وربّما اكثر قبل دفن رسول الله، وعُيّن الخليفة، فقَبِل قومٌ ورفض آخرون، ثمّ انصاعوا للأمر الواقع، مكرهين أو مضطرين، والنتيجة واحدة. هذه الهزّة التي ضربت مجتمع صدر الاسلام الفتيّ أدّت الى حدوث شرخ مجتمعي لم يتصد المسؤولون لإصلاحه, بل عَمَدَ بعضهم الى إذكاء ناره بطرائق عديدة.

وبقيت السياسة هي اللاعب الأوّل في إِظهار هذا الخلاف وتأجيجه حيناً، وإطفائه وإخفائه مع الحفاظ على وجود النار تحت الرماد حيناً آخر، ومرّ الصراع الذي صار مذهبياً عقائدياً سياسياً بفصول ومراحل طويلة هي بحاجة الى دراسة مستفيضة، أدّت بعض فصولها الى انتهاك جميع الحرمات، فمن التكذيب والتجريح الى التأليب والتكفير المفضي الى القتل والفتك، الذي أدّى الى زوال دولة الاسلام من على سطح الأرض،  الى أن أصبح المسلمون يقاتلون بعضهم بعضاً بين الفينة والأخرى، حتى وصلنا الى مستوى أن يعترض جماعة سيارات الأعراس فيغتصبون العروس أمام زوجها ليلة عرسها ثم يقطعون ثدييها ويخلطون دم عذرها بدم نحرها.

فبعد أن ذبح الحسين بن علي  عليه السلام ورفع رأسه على قناة يحمله الخيّالة فرحين بفعلتهم يجوبون أقطار الارض لم يبق لأيّ رأسٍ كرامة في بلاد الاسلام، وهذه حلقة أخرى من حلقات الصراع المرير.

واحدى حلقات الصراع تأليف الكتب والرسائل في تسفيه معتقدات المذاهب الأخرى، فبعد امتهان الدم الحرام لا قيمة لأيّ شيء، وهذه الفترة الزمنية         -أواخر زمان الدولة العثمانية- كانت فترة ضعف للدولة وانهيار لمؤسساتها، فلم يَعُدْ بمقدوِر العُثمانيين تصفيةُ الآخَرِين فلم يبق إلا التحريض عليهم بكتابة الكتب، وهذه الرسالة منها، كتبها مؤلّفها بتشنج واضح ضدّ الشيعة, فإنه في مقدمة رسالته حاول أنْ يظهرَ أنَّ أهلَ السنة هم الحالة الوسط بين تشدد الوهّابيين والشيعة, وكتب رسالته انطلاقاً من هذه النقطة, فجعل رسالته في فصلين ، الأولُ ردٌّ على الشيعة ، والذي ردّه الشيخ كاشف الغطاء في رسالته (الصولة الجعفرية في الرّد على اللمعة البهية)، والثاني ردٌّ على عقائد الوهابية    - ولم أعثر عليه مع الأسف-  فإنَّ الشيخ ابراهيم الراوي مؤلّف اللّمعة كان من أكابر مَشايخ الصوفية ببغداد, والوهّابيون يُصرّحون بأنَّ الصّوفية من أهل البِدَع, بل تجاوَزَ بَعْضُهم جميع الحدود فكفّر الصّوفية, ولهذا السبب ولغيره تصدّى جمع من العلماء للرّد على الوهابية.

وما يهمّنا هو ردّه على الشيعة, ومما يؤاخذ عليه إنَّ الرّجُلَ لم يطّلع باستفاضة على عقائد الشيعة، ولم يعرف جيداً كيف تُقْبَلُ الأحاديث عند الشيعة، فظنّ أنّ كلّ خبرٍ  في كتب الشيعة مقبولٌ أو مرضيٌّ عندهم على أقلّ تقدير، ونَقَلَ بعضَ الأحاديث وبترها، وحمّل الشيعة ما لا تحتمل, كاستدلاله بالأحاديث السنّية وإلزام الشيعة بها، مع أنَّ ذلك غير موضوعي بالمرّة, فإنّ الشيعة لا تعترف بالكثير من الأحاديث في كتب أهلِ السنّة فكيف تلزمهم بقبولها! ثمّ إنّه استدلّ بحديث أو حديثين لم أعثر لهما على مصدر, وربّما أكون قصّرت في البحث فالعذر أرجو.

أنكر وقوعَ حادثة الهجوم على دار فاطمة وأخْذِ الحطب للحرق ، وهو أمرٌ عجيب غريب مريب، فإنّهُ إنكارٌ لأمرٍ قد ثَبَتَ تاريخياً بالنّقول الكثيرة فاستبعادُهُ عقلاً أمر غريب.

هذه رسالته بين يدي القارئ, وكذلك الردّ عليها, ولا نريدُ أكثر من الإنصاف بعد إِنْعامٍ النظر.

 

المخطوطات:

مخطوطةُ مكتبة الامام كاشف الغطاء العامة الرقم 1154، وهي مجموعة، أولها مخطوطة اللمعة البهية، بخط غير جيد، وهي منقولة من طبعة للكتاب بمصر، فقد كتب الناسخ في صفحتها الاولى (مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر)، ونقل نصَّ ما كتب على واجهة الطبعة المذكورة، ولم أحصل على نسخة مطبوعة من الكتاب.

وقد شغلتْ نحو 21 صفحة من أول المخطوط، وبعدها 7 صفحات فيها مسودات لبعض الردود من كتاب الصولة، غير مكتملة.

ثم تبدأ مخطوطة متفرقة من الصولة من ص 29 الى 64،  بخط الشيخ هادي كاشف الغطاء، وهي مسودة  ثانية فيها الكثير من الحذف والتغيير والشطب.

ثم تبدأ نسخة أخرى من الصولة بخط الشيخ أيضاً، وعليها تغييرات أخرى، وفيها إضافات كثيرة، تبدأ من ص 65 الى ص 110.

 ثم نسخة أخرى، الصفحات الثمان الاولى منها بخط الشيخ نفسه، ثم يتغير الخط، ولم يذكر الناسخ اسمه، وهي جيدة، خالية من الحذف والتبديل تقريباً، قليلة الاخطاء، واضحة الخط، تبدأ عند ص 111 الى آخر المخطوط.

 عدد صفحات المجموعة كلها  398، قياساتها 17- 20,5 سم, عدد الاسطر (10-17)، وعدد الكلمات (7- 11) كلمة، عدا النسخة الاخيرة فعدد الاسطر فيها 10، في كلّ سطر (4-7) كلمات.

 

 

عملنا في التحقيق:                              

  1.  ضبطُ النّصوص.
  2.  تخريج الآيات, ووضعها بين قوسين مزهرين [  ].
  3.  تخريج الأحاديث النبوية, ووضع نصوصها بين قوسين (  ).
  4.  ردّ النصوص المنقولة الى المؤلّفات التي نقلت منها, ووضع نصوصها بين قوسين (   ).
  5.  التعليق على بعض النقاط التي تحتاج الى التعليق عليها.
  6.  وضع النصوص المضافة من قبل المحقق أو الناسخ بين معقوفين [   ].
  7.  اتباع قواعد رَسْم الكلمات الحديث.
  8.  وضع الفهارس الفنية للكتاب.

 

                                                             كريم الكمولي

الخميس/ 28 ذي الحجة/ 1435هـ

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة المؤلف

هو الشيخ هادي ابن الشيخ عباس ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء ابن الشيخ خضر بن يحيى الجناجي المالكي.

اختلف في سنة ولادته بين 1287هـ و 1289هـ و 1290هـ والراجح الأخير؛ لأنه ذكر في ترجمته التي دوّنها ولده الشيخ محمد رضا أنه ولد يوم 17 ربيع الاول 1290هـ.

نشأته:

نشأ في ظلال أسرته الوارفة, ولا تحتاج أسرة كاشف الغطاء الى تعريف, بل بها يُعرَفُ طلبة العلم والأدب ((والشمَّسُ مَعْروْفَةٌ بِالْعَيْنِ وَالأَثَرِ)), شبَّ  قدس سره  شاعراً مفلقاً أديباً, شارك في معارك النجف الأدبية الى جانب أقرانه الذين عرفوا بالنباهة والذكاء والفضيلة والعلم, أمثال السيد جعفر الحلي, والشيخ جواد الشبيبي, والشيخ عبد الحسين الجواهري.

دروسه:

قرأ مقدمات العلم على الشيخ صادق الحاجِّ مسعود, والشيخ عبد الهادي البغدادي المعروف بالشيخ عبد الهادي شليلة, والسيد علي ابن السيد محمود الأمين الحُسينّي العاملي, قرأ رسائل الشيخ الأنصاري على شيخ الشريعة الأصفهاني, وحَضَرَ الفقه والأصولَ عند والده الشيخ عباس, وحضر درس الشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني أكثر من عشر سنين, وحضر درس السيد اليزدي صاحب العروة, وحَضَرَ درس الشيخ اغا رضا الهَمَذاني صاحب (مصباح الفقيه).

مؤلفاته:

ترك  قدس سره  آثاراً عديدة بعضها مطبوع, منها: الأَجوبة النجفية عن الفتاوى الوهابية, البرهان المبين في من يجب اتباعه من المرسلين, بلغة النحاة في شرح الفائقة, الرد على مسائل موسى جار الله, رسالة في اللعن وفضل العلويين, رسالة في فن التجويد, مدارك نهج البلاغة, مستدرك نهج البلاغة, هدى المتقين, وهذه كلها مطبوعة.

أمّا المخطوطة: فمنها منظومة في النحو, سمّاها: نظم الزهر من نثر القطر, منظومة في أحوال السيدة الزهراء عليها السلام, منظومة في أحوال الامام الحسن  عليه السلام, شرح على كتاب الشرائع, شرح على تبصرة المتعلمين, قاموس المحرمات, شرح على منظومة السيد بحر العلوم.

وفاته:

توفي الشيخ  قدس سره  في النجف ليلة الأربعاء التاسع من المُحَرَّم سنة 1361هـ, وشُيّع تشيعاً مهيباً شارك فيه كبار العلماء والوجوه والأعيان وجماهير الناس وشيوخ القبائل, دفن في مقبرتهم الشهيرة الى جانب أبيه وأجداده في مَحَلَّة العِمارة إحدى مَحالّ النَّجَفِ الأربَع القديمة.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة الشيخ إبراهيم الراوي([1])

(1276-1365هـ) (1860-1946م)

هو الشيخ إبراهيم ابن الشيخ محمد - مفتي عانة - ابْن عبد اللهِ بن أحمد ابن الشيخ رَجَب الصغير ابن عبدالقادر ابن الشيخ رجب الكبير الرّاوي الرّفاعي, شيخ الطريْقة الرّفاعّية في عصرِه, ولأُسرتهِ مُشَجَرَةٌ جاء فيها نَسَبُهُمْ مَرْفوعاً إلى إبراهيم المُرْتَضى الأصْغر ابن الامام موسى الكاظم عليه السلام , وقد ذَكَرَ نَسَبَهُم على التفصيل الشيخ إبراهيم الراوي هذا في كِتابهِ ((بلوغ الأَرَب في ترجمة الشيخ رَجَب)) وَهُو مطبوع.

وُلِدَ في ناحية راوة التابعة لِقضاءِ عانَةَ من لواء الدليم (محافظة الانْبار حاليْاً) سنة (1276هـ) الموافِقَةِ لعام (1860م) في بَيْتِ عِلْمٍ وَفَقاهةٍ وتصوّف وَمَشْيَخة.

وقرَأ القران وَأَخَذَ مقدّمات العلوم في بلدهِ (راوة) ثم انتقل إلى بغداد في سنة (1292هـ) وأخَذَ العِلْمَ على مشاهير عُلَماء عَصْرِهِ من أهل السنّة, ومنهم العلاّمةُ السْيد داودُ ابن السْيد سُلَيمانَ ابن السيد جرجيس العانِيّ الحُسيَنيّ البغداديّ (ت 1299هـ) وَالعَلاّمةِ الشيخُ عليٌّ الخوجة ابن حُسَين البندنيجيُّ القرُلوسيُّ      -المندلاوي- ثم البغداديُّ (ت 1339هـ), ولازَمَهُما مُلازَمَة الظِلَّ حَتّى ظَفِرَ بِـ(الإِجازَةِ الْعِلْميِّةِ) مِنْهُما, وكانَ قد هاجَرَ إلى الموصِلِ أَيْضاً وَدرَسَ على عُلمائِها ومنهم الشيخ عبدُ اللهِ الفْيضيّ الطّائِيّ والشيخ يحيى خِضر الموصلي وغيرهما.

كما هاجَرَ إلى دِمَشْقَ واقام بها مُدَّةً لازَمَ فيها شَيْخَ مُحَدِّثي عَصْرِهِ العلاّمَة السيّدَ الشَّيْخَ بَدْرَ الدِّيْنِ الحَسَنيَّ الدّمَشْقِيّ ، وقرأ عليه علوم الحديث حَتّى أَجازه،  ثم رجع إلى بغداد واتَّصَلَ بِعَلاّمَتِها الشيخ عبد الوهّابِ النائِب الْعُبيديّ وَأَفادَ مِنْهُ, وكان الشيخ الراويّ شَيْخَ (السّجّادة الرّفاعيّة) في جامع السيّد سلطان عليّ الواقع على نهر دجلة في الجانب الشرقي من بغداد.

وَكانَ مَجْلِسُهُ عامِراً في الجامع المذكور لا سيمّا في كُلّ يوم إثنين, ويوم الخميس وكانت بَيْنَهُ وبين بَعْضِ أعلام الشيعة صِلَةُ مَوَدَّةٍ وَزِيارات غير مُنْقطِعَةٍ على ما عَلِمْتُ, وِمن هؤلاءِ العلاّمةُ الكبيرة آية الله السيّد محمد مهديَّ الموسويّ الكاظميّ (ت1391هـ) صاحِبُ كتاب (أَحسن الوديعة في تراجم مشاهير مجتهدي الشيعة).

وقد أجاز الشَّيْخُ الرّاوِيُّ السيّدَ الكاظِمِيّ المذكور بروايَةِ الحديث وقد أجازني  السيّد الكاظمي طيّبَ الله ثراه وقدس سره بالرْوايَةِ  غَيْرَ مَرّة, فالشيخ الراويّ من مشايخي بواسطةٍ واحدة.

كما أروي عَنِ الّرادِّ عليه الفقيه الكبير آية الله الشيخ الهادي من آل كاشف الغِطاء بواسِطَةِ حَفيدهِ سماحة آية الله العُظمى الإمام الشيخ عليّ آل كاشِف الغِطاء  قدس سره  فتبارَكَ وتعالى مَنْ قال في مُحْكم كِتابهِ [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ6 بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ6 فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ 6 يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ6].

وَكانَ الشَّيْخُ الرّاوي شافِعَيّ الَمذْهَبِ رِفاعِيّ الطَّرِيقَةِ, صُوْفِيَّ المْشَرْبَ وَهُوَ يُعَدُّ من فُقَهاء الشعَراء.

وَلَهُ عِدَّةُ مُؤَلّفاتٍ منها:

  1. الأَدِلّةُ العَقْليَّة في إثْباتِ أَشْرَفِيَّةِ الشَرِّيْعَةِ المحمديّة.
  2. الأَوْراق البَغداديّة في الرّد على الحوادث النَّجْدّية.
  3. بُلُوْغُ الأَرَب في تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ رَجَب.
  4. داعي الرَّشاد إِلى سبيل الاتّحاد.
  5. سُوْر الشَّرِيْعة في انْتِقادِ نَظَرِيّاتِ أهْلِ الْهَيْأَةِ والطَبِّيْعَة.
  6. السَّيْر وَالْمَساعِي في أَوْرادِ الرِّفاعِيّ.
  7. الطَّرِيْقَة الرّفاعيّة مَعَ الأَحْزاب الرّفاعِيّة.
  8. الْفَلْسَفَةِ الإِسلاميْةِ في إِثباتِ الحَقّانِيّة.
  9. اللّمْعات الفَريدة في الْمَسائِلِ الْمُفيدة.
  10.   اللُّمْعَةُ البَهِيَّة في الأدِلّة الإجماليّة, وَهُوَ الذي نَقَضَ بَعْضَهُ الامام الهادي     من آل كاشف الغطاء  قدس سره  وَبْعضُهُ الآخَرُ في الرَّدّ على الوهّابيّة.
  11.  مُخْتَصُر الْقَواعِدِ الْمَرْعِيَة في أُصوْل الطريقة الرّفاعيّة.
  12. النََّصِيْحَة في دَحْض القاديانيّين وَمَنْ على شاكِلَتِهم من الْمُلْحِدِيْن.
  13. النَّفْحَةُ الْمِسْكِيَّة في الصلاةِ على خَيْرِ الْبَرِيّة.

وَكانَتْ وَفاتُهُ في بغدادَ عام 1946 الموافق لِسَنَةِ 1365هـ وَدُفِنَ في مقبرة الشّيخِ مَعْرُوفٍ الكَرْخِيّ في الجانب الغربيّ من بغداد.

وَمِنْ حَفَدَتَهِ الْمُعاصِرِيْنَ صَدِيْقُنا الأُستاذُ حُسَين الرّاويَّ نْجلُ الأستاذِ الْمُحامي جَمال الراوِيِ نَجْلِ إسْماعِيِلَ نْجلِ الشَّيْخِ إبراهيمَ الرّاوي, وَكانَ الأستاذُ حُسين جمال الراوي من زُمَلائي في إِعدادية النِّضال وكان في صَفِّ (فَصْلٍٍ) واحِد وَهو اليوم في خارج العراق على ما عَلِمْت.

 

 

 

 

 

 

الصورة الاولى من مخطوطة الصولة الجعفرية في الرد على اللمعة البهية

 

 

الصورة الاخيرة  من مخطوطة الصولة الجعفرية في الرد على اللمعة البهية

 

 

 

الصورة الاولى من مخطوطة اللمعة البهية في الأدلة الاجمالية

 

 

 

 

الصورة الاخيرة من مخطوطة اللمعة البهية في الأدلة الاجمالية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف

الحمدُ لله الهادي الى الصواب، والصّلاة والسلام على محمّد رسوله والعترة والأصحاب، الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.

أما بعد:

فقد وقفتُ على رسالةٍ وَسَمَها مؤّلفها (باللَّمعَة البهيّة في الأدلة الإجمالية)، وقد طُلِبَ منّي أنْ أعلّقَ عليها وَأَلْفِتَ النَّظر إلى ما فيها من مقبول ومردود، بما لا يمسّ عاطفة ولا ينشأ عن تحزّب وعصبية، ولقد عجبتُ من صدور مثل هذه الرسالة في مثل هذا العصر من قبل ذلك المؤلف المرشد، وإنْ كانت هي خيراً مما يكتبه غيره من أبناء العصر في فلسطين وغيرها من الأقطار العربية في الإغراق في القدح والثلب، وما يوجب التفرقة والانقسام، في زَمَنٍ كَثُرَ فيه أعداءُ المسلمين، وقوي فيه نفوذهم في الأموال والأنفس، والمسلمون اليوم أحوج ما يكونون إليه هو جمع الكلمة وتوحيد الرأي والتأليف بين فرقهم وطوائفهم، والكفّ عن نشر ما يوجب التفريق والتحزّب، بلا فائدة ترجى ولا إصلاح يرتقب.

 ولقد علم الكلُّ أنّه قد مرّتْ قرون وقرون، والفريقان في خصامٍ وجدال، وردٍّ وانتقاد، واحتجاج واستدلال، وشتم وسباب، حتّى مُلئتْ الدفاتر، وكادت أن تفنى الأقلام والمحابر، ولم يزدد كلٌّ من الفريقين بذلك إلاّ تعصباً لدينه وتصلُّباً في مبدئه وحرصاً على مقاله، ولم يقتنع كلٌّ من الفريقين بما جاءَ به الآخر من برهان ساطع أو حجة بيّنة، فكان الأجدر والأولى بعد الوقوف على ذلك كفُّ بساط القدحِ والانتقاد، والتّعرض لما يثير الأحقاد، ويورث العناد، وتفويض الأمر إلى خالق العباد [قُلْ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ]([2]).

وإنّي لا أستبعدُ أنْ تكونَ في هذه الإعصار يدٌ أجنبية تُحبُّ الوَقيعةَ بالمسلمين، وَتَوَدُّ تفريقَ كلمتهم، وتشتيت شملهم، فتستميلُ بالمال والآمال مَنْ يسعى في ما تحصل به التفرقة، ويحتدم به الخصام بين فرق المسلمين؛ ليَخْلو لها الوَجه في إجراء مقاصدها ونفوذ سياستها.

 وإني لأُنَزِّهُ صاحبَ اللّمعة عن هذه الخطّة وأُبرئّه من هذه الوصمة، ولكنهّا بساطة وغفلة، وشنشنةٌ أعرفُها منْ أخزم([3])، وربّما حَثّهُ عليه جماعةٌ من أولي المآرب والأغراض.

ولقد طلب مني التعليقَ على هذه سالة واستحثّني على ذلك جماعةٌ من
الشّباب قائلينْ قد أنْصَفَ الَقارَةَ مَنْ راماها([4])، وإنّ السكوتَ يُعَدُّ عجزاً أو قبولاً، ورِضى بمضامينها، ولمّا لم أجد بُدّاً من ذلك علَّقْتُ على الفَصْلِ الأول منها، على الأهمّ فالأهم، بلا استيفاء للحُجج، ولا إطناب في المقال، وقصدي مع ذلك بيانُ ما ينبغي أنْ يكونَ عليه منهاج الردّ والإيراد، والمناظرة مع المخالف في هذه الإعصار، واللهُ تعالى هو المؤيِّد والمسدّد والهادي إلى نهج الصواب.

 

 

قال صاحب اللمعة:

الفصل الأول في الشيعة ودفع شبههم

كان اللائقَ بمقتضى هذا العنوان أنْ يشرح الموضوع أولاً، ويبيّن المراد منه، فإنّ الشيعةَ فرقٌ كثيرة متباينة الآراء والمذاهب، مختلفة النزعات والعقائد، ثمّ يذكر الشُبَهَ ثانياً، ثم يذكر بعد ذلك ما يَدْفَعُها، ولكنّه ذَكَرَ اعتقادَهُم ولا دَخْلَ له بالعنوان، كما أنّه ليس مما يعتقدُهُ جميعُ فرقِ الشيعة، وعلى أيٍّ فليس من المهمّ الاعتراضُ عليهِ بمثلِ ذلك، ولا التكلُّفُ لتوجيهِ العبارة بالتجوّز ونَحْوِهِ.

(وأما الشيعة) فالجامعُ بين فرقها على الظاهر هو اعتقادُ أنَّ الخليفةَ بلا فصلٍ هو أميرُ المؤمنين، وأنّه أفضلُ الخلق بَعْدَ ابن عمِّهِ رسولِ الله  صلى الله عليه واله وسلم ، ولهم على ذلك أدلّة عقلية ونقلية، من الكتاب والسنة، تصريحاً وتلويحاً، لا مجال لذكرها هاهنا, هذا.

والشيعةُ في الصّدر الأوّل وفي حياةِ صاحبِ الرّسالة  صلى الله عليه واله وسلم  جماعةٌ خاصّة من المسلمين، انقطعوا إلى أمير المؤمنين، ولازموه، وأخذوا شرائع دينهم منه، دون غيره، وليس المراد بالشيعة مَنْ عظّمه واعترف بفضله واعتمد عليه وعلى غيره من الصحابة في أمور الدين، فإنَّ جميعَ المسلمين كذلك.

لأنّ الظاهر من الأحاديث النبوية مثل قوله  صلى الله عليه واله وسلم : (يا عليّ ستقدم على الله أنتَ وشيعتك راضين مرضيين)([5])، وقوله  صلى الله عليه واله وسلم : (إنَّ هذا -يعني علياً- وشيعتَهُ لَهُمُ الفائزون يوم القيامة)([6])، وغير ذلك مما رواه أهل السنة والجماعة.

وأن الشيعةَ جماعةٌ خاصّة من المسلمين موجودون في حياةِ النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم ، وليس المرادُ جميعَ المسلمين الموجودين وإن لم يختصوا به وينقطعوا إليه، كما أنّ الظاهر أنَّ أول من سمّاهم بهذا الاسمِ وجَعَل لهم هذا اللقب هو صاحبُ الشريعة الإسلامية، فالإسلامُ والتشيع رضِيعا لِبانٍ، وَفَرَسا رِهان، والمسلمون رَوْضٌ وهم أزهارُه، وَسَماءٌ وهم نجومُهُ وأقمارُه.

وقال في التحفة الاثني عشرية: (إنّ ظهورَ هذا اللقب كان عامَ سبعٍ وثلاثين من الهجرة)([7]), ولعل مراده اشتهار ذلك وانتشاره، وقد ذكر فيها للشيعة فرقاً كثيرةً لا نعرفها، ولا نعرف أنّه على أيِّ كتابٍ اعتمد في نقلها، وعلى أيِّ حالٍ فقد هلَكَ أكثُرها ولا نعلمُ الباقي منها.

ثم ذكر من فرق الشيعة الفرقة الاثني عشرية، وقال: (إنّ هذه هي المتبادرة عند الإطلاق من الإمامية) إلى أنْ قال: (وقد ظهرت هذه الفرقة سنة 255هـ)([8])، ولعلّه أيضاً أراد معروفيّتها بينَ النّاس، فإنّه قد وَرَدَ في الحديث وروي عن أمير المؤمنين ذكر الأئمة الإثني عشر وجماعة من الشيعة الصحابيين كانوا يدينون بذلك([9]).

وفي كتاب ميزان الاعتدال للذهبي في ترجمة أبان بن تغلب: (إنّ البدعةَ على ضربين:

فبدعة صغرى، كغلوّ التشيع أو التشيع بلا غلوّ ولا تحَرُّق، فهذا كثر في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصّدق، فلو رُدَّ حديثُ هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.

ثم بدعة كبرى، كالرّفض الكامل، والغلوّ فيه، والحطّ على أبي بكر وعمر..، فهذا النّوعُ لا يُحتجُّ بهم ولا كرامة).

إلى أن قال: (فالشيعيُّ الغالي في زمان السلف وعُرفهم هو مَنْ تكلَّمَ في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفةٌ ممَنْ حارَبَ عليّاً، وتعرَّضَ لسبِّهِم، والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفّر هؤلاء السادة، ويبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضالٌّ مفترٍ، ولم يكُن أبانُ بن تغلب يَعْرِضُ للشَّيخين أصلاً، بل قد يعتقد أنَّ علياً أفضل منهما)([10])، انتهى كلامه.

وظاهره أنّ في الشيعة من لا يُطعنُ فيه ولا يُحكَمُ بضلاله، ولا تُرَدُّ روايتُه، وأنّ الهالكين منهم فرقةٌّ خاصّة.

وعند الشيعة الأمامية أنّ الغلاة من الشيعة ضالّون هالكون، كما أنّ النُّصّابَ من أهل السّنةِ كذلك.

والغلو: هو تجاوزُ الحدّ, والغالي: مَنْ يقول في الأئمة من أهل البيت فوق ما يقولونه في أنفسهم، كمُدّعي الألوهية فيهم، ونحوها.

وفيما يروى عنهم: (هلك فينا فريقان مُحبٌّ غال وعدوٌّ قال)([11]), وعلى هذا فتفسيرُ المغالي بالمكفّر والمُتَبَرّئ غيرُ خال من النقد في بادي الرأي، ولكن يمكن إرجاعه إلى ما ذكرناه.

ثم قد ظهر مما مرّ أنّ أكبَرَ قادحِ في الشيعة، وأعظم طعن فيهم عند أهل السنة أنّهم يسبّون الصحابة الكرام، ويحطّون من كرامتهم، ويتبرؤون منهم، وهم أوليّاءُ رَسُوْلِ الله  صلى الله عليه واله وسلم  وَصَحْبُهُ وَأَحِبّاؤُه.

ولا شكَّ عند الشيعة أنّ هذا من أعظم المطاعن، وأعظم الكبائر، فإنّ سَبَّ المسلم عندهم, فضلاً عن أنْ يكونَ صحابياً موالياً لرسول الله وأهل بيته, فسوقٌ ومعصيةٌ موبقة، والظاهر أنّ هذا أمرٌ متّفَقٌ عليه بينَ جميع المسلمين، وقد وقع من سوء التفاهم ما وقع بين المسلمين، من الفرقة والخصام وغيرهما مما لا يخفى، ولو كُشف الستر عن الحقيقة وَمُحِّصَ الأمرُ، ولم يُنظر إلى المسألة بعينٍ عليها غِشَاوَة من الغضب والحقد لزال الخلاف، وانقطع النزاع.

ولإيضاح الحال نقولُ:

 إنّ اللَّعْنَ والسَّبَّ والبَراءةَ التي تُنْسَبُ إلى الشيعةِ وتُنتقَصُ بها لا تخلو من نوعين:

(النوع الأول) لعنُ أعداء آل محمد، ومُبغضيهم والمعتدين عليهم، وظالميهم، وغُصّاب حقوقهم، والبراءة منهم، من دون تعيين أشخاص أو طائفة، وهذا النوع من السبّ واللعن لا نظنُ أنَّ مسلماً من أهل السنة أو من غيرهم لا يوافق عليه، وكيف يوالي المسلم عدوَّ أهلِ البيت والمعتدي عليهم! وكيف يَغضَبُ مِن سَبِّهمْ وشتمهم! ولا شك أنَّ أهل السُنَّةِ والجماعة لا يرون في من يوالونهم، ويترضَّونَ عنهم مُبغضاً لأهل البيت أو غاصباً لحقهم أو معتدياً عليهم، ولو اقتصر على هذا جُهّالُ الشيعة وعوامّهم كما اقتصر عليه عُلماؤهم وعقلاؤهم لما كان ما كان.

(النوع الثاني) سَبُّ أشخاصٍ بأعيانِهم وأَسْمائِهم، وهذا هو الداءُ الدَّوِيُّ، الذي اهريقت فيه الدماء، وهُتكتْ بسببه الأعراض، واستبيحتْ لأجلهِ الحُرُمات، وقد نَهَى عنهُ أئمّةُ الإماميةِ، وعلماؤها؛ حَذَراً من أنْ يُظَنَّ في الشيعة أنهم يسبّون هؤلاءِ الأشخاصَ على جميع التقادير، ومن جميع الحيثيات, وليس الأمر كذلك، فلو حَصَلَ التفاهُمُ وكُشِفَ السِتارُ لمَا كانَ بين الفريقين خصام ولا جدال.

إذ من المعلوم أنّ السَّبَّ للشَّخْصِ الفُلانّي مثلاً لم يكن سَبّاً له لذاته مُطلقاً من حيثُ الذات، وإنّما هو سَبٌّ لِلذاتِ المُتّصِفَةِ بكَوْنِها مُحارِبَةً لأهلِ البيت، ومعتديةٌ عليهم، فالسبُّ لذاتٍ مُتَّصِفَةٍ بهذا الوصِف العُنْوانيّ ليس سَبّاً لها على جميع التقادير.

وولاءُ الفريق الآخر إنّما هو لذواتٍ مُحبَّةٍ لأهل البيت، وَمُسِالمَةٍ لَهُمْ، وغير معتدية على حقوقهم، والذات المتصفة بهذا الوصف تُواليها الشيعةُ ولا تجُوِّز سَبَّها.

فمَنْ يُوالُوْنَهُ لا تَسُبُّهُ الشيعةُ، ومَنْ تسبُّهُ الشيعة، وهو الذات المعادية لا يوالونها ولا يَرْضَوْنَ عَنْهُ، ولا شكَّ في تمايُزِ الموضوعات وتباينها، واختلافها باختلاف الحَيْثيّات وتمايز الجِهات.

وكيف يَحلُّ لمسلمٍ أنْ يَسُبَّ مُسلماً صَحابياً مُحِبّاً لأهلِ البيتِ، مُسالماً لهم، غَيْرَ مُعْتَدٍ على حُقُوْقِهِمْ؟!

والشيعيُّ لا يحترمُ الصَّحابيَّ ولا يُقَدِّسُه إذا كان مُحارِباً لأهل البيت ومُبغضاً لهم، ولعلَّ بُغضهُ وعداوته مما يوجب الريب في إيمانه، وإذا لم يكن مُبغضاً ولا مُحارباً استوجب التبجيلَ والاحترام.

يوشك أنْ يكون من هذا القبيل ما سمعتُهُ مِن بعض مَشايِخنا الأعلام قال ما معناه: إنّي كنتُ ضيفاً عند السيد سلمان نقيب الأشراف في بغداد؛ إذ دَخَلَ علينا بعضُ الشخصيات البارزةِ من عُلماء النَّصَارى، فاستقبله النقيب، وبَالَغَ في احترامه وإكرامه، وبعد أنْ عرّفه بحسبي ونسبي، التَفَتَ إليّ، وقال لي: يا حضرة الشيخ إنّ هذا الرجل جديرٌ بالاحترام لتبحره بالعلوم، وفضله وكماله، فسبق لساني بأنْ قلتُ: لو كانَ عالمِاً لما كان مسيحياً، فغَضِبَ النَّصْرانيُّ، وقال: يا شيخ أيُّ نقص في المسيح وفي الانتساب إليه، كأنّكَ لا تعرفه، وقد ذُكِر في القرآن في كذا وكذا موضعاً، وأخذ يتلو الآياتِ الشريفة، ويذكر السورة التي منها.

فقلتُ له: أنا لا أعرف المسيح الذي تنتسبُ أنتَ إليه، ولا أؤمن بنبوّتهِ، وإنّما نؤمِنُ معاشرَ المسلمين بمسيح القرآن، وهو المسيحُ الذي يؤمن بمحمد، ولم يُصْلَبْ، بل رَفَعَهُ اللهُ إليه، وهو غيرُ مسيحِكُم الذي صُلِبَ ولم يؤمن بمحمد، فمسيحُكُم يا حَضْرَةَ النَّصْراني غيرُ مسيحِ القرآن، فسَكَتَ ولم يتكلّم ببنتِ شفة([12]).

نعم يبقى النزاع في أنّ فلاناً بن فلان بمشخّصاتِهِ ومميّزاتِهِ هل كانَ مُسالماً لأهل البيت أو محارباً، ومع ذلك فهو بقيد كونه محارباً غيرُهُ بقيد كونِهِ مُسالماً فلا ينبغي أن يَستاءَ مَنْ يسبّهُ مُحارباً ممَنْ يُواليه مسالماً وبالعكس.

وقد تَلَخَّصَ: أنّه لا نزاعَ ولا خصامَ بينَ الحاكمين بحُكمين مختلفين على موضوع متعدد باعتبار صفتين أو حالين أو زمانين أو مكانين، والواجب تفهُّمُ عَوامِّ الفريقين هذا المعنى وشرحه لهم، فإنّ ذلك مما يخفى عليهم، فَيرونَ أنَّ الحكم على الذات مُطلقاً وعلى جميع التقادير، وهو غلط وخطأ، والله الهادي إلى الصواب.

وهذا المعنى الذي ذكرناه ولو فُرِض أنَّه غيرُ صحيحٍ وأنَّه مما يُمكِنُ رَدُّهُ وانتقاده، إلاّ أنَّ الذي ينبغي من علماء الطرفين إقناعُ عوامِّ الفريقين بذلك، عسى أنْ تَخفّ وطأةُ الخلاف الذي في البين.

قال: (إن الشيعَة الإماميَّةَ يعتقدون أنَّ الخليفةَ بَعْدَ رسولِ الله  صلى الله عليه واله وسلم  بلا فاصل هو علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، ولعدم وقوعِ ذلك بعد وفاته  صلى الله عليه واله وسلم  حَمَلَهُمْ غيظُهم إلا قليلاً منهم على تكفير الصحابة إلا بِضعةَ أفراد منهم).

يريدُ إنَّ عدم ترتيب آثار الخلافة لعلي  عليه السلام وجعلها  لغيره بعد وفاته  صلى الله عليه واله وسلم  غاظ الشيعة، وقد حملهم غيظهم على تكفير الصحابة الذين جعلوها لغير علي  عليه السلام إلا بضعة أفراد من الصحابة لم يكفروهم، وليتَهُ ذَكَرَ لنا المكفِّرينَ - بالكسر-  من الشيعة، وعرَّفَنا هل أنَّهم الموجودونَ عِندَ وفاتِهِ  صلى الله عليه واله وسلم ، أو غيرهم، من التابعين، أو تابعي التابعين، أو من جميع الشيعة من السابقين واللاحقين حتى الموجودين في زمن المؤلف.

فإنْ أراد عمومَ الشيعةَ - كما هو ظاهر كلامِه- فهي دعوى منه، عارية عن البرهان، فإنَّ الشيعة وإنْ غاظهم عدم وقوعِ خلافته عليه السلام  بعدَ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  إلاَّ أنَّ غيظهم لم يحملهم على تكفير مَنْ كان سبباً لذلك، أو كانَ يعتقدُ أنَّ ذلك هو الحقّ، وهذهِ كُتُبُ الشيعَةِ ومقالاتُهِمْ التي ذُكِرَتْ فيها المُكَفِّرات، وليس فيها لذلك عين ولا أثر.

 وبعبارة أخرى: حَمْلُ كلام صاحب الرسالة على ظاهره لا يستقيم؛ لأنَّ العلة لا ترتبط بالمعلل؛ لأنّ عدم الوقوع ظاهراً لا يكونُ علةً لحمل الغيظِ على التكفير. اللّهمّ على ضربٍ من التجوّز.

والظاهرُ أنّ مرادَه أنَّ الصحابة لمّا لم يجعلوه خليفة بعد رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  كفّرَتُهُمُ الشيعة.

ولا يخفى أنَّ نسبة تكفير الصحابة إلى الشيعة لا وجه له، فإنَّ كتُبَهُمُ الفقهيّة التي عليها اعتمادهم في الفتوى قد ذكروا فيها موجبات التكفير، كالارتداد ونحوه، ولم يذكروا منها عَدَمَ وقوعِ خلافَةِ أمير المؤمنين  عليه السلام، وما كُنّا نرجو من مثل صاحبِ اللّمعة أنْ يُصْدِرَ في هذه الإعصار مثلَ هذه العبارة، التي تجيشُ لها النُّفُوس وتُزرَعُ بها البَغْضَاءُ في القلوب، وكيف لا! وقد نسب إلى الشيعة عموماً أنّها تكفّرُ صحابة رَسولِ الله  صلى الله عليه واله وسلم  وتتبرأ منهم، ثمَّ هَبْ أنَّ في بعضِ فِرَقِهِم مَنْ يُكَفِّرُ بعضاً منهم، فلا يَنبغي نقلُهُ أولاً، ولا نسبتُهُ إلى جميع الشيعة ثانياً، أيُّ فائدةٍ في ذلك؟، غير الفرقةِ وشَقّ عصا الاجتماع.

وكان عليه بيانُ أنَّ عقيدةَ الشّيعةَ: أنّ الخليفة بلا فَصْلِ هو فلانٌ، وعقيدةُ أهل السنة أنه فلان، ولا داعي لذكر التكفير والإصرار عليه، واستتباع ذلك بما ذكره مما يزيد النُّفْرَةَ ويَشبُّ نارَ الفتنة.

ثم إنّ نسبة التكفير إلى المؤمن البريء منه كتكفيره للمؤمن، فلا فرق في الإثم والتحريم بين تكفير زيدٍ لخالد مثلاً، وبين نسبةِ تكفير خالدٍ لزيدٍ، إذا كان المكفِّرُ - بالكسر- بريئاً في نسبة الكفر إلى المكفَّر - بالفتح-.

وإذا كان الأمر كذلك فالشيعةُ الذين نسب إليهم صاحب اللمعة تكفير الصحابة إنْ أراد بهم:

الموجودين في صدر الإسلام بعد وفاة رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  فهؤلاء من الصحابة، وكما لا يجوز تكفيرهم لا يجوز نسبة تكفير المسلمين إليهم ولو فُرِضَ وقوعُ ذلك؛ لأنَّ من المعلوم أنَّه قد وقع بين الصحابة ما هو أعظمُ من ذلك، كالحربِ والسَبّ واستباحة كلام الأخر، وليس علينا إلاّ السكوتُ عن ذلك، والكفُّ عمَّا هنالك، وأيُّ خَير أو شرِّ يلحُقنا ممَنْ كَفَّرَ ومِمَنْ كُفِّر [تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ]([13]).

وإنْ أرادَ بهم غير أولئك من التابعين أو تابعي التابعين فليعرّفنا بهم، وَلْيَذْكُرْ أسْماءَهُمْ، وزمانَ صدور التكفير منهم، إِنَّ للشيعةِ مَذاهِبَ يُعرَفونَ بها لا يذكرونها، كقولهم بخلافة أمير المؤمنين بلا فصل، وأنَّ الإمامة كالنّبوة لا تكون إلا بالنّص، ولا تكون بالاختيار، وكحِلِّيّةِ المتعة، والقول بالرَّجْعَة، وأمّا تكفيرُ الصحابة فليس ذلك من فُروعِ دينهِم، ولا مِنْ أصولها.

وما ذكره هنا عن تفسير الصافي نتعرض له، فتعرف أنْ لا شهادةَ له على دعواه، على أنّه لا يلزم مما حكم به البعض أنْ يحكُم به الكلّ، كما لا يخفى.

قوله: (وقد صرّح الصّافي في تفسيره) الى آخره.

هذه العبارة تدلّ على عدم معرفة التفسير، وعدم معرفة صاحبه الذي نُسبَ إليه ما يَنسبه وهو العلاّمة الفيض محمَّد صاحِب "إحياء الإحياء" - بكسر الهمزتين- وغيره، وقد وَسَمَ أحدَ تفاسيرِه لِلقرآنِ بالصَّافي، وله تفسيرٌ أخر سمَّاه الأصفى.

وفي تفسيره المذكور([14]) لم يُصَرِّح بشيء مما يُنسبُ إليه أصلاً، وإنّما نقل رواية ربما تشتمل على ذلك، ولم يَصِفْ الروايةَ بما يُوجبُ اعتمادَه عليها.

ومن المعلوم أنّ العُلماءَ يُوردون بعضَ الرّوايات إيراداً لا اعتقاداً، وهُمْ غيرُ مؤاخَذيِنَ بما يُوجَدُ في كتبهم من الروايات بغير صحّة النقل، ولا يَعتمدُ علماءُ الامامية إلاّ على الرّوايات الصحيحة الجامعة للشرائط المعتبرة عندهم، المروية عن أهل البيت صلوات الله عليهم، ولا يكشِفُ ما رووا عمّا رأوا، فطالما يُوردون أخباراً لا يعوّلون عليها، ولا يعتنون بمضمونها.

والظاهر أنَّ علماءَ أهل السنة يذكرون في كتبهم أخباراً عن أئمتهم وهم لا يُُعَوِّلُوْنَ عليها، ويرون أنّها من الموضوعات.

وعلى أيّ حالٍ فنسبة التكفير إلى صاحب التفسير دعوى بلا برهان.

ثم لو فُرض أنّه قال بذلك، فقولُ فَرْدٍ من الطّائفة لا يُوجبُ نسبته إلى عموم الشيعة، التي من إحدى فِرَقِها هذه الطائفة، بل لا يَصِحُّ نسبةُ ذلك إلى جميع هذه الطائفة بقولِ فردٍ منها، كما لا يخفى.

والإماميّةُ قاطبةً لا يكفّرون إلاّ النَّواصِب، وهم الذين نصبوا العدواة لأهل البيت  عليهم السلام .

نعم يمكنُ أنْ يُنسب الكُفْرُ بمعنى السَّتر([15]) إلى مَنْ أَنكَرَ ولايةَ أميرِ المؤمنين  عليه السلام، ولم يلتزم بلوازمها كما يقال: (الليل كافر، والزُرّاع كفّار)،
فالمنكرون لولايته  عليه السلام كُفّار، أي: ساترون للحقّ؛ لأنَّهُم وإنْ حُكِمَ بإسلامهم، لم يشركوا، و لم ينكروا النبوّة، ولا المعاد، ولا ضرورياً من ضروريات الدين.

قوله: (ولو تأملوا آخر الآية).

مراده إنّ آخر الآية يدلُّ على أنّها نزلت في قومٍ مَحاوِيجَ أغناهُمُ اللهُ بفضله بعد الإسلام، فتبعد الآية عمَّنْ كانوا أغنياء قبل الإسلام، ولكنْ يُمكن أنْ يقال: إنّها نزلت في قومٍ أغناهُمُ اللهُ بفضلِهِ قبل الإسلام زادَ غِناهُم بعد الإسلام، وإنْ كانوا أغنياء قبله، فإنّ غِنى المسلمين كافّة بفضل من الله فليتأمل.

قوله: (وأمّا الآية المتقدمة فَنَزلَتْ في الجُلاسِ بن سُويد وأمثاله من المنافقين).

الجلاس: كغُراب ابن سُويد بن الصّامت بن خالد الأوسي الصَّحابي، وما كان ينبغي أنْ يَصِفَهُ بالمنافق، وهو صحابيٌّ، وقد تَابَ وحَسُنَ إسلامه.

وفي مجمع البيان - وهو من أجَلِّ كُتُبِ التَّفسير عِنْدَ الشّيعَة والذي عليه اعتمادهم وإليه مرجعهم-: (أنّها نَزَلَتْ في الجُلاس بِنَ سُوَيْدٍ ، وقيل: نزلت في عبد الله بن أُبَيّ بن سَلُوْل، وقيل: نزلت في أهل العقبة)([16]) إلى آخر ما ذكره في أسباب نزولها.

قوله: (وفي بعض كتب الشيعة من الحطّ على صدر الأمّةِ المحمّدية شيءٌ كثير؛ لخروجهم عن الاعتدال في ما كان عليه الصَّحَابة والآل).

لم يذكر لنا هذا الكتاب الذي عَنَاهُ لنعلم أنَّه مِنْ كُتُبِ أيِّ فرقِ الشيعة، وأنّه من الكُتُبِ المُعْتَبَرةِ عندهم، التي يأخذون بما فيها، ويعولون عليه، وإنْ كُنّا نُجوِّزُ أنْ يكونَ في بعض كُتبهم حَطٌّ على أمثال جَمَاعَةٍ من الصَّحَابَةِ الذين حصروا عثمان وقتلوه، والذين حاربوا عليّاً في البَصْرَةِ، والنَّهروان وصِفّين، وعلى جَمَاعةٍ ظَهَرَ منهم بعد وفاته  صلى الله عليه واله وسلم  من الأفعال والأقوال التي لا تجوز في الشريعة الإسلامية، كأهل الرِّدَةِ وغيرهم.

ثم إنّي لا أدري ما الذي دعا صاحبَ هذه الرسالة إلى نَقْلِ هذه الأُمُوْرِ وَنَشْرِها، وهي لا تُوجبُ إلاّ التفرُّقَ والتباغُضَ وإلقاءَ الفِتنة بينَ الفريقين، وربّما جَرّ ذلك إلى الويلِ والدَّمار.

ولقد عنْوَنَ المُصُنِّفُ هذا الفَصْلَ من الرِّسالَةِ بقوله: (الفصل الأول في الشيعة وردّ شُبَهِهِمْ)، ولم يذكر فيه إلاّ مَطاعِنَهُمْ عن الشيعة، ومثالبهم، وما ينقصهم عند إخوانهم المسلمين، وَيُوْغِرُ صُدُوْرَهُمْ عليهم، فِعْلَ مَنْ لا يريد الإصلاح، وليتَهُ عَنْوَنَ الفصل بقوله: (في مطاعن الشيعة ومثالبهم) فهو يُسِرُّ حَسْواً في إرتغائه([17]).

ولكن الأمل بأبناء القرن العشرين من السُّنَّةِ والشَّيعَةِ أنْ لا يتأثروا مما سُطّرَ في كتبٍ مَرَّتْ عليها سنون وأعوام، ولا إلى صُحُفٍ لا هَمَّ لها إلا الانتقاص والانتقاد.

قوله: (فتغافلوا وتجاهلوا عن حقيقة هذا الدين).

لا أدري مَنْ عَنى بالمتغافلين المتجاهلين، فإنّي لا أعرف من سائر فرق المسلمين أحداً تغافل وتجاهل عمّا عاناهُ المُهاجرون والأنصار، من الجِلاد والكِفاح، وبذل الأموال والأنفس في سبيل الله، وأنَّ لهم من الأجر والفضل في الذود عن حقيقةِ هذا الدين.

فإنْ أراد بهم الناسَ مَثَلاً صَحَّ الكلامُ، لكن يَبقى الضَّميرُ بلا عائد، والكلامُ بِلا رَبْطٍ بالفصلِ الذي عَقَدُه في الشِّيعَةِ وشُبَهِهِم، ولا بالمسألةِ التي هي قبله.

وإنْ أراد بهم الشيعةَ فَلا يَصِحُّ ذلك؛ لأنَّ الشيعَةَ إنّما تكوّنَتْ بعد وفاته  صلى الله عليه واله وسلم .

وعلى أيّ حالٍ فما كَتَبَهُ في هذا المقام أمرٌ معلومٌ لا يحتاج إلى البيان، فهو من أوضح الموضحات.

قوله: (فكافحوا الجاهلية وأخمدوها وتبروا أصنامها) فجزاهم الله أحسن الجزاء.

وإِنّا لا نعلم في الصَّحَابَةِ مَنْ كافَحَ وجَاهَدَ كِفاحَ أمير المؤمنين وجِهادَه، ولقد كان هو المدرّب لجيوشِ المسلمين، والمدبّر رحى حُرُوبهم على الكافرين، وهو الذي كَسَر الأصنام التي على الكعبة، وقد تمنّى ذلك بعضُ قريش فقال له رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  (إنّ الذي عَبَدَ الصَّنَم لا يقلعه)([18]).

ونقل عن مسند أحمد بن حنبل عن أبي مريم عن علي  عليه السلام قال: (انطلقتُ أنا والنبي  صلى الله عليه واله وسلم  حتى أتينا الكعبة، فقال لي رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  اجلس، وصَعَدَ على منكبي، فنهضتُ به، فرأى منّي ضعفاً، فنزل، وجلس وقال: اصعد على منكبي، فصعدتُ على منكبيه، فنهضَ بي، وقد يُخيّل إليّ أنَّي لو شئتُ لنلتُ أُفُقَ السَّماء، حتّى صَعَدْتُ على البيتِ وعليه تمثالُ صفر أو نحاس، إلى أن قال لي رسول الله: اقذفْ به، فقذفتُ به، فتكسَّر كما تتكسّرُ القوارير)([19]) انتهى ملخصّا، ولبعض الشعراء وقد قيل له لم لا تمدح علياً فقال:

قيلَ لي قُلْ في عليٍّ مِدْحَةً
قُلتُ لا أُقْدِمُ في مَدْحِ امْرِئٍ
والنبيُّ المُصْطفى قال لنا
وَضَعَ اللهُ على كتفي يَداً
وعليٌّ واضِعٌ أقَدامَهُ
 

 

ذِكْرُها يُخْمِدُ ناراً مُوصَدَه
جَاوَزَ اللُّبَّ إلى أنْ عَبَدَه
لَيلةَ المِعراجِ لمَّا صَعَّدَهْ
فأحَسَّ القلبَ أنْ قَدْ بَرَّدَهْ
في مَحلٍّ وَضَعَ اللهُ يَدَهْ([20])
 

 

وأنزل الله [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ] إلى آخر الآية.

روي عن أبي سعيد الخُدْرِيّ أنّ النبيَّ  صلى الله عليه واله وسلم  دعا النّاسَ إلى عليٍّ في غدير خمّ، وأمَرَ بما تحتَ الشَّجَرَةِ فقمّم، فدعا علياً فأخَذَ بِضَبْعَيْهِ، فرفعها حتّى نَظَرَ النّاسُ إلى بياض إِبْطَي رَسُوْلِ الله وعليّ، ثمّ لم يتفرقوا حتّى نَزَلَتْ هذه الآية [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ]([21]).. إلى آخره، فقال رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة وَرِضا الربّ برسالتي، والولاية لعليّ بن أبي طالب بعدي، ثمّ قال: (مَنْ كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه اللّهم والِ مَنْ وَالاَه وَعادِ مَنْ عاداه وانصُرْ مَنْ نَصََرَهُ واخذُلْ مَنْ خَذَلَه)([22]).

واعلم أنَّ حديثَ الغدير من الأخبار المتواترة عند الفريقـــــين، ولا يرتاب في ثبوته وصحّتـــــه أحد، وقد أَجمَــــعَ علماءُ الأمّة على صحته وقبولــه، ويقـــــــــال: إِنـَّهُ قد جُمِعَتْ في طــــرق أحاديث الغديــــر ورواياته مجلّدات ضَخْمَة.

ونَظَـــمَ ذلــــك الشعراء([23]) كحسّان بن ثابت، وقيس بن سعد، والكُميت، والحميري، وأبي تمّام الطائي في رائيته الشهيرة التي نَظَمَها في مَدْحِ أهلِ البَيت وتفضيل علي  عليه السلام.

وروى أيضاً أنّ آية [يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ]([24]) إلى آخر الآية, نَزَلَتْ في عليٍّ يوم غدير خمّ، وقال: (أيّها الناس ألستُ أولى منكم بأنفسكم، قالوا بلى يا رسولَ الله، قال: من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه اللهم والِ مَنْ والاه) إلى أنْ قال: (وأدر الحقّ معه كيفما دار)([25]).

ولكنّ الخلاف في دلالة الخبر على الإمامة، فالشيعةُ جَعَلوهُ من النّصوص الدالّة على إمامةِ أمير المؤمنين وخلافته، ومخالفوا الشيعة أوّلوهُ على خلافِ ذلك.

ومرجعُ النزاع إلى أنَّ المرادَ بالمولى، هل هو الأولى بالتصرف في أمور المسلمين؟ أو هو بمعنى المحبّ والناصر؟ وقد أقام الشيعةُ أدلةً وَأَماراتٍ على أنَّ المراد أولوية التصرّف في الأموال والأنفس، وهو المعنى الذيَ فَهِمَهُ أهلُ اللّسان ونظموه في أشعارهم، وهو قضيةُ إكمال الدين وإتمام النعمة، وقضيةُ اهتمامه  صلى الله عليه واله وسلم  به، ولبسطِ الكلامِ في الأمرِ مَوْضِعٌ آخر، وإنمّا تعرّضْنا له؛ لأنَّ صاحب الرسالة ذكر الآية الشريفة فتعرّضنا لشيء مما يتعلّق بنزولها ومعناها والخلاف في ذلك.

قوله: (فلبّى المهاجرون والأنصار([26])دعوته في حياته).. إلى أخره.

ما ذكره من المدح والثناءِ على أصحابِ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  أمرٌ لا تنكره الشيعة، وناقلُهُ لهم كناقل التّمر إلى هَجَر، ولا نعلمُ أيُّ رَبْطٍ لهذا الكلام في الفصل الذي عَقَدَه في الشيعة أو شبههم، وأغلب الآياتِ التي أورَدَهَا تَرَى الشيعةُ أنّها نزلت في عليٍّ  عليه السلام، بل عَدّوا أكثرَ من ثمانين آيةً نَزَلَتْ في حقّ عليّ  عليه السلام وإنْ ناقش في بعضها المخالفون.

والإِنصافُ أنّه لا يمكنُ الأخذ بعمومِ الآياتِ، بأنْ يقال إنّ جميع الأصحاب مَنْ ماتَ في حياتهِ ومن مات بعد وفاته وإنْ أحَدَثَ ما أحَدَثْ، وفَعَلَ ما فَعَل لَهُ مَا لَهُ من الأجر والثّوابِ ما كان له عند نزول الآياتِ وقبلَ صُدور المعاصي منه، والدليلُ على ذلك قوله تعالى في آية: [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا] أنه قال تعالى: [وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ]([27]).

قوله: (وأفضل المهاجرين العشرة المبشرة وعلي بن أبي طالب أحدهم).

هذه المسألةُ كأكثر مسائل هذا الفصل التي أوردها هنا لا ربط لها بالموضوع الذي عقد له الفصل، وإنّما نتكلم فيها لإلزامنا بالتّعليق على ما كَتَبَ في هذه الرسالة.

أما قوله: (وعليٌ أحدهم) ففيه حَطٌّ من كرامةِ عليّ ومقامه؛ لأنه مُشْعِرٌ بمساواتِهِ لأقلّهم فضلاً، ولم يَقُلْ: (وأبو بكر أحدهم)، أترى أنّه يريدُ أنْ يُعْلِمَ الشيعةَ ذلك، ويَسُرُّهُم بأنّ إمامَهم ممَنْ بُشِّرَ بالجنَّة، وهم يَرونَ أنّه (قسيم الجنة والنار)، وأنّ أعَمَالَ الخلائق لا تَصِحُّ ولا تُقْبلُ بدونِ ولايته)!

وإنّي لا أظنُّ أنَّه قَصَدَ بذلك سُوءاً، وإنّما جَرَى قلمُهُ بما جَرَى.

وعلى أيّ حالٍ فعليٌّ عند الشيعة أفضلُ الخَلْقِ بَعْدَ رسولِ الله  صلى الله عليه واله وسلم .

والآن وهو اليوم الثاني عشر من شهرِ ربيع الأول أمامي كتابُ (كنوز الحَقَائق في حديثِ خيرِ الخلائق) للإمام المناوي، فنظرتُ فيما ذكَرَه مما أوّلُه العينُ المهملة، فوجدتُه قد ذَكَرَ في لفظِ عليٍّ أحاديثَ كثيرةً تدلُّ على أعْظَمَ مما يَذْكُرُه الشّيعَةُ في فَضْلِهِ  عليه السلام فراجع ذلك إنْ شئت([28]).

والعشرة المبشّرةُ بالجنّة هُم: الخلفاءُ الأربعة، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف - وهــو أحدُ الستة الذيـن ذكروا للشــورى- ، وسعـدُ بن أبي وقاص - وهو أحدُ أصحاب الشورى وآخر العشرة موتاً- ، وَسعيدُ بن زيد بن عمرو بن نُفَيْلٍ - وَلِنُفَيْلٍ ولدٌ آخَرُ وَهُوَ الخَطّابُ أبو عمر، فيكونُ عمر ابن عَمِّ أبيه- ، وأبو عُبَيْدَةَ عامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الجَرّاح، وَقَدِ اشْتَهَرَ بِكُنْيَتِهِ وَنَسبهِ إلى جَدِّه توفى سنة 18هـ.

 وقد ذكرنا أنَّ مُعْتَقَدَ الشّيعةِ الإماميّةِ، وَفِرَقٍ أُخَرَ من المسلمين أنَّ علياً أفضل العشرة، على كِلا التفسيرَيْنِ لمعنى الأفضل، وهما: الأَكْثَرُ ثواباً، أوِ الأَجْمَعُ لمَزايا الفضلِ والخِلالِ الحَمِيْدَة.

وأمّا البشارةُ وهيَ الإِخبارُ بما يَسُرّ كالبشارة بالجنّة، منها: الوعد بها، وقد بَشَّرَ اللهُ المتقين والمؤمنين في غير موضِع من كتابه العزيز، ولكنْ من المعلوم أنّ وَعْدَ المؤمنِ بالجنّة، وبشارَتهُ بها مَشْرُوْطٌ بأنْ لا يُحدِثَ ما يُحْبِطُ عَمَلَه، ويجعلَهُ كَرَمادٍ اشتدتْ بهِ الريح.

وأمّا هذا الخبر فإنا نذكر ملخص ما ذكره المرتضى في الشافي في شأنه قال:

(فأول ما فيه أنّه خبر آحادٍ لا يُفيدُ عِلْماً، ثمّ الذي رواه أحَدُ العَشَرة وهو سعيدُ بن زيد بن نفيل، ودخولُهُ في جملة مِن زكّاهُ تزكيةٌ لنفسهِ، وهو طريق للشبهة، وَالتُّهَمَةِ.

وبعدُ فقد عَلِمْنا أنَّ اللهَ تعالى لا يجوز أنْ يُعلم مكلّفاً غيرَ معصومٍ من الذنوب بأنَّ عاقبته الجنة؛ لأنَّ ذلك يغريه بالقبيح، ولا خلاف في أنَّ تسعةً منهم لم يكونوا معصومين، بل وَقَعَ من بعضهم خطايا وذنوب.

ومما يُبيّنُ بطلانَ هذا الخبر أنّ أبا بكر لم يَحْتَجَّ بهِ لنفسه، ولا احتجّ لهُ أحدٌ في مواطنَ دُفِعَ فيها إلى الاحتجاج كالسقيفة وغيرها، وكذلك عثمان لمّا حُوصِرَ وطُولِبَ بخلعِ نَفْسِهِ وهَمُّوا بقتله، وقد رأيناهُ احتجّ بأشياء تجري مجرى الفضائل، وذكر القطع له بالجنة أولى منها بالذكر وأحرى بأن يعتمد عليه في الاحتجاج، وفي عدول الجماعة عن ذكره دلالة واضحة على بطلانه)([29]).

قوله: (استطراد: قلتُ لأحد علماء الشيعة: إنّ كُتُبَ الحديث عند أهل السُّنّة مشحونةٌ بذكر فضائل أهل البيت والصّحابة، فقال: ليس عندنا في كُتبنا شيءٌ في فضل الصحابة).

الموجود في كتبهم ذِكرُ فضلِ المؤمنين والمتقين وفضل الإيمان والتقوى، وليس فيها ذكر فضل الصَّحابة، بهذا اللفظ المخصوص، وربّما يُوجَدُ في كُتبهِم الرّجالية ثناءٌ على أفرادٍ من الصَّحابة والتابعين، وأمّا أهلُ البيت فلهم في

فضائلهم كُتُبٌ كثيرة.

قوله: (فقلتُ له: إنّ القرآن العظيم ناطق بفضلهم، فذكرتُ له الآيات المذكورة فسَكَت).

هذا الكلام لا يصلح رداً لكلام ذلك (الأحد)، بل لا رَبْطَ له بما قاله من أنّه (ليس عندنا في كتبنا) إلى آخره؛ إذ لو سأله: مَنْ ذكرَ فَضْلهُم في القرآن أو مطلقاً؟ لتوجَهَ اليه ذلك القول، وهو قوله: (فقلت له..)، اللهم إلا أنْ يريد: أنّ القرآن أيضاً من كُتبكِم فَلِمَ تقول لا يوجد إلى آخره، أو يُريد الاعْتِراضَ عليه بأنَّ القُرْآنَ ناطِقٌ بفضلهم، فلماذا تَخْلُوْا عنه كتبكم.

وهذا الاعْتِراضُ والجواب يُشْبِهُ ما يُنقل من أنّه اجتَمَع سُنّيٌّ وشِيْعِيٌّ، فقالَ السُّنيُّ للِشّيْعِيِّ: لِمَ لا تحترمون الشّيخين وقد دُفِنا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ، فقالَ الشِّيعِيُّ: ثمَّ ماذا إنّ آدمَ وَنُوْحاً قد دُفِنا مع عليٍّ، فسَكَتْ السُّنّي.

فإذا كان الجوابُ مثلُ هذا فالسّْكُوتُ أولى؛ لأنّه لا ينتهي.

ثم إنّ قَوْلَهُ: (إنَّ القرآنَ العظيمَ ناطِقٌ بِفَضْلِهِمْ).

إنْ أرادَ: أنّه ناطِقٌ بِفَضْلِ الصَّحَابةِ بهذا اللَّفُظِ فليس في القرآنِ لَفْظُ "صحابة" أَصْلاً.

وإنْ أراد ذَكَرَهُمْ بغير هذا اللفظ كقوله تعالى: [وَالَّذِينَ مَعَهُ]([30])، فقد يُدّعَى
ظُهُوْرُهُ في ذلك، ولكنْ يُمْكِنُ إرادةُ جميعِ المسلمين الذين اتبعوه.

وقد نُقِلَ عَنْ عَطَاء أنَّه قال دَخَلَ في هذه الآية كلُّ مَنْ صَلَّى الخَمْسَ.

وتُحْمَلُ على غيرِ ذلك، فإنّ محقّقات المعيّة كثيرة، ولا يُعْلَمْ أيّها أريد، ولم يَرِدْ تفسيرُ ذلكَ عنه  صلى الله عليه واله وسلم ، ويحتمل أنْ يريدَ بهم جَمَاعَةً مخصوصة.

وأمّا قوله تعالى: [لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ]([31]) فالظّاهرُ أنَّ المرادَ أنّه رَضيَ عن بيعتهم لك، أو عنهم فيها، لا في كلّ ما يفعلون.

مضافاً إلى أنّه قد يَرِدُ في القرآن الشريفَ لفظُ الجمع مُراداً به أفراد مخصوصة، كما في قوله تعالى: [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ]([32]) الى آخر الآية، بل قد يأتي الجَمْعُ في مَورِدٍ يُقْصَدُ فيه الفرد كما في قوله تعالى: [الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ]([33]) قال في المجمع: (إنّ أهلَ اللُّغَةِ يُعبّرونَ بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التفخيم والتعظيم)([34]).

وعقد أحمدُ ابنُ فارس أحدُ أئمة اللغة العربية في القرن الرّابع في كتابه الصاحبي باباً في الجمع يرادُ بهِ واحد واثنان، قال: (ومن سنن العرب الاتيان بلفظ الجمع، والمراد به واحد واثنان)، إلى أن قال: (ومنه قوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ]([35])، كأنّ رَجُلاً نادى: (يا مُحَمَّدُ إنّ مدحي زَيْن وإنّ

شتمي شَيْن)([36]).

وعلى هذا فمِنَ الجائز أنْ يُرادَ من هذه الجُمُوْعِ واحِدٌ أوْ آحادٌ مخصوصةٌ، لم يُصَرِّحِ القُرْآنُ بِها.

(استطراد)

قوله: وقوله تعالى: [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ]([37]) من سورة النور.

(قال أهلُ التفسير: هذه الآية الشريفة دالّةٌ على صحّة النبوة والإخبار عن الغَيْبِ على ما هو به، وخلافةُ الخلفاء الراشدين؛ إذ لم يجتمع الموعود والموعود عليه لغيرهم بالإجماع).

ينبغي أنْ يكونَ مراده بأهل التفسير القاضي البَيضاوي الشيرازي، فإنّ هذه هي عبارته في تفسيره([38])، وبعد قوله: (بالإجماع) قوله: (وقيل: الخوف من العذاب والأمن منه في الآخرة).

وقال الزمخشري في تفسيره: (فإنْ قلت: هل في هذه الآية دليلٌ على أمر
 الخلفاء الراشدين؟ قلت: أوضحُ دليلٍ وأبينه؛ لأنَّ المستخلفين الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم هم)([39]).

وقال محمد الرازي في تفسيره: (دلّت الآيةُ على إمامَة الأئمّة الأربعة)، إلى أن قال: (الاستخلافُ الذي هذا وصفُهُ إنّما كانَ في أيّامِ أبي بكرَ وعُمَرَ وعثمان) إلى أنْ قال: (ولم يحصُل ذلك في أيّام عليٍّ؛ لأنه لم يتفرّغ لجهاد الكفار؛ لاشتغاله بمحاربة من خالفه من أهل الصلاة، فثبت بهذا دلالةُ الآية على صِحّةِ خلافَة هؤلاء)([40]).

وكلامه ينقضُ آخرُه أوَّلَه، فإنّه ادّعى أولاً الدلالةَ على إمامة الأربعة، ثم خَصَّها بظاهرِ كلامه أخيراً بالثّلاثة، مع أنّ عثمانَ في آخِرِ أمرِهِ لم يَتَفرَّغْ لجهادِ الكُفّار؛ لاِشْتِغالهِ بالْفِتَنِ التي حدثت من أهل الصلاة حتى آل الأمْرُ إلى حِصارِهِ وَقَتْلهِ.

وقال النَّيْسابُوْرِيُّ: (قال أهلُ السّنة في الآية دلالةٌ على إمامةِ الْخُلَفاءِ الراشدين؛ لأنَّ قوله: (منكم) للتبعيض، وذلك البعض يَجبُ أنْ يكونَ من الحاضرين وقت الخطاب) إلى أنْ قال: (واعتُرض بأنّ قوله: (منكم) لِمَ لا يجوزُ أنْ يكون للبيان، ولِمَ لا يجوز أنْ يُراد (بالاستخلاف في الأرض), هو إمكان التصرُّف ]والتوطن] فيها، كما في حقّ بني إسرائيل؟ سلّمنا, [سلّمنا] لكِنْ لِمَ لا يجوزُ أنْ يرادَ به خلافةُ عليّ عليه السلام  والجمع للتعظيم، أو يراد هو وأولاده الأحد عشر بعده؟)([41]).

واستدلَّ بهذه الآية أيضاً القاضي فضل بن روزبهان الشيرازي الأصفهاني في خاتمة كتابه الذي رَدّ به كتاب (نهج الحق)، وقدْ تعرّض لهذِهِ الآية قاضي القضاة في كتابه المغني.

وكلماتُ القوم متقاربةٌ حولَ الموضوع، ولو أردنا استيفاءها واستيفاء ما قاله مفسّرو الشيعة ومتكلّموهم في تفسير هذه الآية الشريفة ودفع شبهاتها لطال المقام واتسع المجال.

ولكنّ الإنصافَ أنَّ تطبيق الآية على خُصوص الخلفاءِ دونَ الأمّة تفسيرٌ بالرّأي والهَوَى بلا نَصٍّ يُذْكَر ولا خَبَرٍ يُؤْثَر، ولا يَعْرِفُ القُرْآنَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ إِلاّ مَنْ خُوْطِبَ بهِ.

وقال أبو عبد الله الصادُقُ  عليه السلام لأبي حنيفةَ فقيهِ أهلِ العراق: (ويلك ما جَعَل اللهُ ذلك -العِلمَ بالكتاب- إلاّ عندَ أهلِ الكتابِ الذين أَنزل عليهم، ويلكَ ما هو إلاّ عند الخاصّ من ذُرّية نبيّنا وما وَرَّثَكَ اللهُ من كتابه حرفا)([42]).

هذا كلامُ الصّادِق مع فقيهِ أهلِ العراق ومَنْ طَبَّقَ فَضْلُهُ الآفاق.

ونحوه قولُ أبي جعفر  عليه السلام لفقيه أهل البصرة: (إنْ كنتَ فسَّرْتَ القرآنَ
من تلقاءِ نفسك فقد هَلَكْتَ وأهْلَكْتَ إنّما يَعْرِفُ القرآنَ مَنْ

خُوطِبَ به)([43]).

فإذا كانَ مثلُ هذَيْنِ الفقيهين وقد نشأ وترعرعا في العرب، وكان قتادة بن دعامة مع علمه بالحديث والتفسير رأساً في العربية ومفردات اللغة لا يُجوِّزُ لهما التفسيرَ بالرّأي، فما ظَنُّكَ بالأعاجم الذين دَرَجُوا وتخرّجوا في بلاد فارس وأهلِها.

وَلَعَمْرِي إنَّ التَّعَصُّبَ الفارِسيَّ لكامِنٌ في نُفوسِهم، ولَقَد أفسَدوا قلوبَ أهلِ السُّنَّة وملؤوها غيظاً وحنقاً على إخوانهم من الشيعة، وفي هلاكِ أيِّ الفريقين من العرب أمنيّتهم المقصودة وضالّتهم المنشودة.

نعم يجوز لنا كما ثَبَتَ في محلّه الأخذُ بظواهر الكتاب الواضحةِ المعنى، بعد الفحص عن نسخها وتخصيصها.

وعلى هذا فنقول: إنّ ظاهرَ الآية إنّ الموعودين همُ المؤمنون الصالحون من الأمّة إنْ كانت (من) بيانية كما هو المرويُّ عن عبد الملك بن جريح عن مجاهد أنّه قال: (هم أمّةُ محمّد) أو جماعة منهم إنْ كانت للتبعيض والاستخلاف جعلهم عوضاً وخلفاً عن غيرهم، كقوله تعالى: [جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ]([44]).

وليس المراد به الإمامة والزَّعامة، وهذا الاستخلاف والتّمكين في الدّين وإبدال الخوف بالأمن لم يتأخر إلى زمان الخلفاء، بل كان في أيّام النبي  صلى الله عليه واله وسلم  حينَ قَمَع اللهُ أعداءَهُ، وأظهرَ دعوتَه، وأكمل دينه، وجعل المسلمين خلفاء عن غيرهم فيما استولوا عليه، ومعاذ الله أنْ نقول: إنّ الله لم يُكمل دينه لنبيِّهِ في حياتهِ.

ولو كان التمكينُ بكثرة الفتوح لكانَتِ الآيةُ دليلاً على إمامةِ مُعاويةَ وبني أُمَيّةَ؛ لأنّهم فتحوا بلاداً كثيرة لم يفتحها المسلمون قبلهم، وقد كانوا يخافون من أعدائهم، وبالفتح أبدلَ اللهُ خوفَهُم بالأمن مما كانوا يخافونه.

بل يمكنُ دَعوى دلالة الآية على خلافةِ السلطان مُحمَّدٍ الفاتحِ الذي فتح القسطنطينية، وعلى إمامة صلاح الدين الأيّوْبِيّ وَغَيْرِهِ من أهل الفتوحات في الإسلام.

ثمّ من المعلوم أنّ استخلافَ الخلفاء لم يكن من اللهِ ولا من رسوله، وإنّما كان باختيار أكثر الأمة، واختيار الواحد منهم، واختيار بعض أهل الشورى.

ونُلَخِصُّ لكَ ما في مَجْمَع البيان لأحد علماء الأمامية قال:

[وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ] أي: صدَّقوا باللهِ ورسوله [وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ] الطّاعاتُ الخالصة لله [لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ] أي: ليجعلنهم يخلفون من قبلهم.

والمعنى: ليورثَنَّهُم أرض الكفّار، ويجعلهم سكّانها وملوكها [كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ] إذ أهلك الجبابرة في مصر وأورثَهُم أرضهم وديارهم.

وعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أنّ المسلمين كانوا لا يبيتون إلاّ مع السلاح، ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا: أترون أنّا نعيشُ آمِنِيْنَ لا نخاف إلا اللهَ، فنزلت هذه الآيةُ، [وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا] بقوة الإسلام وانبساطه، إلى أن قال: (والمرويُّ عن أهل البيت أنّها في المهديّ من آل محمد  صلى الله عليه واله وسلم ) إلى آخر ما ذكره في هذا المقام فراجعه إنْ شئت ([45]).

وقد بقيَ علينا التعليقُ على عبارة البيضاوي هنا بأنّ دلالتها (على خلافة الخلفاء) ممنوعة؛ لعدم وجود أثرٍ يدلُّ على التخصيص، وقد عرفتَ معنى الاستخلاف،(واجتماع الموعود به والموعود عليه) قد حصل للنبي  صلى الله عليه واله وسلم  وأصحابه قبل خلافتهم.

وقوله: (بالإجماع) لا نعلمُ ما أرادَ بالمجمع عليه، فإنْ أرادَ حصولَ ذلك لهم دون غيرهم فهو ممنوعٌ أشدَّ المنعِ.

قوله: (وقد اجتمعتُ مرّة بأحدِ علمائهم فذكرتُ له فضائلَ أصحابِ رسول الله التي نطق بها القرآن العظيم).

لا أعلمُ أنّ سماحَةَ صاحب اللّمعة لِمَ لَمْ يذكر له فضائلَ أهل البيت الذين إليهم ينتمي وبهم فَخْرُهُ وشَرَفُهُ، قد نطق بها الكتاب والسنة، والظاهر أنّ ذلك لأنّها من الأمور المسلَّمَة، بخلافِ فضائلِ الصَّحَابة فإنّها موضعُ نزاعٍ وخلاف.

قوله: (فقال: هذه في حياة الرسول وبعد وفاته كفروا، فقلت له: الخُلْفُ في إخبار الله محال؛ لأنه لا يجوز النَّسخ في الإخبار كما يجوز في الإنشاء كما هو مقرر في الأصول فانقطع).

الآية التي مرَّ ذكرها في الرسالة وهي قوله تعالى: [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا] إلى أن
قال تعالى: [وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ]([46]) صريحةٌ في إمكان وقوع الكفر من الذين آمنوا وعملوا الصالحات في حياته بعد وفاته وقبلها، وكذلك قوله تعالى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ]([47])، وقوله تعالى: [أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ]([48]).

وقد روي في صحيح البخاري وغيره أنه  صلى الله عليه واله وسلم  قال: (لَيَرِدُنَّ عَليَّ الحَوْضَ أقوامٌ ثمّ ليُختَلَجُنَّ دُوني فأقول: يا ربّي أصحابي أصحابي فيقال لي: إنّكَ لا تدري ما أحدثوا بَعْدَكَ إنّهم لم يزالوا مُرتَدّينَ على أعقابهم مُنْذُ فارَقْتَهُم)([49]).

ويكفي لإمكان الوقوع أنْ يراد ولو القليل من الأصحاب، كما ادّعى ذلك ابن قتيبة في كتاب تأويل مختلف الحديث([50])، وقد سَجّل التأريخ إنّ جماعةً ارتدوا بعد إسلامهم وصُحبتهم.

وأما قوله: (الخلف في إخبار الله محال لأنه لا يجوز النسخ في الإخبار) فهو أمرٌ لا شَكّ فيه؛ لأنَّ خلف الوعد قبيح؛ لأنه مستلزم للكذب، وكذلك النّسخُ للخَبر العاري عن الحكم والإنشاء؛ لأنه يستلزم الخلف أيضاً، والله تعالى لا يُخلِفُ الميعاد.

فإذا وَعَدَ اللهُ شخصاً في الجنّة، فلا بُدّ من أنْ نلتزم بعَدَمِ صُدورِ الكُفر والارتداد منه، وإلاّ لزم أحدُ الأمرين: أمّا الخلف في الوعد، أو دخول الكافر الجنة.

ولكن يمكن أنْ يدّعى إمكان صدور الكفر ممن وُعِدَ بالجنّة بلا محذور في ذلك، وإنّ استلزام الكفر النقضَ ليس من باب النسخ، وإنّما هو من باب تبدُّلِ الموضوع، فلو وَعَدَ المسلمَ بالجنّة وأوعَدَ الكافرَ بالنّار، وكان فلانٌ مثلاً مسلماً، ثم صارَ كافراً، تبدَّلَ الوَعْدُ في حقِّه بالوعيد؛ لتبدُّلِ الموضوع.

وما كان في الآياتِ الشريفةِ من هذا القبيل، أعني: أنْ الموضوع فيها من قبيل الكُلّي ذي الأفراد والمصاديق، فإذا آمن فلانٌ دَخَلَ في مَنْ آمن بالله، وإذا كَفَرَ انتفى صِدْقُ المؤمنِ عليه ودَخَل في مَن كَفَرَ.

نعم لو كان الموعود جزئياً حقيقياً وعَلَمَاً شخصياً، وقال له القائل: (لك كذا) بلا شرطٍ ولا قيدٍ.

وعلى كلّ حالٍ لم يَجُزْ النَّسْخُ ولا الخَلْفُ، وكان صدوره من الله عز وجل محالاً، اللهُمَّ إلاّ المعصوم من الكبائر والصغائر.

ولكن من المعلومِ لِمَنْ له أقلّ علمٍ بالكِتابِ الشَّريفِ والسُّنّةِ المقدَّسَةِ أنَّ اللهَ تعالى إذا وَعَدَ المتقين أو المؤمنين بالجنة والنعيم الدائم، وإذا أوعد الكافرين بالجحيم والعذاب إذا استقاموا وداموا على تلك الحال والصفة التي قارنت الوعد أو الوعيد، قال تعالى: [الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا]([51])، وقال تعالى: [أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ]([52])، ونحوِ ذلكَ الوعد باستجابة الدعاء (ادعوني استجب لكم)، وقوله تعالى: [أُُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي]([53]) فإنّ لاستجابة الدعاء شروطاً وقيوداً مَنْ طَلَبَها وَقَفَ عليها.

ثّم إنّ ما ذكره منقوضٌ بالكافرين الذين وُعِدوا بالنّار فلا بُدَّ أنْ تكون لهم النار وإنْ أسلموا واهتدوا؛ لأنّ الخُلْفَ في إخبار الله محالٌ ولا يجوز النسخ في الإخبار.

والحاصل: إِنّ المسلم له ما له إذا استقام على إسلامه إلى مَجِيْئِ حِمامه، والكافر عليه ما عليه كذلك.

وأمّا انقطاعُ ذلك الأحد فيُحتمل أنّه من باب التسليم للدعوى: (أن الكفر يستلزَم)، ويحتمل أنّه حذراً من إصراره على مدّعاه، أو غير ذلك.

ثم إنّ الظاهر أنَّ دعوى: أنّ الخلف في إخباره محالٌ؛ لأنه قبيح عقلاً، فالذي ينفي الحسن والقبح العقليين لا ينفي أنْ يراه مُحالاً فتأمل.

 

 

بحثٌ في الخلافة

(اعلم أنَّ الخلافةَ لو كانت لعليٍّ بَعْدَ رسولِ اللهِ  صلى الله عليه واله وسلم  بلا فاصلٍ بالنّصّ، كما هو عند الشيعة، وكان عدمُ وقوعها فعلاً مكفّراً للصحابة عندهم لَكان الواجب على عليٍّ القيامُ لها، ولا يَجوزُ لَهُ السُّكُوتُ عنها، والحال أنّه  رضي الله عنه  بايَعَهُم واحداً بَعْدَ واحد، وصلّى خلفهم وصَاحَبَهم وساكَنَهم وصاهَرَهُم وجَاهَدَ في سبيلِ اللهِ مَعَهُمْ، وأخذ من سَبيهم، وأقام الحُدود عندهم، نحو خمس وعشرين سنة، على المودّة والأخوة والصَّفاء والوفاء).

ما اشتمل عليه هذا البحث من الأمور المسطورة ذكرها علماءُ أهلِ السُّنّةِ قبل صاحب اللمعة بما يقارب الألف سنة، وأجاب عنها علماء الأمامية, ثم تكرر ذكرها في القرن السابع بين علماء ذلك العصر كابن المطهّر وابن تيمية، والفضل بن روزبهان الأصفهاني وغيرهم، مع سَبٍّ وشتمٍ، انظر كتاب منهاج السنة لابن تيمية في ردّهِ على كتاب منهاج الكرامة لابن المطهر الذي ما فيه من الشتم والقدح الذي لا ينبغي صدوره في مقام المناظرة والاحتجاج.

وعلى أيِّ حالٍ فقد ذكر صاحب اللمعة مما ذكَرَه سلَفَه أموراً، وقد أجابَ عنها علماءُ الأماميّة أولاً بطريق إجمالي:

وهو أنه بعد ثبوت خلافة أمير المؤمنين بلا فصلٍ والقطع بإمامتِهِ من طريقِ العَقْل والنّقلِ كتاباً وسُنَّةً، وبعد ثبوتِ عِصْمَتِهِ يَجب حَمْلُ جميع أفعاله وأقواله على حِكَمٍ ومصالح، يظهرُ لنا منها بعض، ويخفى عنّا بعضٌ آخر.

فَسُكُوْتُهُ وسُكونُه ومُعاشَرتُهُ لا دليل فيها على أحقّية مَنْ سَكَتَ عنه وعاشره بالمعروف، كما لا دليلَ فيها على رضاه القلبي وحبّه الواقعي.

وهو سلام الله عليه أعلمُ بما فيه صلاحُ الأمّة الحديثةِ العهد بالإسلام، وبما يجتمع به شملها، ويقوّي كيانها ويتوَحَّدُ به كلمة المسلمين أمام أعراب البادية وقبائل العرب، التي ارتد منها من ارتد، وبقي فيها مَنْ هو على وَشَكِ الارتداد، وحفظ صورة الإسلام من تطرُّق الوهن والخلل، هو الذي هوَّن عليه تحمّل ما عاناه مما جَرَى عليه من الهَوان والخضوع لمن لا يراه نظيراً له في نسب ولا حسب.

وعندي أنّ له بهذا الصّبر وجهاد النفس، وتحمّل المكاره من الأجر والثواب ما لا يُحصيه إلاّ اللهُ تعالى، فإنّه  عليه السلام لو قام في وجوه القوم، ودافعهم لأدّى ذلك إلى الحرب والكفاح، وإلى تشتُّتِ أمرِ المسلمين، وقوّة أعدائهم الذين يتربّصون بهم الدوائر، يريدون محق الإسلام.

وما كان تنازله عن حقوقه واندفاعه عن مقامه جُبناً منه، ولا خوفاً على حياته، وإنّما كان ذلك حفظاً للإسلام، وكلمة التوحيد، فإنّه أشفقُ الناسِ عليه، وأحرصهم على بقائه.

وأني أضربُ لك مثلاً ضَرَّتين تنازعتا وليداً، ولا شاهدَ ولا بيّنة، ولمّا رأى ذلك مَنْ تحاكَمَتا إليه قال: إنْ لم تتنازل إحداكما عن حقوقها للأخرى فإنّي أقْسِمُ الوَلَدَ بسيفي هذا نصفين، فقالت إِحداهُما: رَضِيتُ بحُكْمِكَ، وقالت الأخرى: أنا أتنازل عن حقوقي، ويبقى الولد سالماً لضَرَّتي، فقال الله أكبر: أَنْتِ أُمُّه.

فيا عبادَ اللهِ إنَّ علياً قام بواجبه، ونطق بحجّته، ولكن إلى حدّ لا يوجب سفكَ الدماء، وتغلّب الأعداء الذي يلزم من جرّائه محق الإسلام، وتلفُ القرآن، وكلمتي الشهادة، وجمعٌ من أهل الإيمان والولاء.

ولو لم يكن في حفظ صورة الإسلام إلا حفظ القرآن الذي اشتمل على ذكر فضائله، والذي هو أكبر مرشد إلى الحق، وإلا كلمتي الشهادة التي يذكر فيهما اسمُ ابن عمِّهِ في كلِّ يومٍ خمس مرّات، وغير ذلك، لَكان من أهمّ ما يحافظ عليه، ويُبذل لحفظه كلّ غالٍ وثمينٍ يمتطى في طلبه الصعب والذلول.

والحاصل: إنه  عليه السلام أعرَفُ بتكليفه، وأعرف بالواجب عليه وعلى غيره، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب.

وسكوته عن طلب حقّه لم يتحقق، بل الثابتُ خلافُه، وقد امتنع من البيعة مدّة من الزمان، كان هو وأهل بيته وأوليائه يطالبون بحقوقه، ويذكّرونَ النَاسَ بفضائله، وبما قاله رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  في حقّه، وبما له من الفضيلة والمنزلة، ولم يرتدع في هذه المدة مرْتَدِعٌ، ولم يَقْم له فيها ناصر.

ولو فُرضَ سُكوتُه عن المطالبة بحقّهِ لم يكن بذلك بأس؛ لأنّه  عليه السلام على عِلْمٍ بأنَّ المسلمين المهاجر منهم والأنصاري قد علموا وسمعوا من النبي  صلى الله عليه واله وسلم  ما تتمُّ بهِ عليهم الحُجّة، وعلموا ما نزل في حقّهِ من الكتاب المجيد.

ثم أنّ صاحبَ اللمعة ذكر هنا أموراً قد اقتضتِ التقيّةُ بعضَها، وسيجيئُ البحث فيها، وبقيت أمور:

منها: قوله: (عدم وقوعها فعلاً مُكَفِّراً للصحابة)، وهذا كلامٌ لا محمل له، ويمكن أنْ يوجَّهَ بتكلّف، وعلى أيّ حالٍ فالشيعة لا يكفّرونَ مَنْ أَنكَرَ خلافَتَه بلا فصلٍ، ولا يُبيحون أموالهم وأعراضهم، ولا يستحلّونَ دماءَهم.

ولا فرق على المشهورِ عند الإمامية بينَ الشّيعي والسُّني في وجوبِ احترامِ دَمِهِ وعِرْضِهِ ومالِهِ، وإنّما يُكفّرونَ مَن حارَبَ أميرَ المؤمنين، ومَنْ نَصَبَ له العداوة والبغضاء، كما أنّهم يكفّرون الغلاة ، وكتُبُهم الفقهيةُ الدّينية تُصِّرحُ بذلك.

ومنها: قوله: (وصاهرهم) الظاهر أنه أرادَ بهذا تزويجَ عُمَرَ ابنتَهُ من فاطمة.

قال السيد المرتضى في الشافي: (وأمّا تزويجه بنته فلم يكن ذلك عن اختيار، والخلافُ فيه مشهور، فإنَّ الرواية وردَتْ بأنَّ عمر خَطَبَها، فدافَعَهُ أميرُ المؤمنين وماطله، فاستدعى عُمَرُ العَبّاسَ فقال: ما لي أبي بأس؟، فقال: ما حملك على هذا الكلام؟ فقال: خطبْتُ إلى ابن أخيك فمنعني لعداوته لي، والله لأغوِّرَنَّ ماءَ زمزم ولأهدِمَنَّ السِّقايةَ، ولا تركتُ لكم يا بَني هاشم مأثرَةً إلاّ هدمتُها ولأُقيمَنَّ عليه شهوداً بالسرقة، ولأقطعنّه، فمَضى العبّاس إلى أمير المؤمنين فخبَّرَهُ بِما سَمِعَهُ من الرجل، فقال: قد أقسمتُ ألاّ أزوّجها إيّاه، فقال له: رُدَّ أمرَها إِليَّ ففَعَل، فزوَّجَهُ العَبَّاسُ إياها).

قال: (ويُبيّنُ أنَّ الأمر جَرَى على إكراهٍ ما رُوي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد  عليه السلام من قوله: (ذلكَ فَرْجٌ غُصِبْنا عليه..)([54]) إلى آخِرِ ما كتبه.

والحق أنْ يُقال: إنّ التزويج له أسبابٌ ومقتضياتٌ كثيرة تدعو إليه، وإنْ كانَ عن كُرْهٍ وعَدَمِ رَغْبَةٍ وَمَيْلٍ وعداوة بين الطرفين، ولا ينحصرُ وقوعه بالحب والرغبة.

وبنتِ كريمٍ قد نَكَحْنَا ولمْ يَكُنْ
 

 

لها خاطِبٌ إلاّ السّنانُ وعاملُهْ([55])
 

 

ومنها: قوله: (وأخذ من سبيهم)، قال المرتضى: (إنّ الحنفيّة([56]) لم تكن سبيّة في الحقيقة، ولم يَسْتَبِحْها  عليه السلام  بالسِبِّا؛ لأنّها بالإسلام قد صارَتْ حُرَّةً مالِكَةً أمرها، فأخْرَجَها مِن يد من استرقّها، ثم عَقَدَ عليها عَقْدَ النّكاح، فمن أين أنه استباحها بالسِّبا دونَ عقد النكاح)([57]).

ومنها: (إقامة الحدود)، قال المرتضى: (لا نعرف في ذلك إلا أنَّ عثمان أراد أن يدرأ الحدّ عن أخيه، وكان أميرُ المؤمنين  عليه السلام حاضراً، وغلب في ظنّه التمكُّنُ من إقامة الحدّ، فأمر به، وهذا مما يجب مع التمكُّن، وهو في باب الإنكار عليهم أدخل)([58]).

وظاهرُ كلامِ اللمعة أنّ أمير المؤمنين كان يُقيم الحدودَ بنفسهِ بَينَ أيديهم، وهو أجَلُّ من ذلك وأرفع، اللّهمّ إلاّ أنْ لا يوجد مَن لا يقوم بذلك.

ثم ما معنى أنّه يُقيمُ الحدود بين أيديهم: أنّه كان موظّفاً لذلك، أو أنّهم متى أرادوا جلداً أو قطعاً أو قتلاً أحضروه، وأمروه بذلك، اللهم إنّ هذا من باب حَدِّثِ العاقل.. إلى آخره.

قوله: (ولا تَصحُّ على زَعْم الشّيعة نسبة التقيّة له في ذلك كلّه؛ لأنّ إمامته
عندهم مقرونة بوفاة الرسول
صلى الله عليه واله وسلم  ، فيجبُ عليه القيام بها سيّما إذا توفّرت له أسبابُ المطالبة بها كما هو في كتب الفريقين وذلك ومُنافٍ للتقيّةِ قطعاً).

ورَدَتْ في التقيّة رواياتٌ كثيرة من طرق الإماميّة عن أئمّتهم المعصومين.

منها: قول أحدهم  عليه السلام: (التقيّةُ ديني ودين آبائي)، وقوله  عليه السلام: (من لا تقيّة له لا دين له)([59]), إلى غير ذلك من الروايات التي فيها حثّ شيعتهم على التقية والالتزام بها، وهي مقتضى قوله تعالى: [مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]([60])، وقوله تعالى: [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ]([61])، وقوله تعالى: [لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا]([62])، وقوله  صلى الله عليه واله وسلم : (بُعثت إليكم بالشريعة السمّحاء)([63])، ومقتضى حديثُ الرفع([64])، وحديث: (لا ضرر ولا ضرار)([65])، (وعند الضرورات تباح المحظورات)([66]).

والأصل فيها قوله تعالى في سورة آل عمران: [إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً] أو تقية على قراءةٍ([67]).

قال القاضي البيضاوي الشيرازي: (منع عن موالاتهم ظاهراً وباطناً في الأوقات كلها إلاّ وقت المخافة، فإنّ إظهار الموالاة حينئذٍ جائز)([68]).

وفي مفاتيح الغيب: (التقية جائزة لصون النفس، وهل جائزة لصون المال
يحتمل أنْ يحكم فيها بالجواز؛ لقوله  صلى الله عليه واله وسلم : (حرمة مال المسلم كحرمة دمه..)([69]).

وفي مجمع البيان: (في هذه الآية دلالة على أنَّ التقية جائزةٌ في الدين عند الخوف على النفس، وقال أصحابنا: إنّها جائزةٌ في الأحوال كلِّها عند الضرورة، وربّما وَجَبَتْ فيها لضربٍ من اللُّطف والاستصلاح)([70]).

وقال الشيخ أبو جعفر (ظاهر الرّوايات يدلّ على أنّها واجبة عند الخوف على النفس)([71]).

وللعلماء في التقيةِ كلامٌ كثير، ورسائلُ منفردة، ونقتصر هاهنا على ما تدل عليه الآية الشريفة.

فإنّها صريحةٌ في أنّه لا يجوز أنْ يتخذ المؤمنون الكافرين أولياءَ في كلِّ حالٍ، إلا إذا اتقوا منهم، وخافوا على ما يجب حفظه، كنفسٍ ومالٍ محترمَين، فإنّه يجوز إظهار موالاتهم وحسن معاشرتهم، فلو خاف من القيام بواجبٍ على الدّين وعلى نفوسِ المؤمنين سَقَطَ الوجوبُ عنه، ووجَبَ عليه ظاهراً موالاة من يُخافُ على الدّين من معاداته ومحاربته؛ لأنّ حفظ الدين من المحق والاندراس أهمُّ من حفظ النفس والمال المحترمين.

فلو قام عليٌّ بواجبِهِ وطَالَبَ بحقِّهِ وجَمَعَ أنصارَهُ وأعوانَهُ أكانَ يناله على سِلْمٍ وَدَعَةٍ، لا أظنّك تدّعي [أَنَّهُمْ] يتنازلون له عمّا طلب وأراد إلا بعد إراقة الدماء وإزهاق النفوس.

ويترتب على ذلك حتّى لو حصل الانتصار عليهم، من ضعف الإسلام وفساد النظام واختلال الأمن، وقتل الأبرياء والصُّلَحَاء وغير ذلك من المفاسد ما لا يُستهان به، وما لا يرضاه ذو دينٍ ويقينٍ، فإذا جَازَتْ موالاة الكافر مع الخوف على النّفس والمال، أترى أنّه لا يجوزُ موالاةُ مَن ظاهُرهُ الإسلام مع الخوف على اضمحلالِ الدّين وعلى أنفس المؤمنين.

ثمّ بعد أنْ استقامت الأمور واستحكم النفوذ صار  عليه السلام يخشى على نفسه لو ترك الموالاة وأظهر الخلاف، وكان  عليه السلام مع هذا كلّه يلوِّحُ ويُصَرِّحُ بمظلوميته لأهل بيتِهِ وخواصّهِ وشيعته.

وإذا علمتَ هذا كله وتدبرته وسبرت غوره علمتَ أنَّ كلامَ صاحبِ اللّمعة لا وَجْهَ لهُ وأنّه  عليه السلام في ترك القيام بذلك الواجب وفي متابعتهِ وموالاتِهِ غير ملوم.

وأما قوله: (سيّما إذا توفرتْ له أسبابُ المطالَبَةِ بها كما هُو في كُتُبِ الفريقين وذلك منافٍ للتقية قطعا).

فإنّ توفر الأسبابِ ممنوعٌ، وعلى تقديرِ حُصولِهِ فهو غيرُ منافٍ للتقية:

أمّا الأول: وهو توفّر أسبابِ المطالبة، يعني: حصولُ أسبابٍ يتمكّنُ معها من المطالبة بحقّهِ والاستيلاء عليه، فصاحب اللّمعة يقول: (إِنّها في كتب الفريقين)، والحال أنه لم يُذْكَر في كُتُب الشيعة أنّ له أنصاراً يقوى بهم عزمُه ويشتدّ بطشُهُ، بل المذكور فيها ما يوجب الضعف والخذلان.

وأمّا ما يذكر في كتب أهل السنة فهو ما ذَكَره هنا من قول أبي سفيان: (إنْ شئتَ لأملأنّها عليهم خيلاً ورجالاً)([72])، وأنّ بني هاشمٍ وَرِجالاً من الأنصار  اجتمعوا في بيتِ فاطمة ومعهم السلاح، وأبو سفيان ممن لا يخفى حالُه، وقد كان له بعضُ الشأن قبل الإسلام، وأمّا بعد الإسلام فهو ممن لا يُعَدُّ في عِيْرِهِ ولا نَفيرِه، وهو رأسُ كلِّ فتنةٍ، لا يوثق به، ولا يعتمد عليه، ولم يكن قصدُه من ذلك إلاّ الفتنة، وأنْ يُعيد الحرب جَذَعة.

وقد كان في مسعاه ولما أقبل سأل عن عليٍّ والعباس، فقال: (ما صنع المُسْتَضْعَفانِ) فقيل: إنّهما جالسان، فقال: أمَا واللهِ لَئِنْ بقيتُ لهما لأرفعنَّ مِنْ أعقابهما، ثم قال: إنّي أرى غبرة لا يُطفئها إلاّ دم، ثمّ جَعَل يطوفُ في أزقّة المدينة، ويقول:

بَني هاشمٍ لا يَطْمَعِ النّاسُ فيكُمُ
فما الأمرُ إلاّ فيكُمُ وإليكُمُ
 

 

ولا سيّما تيمُ بن مُرَّةَ أو عَدِيْ
وليسَ لها إلاّ أبو حَسَنٍ عَلِيّ
­­­­­­­­­­­­­­­

 

ثُمَّ إنّه رضيَ بيعَةََ أبي بكر وبايعه لمّا تَرَكَ لَهُ ما بيدِهِ من الصَّدَقة على ما ذكره ابنُ عبدِ رَبِّهِ في عِقْده([73])، فكيفَ ينتصرُ به أمير المؤمنين وهو أعلم الناس به قبل الإسلام وبعده.

وأمّا بنو هاشم فهم أفراد قليلون ليس فيهم مثلُ حمزة ولا مثل جعفر، وكبيرهم العبّاس، وقد نعتَهُ صَخْرُ بن حرب بالمستضْعَف.

وأمّا الرجال الذين كانوا معه في بيت فاطمة فلم يكُنْ فيهم من أُمراء القبائل
وشيوخ الطوائف مَنْ يُشار إليه، فما يصنع مَنْ كان في بيت فاطمة أمام السّيل
الجارف والعديد الكثير، وما تتطلبه قريش وغيرها من الثارات والأوتار عند علي  عليه السلام في الحروب الإسلامية التي قَتَل فيها مَنْ قَتَلَ مِن أشراف العرب وصناديد الرجال.

وإنّي لا أظُنَّ أنَّ الذين ينصرونه يبلغون المائة رجل إنْ لم يكن الأقل من ذلك، ولو كانت الأسبابُ له متوفّرة لم يكن جليسَ بيتِهِ، وجليسَ دارِهِ، ولِمَ لَمْ يَمْتَنَع بمَنْ في بيت فاطمةُ من الخروجِ لمَا أُقْهِرَ عليه.

أمّا الثاني: وهو أنّ توفر الأسباب - لو سلّمناه نزولاً على رغبة صاحب اللمعة وشيعته- فإنّه لا يمنعُ من التقيّة، فإنّ وجودَ الأعوان والأنصار لم يكن بحيث يُرْغِمُ الخَصْمَ على الانقياد والطاعة بلا جلادٍ ولا جدال ولا حربٍ ولا قتالٍ، فلا يرتفع الخوف من تطرّق الوهن إلى الدين، والضعف في الإسلام، وارتداد جملة ممن أسلم من الأعراب، ولا الخوف على المؤمنين من الدّمار والعطب، والمدينة ذلك اليوم هي العاصمة، والعاصمة قلبُ المملكة، فإذا فَسَدَ القلبُ بثورَةٍ داخلية سرى الفسادُ إلى سائر البلاد، وعادت الجاهليةُ إلى الأعراب وَمَنْ شاكلهم مِمَّنْ يَوَدُّ الخلاصَ من قيودِ التديُّن والتَّخَلُّصَ من أَسْرِه، وهذا كافٍ في تنازل الشخص عن حقِّهِ وعدمِ القيام بواجبه.

نَعَم هناك أسبابٌ متوفرةٌ روحانية تعينُ على المطالبة، وتوجب الاستيلاء على الحق، وهي أعظم ناصر، وأكبرُ جيشٍ فاتح قد حصلت لأمير المؤمنين ولم يحصل مثلها لغيره من آياتٍ تُتلى في حقِّهِ، وأحاديثَ تُروى في فَضْلِهِ، وما وَهَبَهُ اللهُ من العلم والحلم والشجاعة والتقوى ومكارم الشيم والسبق إلى الإسلام والجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من المفاضل والمناقب التي يضيق عنها نطاق البيان، والقوم على علمٍ بأكثر هذه الأسباب، ولله الحجة البالغة والعاقبة للمتقين.

قوله: (للطبري عن سويد قال: دَخَلَ أبو سُفيانَ على عليٍّ (كرم الله وجهه) والعباس  رضي الله عنه  فقال لهما: ما بالُ هذا الأمر في أذلِّ قبيلةٍ من قريش وأقِّلها..إلى آخره).

لا ينبغي الاعتمادُ على الخبر إذا كانَ خَبَرَ آحادٍ مُرْسَلاً، لا يُعْرَفُ حالُ راويْهِ في الوثاقة والصدق، ولقد كان  عليه السلام يتّقي مِنْ أبي سُفيان وأمثاله، ويخشى منه أنْ يُحدِّثَ بما يقول.

ويظهر من هذه الرواية أنّ ما ذكره أبو سفيان كانَ غِشّاً منه وَنِفاقاً، فلذا تعرّض  عليه السلام  للنُّصح والغِشّ، وبيَّنَ لهُ أنَّ الأوّلَ من صفات المؤمنين والثاني من صفات الفاسقين.

قوله: (ويؤيّدُ هذا ما يرويه الحسن البصري).. إلى آخره.

لم تثبت الرّواية عن الحسن بن يسار البصري، وعلى فَرْضِ ثُبوتِها فالحسنُ غيرُ خالٍ من القدح والغمز عند الشيعة، فلا تكونُ رِوايتُهُ حُجَّةً عليهم، مع احتمال أنْ يكونَ المراد أنّه لو كان عندي عَهْدٌ بقتال القوم وعَدَمِ التقيّة منهم لمَاَ تركتُ فلاناً وفلاناً، ولكنّ العَهْدَ بخلافِ ذلك.

قوله: (ولقد أحسن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب حيث قالَ

لبعض الشيعة)([74]).

الظاهر أنّ هذا هو الحسن المثنى، وإني لأستبعدُ صُدورَ هذا الكلام مِنْ قِبَلِ عَلَوِيٍّ ولو بَعُدَ في النسب، فكيف بالحسن وعليٌّ جدُّهُ بلا فصل!، ولا أعلمُ من أيِّ شَخْصٍ سَمِعَهُ وعن أيِّ كتابٍ نقله.

ولقد قرأه بعض الظرفاء من الشيعة فقال إنْ كان مراد الناقل من قوله: (أحسن الحسن) أنه أتى بالشيء الحسن فهو ممنوع، وإنْ أرادَ أنّه أحسن إلى الناقل حيثُ أيّدَ دعواه فهو مُسلّم, فإنّ الأمير الذي رَمَى العصفور فأخطأه، قال له بعض أصحابه: أحسنت، فقال له الأمير: ويلك وكيف ذلك، فقال: يا مولاي أحسنتَ إلى العصفور، فالإحسان قد يكون في الخطأ، والإساءةُ قد تكون في الصواب.

والحاصل: إِنَّ كلامَ الحَسَنِ على فرض صدوره منه يتضمَّنُ أَمْرَيْنِ:       

الأول: أنه قال لبعض الشيعة: (لو كانَ الأمر كما تقولون أنّ النبي  صلى الله عليه واله وسلم  اختار علياً لهذا الأمر والقيام على الناس بعده، فإنّ علياً أعظمُ الناس خطيئةً وجرماً؛ إذ تَرَكَ أمرَ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  أنْ يقوم به ويعذر إلى الناس).

والجواب عن ذلك قد تقدم، ونقول هنا: إنّ اختيار النبيّ لعليٍّ فلا شكّ فيهِ، والنصوص به كثيرة واضحة الدلالة، صريحة في المطلوب، قد طالب باللسان، ولم يطالب بالسِّنان خوفاً على الإسلام والمسلمين، وقد أَجمَعَ الفريقانِ على عصمة أمير المؤمنين، وأنّ الله قد طهَّرَهُ وأذهبَ عنه الرّجسَ، فلا مجال للاعتراض على كُلِّ ما يصدر منه من قولٍ أو فعلٍ أو حركةٍ أو سكون، وهو أعرَفُ بتكليفِهِ بالقيام بواجبه.

ثم إنّ معنى اختيار النبي  صلى الله عليه واله وسلم  لهذا الأمر جَعْلَهُ إماماً بعده للأمة ومرجعاً لها، فالواجب عليها أنْ ترجع إليه في جميعِ ما يرجع فيه إلى وليّ الأمر، وإذا رَجَعَتْ إليهِ وَجَبَ عليه القيامُ بإصلاحها، وإصلاح شؤونها في المعاد والمعاش، وليس معنى أنه جَعَلَ الشَّخْصَ مَلِكاً أو سُلطاناً أمَرَهُ بأنْ يُصيِّرَ نفسَهُ ملكاً بالحرب والضّرب وشنّ الغارات.

ثمّ أيّ معنىً لقوله: (إذ ترك أمر رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم )، ولا نعلَمُ بماذا أمَرَهُ حتّى نَعْلَم أنّه فَعَلَهُ أو تركه، أأمره بأنْ يدّعي الخلافة ويقاتل عليها ويلقي نفسه وخُلّص شيعته والإسلام في التهلُكة (الله يعلم إنّنا لا نعلم).

وعلى أيّ حالٍ فهذا الكلام في حقّ أمير المؤمنين سوء أدبٍ من المتكلم وجهالةٍ منه، وحاشا الحسَنَ بن الحسن عنهما, والله العالم.

الأمر الثاني: (قال له الشيعي: ألم يقل النبيُّ (مَنْ كنتُ مولاه فعلي مولاه)، فقال -يعني: الحسن- أما والله لو يعني بها رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  الأمر والسلطان لأفصح بها كما أفصح بالصلاة والزكاة والصيام، ولقال: أيُّها النّاسُ أنّه الوليُّ من بعدي([75]) فاسمعوا له وأطيعوا).

كلامُ هذا الشيعيّ ردٌ على قولِ الحَسَن أنّه  صلى الله عليه واله وسلم  لم يَخْتَرْ علياً للقيام بهذا الأمر، وإنكاره له، يعني: كيف تقول ذلك، وقد قال  صلى الله عليه واله وسلم  (مَنْ كنتُ مولاه فعلي مولاه) وهو ظاهرٌ في أنّ المرادَ بالمولى: المتصرِّف المُسلَّط على الأمور.

أقول: وهذا الذي فهمَهُ الشيعيُّ من الحديث هو ظاهرُ اللفظ الذي دَلَّتْ عليهِ قرائنُ الأحوال وأفصح عنه قوله  صلى الله عليه واله وسلم : (ألستُ أولى بالمؤمنينِ من أنفسهم)، وهذا الاستفهام تقريريٌّ كقوله تعالى: [أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ]([76])، فلمّا أجابوه بالاعتراف والإقرار رَفَعَ بيدِ أمير المؤمنين، وقال عاطفاً على ما تقدم: (من كنت مولاه) إلى آخره.

ثم شدة اهتمامه بذلك فإنّه  صلى الله عليه واله وسلم  قام في وقتِ الهَجير والحرِّ الشديد، وجَمَعَ الصَّحابةَ وهُمْ ألوفٌ فبلّغهم ما أُنزل إليه من ربِّه، وهذا كلُّه دليلٌ على أنّه أفْصَحَ بها كَمَا أوضح بالصلاة، على أنَّ الولاية أمرٌ بسيط لا يُحتاج فيه إلى البيان.

الحاصل: أنّ الكلام على هذا الحديث([77]) طويل الذيل لا يسعه المجال، وقد كَتَبَوا فيه رسائل منفردة، وقد اتفق الفريقان على صحّتهِ وقبوله، ولكنّ الخلاف في لفظ (المولى)، وأنّه بمعنى: الأَوْلى والأحقّ بالتصرّف أو غيره من معاني المولى، التي منها ما لا تَصِحُّ إرادته قطعاً، ومنها ما تُستبعد إرادته، كالناصر والمحبّ.

وقد ادّعى جمعٌ من أهل الخلاف إلى تجويز أنْ يرادَ به الناصرُ والمحبّ والصّديق، فهو لمجرّد بيانِ فَضْلِ عليٍّ والرّدِّ على المتحاملين عليه.

ولكن بعد الإحاطة بما جَرَى في ذلك اليوم، من منع تلك الألوف التي كانت معه  صلى الله عليه واله وسلم  من المسير، وإرجاع مَنْ تقدَّم منهم، وإلحاقِ مَنْ تأخّر، وجمعهم في تلك الرمضاء، وقوله وهو على منبر من الأكوار والحدائج: (يوشك أنْ يأتيني رسولُ ربّي فأجيب، وإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون) إلى أنْ قال: (ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله).. إلى آخره (وألستُ أولى بالمؤمنين) وغير ذلك من الكلمات أوانَ فعلِهِ, لا يبقى مجال([78]) لإرادةِ غير أمرٍ عظيمٍ أمَرَ اللهُ نبيّه تبليغه، وأنّه إنْ لم يُبَلّغه فما بلّغ رسالته، وأنَّ به إكمالُ الدّين وإتمام النعمة.

وعن ابن حجر وغيره([79]) تسليم أنْ يرادَ الأولى بالإمامة، ولكنْ في المآل لا في الحال، وإلاّ لكانَ إماماً مع وجود النبيّ، فيكونُ المراد بذلك حينَ تكون له البيعة، فلا ينافي تقدُّمَ مَنْ تقدَّم عليه.

وهذا مما يُضْحِكُ الثَّكلى, وكيفَ يكونُ مرادُهُ أنَّ علياً حينَ تعقدُ له البيعة يكون أولى بالإمامة ممّن لم تُعقد، وعندَهُم أنّ كُلَّ مَنْ عُقِدَتْ له البيعةُ فهو
أولى، فأيّ فضيلةٍ لعليٍّ في ذلكِ.

ولو كانَ الأمرُ كما قالوا لمَا قالَ لهُ عُمر: (بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحتَ مَولايَ ومَولى كُلّ مؤمنٍ ومؤمنة)([80]).

وقولهم: (لو كَانَتْ حالِيَّةً لكان إماماً مع وجود النبيّ) ففيه: أنّ ذلك يجري مجرى ولاية العهد التي تكون من الملوك والسلاطين، وأقرب المجازات عند تعذّر الحقيقة أنْ تكونَ بعد وفاتِهِ بلا فصل.

قوله: (قال ابن شهاب: (فاجتمع بنو هاشم ورجال من الأنصار عند عليٍّ في بيت فاطمة ومعهم السّلاح في طلب الخلافة لعليّ، فلم يُجِبْهُم لذلك، كما أنّه لم يلتفت لمجيء أبي سفيان لذلك)..)([81]).

إنْ كانَ المراد بابن شهاب الفقيه الحافظ أبو بكر محمد بن مسلم القرشي الزهري فهو ضابط متقن، ولكنّه رجل فقيه لا مؤرّخ، وعلى أيِّ حالٍ فهذا القائل لا نستبعدُ صدقه فيما نعلمه عن أمير المؤمنين  عليه السلام من أنّه لم يُجِبْهُم لذلك، أمّا لعدم كفاءتهم وعدم تجويز الانتصار في حقِّهم، أو لمِا يَحْدُث من ذلك من الفتن والفساد، وقد ذكرنا فيما سَلَف وَجْهُ عدم اكتراثه بأبي سفيان وأمثاله.

قوله: (وهذه الرواياتُ الدالة على توفّر أسباب القيام بالخلافة لعليّ ابن أبي طالب تردّ وتكذّب بما في كتاب أبان بن عياش الشيعي مما يرويه عن سُلَيْمِ بن قيس من أنّه لمّا لم يُجب على دعوة أبي بكر للمبايعة غَضِبَ عُمَرُ فأضْرَمَ النَّار في بيت عليٍّ وأحرقه، وفعل كذا وكذا، مما افتراه على عمر، وانتقص به علياً، كما يردُّه ويكذبه النقل، ويمجُّهُ ويستقبحُهُ العقل).

قد ذكرنا عَدَمَ توفّر أيّ سببٍ للقيام بالخلافة كما مرّّ، على أنَّ حصول السّبب للقيامُ لا يكفي حتّى ينتفي المانع، فإذا وَجِدَ المقتضى وانتفى المانع وَجَبَ، والقيامُ بالخلافة بالعكس، قد انتفى سببه ووُجِدَ المانع منه، وقد مرَّ عليك فيما سلف ما يتضح به الأمران.

وأمّا حديثُ أبان الذي جعل وصفه بالشيعي نبزاً، فلا كتابَ له، وإنّما الكتاب لسُليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي صاحب أمير المؤمنين، والذي ذكره فيه: (أنّ عمر أمرَ أناساً حوله يحملون حَطَباً فحَمَلوا الحَطَبَ فجعلوه حول بيت فاطمة وفيه فاطمة وعلي وابناهما, ثمّ نادى عمر حتّى أسمع علياً وفاطمة والله ليخرجنّ وليبايعنّ خليفةَ رسولِ اللهِ وإلاّ أضرمتُ عليك بيتك نارا)([82]).

وهذا لم ينفرد به سُليم بن قيس بل رواه غيره من مؤرخي أهل السُّنّة كابن قُتَيبةَ المُتَوَفّى سنة (276هـ) في تاريخ الخلفاء، المعروف بكتاب الإمامة والسياسة المطبوع طبعات متعدّدة قال:

(إنّ أبا بكر تفقد مَنْ تخلّفوا عن بيعتِهِ عند عليٍّ فبعث إليهم عمر، فجاء فنادَاهُم، وهم في دار عليّ، فأبوا أنْ يَخْرُجوا فدعا بالحَطَبِ، وقال: والذي نفسُ عُمَرَ بيدِهِ لَتَخْرُجُنَّ أو لأُحَرِّقَنَّها على مَنْ فيها، فقيل له: يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة، فقال: وإنْ!)([83]) إلى آخر ما ذكره من إكراه أمير المؤمنين على البيعة وتهديده بالقتل وخروجه وهو يصيحُ ويُنادي (يا ابن أمَّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني).

وقال ابنُ عبد ربِّهِ في العِقْد الفريد: (الذين تخلَّفوا عن بيعة أبي بكر: عليّ والعباس والزبير وسعدُ بن عُبادة، فأمّا عليّ والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر عمرَ بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إنْ أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبَسٍ من نارٍ على أنْ يُضْرِمَ عليهِمُ الدَّارَ فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطّاب أجئتَ لتحرق دارنا، فقال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة)([84]) إلى آخره.

وفي روضة المناظر: (ثمّ إنّ عمر جاء إلى بيتِ عليِّ ليحرقه على من فيه)([85])، ويقال إنّ ذلكَ مذكور في غير هذه من كتب التأريخ، وفيما ذكرناه كفاية لما تَوخَيْنَا من أنّ سُلَيْماً لم ينفرد بذلك، ولم يكن ذلك منه افتراء على عمر، كما أنّه لا انتقاص فيه لعليّ، فإنّ الأنبياء والأوصياء قد جَرَى عليهم ما هو أعْظَمُ، ولم يَنْتَقِصُوا بذلك بل ازدادوا رفعةً وجلالاً.

ثمّ أيّ نقلٍ كذّبه؟ وأيُّ نقلٍ رَدَّه، والرُّواة والمؤرِّخون يكتبون ما وقفوا عليه من الحوادث استحسنه العقل أو استقبحه، مَجَّهُ أو استعذبه، وليسوا مكلّفين بأنْ لا يُحدِّثوا إلا بالمستَحْسَناتِ العَقْليّة والمستعذباتِ الذَّوقيّة.

ثُمَّ إنّا لم نقصد بنسبة الإحراق الحطُّ من كرامةِ شخصيّةٍ محتَرَمَةٍ عند أكثر المسلمين، وإنّما جَرَّنا إليه المؤلّف.

على أنّه لا داعيَ للتنصُّل مِن هذا الفعل على ما يرونه من جواز أنْ يَفْعَلَ المرءُ كلَّ ما يؤدّي إليه اجتهادُهُ.

والحاصل: إنَّ ثبوتَ مسألةِ الإحراق من أقوى الأدلّة على عدم توفرِ أسبابِ القيامِ بطلب الخلافة، ولو اطّلَعْتَ على ما ترويه الشيعةُ عن العترة الطاهرة في هذا الشأن لظهرَ لك "عدم التوفر" ظهورَ الشمس في رابعة النهار.

منه قوله  عليه السلام للأشعث بن قيس لمّا قال له: (لِمَ لَمْ تَضْرِبْ بسيفِك ولم تطلب بحقك؟ فقال: يا أشعث قد قلتَ [قولاً] فاسمع الجواب وَعِهْ، واستشعر الحُجَّة إنّ لي أسوة بستة من الأنبياء، أوّلهم: نوح، حيثُ، قال: ربِّ [أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ]([86]), فإنْ قالَ قائلٌ: هذا لغير خوفٍ فقد كفر، وإلاّ فالوصيُّ أعذر، وثانيهم: لوط حيث قال: [لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ]([87]), فإنْ قال قائل: إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر وإلاّ فالوصي أعذر، ثم ذكر إبراهيم خليل الله لمّا اعتزلهم وما يدّعونَ من دُونِ اللهِ، ثمّ ذكر موسى حيثُ قال: [فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ]([88] ثم ذكر أخاه هارون، حيث قال: [ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي]([89]), ثم قال: وسادِسُهم: خيرُ البشر حيث ذهب إلى الغار ونوّمني على فراشه، فإنْ قال قائل: إنه ذَهَبَ إلى الغار لغيرِ خَوْفٍ فقد كفر وإلاّ فالوصي أعذر، فقام إليه الناس وقالوا: قد عذرك الله)([90]).

قوله: (وأمّا توفُر الأسبابِ لقيامِ عليّ بن أبي طالب عليه السلام  بالأمر المنصوص عليه عند الشيعة بالخلافة، ففي كتب الشيعة أيضاً، فمنها: فيما رواهُ الرَاونديُّ شارح نهج البلاغة عن سلمان الفارسي أنّ علياً  عليه السلام بَلَغهُ عن عمر أنّه ذكر شيعته، فاستقبله في بعضِ طرقات بساتين المدينة) إلى قوله: (ومنها: ما ذكر محمد الأَحسائي).

إنّي قبل التعرّض لما كتبه صاحب اللّمعة أسأله بإنصافِهِ ووجدانِهِ أنه هل يَعُدُّ صاحبَ المعجزات والكرامات والدعاء المستجاب في عِداد مَنْ توفرت له أسبابُ القيام، وتسنّى له النهوضُ للفتح والسيطرة والفتك بالخصوم؟ وهل تكون له المعجزات والكرامات واستجابة الدعاء بمنزلة الجند والسلاح والكراع؟ لا أظنّه إلا أنْ يجيب بالسلب فيخصم نفسه.

وأمّا ما ذكره عن شارح النهج فقد رواه في كتابه كتاب الخرائج والجرائح([91]) الذي كتبه في معجزات الأنبياء والأئمة، ولهذا الخبر بقية لا حاجة إلى ذكرها، ولا ريب في ثبوتِ المعجزاتِ والكراماتِ للأنبياء والأولياء، ولكنّنا لا نعلم مَتَى يُظْهِرُها اللهُ على أيديهم، أو يَأْذَنُ لهم بإظهارِها.

وقد روى أنّه  عليه السلام قال لرجل خارجي: (اخسأ)، فصارَ رأسُه رَأْسَ كَلْبٍ، فقال له بعضُ الحاضرين: (ما يمنعُك عن معاوية؟ فقال: ويحك لو أَشاءُ أنْ آتي بمعاويةَ إلى هاهنا على سريرِهِ لدعوتُ اللهَ حتَّى فعل) إلى أنْ قال: (أما تقرأ: [بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ 6لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ]([92]) ولو أُذِن لي في الدُّعاء في هلاكِهِ لما تأخّرتُ)([93]).

والحاصل: أنّ المعجزات ليست من الأسباب التي يتوصل بها صاحبُ الحق إلى حقِّهِ، ولا من الأمور التي يستعينُ بها في الحرب على عدوِّهِ، ولا يرتفع الخوف والتقية بها عن صاحبها.

ولو كانت مما يرتفعُ معها الخوف والتقية كما هو ظاهر كلام هذا المؤلف للزم تكذيبُ القرآن الشريف في نسبته الخوف إلى الأنبياء؛ لصدور المعاجز والخوارق منهم، ولمَا جازَ لهم الفرار من أعداء الدين، ولاستغنوا بذلك عن طَلَبِ الناصر والمعين، وهذا أمرٌ واضح جلي.

قوله: (ومنها: ما ذكره محمّد الأحسائي الغروي الذي كان في خراسان سنة 878 هـجرية مجاوراً لمشهد الرضا في رسالته التي ذكر فيها مجادلته مع الهروي مُدّعياً أنّ مبايعةَ عليّ بن أبي طالب  عليه السلام لأبي بكر كانت بالإكراه، وأوْرَدَ على ذلك حكاية، منها: أنّ عصابة كانت مع خالد بن الوليد ومَعاذ بن جبل دخلوا المسجد، وكانَ فيه عليّ وجماعة من الصحابة، وفيه سلمان الفارسي، فتكلّم عمر، فأجابَهُ سلمان، فأغضب عمر، فأهوى إليه عُمرُ ليضرِبَهُ بالسَّيفِ، فأخذَ عليٌّ بمجامع ثوبِهِ وجلد به الأرض، وقال: أبأسيافكم تهدّدونا وبجمعكم تكثّرونا، والله لولا كتاب من الله سبق، وعهدٌ من رسوله تقدَّم؛ لأريتكم أيُّنا أضعف ناصراً وأقلُّ عدداً، ثمّ فرَّق أصحابَه "سلام الله عليه"..)([94]) انتهى.

أقول: أمّا مُحمَّد الأحسائي فلا نعرفه([95])، ولا رأينا رسالَتَه، كما إنّا لا نعرف الهرَوَي، ولا داعي لصرف الوقت في معرفة هذه الأمور.

وأمّا ما ذكره من أنّ بيعةَ عليّ لأبي بكر كانَ مُكرَهاً عليها فهو أمرٌ مشهور، صرّح به جماعة من أهل التأريخ كَابِن قُتَيبةَ الدِّيْنَوَرِيّ في تاريخ الخلفاء الراشدين المعروف بكتاب الإمامة والسياسة([96])، وإنْ كنّا لا نعتقد صحة جميع ما فيه.

وقال ابن أبي الحديد: (وأمّا امتناع عليّ من البيعة حتى أُخْرجَ على الوَجْهِ الذي أُخْرِجَ عليهِ فقد ذَكَرَهُ المحدّثونَ ورواهُ أهلُ السِّير)([97]).

ويوجد في كلامه  عليه السلام مما يدل على ذلك شيء كثير، (وأنّه لم يزل مظلوماً منذ قبض رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم )([98]).

والحاصل: إنّ وقوعَ بيعتِهِ عن كُرْهٍ لا عَنْ رَغْبَةٍ واختيارٍ أمرٌ مُتسالَمٌ عليه بين الشيعة وبين أئمتهم الهداة وبين جماعة من أهل التأريخ والسير.

وقوله: (وجَلَدَ بهِ الأرض إلى آخره).

إنّ القوّةَ التي مَنَحَهُ الباري إيّاها لا يُستبعدُ معها ذلك, قال:

يا قالعَ البابِ التي عَنْ هَزّها
 

 

عَجَزَتْ أكفٌّ أربَعُونَ وأرْبَعُ([99])
 

 

وأمّا الشجاعةُ فحدِّث عنها ولا حرج، ولولا علمُهُ بما كُتِبَ عليه وقُدِّرَ من الابتلاء والاعتداء، كما يُكتَبُ على الأنبياء والأولياء من القتل والمحن [قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا]([100])، فلولا أنّ هذا مكتوبٌ ومقدّرٌ في علم الله، ولولا عهد رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  إليه بَعْدَ أنْ أعلَمَهُ بما يجري عليهِ من القضاء والقدر بالصَّبر وعدم الجزع، وأنْ لا يطلب حقَّهُ بالسَّيفِ والحرب لغبّر في وجوهِ القومِ وسقاهُمْ كأسَ المنون، وهذا بحسبِ الظّاهر هو المراد من العهدِ النبويّ.

قوله: (والذي ينظر في هذه الرواية يتضح له أنّهُ عليه لا له؛ لأنَّ ما حكاه هنا عن لسان أمير المؤمنين (كرم الله وجهه) من قوله: (لولا كتابٌ من الله سبق وعهدٌ من رسول الله تقدَّمَ) يظهرْ لَهُ أنَّ علياً (كرم الله وجهه) علم أنَّ الأمر جَرَى على مقتضى الحكمة الإلهية والعهد النبوي، فكلّما أورده المخالفون من دعوى التقية والإكراه أو الخوف في مبايعة عليّ لأبي بكر فهو مردود؛ لما قدَّمناهُ، بل إنَّ الأمر جرى على الرِّضا منه  عليه السلام بمبايعتهِ لهم واحداً بعد واحد، وبما جَرَى بينَهُ وبينهم من المصاحَبَةِ والمودَّة والألفة في ربع قرن يؤيّدُ ذلك).

أقول: اشتمل كلامه هذا على أمور:

"الأمر الأول": إنّ الرواية قد اشتملت على جملتين:

الأولى: قوله تعالى: [َوْلاَ كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ]([101])، ومعناها على ما ذَكَرَهُ الشّيرازي البيضاوي في تفسيره أنّه: (لولا حكم من الله سبق إثباته في اللوح المحفوظ)([102])، فيكونُ المراد: أنّ ما جرى ويجري عليه حُكْمٌ من الله تعالى قد ثبت في اللوح المحفوظ، فلا يمكنُ تغييرُهُ ولا تبديله ولا زيادته ولا نقصانه، وكذلك ما جرى عليه من القتل.

ولا يلزمْ أنْ يكونَ كلُّ ما ثَبَتَ في اللّوحِ من الوقائع والحوادث والابتلاءات والمحن وما يجري على الأنبياء والأولياء من النّكَالِ والعذاب والقتل والصَّلب أمراً مَرْضيّاً عند الله لا يأثم فاعله ولا يستحق عليه لوماً ولا تعنيفاً، ويكون ما فعله ووقع منه حقاً يجب اتّباعُه لأنّه كتاب سبق.

فليس إذن كلّ ما كتب وسطر وقضى قدَّر من خيرٍ أو شَرٍّ يُحْمَدَ فاعِلُهُ وإنْ كان ذلك مقتضى الحكم الإلهي والمصالح الواقعية التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى، فإنّ ما جَرَىَ على رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  وعلى الخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعليّ من التعذيب والقتل، وما صَدَرَ من طلحة والزبير ومعاوية من البغي كلُّ ذلك في كتاب سَبَقْ وهو مما يقتضيهِ الحُكم الإلهيٌّ كما لا يخفى.

"الأمر الثاني": في الجملة الثانية التي اشتملت عليها الرواية وهي قوله  عليه السلام: (وعهدٌ من رسول الله تقدّم)، وهذا العهد لم يُبَيّنه لنا الإمام  عليه السلام، ولكنّ الظاهر منه بمقتضى قرائن الأحوال وما حُفَّ به من المقال أنّه  صلى الله عليه واله وسلم  أوصاهُ بالصَّبر والتحمّل للمكارِه، وأنْ لا يَشْهَر السّلاح في طلب حقِّه، وأنْ يستعمل التقية في مواردها، ولا دلالة في هذا على أحقّيّة غيرِهِ وأوّليّتِهِ بما صَبَرَ عَنْهُ واتّقى فيه.

"الأمر الثالث": قوله: (بل الأمر جرى على الرِّضا منه بمبايعته لهم واحداً بعد واحد).

أقول: لا يخفى أنّه لا بيعةَ في الحقيقةِ إلاّ بيعةٌ واحدة، والبيعتانِ اللّتان بعدها قد تفرعتا منها، وصدرتا عنها، ولم تكونا عن اختيارِ الأمّة وإجماعها المُدَّعَيَيَنْ؛ لأنّ الأوّلَ عَهِدَ بها إلى الثاني، وجَعَلَها الثاني في سِتّة، بكيفيةٍ يُعْلَمُ فيها أنَّها تكون للثالث، فقد تسالموها بينهم يداً بيد، والذي يبايُع البيعَةَ الأولى لا مناصَ له عن الأخيرتين، وهذا أمر واضح غير خفي.

وقد قال علي  عليه السلام فيما رواه ابن قتيبة لعمر لمّا قال له: (إنّكَ لستَ متروكاً حتى تبايع): (أحلبْ حَلَباً لكَ شَطْرُهُ وشُدَّ له اليومَ يَرْدُدْهُ عَلَيكَ غدا)([103]).

وعلى هذا فالبيعتانِ المتأخّرتان تتبعانِ الأولى في القهر والإكراه والرّضا والاختيار والخوف والتقيّة، وربّما كانَ الخوفُ أشدُّ والتقيةُ أقوى، فإنّه  عليه السلام على ما يقال: أراد أنْ يُغيّر سُنّةً مما سَنَّهَ مَنْ قبله فلم يستطع، ولمّا هَمَّ بذلك صاحَ الناسُّ: (واسُنَّةَ عمراه)([104]).

"الأمر الرابع": (ما جَرَى بينَهُم من الأُلْفَةِ والمصَاحَبة والمودة في ربع قرن).

اعلم أنَّ ما جرى بينهم وبينه  عليه السلام أمرٌ مختلف فيه، فالمؤلّف ولا بد أنّه تبعَ في ذلك جماعة من أهل السُّنّة يدّعون جَرَيانَ الألفة والمودّة بينه وبينهم، والشيعة يدّعون خلافَ ذلك، وهو الظاهر من خطبه  عليه السلام  ومن كلماته المتفرقة وكلمات العترة من أهل بيته.

وهو الذي يُساعِدَ عليه الاِعتبار، وتقتضيه العادةُ الجاريةُ في القديم والحديث، بين السلطان وبين من أرغمه على التنازل عن سلطانه، والإطاعة لمن هو دونه في الشرف والمنزلة، والله العالم.

قوله: (ويشير إلى ذلك اعترافُ بَعْضِهِم لِبَعْضٍ بالفضلِ).

فيه: إنّ الاعتراف بالفضل لا يدلُّ على الأُلفة والمودَّة، فقد يعترف العدوّ لعدوّهِ بالفضل كما قال:

والفَضْلُ ما شَهِدَتْ بهِ الأعداءُ ([105])

 

 ولا سيّما إذا كان العدوّ يكتم عداوته ولا يتظاهر بها، بل يَخْشى مِنْ ظُهورِها والاطِّلاعِ عليها.

ثم قد يكون ذلك من باب التقية وَالاستصلاح، فقد وَرَدَ عنهم  عليهم السلام  صَلُّوا بصلاتهِمِ، وعودوا مرضَاهُم وشيّعوا جنائزهم)([106]).

ثم أنّ ما ذكر هنا ليس فيه اعترافٌ من عليٍّ بفضلِ أبي بكر ولا فضلِ
عثمان، كما أنّه ليس فيه اعتراف منهما بفضل عليّ، والمهم هو اعتراف عليٍّ

بفضلِ أبي بكر.

والحاصِلُ: أنّ اعتراف بعضهم لعليٍّ بالفضل مرويٌّ في الشيعة، وأمّا اعترافُهُ بفضلهم أو فضلِ أحَدِهِم فلا عَيَنَ له في كتب الشيعة ولا أثر.

قوله: (ومنها: ما رواه الإمامُ البخاريُّ في صحيحِهِ عن ابن أبي مُلَيْكَة)([107]) إلى قوله: (ويزيدُ على ذلك).

ما رواه الإمامُ البُخارِيُّ في صحيحه فالشيعةُ لا تعتمد على جميع ما روى فيه؛ لأنَّ في رواة أحاديثه من لم تجتمع فيهم الشرائط التي تعتبرها الشيعة في الرواة، كما أنّ أهل السنة لا تعتمد على كتاب الكافي الصحيح، الذي هو من أجلّ الكتب بعد كتاب اللهِ عند الشيعة، ومع ذلك فالشيعةُ لا تقبل كُلَّ روايةٍ فيه إلاّ بعد حصول الشرائط المعتبرة في المتن والسند.

ومن هذا يعلم أنّ استدلال مؤلفِ الرّسالة برواية البُخاري ونحوِهِ في قبال مَنْ لا يراها حُجَّة عليه عَبَثٌ ولغوٌ، فكيف برواية البيضاوي الشيرازي وأمثاله من المفسّرين.

والحاصل: إنّّه لا ينبغي الاحتجاجَ على الشيعة إلاّ بالمتواتر من الروايات، وإلاّ بما روته أئمتهم  عليهم السلام  عن النّبي  صلى الله عليه واله وسلم  بالطرق المعتبرة لديهم.

قوله: (ويزيد على ذلك أنّه لم ينقل المخالفون عنه مما يزعمونه من العداء أو التكفير).

لقد نقلوا مما يدلُّ على العداء في كتبهم عنه وعن أهل بيته شيءٌ كثير، وأما الكُفر فالشّيعة لا تُكفّر إلاّ النّواصب والغلاة والخوارج الذين خَرَجوا عليه وحاربوه، ولا يكفّرون مَنْ يقول بإمامةِ الشيخين؛ لأنّهم يشهدون الشَّهادتين ويتظاهرون بالمظاهر الإسلامية.

قوله: (بل نُقِلَ عنه عدمُ ذلك، حتّى في الخارجين عنه الباغين عليه في صفين، ففي نهج البلاغة قوله: (أصبحنا نقاتل إخواننا في الدين..)([108]).

أما الباغون عليه المحاربون له الذين عَلِموا أنّ حَرْبَهُ حَرْبُ رسولِ الله وسلمه سلمُ رسول الله فلا ينبَغي التوقف عن الحكم بكفرهم.

وقوله: (إخواننا في الدين)([109]) أي: مَنْ كانوا كذلك، وإلاّ فلو كانوا إخوانَهم حينَ الحرب لَما قاتلوهم، وكيفَ يُقاتِلُ الأخُ أخاه، وهو يعلم أنّه أخوه.

وأمّا الجاهل القاصر الذي لا يعلم أنَّ حَرْبَ عليّ حربٌ لرسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  فلنفي الحكم بِكُفْرِهِ مَجَالٌ، أو يقال: إِنّهم إخوانٌ في الدّين في ظاهر الحال أو إخوانٌ في بعض أحكام الدين.

قوله: (فأهلُ السُّنّة عملوا بما علموا من سيرة عليٍّ ونهجوا على ما نهج عليه مع إخوانه الصحابة الكرام في إعلاء كلمةِ اللهِ وخِدْمَةِ رسولِ اللهِ  صلى الله عليه واله وسلم  في حياته وبعد وفاته).

أهل التشيع أيضاً عملوا بسيرة عليٍّ مع إخوانهم أهل السنة والجماعة, فإنّهم يُحاربون مَن حاربوا ويُسالمون مَنْ سالموا، ويُظهرون لهم التديُّنَ بدينهم، ويتّفقون معهم في إعلاء كلمة الله، وخدمة شريعةِ رسولِ اللهِ، ومَنْ لم يكن من الشيعةِ مُظْهِراً لوِفاقهم فهو جَهْلٌ منه وعناد.

قوله: (ومما يؤيّدُ سيرة عليّ مع الخلفاء الثلاثة) إلى قوله: (والحاصل).

سيرته  عليه السلام معهم كانت على إظهار الوفاق وإظهار المتابعة لهم؛ حفظاً للإسلام؛ وحذراً من تطرّق الوهن إلى الدين؛ ولما يعلمه  عليه السلام من المصالح التي تقتضي ذلك؛ ومن أنّه أمرٌ كُتب عليه؛ ولعهد الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  إليه بالصبر على المحن والبلاء.

قوله: (ولما تعيّن عليه القيام بالخلافة قامَ بها أعظَم قيام) إلى أنْ قال: (والحاصل أن المسلمين على ثلاث درجات).

إنْ أرادَ بالقيامِ بالخلافة القيامُ بطلبها كما مَرّ ذلك منه في معنى القيام بالخلافة فلم يكن منه ذلك، وإنْ أرادَ بالقيام بها مزاولةُ أعمالها فكما قال، ولو سُلِّمَ الأمرُ إليه بعد وفاة رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  لمَا وقعَ ما وقعَ من الفتن والانقسام بين المسلمين، وللهِ أمرٌ هو بالغه.

قوله: (والحاصلُ: إِنّ المسلمين على ثلاث درجات) إلى قوله: (منزلة أهل البيت).

لا نعلم أنّ هذا حاصل أيّ شيء، فإنّ الغالب في استعمال هذا اللفظ أن يكون خُلاصةً لأمرٍ تقدَّم تفصيلُهُ، ولم يتقدَّم شيءٌ يكون هذا حاصلاً له، ولا نريدُ فتح بابٍ للبحث في عبارات هذه الرسالة، وارتباط جملها بعضها ببعض، وفي خروجها عن الموضوع الذي عُقِد له الفصل الأول من الرسالة، فإنَّ ذلك أمرٌ لا يُهِمُّنا.

وقد ذكر هنا أنّ المسلمين على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: المهاجرون، الثانية: الأنصار، الثالثة: التابعون، وهؤلاء ليسوا نفسَ الدرجات لِيَصِحَّ الإخبارُ بها عنهم، فلا بُدّ من ارتكابِ مَجَازِ الحَذْفِ، أي: أهلُ الدرجة الأولى، كقوله تعالى: [وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ]([110]).

وذكر أيضاً: أنّ النّاسَ على ثلاثة منازل، وذكر غيرهُ أنّهم: صحابة وتابعون وتابعوا التابعين، وقال عزّ من قائل: [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ]([111])، فصاحبُ التقوى وإنْ كان من أهل الدرجة الثالثة أكرمُ عند الله ممَن لا تقوى عنده وإن كان من أهلِ الدرجة الأولى، نعم لو استويا فيها كان للسّابق والمصاحِبِ حظُّهُ من السبق والصحبة.

قوله: (منزلةُ أهل البيت عند أهل السنة وحبّهم لهم).

قد اشتمل هذا العنوان على جُمَل يمكن هنا بعد التأمل معرفةُ منزلة أهل البيت عند أهل السنة وحبهم لهم، ولم يذكر ما يدلُّ على الحبّ صريحاً سِوى ما نقله عن الإمام الشافعي من قوله: يا آلَ بيتِ رسولِ الله  صلى الله عليه واله وسلم  إلى آخره، وينسب له أيضاً قوله:

يا راكباً قِفْ بالمحصَّبِ مِنْ مِنى
سحراً إذا فاضَ الحجيجُ الى مِنى
إنْ كانَ رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحمَّدِ
 

 

واهتِِفْ بساكِنِ خَيْفِها والنّاهِضِ
فيضاً كمُلتطِمِ الفراتِ الفائضِ
فليَشْهَدِ الثَّقلانِ أَنّي رَافضي([112])
 

 

وقوله:

قالوا:  تَرَفَّضْتَ فقُلْتُ كَلاّ
لكنْ تولّيتُ غيرَ شَكٍّ
إنْ كانَ حُبّ الوليّ رَفْضَاً
 

 

ما الرّفْضُ دِيني ولا اعتقادي
خَيرَ إمامٍ وخَيرَ هادي
فإنّني أرْفَضُ العِبَادِ([113])
 

 

ومما قيل في ذلك قول القائل:

عليُّ حُبّهُ جُنَّة
وَصيُّ المصطفى حقّاً
 

 

قَسيمُ النَّارِ والجنَّةْ
إمامُ الإنسِ والجِنَّةْ([114])
­­

 


وقوله:

قُلْ لِمَنْ وَالى عليّ المرتضى
حُبُّهُ الإكسيرُ لَوْ ذُرَّ على
 

 

لا تخافَنَّ عظيمَ السّيئاتْ
سَيّئاتِ الخَلْقِ صَارَتْ حَسَناتْ([115])
 

 

وجاءَ في الحديث (مَن أحبَّ علياً فقد أحبّني ومن أبغضَ علياً فقد أبغَضَني ومن آذى علياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله)([116]).

وعنه  صلى الله عليه واله وسلم : أنّه أخذ بيد الحسنين وقال: (من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة)([117])، رواه في الصواعق.

وعنه  صلى الله عليه واله وسلم : (المرءُ مع مَنْ أحب)([118]).

وورد: (أنّ مَنْ مات على حُبِّ آل مُحمَّدٍ ماتَ على السنة والجماعة ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله)([119]).

وعنهم  عليهم السلام : (لَنْ يَجْتَمِعَ حُبُّنا وَحُبُّ عَدُوِنا في قلبِ أحدٍ، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه, يحبُّ بهذا قوماً ويحب بالآخرِ أعداءَهم)([120]). والأخبارُ في هذا الباب كثيرة، والكلام في الحبِّ والبغض موكول إلى محله.

قوله: (وأشرفُ الأمة المحمديّة أهلُ البيت النبويّ، مع ما لهم من فضلِ الصُّحْبَة لقوله تعالى: [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا]([121]) وهذه تَعُمُّ الرّجال والنساء).

ارتباط هذه الجمل بعضها ببعضٍ ودُخولها في العنوان، هو أنْ يقال: إنّ أهل السُّنَّةِ لمّا كانوا يعترفونَ بأنّهم أشرفُ الأمّة وأنّ لهم أكمل مراتب الصحبة، وأنّ اللهَ قد أذهبَ عنهم الرّجسَ وطهّرهُم كانتْ لهم أعظمُ منزلةً عندهم، فيكون المؤلّف قد بيّنَ منزلَتهُم عند أهل السُّنَّة، هذا ما تيسر لنا من توجيه هذا الكلام.

وفي الصواعِقِ لابن حَجَر العسقلاني([122]): (أخرج أحمد([123]) عن أبي سعيد الخدري أنّها نزلت في خمسة النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين)، وأخرجه الطبراني([124]) أيضاً، وروى تخصيصَها بهم غيرُ ابن حجر([125])، وهو إجماع المفسرين وإجماع الشيعة.

وقد احتجّوا بها على عصمتهم "صلوات الله عليهم"؛ لأنّ الله قد أذهب عنهم الرجس وهو الذنب وطهّرهم عن المعاصي، واستعارةُ الرّجس للمعصية، والترشيح بالتّطهير للتنفير عنها، كما في تفسير البيضاوي([126]).

قوله: (وقوله تعالى: [قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى]([127]) وبهذِهِ الآية دلالة على افتراض محبة أهل البيت النبوي).

وفي تفسير البيضاوي أنه: (روى: أنها لمّا نزلت قيل: يا رسول الله مَنْ قرابتك هؤلاء الذين وَجَبَتْ مودّتهم علينا؟ قال: عليٌّ وفاطمة وابناهما)([128]).

ولابن العربي:

رأيتُ ولائي آلَ طهَ فريضَةً
فما طَلَبَ المبعوثُ أجراً على الهدى
 

 

على رُغْمِ أهلِ البُعْدِ تُورِثُني القُربا
بتبليغِهِ إلاّ المودَّةَ في القُرْبى([129])
 

 

وعن جابر  رضي الله عنه  قال: (رأيتُ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: أيّها الناس إنّي تركتُ فيكم ما إنْ أخذتُم به

لن تضلّوا كتابَ الله وعترتي أهلَ بيتي)([130]).

وعن زيد بن أرقم  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم : (إنّي تاركٌ فيكم ما إنْ تمسكتُم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الأخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما)([131]).

قال ابن حجر الهَيْتَمِيّ: (إنّ لحديثِ التمسُّك بذلكِ طرقاً كثيرة، وردت عن نيّفٍ وعشرينَ صحابياً، وفي بعضها: أنّه قال في حجّة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنّه قال في المدينة في مرضهِ، وفي أخرى بغدير خمّ، وفي أخرى بعد انصرافه من الطائف، ولعلّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن)([132]).

وفي مسلم عن زيد بن أرقم قال ذلك وزاد: (أذكّركم الله في أهل بيتي، قلنا لزيد: مَن أهلُ بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيمُ اللهِ إنّ المرأة تكونُ مع الرجل العصر من الدهر، ثمّ يطلّقُها فترجعُ إلى أبيها وإلى قومها، أهلُ بيته أهلُهُ وعصبته الذين

حرموا الصدقة بعده)([133]).

وقال أيضاً: (وفي أحاديث الحثّ على التمسُّكِ بأهلِ البيتِ إشارةٌ إلى عدم انقطاع مناهل علمهم للتمسُّك بهم إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك)([134]) انتهى.

ولو أردنا استقصاء ما رواه أهلُ السُّنّة والجماعة من فضائل أهل البيت ومزاياهم وما لهم عند الله ورسوله من المنزلة والكرامة - فضلاً عمّا روتهُ الشيعة - لاحتجنا إلى زمن طويل، وحَسْبُ العترة الطاهرة - كما قيل- أن يكونوا بمنزلة الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكفى بذلك حجة تأخذ الأعناق إلى التّعبد بمذهبهم، والتديّن بدينهم، فإنّ المسلم لا يرضى بكتاب الله بدلاً ولا ينبغي عن عِدْلِهِ حِوَلا.

وقوله  صلى الله عليه واله وسلم  في الخبر: (أحدهما أعظمُ من الآخر) تعظيم لهما، وأنّ كلاّ منهما أعظمُ من الأخر في جهة.

ثم إنّ ظاهر أخبار التمسّك أنّ المَرْجِعَ الوحيدَ بعدَ رسولِ اللهِ  صلى الله عليه واله وسلم  الذي من تمسّك به لن يضلّ هو كتاب الله العزيز وعترتُه أهلُ بيته، وهم عليٌّ وولداه
وزوجه، ولعلّ المفهوم منه ضَلالُ مَنْ لم يتمسَّكْ بهما، ويؤيّدُ ذلك حديث
الثقلين: (لا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا)([135]).

والعجب ممن يدّعي التمسُّك بأهل البيت والولاء لهم ويرجع في أصول دينه إلى غيرهم، وفي فروع الدين إلى سواهم، وفي تفسير القرآن إلى مقاتل بن سليمان، ويعتمد في الرواة على عِمْرانَ بن حطّانِ وأمثاله من فلان وفلان، ويُعرضون عمّن لا يُقاس بهؤلاءِ عِلماً وتقوى وزهادة، وهُم من أهل البيت كالباقر والصَّادِق وغيرهما، مع أنّ حديث التمسّك قد أشار إلى عدم انقطاع علمهم للتمسّك بهم.

هذا الصّادِق الذي ملأت علومه الدنيا، وروى عنه ألوف من الرجال، لو فتّشْتَ جوامع الحديث لم تجد فيها له ذكراً يُعادلُ ذِكرَ أبي هريرة وأمثاله.

وعندهم أعظمُ قادحٍ في الرّاوي اتّهامُهُ بالتشيّع، ولا يرون النّصب قادحاً في رجالٍ عُرفوا بَعَداوَةِ أهلِ البيت.

وأما الكتاب الشريف فالتمسُّك به هو العمل به والأخذ بما يستفاد منه، ومَن تمسّك به لا مَناصَ له عن تقديم أهل البيت على غيرهم والاقتداء بهم، والرجوع إليهم في جميع الأحكام الدينية كما لا يخفى، وبقي هنا مجال واسع للنقد والنقض وإقامة الحجج والبراهين، [إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ]([136]).

كَمْ لي أنَبّهُ مِنْكَ مُقْلَةَ نائِمٍ
فكأنّك الطِّفلُ الصَّغيرُ بمَهْدِهِ
 

 

يُبْديْ سُباتاً كُلَّمَا نبّهتُهُ
يَزْدَادُ نَوماً كُلَّمَا حَرَّكتُهُ([137])
 

 

وإنّي لا يسؤني ما تخطُّهُ أقلامُهم وتنطِقُ به أفواهُهم من القَدْحِ والقذف والتّوهين والطَّعْنِ بعد تجلّي الحقيقة ووضوحِ الحَقِّ، وإنّما أستاءُ عليهم، وأحزنُ على ما أصابَهم وصَرَفَهم عن تدبّر ما تتم به الحجّة عليهم من آيات الكتاب وأحاديث السنة.

قوله: (وعنه: أيضاً: أنّ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام  : (أنا حربٌ لمن حاربهم وسِلْمٌ لمَنْ سَالَمَهم)([138])، فالمسلمونَ أيضاً حَرْبٌ لمن حارَبهم وسِلْمٌ لمن سالمهم، ولذلكَ يلعنون يزيد وقاتل الحسين الشهيد، وكلٌّ مَن أعانَ على قتلِهِ، وكلُّ مَن رَضيَ بذلك؛ عَمَلاً بقوله تعالى: [فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ 6أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ]([139])..)

كان عليه أن يقول: ولذلك يلعنون مَنْ حارب الحسين، ومَن حارب الحسن، ومن حارب أباهما وأمّهما، ولا وجه للاقتصار على ذكر شخصٍ بخصوصِهِ ممن حارب الحسين، وكانت له أفعال وأقوال توجب كفره ولعنه عند المسلمين وإنْ لم يكن محارباً للحسين  عليه السلام، فلا يكون شاهداً له على ذلك.

ثم المحاربةُ تكون بالسنان وباللسان، وكما تكون بمحاربتهم تكون بمحاربة أوليائهم، وكذلك المسالمة، كما تكون بمسالمتهم تكون بمسالمة أوليائهم، فلو سَالَمَ أعداءهم أو حارب أولياءهم كان محارباً لهم، وكذا مَن أعان على حربهم أو رضيَ به.

قوله: (ولذلك يلعنون يزيد).

ظاهره أنّ جميعَ المسلمين متفقون على لعنه، وليس الأمرُ كذلك، فقد ذهب الغزاليُّ في إحياءِ العلوم إلى عَدَمِ جوازِ لعنه([140])، وكذا ابن تيمية في كتاب منهاج السنة([141])، وربّما نُسب إلى غيرهم من علماء أهل السنة والجماعة، والله العالم.

قوله: (وبقوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا]([142])..).

إيِذاء اللهِ ورسولهِ بارتكابهم (ما يكرَهانِه مِن الكفر والمعاصي، أو يؤذونَ رسول اللهِ بكسر رَباعيته، وقولهم: شاعر مجنون، ونحو ذلك) كما في تفسير البيضاوي([143])، وقد يحصل الإيذاءُ بفعلٍ أو قولٍ، يكرَهُ رسولُ الله  صلى الله عليه واله وسلم  ووقوعَهما في من لا يَرضى وقوعهما فيه، وقال تعالى بعد هذه الآية بلا فصل: [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا] (بغير جنايةٍ استحقوا بها الإيذاء [فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا] ظاهراً) قال البيضاوي: (قيل: إنها نزلت في منافقين كانوا يؤذون علياً  رضي الله عنه ، وقيل: في أهل الإفك) إلى آخره.

قوله: (وأيُّ أذىً أشدّ من قتل ريحانة رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  وابن بضعته الطاهرة التي قال فيها: (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها)([144])، وفي رواية: (يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها)([145]).

قال في النهاية: (وفي الحديث: (فاطِمةُ بَضْعَةٌ مني)، البَضعة - بالفتح-: القطعة من اللحم، وقد تكسر، أي: أنّها جزءٌ منّي، كما أنّ القطعةَ من اللحم جزءٌ من اللحم)([146]).

وقال: (في حديثِ فاطمة "سلام الله عليها": (يريبني ما يُريبها) أي: يسوؤني ما يسوؤها، ويُزعجني ما يزعجها)([147]).

وبهذا الحديث وآية التطهير استدل الإمامية على عصمتها، وأنّ مَن آذى مُحبّيها ومواليها بالقول أو الفعل فضلاً عمّن مَتّ إليها بنسبٍ أو بسبب فقد آذى رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم .

ولها "سلام الله عليها" أسماء كثيرة أشهرها الزهراء وفاطمة، وقد ورد في
الأخبار أنّها: (إنّّما سُمّيت فاطمة؛ لأنّ الله تعالى فطم محبّيها عن

النّار)([148])، وفضائلها كثيرة لا تُحصى رواها الفريقان.

قوله: (وفي سنة 1300هـ تشرفت بزيارة سيدنا الإمام الحسين  عليه السلام، ولمّا  لاحت لي من كربلاء الأعلام ارتجلت هذه المنظومة لإهداء السلام).

ثم ذكر المنظومة، ولا تخلو من بعض الأغلاطِ المطبعية التي تُخِلُّ بالوزن، وهذه القصيدة لا سلام فيها، وإنّما هي رثاء لسيد الشهداء  عليه السلام، وذِكرُ هذه القصيدة في هذه المواضع كالاقتضاب الذي تستعمله الشعراء، ولعلّه ذكرها بمناسبة ذكر الحسين  عليه السلام.

وبعد هذه القصيدة أورَدَ قصيدةً ثانية أثنى فيها على سَيد الشهداء أيضاً، أعلن فيها بحبّ أهل البيت، وذمِّ أعدائهم، ومَنْ لم ينصرهم، ولم يقم بحقوقهم.

بعد انتهاء القصيدة الثانية قال: (وأمّا معاويةُ وأصحابه) ويمكن أنْ يُتكلّف لربط جمل هذه الرسالة بعضها ببعض، ولكن لا يُهمّنا ذلك وإنّما المهم بيانُ ما تضمّنته من المسائل والمطالب.

قوله: (وأمّا معاويةُ وأصحابه بصفّين وأهلُ وقعة الجمل فلا يزيدُ المسلمون في حقهم على قولهم: (بغاة على الإمام الحق علي (كرم الله وجهه)).

وينبغي أنْ يزيدوا على ذلك أنّهم حَرْبٌ لرسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ؛ لما مرّ مِن الحديث مِنْ أنّه  صلى الله عليه واله وسلم  قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: (إني حَرْبٌ لمن حاربهم)([149]).

ويزيدوا على ذلك أنّهم آذوا علياً وفاطمة وابنيها، واذا آذوهم فقد آذوا رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم .

ويزيدوا على ذلك عداوتهم لذي القربى.

ويزيدوا على ذلك أنه كما كان من البغاة على عليٍّ  عليه السلام فهو من البغاة  أيضاً على الإمام الحقّ الحسن بن علي، وأمّا تسليمُ الحَسَن الأمرَ إليه، فعلى فرض أنّه لم يكن عن تقيّةٍ واضطرار فهو مشروطٌ لا مطلق، ولم يَفِ معاويةُ بالشرط بل قال: (كل شرط فهو تحت قدمي)([150])؛ ومن المعلوم أنَّ المشروط عدمٌ عند عدم شرطه.

ولمعاوية سيئاتٌ كثيرة أشار إلى بعضها الشاعر بقوله:

وكَمْ لهُ مِنْ سيّئاتٍ مُوبِقَةْ
خروجُهُ على إمامَيْ عَصْرِهِ
وقتلُهُ لِعمْروٍ بنِ الحَمَقِ
وقتلُ حِجْرِ بن عديِّ الطّاهِرِ
وأمَّرَ الفُسَّاقَ والفُجّارا
وقالَ بالجَبْرِ وبالإرجاءِ
ومَن "يَزيدُ" بَعضُ سَيّئاتِهِ
 

 

صريحةٍ في الكُفْر أو في الزَّنْدَقَةْ
وسَيَّديْهِ ووَليِّ أمْرِهِ
مِنْ غيرِ جُرْمٍ وبغَيرِ حَقِّ
وصَحْبِهِ من أعْظَمِ الكبائرِ
مُسْتَلْحِقاً بالنَّسَبِ العُهّارا
ونالَ مِنْ خيرِ بَني حَوّاءِ
ماذا يقولُ المرءُ في صِفاتِهِ
 

 

قال ابن أبي الحديد: (وأمّا عسكرُ الشَّام بِصفّين فإنّهم هالكون كلُّهُم عند أصحابنا، لا يُحكَمُ لأِحد منهم إلاّ بالنّار؛ لإصرارهم على البغي، وموتهم عليه، رؤساؤهم والأتباع جميعاً).

وقال قبل هذا: (وأمّا أصحابُ الجمل فهم عند أصحابنا هالكون كلهم إلاّ عائشة وطلحة والزبير؛ فإنّهم تابوا، ولولا التوبة لحُكِمَ لَهُمْ بالنَّارِ؛ لإصرارهم على البغي)([151]) انتهى كلامه.

وَذَهَب قومُ من السُّنِّيين إلى أنّهم قد اجتهدوا وَأَخْطَؤُوْا، وهذا قولٌ سخيفٌ؛ إذ لو فُتح بابُ الاجتهاد في مثل هذه الأمور لادُّعيَ ذلك لقتلة عثمان، ولِأبي لؤلؤة، وابن ملجم، ولغيرهم من أضرابهم، بَل لم يَبْقَ مجالٌ للنَّهي عن المُنكر وإنْ كان من الكبائر.

قوله: (ولم يُنقل عنه أنّه كفَّر معاوية وأصحابه، بل نُقل عنه أنّه عدّهم من المسلمين، بقوله -كما هو في نهج البلاغة- (أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام)، وفي رواية (إخواننا في الدين).

أما قوله: (أصبحنا نقاتل) فقد مَرّ الكلامُ عليه.

وأمّا كُفْرُ معاوية فقد نُقل عن أمير المؤمنين  عليه السلام من جُمْلَةِ كتابٍ إليه قوله: (إنّما أنت طليق ابن طليق لعين ابن لعين وثن ابن وثن، ليست لك هجرة ولا
سابقة)([152]) إلى آخره، ويوجد في كتبه إلى معاوية ما هو من هذا القبيل كثيرا.

قوله: (وروي عنه أنه قال: (قتلائي وقتلاء معاوية في الجنة)([153])..).

هذا مما لا نشكّ أنّه من الموضوعات، وكيف تكون قتلى معاوية في الجنّة وهم بغاة قد ماتوا على غير توبة، وإنّا لو ثَبَتَ هذا بنقلٍ صحيح لَتَأوّلناه وصَرَفْنَاه عن ظاهرهِ.

فهذا الحديث وما بعده نقول فيه كما قال العلاّمة الآلوسي حسب ما نقله هنا من تفسيره: (أنّ ما يذكره المؤرخون لا يلتفت إليه ولا يعوّل عليه؛ لأنّهم ينقلون ما خَبُثَ وطاب، ولا يميّزون بين الصحيح والموضوع، وكذا أهلُ السُّنّة أيضاً يتوقفونَ فيما جاء في بعضِ الكتب المعتبرة من حيثُ يتبيّنُ لها مُعارِضاتُ معتبرة مثلها)([154]) انتهى.

وما ذكر هاهنا فلا عَيْنَ له في كتب الشيعة ولا أَثَر، فلا يكون حجة عليهم.

وقوله: (وكانَ أصحابُ الجَمَلِ بعد الوقعة مع عليٍّ في حرب صفين).

مَنْ كان من أصحاب الجمل مع أمير المؤمنين إنْ كان عن توبةٍ وندم عمّا وقع، وعَزْمٍ على الترك فيما يأتي فإنّ الله يقبلُ التوبَةَ عن عبادهِ، وإنْ كانَ عن داعٍ غيرِ دينيٍّ وغرضٍ غيرِ إلهي فلا فائدة له في حضوره مع علي  عليه السلام وخلطه نفسه بأصحابه.

وقوله: (من أنّ معاوية كانَ يقعُ بالأمير بعد وفاته فلا يلتفت إليه) إلى آخره.

وقيعةُ معاوية بأمير المؤمنين بعد وفاته ووقيعته بأصحابه وبالمنتمين إليه وبمن يروي شيئاً من مناقبه مما لا يمكن إنكارُهُ، وقد صارَ سُنّة عند خلفاءِ بني أميّة يَجهرون به على المنابر، ويتوارَثونَهُ خلفاً عن سَلَف إلى زمنِ عُمر بن عبد العزيز، فإنّه أنكر أعمالهم وسمّاها مظالم وأمر بترك اللعنِ على المنابر، وكتب بذلك إلى الآفاق وفي ذلك يقول كُثير:

وَلِيتَ فَلم تشتمْ عَلياً ولم تُخِفْ

 

 

بَرِيّاً ولم تَتْبَعْ مَقَالَةَ مُجرِمِ([155])
 

 

وقال الشريف الرضي:

يا ابنَ عبدِ العزيز لو بكتْ العينُ
أنتَ نَزَّهْتَنا عن السبِّ والشَّتْمِ
 

 

فتىً مِنْ أميّةٍ لَبَكيْتُكْ
فلو أَمكَنَ الجزاءُ جَزَيْتُكْ([156])
 

 

ويقول الشاعر:

أَعَلىَ المنابِرِ تُعلِنونَ بَسبِّهِ
 

 

وبسَيْفِهِ نُصِبَتْ لَكُم أَعوادُها([157])
 

 

وعن الإسكافي أنّ معاويةَ استمال قوماً من الصحابة ومن التابعين وجعل لهم جُعلاً يُرْغَبُ في مثله على روايةِ أخبارٍ في عليٍّ تقتضي الطّعن فيه والبراءة منه، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة.([158])

قوله: (ومما يدلُّ على أنّ أكثر ما يذكره المؤرّخونَ([159]) من الوقوع بالإمام من معاوية ومَنْ بعده لا يلتفت اليه أنّي لمّا سافرت إلى الشام) إلى آخر ما كتبه.

تسميته محراب الجامع بمحراب الصحابة، وكتابة أسماءِ الخلفاء الأربعة عليه لم يثبت أنّ ذلك حدث بأمر الوليد بن عبد الملك الذي أمرَ ببناء الجامع الأموي في دمشق، ولا بأمر أخيه سُليمان, ولعلَّ ذلك حَدَثَ في أيّامِ عمر بن عبد
العزيز، وكُتِبَ بأمرِهِ أو كُتِبَ بأمرِ غيرهِ مِمن أتَى بعده من خلفاء المسلمين.([160])

قوله: (إنّ أهل السنة والجماعة لا يزيدون في حقّ معاوية على قولهم: بغى على الإمام الحق عليّ بن أبي طالب).

وقد قدّمنا عند ذكره لمثل هذه العبارة ما ينبغي أن يزيدوه على ذلك، وأمّا أهل السنة فلم يتّفقوا على ما ذكره، فإنّ منهم من لا يقولُ فيه شيئاً يُنقصه، كابن حجر الهَيْتَمِيّ في رسالته التي سمّاها (بتطهير اللسان والجَنان عن الخطور والتفوّه بثلب سيّدِهِ معاوية بن أبي سفيان)، ومنهم من يزيد في حقّه على ذلك كابن أبي الحديد.

وفي شرح عقائد النَّسَفِيّ ما يوافق المذكور هنا قال: (لأنّ غاية أمرهم - يعني معاويةَ وأعوانه- البغي والخروج على الإمام، وهو لا يوجب اللعن عليهم)([161]) انتهى، ولا حاجة إلى بسط الكلام في هذا الموضوع، ومسألة اللعن مسألة أخرى لا محلّ للتعرض لها هنا.

قوله: (ولا يَصفونَهُ بالإمامة والخلافة إلاّ بعد نزول الحسن له عنهما).

قد مرّ منّا الكلامُ على أنّ معاويةَ وأعوانَهُ قد أَصَرَّوا على البغي والعدوان، وشقّوا عصا المسلمين، وأهرقوا دماءَ طوائف منهم، وفيهم من الصحابة والتابعين مَنْ لا يستهانُ به، وقد ماتوا على ذلك بلا إقلاعٍ ولا توبة، والإصرار على الذنب من الكبائر، وخروجهم على الحسن الذي وقع الإجماع على خلافته وإمامته معاً بغيٌ ثانٍ، فهو وأتباعه من الهالكين.

وليتَ شعري أيُّ حَقٍّ خوَّلَ معاويةَ أنْ يرومَ الخلافة، ويَتَطَلَّبَ الإمامة، وينازعُ عليها أهلَها الذين أوجب الله عليه وعلى غيره إطاعتهم والانقياد لهم، ولا أدري ما الذي أطمَعَهُ فيها، وأهّلَه لطلبها، ألِسابقةٍ له تُعرف، أو فضيلةٍ تُذكر، أو حديثٍ في شأنه يُؤثرْ.

وقد كتب له أمير المؤمنين  عليه السلام من الكتب ما عَرَّفه به قَدْرَهُ وحَسَبَه ونَسَبَه، وما به تتمّ الحُجّةُ عليه وعلى أتباعه، ولم يُبْقِ له حُجّة إلاّ دَحَضَها ولا وسيلة إلا أبطلها.

وفي بعض كتبه: (واعْلَم يا معاويةُ أنَّكَ من الطلقاء الذين لا تحلّ لهم  الخلافة، ولا تعقد معهم الإمامة، ولا تعرض فيهم الشورى)([162]).

وأمّا نزول الحسن عن الإمامة والخلافة فليس معناه تولية معاويةَ مِن قبلِهِ، ولا توكيلُهُ عنهُ عليها، وإنمّا هو تركُها وعدمُ المطالبة بها، كما في خبر الدُّولابي: (أنّ الحسن قال: نتركها ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين)([163]), والتنازل عن الإمامة كالتنازل عن النبوّة لا يُصيّرُ المتنازَلَ لهُ إماماً ولا نبياً, فقولُ المؤلّف في الرّسالة (لا يصفونه بالإمامة إلاّ بعد نزول الحسن) إلى آخره لا وقع له.

ثمّ إنّ الإمامة ليست من الأعراض التي تُملكُ وتباعُ ويُصَالَحُ عليها، وإنّما هي من الحقوق غير القابلة للنقل والانتقال، فلا معنى للمصالَحة عليها، وليس كلُّ متنازَع فيه يَجري فيه الصّلح، فنزولُ الحَسَن وصلحه لا يُصحّحان وصفه بالإمامة والخلافة.

نعم إذا قلنا إنّ الإمامةَ تَحْصَلُ للظالم المتغلّب بالسيف يصحّ وصفه بالإمامة.

قوله: (وَزَعَمَ بعضُ الشيعة أنَّ نزولَه عنهما؛ لفقدِ الأعوانِ والأنصار).

هذا أمر لا ترتابُ فيه الشيعة، وهو مما ينصره العقل، ويؤيّده الدليل، فلننظر في معنى النزول عن الخلافة والإمامة، وهل هو مما يجوز اختياراً لمّا كانت الإمامة كمنصب ديني وتوظيفٍ إلهي له تكاليف وأحكام، وحقوق يجب مراعاتها والقيام بها.

فالنزول عن الإمامة تركُ تكاليفها وحقوقها، وإلغاءُ جميعِ لوازمِها وهو غيرُ جائزٍ شرعاً، فإنّه كما لا يجوزُ للنّبيّ أنْ يتنازل عن نبوّتِهِ لا يجوزُ للإمام أنْ يتنازل عن إمامته، وتوليته الإمامة غيره في بعض المصالح ليس تنازل عنها، وإنّما هو من مقتضياتها.

وقد جرى على ثالث الخلفاء من البلاء والفناء، ولم يسمح بالنّزولِ عن الخلافة قائلاً (هيهات أنْ أخلع ثوباً ألبسنيه الله)([164]).

وما كان امتناعه إلاّ لأنه كان يرجو أنْ يَأْتِيَهُ من المسلمين ما يستعينُ به على دفع مناوئيه، ولو كان آيساً من ذلك لَوَجَبَ عليه التنازُلُ حِفظاً لنفسه من العَطَب، فإنّ الإصرار على الامتناع مع اليأس من النَّجَاح إلقاءٌ للنفس في التهلُكة [لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا]([165])، (وعند الضرورات تباح المحضورات)، فلا يجوز التنازل إلاّ مع الاضطرار وفقدِ الأعوان والأنصار.

والحسن بن علي سيّد العرب بعد أبيه وجدّه، وهو المعصوم من الخطأ والخطل, وأعلمُ أهل عصره بالكتاب والسنة، كيفَ يَخفى عليه حكم الله فلا يقوم بواجبه ويخلع ثوباً أَلبسه الله [على] من استعبده هواهُ وَأَسَرَتْهُ شَهَواتُه لو كانت له أنصارٌ وأعوان يحفظ بهم نفسه ويتوصَّل بهم إلى نيل حقه.

ولو فرضنا أنّ الإمامة سلطة زمنية للمرء أنْ يتخلّى عنها فلا شكَّ في أنّها من أعظمِ الأمور التي تُبذل في سبيلها الأنفسُ والأموال وتَهونُ في ظِلِّها الشدائد والمكاره، ولا يتنازل عنها مَنْ نالها، وكانت له كميراثٍ من أبيه وجدّه، وهو من حاز أعلى مرتبة في الحسب والنسب والإباء والشمم وعزة النفس والفخار لمن لا يجري منه في مضمار الفضيلة والشرف وميدان العفاف والسؤدد.

اللهم بعد اللَّتَيّا والتي، وبعدَ أنْ يبلغ السّيلُ الزُّبَى، ويتجاوزَ الحزامُ الطِّبْيَيْنِ، وإلاّ بَعْدَ تبدُّلِ الحُكمِ في حقّهِ، وسقوط التكليف عنه.

وهاك نبذةً مما جرى عليه مما يوجبُ العُذْرَ ويوضِحُ السّرَّ، مِنْ تفرُّقِ جيشِهِ عنه، وانتهابِ مُصلاّهُ من تحتِهِ، ونزعِ مَطْرَفِهِ عن عاتِقهِ، وطَعْنِ الأسديّ في فَخِذِه، وقوله: (أشركتَ يا حَسَن كما أشْرَكَ أبوكَ مِنْ قَبْلُ)([166]) ومن علمِهِ بما كتَبَه جماعةٌ من رؤساءِ القبائلِ إلى معاويةَ بالسَّمعِ والطّاعة له في السّرِّ، وضمانِهِم له تسليمَ الحَسَن إليه أو الفتك به، وما جرى من عبَيد الله بن العباس، من انسلالِهِ ليلاً من معسكره الذي جَعَلَهُ الحَسَنُ أميراً عليه مع خاصّتِهِ إلى مُعَسْكَرِ مُعاويةَ حتّى أصبح الناسُّ وقد فقدوا أميرهم، فصَلّى بهم قيسُ بنُ سعد، ونظر في أمورهم.

وبهذه الأمور وأمثالها ازدادت بصيرةُ الحسن بخذلانِ الناس له، وفسادِ نيّاتِهِم بما أظهروه مِنَ السَّبِّ والتّكفيرِ واستِحلالِ دَمِهِ، ولم يَبْقَ مَعَهُ مَنْ يأمَنُ غوائله إلا خاصَّةٌ من شيعته وشيعة أبيه، وهم جماعةٌ لا تقومُ لأجنادِ الشّامِ ومَنْ التَحَقَ بهم من الفسّاق وأهل  الأطماع.

ومن هذا كلِّهِ تَعْلَمُ أنّ ما وقع من الحسن مع معاوية كان عن تقيّةٍ وإكراه واضطرار، لا عن رضى منه ولا اختيار، وفي الحديث: (رفع عن أمتي)([167]) إلى آخره.

وهذا أمرٌ لا يوهنُ خِلافَةَ الحَسَن وإمامَتَهُ عندَ أهلِ الإيمان والعرفان، كما أنه لا يَزيد في شأنِ معاوية إنْ لم يكن مما يُوهِنُ أمْرَه ويحطّ قدره ويزيدُه بغياً على بغيه وعدواناً على عدوانه، ومعاوية لم ينقطع عن محاربة الحسن بالدّسائس والخدع، والمكر والغدر، حتّى قضى عليه، وسقاه كأسَ الحُتوف، ومن حارَبَ الحَسَنَ وأباه فقد حَارَبَ الله ورسوله، ومن استحلَّ دَمَهُ وَدَم أبيهِ فقد استحلَّ ما حَرَّمَ اللهُ، واستحلالُ ما حَرَّمَ اللهُ مُوجِبٌ للتكفير فضلاً عن التفسيق، إلى غير ذلك من سيئات معاوية ومعاصيه.

والعجب كل العجب ممن يتظاهر بموالاته وموالاة بني أميّة، ويفخرُ بالانتماء إليهم، ويقتدي بأفعالهِمِ، ويتجاهَرُ بمحبّتهم والمرءُ يُحْشَرُ مع مَنْ أحبّ.

قوله: (أنّه – الحسن- سارَ إلى معاويةَ بجيشِ عظيم) إلى آخره.

 يصحُّ أنْ يقالَ في ذلك الجيش:

ما أكثَر النّاسَ لا بل ما أَقلَّهُمُ
إنّي لأَفتَحُ عَيْني حينَ أفتَحُها
 

 

اللهُ يَعْلَمُ أَنّي لمْ أَقُلْ فَنَدَا
على كثيرٍ ولكنْ لا أرى أحَدا([168])
 

 

وما الفائدَةُ بجيشٍ نواياهُ سيئة وأهواؤه متشتتة، قد استولى عليه الطمع، وعملت فيه دسائس معاوية وحيله حتّى تفرّق وتشتَّتَ، وصار بحيثُ يُخشى أكثر مما يُرجى.

قال الشيخ فخر الدين الأربلي في كتاب كشف الغمّة: (إنّ الشيخ كمال الدين وقف على أنجد هذا الأمر، ولم يقف على أغواره، وخاض في ضحضاحه ولم يلج في غماره، وعدّ تسليم الحسن الخلافة إلى معاوية من كرمه وجودِهِ وإيثاره، ولو أنعَمَ النظرَ عَلِمَ أنّه لم يُسلّمها إلى معاوية باختيارِهِ، وأنّه لو وَجَدَ أعواناً وأنصاراً لقاتله بأعوانِهِ وأنصارِهِ)([169]) إلى آخر ما كتبه.

قوله: (وفي ذلك دلالة واضحة على أنّ المصالحةَ كانت باختيار الحسن) إلى آخره.

ولكنْ هناك دلالاتٌ كثيرة من العقل والنقل على أنّ هذا الاختيار لم يكن إلا عن إكراه واضطرار.

على أنّ قوله: (فنظرتُ الصَّلاحَ للأمّة والقَطْعَ للفتنة)([170]) صريحٌ في أنّه إنّما صَنَع ما صَنَعَ من باب ارتكاب أقلّ القبيحين، وأهون الشرّين، لا لأنّ معاوية أهلٌ لذلك لسابقةٍ أو علمٍ أو مَكْرُمَةٍ، ولا لأنَّ الإمام كان عاجزاً عن إدارةِ شؤونِ الأمّة الإسلامية فاختار لها مَنْ يَصْلُحُ لذلك دون غيره، وإنّما أُرْغِمَ على ذلك.

قوله: (من أنّ الحسين كان يبدي كراهةً للصلح)([171]) إلى آخره.

هذا عليه لا له، فإنّ الصلح لو كانَ عن رِضا واختيار وصلاحٍ وإصلاحٍ لأحبّه الحسين وحَبَّذَهُ، ولم يكن يبدي له كراهةً ومقتا.

قوله: (فكيف يجوز له النزول عنها لمن لا يتأهّلُ لها مع قيام هذا الجيش العظيم معه).

قلنا في ما مرّ إنّ النزولَ عن الخلافة لا يجوز لولا حديثُ الرّفع ووجوب التقية وخوف إلقاء النفس في التهلكة وما به الإمام أعلمُ من الحكم والمصالح في الأحكام الدينية التي طالما خفيت علينا، هذا.

ولا يخفى أنَّا لو تأمّلنا الحقيقة وسبرنا غور الأمر وقرأنا كتابَ الصُّلح الذي استقرّ بينه وبين معاوية نجدُ أنّ الإمام لمْ يُصالحْ معاوية وَلَمْ يُوَلِّهِ الأمر، فقد روى في كتاب كشف الغمة([172]) أنّ (كتاب الصُّلحِ هو:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما صالحَ عليهِ الحَسَنُ بنُ عليِّ بنِ أبي طالب مُعاويةَ بن أبي سفيان، صالحه على أنْ يُسلِّمَ إليه ولايةَ أمرِ المسلمين، على أنْ يعمل فيهم بكتاب الله وسنّة رسوله  صلى الله عليه واله وسلم  وسيرة الخلفاء الراشدين، وليس لمعاوية أنْ يَعْهَدَ إلى أحدٍ من بعده، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين، وعلى أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله، شامِهم وعراقِهم وحجازهِم ويمنهِم، وعلى أنّ أصحابَ عليٍّ وشيعَتِه آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وعلى معاوية بذلك عهدُ اللهِ وميثاقُهُ، وما أخذ اللهُ على أحدٍ من خلقه بالوفاء بما أعطى الله من نفسه، وعلى أنْ لا يَبغي للحَسَنِ بن عليّ ولا لأخيه الحسين ولا لأحدٍ من أهل بيت رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  غائلةً سرّاً أو جهراً، ولا يُخيف أحداً منهم في أفقٍ من الآفاق، شهد عليه بذلك وكفى بالله شهيدا فلان وفلان).

ومن هذا يَعْلَمُ أنّ الإمامَ لم يصالحه مطلقاً، وإنّما صالحه بشروطٍ، وقد تكون هذه الأمور هي مآل المصالحة، والإمامُ على يقينٍ من أنّ معاوية لا يقوم بجميع ذلك، وعليه فتكون المصالحة لغواً، ويكون المُصَالِحُ العَالِمُ بذلك غَيْرَ مُصَالِحٍ في الحقيقة.

وقال جلالُ الدّينِ السّيوطي في تأريخ الخلفاء: (وإنّ الحسن أرسل إلى معاوية يبذل له تسليم الأمر إليه، على أنْ يكون له الخلافة من بعده، وعلى أنْ لا يطالب أحداً [من أهل المدينة والحجاز والعراق] بشيءٍ مما كان أيّاَم أبيهِ، وعلى أنْ يقضي عنه ديونه، فأجابه [معاوية] إلى ما طلب فاصطلحا على ذلك)، إلى أن قال: (وكان نزوله في سنة 41هـ في شهر ربيع الأول، وقيل: في جمادى الأولى)([173]).

قوله: (ظهرتْ فيه المعجزة النبوية).

نعم هذا من دلائل النبوّة، ولكن لا دلالَة فيه على رِضا الإمام بهِ اختياراً، وليس فيه إلاّ محضُ الإخبارِ بالحادثة، كالإخبار بغلبة الرّوم الذي لا دلالَة فيه على رضا أحدٍ به، ولا بمحبوبيّتِهِ عند الله.

قوله: (والحاصل: أنّه قد مضت).

هذا كلامٌ يقوله الشيعيُّ كما يقوله السُّنيُّ، وأكثر المنازعات والانتقادات كانت من علماء أهل السنة، ويشهد لهذا تأليف هذه الرسالة ونشرها في هذه الأَعصار العصيبة، التي اشتدّ فيها الخطر على الإسلام والمسلمين، والتي لم تزل علماء الشيعة الإمامية تدعوا فيها إلى توحيد الكلمة والوفاق ونبذ الفوارق جانباً، وفي عصرنا هذا لم نرَ منهم مَنْ كَتَبَ شيئاً ينتقد فيه مذهب أهل السُّنة ويتعرّض فيه لعقائدهم ويقدح فيها، وَما زِلْنا بين آونةً وأخرى نطَّلعُ على كُتُبٍ ورسائِلَ مِنْ مِصْرِ وسوريا وفلسطين، تندّدُ بمذهب الشيعة، وتقدَحُ فيه قدحاً مستهجَناً، تمجُّهُ العقول، وينكرهُ الوجدانُ.

ثمّ إنّ قوله: (والحاصل) لا علاقة له بما تقدّم إلاّ بضربٍ من التوسّع، وأغلب جُمَلِ هذه الرسالة تشكو من عَدَمِ ارتباط بعضها، والمناقشة في العبارة عاريةٌ عن الفائدة.

قوله: (فليحكم المنصفُ من الفريقين بنصوص تلك السيرة العلوية).

ما زال  عليه السلام مُنذ قبض رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  الى أن قبضه الله إليه يتذمَّرُ ممّا جرى عليه، ويُصرّحُ تارةً ويلوّحُ أخرى بظلامته والاعتداء على حقوقه، وعدمِ القيام بما يجبُ له من الشؤون، والذي يسبُرُ أحواله ويقرأ كتبه وخطبه وما كتبه أهل التأريخ من شيعته وغيرهم، يعلم ما تحمَّلَهُ من الشدائد، وصَبَرَ عليه من المصاعب.

ثم إنّ الشيعةَ هم أوّلُ من يحكم بالنصوصِ الدَّالّةِ على السيرة إذا كانت صحيحةً أو متواترة، ولا يجوزُ عندهم مخَالَفتُها قطعا.

قوله: (ولم أتعرّضْ لما يحتجّ به الفريقان من إثبات الخلافة وغيرها).

كالأفضلية مثلاً، وغرضه: أنّه لم يتعرّض لجميع ذلك، وإلاّ فقد تعرّض لما يراه كافٍ في إثبات مطلوبه.

قوله: (لأنّ القصدَ من هذه الرّسالة أن يكون الفريقانِ) إلى قوله: (والمرجوّ من علماء الفريقين).

تصحيحُ هذه الجمل وارتباط بعضها ببعض من حيث التعليل وغيره محتاج إلى التكلف، والسّوادُ الأعظم لم يعلموا ما صفا ليأخذوا به وما كدر ليتركوه، ولا يُعْلَمُ ذلكَ إلاّ بعد إيراد حُجَجِ الفريقين، ومعرفة الصحيح والسقيم من القولين، والسواد ينعقون مع كلّ ناعقٍ، ولا يميّزون بين القشر واللباب.

وقوله: (والمرجوّ من عُلماءِ الفريقين أنْ يقوموا بإرشادِ الطبقة المنحطّة بترك الانتقادات، ولا سيّما العُلماءُ الأعلامُ من الشّيعة بإرشادِ تلكَ الطبقة، بترك السُّباب، وسُوءِ الألقاب بحقّ الأصحاب، وعند ذلك تلتئمُ الجروحُ في جسم الإسلام الواحد، والله الموفق والمعين).

أمّا علماءُ الشّيعةِ الإمامية فما زالوا ولا يزالون ينهونَ سائرَ أفرادِ الشّيعة من جميع طبقاتها عن التّظاهُرِ بمخالفة أهل السنة فيما يخالفونهم فيه، في الصلاة والصيام وغيرهما من فروع الدين، ويأمرونَهُم بالموافقة، والاتحاد والمجاملة، وكانت أئمتهم الطاهرون  عليهم السلام  يُوصونَهم بذلك، ويأمرونهم بموافَقَة أهل السُّنّة، وحُسْنِ معاشَرَتِهِم، ويُشَدِّدونَ النّكير على من تظاهر بمخالفتهم.

وقد ورد عن أئمتهم  عليهم السلام  أنّهم أمروا شيعتهم بأنْ يصلّوا بصلاتِهِم، ويُفْطِروا بفِطْرِهِم، ويشيّعوا جنائزهم، ويعودوا مرضاهم، وعلماء الشيعة قاطبة يقتدون بأئمتهم في ذلك.

وأمّا علماءُ أهلُ السّنة فهُم على العكس من ذلك، ما زالُوْا ولا يزالون يصفونَ الشيعة بالكذّابين والمبتدِعين، وينشرون الرّسائلَ والكُتُبَ التي تتضمّنُ القدح فيهم، والانتقاص منهم، وينسبون إليهم ما هُم بُراءُ منه، ويعاملونهم بأسوءَ مما يعاملون به اليهود والنصارى.

ودعْ عنك القرونَ السّالفة، وهَلُمَّ الى الخطب في عصرنا هذا، الذي يجب فيه ائتلاف فرق المسلمين، وتوحيدُ كلمتهم؛ ليكونوا يداً واحدةً في قبال أعداءِ دين الإسلام، الذين أحاطوا ببلاد المسلمين، وملكوا أزمّتها.

فإنّه لم تزل تأتي إلينا الكُتبُ من مِصْرَ وفلسطينَ وسوريا، ونرى فيها من التعرّض للشيعة تلويحاً وتصريحاً ما يَهيجُ العواطف، ويكدّرُ الخواطر، وربّما نَسَبوا إليهم ما هُم بريئونَ منه، وما نُسِبَ إلى أضعف فرقهم التي اندرست، ولم يَبْقَ منها اسمٌ ولا رسم.

والحاصل: أنّ الشيعةَ سابقاً ولاحقاً لا يَرونَ من علماء أهل السنة إلا ما يسوؤهم، من سوء الأخلاق وسوء المعاشرة، وربّما انتقصوا مَذْهَبَهُم بأنّه دِينٌ عَجَميّ، والحالُ إنّ أكثَر علمائِهِم وزعماءَ دينهم من العَجَم.

وهذه الأحوال التي عليها علماء أهل السنة وأهل الفضيلة منهم تبلُغُ الطبقات المنحطَّةِ من الشيعة، فيتهيّجون لذلك، ويحملُهُم الغَضَبُ على سَبِّ مَنْ يسؤهم سبَّه وشَتْمَه، وهُمُ السَّبَبُ في ذلك، وجزاء السيئة سيئةٌ، والبادي أظلم.

ثمَّ إنه كما يرجو مؤلّفُ الرّسالة من علماء الفريقين نحنُ نرجو منهم ومن كُتّاب العصر المتنوّرينَ كما يقولونَ ومنه أيضاً أنْ لا يُصْدِروا ما فيه طَعْنٌ وانتقاد، ولا يتعرَّضوا لمذهب غيرهم بسوء، وإذا احتاجوا إلى ذلك فليذكروه كما يذكرُ الحنفيُّ مذهبَ الحنبليّ، والشافعيُّ مذهبَ المالكيّ، من دونِ تعليقٍ عليه، ولا طعنٍ فيه، أو في منتحليه.

وهذه الرسالةُ لا تخلو من التعرُّضِ لمذهبِ الشيعة، ولكنّها أهْوَنُ من غيرها مِنْ كُتِبهِم ورسائلهم.

ونرْجو أيضاً من أولياءِ الأمور وذوي السلطة والنفوذ أنْ لا يُرَجّحوا أحدَ الفريقين على الآخر، ويعاملوهم على السّواء في جميع الأشياء، وهناك أمورٌ تُستَجْلَبُ بها القلوبُ، وتُصَادُ بها المودّة لا تحتاجُ إلى نفقةٍ ولا كلفة ينبغي ملاحظَتُها واستعمالُها.

والحاصل: أنّ المسؤولية على أولياء الأمور أعظم، وهم على إصلاح الحال أقدر، والنّاس على دينِ ملوكهم، والعُلَماءُ اليوم قد ضَعُفَتْ كلِمَتُهُم، وقلّتْ العنايةُ بإرشاداتهم، وقد انتشر الفِسق والفجور، وعدم التديّن في سائر طبقات الناس، فالمشتكى إلى الله وإلى رسوله  صلى الله عليه واله وسلم ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

وقد كان العزمُ على بسطِ الكلام والتوسّع فيه، ولكنْ حال الجريض دون القريض([174])؛ لأنّ الأقدار قد شاءت أنْ يُصْبِحَ عراقُنا في حَرْبٍ وكفاح، واللهُ المستعانُ، ومنه يُرجى النَّصْرُ والظَّفَرُ على أعداء الدين إنّه خيرُ ناصِرٍ ومعين.

تَمَّ وكَمُلَ بعونِ اللهِ ما يتعلَّقُ بالفصل الأول من الرسالة من شرحٍ وتعليق وذلك في يوم السبت 27/ ربيع الثاني سنة 1360هـ، والحمد للهِ ربِّ العالمين وسلام على المرسلين.

 

 

 

 

اللمّعة البهيّة

 

 

 

فِيْ الأدِلَّةِ الإجْمَالِيَّةِ

               

 

 

للإمام النّحرير والمرشدِ الكبير سَليلِ البيت النّبويّ

سماحةِ مولانا الشيخ ابراهيم الرّاوي الرّفاعي

 

أطالَ اللهُ حياتَهُ النَّافِعة

في صِحَّةٍ وعافية

 

يا طالبَ الحقائق الجَليَّةْ
 

والحُجَجِ النَّاصِعَةِ القَويَّةْ
 

تُحيطُها الدَّلائلُ القَطْعيَّةْ
 

سَارِعْ لِدَرْسِ اللُمْعَةِ البَهِيّةْ
 

 

    

(مطبعةُ السَّعَادَةِ بجوارِ مُحافَظَةِ مِصْرَ)

 

 

 

 

 

 

كلمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الذي يثبّتُ الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة, ويهدي من يشاء الى صراط مستقيم, والصلاة والسلام على سيّدنا محمَّد المبعوث رحمةً للعالَمين وعلى آله وصحبِهِ أجمعين.

وبعدُ فيقولُ فقيرُ ربِّهِ وأسيرُ ذنبِهِ ابراهيمُ الرّفاعيّ الرّاوي: مما يُؤسَفُ له ما حَلّ بالمسلمين من التّنافُرِ والتّخالُفِ في معتقداتٍ وعاداتٍ جَرَتْ بينَ المجتمع الإسلامي على منظرٍ ومسمع من الخاصّ والعامّ من الشّيعة والوهابية والسنة.

وقد كنتُ في البّصرَة سنة (1313)هجرية ضيفاً عند المرحوم السيّد محمد سعيد([175]) أفندي نقيبُ الأشراف فيها ، وكانَ يَجْمَعُنا مَنْزِلُهُ العامر بأفاضِل أهالي البصرة وتجري بيننا أقوالٌ للشّيعَةِ والوهّابية, ومصنّفاتهم ومعتقداتهم, حتّى قال بعضُهُم نحنُ أهلُ السُّنّةِ في البصرةِ بينَ طرفي نقيض في معتقدات الشيعة والوهابية, ونُحِبُّ أنْ تكونَ عندنا في محاضراتنا مَعَهُم معلوماتٌ إجمالية للتّفاهُم معهم.

ولما سَمعتُ ذلك عزمتُ على تصدير رسالةٍ صغيرةٍ في الموضوعَين تَصْلُحُ
للتّفاهُم فشَرَعْتُ بعد مُدَّةٍ بذلك في فَصْلَينِ، الفصل الأول في الشيعة ، والفصل

الثاني في الوهابية, وسمّيتُها اللّمعة البهية في الأدلة الإجمالية.

وهذا أوانُ الشّروعِ في المقصودِ, وبالله التوفيق.

 

 

 

الفصل الأول

في الشيعة ودفع شبههم

إنّ الشيعة الإماميّة يعتقدون أنّ الخليفةَ بَعْدَ رسولِ الله  صلى الله عليه واله وسلم  بلا فاصلٍ هو عليُّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه) ولعدم وقوعِ ذلك بعد وفاتِهِ عليه الصّلاة والسلام فعلاً حمَلَهُم غيظُهم إلاّ قليلاً منهم على تكفير الصَّحابة, إلا بضعة أفرادٍ منهم, حتّى حملوا الآيات القرآنية التي نزلت في المنافقين على الخلفاء الثلاثة, وقد صرّح بذلك الصّافي في تفسيرِهِ, وبهاء الدين العاملي في حاشيته على البيضاوي عند قوله تعـالى:[يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ]([176]).

ولو تأملوا آخر الآية لعلموا أنّها بعيدة عنهم كلّ البعد؛ لأنّه من المعلوم أنّ أبا بكر وعُمَرَ وعثمان  رضي الله عنهم  لم يكونوا محاويج, بل هُمُ الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله, ونُصرة دينِ الله, وخدمة رسول الله, كما هو ثابتٌ في كُتبِ التواريخ.

وقد رُويَ عن عليّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه) أنّ أبا بكر تصدَّقَ بمالِهِ كلِّه فلامَهُ جمعٌ، فنزل قولُه تعالى: [فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ] رواه أهل التفسير كالبيضاوي وغيره([177]).

وأما الآية المتقدمة فإنّها نزلت في الجلاس بن سويد, وأمثاله المنافقين الذين أغناهم اللهُ ورسوله فإنّ أكثر أهلِ المدينة قبل قُدُومِهِ  عليه السلام كانوا محاويج في ضَنْك من العيش, وبعد قدومِهِ عليه الصَّلاةُ والسلام المدينةَ أخذوا الغنائم, وفازوا بالأموال, وقد قُتل للجلاس بن سويد مولى, فأمر له رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  بديّته اثنى عشر ألف درهم, فاستغنى, وهذه هي الآيةُ التي حملت الجلاس على التوبة وحَسن إسلامه.

وفي بعض كتب الشيعة من الحطّ على صدر الأمّة المحمّدية شيءٌ كثير؛ لخروجهم عن الاعتدال في ما كان عليه الصحابة والآل, فتغافلوا وتجاهلوا عن حقيقة هذا الدّين, الذي جاء به سيدُ المرسلين, فاستجاب له صفوةٌ ممن اختارَهُمُ اللهُ تعالى, مُلبّين لدعوته صابرينَ على مَضضِ المصائب, وتخصيص النوائب, واضطهاد الجاهلية والإلحاد, فجهروا بكلمة التوحيد, وذاقوا أشدّ التنكيل والتنديد, الى أنْ استقام أمرُ الدين مع الذين تبوّؤا الدارَ والإيمان من قبلهم, يُحبّونَ مَنْ هاجَرَ إليهم, ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا, ويؤثرون على أنفسهم ولو كانَ بهم خصاصة.

وعند ذلك شمَّر المهاجرونَ والأنصار عن سواعد الهمم, وهجروا ملاذّ النّعمِ, وتَسنّموا مُتونَ الأسنّة للجهاد في سبيل الله, وإعلاء كلمة الله, بأنّ لهم الجنة:

قومٌ إذا حَارَبوا شَدّوا مَآزِرَهُمْ
 

 

عن النّساءِ وإنْ باتَتْ بأطهارِ([178])
 

 

فكافحوا الجاهلية وأخمدوها, وتَبَّروا أصنامها وفنوها, واستقام أمرُ الدّين الحنيف في جزيرة العرب, وأنزلَ اللهُ تعالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا]([179]), وقال عليه الصلاة والسلام: (يئس الشّيطانُ أنْ يُعْبَدَ غير الله في جزيرة العرب)([180]), ودعا رسولُ الله  صلى الله عليه واله وسلم  ملوكَ الصُّلْبانِ والنّيران للدين الاسلامي والفرقان, فلبّى المهاجرونَ دعوتَهُ في حياتِهِ - مبتدئين بجيش العُسْرة- وبعدَ وفاتِهِ أنفذوا أوامِرَه, وكُسِرَتْ الأكاسِرَة, وقُصِمَتْ القياصرة, وفتحوا مشارق الأرض ومغاربها.

فهل يَتَجَاهَلُ أو يتغافل العامل عن ذلك, كلاّ, بل هل يتجاهل أو يتغافل عن شهادة الله تعالى لهم بالصّدق والرضا, والثّناء عليهم بآياته, وعلى لسان نبيّه, وقد قال الله تعالى: [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا]([181]).

 فـ(من) في (منهم) هذه بيانية لا تبعيضية؛ لأنّه لا تلائم شهادة الله لهم بالتقوى والرضا والثناء العظيم عليهم أنْ يطلب منهم بعد ذلك الايمان, كلاّ فـ(من) في (منهم) أي: هم, كـ (من) في قوله تعالى: [فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ]([182]) ، أي: هي الأوثان.

ومن الآيات الدالة على فضلهم والرّضا عنهم قوله تعالى: [َقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا]([183]) وقوله تعالى: [لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ]([184]), وقوله تعالى: [لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ]([185]), وقوله تعالى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ]([186]).

وبهاتين الآيتين أذعن الأنصار للمهاجرين في الخلافة.

ومن الآيات المنوّهة بفضل الصّحابة الكرام قوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]([187]), وقوله تعالى: [الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ 6الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 6فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ6]([188]).

وقوله تعالى: [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ]([189]).

وقوله تعالى: [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ]([190]).

قال أهل التفسير هذه الآية الشريفة دالّة على صحّة النبوّة، والأخبار عن الغيب على ما هو به, وخلافة الخلفاء الراشدين، إذ لم يجتمع الموعود والموعود عليه لغيرهم بالإجماع.

ثمّ إنّ هذه الآيات الشريفات التي ذكرناها آنفاً هي النّاطِقَةُ بفضلِهِم ومدحِهم والثناء عليهم.

وأفضل المهاجرين العشرة المبشرة، وعليُّ بن أبي طالب أحدُهم.

استطراد:

قلتُ لأحدِ عُلماءِ الشيعة: إنّ كتبَ الحديث عند أهل السنّة مشحونةٌ بذكر فضائلِ أهل البيت والصحابة, فقال: ليس عندنا في كتبنا شيءٌ في فضل الصحابة, فقلت: له إنّ القرآن العظيم ناطقٌ بفضلهم, فذكرتُ له الآيات المذكورة فسكت.

وقد اجتمعتُ مرَّةً بأحدِ علمائهم فذكرتُ له فضائل أصحاب رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  التي نطق بها القرآن العظيم, فقال: هذه في حياة الرسول  صلى الله عليه واله وسلم , وبعد وفاته كفروا, فقلتُ له الخُلْفُ في إخبار اللهِ تعالى محالٌ؛ لأنّه لا يجوز النَّسخ في الإخبار كما يجوز في الانشاء, وكما هو مقرّر في الأصول فانقطع.

بحث في الخلافة:

إعلم أنّ الخلافة لو كانت لعليّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه) بعد رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  بلا فاصل بالنّصَ كما هو عند الشيعةَ وكان عدمُ وقوعها فعلاً مكفّراً للصحابة عندهم لكان الواجبُ على عليّ  رضي الله عنه  القيامُ لها, ولا يجوزُ له السّكون

 

عنها, والحالُ أنّه  رضي الله عنه  بايَعهُم واحداً بعد واحد، وصلّى خلفهم, وصاحَبَهم, وساكَنَهم, وصاهَرَهُم, وجاهَدَ في سبيل الله معهم, وأخذ من سبيهم, وأقام الحدود عندهم نحو خمس وعشرين سنة, على المودّة والأخوّة والصّفاء والوفاء.

 ولا تصحّ على زعم الشيّعة نسبةُ التقيّة له في ذلك كلِّه؛ لأنّ إمامَته عندهم مقرونةٌ بوفاة الرسول  صلى الله عليه واله وسلم , فيجبُ عليه القيام لها, سيّما إذا توفّرت له أسبابُ المطالبة بها, كما هو في كتب الفريقين وذلك منافٍ للتقية قطعا.

من ذلك في كتب السنة في الرياض النّضرة في مناقب العشرة للطبري عن سويد (قال: دَخَلَ أبو سفيان على عليٍّ (كرم الله وجهه) والعبّاس   رضي الله عنه فقال لهما: ما بالُ هذا الأمر في أذلّ قبيلةٍ من قريش وأقلّها, إنْ شئتَ لأملأنّها خيلاً ورجالاً, ولأوريَنّها عليهِ من أقطارها الى الآخر منها, فقال علي (كرم الله وجهه): ما أريدُ أنْ تمَلأها عليه خيلاً ورِجالاً, ولولا أنْ رأيناهُ أهلاً ما خلّيناه وإيّاها, يا أبا سفيان: المؤمنون قومٌ نَصَحَةٌ بعضُهُم لبعضٍ يتوادّون وإنْ بَعُدَتْ ديارَهُم, والمنافقونَ غَشَشَةٌ بعضُهُم لبعضٍ وإنْ قَرُبَتْ ديارَهُم, أخرجه ابن السَّمّان في الموافقة) انتهى.

ويؤيّدُ هذا ما يَرويه الحسن البصري: إنّ علياً (كرم الله وجهه) قال: (لو كان عندي عهدٌ من النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم  ما تركتُ أخا بني تيم بن مّرة, وعمر بن الخطاب يقومان على منبره, ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردتي).

وهذا دليل على أنّه لم يَسْكُتْ تقيّةً.

ولقد أحْسَنَ الحَسَنُ بنُ الحسن بن عليِّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه) حيث قال لبعض الشيعة: (لو كان الأمرُ كما تقولون إنّ النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم  اختار عَلياً لهذا الأمر والقيامُ على النّاس بَعْدَه فإنّ علياً أعظم النّاس خطيئة وجُرماً؛ إذ تَرَكَ أمرَ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  أنْ يقوم به ويعذر الى الناس. فقال له الشيعي: ألم يقل النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم  مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه, فقال: أمَا واللهِ لو يَعْني بها رسولُ اللهِ  صلى الله عليه واله وسلم  الأمرَ والسُّلْطان لأفْصَحَ بها كما أفْصَحَ بالصَّلاةِ والزكاة والصيام, ولَقَال: أيُها النّاس إنّه الوليُّ بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، أخرجه ابنُ السّمّان في الموافقة) انتهى.

ومنها كما هو في الرّياض النّضرة عن الطبري: إنّه لمّا انتهتْ مُعارَضَةُ الأنصار للمهاجرين, بإذعانهم بأنّ الخلافة في قريش, وكانت مبايعة أبي بكر  رضي الله عنه , قال ابن شهاب: (فاجتمع بنو هاشم ورجالٌ من الأنصار عند عليٍّ في بيتِ فاطمة N ومعهم السلاح في طلب الخلافة لعليّ (كرم الله وجهه) فلم يُجبهم لذلك, كما أنّه لم يلتفت لمجيء أبي سفيان لذلك, أخرجه موسى بن عقبة) انتهى بالاختصار.

وهذه الرواياتُ الدالة على توفّر أسباب القيام بالخلافة لعليّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه) تَرُدّ وتُكذّب ما في كتاب أبان بن عيّاش الشيعي, مما يرويه عن سُليم بن قيس, من أنّه لمّا لَمْ يُجِبْ على دعوةِ أبي بكر للمبايعة غَضِبَ عُمَرُ فأضرَمَ النارَ في بيت عليّ وأحرقه, وفعل كذا وكذا, مما افتراهُ على عُمر, وانتقص به علياً (كرم الله وجهه), كما يردّه ويكذّبه النقلُ وَيمُجُّهُ ويستقبحُهُ العَقْلُ.

وأمّا توفرُ الأسباب لقيام عليّ بن أبي طالب بالأمر المنصوص عليه عند الشيعة بالخلافة والمطالبة بها كما ذكرناه في كتب أهل السنة, ففي كتب الشيعة أيضا.

فمنها: في ما رواه الراوندي شارحُ نهجِ البلاغة عن سلمان الفارسي: (إنّ علياً بَلَغَهُ عن عُمر أنّه ذكر شيعَته فاستقبله في بعضِ طُرُقاتِ بساتين المدينة, وفي يدِهِ قوسٌ, وقال: يا عمر بلغني عنك ذكرك لشيعتي، فقال: أربع على صلعتك([191]), فقال علي: أنت ههنا, ثمّ رمى بالقوس على الأرض, فإذا هيَ ثعبانٌ كالبعير فاغراً فاهُ, وقد أقبل على عمر ليبتلعه, فقال عمر: الله الله يا أبا الحسن لاعُدْتُ بعدها في شيء, فجعل يتضرَّعُ فَضَرَبَ يَدَهُ على الثعبان, فعادت القوس كما كانت) انتهى، من روح المعاني للآلوسي.

فكيف يتصوّر من له عقل في عليّ (كرم الله وجهه) مع هذه المعجزة العظيمة أنْ يُبايعَ أبا بكر وبعدَه عمر وبعدَهُ عثمان تقيّةً أو خوفاً أو مكرها.

ومنها: ما ذكره محّمد الأحسائي الغُرَوي الذي كان في خراسان سنة (878) هجرية مجاوراً لمشهد الرّضا في رسالته التي ذكر فيها مجادلته مع الهروي, مدّعياً أنّ مبايعة عليّ بن أبي طالب لأبي بكر كانت بالإكراه.

وأورد على ذلك حكايةً منها: (أنّ عصابةً كانت مع خالدِ بن الوليد ومُعاذِ بن جبل دخلوا المسجدَ, وكانَ فيه عليٌّ وجماعة من الصحابة, وفيه سلمان الفارسيّ, فتكلّم عُمر, فأجابه سلمان, فأغضب عُمر, فأهوى اليه عُمر ليضربه بالسيف, فأخذ عليٌّ بمجامع ثوبِهِ, وجَلَدَ به الأرض, فقال: أبأسيافِكُم تهدّدونا, وبجمعِكم تُكَثّرونا, واللهِ لولا كتاب من الله سبق, وعهْدٌ من رسولِ الله تقدَّم لأُريَنَّكم أيّنا أضعفُ ناصراً وأقلُّ عدداً, ثمّ فرَّق أصحابَه سلام الله عليه) انتهى.

والذي يَنْظُرُ في كلامِ الغُرويّ في هذه الرواية يتّضحُ له أنّه عليه لا له؛ لأنَّ ما حكاه هنا عن لسانِ أمير المؤمنين عليّ (كرم الله وجهه) من قوله: (لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم لأريَنّكم) الى آخره, يَظْهَرُ له أنّ أميرَ المؤمنين علياً (كرم الله وجهه) عَلِم أنّ الأمر جرى على مقتضى الحكمة الإلهيّة والعهد النبوي.

 فكلّ ما أورده المخالفون من دعوى التقية والإكراه أو الخوف في مبايعة عليّ لأبي بكر فهو مردودٌ؛ لما قدّمناه, بل إنّ الأمر جَرَى على الرّضا منه  عليه السلام لهُمْ مِنْ مُبايَعَتِهِ لهم واحداً بعد واحد.

وبما جرى بينه وبينَهُم من المصاحبة والمودّة والألفة في ربع قرن يؤيّد ذلك، ويشير الى ذلك اعترافُ بعضهم لبعضهم بالفضل.

فمن ذلك قولُ عُمَرْ بن الخطّاب  رضي الله عنه  في حقّ عليّ (كرم الله وجهه): (قضيّةٌ ولا أبا حسن لها) أي: هذه قضيّة وأبا حسن قالها([192]), فصار مثلاً للأمر المتعسّر.

ومنها ما رواه  البخاريُّ في صحيحه عن ابن أبي مليكة أنّه سمع ابن عباس يقول:

 (وضع عمر على سريرهِ - أي: بعد أنْ مات- فتكنّفه الناس يدعون له ويصلّون عليه قبلَ أن يُرفَعَ من الأرض, وأنا فيهم, فلم يَرُعْني إلاّ رجل آخذٌ بمنكبي, فإذا هو عليّ, فترَحَّم على عمر, وقال: ما خلَّفْتُ أحداً أحَبَّ إليَّ أنْ ألقى اللهَ بمثل عَمَلِهِ منكَ, وأيمُ اللهِ إنْ كنتُ لأَظنُّ أنْ يجعلَكَ اللهُ مع صاحِبَيكَ, وحَسِبتُ أنّي كنت كثيراً أسمعُ النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم  يقول ذَهَبْتُ أنا وأبو بكر وعمر, ودخلتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر). انتهى.

ووَرَدَ عن عليّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه) أنّه كان اذا قرأ قوله تعالى: [وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ]([193])، وقوله تعالى: [وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ]([194]) يقول: (أرجو أنْ أكونَ أنا وطلحة والزّبير منهم) ما رواه البيضاوي وغيره, ويزيدُ على ذلك: أنه لم ينقل المخالفون عنه مما يزعمونه من العداء أو التكفير، بل نقل عنه عدمُ ذلك، حتّى في الخارجين عنه الباغين عليه في صفين، ففي نهج البلاغة قوله (كرم الله وجهه): (أصبحنا نقاتل إخواننا في الدّين), فأهلُ السّنّة عملوا مما عمل الكرام في إعلاء كلمة الله وخدمة رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  في حياته وبعد وفاته.

ومما يؤيّدُ سيرةَ عليّ (كرم الله وجهه) مع الخلفاء الثلاثة أنّها كانت بمقتضى الحكمة الإلهية, والإشارة النبوية، وأنّه رأى رأيَ الصّلاح والأصلح فيما وقعَ كما قدّمناه ، فإنّه لمّا تعيّن عليه القيامُ بالخلافة قام بها أعظم قيامٍ, وانتقم ممن خَرَجَ عليه أشَدَّ الانتقام.

والحاصل: أنّ المسلمين على ثلاثِ درجات:

الدرجة الأولى: المهاجرون: قال تعالى: [لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ]([195]).

الدرجة الثانية: الأنصار: قال تعالى: [وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]([196]).

والدرجة الثالثة: التابعون: قال تعالى: [وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ]([197]). (وهم الذين اتبعوهم بإحسان).

قال أهلُ التفسير: هذه الآية تَعُمُّ جميعَ المسلمين الذين هم بهذه الصّفة.

وفي كتاب السّيف اليماني للعلاّمة المحقّق السيّد محمّد التونسي الشهير بالكافي, فيما يرويه الحاكم في صحيحه وابن مردويه: (الناسُ على ثلاثِ منازل قد مضتْ منزلتان وبقيتْ منزلة, فأحسن ما أنتم كائنون عليه أنْ تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت ثم قرأ: [لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ]([198]) الآية, ثم قال: هؤلاء المهاجرون وهذه منزلة قد مضت, ثم قرأ: [وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ]([199]) الآية, ثم قال: هؤلاء الأنصار وهذه منزلة قد مضت,

 

ثم قرأ: [وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ]([200]) الآية, وقد بقيت هذه المنزلة فأحسن ما أنتم عليه أنْ تكونوا بهذه المنزلة)([201]) انتهى.

منزلةُ اهل البيت عند أهل السنة وحبّهم لهم:

وأشرفُ الأمّة المحمديّة أهلُ البيت النبويّ, مع ما لهم من فضل الصُّحبة؛ لقوله تعالى: [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا]([202])، وهذه الآية تعمُّ الرجالَ والنساء؛ وقوله تعالى: [قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى]([203])، وبهذه الآية دلالةٌ على افتراضِ صُحبة أهلِ البيت النبويّ، والى ذلك أشارَ الإمامُ الشّافعيّ  Sفي قوله:

يا أهلَ بيتِ رَسولِ الله حُبكُمُ
كفاكُمُ مِنْ عَظيمِ الفَضْلِ أنّكُمُ
 

 

فَرْضٌ مِنَ اللهِ في القُرآنِ أنْزَلَهُ
مَنْ لَمْ يُصَلِّ عليكُمْ لا صَلاَةَ لَهُ
 

 

وعَنْ جابر  رضي الله عنه  قال: رأيتُ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  وحجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعتُه يقول: (أيّها الناس إنّي تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا بعدي)([204]).

وعن ابن أرقم  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم : (إنّي تاركٌ فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظمُ من الآخر كتابُ الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرّقا حتى يرِدا عَليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما). وعنه أيضاً: أنّ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: (أنا حَرْبٌ لمن حارَبَكُم وسِلمٌ لمن سالمكم)([205]) انتهى.

فالمسلمون أيضاً حرب لمن حارَبَهم وسِلم لمن سَالَمهم، ولذلك يلعنون يزيد وقاتل الحسين الشهيد، وكُلَّ مَن أعان على قتلهِ, وكُلَّ مَنْ رَضيَ بذلك عَمَلاً بقوله تعالى:[فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ6أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ6]([206]). وبقوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا]([207]), وأيُّ أذىً أشدُّ من قتل رَيحانَةِ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  وابن بضعته الطاهرة التي قال فيها: (فاطِمَةُ بضعةٌ منّي يؤذيني ما آذاها). وفي روايةٍ: (يُريبُني ما رابها ويؤذيني ما آذاها).

وفي سنة (1300هـ) تشرّفتُ بزيارةِ سيّدنا الإمام الحسين  عليه السلام, ولمّا لاحت لي من كربلاء الأعلام ارتجلتُ هذه المنظومة لإهداء السلام:

فاضَ دَمْعي والرّوحُ كادَتْ تفيضُ
 

 

مُذْ بَدَا إليَّ مِنْ كربلاءَ وَميضُ
 

 

[الى آخرِ الأبيات.

ثمَّ ذكر له منظومة ثانية في 1313هـ أولها]:

رُفِعَتْ فوقَ قَبْرِكَ الأعلامُ

 

 

يا إمامَ الهُدَى عَليكَ السَّلامُ

 

 

[ الى آخرها.

وبعد هذه المنظومة قال:]([208])

وأمّا معاويةُ وأصحابهُ بصفّين وأهلُ وقعة الجَمَل فلا يَزيدُ المسلمون على قولهم: (بغاة على الامام (كرم الله وجهه)) ولم يُنقل عنه أنّه كَفَّر معاوية وأصحابه، بل نقل عنه أنّه عدَّهُم من المسلمين بقوله كما هو في نهج البلاغة: (أصبَحْنا نُقاتِلُ إخواننا في الإسلام), وفي روايةٍ: (إخواننا في الدّين), وروي عنه أنه قال: (قتلائي وقتلاء معاوية في الجنة), ورواية (إخواننا في الدين) الريّاض النضرة.

 ونقل عنه أيضاً أنّه لمّا وَقَفَ على قتلى وقعة الجمل قال: (ليتني مِتُّ قبل هذا وكنتُ نَسياً مَنسياً)([209])، وصلّى على قتلاهم وتَرَحَّم عليهم, ورَدَّ عائشة الى المدينة المُكرَّمة، وأثنى في خطبته عليها، وأثْنَتْ عليهِ, وقال: (ما كان بيني وبَين عائشةَ إلاّ ماكان بين الرجل وامّه)([210]) وقالت: (ما كان بيني وبين عليّ في حرب صفين)([211]).

وذكر العلامة الآلوسي S: (أنّ علماء السنة أجابوا عمّا يذكره المؤرخون من أنّ معاوية كان يقع بالأمير بعد وفاته فلا يلتفت اليه، ولا يعوّل؛ لأنهم ينقلون ما خبث وما طابَ ولا يميزون بين الصحيح والموضوع، وأكثر أهل السنة أيضاً يتوقفون فيما جاء في بعض الكتب المعتبرة من حيث يتبيّن لها معارضات معتبرة مثلها) انتهى.

ومما يدلّ على أنّ أكثر ما يذكره المؤرخون وغيرهم من الوقوع بالإمام من معاوية ومَنْ بعده لا يُلتفتُ اليه ولا يُعوّل عليه أيضاً، فإنّي لمّا سافَرْتُ الى الشّام سنة ألف ومائتين وثمان وتسعين هجرية, ورأيتُ الجامع الأموي وما فيه من بقية عجائب البناء والزخرفة, وذلك قبل أن يَحتَرق فنظرتُ فوق المحراب بخطٍّ جليٍّ مغرق بالذهب سطراً مكتوباً فيه: (أفضل الصّحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ  رضي الله عنهم  أجمعين).

ومعلوم أنّ الجامع المذكور قد بَناه وزخرفه الوليدُ بن عبد الملك وأخوه سليمان, وقد ذكر مؤلّف كتاب محاسن الشام أبو البقاء عبد الله بن محمّد البدري الدمشقي من علماءِ القرن التّاسع هذه الكتابة فوقَ المحراب, نقلاً عن ابن عساكر وغيره, بقوله عند ذكر أبواب الجامع لها: (وجعل - أي: الوليد- على كلّ بابٍ سراجاً, وجَعَل في محرابِ الصَّحَابَة رضي الله عنهم   أجمعين حَجَر بَلّور, وقيل: بل دُرّة لا قيمة لها)([212]) ، فقوله: (في محراب الصحابة) إشارة الى الكتابة التي فوق المحراب التي هي أسماءُ الصَّحَابة أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ  رضي الله عنهم .

نعم إن أهل السنة والجماعة لا يزيدون في حقّ معاوية على قولهم: بغى على الإمام الحقّ عليّ بن أبي طالب, ولا يصفونَه بالإمامة والخلافة إلاّ بعد نزولِ الحَسَن له عنهما.

وزعم بَعْضُ الشيعة أنّ نزوله عنهما لفقد الأعوان والانصار, وهذا الزعم مردود؛ لأنّه في المعلوم الثابت بالنّقل عند الفريقين أنّه سارَ الى مُعاويةَ بجيش عظيم, أوقع في معاوية الخوف الشديد, واليأس في الثبات له, فعند ذلك رأى الحَسَنُ حقن دماءِ المسلمين, فحمله ذلك على إبرام الصُّلح.

كان([213]) من المسائل المتفق عليها بين الفريقين, فقد روى المُرتضى وصاحب الفصول المهمّة -من أكابر علماء الشيعة- أنّه لمّا أبْرِمَ الصُّلْحُ بين الحسن  عليه السلام وبين معاوية خطب فقال: (إنّ معاوية نازعني حقاً لي دونه, فنظرتُ الصّلاح للأمّة وقطعَ الفتنةِ, وقد كنتم بايعتموني على أنْ تسالموا مَنْ سَالمَني وتُحاربوا مَنْ حاربني, وقد رأيتُ أنّ حَقْنَ دماء المسلمين خيرٌ من سفكها, ولم أرَ بذلك إلاّ صلاَحكم) انتهى.

وأخرج الدّولابي إنّ الحسن قال: (كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من
سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين)([214]).

 وفي ذلك دلالةٌ واضحة على أنّ المصالحةَ كانت باختيار الحسن وعَمَلاً بالصلاح؛ لأنّه قال: (فنظرت في صلاح الأمة وقطع الفتنة بذلك).

ويؤيّد بذلك ما رواه صاحبُ الفصول المهمة  من أكابر علماء الشيعة         -السّالف الذكر- عن أبي مخنف من أنّ الحُسين  عليه السلام كان يُبْدي كراهةَ الصّلح, ويقول: (لو جُزّ أنفي لكان أحبّ إليّ مما فَعَلَ أخي)([215]) انتهـى.

على أنّ الحسن  عليه السلام هو المنصوص عليه بالخلافة عند الشيعة بعد عليّ  عليه السلام فكيفَ يجوز له النزولُ عنها لمن لا يتأهل لها, مع قيامِ هذا الجيش العظيم معه, لو لم يظهر له أنّ المصلحة تقتضي إبرام هذا الصلح, والحال أنّ ابرام هذا الصلح ظهرتْ فيه المعجزة النبوية, وهي قولهُ: (إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ اللهَ أنْ يُصْلِحَ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)([216]), رواه ابو داود والترمذي والنسائي برواية الحسن البصري.

قال: (ولقد سَمِعتُ أبا بكرةَ - أي: نُفيعُ ابنُ الحارث الثقفي- يقول: رأيتُ رَسَولَ اللهِ على المنبر والحسن بن عليّ الى جنبه وهو يقبل على الناس مرّة وعليه أخرى ويقول: إنّ ابني هذا سيّدٌ ولعلّ اللهَ أنْ يُصلحَ به بينَ فئتين عظيمتين من المسلمين).

وروى البُخاري ولفظه: (حدّثنا صَدَقة حدّثنا ابنُ عُيينة حدّثنا أبو موسى عن الحسن سمع أبا بكرةَ يقول: سَمِعْتُ النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم  على المنبر والحسن بن علي الى جنبه وهو يُقبلُ على الناس مرّة وعليه أخرى ويقول: إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ الله أنْ يُصلحَ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) انتهى.

فقد ظَهَرَ مصداقُ هذا الحديث الشريف على مُصالحَة الإمام الحسن مع معاوية مطابقاً لما رآه من الصّلاح للأمة.

والحاصل: أنّه قد مضتْ قرونٌ عديدة, وأحقاب مديدة, على ما جرى في هذه الأمّة من المنازعات والانتقادات والاختلافات, حتى أنّها صُبغَتْ بأطوارٍ سياسية, لاسيّما في حُكوماتِ سلاطين بني عثمان, وإيران, وصبغت بمظاهر دينية, ولم تزل الى الآن الانتقاداتُ الدينية بتآليف تعصبية, تستهجنها وتمجّها عقولُ العلماء المنصفين.

ثم إنّ ماذكرته في هذه الرسالة هو ما كان عليه عليّ  عليه السلام والصحابة الكرام, وهو حالُ صدر الاسلام, وأحيلُ ما جَرَى من الانتقادات بعد ذلك الى سيرة عليّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه), وحاله مع إخوانه الصّحابة الكرام, فليحكم المنصف من الفريقين بنصوصِ تلكَ السّيرة العلويّة.

ولم أتعرَّض لما يحتجّ به الفريقان من إثبات الخلافة وغيرها؛ لأنّ القصد من هذه الرسالة أنْ يكون الفريقان اللذان هما السّوادُ الأعظم في المسلمين أنْ يأخذ كل منهم ما صفا, ويدع ما كدر, وأنْ يقوم العلماء الأعلام ومشايخ الإسلام في لمّ شعثِ الملّة الإسلامية, التي شتّتها الأغراض والأهواء, بعد ما كانت كالجسم الواحد الذي إذا اشتكى بعضه اشتكى كلُّه, فإنّ الدين واحد, والرسول واحد, والقرآن واحد, والقبلة واحدة.

والمرجُوّ من علماء الفريقين أنْ يقوموا بإرشاد الطبقة المنحطّة, بترك الانتقادات, ولاسيّما العلماء الأعلام من الشيعة بإرشاد تلك الطبقة بترك السّباب وسوء الألقاب بحقّ الأصحاب, وعند ذلك تلتئمُ الجروحُ التي
 وَقَعَتْ في جسمِ الإسلام الواحد والله الموفّق والمعين.

 

 

المصادر

  1. القرآن الكريم.
  2. الاحتجاج, الطبرسي, تعليقات السيد محمد باقر الخرسان, مطبعة النعمان, النجف الاشرف, 1966م.
  3. إحياء علوم الدين, لأبي حامد الغزالي, دار الكتاب العربي, بيروت.
  4. الاستيعاب في معرفة الأصحاب, لابي عمر ابن عبد البرّ, تحقيق علي محمد البجّاوي, ط1, 1992م, دار الجيل, بيروت.
  5. الاصول الستة عشر, عدة محدثين, منشورات دار الشبستري, قم, ط2, 1405هـ.
  6. أعيان الشيعة, السيد محسن الأمين, حققه حسن الأمين, دار التعارف للمطبوعات, بيروت.
  7. الأمالي, الشيخ الصدوق, تحقيق قسم الدراسات في مؤسسة البعثة, قم, ط1, 1417هـ.
  8. الامامة والسياسة, ابن قتيبة, تحقيق طه محمد الزيني, الناشر مؤسسة الحلبي.
  9. الإمامة والسياسة, ابن قتيبة, تحقيق علي شيري, انتشارات الشريف الرضي, ط1, قم, 1413هـ.
  10. أنساب الأشراف, البلاذري, تحقيق محمد حميد الله, معهد المخطوطات العربية, دار المعارف بمصر, 1959م.
  11. أنوار التنزيل وأسرار التأويل, البيضاوي, اعداد محمد عبد الرحمن مرعشلي, دار إحياء التراث العربي, بيروت, ط1, 1998م.
  12. بحار الأنوار, محمّد باقر المجلسي, مؤسسة الوفاء, بيروت, ط2, 1983م.
  13. البداية والنهاية, ابن كثير الدمشقي, حققه علي شيري, دار إحياء التراث العربي بيروت, ط1, 1988م.
  14. تاريخ الاسلام, الحافظ الذهبي, تحقيق د.عمر عبد السلام تدمري, دار الكتاب العربي, بيروت, ط2, 1998م.
  15. تاريخ الخلفاء, السيوطي, تحقيق لجنة من الأدباء, دار التعاون, مكة المكرمة.
  16. تاريخ الطبري, لأبي جعفر محمد بن جرير, صحّحه نخبة من العلماء, ط1, 1983م, مؤسسة الأعلمي للمطبوعات, بيروت.
  17. تاريخ بغداد أو مدينة السّلام, الخطيب البغدادي, تحقيق مصطفى عبد القادر عطار, دار الكتب العلمية بيروت, ط1, 1997م.
  18. تاريخ مختصر الدول, ابن العبري, دار المسيرة بيروت.
  19. تاريخُ مدينة دمشق, ابن عساكر, تحقيق علي شيري, دار الفكر للطباعة, بيروت لبنان, 1415هـ.
  20. تأويل مختلف الحديث, ابن قتيبة, دار الكتب العلمية, بيروت.
  21. التبيان في تفسير القرآن, الشيخ الطوسي, تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي, الناشر مكتب الاعلام الاسلامي, ط1, 1409هـ.
  22. تجارب الأمم, أبو علي العسكري, تحقيق د. أبو القاسم إمامي, دار سروش للطباعة, طهران.
  23. تخريج الأحاديث والآثار, الزيلعي, تحقيق عبد الله بن عبد الرحمن السعد, دار ابن خزيمة, الرياض, ط1, 1414هـ.
  24. تفسير الآلوسي "روح المعاني", الإمام الآلوسي, طبعة قديمة.
  25. تفسير الصافي, المولى محسن الفيض الكاشاني, صحّحه الشيخ حسين الأعلمي, منشورات مكتبة الصدر طهران, ط2, 1416هـ.
  26. تفسير القرآن العظيم, ابن أبي حاتم الرازي, تحقيق أسعد محمد الطيّب, دار الفكر, بيروت, 2003م.
  27. التفسير الكبير, الإمام الفخر الرازي, ط3, مصر, أوفسيت, 1937م.
  28. تنزيه الانبياء, السيد الشريف المرتضى, دار الأضواء, بيروت, ط2, 1989م.
  29. الثاقب في المناقب, عماد الدين الطوسي, تحقيق نبيل رضا علوان, مؤسسة انصاريان, قم, ط2, 1412هـ.
  30. جامع البيان عن تأويل آي القرآن, أبو جعفر الطبري, ضبط وتوثيق صدقي جميل العطار, دار الفكر, بيروت, 1995م.
  31. الجامع الصغير, السيوطي, دار الفكر للطباعة, بيروت, ط1, 1981م.
  32. الجامع لأحكام القرآن, القرطبي, تحقيق أحمد عبد العليم البردوني, أوفسيت, دار احياء التراث العربي, بيروت, 1405هـ- 1985م.
  33. جمهرة الأمثال, أبو هلال العسكري, تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم, عبد المجيد قطامش, ط2, أوفسيت دار الجيل, بيروت.
  34. الخرائج والجرائح, قطب الدين الراوندي, تحقيق مؤسسة الامام المهدي, قم المقدسة, ط1, 1409هـ.
  35. خصائص أمير المؤمنين, النسائي, تحقيق محمد هادي الأميني, مكتبة نينوى الحديثة, طهران.
  36. الدر المنثور في التفسير بالمأثور, جلال الدين السيوطي, أوفسيت, دار المعرفة للطباعة, على طبعة دار الفكر, بيروت لبنان.
  37.   دلائل النبوّة, احمد بن الحسين البيهقي, وثّق أصوله د.عبد المعطي قلعجي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1985م.
  38.   ديوان دعبل بن عليّ الخزاعي, شرح وضبط ضياء حسين الأعلمي, منشورات الأعلمي, بيروت, ط1, 1997م.
  39. الذرية الطاهرة, الدولابي, تحقيق السيد محمد جواد الحسيني الجلالي, مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين, قم المقدسة.
  40. ربيع الأبرار ونصوص الأخبار, الزمخشري, تحقيق عبد الأمير مهنا, مؤسسة الأعلمي للمطبوعات, بيروت, ط1, 1992م.
  41. الروضة المختارة, شرح القصائد الهاشميات للكميت وشرح العلويات السبع لابن أبي الحديد, منشورات الاعلمي, بيروت.
  42. روضة المناظر, ابن الشحنة, مطبوع بهامش الكامل لابن الاثير طبعة  بولاق, مصر, 1290هـ.
  43. الرياض النضرة في مناقب العشرة, المحبّ الطبري, دار الكتب العلمية, بيروت.
  44. سنن ابن ماجة, تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي, دار الفكر, بيروت.
  45. سنن أبي داود, تحقيق سعيد محمد اللّحام, دار الفكر للطباعة, بيروت, ط1, 1990م.
  46.    سنن الترمذي, حققه وصَحَّحَهُ عبد الوهاب عبد اللطيف, دار الفكر للطباعة, بيروت.
  47.   السنن الكبرى, البيهقي, أوفسيت دار الفكر, بيروت.
  48. سنن النسائي, بشرح السيوطي, أوفسيت دار الفكر للطباعة, ط1, 1930م.
  49. سير أعلام النبلاء, الذهبي, أاشرف على تحقيقه شعيب الأرنؤوط, مؤسسة الرسالة, ط9, 1993م, بيروت.
  50. السّيرة الحلبية, الحلبي, دار المعرفة, بيروت, 1400هـ.
  51. الشافي في الإمامة, السيد الشريف المرتضى, تحقيق عبد الزهراء الحسيني الخطيب, الناشر مؤسّسة الصّادق للطباعة والنشر, طهران, ط2, بالأوفسيت اسماعيليان, قم, 1410هـ.
  52.  شرح الاخبار, القاضي نعمان المغربي, تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي, مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين, قم المقدسة, ط2, 1414هـ.
  53. شرح العقائد النسفية, التفتازاني, طبعة مطبعة كردستان بالجمالية, 1329هـ.
  54. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد, تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم, دار إحياء الكتب العربية, عيسى البابي الحلبي, ط1, 1959م.
  55. الشعر والشعراء, ابن قتيبة, تحقيق احمد محمد شاكر, دار الحديث, القاهرة, 2006م.
  56. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل, الحاكم الحسكاني, تحقيق محمد باقر المحمودي, مؤسسة النشر التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الإسلامي, ط1, 1411هـ- 1990م.
  57. الصاحبي في فقه اللغة العربية, لابن فارس, تحقيق د.مصطفى الشويمي, مؤسسة أ.بدران, بيروت, 1963م.
  58. الصحاح, تاج اللغة وصحاح العربية, اسماعيل بن حمّاد الجوهري, تحقيق أحمد عبد الغفور العطّار, دار العلم للملايين, ط1, في القاهرة 1956م.
  59. صحيح البخاري, طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول, دار الفكر, 1981هـ.
  60. صحيح مسلم, أوفسيت دار الفكر.
  61. الصواعق المحرقة في الرّد على أهل البدع والزندقة, ابن حجر الهيتمي المكي, تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف, شركة الطباعة الفنية المتحدة, القاهرة, ط2, 1965م.
  62. طبقات الشافعية الكبرى, السبكي, تحقيق محمود محمد الطناحي, عبد الفتاح محمد الحلو, دار احياء الكتب العربية, فيصل عيسى البابي الحلي.
  63. الطبقات الكبرى, محمد بن سعد, دار صادر, بيروت.
  64. العثمانية, الجاحظ, تحقيق عبد السلام محمد هارون, دار الكتب العربي بمصر, 1955م.
  65. العقد الفريد, ابن عبد ربه الاندلسي, تحقيق أحمد أمين ورفاقه, دار المعارف, بمصر.
  66. علل الشرايع, الشيخ الصّدوق, تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم, منشورات المكتبة الحيدرية في النجف الأشرف, 1966م.
  67. عيون المعجزات, الشيخ حسين بن عبد الوهاب, المطبعة الحيدرية بالنجف, 1950م.
  68. غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الامام, السيد هاشم البحراني, تحقيق السيد علي عاشور, طبعة بيروت.
  69. الغدير في الكتاب والسنة والأدب, عبد الحسين الأميني, دار الكتاب العربي, بيروت, ط4, 1397هـ.
  70. الفصول المهمة في معرفة الأئمة, ابن الصّباغ المالكي, حقّقه سامي الغريري, دار الحديث, قم, 1379هـ ش.
  71. فضائل سيدة النساء, لابن شاهين, تحقيق أبي اسحاق الحويني الأثري, مكتبة التربية الاسلامية القاهرة, ط1, 1411هـ.
  72. الكافي, ثقة الاسلام الكليني, تعليق علي أكبر الغفّاري, دار الكتب الإسلامية, طهران, ط3, 1388هـ.
  73. الكامل في التاريخ, ابن الاثير, دار صادر بيروت, 1966م.
  74. كتاب الأمالي, الشيخ المفيد, تحقيق الحسين أستاذ ولي, علي أكبر الغفاري, جماعة المدرسين, قم المقدسة, 1403هـ.
  75. كتاب الفتوح, ابن أعثم الكوفي, تحقيق علي شيري, دار الأضواء بيروت, ط1, 1911م.
  76. كتاب سليم بن قيس الهلالي, تحقيق محمد باقر الأنصاري الزنجاني, الناشر دليل ما, ط1, 1422هـ.
  77. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل, الزمخشري, مصطفى البابي الحلبي, ط الأخيرة, 1996م.
  78. كشف الخفاء ومزيل الالباس, اسماعيل بن محمد العجلوني, ط3, دار الكتب العلمية, بيروت, 1408هـ.
  79. كشف الغمّة في معرفة الأئمة, أبي الحسن الأربلي, دار الأضواء, بيروت, ط2, 1985م.
  80. الكشف والبيان عن تفسير القرآن, للإمام الثعلبي, تحقيق محمد بن عاشور, تدقيق نظير الساعدي, دار إحياء التراث العربي, بيروت, ط1, 2002م.
  81. كنز العمال, المتقي الهندي, ضبطه الشيخ بكري حيّاني وصفوت السقا, مؤسسة الرسالة, بيروت, 1409هـ.
  82. كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق, المناوي, طبعة بولاق, 1286هـ.
  83.  اللهوف في قتلى الطفوف, السيد ابن طاوس, منشورات أنوار الهدى, قم.
  84. مجمع الامثال, أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني, الناشر المعاونية الثقافية للاستانة الرضوية, مشهد المقدسة, 1366هـ ش.
  85. مجمع البيان في تفسير القرآن, أمين الاسلام الطبرسي, حققه لجنة من العلماء, منشورات الأعلمي, بيروت, ط1, 1995م.
  86. مجمع الزوائد, الهيثمي, أوفسيت دار الكتب العلمية, بيروت, 1988م.
  87. المحاسن, البرقي, تحقيق جلال الدين الحسيني, دار الكتب الاسلامية, طهران, 1370هـ.
  88. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز, ابن عطية الأندلسي, تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1993م.
  89. مختصر التحفة الإثني عشرية, الآلوسي, طبع حجر.
  90. مدارك التنزيل وحقائق التأويل "تفسير النسفي", أوفسيت, طبع مصر.
  91. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول, محمد باقر المجلسي, تحقيق هاشم الرسولي, دار الكتب الاسلامية, طهران, ط2, 1363هـ.
  92. المستدرك على الصحيحين, للحاكم النيسابوري, وبذيله تلخيص الذهبي, د.يوسف عبد الرحمن المرعشلي, دار المعرفة, بيروت.
  93. مسند أبي داود الطيالسي, دار المعرفة, بيروت.
  94. مسند الامام أحمد, وبهامشه منتخب كنز العمال, دار صادر.
  95. المصنف, ابن أبي شيبة الكوفي, علّق عليه الاستاذ سعيد اللّحام, دار الفكر, بيروت.
  96. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول, كمال الدين ابن طلحة الشافعي, تحقيق ماجد أحمد العطية.
  97. معارج الوصول الى فضل آل الرسول, الزرندي الحنفي, تحقيق, ماجد بن أحمد العطية.
  98. معالم التنزيل في تفسير القرآن "تفسير البغوي", تحقيق خالد عبد الرحمن العك, دار المعرفة, بيروت.
  99. معجم الأدباء, ياقوت الحموي, دار الفكر, ط3, 1980م.
  100. المعجم الأوسط, الطبراني, قسم التحقيق بدار الحرمين, دار الحرمين للطباعة, 1415هـ- 1995م.
  101. المعجم الصغير, الطبراني, دار الكتب العلمية, بيروت.
  102. المعجم الكبير, الطبراني, تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي, دار إحياء التراث العربي, ط2.
  103. مناقب آل أبي طالب, ابن شهر آشوب المازندراني, لجنة من أساتذة النجف, المكتبة الحيدرية, النجف, 1956هـ.
  104. المنتظم, ابن الجوزي, تحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1992م.
  105. منهاج السنة النبوية, ابن تيمية, طبعة الأميرية, بولاق 1321هـ.
  106. الموضوعات, ابن الجوزي, ضبط وتقديم عبد الرحمن محمد عثمان, المكتبة السلفية, المدينة المنورة, ط1, 1966م.
  107. ميزان الاعتدال في نقد الرجال, الذهبي, تحقيق علي محمد البجاوي, أوفسيت دار المعرفة, بيروت, ط1, 1963م.
  108. نزهة الأنام, في محاسن الشام, ابو البقاء البدري, منشورات دار الرائد العربي بيروت, ط1, 1980م.
  109. نظم درر السمطين, الزرندي الحنفي, ط1, 1958.
  110. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب, المقري التلمساني, تحقيق إحسان عباس دار صادر بيروت, 1997م.
  111. نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار, علي الحسيني الميلاني, الناشر المؤلّف, ط1, قم ايران, 1414هـ.
  112. النهاية في غريب الحديث والأثر, مجد الدين ابن الأثير, تحقيق طاهر أحمد الزاوي, محمود محمد الطناحي, أوفسيت اسماعيليان, قم ايران, ط4, 1364هـ ش.
  113. نوادر المعجزات, ابي جعفر الطبري الإمامي, تحقيق ونشر مؤسسة الامام المهدي, قم, ط1, 1410هـ.
  114. الهداية الكبرى, الخصيبي, مؤسسة البلاغ, بيروت, ط4, 1991م.
  115. الوجيز في تفسير الكتاب العزيز, لأبي الحسن الواحدي, تحقيق صفوان عدنان داودي, الدار الشامية, دمشق, دار القلم, بيروت, ط1, 1415هـ.
  116. وقعة صفّين, نصر بن مزاحم المنقري, تحقيق عبد السلام محمد هارون, المؤسسة العربية الحديثة القاهرة, منشورات مكتبة المرعشي بقم, 1403هـ.
  117. ينابيع المودّة لذوي القربى, سليمان بن ابراهيم القندوزي, تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني, دار الأسوة للطباعة والنشر, ط1, 1416هـ.

 


([1]) هذه الترجمة مما تفضّلَ بهِ علينا العلامة السيد عبد الستار الحسني وهي بقلمهِ (حفظه الله).

([2]) سورة سبأ: الآية 24.

([3]) مثل عربي: يُضْرَبُ للرَّجُلِ يشبه أباه, جمهرة الأمثال, ج1, ص541.

([4]) مثل عربي قديم, يضربُ لمساواة الرجل صاحبه في ما يدعوه اليه, والقارة قبيلة من الهون بن خزيمة, كانوا معروفين بإصابة الرمي, جمهرة الأمثال, ج1, ص55.

([5]) النهاية في غريب الحديث والأثر, لابن الأثير, ج4, ص106. مادة (قمح). شواهد التنزيل, ج2, ص461. ورواه الطبراني في الأوسط, ج4, ص187. قال في مجمع الزوائد ج9, ص131: (وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف). ولا أريد الخوض في جابر بن يزيد الجعفي وما قالو فيه وكيف نقل عنه كبار المحدثين أبو داود والترمذي وابن ماجه، فإنهم جرحوا الرجل لعقيدته في الرجعة ليس إلا.

([6]) تاريخ دمشق, ج42, ص371. ترجمة الامام علي, والدر المنثور, ج6, ص379.

([7]) هذا معنى كلام صاحب التحفة الاثني عشرية انظر مختصر ترجمة التحفة الاثني عشرية, للآلوسي, ص4. والتحفة الاثني عشرية في الردّ على الإمامية كتاب لعبد العزيز الدهلوي الملقب بسراج الهند (ت:1239هـ), اتّهم فيه الشيعة بشتى التهم, وافترى عليهم وبالغ في ذلك, وقد أختصر التحفة محمود شكري الآلوسي, وردّ عليه كبار علماء الإمامية في كتب ضخمة مثل عبقات الأنوار, وتشييد المطاعن, ونزهة المؤمنين, وتقليب المكائد وغيرها..

([8]) مختصر ترجمة التحفة الاثني عشرية, ص16.

([9]) حديثُ الأئمةِ الاثْنَيْ عشر له طرق مختلفة وألفاظ مختلفة، مرّة قال f: اثنا عشر إماماً، مرّة اثنا عشر خليفة، مرّة اثنا عشر نقيبا.. وإحصاؤه وطرقه يحتاج لرسالة خاصة.

([10]) ميزان الاعتدال, ج1, ص5, ص6.

([11]) لم أجده بهذا اللفظ، وإن كان متواتراً بالمعنى، ففي نهج البلاغة (هلك فيَّ رجلان محبٌّ غال ومبغضٌ قال), وفي أمالي الصدوق, ص709 (مفرط قال). وربيع الأبرار, ج1, ص379. وشرح نهج البلاغة, ج18, ص282. وتاريخ دمشق, ج42, ص297.

([12]) حاولت جاهداً تبيّن تفاصيل الحادثة أكثر, من هو الشيخ الذي كان عند السيد سلمان, ومن هو عالم النصارى ولكن لم أتمكن. والسيد سلمان نقيب الأشراف, كان مقدّماً عند الدولة العثمانية معروفاً ذا علاقات واسعة جداً: وهو السيد سلمان ابْن السيد علي ابن السيد سلمان الكَيْلانيّ توفي 1315هـ.

([13]) سورة البقرة: الآية 134.

([14]) تفسير الصافي للفيض الكاشاني, ج2, ص359. تفسير سورة التوبة آية: 74.

([15]) قال الجوهري في الصحاح, ج2, ص807. مادة (كفر): "والكَفر بالفتح: التغطية، وقد كفرتُ الشي.. سترته".

([16]) مجمع البيان, ج5, ص90. تفسير سورة التوبة آية: 74.

([17]) مثل عربي: يضرب لمن يُظهرُ أمراً وهو يريد غيره, انظر مجمع الأمثال, ج2, ص382.

([18]) مناقب آل أبي طالب, ج1, ص399. والبحار, ج38, ص77.

([19]) مسند الامام أحمد, ج1, ص84. وفي المستدرك, ج2, ص367. مع تغيير بعض الفاظه. وكذا في, ج3, ص5. وفي مجمع الزوائد, ج6, ص23. ومصنف ابن أبي شيبة, ج8, ص534. والنسائي, ج5, ص142.

([20]) هذه الأبياتُ منسوبة إلى الْمُتَنَبِّي في مجالس المؤمنين, ج2, ص529. نقلاً عن جامع الاسرار, ص463, ونقلها عنهم في أعيان الشيعة, ج2, ص516. وكذلك نُسبت إلى أَبي نُواس في مناقب ال أبي طالب, ج1, ص399. وَإلى الإمامِ الشافعي في ينابيع الموّدة, ج1, ص423. ورأيت في بعض الكتب أنها لحسان بن ثابت وليست هذه لغة حسّان. وعلى كلّ حالٍ فليس في دواوينهم هذا الشعر.

([21]) سورة المائدة: الآية 3.

([22]) حديث الغدير متواترٌ لفظاً في غالب فقراتِه ومتواتر معنىً في باقي الفقرات، بل وقع الوفاق عليه بين المسلمين في نصّ "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه" وقد كتبت في تخريج أسانيده وذكر طرقه كتب منذ القدم فأوّل من كتب عنه - في ما أعلم - الطبري ولم يصل كتابه الينا ، وانظر الحديث في مجمع الزوائد, ج9, ص103, ص109. وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والنسائي في فضائل الصحابة والمستدرك للحاكم وشهرته تغني عن تتبعه.

([23]) كتب المرحوم العلاّمة الأميني كتاباً ضخماً شائِقاً في ذلك، وجمع غالب شعر الشعراء وتراجمهم في كتابه (الغدير) فلاحظه: ج2, ص34 وهو ينقل شعر حسان، وفي ج2, ص67 شعر قيس بن سعد، وفي ج2, ص180 قصيدة الكميت، وفي ج2, ص177 شعر الحميري، وفي ج2, ص329 قصيدة أبي تمام.

([24]) سورة المائدة: الآية 67.

([25]) روى ابن أبي حاتم الرازي في تفسيره, ج4, ص1172 إنها نزلت في علي بن أبي طالب, الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي, ج4, ص92, والحديث مشهور.

([26]) كلمة "الأنصار" غير موجودة في مخطوطة اللمعة، ولكنها ثابتة في مخطوطة الصولة من ضمن متن اللمعة، وربّما يكون ذكرها الشيخ تعريضاً بالمصنف الراوي لأنه أهمل ذكر الانصار.

([27]) سورة النور: الآية 55.

([28]) كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق للمناوي, ط بولاق 1286هـ، في ص98. أدرج الأحاديث: "عليٌ أخي في الدنيا والآخرة (ط)، عليٌ عيبة علمي (عد)، عليٌ مولى مَن كنتُ مولاه (المحاملي)، عليٌ يقضي ديني (بز)، عليٌ ينجز عداتي ويقضي ديني (فر)، عليٌ منّي وأنا منه والله ولي كلّ مؤمن (طيا)، عليٌ قسيمُ النار (فرّ)، عليٌّ خيرُ البشر من شكّ فيه كفر (ع)، عليٌّ مني وأنا من عليّ ولا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ (حم)، عليّ يعسوب المؤمنين (ط).

الرموز: ط – للطبراني ،عد – لابن عدي ، بز – للبزاز ، فر – للديلمي ، طيا – للطيالسي ، ع – لأبي يعلى ، حم – للإمام أحمد في مسنده.

([29]) الشافي في الإمامة للشريف المرتضى, ج4, ص30.

([30]) سورة الفتح: الآية 29.

([31]) سورة الفتح: الآية 18.

([32]) سورة الانسان: الآية 8.

([33]) سورة المائدة: الآية 55.

([34]) مجمع البيان, ج3, ص364.

([35]) سورة الحجرات.

([36]) الصاحبي في فِقْهِ اللغة العربية وسَنن العرب في كلامها, ص212, تحقيق د. مصطفى الشويمي ملتزم الطبع والنشر مؤسسة أ.بدران, بيروت 1963م.

([37]) سورة النور: الآية 55.

([38]) أنوار التنزيل واسرار التأويل, تفسير البيضاوي, ج4, ص113, سورة النور الآية: 55.

([39]) الكشاف, ج3, ص74.

([40]) تفسير الرازي, ج24, ص25.

([41]) هذا كلام في النيسابوري في تفسيره الآية: 55 من سورة النور، وما بين المعقوفين زيادة منه يقتضيها السياق.

([42]) علل الشرائع, ج1, ص90, الباب 81, الحديث 5.

([43]) الكافي, ج8, ص311, ص312, باب إنما يعرف القرآن من خوطبَ به, حديث رقم 485.

([44]) سورة الأنعام: الآية 165.

([45]) مجمع البيان, ج7, ص265, ص266, تفسير سورة النور الآية: 55.

([46]) سورة النور: الآية 55.

([47]) سورة البقرة: الآية 217.

([48]) سورة ال عمران: الآية 144.

([49]) البخاري, ج7, ص206. كتاب الرقاق بابٌ في الحوض, ومسندُ أحمد, ج1, ص439, مع اختلاف في اللفظ، وذيل الحديث في البخاري, ج4, ص110. كتاب بدء الخلق باب قوله تعالى: [وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً], وذكره البخاري, ج5, ص192- كتاب تفسير القرآن باب قوله: [وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا] ، وكذا في, ج5, ص240- باب كما بدأنا أول خلق نعيده.

([50]) تأويل مختلف الحديث, ص217.

([51]) سورة فصلت: الآية 30.

([52]) سورة البقرة: الآية 40.

([53]) سورة البقرة: الآية 186.

([54]) الشافي في الامامة, الشريف المرتضى, ج3, ص272, وحديث "ذلك فرجٌ غُصِبْناه" أخرجه في الكافي, ج5, ص346- كتاب النكاح, باب تزويج امّ كلثوم حديث 1. وَهذا الحديث "حَسَنٌ" سنداً كما في مرآة العقول, ج20, ص42. وليس معنى الغصب الاغتصاب كما هو المصطلح في أيّامنا بل الغصب هنا الإجبار والإكراهُ على الشيء، ثم إن في النفس من الحديث بل من كل القصّة أشياء كثيرة. واضطراب الروايات كافٍ في دفع أصل الحادثة, فلا عمر خطب من عليّ, ولا عليّ ارسل ابنته الى "شيخ سوء" كما في بعض الروايات، ولا عمر كلم العبّاس بأمر قتل عليّ, ولا عليّ وكّل العباس في الأمر أصلاً, وكلُّ الحادثة من مختلقات الزبير بن بكار وسرت الى كتبنا من إثبات الحسن بن يحيى بن الحسن في كتابه النسب, وهو نسّابة علوي, فصدّقه الناس ، مع أنه ضعيف يروي عن المجاهيل أحاديث منكرة ، كما ذكر النجاشي، وهو من وفيات سنة 358هـ.

ثمّ إنّ الاشكال في أنّ لعمر زوجة أخرى اسمها أمّ كلثوم هي بنت جرول, طلّقها عند نزول آية َ[لاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ], وهذه لديها ولد أسمه زيد, له عقبٌ, بعضهم رواة في الحديث, لهم تراجم في الكتب، والزاعمون زواجَ أمّ كلثوم بنت علي يدّعي بعضهم إنَّ لها ولداً من عمر اسمه زيد، واختلفوا أله عقب أم لا؟ والظاهر اشتباههم بزيد الأوّل، ثمّ وفاة  أم كلثوم فيها اضطراب, ووفاة ابنها فيها اضطراب, وأنه قتل في بعض معارك بني عديّ ولم يتزوّج بعد، وماتت يوم وفاته, وقيل بعده, ثمّ إنهم قالوا إنها تزوجت بعد عمر بفترة عبد الله بن جعفر الطيار, وهو زوج اختها زينب العقيلة, والحال إن زينب توفيت بعد الطف, وأمّ كلثوم توفيت في حياة الامام الحسن حدود عام 49 للهجرة, هناك اضطرابات كثيرة جداً لا يسعها المقام.

فكم رجل لديه زوجتان بنفس الاسم, وكلُّ واحدةٍ منهما لها ولد بنفسِ الاسم, هذا استبعاد وإنْ كان عقلياً إلا أنه يزيد المشكلة تعقيداً.

([55]) البيت من الطويل للفرزدق في منتهى الطلب, ج1, ص216, وليس في ديوانه شرح إيليا الحاوي, ج2, 341. مع ان القصيدة كُلُّها موجودة وينقصها هذا البيت والذي قبله.

([56]) يعني: خولة بنت جعفر, أمّ محمد بن علي بن أبي طالب  عليه السلام .

([57]) الشافي في الإمامة, ج3, ص271.

([58]) الشافي في الامامة, ج3, ص271. ويعني بأخيه "الوليد بن عقبة بن أبي معيط" وهو أخو عثمان لإمِّه، وكان والياً لعثمان على الكوفة, وصلّى بالنّاس سكراناً, وشهد عليه الشهود عند عثمان, فردّ الشهود وشكوه لعليّ, فعاتب عليٌ عثمانَ على ذلك, فأقام عليه الحدّ, وجلده بمحضر عثمان.

([59]) الحديثان في المحاسن, ج1, ص255, كتاب مصابيح الظلم, باب التقيّة حديث 286 مع اختلافٍ في لفظهما لا يغيّر المعنى. وانظر الكافي, ج2, ص217. فقد عقد باباً للتقية في كتاب الإيمان والكفر.

([60]) سورة الحج: الآية 78.

([61]) سورة البقرة: الآية 185.

([62]) سورة البقرة: الآية 286.

([63]) لم أعثر عليه بهذا اللفظ وهو بألفاظ أخرى مقاربة كما في مجمع الزوائد, ج5, ص279: "بعثت بالحنيفية السمحة", وهو بذات اللفظ في الكافي, ج5, ص494, كتاب النكاح, باب كراهية الرهبانية, حديث 1.

([64]) يعني قول النبي  صلى الله عليه واله وسلم : (رفع عن أمّتي أربع خصال خطأها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يُطيقوا) الكافي, ج2, ص462, كتاب الايمان والكفر باب ما رُفع عن الامة, حديث 1. اخرجه ابن ماجه بلفظ مقارب, ج1, ص659, في باب طلاق المكره والناسي بحذف "ما لم يطيقوا".

([65]) الحديث في الكافي, ج5, ص280, كتاب المعيشة, باب الشفعة, حديث 4. ومسند أحمد, ج5, ص327. وابن ماجه ج2, ص784, باب مَن بنى في حقه ما يضرّ بجاره.

([66]) "الضروريات تبيح المحظورات" لم أعثر عليه في شيء من كتب الحديث الشيعية والسنية، بل هو من كلام الفقهاء، قال العجلوني في كشف الخفاء, ج2, ص35: "ليس بحديث".

([67]) سورة ال عمران: الآية 28, وقراءة (تقية) نقلها الطبري في تفسيره جامع البيان, ج3, ص311, ص312. من دون نسبة وجعلها البخاري كالتفسير في أول كتاب الإكراه, ج8, ص55, فقد قال: ([إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً] وهي تقية..).

([68]) أنوار التنزيل وأسرار التأويل, ج2, ص12.

([69]) تفسير الرازي, ج8, ص14. والحديث في مجمع الزوائد, ج4, ص172. قال الهيثمي: "رواه البزّار وأبو يعلي، وفيه محمّد بن دينار وثّقه ابن حبّان وجماعة وضعّفه جماعة، ورجال أبي يعلى ثقات..".

([70]) مجمع البيان, ج2, ص273, تفسير سورة ال عمران الآية 28.

([71]) التبيان في تفسير القرآن الشيخ الطوسي, ج2, ص435, تفسير سورة آل عمران،الآية 28.

([72]) الاستيعاب, ج3, ص974؛ تاريخ دمشق, ج23, ص465. وطبعاً زيد في الرواية كلمات لا يمكن صدورها من عليّ مثل قوله: "ولو لا أنّا رأينا أبا بكر لذلك أهلاً ما خلّيناه وإيّاها", وانظر الحادثة في أنساب الاشراف, ج1, ص588. وليس فيه هذه الجملة. ووهذه الجملة موجودة في تاريخ الطبري, ج2, ص449. ذكرها في حديث السقيفة.

([73]) العِقْد, ج4, ص257.

([74]) أخرجه المحبّ الطبري في الرياض النَّضِرَة, ج1, ص70 نقلاً من كتابٍ بالموافقة للسّمان الرازي ، وهو خبر ضعيفٌ لا سندَ له بل مخالفٌ لأبسط مبادىء الإمامية, وقد أطال نقده في نفحات الأزهار, ج9, ص236, ص252.

([75]) حديث الحسن المثنى موضوع حتماً, فإنّ هذا التساؤل عن التقرير بالولاية بعد النبيّ لعلي لا يمكن أن يصدر من الحسن المثنى, خصوصاً إنه صدر من النبيّ تصريح آخر قال  صلى الله عليه واله وسلم : "مالهم ولعليّ إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليُّ كل مؤمنٍ بعدي" أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده, ص111. وابن أبي شيبة في المصنف, ج7, ص504. والنسائي في سننه, ج5, ص45, ج5, ص113. ثم عقد النسائي باباً له في, ج5, ص132، ص133. ولا اريد استقصاء جميع مصادره فهي كثيرة، فكيف للحسن المثنى وهو جريح الطف يطلب النّص على جدّه عليّ من جدّه النبيّ مع أنَّ حفّاظ أهل السنة أخرجوا النّص وفيه كلمة "بعدي", فهل يعقل أنه وهو في بيت النبيّ حَيْثُ تَعْلَم لا يعرف أحاديث يعرفها الأبعدون الأغراب؟! فمظاهر الوضع تلوح على هذا النص، والحق ان هذا الواضع لا يدري بوجود كلمة "بعدي" في الحديث الآخر فوضع هذا النص بكذبةٍ صارخةٍ نسبها إلى رَجُلٍ فوق الشّبهات.

([76]) سورة الأعراف: الآية 172.

([77]) يعني حديث الغدير.

([78]) قوله "لا يبقى مجال" خبر "لكن"، يعني: لكن بَعْدَ الإحاطة بِما جرى.. لا يبقى مجال..

([79]) السيرة الحلبية, ج3, ص338.

([80]) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد, ج8, ص284, في ترجمة حبشون بن موسى بن أيوب, والحسكاني في شواهد التنزيل, ج1, ص200، ص203. وابن عساكر في تاريخ دمشق, ج42, ص233.

([81]) الرياض النضرة, ج1, ص241, وقد عبث الشيخ إبراهيم الراوي بألفاظ الحديث فزاد عليه (فلم يجبهم) إلى آخر كلامه, وقد اختصرَ الحديث اختصاراً مخِلاّ, فلم يذكر أسماء الذين جاؤا لبيت فاطمة وهم عمر وجماعته. فلاحظ وتأمل.

([82]) هذا ملخص ما في كتاب سُلَيم, ص148, ص153. وهو نصُّ كلام السيد هاشم البحراني في غاية المرام, ج5, ص317.

([83]) الامامة والسياسة, تحقيق الزيني, ج 1, ص19. وانظرها تحقيق علي شيري, ج1, ص30.

([84]) العقد الفريد, ج4, ص259, ص260. "سقيفة بني ساعدة".

([85]) روضة المناظر لابن الشحنة مطبوع بهامش الكامل لابن الاثير ط بولاق 1290هـ, ج7, ص164.

([86]) سورة القمر: الآية 10.

([87]) سورة هود: الآية 80.

([88]) سورة الشعراء: الآية 21.

([89]) سورة الأعراف: الآية 150.

([90]) الاحتجاج, ج1, ص279؛ ارشاد القلوب, ج2, ص394.

([91]) الخرائج والجرائح, ج1, ص233. والحديث مُرسَلٌ من جهة السند ونقله عنه الآلوسي في تفسيره, ج3, ص123.

([92]) سورة الانبياء: الآية 26, 27.

([93]) الخرائج والجرائح, ج1, ص172؛ الثاقب في المناقب, ص242؛ وأخرجه في الهداية الكبرى, ص125؛ وفي الأصول الستة عشر, ص92, أصل محمد بن المثنى بن القسم الحضرمي.

([94]) الرواية طويلة هذا ملخصها وهي مرسلة في الاحتجاج عن أبان بن تغلب, ج1, ص104.

([95]) هو ابن أبي جمهور الأحسائي, اسمه محمد بن علي بن ابراهيم، المتوفي حدود عام 901هـ أو بعده بقليل، وقد كان في المشهد الرضوي فترة ليست بالقليلة، وقد فرغ من تأليف كتابه عوالي اللئالي هناك - على ما بالبال -, أمّا الفاضل الهروي فهو على ما أظنّ حفيد التفتازاني, أحمد بين يحيى بن سعيد الدين, فلابن أبي جمهور رسالة تسمّى المناظرة كتب فيها هذه الحادثة في ثلاث مجالس ، وقد طبعت مؤخراً في ضمن كتاب المناظرات في الإمامة, فانظر ص356.

([96]) قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة تحقيق الزيني, ج1, ص20: "فأخرجوا علياً فمضوا به الى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إنْ أنا لم أفعل فمَه؟ قالوا: إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك.." وأيُّ إكراه بعد ذلك.

([97]) شرح نهج البلاغة, ج2, ص59.

([98]) المسترشد, ص403؛ مسألتان في النص عن عليّ للشيخ المفيد, ج2, ص28؛ أمالي الشيخ الطوسي, ص726, مجلس 44 يوم الجمعة 3 ذق457؛ فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة, ص85؛ والجمل للشيخ المفيد, ص92؛ والسيد الشريف في الشافي, ج2, ص148, ج3, ص110.

([99]) البيت من الطويل، لابن ابي الحديد المعتزلي في القصيدة السادسة من علوياته السبع تجدها في الروضة المختارة 140. وقد ورد في البيت (هزّها) مع أنّ الباب مذكّرٌ, وابن أبي الحديد عالم أديب لغوي لا يصدر من ذلك, إلا إذا كان من قلم بعض النسّاخ.

([100]) سورة التوبة: الآية 51.

([101]) سورة الانفال: الآية 68.

([102]) أنوار التنزيل واسرار التأويل, ج3, ص67.

([103]) الامامة والسياسة, ج1, ص18, تحقيق "الزيني" و ج 1, ص29, تحقيق "الشيري".

([104]) يعني الشيخ P ما نقله ابن ابي الحديد في شرح النهج أنَّ علياً أرسل ابنه الحسن لمسجد الكوفة لتفريق مُصلّي التراويح "فدخل عليهم المسجد ومعه الدِّرَّة فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا: واعمراه", ج12, ص283.

([105]) عجزُ بيت من الكامل، تناوله الشعراء كثيراً، لم أعثر له على نسبة بالرَّغْمِ من اشْتِهارِهِ فهو في شعر السريّ الرفّاء، وفي شعر آخرين ولا أدري لمن هو، وله تتّمات كثيرة وصدور مختلفة.

([106]) وسائل الشيعة, أبواب صلاة الجماعة, باب 5, حديث 8.

([107]) البخاري, ج4, ص199. مناقب المهاجرين، باب مناقب عمر بن الخطاب.

([108]) نهج البلاغة, ج1, ص236, ومن كلام له في احتجاجه على الخوارج.

([109]) هنا قطع المؤلف النص وتبعه كثيرون في أيّامنا ممن لا مسكة لهم في العلم فإنّ علياً أجدرُ الناس بمراعاة الأخوّة فعلامَ قاتلهم إن كانوا إخوانه.. وتمام الكلام: "ولكنّا إنّما أصبحنا نقاتلُ إخواننا في الاسلام على ما دَخَلَ فيه من الزّيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل"؛ فهذا سبب القتال دخول الزيغ والاعوجاج والشبه والتأويل في دين الله, وهو أمرٌ يقتضي الاصلاح ولو بسفك المهج, فتقويم الدّين تقويمٌ لأمور الدنيا وتقويمٌ لأمة الإسلام, فلمّا قطع النصّ عن متعلقاته صارت الجملة باردة فارغة من المحتوى, بل تُوجبُ الريبةَ ، فعلام الحرب بين الإخوة في الدين؟.

([110]) سورة يوسف: الآية 82.

([111]) سورة الحجرات: الآية 13.

([112]) الأبيات من الكامل للإمام الشافعي في ديوانه 71. وتاريخ دمشق, ج9, ص20, و ج51, ص317. وسير أعلام النبلاء, ج10, ص58. وطبقات الشافعية, ج1, ص299. ومعجم الأدباء ج17, ص310. والبيت الثالث فقط في نفح الطيب, ج5, ص308.

([113]) أخرجها في الفصول المهمة, ج1, ص107؛ معارج الوصول الى فضل آل الرسول, للزرندي, ص44؛ نظم درر السمطين, ص111.

([114]) الأبيات لعامر بن ثعلبة في نوادر المعجزات للطبري الشيعي, ص39؛ وعيون المعجزات, ص 24.

([115]) البيتان من الرّمل مشهوران جداً في حبّ علي، لم أعثر لهما على نِسْبَة.

([116]) أخرجه ابن عبد البرّ في الاستيعاب, ج3, ص1101. والطبراني في المعجم الكبير, ج23, ص380. بدون الفقرة الأخيرة "من آذى علياً..".

([117]) مسند أحمد, ج1, ص77. والترمذي, ج5, ص305, مناقب علي باب92, حديث 3816. والصواعق المحرقة, ص138.

([118]) البخاري, ج7, ص117, كتاب الادب, باب علامة حبّ الله عزّ وجل لقوله تعالى: [إِنْ كُنتُمْ..].

([119]) تخريج الأحاديث والآثار, ج3, ص238. مع اختلاف في اللفظ, وأخرجه الثعلبي في تفسيره, ج8, ص314. والكشاف, ج3, ص467.

([120]) هذا من كلام أمير المؤمنين  عليه السلام ، انظر أمالي المفيد المجلس السابع والعشرون الحديث4, ص232. وبحار الأنوار, ج65, ص38.

([121]) سورة الأحزاب: الآية 33.

([122]) كذا في المخطوط, وهو من سبق القلم, فإنّ كتاب بالصواعق لابن حجر الهيتمي المكي وهو من وفيات القرن العاشر, وليس للحافظ ابن حجر العسقلاني. وانظر الصواعق المحرقة, ص143.

([123]) أخرجه الامام أحمد عدة مرات من طرق مختلفة فانظره في المسند, ج1, ص331. و ج4, ص107. و ج6, ص292. وكذلك مسلم, ج7, ص130.

([124]) المعجم الأوسط, ج3, ص380. والمعجم الصغير, ج1, ص135.

([125]) قال الطبري في تفسيره جامع البيان: "اختلف في من عُني بأهل البيت, فقال جماعة: إنَّهم علي وفاطمة وحسن وحسين" ونقل في ذلك المعنى 13 حديثاً, ثم قال. "وبعض قالوا إنهم أزواج النبيّ", ونقل في ذلك رواية واحدة: "أنّ عكرمة كان ينادي في السوق"، فأين فعل رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  وفعله حجة شرعاً من نداء عكرمة في السوق انظر جامع البيان, ج22, ص9, ص13. تفسير سورة الأحزاب, آية 33.

([126]) أنوار التنزيل وأسرار التأويل "تفسير البيضاوي", ج4, ص231. تفسير الأحزاب آية 33.

([127]) سورة الشورى: الآية 23.

([128]) انوار التنزيل واسرار التأويل, ج5, ص80.

([129]) الصواعق المحرقة, ص170.

([130]) سنن الترمذي, ج5, ص328. مناقب أهل البيت.

([131]) سنن الترمذي, ج5, ص329.

([132]) الصواعق المحرقة, ص150.

([133]) هذا نصّ كلام ابن حجر في الصَّواعِق, ص150, والحديث في صحيح مسلم, ج7, ص123, كتاب فضائل الصحابة, باب فضائل عليّ.

([134]) الصواعق المحرقة, ص151.

([135]) انظر هذه الفقرة من الحديث في مجمع الزوائد, ج9, ص164. والمعجم الكبير للطبراني
ج3, ص66. و ج5, ص167, مع بعض التغيير والمعنى واحد في شرح نهج البلاغة, ج7, ص76. وكنز العمال, ج1, ص186ج1 ، ص188.

([136]) سورة القصص: الآية 56.

([137]) البيتان للوزير شمس الدين الجويني كتبهما في ذيل كتابٍ لابن الطِّقْطِقى كان كتبه الى السلطان ابن هولاكو في عزل صاحب الديوان, وكان صاحب الديوان أخاً للوزير الجويني, كما في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب, ص 181.

([138]) المعجم الكبير للطبراني, ج5, ص184.

([139]) سورة محّمد: الآية 22, 23.

([140]) إحياء علوم الدين, ج9, ص20. في بحث النهي عن سبّ الأموات.

([141]) منهاج السّنّة, ج2, ص251, ط الأميرية ببولاق 1321هـ.

([142]) سورة الأحزاب: الآية 57.

([143]) أنوار التنزيل وأسرار التأويل, ج4, ص238؛ تفسير سورة الأحزاب آية 57, 58.

([144]) أخرجه أحمد في مسنده, ج4, ص5؛ ومسلم, ج7, ص141, باب فضائل فاطمة. وفي البخاري, ج4, ص210. "فمَن أغضَبَها أغْضَبَني" باب مناقب قرابة رسول الله.

([145]) السنن الكبرى, ج5, ص147. وخصائص أمير المؤمنين للنسائي, ص121. وفيها "يؤذيني ما آذاها ويُريبني ما رابها" وكذلك في فضائل سيدة النساء لابن شاهين, ص32.

([146]) النهاية في غريب الحديث والأثر, ج1, ص133. مادة "بضع".

([147]) النهاية في غريب الحديث والأثر, ج2, ص287. مادة "ريب".

([148]) كنز العمال, ج12, ص109. وفيه: "فطمها ومحبيها.."  وقد عدّه ابن الجوزي في موضوعاته, ج1, ص421. وقال إنه من عمل "الغلاّبي"، وهو شيخ الطبراني، ولا سبيل للطعن فيه إلا أنه كان يتشيع، وكم من خطلٍ وخطأ وتسرّع في كتاب الموضوعات.

([149]) المعجم الكبير للطبراني, ج5, ص184.

([150]) شرح نهج البلاغة, ج16, ص15؛ وتاريخ مختصر الدول, ص109؛ الفتوح لابن أعثم, ج4, ص294.

([151]) شرح نهج البلاغة, ج1, ص9.

([152]) هذا نصّ ما في مناقب آل أبي طالب, ج2, ص350. وفي شرح الأخبار للقاضي نعمان المغربي, ج2, ص165: "وذكر عليٌّ  عليه السلام  معاوية فقال: معاوية طليق ابن طليق منافق ابن منافق", وهذا له شاهد في وقعة صفين لنصر بن مزاحم, ص201 قال: "طليق ابن طليق، وحزبٌ من الأحزاب، لم يزل لله ورسوله وللمسلمين عدواً هو وأبوه، حتى دخلا في الاسلام كارهين مُكرَهين..".

([153]) المعجم الكبير للطبراني, ج19, ص307. "قتلاي وقتلى.." كذا فيه، وقال في مجمع
الزوائد, ج9, ص357: "ورجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف.."، ثمّ إنّ يزيد بن الاصمّ العامري ناقل الحديث توفي بالرقة عام 103هـ وعمره 73 سنة فهو من مواليد سنة 30 للهجرة, ولم يذكر أحد إنه روى عن عليّ, فهناكَ واسطة بين يزيد وبين علي مجهولة، فصارت الرواية مرسلة، ثم إنّ يزيد هذا أمويّ الهوى, وماتَ في الرقة, والحديث في تمجيد معاوية فقرائن الوضع تلوح فيه, ثمّ إنّ متن الرواية منكر, فإنّ المتواتر عن عليّ إنه لعن معاوية وأشياعه, بل ندب الناس لحربه مراراً, بل قاتله وشتّتَ جموعه, فكيف لرجل أن يصدّق بهذا الهراء: لنقاتل معاوية وإذا قتلناه فهو واتباعه في الجنة. إذن على ماذا يقاتله؟ فليس ثمة منطقة وسط بين الحق والباطل، فإمّا القاتل على الباطل أو المقتول، أما أن يكون القاتل والمقتول في الجنة, يعني: أنهما معاً على الحقّ فعلامَ اقتتلا؟, ثمّ إنّ معاويةَ باغٍ قطعاً عند جميع المسلمين, والطائفة الباغية يجب قتالها حتى تفيء, ومعاوية لم يفيء أبداً.

([154]) لم أعثر عليه في تفسير الالوسي.

([155]) قصيدة شهيرة لكُثِّير بن عبد الرحمن الخُزاعِيّ في ديوانه. وفي الشعر والشعراء لابن قتيبة, ج1, ص496. وأخرج البيت في أنساب الاشراف, ج8, ص159. والطبقات لابن سعد, ج5, ص394.

([156]) ديوان الشريف الرضي, ج1, ص215.

([157]) البيت من قصيدة لابن سنان الخفاجي نقله السيد ابن طاوس في اللهوف, ص109.

([158]) نقله عن أبي جعفر الاسكافي ابنُ أبي الحديد في شرح النهج, ج4, ص63.

([159]) لم ينفرد المؤرّخون بذلك, فقد أخرجَ مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: "أمر معاويةُ سعداً فقال ما منعك أن تسبّ أبا التراب؛ فقال: أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً.." فانظر, ج7, ص120, باب من فضائل علي, وأخرجه الترمذي, ج5, ص301, في مناقب علي, حديث رقم 3808. والنسائي في السنن, ج5, ص107, في ذكر منزلة علي. واحتار الشرّاح في الحديث, وتكلّف له النووي تأويلات باردة يمجّها الذوق العربي جداً, ولم يتعرضوا لبحث متعلّق أمر معاوية ما هو؟ فإنّ معاوية بماذا أمَرَ سعداً, فترتب عليه أن يسأله: " ما منعكَ أنْ تسب..", و يَحلُّ الغموض نصُّ الحديث في الرياض النضرة, ج3, ص152. " عن سعيدٍ قالَ: أمرَ معاويةُ سعداً أن يسبّ أبا تراب فقال: أما ما ذكرتُ.." هذا هو متعلّق الأمر الذي قام مسلم وجماعته بحذفه صيانة لوجه معاوية, ثم إنّ الدورقي في مسند سعد بن أبي وقاص, ص51. حذف الأسماء: " قال دخل سعد على رَجُل فقال: ما منعك أن تسّب أبا فلان..", فالتأويلات وحذف الأسماء وحذف متعلّق الأمر من الحديث كلها أدلة صارخة على أنَّ هؤلاء فهموا أنَّ معاوية أمر سعداً بالسبّ فأبى, فاحتاطوا للدفاع عن معاوية ليس إلا.

([160]) الجامع الأموي بدمشق كان أصله كنيسة للنصارى أخذ المسلمون نصفها منهم وصيّروها مسجداً, وأوّل من صلّى في هذا المكان أبو عبيدة بن الجرّاح, ثم صلى فيه بقية الصحابة, وقيل عائشة صلّت فيه أيضاً, فصار يعرف بمحراب الصحابة, ولم يكن فيه منبر, بل استحدث المنبر فيه عام 688هـ كما ذكره ابن كثير في البداية, ج13, ص469, أما نقش أسماء الخلفاء الاربعة فلم يذكره ابن كثير ولا ابن عساكر ولا حتى ابن بطوطة, وقد وصف المسجد بدقة في رحلته, أمّا كتابة أسماء الخلفاء فأوّل من فعلها العثمانيون عندما دخلوا الشام في أواسط القرن العاشر الهجري, وكذلك كتبوا أسماء الخلفاء في مسجد السلطان أحمد في اسطنبول وفي المسجد النبوي في المدينة, وأظنّ أن الوهابيين أزالوها.

([161]) قال التفتازاني في شرح العقائد النسفية, ص202: "وبالجملة لم ينقل عن السلف المجتهدين والعلماء الصالحين جواز اللعن على معاوية وأعوانه؛ لأنّ غاية أمرهم البغي والخروج عن طاعة الامام الحقّ وهو لا يوجب اللّعن.." لاحظ كيف يُتفّهون الحوادث الجمّة والبلايا العظيمة, كأنّ شقّ عصا الطاعة, وشقّ وحدة الأمّة, وتقاتُلَ الناس حتّى قيل إنّ عدد القتلى في صفين جاوز السبعين ألفاً من المسلمين وفيهم الصحابة المبشرون بالجنّة كعمّار، وتمزيق الدولة وايقاف عجلة التقدّم والتغيير التي قادها عليّ  عليه السلام , كلّ هذا لا يوجب اللعن على معاوية وأعوانه! [مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ].

([162]) شرح نهج البلاغة, ج14, ص36.

([163]) هذا الخبر صحيح مشهور أخرجه في أنساب الأشراف, ج3, ص49. والذرية الطاهرة للدولابي, ص104. والمستدرك على الصحيحين, ج3, ص170. وصححه الذهبي.

([164]) هذه جملة مشهورة عن الخليفة الثالث ولها روايات متعددة, منها في أنساب الأشراف, ج5, ص556: "ماكنتُ لأنزعَ قميصاً قمّصنيه الله" أو "سَربلنيه  الله". وكذا في, ج5, ص583. والطبري في تاريخه, ج3, ص405. والعثمانية, ص243. وتجارب الأمم, ج1, ص452. والمنتظم, ج5, ص57. والكامل, ج3, ص169. وتاريخ الذهبي, ج23, ص379.

([165]) سورة البقرة: الآية 286.

([166]) مقاتل الطالبيين, ص41. وانسلال عبيد الله بن العباس في ص42.

([167]) أخرجه ابن ماجة, ج1, ص659 بلفظ "وضع عن أمّتي" في كتاب الطلاق, باب طلاق
المكره والناسي. والبيهقي في السنن الكبرى, ج6, ص84. وبلفظ "رُفِعَ"؛ أخرجه السيوطي في الجامع الصغير, ج2, ص16. وفي كنز العمال, ج4, ص233.

([168]) البيتان من البسيط, لدعبل بن علي الخزاعي في ديوانه, ص85. والعقد الفريد, ج1, ص281. وشرح المقامات, ج1, ص351.

([169]) كشف الغمَّة في معرفة الأئمة, ج2, ص185. وعنى بـ(كمال الدين) محمد بن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول, ص349. فإنه قال: "اعترف له    - للحسن - معاويةُ على رؤوس الأشهاد.. فقال له: يا أبا محمّد لقد جُدْتَ بشيء لا تجودُ به أنفسُ الرجال، ولقد صَدَق معاوية.. وعَظُمَ ما أسداه الحسن  عليه السلام  جوداً وبذلا".

([170]) هذه الجملة من كلام الحسن  عليه السلام  مُختَلَفٌ في نصّها, وهذه بعض عبارة ابن طلحة في مطالب السؤول, ص358. وهي بخلافٍ طفيف لا يغير المعنى في أنساب الأشراف, ج3, ص43. والفتوح لابن اعثم ج4, ص287. وتنزيه الانبياء للشريف المرتضى ص224.

([171]) هذا الكلام منسوب للإمام الحسين  عليه السلام  نقله ابن الصبّاغ في الفصول المهمة, ج2, ص776. وسيأتي مزيد توضيح للمسألة في تحقيقنا لنصّ اللّمعة البهية آخر هذا الكتاب فانظره.

([172]) كشف الغمّة في معرفة الأئمّة, ج2, ص193. وقد أخرج كتاب الصُّلْح أيضاً ابن الصباغ في الفصول المهمّة, ج2, ص728. وأنساب الأشراف, ج3, ص41. وفي مطالب السؤول, ص357.

([173]) تاريخ الخلفاء, ص209، ص210.

([174]) مثل عربي: يضرب مثلاً تعرضُ فتشتغل عن غيرها, وأوّل من نطقه عَبيد بن الأبرص الشاعر, انظر جمهرة الأمثال, ج1, ص359.

([175]) أظنُّه جَدُّ السيّد طالب النقيب, فإنّ اسمه طالب بن رجب بن محمد سعيد الرفاعي ، ولم أعثر له على ترجمة.

([176]) سورة التوبة: الآية 74, وحاشية الشيخ البهائي على البيضاوي لم تطبع لحدّ الآن ولم نتمكن من الاطلاع عليها.

([177]) أنوار التنزيل وأسرار التأويل, ج5, ص83, تفسير سورة الشورى آية 36, وكذا الواحدي في تفسيره, ج2, ص966. والنسفي, ج4, ص104. والقرطبي الجامع لأحكام القرآن, ج16, ص35. والحديث عن عليّ انفرد البيضاوي بنقله ، وهو حديث مبتور بلا أسانيد تدعمه, ثم إنّ الآخرين قالوا نفس الكلام لكن لم ينسبوا الحديث لا لعليّ ولا لغيره.

([178]) البيت من البسيط للأخطل في ديوانه 84؛ جمهرة أشعار العرب, ص330؛ غريب الحديث لابن سلاّم, ج1, ص281.

([179]) سورة المائدة: الآية 3.

([180]) أخرجه أحمد في مسنده, ج3, ص384, مع اختلافٍ في اللفظ ، فليس فيه (جزيرة العرب), والحاكم في مستدركه, ج1, ص93. بلفظ (بأرضكم).

([181]) سورة الفتح: الآية 29.

([182]) سورة الحج: الآية 30.

([183]) سورة الفتح: الآية 18.

([184]) سورة التوبة: الآية 117.

([185]) سورة الحشر: الآية 8.

([186]) سورة التوبة: الآية 119.

([187]) سورة البقرة: الآية 218.

([188]) سورة آل عمران: الآية 172, 174.

([189]) سورة التوبة: الآية 100.

([190]) سورة النور: الآية 55.

([191]) كذا في تفسير الآلوسي, ج3, ص123, والمؤلّفُ ينقل منه, وفي الخرائج والجرائح, ج1, ص232: (ارجع على ظلعك) ومعناه: افعل بقدر ما تطيق ولا تحمل على نفسك اكثر مما تطيق, وارْبَع: من ربعت الحجر إذا رفعت, والظَلْعُ: العَرَج, ومعناه حرفياً: ارفع حجراً تطيقه مع عَرَجك.

([192]) كذا في الاصل.

([193]) سورة الحجر: الآية 47.

([194]) سورة الأعراف: الآية 43.

([195]) سورة الحشر: الآية 8.

([196]) سورة الحشر: الآية 9.

([197]) سورة الحشر: الآية 10.

([198]) سورة الحشر: الآية 8.

([199]) سورة الحشر: الآية 9.

([200]) سورة الحشر: الآية 10.

([201]) سورة المستدرك على الصحيحين, ج2, ص484.

([202]) سورة الاحزاب: الآية 33.

([203]) سورة الشورى: الآية 23.

([204]) سنن الترمذي, ج5, ص328, مناقب أهل بيت النبي, رقم الحديث 3874.

([205]) سنن الترمذي, ج5, ص328, ص329, مناقب أهل البيت, حديث رقم 3876.

([206]) سورة محمّد: الآية 22, 23.

([207]) سورة الاحزاب: الآية 57.

([208]) هذه الجمل بين المعقوفين من كلام ناشر الطبعة الأولى للصولة, فإنّه لم يُرِدْ نقل كل أبيات

 المنظومتين واكتفى بذكر البيت الأول منهما فقط.

([209]) لم أعثر على هذا القول منسوباً لعليٍّ بهذا اللفظ, لكن على فرض وقوعه منه  عليه السلام  فإنه لمّا رأى مقاتل أصحاب رسول الله ومقاتل شيعته, ولمّا رأى خروج بعض الصحابة عليه, وتفرّق حال المسلمين, وتمزّق دولتهم الفتية حقّ له أن يتمَّنى الموتَ ولا يرى هذا الحال, ولم يتَمنّ الموتَ ندماً ممّا جرى كما يحاول المؤلف – الراوي- تصوير المسألة. ثم إنّي عثرت على ندمٍ لعائشة وتمنّيها الموت في دلائل النبوّة للبيهقي, ج6, ص412 بلفظٍ مقارب جداً لهذا اللفظ. وكذا لم أعثر على مصدر نقله إنّ الامام صلّى على قتلى أصحاب الجمل, كيف وقد ماتوا وهم بُغاة!

([210]) لم أعثر عليه.

([211]) كذا في الأصل, والجملة مبتورة ربما تمامها (إلا ما يحدث بين الام وولدها) بقرينة ما ذكره سابقاَ, ولم أعثر على مصدر له أيضاً.

([212]) نزهة الأنام في محاسن الشام لأبي البقاء البدري, ص25, منشورات دار الرائد العربي بيروت ط الاولى 1980م. وقد تقدّم منّا إن محراب الصحابة سُمّي بسبب صلاة الصحابة فيه لا بسبب الكتابة, وهذا توهّمُ من المؤلف ليس أكثر. وقوله: (لا قيمة لها) يعني: لا تقدر بثمن.

([213]) كذا في المخطوط, والجملة غير مرتبطة بما قبلها, بل في صياغتها خدش لا يخفى.

([214]) الذريّة الطاهرة النبويّة, محمّد بن أحمد الدولابي ص 104. وفي أنساب الأشراف, ج3, ص49.

([215]) هذه الجملة نقلها ابن الصباغ في الفصول المهمّة, ج2, ص776. ثم إنّ المؤلّف الراوي نعت صاحب الفصول بأنه من أكابر علماء الشيعة, وهذا جهلٌ بحقيقة الحال وعدم معرفة صاحب الفصول أصلاً ، فإنه علي بن عبد الله المكي المالكي, المشهور بابن الصبّاغ (784-855هـ), وبمراجعة بسيطة لترجمته في الضوء اللامع للسخاوي تعرف أنّه لم يكن شيعياً خصوصاً وأنّ السخّاوي كان تلميذاً من تلاميذه فانظر الضوء اللامع, ج5, ص283, طبع مصر. وقد نقلها الإربلي في كشف الغمّة من أبي مخنف مع أبيات تنسب للإمام الحسين يُظهر فيها كراهته للصّلح, ثم شكّكَ في الرواية وقال: (إن صحّ أن هذه..) ثمّ حملها على محمل آخر.. وعلى أيّ حال لم أعثر عليها في أيّ كتاب غيرهما, وكذلك لم يذكرا لنا في أيّ كتاب من كتبٍ أبي مخنف, وقد نقل الطبري حوادث كثيرة عن كتب أبي مخنف, فعدم نقله لها مع خطورتها طعنٌ في صحتها بل في وجودها في كتب أبي مخنف, فإنّ غالب كتب أبي مخنف ضاعت وجرى عليها تحريف خطير كثير.

([216]) أخرجه البخاري, ج3, ص169. في كتاب الصلح, باب قول النبيّ للحسن. وسنن أبي داود, ج2, ص405. كتاب السنّة باب ما يدلّ على ترك الكلام في الفتنة حديث 4662. وسنن الترمذي, ج5, ص323. مناقب الامام الحسن باب, ص108. وسنن النسائي, ج3, ص107. كتاب السهو, باب مخاطبة الامام رعّيته وهو على المنبر.

 

الأمّة من المنازعات والانتقادات والاختلافات, حتى أنّها صُبغَتْ بأطوارٍ سياسية, لاسيّما في حُكوماتِ سلاطين بني عثمان, وإيران, وصبغت بمظاهر دينية, ولم تزل الى الآن الانتقاداتُ الدينية بتآليف تعصبية, تستهجنها وتمجّها عقولُ العلماء المنصفين.

ثم إنّ ماذكرته في هذه الرسالة هو ما كان عليه عليّ  عليه السلام والصحابة الكرام, وهو حالُ صدر الاسلام, وأحيلُ ما جَرَى من الانتقادات بعد ذلك الى سيرة عليّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه), وحاله مع إخوانه الصّحابة الكرام, فليحكم المنصف من الفريقين بنصوصِ تلكَ السّيرة العلويّة.

ولم أتعرَّض لما يحتجّ به الفريقان من إثبات الخلافة وغيرها؛ لأنّ القصد من هذه الرسالة أنْ يكون الفريقان اللذان هما السّوادُ الأعظم في المسلمين أنْ يأخذ كل منهم ما صفا, ويدع ما كدر, وأنْ يقوم العلماء الأعلام ومشايخ الإسلام في لمّ شعثِ الملّة الإسلامية, التي شتّتها الأغراض والأهواء, بعد ما كانت كالجسم الواحد الذي إذا اشتكى بعضه اشتكى كلُّه, فإنّ الدين واحد, والرسول واحد, والقرآن واحد, والقبلة واحدة.

والمرجُوّ من علماء الفريقين أنْ يقوموا بإرشاد الطبقة المنحطّة, بترك الانتقادات, ولاسيّما العلماء الأعلام من الشيعة بإرشاد تلك الطبقة بترك السّباب وسوء الألقاب بحقّ الأصحاب, وعند ذلك تلتئمُ الجروحُ التي
 وَقَعَتْ في جسمِ الإسلام الواحد والله الموفّق والمعين.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD