هذا هو

الجزء الأول

من كتاب

هدى المتقين

إلى شريعة سيد المرسلين

قد لخص من كتاب

هداية الأنام

للشيخ العالم الفقيه الاتقى

الهادي بن العباس من آل الشيخ الأكبر

الشيخ جعفر كاشف الغطاء 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)

صدق الله العلي العظيم

( هدى المتقين )

يا طالب الحق بلا مرية
كن واثقاً أنك لا تهتدي
 

 

وتابعاً شرع النبي الأمين
للحق إلا بـــ ( هدى المتقين )
 

 

 

قد اختصر هذا من كتاب الهداية للفقير إلى عفو ربه

الراجي صون نفسه ومخالفة هواه وحفظ دينه

و إطاعة مولاه : الهادي بن العباس بن علي

نجل الشيخ الأكبر الشيخ جعفر

صاحب كشف الغطاء

نورّ الله مرقده

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف

بعد الحمد لوليه ومستحقه و الصلاة على اشرف خلقه وعترته الأمناء و آله الأصفياء ، فاعلم أن هذه الرسالة قد تكفلت ببيان ما يهمك ويكثر به ابتلاؤك من الفرائض الدينية و الأحكام الشرعية و أرجو أنك إن أخذت بها وعملت عليها كنت إن شاء الله على ثقة من أمرك ويقين من فراغك و الله الموفق و المعين وبيان ذلك في مقدمة و مقاصد وخاتمة ، أما المقدمة ففيما يجب عند البلوغ المتحقق بإنبات الشعر الخشن على العانة أو الاحتلام أو إكمال خمس عشرة سنة من العمر للذكر و إكمال تسع سنين للأنثى فإنهما إذا أكملا هذه المدة ودخلا في أو السادسة عشرة أو العاشرة أو تحقق بلوغهما قبل ذلك ببعض العلامات الأخر وجب عليهما أمور " الأول "تحصيل الاعتقاد واليقين بأصول الدين وهو أهم التكاليف وتحصيله مقدم على جميع الواجبات ولا يكفى الظن عنه ولا التقليد و أصول الدين هي التوحيد والنبوة والمعاد الجسماني ويقال لهذه الثلاثة أصول الإسلام والعدل و الإمامة  ويقال للجميع أصول الإيمان "الثاني " تقليد المجتهد العادل الجامع للشرائط فيما يجب فيه التقليد من أحكام الدين التي لا يجب فيها تحصيل العلم واليقين ونحوها أو العمل بالاحتياط فيما يمكن فيه الاحتياط مع العلم بطريقه وعدم وقوعه في خلافه من جهة أخرى و أما طريق اخذ المسائل من المجتهد فهو أما بالسماع منه شفاها أو بنقل عادلين أو عدل واحد مع الاطمئنان والوثوق بخبره أو بما يجده في إحدى رسائله العملية المصححة إذا كان ممن يفهمها " الثالث " يجب عليه ان يأتي بما عليه من الاغسال التي أوجد سببها قبل البلوغ كمسّ ميت أو جنابة إلا ان يكون مميزّاً أو قد أتى بها صحيحة وان كان الاحوط الإعادة بعد البلوغ فلو لم يأتِ بالغسل أصلا لم تصح صلاته ولا غيرها من عباداته المشروطة بالطهارة حتى يغتسل ولو لمسّ آخر أو جنابة أخرى ويجب عليه الختان وتصح صلاته لو تركه و يأثم مع إمكانه وإن كان وليا وجب عليه ان يأتي بما تحمله من الصلاة والصيام على الاحوط ان لم يكن أقوى على التفصيل المذكور في محله" الرابع" يجب عليه تفريغ ذّمته مما اشتغلت به من الحقوق التي تلزم بإيجاد سببها من غير دخل فيها للبلوغ والعلم والجهل والعمد والسهو والاختيار والاضطرار فإن ملاحظة ذلك من الأمور المهمة التي لم يلتفت إليها اكثر الناس بعد البلوغ ولا ينحصر أمر اشتغال الذمة بما سرقه أو غصبه أو أتلفه بأكل أو شرب أو إحراق أو نحوها فانه ربما رمى شيئا فاصاب إنسانا أو حيوانا محترماً أو إناءاً أو زجاج نافذة أو غيرها وربما جعل معاثر في الطريق فحصل بسببها إتلاف ما يجب ضمانه أو سبب إتلافه بغير ذلك بلا وجه مشروع وان كان غفلة أو خطأ فإن جميع ذلك يجب عليه تفريغ ذمته منه كما انه يلزم عليه ملاحظة ما جرى بينه وبين الصبيان من الأخذ والعطاء والبيع والشراء ونحوها  "الخامس" يجب عليه تعلم كيفية الطهارة من الحدث والخبث وكيفية الصلاة ومعرفة أفعالها وحفظ أقوالها و أحكامها وشرائطها ومعرفة أحكام ما يبتلى به من العبادات والمعاملات وغيرهما فالشخص العاقل الملتفت إذا بلغ بالسن أو بالاحتلام أو غيرهما بعد طلوع الشمس مثلا فبعد تحصيل الاعتقاد بأصول الدين و الإيمان  والولاء لأولياء الله الذي لا يقبل عمل من الأعمال بدونه يتعلم أحكام الطهارة والصلاة بقدر الحاجة طبق فتوى مقلده إذا كان ذلك الشخص صحيحاً يظن بقاؤه على صفة المكلفين إلى الزوال وكان بحيث لو صبر إلى الزوال لم يتسع له الوقت للتعلم والعمل فإذا كان كذلك كان الاحوط ان لم يكن الأقوى وجوب المبادرة إلى التعلم وهكذا بالنسبة إلى بقية الصلوات فإذا بقى حيا إلى شهر رمضان وجب عليه تعلم أحكامه وهكذا بالنسبة إلى محل الابتلاء من أحكام جميع الأفعال التي هي فرض عين و أما التروك فتجب بحسب ما يتجدد من الأحوال وهي تختلف بحسب حال الأشخاص وابتلائهم بها( أما) الاعتقادات فكلما خطر له شك في شيء منها وجب عليه تعلم ما يتوصل به إلى إزالته وتحصيل الاعتقاد به باطنا والتدين ظاهراً (و أما ) المعاملات فتلزمه أيضاً معرفة أحكام ما يحتاج إليه منها كما لو كان تاجراً فانه يجب عليه ان يتفقه في ذلك لتصح معاملاته ويسلم من الربا ونحوه وكما لو كان أجيراً فانه يجب عليه ان يتعلم ما يحتاجه من أحكام الإجارة وهكذا بقية المكاسب والمعاملات والعقود لابد من اخذ أحكامها ممن يقلده فلا يوقع معاملة ولا عقد نكاح دائم أو منقطع بدون معرفة العقد وتعلم أحكامه فلا يدخل في شيء من ذلك بدون مستند شرعي وان صح لو بان مطابقاً للواقع و أما بعض المعاملات والمكاسب المعلومة التي هي من الضرريات فلا يحتاج فيها إلى التقليد(و أما) المقاصد فهي أربعة :

 

المقصد الأول

في العبادات المعلومة بالضرورة من دين النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   وهي بدنية ومالية وما جمعت الأمرين وشرائط التكليف بها البلوغ والعقل والقدرة وشرائط صحتها الإسلام و الإيمان و الإخلاص فيها ونية التقرب بها ويثبت الإيمان بعد الاعتقاد بالأصول الثلاثة بالاعتراف بالعدل و الإمامة وهي الرياسة العامة لأمير المؤمنين  عليه السلام و أبنائه المعصومين من الحسن عليه السلام إلى ابن الحسن إمام الزمان أرواح العالم فداه ولا يكفي التقليد ولا الظن ولا بد من معرفة صحة العمل أما بالاجتهاد أو بالتقليد للمجتهد الحي العدل الصائن لنفسه الحافظ لدينه المخالف لهواه المطيع لأمر مولاه الأعلم مع الإمكان و الاختلاف في الفتوى أو بالاحتياط مع إمكانه و معرفته اجتهاداً أو تقليداً أو الكلام على المهم من العبادات بأقسامها يذكر في كتب .

كتاب الصلاة

وهي واجبة ومندوبة و الواجبة أقسام أهمها الصلاة اليومية وهي واجبة بالضرورة من الدين ومستحل تركها من الكافرين وهي أول ما يحاسب عليه العبد و أول ما يسأل عنه بعد المعرفة فإن قبلت قبل ما سواها و ان ردّت رد ما سواها وقد ورد انه ما بين المسلم وبين أن يكفر إلا أن يترك الصلاة الفريضة متعمداً أو يتهاون بها فلا يصليها و المفروض من الصلاة في اليوم و الليلة على كل بالغ عاقل متمكن من أحد الطهورين إلا المرأة في حال الحيض أو النفاس سبع عشرة ركعة في الحضر وعدم الخوف و إحدى عشرة ركعة في السفر أو الخوف الموجب لذلك فلكل من الظهر و العصر و العشاء أربع ركعات وفي السفر وما بحكمه ركعتان وللمغرب ثلاث ركعات مطلقاً وللصبح كذلك ركعتان ( و أما النوافل الراتبة اليومية ) فهي لمن لم يقصر الصلاة مثلاً عدد الفرائض أربع وثلاثين مثنى مثنى إلا الوتر فواحدة من قيام و إلا الوتيرة فركعتان من جلوس تعدان بركعة واحدة فجملة الفرائض و النوافل في اليوم و الليلة إحدى  وخمسون للصبح من النوافل ركعتان قبلها و للمغرب أربع بعدها ثابتة حظراً وسفراً و كذا صلاة الليل وهي ثمان ركعات نافلة الليل و ركعتان للشفع و ركعة واحدة للوتر فهذه سبع عشرة ركعة لا تسقط في السفر وللظهر في الحظر ثمان ركعات قبلها وللعصر كذلك وللعشاء الركعتان . ثم ان استيفاء المرام مما يتعلق بالصلاة من شروطها و أحكامها وباقي أقسامها يقع في أبواب ثمانية :

الباب الأول في مقدمات الصلاة وشروطها

في مقدمات الصلاة و شروطها بعد تحصيل المعارف الخمسة على النحو المعتبر و بعد معرفة ما يجب في الصلاة من الأقوال و الأفعال و الشروط بالاجتهاد إن كان من أهله أو بالتقليد لأهله وهي سبع :

الأولى  الطهارة من الحدثين الأصغر و الأكبر ومن النجاسات العشر إلا ما يعفى عنه

و تفصيل هذه الجملة في مقامين :

المقام الأول في الطهارة من الحدثين  

و هي استعمال طهور على وجه مخصوص مشروط بالنية و هي كبرى وصغرى و الكلام عليها يقع في مباحث وفي كل من المباحث فصول :

المبحث الأول في الطهارة من الحدث الأصغر

( فصل )  في الطهارة من الحدث الأصغر فقط وهي تحصل بالوضوء أو التيمم وموجبات الوضوء هي البول وما بحكمه و الغائط و الريح و النوم الغالب على السمع و البصر ولو تقديراً كما في الأصم و الأعمى ومزيل العقل وما بحكمه كالجنون و الإغماء و السكر و قليل الاستحاضة وهو ما  لا يغمس القطنة وموجباته مع الغسل هي موجبات الغسل الآتية إلا الجنابة فإنها من نواقضه ولا تجوز الصلاة مطلقاً ولا الطواف الواجب ولا مس كتابة المصحف و أسماء الله تعالى و الأسماء المحترمة إلا بالوضوء أو الغسل أو التيمم ولا تصح الصلاة و لا الطواف الواجب بغير طهارة ويحرم مس المصحف بدونها .

( فصل ) في واجبات الوضوء وهي أمور ( الأول ) النية مقارنة لابتداء غسل الوجه بمعنى وقوعه عن النية التي هي القصد إلى الفعل المخصوص على وجه التقرب إلى الله تعالى و يجب استمرار النية ولو حكماً إلى الفراغ . ( الثاني ) غسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى منتهى الذقن طولاً وما حواه الإبهام و الإصبع الوسطى  عرضاً و يجب البدئه من الأعلى وما خرج عن العادة في كبر الوجه وصغره وطول الأصابع وقصرها يرجع إلى مستوى الخلقة و لا يجب غسل فاضل اللحية ولا تخليل الشعر الكثيف ولو منع الخفيف وهو الذي ترى البشرة من خلاله من وصول الماء وجب تخليله . ( الثالث ) غسل اليدين من المرفقين إلى رؤوس الأصابع مبتدءاً باليمنى

 

ولو كان عليهما ما يمنع من وصول الماء إلى البشرة وجب إيصال الماء إلى ما تحته من غير فرق في الشعر هنا بين الخفيف و الكثيف وكذا يجب غسل ما تحت المرفق من يد زائدة أو إصبع زائدة أو لحم نابت . ( الرابع ) مسح بشرة شيء من مقدم الرأس إلى شعره الذي لا يخرج بمده عن حده ببقية بلل الوضوء بمسمى المسح بباطن الكف اليمنى على الاحوط ويستحب أن يكون بقدر ثلاث أصابع مضمومة عرضاً ويجزي المسح مقبلاً ومدبراً على كراهة و الاحوط الاقتصار على الأول . ( الخامس ) مسح بشرة الرجلين بباطن الكفين من رؤوس الأصابع إلى اصل الساق على الاحوط بما صدق عليه الاسم و الاحوط أن لا يقدم اليسرى على اليمنى بل الأولى البدئه باليمنى احتياطاً ولا يجوز مسحهما بيد واحدة ويجوز مسح اليمنى باليد اليسرى و مسح اليسرى باليد اليمنى ويجب أن يكون المسح بالبلل المتخلف على أعضاء الوضوء ولا ينحصر على بلل اليدين بل يجوز أخذه من غيرهما من أعضاء الوضوء و إن كان الاحوط المسح بما بقي في يده من نداوة الوضوء ومع جفافه يأخذ من المتخلف على باقي الأعضاء فلو مسح بماء مستأنف بطل وكذا في مسح الرأس ولا يجوز النكس في مسح الرجلين . (السادس)  الترتيب كما ذكر فيبدأ بالنية ثم بغسل الوجه تماماً ثم باليد اليمنى ثم باليسرى ثم بمسح الرأس ثم بمسح الرجل اليمنى ثم اليسرى . ( السابع ) المتابعة بين هذه الأفعال بحيث لا يجف البلل عن السابق من الأعضاء قبل غسل اللاحق منها ومع تعذرها أو تعذر المسح بالبلل المتخلف لشدة حرارة الهواء أو حرارة الأعضاء أو قلة الماء ينتقل إلى التيمم و الاحوط الجمع بينه و بين الوضوء مع تجديد ماء للمسح لو تعذر المسح ببلة الوضوء . ( الثامن ) مباشرة الغسل و المسح بنفسه مع الإمكان فلو وضأه غيره بطل ولو تولى الغير بعض الأفعال بطل خاصة إلا مع فوات المتابعة المذكورة فيبطل الجميع أيضاً . ( التاسع ) ان يكون الماء طاهراً في نفسه مطهراً لغيره . (العاشر) ان يكون الماء مما يباح له استعماله فلو كان مغصوباً بطل الوضوء مع العمل بالغصب وإن جهل التحريم و البطلان ولا يبطل مع الجهل بأصل الغصب ولو علم به بعد غسل الأعضاء فلا يبعد جواز المسح بما بقي من البلل كما انه لا يمنع من الصلاة مع مصاحبته وإن كان الاحوط خلاف ذلك فيهما ومن المغصوب الماء المستخرج من ارض مغصوبة أو من بئر كذلك إلا مع عدم تابعيته لهما لا ما استخرج بآلة مغصوبة ولو كان مما لا يباح له استعماله لمرض أو خوف عطش على نفسه أو محترم فتوضأ به و الحالة هذه لم يصح . ( الحادي عشر ) طهارة الأعضاء المغسولة و الممسوحة من النجاسة قبل الوضوء . ( الثاني عشر ) إباحة المكان  الذي يتوضأ فيه فلو توضأ في مكان مغصوب عالماً بالغصب مختاراً بطل وكذا يعتبر إباحة استعمال الآنية التي يتوضأ منها شرعاً ومتى استلزم وضوءه تصرفاً محّرماً بطل.

( فصل ) مستدام الحدث كالمسلوس و المبطون و المستحاضة يتوضأ لكل صلاة بعد تطهير المحل ووضع الحفيظة الطاهرة ويبادر إلى الصلاة بلا فصل ولو كانت لهم فترة تسع الطهارة و الصلاة انتظروها بل الاحوط لهم تحرّي الوقت الذي يكون خروج الحدث فيه اقل ( و أما ) الأقطع فإن بقي من محل الغسل أو المسح شيء غسله أو مسحه ولو زال بتمامه كما لو قطعت يداه من فوق المرفق وقدماه من فوق الكعب سقط الغسل و المسح و الحاصل ان حكم الباقي من الأعضاء غسلاً كان أو مسحاً ان تمكن منه تولاه بنفسه و إلا التمس ولو بأجرة لا تضر بحاله من ينوب عنه فيما عجز عنه ولو كان في مواضع الغسل أو المسح جبيرة يعسر عليه إزالتها أو يضرّه حلها ولا يمكن إيصال الماء إلى ما تحتها لا بالإجراء ولا بالوضع في الماء لخوف الضرر أو تعسر إزالة النجاسة مسح برطوبة اليد عليها ولو كانت على الماسح مسح ببلتها وعصابة الجرح و القرح كالجبيرة ولو كانا مكشوفين ولا يتمكن من غسلهما أو مسحهما لذلك جعل عليهما عصابة وصنع بها ما مرّ و أما الدواء و اللطوخ وما التصق بالموضع مما لا يمكن إزالته فيجري عليه حكم الجبائر وإن كان الاحوط الجمع بينه وبين التيمم ولو كانت الجبيرة ونحوها نجسة ولا يمكن رفعها وضع خرقة على الموضع طاهرة ومسح عليها ولا يجري حكم الجبيرة في الرمد ووجع الأعضاء مع التضرر بالماء بل يتعين التيمم و الاحوط الجمع بينه وبين وضوء الجبائر .

 

( فصل ) من شك في الوضوء بعد فراغه منه لم يلتفت بل يبنى على وقوع ما شك فيه ولو عرض له الشك في شيء من أفعاله وهو في أثنائه عاد على المشكوك فيه وما بعده ويعمل على ما يتقنه من الطهارة أو الحدث فيما لو شك في أحدهما وتيقن الآخر .

المبحث الثاني في الطهارة من الحدث الأكبر

وهي لا تحصل إلا بالغسل منفرداً أو منضماً إليه الوضوء وموجب الغسل وحده هي الجنابة وما بحكمها لا غير وموجبه مع الوضوء أربعة الحيض و النفاس و الاستحاضة بقسميها الكبرى و الوسطى بالنسبة إلى كل صلاة يتقدمها الغسل و مس الأموات من الناس بعد البرد وقبل التطهير فهذه الأمور توجب الطهارتين الصغرى و الكبرى وما تقدم ذكره من الأحداث في الوضوء ينقض الطهارة الصغرى ويوجبها عند وجوب مشروط بها ولا ناقض سواها ولا يحكم بشيء منها إلا مع العلم فلو خرج ريح لا يعلم انه من المعدة أو خرج من أحد المخرجين شيء من رطوبة أو دم أو حصاة ونحوها مما لا يسمى بولاً أو منياً أو غائطاً لم يكن ناقضاً ما لم يكن مستصحباً لشيء من النواقض نعم البلل الخارج من الذكر قبل الاستبراء المشكوك أنه بول أو مني محكوم بكونه بولاً أو منياً .

( فصل ) في واجبات الغسل وهي النية كما مرّ مقارنة لجزء من الرأس في الغسل الترتيبي ولجزء من البدن في الغسل الارتماسي مستدامة الحكم إلى تمام الغسل والمباشرة بنفسه اختياراً وغير ذلك من الواجبات التي مر ذكرها في الوضوء عدا الترتيب فيما لو كان الغسل ارتماسياً وعدا الموالاة و المتابعة فإنها ليست بشرط في الغسل فيصح الغسل ترتيباً بدونها ويجب تخليل الشعر المانع من وصول الماء إلى البشرة من غير فرق بين الشعر الخفيف و الكثيف و لا يجب غسل الشعر نفسه بالأصالة ولا نقض ضفائر الشعر إلا أن يتوقف عليه غسل البشرة ولو تخلل الحدث الأصغر في أثنائه فالاحوط إعادته و الوضوء بعده .

( فصل ) وللغسل كيفيتان ترتيب و ارتماس ( أما الأول ) فهو أن ينوي الغسل بعد تطهير بدنه من النجاسة ليجري ماء الغسل على محل طاهر ويغسل رأسه بتمامه إلى اسفل الرقبة مدخلاً معها شيئاً من البدن من باب المقدمة العلمية ولا يكتفي بغسل الشعر عن غسل البشرة ثم يغسل شقه الأيمن من الكتف إلى اسفل القدم ويغسل معه شيئاً مما اتصل به من الرقبة و الجانب الأيسر ثم يغسل شقه الأيسر كذلك و الاحوط غسل تمام السرة و العورة وهي القبل وحلقة الدبر مع الجانب الأيمن و الجانب الأيسر ولا بد من استيعاب بشرة كل عضو من الثلاثة بالغسل و الأفضل تثليث الغسلات و الترتيب افضل من الارتماس وله كيفيات مرجعها إلى غسل كل عضو من الأعضاء الثلاثة بعد الآخر . ( و أما الثاني ) فهو عبارة عن اشتمال الماء على تمام البدن دفعة واحدة عرفية بحيث يقال انه ارتمس في الماء دفعة واحدة ولا يجب خروجه من الماء لو كان إلى الساق أو إلى الركبة وإن كان الأولى خروج جميع البدن سيما إذا كان الماء إلى الصدر أو تحريك إحدى رجليه عند إرادة الارتماس و يتبعها بحركة ثانية بلا فصل معتد به ويمكن حصول الغسل الارتماسي لو كان جميع بدنه تحت الماء وحركه تحت الماء بقصد الغسل أو نواه بالخروج منه إلا ان الاحوط ما قدمناه أولاً .

( فصل ) سبب الجنابة أمران خروج المني وما بحكمه أو غيبوبة الحشفة و ما بحكمها في القبل أو الدبر ولا يرتفع حدث الجنابة إلا بالغسل بإحدى الكيفيتين المتقدمتين والذي يتوقف على الغسل المذكور أمور ( الأول ) الطواف الواجب و أما المستحب فلا يتوقف عليه إلا انه لا يمكن التوصل إليه إلا بالغسل فلو غفل عن كونه جنباً ودخل المسجد وطاف طوافاً مستحباً صحّ . ( الثاني ) الصلاة مطلقاً و أجزائها المنسية و ركعاتها الاحتياطية وسجود السهو ، ( و أما ) صلاة الجنائز وسجود الشكر و التلاوة فلا .( الثالث ) الصوم و التفصيل في محله . ( الرابع ) مسّ أسمائه تعالى وكتابة المصحف الشريف و الأسماء المحترمة . ( الخامس ) اللبث في المساجد و المشاهد و لا بأس بالاجتياز إلا في المسجدين . ( السادس ) وضع شيء فيها . ( السابع ) قراءة شيء من سور العزائم الأربع مطلقاً على الاحوط وهي الم تنزيل وحم فصلت و النجم و إقرأ وفي المشترك يتبع القصد .

 

( فصل ) خروج دم الحيض حدث اكبر موجب للغسل يحرم معه دخول الحائض في كل عبادة مشروطة بالطهارة كالصلاة و الصوم و لا تصح منها لو فعلتها وهو في الأغلب اسود أو احمر يخرج بقوة ولذع وقلّما يكون بخلاف ذلك وما تراه المرأة قبل التسع مطلقاً أو بعد الخمسين إذا كانت غير قرشية وبعد الستين إذا كانت قرشية فليس بحيض و المرأة إذا رأت الدم مرتين في وقت واحد وعدد واحد كما لو رأته في أول شهر خمسة أيام ثم رأته في أول الشهر الثاني كذلك صارت ذات عادة وقتية عددية وإن اختلف في العدد فقط كانت ذات عادة وقتية لا غير وإن اتفق عدداً و اختلف وقتاً كأول الشهر و آخره كان ذات عادة عددية لا غير و لو حصلت لها عادة بخلاف الأولى كان المدار على الثانية وذات العادة الوقتية مطلقاً تترك العبادة بمجرد رؤية الدم في المرة الثالثة . ( و أما ) صاحبة العادة العددية فلا تتركها إلا إذا رأته بصفة دم الحيض ولو لم يكن بصفة دم الحيض فلا تتحيض بمجرد رؤيته بل تحتاط بالجمع بين الإتيان بأعمال المستحاضة وبين تروك الحائض إلى أن تمضي ثلاثة أيام أو ينكشف لها الحال و اقل أيام الحيض ثلاثة و أكثرها عشرة لا ينقص ولا يزيد عن ذلك ويكفي في بقاء حدثيته وجوده في الباطن بمعنى إنها متى  أرسلت قطنة وصبرت يسيراً و أخرجتها خرجت ملطخة بالدم و ان لم يبرز الدم إلى خارج الرحم و اقل الطهر عشرة أيام و يجتمع مع الحمل و لو رأت الدم ثلاثة أيام متفرقة في جملة العشرة فالاحوط مراعاة حكم الحيض في الجميع و يحرم على زوجها وطؤها في القبل و اجتناب الوطئ مطلقاً ولو عصى فوطأها في القبل فعليه الكفارة ولا كفارة عليها و إنما تأثم لو طاوعته فإن كان الوطئ في أول الحيض فعليه دينار وهو ثمانية عشر حبة من الذهب الخالص و ان كان في وسطه فنصف دينار وإن كان في آخره فربعه و هو أربع حبات ونصف و تجزى القيمة ومصرفها الفقراء ولا تسقط الكفارة بالتوبة و العاجز عنها ينوي التوبة ويتوقع القدرة و السعة ويجوز وطأها بعد نقائها قبل الغسل على كراهة وتخف الكراهة بغسل القبل وهي مصدّقة لو أخبرت بحيضها أو نقائها ويحرم عليها ما يحرم على الجنب ويكره لها الخضاب .

( فصل ) في دم النفاس وهو الدم الخارج وقت الولادة مصاحباً لخروج المولود ولو كان علقة أو بعده إلى عشرة أيام أو في الوقتين معاً وما تراه قبل الولادة حال الطلق فليس بنفاس فتجب معه الصلاة ولا حد لأقله و أكثره عشرة ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط إلى ثمانية عشر يوماً ويجب الغسل عليها عند النقاء أو بعد تجاوز العشرة وتقضي الصوم دون الصلاة ولا يصح طلاقها كالحائض و على زوجها لو وطأها في القبل عالماً عامداً كفارة الوطئ في الحيض .

( فصل ) في دم الاستحاضة وهو في الغالب اصفر بارد رقيق لا حد لقليله ولا لكثيره ولا لأقل الطهر منه فيمكن أن يكون بين الاستحاضتين اقل من عشرة أيام و اكثر منها وهي أقسام ثلاثة قليلة وهي ما لوّث دمها القطنة ولو بمقدار قطرة أو اقل ومتوسطة وهي التي يغمس دمها القطنة ولا يسيل فإن سال فهي الكثيرة ويلزمها في الأقسام الثلاثة الوضوء لكل صلاة فلا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد و تبديل القطنة و الخرقة إذا أصابها الدم أو تطهيرها وفي القسم الثاني يلزمها مع ذلك غسل لصلاة الصبح قبل الوضوء أو بعده وإن طرأ الدم بعد ذلك اغتسلت للظهرين وإن طرأ بعدهما اغتسلت للعشائين و إلا فلا يلزمها إلا الغسل لصلاة الغداة وفي القسم الثالث مع ذلك غسلان غسل للظهرين تجمع بينهما وغسل للعشائين كذلك وغسلها كغسل الحائض و إذا فعلت ما قلنا صارت بحكم الطاهر .

( فصل ) مس الميت من الناس بعد برده وقبل غسله ومس القطنة المبانة منه أو من الحي مع اشتمالها على العظم موجب لغسل الماس مع صدق المس ولو بالأظفر إلا الشعر ماساً وممسوساً ولو خلت القطنة من العظم أو كان الميت غير ادمي غسل يده مع الرطوبة خاصة ولا غسل بمس الشهيد ولا بمس من قدم غسله قبل قتله ويجب الوضوء له مع الغسل للصلاة و الطواف الواجب ومس الكتاب الشريف ولا يتوقف عليه الصوم ولا المكث في المساجد ولا الجواز في المسجدين فالمس بمنزلة الحدث الأصغر في ذلك وبمنزلة الحدث الأكبر في عدم ارتفاعه إلا بالغسل و الوضوء .

 

( إكمال ) إذا اجتمع على المكلف أغسال  واجبة كفى عنها غسل واحد ينويه عن الجميع إجمالاً أو تفصيلاً ولا يحتاج إلى الوضوء لو كان فيها جنابة وكذا لو نوى رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو كان فيها غسل جنابة ونواه ولو كانت الاغسال بعضها واجباً وبعضها مستحباً ونوى الجميع أجزأ عنها غسل واحد ولو كانت مستحبة فقط أجزأ عنها أيضاً غسل واحد ينويه عن الجميع ولو قصد البعض أجزأ عما قصده ولو اغتسل بقصد القربة من دون تعيين لأحدها لم يجزِ ه .

( تتمة ) قيل بوجوب نوعين من الغسل ( الأول ) غسل المولود ذكراً كان أو أنثى و الأصح استحبابه ووقته من حين الولادة إلى آخر أيامها عرفاً وذلك بعد تطهير بدنه من الاخباث ويكفي فيه الغسل الارتماسي . ( الثاني ) في غسل الذّمية من الحيض بناء على اشتراطه في إباحة الوطئ بأمر مولاها أو زوجها المسلم على القول بجواز نكاحها مطلقاً أو خصوص المنقطع منه و الأقوى عدم توقف وطئها على الطهارة بل يكفي فيه طهرها من الحيض كالمخالفة إذا قلنا ببطلان عباداتها و الجاهلة بكيفية الغسل وشرائطه حيث لا يمكن حمل فعلها على الصحة ولو قلنا بتوقف وطئها على الغسل فكفاية الغسل الصوري محل إشكال .

 خاتمة

 في الاغسال المندوبة و أهم الزمانية منها غسل يوم الجمعة و استحبابه مؤكد بل لا ينبغي تركه للرجال مطلقاً و للنساء في الحضر وقد ورد انه لا يتركه إلا فاسق  ووقته من الفجر الثاني إلى الزوال وكلما قرب منه كان افضل ويستحب الدعاء عنده بالمأثور ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن يخاف اعواز الماء بل لمن يخاف عدم المكنة منه يوم الجمعة ولو فاته قبل الزوال أتى به بعده بنية القربة المطلقة ولو لم يتمكن منه في يوم الجمعة قضاه يوم السبت و الاغسال المكانية الفعلية تأتي جملة منها في كتاب الحج إن شاء الله ومنها الغسل لدخول المشاهد الشريفة و الاغسال الفعلية قسم منها يكون قبل الفعل كالغسل للإحرام و الطواف ونحوهما ولزيارة النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   و الأئمة  عليهم السلام وللسفر و الاستخارة بنحو خاص و قسم يكون بعد الفعل وحصول السبب كالغسل للتوبة من المعصية فيغتسل بعدها بلا فصل و الغسل لقتل الوزغ ورؤية المصلوب بعد الثلاثة إذا كان بحق . ( و أما الأحكام ) فهي أمور ( الأول ) الاغسال المستحبة لا تكفي عن الوضوء . ( الثاني ) الاغسال الزمانية وقتها تمام الزمان إلا غسل الجمعة و الأولى فعلها في أوله ولا تنتقض بالحدث مطلقاً ولا قضاء لها إلا غسل يوم الجمعة ولا يبعد استحبابه للحائض ونحوها و استحباب التيمم بدلاً عنه عند تعذر الغسل بالماء . (الثالث) الأولى في الاغسال الفعلية مطلقاً وقوع الفعل بعدها أو وقوعها بعده بمقدار ما يصدق معه من الزمان أن يقال إن الغسل لذلك الفعل و الظاهر انه لا ينافي ذلك كون الغسل أول النهار و العمل في آخره وكذلك الليل بل لعل الغسل ليلاً للعمل نهاراً وبالعكس كذلك .( الرابع ) الحدث الواقع بعد الغسل قبل الفعل الذي اغتسل له ناقض للغسل سواء كان نوماً أو غيره من الأحداث على الاحوط إن لم يكن أقوى. (الخامس) يجري فيها ما يجري في الاغسال الواجبة من اعتبار النية و المباشرة وغيرهما مما تقدم ويلزم فيها وجود السبب الباعث على رجحانها .

( إلحاق في الحمام و آدابه وما يتعلق بذلك  ) يستحب الاستحمام لدخولهم  عليهم السلام فيه وقول أمير المؤمنين  عليه السلام نعم البيت الحمام يذكر بالنار ويذهب بالدرن ويجب التستر فيه ولو ترك الستر حال الغسل فالأشبه صحة غسله ويجب حبس نظره عن عورة من لا يحل نظره إليها و اجتناب لمسها و يحرم المكث فيه زيادة على المتعارف إلا مع إحراز الرضا و صرف مائه كذلك و إفساده بالتخلي فيه أو غسل ما لا يتعارف غسله فيه ويحرم دخوله على من في بدنه بعض الأمراض المسرية و من يخفي ما لو علم به صاحبه لمنعه من دخوله و إيذاء من فيه برفع الصوت و اللعب في الماء ونحوهما ولو كان من قصد داخله عدم إعطاء الأجرة أو عدم المبادرة بها على المتعارف مع عدم العلم برضاه أو إعطائه اقل من المرسوم كذلك أو من مال حرام فغسله باطل ولا يمنع من الغسل إسخان الماء بالحطب المغصوب و أجرة غسل الزوجة من الجنابة و الحيض و النفاس ونحوها على الزوج وكذا قيمة الماء و اسخانه و يستحب دخوله غباً وفي يوم الأربعاء ويوم الجمعة و أن يدخله على الحالة الوسطى من الشبع و الجوع ووضع الماء الحار على هامته وصب الماء البارد على القدمين بعد الخروج منه وغسل الرأس بالسدر لدفع الهم و بالخطمى للأمن من الصداع وفي غسله بهما فوائد أخر أيضاً وتستحب المداومة على طلي العانة بالنورة وهو افضل من الحلق و هو افضل من النتف فإن أخر فإلى خمسة عشر يوماً ولا ينبغي أن يؤخر ذلك إلى أربعين يوماً و المرأة إلى عشرين ويكره يوم الأربعاء ومن المستحبات خضاب اللحية و افضله السواد فإن درهماً فيه افضل من ألف درهم في سبيل الله ويستحب خضاب الكفين و الأظفار للنساء بل وللرجال ويكره دخوله على الريق وعلى الجوع و البطنة و تسريح الشعر فيه والسواك و التدلك بخرقة من الحمام وشرب الماء البارد وصبه على نفسه وتستحب صلاة ركعتين بعد الخروج منه و أن يقال للخارج منه طاب حمامك فيجيب بقوله أنعم الله بالك أو غير ذلك .

 

المبحث الثاني في التيمم وموجباته وكيفيته و أحكامه

( فصل ) إذا وجب على المكلف وضوء أو غسل بأحد الأسباب المتقدمة ولم يتمكن من الماء أو من استعماله لضرر أو مشقة أو خوف على محترم وجب عليه التيمم بتراب خالص من الخليط وإن كان نديّاً وكيفيته سواء كان بدلاً عن الوضوء أو عن الغسل أن يضرب على الأرض بكلتا يديه دفعة واحدة ويمسح بها جبهته من قصاص الشعر وحاجبيه إلى طرف أنفه الأعلى الذي يلي الجبهة ثم يمسح ظاهر كفه اليمنى بباطن اليسرى وظاهر الكف اليسرى بباطن اليمنى ثم يضرب الأرض مرة ثانية ويمسح كفيه على النحو المذكور ويعتبر في التيمم ما اعتبر في الوضوء من النية و المتابعة عرفاً و الترتيب و المباشرة و إطلاق التراب و إباحته وطهارته و إباحة محل التيمم ورفع المانع عن البشرة وغير ذلك ولا يصح لفريضة قبل وقتها ويصح بعده وإن لم يتضيق إلا مع العلم بزوال العذر قبل خروج الوقت ولا يصح معه إلا إذا ضاق الوقت و الاحوط التأخير مع الرجاء و المحدث بالأكبر إذا تيمم بدلاً عن الغسل ثم احدث بالأصغر جمع بين التيمم بدلاً عن الغسل وبين الوضوء أو التيمم بدلاً عنه مع عدم تمكنه منه ولو احدث بالأكبر أجزأه تيمم واحد يقصد به ما هو واجب عليه وينتقض التيمم بالتمكن من استعمال الماء ولو بعد الدخول في الفريضة قبل أن يركع .

( مسائل ) الأولى : لا يجوز للمتطهر بعد دخول الوقت أبطال وضوئه بالحدث الأصغر اختياراً إذا علم بعدم تمكنه من الوضوء ثانياً ويجوز له الجماع مع العلم بعدم التمكن من الغسل . الثانية : لو لم يكن عنده من الماء إلا ما يكفي لإزالة الخبث أو رفع الحدث استعمله في إزالة الخبث أولاً ثم تيمم . الثالثة : إذا أمكن تتميم الماء بما لا يخرجه عن الاطلاق فالأقرب الوجوب .

المقام الثاني في طهارة بدن المصلي وثيابه وموضع سجوده من النجاسات                             

وفيه مباحث :

المبحث الأول في النجاسات

وهي عشرة ( الأول و الثاني ) البول و الغائط من الإنسان ومن كل حيوان ذي دم سائل يحرم أكله بالأصل أو بالعارض كالجلال وموطوء الإنسان و الأقوى طهارتهما من الطير مطلقاً و إن كان الاحوط الاجتناب في الحرام منه بل لا يترك في بول الخفاش . ( الثالث و الرابع ) المني و الدم من الإنسان ومن كل حيوان ذي نفس سائلة سواء كان حلال اللحم أو حرامه عدا المتخلف بعد ذبح الحيوان الحلال بعد قذفه ما هو المتعارف من الدم وقت الذبح أو النحر فانه طاهر . ( الخامس و السادس)  الكلب و الخنزير البرّيان وجميع أجزائهما التي تحل فيها الحياة وغيرها و المتولد من أحدهما وطاهر يتبع الاسم وكذا المتولد منهما إلا ان الاحوط فيه وفيما لو كانت الأم غير طاهرة الاجتناب . ( السابع ) ميتة الإنسان و الحيوان ذي النفس السائلة حلالاً كان أو حراماً عدا ما لا تحله الحياة من غير نجس العين كالشعر و الصوف ونحوهما فانه طاهر.( الثامن ) الكافر من غير فرق بين الذمي الحربي و الملي و الفطري وجميع أجزائه وفضلاته حتى شعره وظفره . ( التاسع ) الخمر وكل مسكر مائع وإن جمد بالعارض دون المسكر الجامد ولو صار مائعاً وبقي على إسكاره ففيه إشكال أحوطه الاجتناب ونجاسة العصير مطلقاً تدور مدار إسكاره وكذا الحرمة إلا العصير العنبي فإن غليانه موجب لحرمته أيضاً . ( العاشر ) الفقاع وهو شراب متخذ من الشعير ولو اتخذ من غيره وسمي فقاعاً فكذلك على الاحوط ويلحق بهذه العشرة على الاحوط عرق الجنب من الحرام رجلاً كان أو امرأة ومن الحرام وطئ البهيمة و الاستمناء باليد ، وعرق الابل الجلاّلة بل مطلق الحيوان الجلاّل على الاحوط .

 

( فصل ) يجب تطهير الثياب و البدن ومحل السجود للصلاة و أجزائها المنسية وركعاتها الاحتياطية وسجود السهو على الاحوط للطواف ولو أخلّ المصلي أو الطائف بإزالة النجاسة عن ذلك أعاد مطلقاً إلا من جهلها ولم يعلم بها أصلاً حتى فرغ من الصلاة ويجب تطهير الأواني للشرب و للأكل فيها مع الرطوبة المسرية ، و إزالة النجاسة عن المساجد و المصاحف و الضرائح المقدسة ولا يحكم بزوالها إلا بيقين أو ما قام مقامه وعفى عن دم الجروح و القروح إذا لم ينقطع ومع المشقة في إزالتها وعن الدم إذا كان اقل من الدرهم عدا دم الحيض و النفاس و الاستحاضة ودم نجس العين فإنه لا يعفى عن قليله وعن نجاسة المحمول إذا كان مما لا تتم به الصلاة وعن نجاسة ثوب مرّبية الصبيّ حيث لا غيره وإن وجب غسله مرة في اليوم و الليلة وعن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه وحده وعن النجاسة الكائنة على البدن مع تعذر إزالتها ولو تعذرت إزالتها عن الثوب فالاحوط الجمع بين الصلاة فيه و الصلاة عارياً ولو لم يتمكن إلا مرة واحدة صلاها فيه وقضاها عارياً ولو خاف البرد ونحوه من نزعه تعينت الصلاة فيه ولا إعادة .                                   

المبحث الثاني في المطهرات

وهي أمور : ( الأول ) الماء وهو طاهر في نفسه مطهر لكل ما يقبل التطهير به من جميع النجاسات فإن لاقته نجاسة فإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بها نجس بجميع أقسامه لأن التغيير المذكور مفسد عام و إلا فلا ينجس منه بمجرد الملاقاة إلا القليل من الواقف دون الكثير منه وهو ما كان بمقدار الكر ودون الجاري و ماء الغيث حين نزوله وكل معتصم بمادة كمياه العييون و الآبار أو بقوّة ودفع و الكر بحسب الوزن مائتا حقة و اثنتان وتسعون حقة ونصف حقة بحقة الاسلامبول التي هي مائتان وثمانون مثقالاً وكل عشر حقق اسلامبوليه  ثلاث حقق بعيار النجف اليوم سنة 1342 هـ فيبلغ المجموع ثمانياً وثمانين حقة إلا أوقية عبارة عن ثلاث وزنات ونصف وثلاث حقق إلا أوقية وبحسب المساحة ما بلغ سبعة وعشرين شبراً مكعباً بشبر مستوي الخلقة و الاحوط أن يبلغ ثلاثة و أربعين شبراً إلا ثمن شبر فلو كان الماء اقل من الكر ولو بمقدار نصف مثقال أو نصف شبر جرى عليه حكم القليل . ( الثاني ) الأرض الطاهرة الجافة وهي تطهر ما يمسها من باطن القدمين و اسفل النعلين ونحوهما مع زوال العين ولا يلزم قصر الحكم بالطهارة على ما إذا حصلت النجاسة من المشي على الأرض النجسة . (الثالث) الشمس وهي تطهر الأرض و الأبنية وما أثبت فيها من الأخشاب و الأعتاب و الأوتاد و الأبواب و الأواني المثبتة و البواري من المنقولات بعد زوال عين النجاسة بإشراقها عليها على وجه تجفيفها تجفيفاً مستنداً إلى الإشراق لا إلى حرارتها مع كونها محجوبة بالسحاب مثلاً ولا بأس بحيلولة الأجسام الشفافة ومدخلية الريح مع عدم انتفاء الصدق فيهما وفي إشراقها بواسطة المرآة إشكال . ( الرابع ) الإسلام بإظهار الشهادتين مع عدم العلم بمخالفة الجنان للسان وهو مطهر لبدن الكافر بأقسامه و الاحوط اجتناب المرتد الفطري ولو قلنا بقبول توبته . ( الخامس ) التبعية كالطفل فانه يطهر بإسلام أبيه أو جده تبعاً ويتبع المسلم السابي إذا لم يكن معه أحد آبائه . (السادس) الانتقال و الصيرورة كالماء النجس يشربه الحيوان حلال اللحم وتسقى به الأشجار فإن انتقاله وصيرورته جزء من الطاهر صيره طاهراً كدم الإنسان إذا انتقل إلى البعوض و البرغوث و العذرة إذا أكلها الدود أو الذباب وغير ذلك و أما الدم الذي يمتصه العلق ويقيئه فهو باقٍ على نجاسته . ( السابع ) الاستحالة فيطهر ما أحالته النار رماداً أو دخاناً أو بخاراً لا خزفاً أو آجراً أو فحماً على الاحوط من النجس و المتنجس وما استحال حيواناً طاهراً أو تراباً أو ملحاً كالنطفة و العذرة و الميتة و غير ذلك وكما تكون الاستحالة مطهرة تكون منجسة . ( الثامن ) انقلاب الخمر خلاً ولو بعلاج ويطهر إناؤه تبعاً إذا لم يتنجس بنجاسة خارجية على الأقرب ولو تنجست الخمر بنجاسة خارجية ثم انقلبت خلاً لم تطهر وإن استحالت خمراً ثم انقلب المجموع بناء على تضاعف نجاسة النجس كما هو غير بعيد . ( التاسع ) النقص فإن مطهر للعصير العنبي إذا ذهب ثلثاه بالنار أو بالشمس بناء على نجاسته بالغليان ولكن المختار العدم فتظهر الثمرة بالنسبة إلى الحرمة . ( العاشر ) الغيبة فإنها مطّهرة حكماً للإنسان وثيابه وفرشه و أوانيه وغيرها ومن توابعه إذا كان مكلفاً أو مميزاً معتقد الوجوب إزالتها أو استحبابها مستعملاً لذلك الشيء عالماً باشتراط الطهارة في ذلك الاستعمال

 

مع قابلية زمن الغيبة لإزالة تلك النجاسة على الاحوط . ( الحادي عشر ) زوال عين النجاسة أو المتنجس عن جسم الصامت من الحيوان بنفسها أو بمزيل وعن بواطن الإنسان . (الثاني عشر) استبراء الجلاّل و الاحوط مراعاة اكثر الأمرين من المدة المقدرة شرعاً ومن الزمان الذي يحصل به الخروج عن الاسم . ( الثالث عشر ) التمسح بالأحجار الثلاثة الطاهرة في الاستنجاء من الغائط غير المتعدى وما قام مقامها من الأجسام القالعة لعين النجاسة غير المحترم و العظم و الروث من الخزف و الخرق و غيرهما ومع التعدي أو استصحاب الغائط دماً ونحوه يتعين الماء ولو لم يحصل النقاء بالثلاثة وجب الزائدة عليها إلى حصوله و أما مخرج البول فيجب غسله مرّتين ويحرم على المتخلي استقبال القبلة و استدبارها و الجلوس في الشارع و المشارع مع الإضرار بالمارة . (الرابع عشر) غسل الميت وهو مطهر له من نجاسته الذاتية التي هي حديثة من وجه وخبثية من آخر و الواجب تغسيله ثلاث مرات الأولى بماء مصاحب للسدر و الثانية بماء مصاحب للكافور إلا إذا كان محرماً فلا يجعل فيه و الثالثة بماء قراح كغسل الجنابة الترتيبي ويجب تكفينه بمئزر وقميص و أزار و إمساس مساجده بالكافور إن لم يكن محرماً و السقط إذا تم له أربعة اشهر وجب تغسيله وتكفينه ودفنه وإن كان دونها لف في خرقة ودفن و الصلاة واجبة على المسلم ومن بحكمه ممن بلغ ست سنين وتستحب على من نقص عنها إن ولد حياً وكيفيتها إن يكبر بعد النية ويتشهد الشهادتين ثم يكبر ثانياً ويصلي على النبي و اله ثم يكبر ثالثاً ويدعوا للمؤمنين بالمغفرة ثم يكبر ويدعو للميت أو عليه ثم يكبر الخامسة وينصرف وليست الطهارة شرطاً فيها مطلقاً ثم يدفن بعد ذلك و الواجب ستره في الأرض عن هوام السباع وكتم رائحته عن الناس .

( فصل ) في كيفية التطهير بالمطهر العام وهو الماء وهو يختلف باختلاف المطهر بالكسر و المطهر بالفتح ولا بد في التطهير من قابلية المتنجس له وزوال عين النجاسة و استيلاء الماء على جميع أجزائه ثم إن كان المطهر بالكسر كراً أو جارياً أو ما بحكمه طهّر كل متنجس قابل للتطهير حتى الماء المتنجس و الاحوط اعتبار التعدد و العصر ولو تحت الماء أي خروج ما جذبه الثوب ونحوه حتى في الجاري بل لا ينبغي تركه في الكثير الراكد و أما ماء المطر فيكفي استيلاؤه بعد زوال العين وإن كان الماء المطهر قليلاً طهر سائر المتنجسات مع القابلية وورود الماء على المغسول و انفصال ماء الغسالة ولا يترك تعدد الغسل حسا مطلقاً إلا في الجاري و أحوطه ثلاث مرات في الظروف و الأواني و أما المطهر بالفتح فهو أقسام ( فمنه ) ما يرسب فيه الماء ويقبل العصر ونحوه من الغمز و التثقيل و نحوهما مما يتمكن معه من إخراج الغسالة كالثياب و الفرش ويجب فيه العصر بعد كل غسلة وهو إخراج معظم الماء على الوجه المتعارف من النجاسات كلها عدا بول الصبي الذي لم يتغذى بالطعام فإنه يكفي صب الماء عليه و انفصال غسالته و الاحوط في غيره من النجاسات تعدد الغسل مرتين بعد إزالة العين (ومنه) ما يرسب فيه الماء ولا يمكن فيه العصر فإن كان كالخشب و الخزف و نحوهما مما يجري عليه الماء طهر ظاهره بإجراء الماء القليل عليه مرتين بعد زوال العين و أما باطنه فيطهر بوضعه في الكثير أو الجاري حتى ينفذ إليه الماء الطاهر وإن كان كالسكر و الدبس و العجين بالماء النجس مما لا يصل إلى باطنه إلا مضافاً فلا يقبل باطنه الطهارة لا بالقليل ولا بالكثير وكذا المائعات المتنجسة لا تطهر إلا باستهلاكها في الكر ونحوه و أما ما يرسب فيه الماء ولا تنفصل عنه الغسالة كالتراب الناعم وبعض الأراضي المستوية فيطهر بوضعه في الكر أو بإلقاء الكر عليه أو بوقوع المطهر عليه أو بتجفيف عين الشمس له . ( ومنه ) المصبوغ بنجس كالدم أو متنجس فلا يطهر الأول إلا بعد إزالة عين النجاسة بحيث لا يتغير الماء المستعمل فيه ثم يغسل بعد ذلك بالماء و الأثر الباقي بعد الغسل غير قادح و أما الثاني فيعتبر فيه بقاء الماء المستعمل في تطهيره بصفة الإطلاق وعدم صيرورته مضافاً قبل غسله وإن تغير لونه تغيراً ما لا يصير به الماء مضافاً أو تخلف فيه من جرم الصبغ المتنجس ما لا يمنع من وصول الماء إليه . ( ومنه ) الأواني و الاحوط إن لم يكن الأقوى هو التثليث فيها مطلقاً من سائر النجاسات إلا الولوغ وشرب الخنزير وموت الجرذ . ( أما الأول ) وهو ولوغ الكلب أي شربه بلسانه مما في الإناء من الماء و غيره من المائعات بلسانه على الاحوط ولا يلحق به مباشرته بسائر أعضائه ولو تكرر الولوغ تداخل فيغسل منه الإناء سواء كان من المعادن أو الجلود أو الخشب من ولوغه ثلاثاً أوليهن بالتراب و الاحوط في الغسل بالتراب مسحه بالتراب الخالص الطاهر أولاً ثم غسله بوضع ماء على التراب لا يخرجه عن اسم التراب ثم غسله بماء عليه تراب لا يخرجه عن اسم الماء و لو تعذر تعفير الآنية لضيق رأسها ونحوه

 

عفرها بما يمكن من إدخال التراب فيها وتحريكه بحيث تصيب جميع مواضع النجاسة ولو فرض تعذره أصلاً بقى الإناء على النجاسة ولا يسقط التعفير ولا العدد بالماء الكثير والجاري ولا يجزي عن التراب غيره كالصابون و الأشنان ونحوهما مما هو ابلغ في التنظيف منه ولا يلحق بالإناء غيره بل يجري عليه حكم سائر النجاسات فلا يجب تعفيره إذا تنجس بلطع الكلب أو ماء ولوغه ولو شك في إنائية ما ولغ فيه جرى عليه حكم الإناء في التطهير على الاقوى وكذا فيما شك انه من الظروف يجري عليه حكمها من كيفية التطهير لا غير ( و أما الثاني ) فيغسل الإناء بشرب الخنزير سبعاً مع التعفير قبلها على الاحوط وكذا لموت الجرذ وهو الفأر الكبير بلا تعفير بل الأولى غسله كذلك لموت الفارة ولشرب النبيذ فيه و الخمر و المسكر ومباشرة الكلب وإن كان الواجب غسله ثلاثاً كغيرها من النجاسات و أما تطهير الأواني بالكثير فهو بأن توضع فيه حتى يستولي عليها الماء ثلاثاً على الاحوط و أما بالقليل فبأن يصب الماء فيها ويدار حتى يستوعب جميع أجزائها بإجراء الماء الذي يحقق به الغسل ثم يراق منها يفعل ذلك ثلاثاً و أما الأواني الكبار و المثبتة و الحياض ونحوها فتطهيرها بإجراء الماء عليها حتى يستوعب جميع أجزائها وماء الغسالة إن أمكن إخراجه بثقب في أسفلها أو حفيرة في وسطها كالتنانير كفى و إلا اخرج ماء الغسالة المجتمع في وسطها مثلاً بنزح ونحوه و الاحوط الفورية العرفية في ادارة الماء على أجزائها عقب الصب و الإفراغ عقيبها هنا وفيما تقدم بل لا ينبغي تركه .

( تتمة ) الأعيان الطاهرة لا تتنجس إلا بملاقاة النجاسة مع الرطوبة المنتقلة ولا تؤثر النداوة مع عدم الانتقال و المتنجس مائعاً كان أو غيره ينجس ما لاقاه مع الرطوبة وإن زالت عنه عين النجاسة .

خاتمة

 في أحكام الأواني يحرم استعمال الآنية إذا كانت من الذهب أو الفضة أو منهما لا من أحدهما وغيرهما ولا إذا كانت من معدن غيرهما وإن كان أغلا منهما في الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل و غيرهما ولا يجوز اقتناءها لزينة أو ادخار ولا صياغتها ويجب إتلاف صورة الإناء كفايةً ولا ضمان للهيئة بل ولا للمادة لو توقف إتلافها على إتلافها ولا بأس بظروف العوذ و الإحراز . وليس من الأواني ما يستعمل لشرب التتن بعد لفه في كاغد رقيق لا بأس باستعماله ولو كان كله ذهباً أو فضةً وكذا لا بأس باستعمال المطلي بأحدهما و المرجع في تشخيص الآنية هو العرف ويكره الأكل و الشرب في الإناء المفضض ويعزل فمه عن موضع الفضة ويدخل في المفضض المطلي و المضبب وذو الحلق ونحوهما ولا يجوز استعمال شيء من جلود ذوات الأنفس إلا ما كان طاهراً حال الحياة مذكى وتثبت التذكية بالبينة وقول صاحب اليد المسلم ويده وسوق المسلمين إذا لم يكن من جرت يده عليه معلوم الكفر .

( مسائل ) الأولى : الظاهر إن الآنية أخص عرفاً من الظرف و الوعاء فالكفكير و المصفاة و الملعقة و إن كانت صغيرة من الأواني عرفاً و الاحوط الاجتناب عن المحابر و المجامر وظروف المعجون و الأفيون ونحوها . الثانية : ما يشك في كونه آنية لا تجري عليه أحكام آواني الذهب و الفضة عدا التطهير من النجاسات . الثالثة : إذا اضطر إلى استعمالها جاز إلا في الوضوء و الغسل فإنه ينتقل إلى التيمم ولو دار الأمر في حال الضرورة بين استعمالها أو استعمال المغصوب استعملها .                                

 

المقدمة الثانية ستر العورتين للرجل

حتى نفسه على الاحوط ستراً مانعاً من النظر إلى البشرة . و العورتان هما القضيب و الاثنيان و الدبر وهو المخرج دون الأليتين وستر جميع البدن للمرأة الحرة عدا الوجه الذي يجب غسله في الوضوء أصالة و الكفين من الزندين وظاهر القدمين ويجب ستر شيء من حدود هذه المستثنيات من باب المقدمة ويعتبر في الساتر أن يكون طاهراً إلا ما سبق استثنائه . وأن يكون مباحاً فتبطل الصلاة فيه مع العلم بالغصبية وكذا تبطل بالصلاة فوق المغصوب بالسجود عليه بل حيث تستلزم التصرف فيه . وأن لا يكون حريراً محضاً للرجل و الخنثى في غير الحرب و الضرورة لبرد أو قمل أو نحوهما ولا بأس بالممتزج بالقطن ونحوه وإن كان قليلاً إذا لم يستهلك بحيث يطلق عليه الحرير عرفاً و الحرير وهو الإبريسم حرام في الصلاة وغيرها و استثنى من اللباس ما لا يزيد على أربع أصابع مضمومة وأن لا يكون الساتر بل مطلق الملبوس ذهباً للرجل و الخنثى من غير فرق بين الذهب المحض وغيره إلا إذا كان مستهلكاً في غيره ولا بأس بحمل الذهب على غير جهة اللبس و الزينة ولا بشد الأضراس به نعم قد يوضع الذهب على الأسنان في هذا الزمان للزينة و الاحتياط في تركه كما انه لا ينبغي لبس منظرة الذهب خصوصاً في الصلاة فلا يترك الاحتياط في ذلك ويعتبر في الساتر أيضاً أن لا يكون جلداً غير ما يؤكل لحمه وإن كان الحيوان طاهراً أو مذكى ولا صوفه ولا وبره ولا شعره إلا الخز وهو دابة ذات أربع تصاد من الماء ولا تعيش بدونه و إلا السنجاب وتجوز الصلاة في شعر الأدمي . و الاحوط عدم الصلاة فيما يستر ظهر القدم إلا أن يكون له ساق .

المقدمة الثالثة مكان الصلاة

وهو الفضاء الذي يشغله المصلي بالكون فيه أو يستقر عليه بواسطة أو وسائط ويعتبر العلم بكونه مباحاً بملكية أو إذن مالك ولو فحوى أو بشاهد حال يفيد الاطمئنان وبعدم تعدي نجاسته إلى الثوب و البدن و طهارة محل مسجد الجبهة من النجاسة مطلقاً ولو جهل الغصب فصلى ثم علم به لم تبطل صلاته وكالصلاة ما كان من العبادات التي من ضروراتها المكان وإن لم يعتبر فيها الاستقرار كالطهارة و أداء الزكاة وقراءة القرآن على الاحوط بخلاف الصوم لعدم مدخل للكون فيه ويعتبر كون موضع الجهة أرضاً أو نباتاً غير مأكول أو ملبوس عادة .

المقدمة الرابعة دخول الوقت

يعتبر تحصيل العلم اليقيني بدخول الوقت للقادر وهو الفجر الصادق لصلاة الصبح و الزوال للظهر المعلوم بزيادة الظل بعد نقصه أو حدوثه بعد عدمه كما في بعض البلدان و الفراغ من الظهر ولو تقديراً للعصر وذهاب الحمرة المشرقية للمغرب و الفراغ منها ولو تقديراً للعشاء وتختص هي و العصر من آخر الوقت بما لو بقي منه مقدار أربع ركعات كالظهر من أوله بأربع و المغرب بثلاث و يمتد وقت الصبح إلى طلوع الشمس و الظهران إلى غروبها و العشاءان إلى انتصاف الليل .

المقدمة الخامسة القبلة     

يجب تحصيل العلم باستقبالها بالوجه ومقاديم البدن مع الإمكان في اليومية وغيرها من الفرائض حتى صلاة الجنائز وفي النافلة إذا صليت مع الاستقرار على الأرض لا إذا صليت حال المشي أو الركوب في سفينة ونحوها ومع تعذر العلم يبذل تمام الجهد ويعمل على ظنه ولو تعذر اكتفى بالجهة العرفية ويعوّل على قبلة المسلمين في صلاتهم وقبورهم ومحاريبها إذا لم يعلم بناءها على الغلط وعلى العلامات وهي أن يجعل الجدي خلف المنكب الأيمن إذا كان في أواسط العراق كبغداد و الكوفة وما والاهما في غاية ارتفاعه أو انخفاضه على الاحوط وجعله بين الكتفين إذا كان في أطراف العراق الغربية كالموصل و أما أطرافه الشرقية كالبصرة وما والاها فيحتاج إلى زيادة انحراف نحو المغرب فيكون خلف الأذن اليمنى وعلامة أهل الشام جعله خلف الكتف اليسرى وعلامة أهل اليمن جعله بين العينين ولو ظهر له الخطأ في القبلة في أثناء الصلاة فإن كان إلى ما بين المشرق و المغرب انحرف إليها وصحت صلاته وإن كان إلى نفس المشرق أو المغرب أو مستدبر القبلة أعاد الصلاة ولكن الاحوط في غير الاستدبار الانحراف إلى القبلة و المضي فيها ثم الإعادة وكذا لو ظهر ذلك بعد الفراغ ومن جهل القبلة وفقد الإمارات صلى إلى أربع جهات على الاحوط و إن كان الاكتفاء بأي جهة شاء غير بعيد ولو ضاق الوقت عن الجميع أتى بالممكن .

 

المقدمة السادسة التأهب

يستحب التأهب لها قبل الوقت بإيجاد ما يمكن تحصيله من الشرائط و المقدمات وينبغي للمصلي التوجه بقلبه إلى الأقوال و الأفعال و الإقبال على الصلاة وعدم اشتغال فكره بأمر آخر وأن يتدبر الأقوال ويلتفت أنه بين يدي ذي الجلال و انه يناجي  الملك المتعال .

المقدمة السابعة في الآذان و الإقامة

وهما مستحبان ومؤكدان في اليومية خصوصاً في الجهرية ولا سيما في الصبح و المغرب و الاحوط عدم ترك الإقامة ولا يشرعان لما عدا الخمس من الفرائض ويسقطان عمن انتهى إلى جماعة في المسجد يريد الصلاة معهم فوجدهم قد فرغوا منها ولم يتفرقوا ويستحب فيهما الطهارة و الاستقبال و القيام بل الاحوط عدم تركها في الإقامة كما إن الأولى إعادتها لو تكلم في أثنائها أو بينها وبين الصلاة ( وفصوله ) ثمانية عشر التكبير اربعاً ثم الشهادة بالتوحيد ثم الرسالة ثم الحيعلات الثلاث ثم التكبير ثم التهليل مثنى مثنى على النحو المعروف وكذلك الإقامة إلا ان جميع فصولها مثنى مثنى إلا التهليل في آخرها فمرة واحدة و إلا زيادة قد قامت الصلاة فيها مرتين بعد الحيعلات ويجوز الاقتصار في السفر بل مطلق العذر على المرة الواحدة في جميع فصولهما ويستحب التأني في الآذان و الحدر في الإقامة و الفصل بينهما بسجدة أو جلسة أو خطوة ولو تركهما ناسياً وذكرهما قبل الركوع استحب له الرجوع إليهما وإن كان بعده مضى في صلاته ولا يرجع لو نسى أحدهما فقط .

        الباب الثاني في أفعال الصلاة

و الواجبات منها أثنا عشر و الأركان منها أربعة تكبيرة الإحرام و القيام في الجملة و الركوع و السجود و نعني بالركن الجزء الذي تبطل الصلاة بزيادته ونقصانه عمداً وسهوا. ( الأول ) النية وقد مرّ بيانها و إنها لا يعتبر فيها سوى تعيين المنوي و إيجاده امتثالاً لأمر الله مع الإخلاص ولا تصح الصلاة مع الإخلال بها عمداً وسهواً ولا بد من استدامتها ولو حكماً إلى الفراغ ولو نوى القطع ثم عاد إلى نيته ولم يفعل المنافي صحت صلاته على الأقرب . ( الثاني ) تكبيرة الإحرام وهي أن يقول الله اكبر محافظاً على العربية و الموالاة بين الكلمتين و الترتيب و على عدم المد في الحروف في غير موضعه وقطع الهمزة منهما فلو فصل بين الكلمتين بما يعدّ فصلاً من سكوت أو كلام بان قال الله تعالى بطلت وكذا إذ مدّ الهمزة أو الباء أو عكس الترتيب ولا بد من مقارنتها للنية و إسماعها نفسه تحقيقاً أو تقديراً وهي ركن تبطل الصلاة بتركها عمداً وسهواً وبزيادتها عمداً وفي بطلانها بزيادتها سهواً تردد أحوطه الإتمام ثم الإعادة كما لو نسى أنه كبّر فكبر ثانياً . (الثالث ) القيام وهو واجب ركني في تكبيرة الإحرام وفيما قبل الركوع على معنى ركنية ما يقع الركوع عنه و أما في حال القراءة و حال رفع الرأس من الركوع فهو واجب غير ركن و إنما تبطل الصلاة لو أخل به عمداً لا سهواً ويجب فيه الاعتماد على القدمين و إن كان اعتماده على إحديهما اشد و الاستقرار و الانتصاب و الاستقلال كل ذلك مع الإمكان فلو ترك أحد هذه الأمور مختاراً بطلت صلاته ويقتصر مع التعذر على الممكن فيقوم ولو معتمداً أو مضطرباً أو منحنياً ولو تمكن منه حال التكبير وقبل الركوع قام لهما وجلس للقراءة فإن عجز عن القيام أصلاً صلى جالساً وإن عجز عن الجلوس صلى على جنبه الأيمن كالمدفون فإن عجز فعلى الأيسر فإن عجز صلى مستلقياً كالمحتضر فإن عجز صلى كيفما تمكن مومياً في هذه الحالات للركوع و السجود مع العجز عنهما ويستحب القنوت في قيام الركعة الثانية قبل الركوع فريضةً كانت أو نافلةً استحباباً مؤكداً بل قيل بوجوبه ولو نسيه أتى به بعد الركوع ولو ذكره بعد الفراغ أتى به جالساً مستقبل القبلة ويستحب الجهر به مطلقاً و الدعاء بالمأثور و إطالته فإن افضل الصلاة ما طال قنوتها . ( الرابع ) القراءة وهي واجبة تبطل الصلاة بتركها عمداً لا سهواً ولا قضاء لها مع تركها سهوا و الواجب في الركعة الأولى و الثانية من جميع الفرائض اليومية قراءة سورة الفاتحة وسورة تامة بعدها غير الفاتحة وغير سور العزائم الأربع وغير السور الطوال التي يفوت الوقت بقراءتها وله تركها لمرض و استعجال لحاجة شديدة وقد يجب لضيق وقت أو خوف أو نحوهما من الضرورات ولو قدمها على الفاتحة عمداً بطلت صلاته ويجب الاخفات بالقراءة عدا البسملة في الظهر و العصر على الرجل و المرأة ويجب الجهر على الرجل في الصبح و أوليي المغرب و العشاء ويعذر الناسي و الجاهل غير المتنبه للسؤال ولا جهر على المرأة بل تتخير بين الاخفات وبينه مع عدم الأجنبي وتجب القراءة الصحيحة العربية مؤدياً للحروف على وجه يمتاز بعضها عن بعض فلو أخلّ بحرف أو حركة أو تشديد أو غيرها بطلت صلاته ويجب تعلم قراءة الفاتحة و السورة على من لم يعلمها وإن تمكن من الإتمام و المتابعة على الاحوط ويتخير المصلي فيما عدا الركعتين الأوليين من الفرائض بين الفاتحة و الذكر وهو افضل إلا للإمام وصورته ( سبحان الله و الحمد لله ولا اله إلا الله و الله اكبر ) محافظاً على العربية و التكرار ثلاثاً مضيفاً إليها الاستغفار على الاحوط ويلزم الاخفات حتى في البسملة لو اختار القراءة بل يجب على المأموم كذلك إذا اقتدى بالإمام في الركعة الثانية أو الثالثة . ( الخامس ) الركوع وهو ركن تبطل الصلاة بنقصه وزيادته عمدا وسهوا إلا للمأموم إذا رفع رأسه قبل الإمام سهواً فانه يجب عليه العود إلى الركوع للمتابعة و الواجب في كل ركعة من اليومية ركوع واحد ويلزم فيه الانحناء المتعارف بحيث تصل اليد إلى الركبة بل لا يترك الاحتياط في إيصال الراحة إليها ووضعها عليها و الذكر بالعربية مسمعاً نفسه و أحوطه التسبيح مخيراً بين أن يقول سبحان الله ثلاثاً أو سبحان ربي العظيم وبحمده مرة ولو كرّرها ثلاثاً فهو أولى فعن أبي جعفر  عليه السلام انه قال : تقول سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً في الركوع وسبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثاً في السجود فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ومن نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته ومن لم يسبح فلا صلاة له ويجب فيه الاطمئنان حال الذكر الواجب مع الإمكان فلو تركه عامداً بطلت صلاته ورفع الرأس منه حتى ينتصب قائماً مطمئناً . ( السادس ) السجود الواجب في كل ركعة سجدتان وهما معاً ركن تبطل الصلاة بزيادتهما معاً في ركعة ونقصانهما كذلك منها عمداً وسهواً ويجب فيه الانحناء ووضع بشرة الجبهة على وجه يتحقق به مسماه على مسماها فلا يجب الاستيعاب فيها و الاحوط أن لا يكون ذلك انقص من الدرهم وقد ورد عن أمير المؤمنين  عليه السلام انه لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين فلا ينبغي ترك الإرغام ويجب في السجود الاطمئنان بمقدار الذكر الواجب وهو كالذكر في الركوع إلا انه يبدل في التسبيحة الكبرى العظيم بالأعلى و السجود على باطني الكفين وعلى الركبتين وطرفي ابهامي الرجلين و الطرف هو الحد المشترك بين الظاهر و الباطن ولا بأس بتعمد رفع ما عدا الجبهة لغرض إذا لم يكن فعلاً كثيراً قبل الشروع في الذكر ثم وضعه حاله ويجب رفع الرأس من السجدة الأولى معتدلاً مطمئناً و الاحوط ان لا يترك الجلوس مطمئناً بعد رفع الرأس من سجدة يتعقبها القيام و أن يساوي موضوع جبهته موقفه ولا يغتفر التفاوت بأكثر من قدر أربع أصابع مضمومة ولا يعتبر التساوي في باقي المساجد ما لم يخرج به السجود عن مسماه ولا يصح إلا على الأرض أو نباتها غير المأكول و الملبوس منه عادة ولا على ما لا يمكن منهما اعتماد الجبهة عليه.(السابع) التشهد وهو واجب في الثنائية مرة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة وفي الثلاثية و الرباعية مرتين الأولى بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الثانية و الثانية بعد رفع الرأس منها في الركعة الأخيرة ويجب الجلوس له و الاطمئنان بقدرة و الترتيب فيه و الموالاة و الاحوط أن يقول فيه ( اشهد أن لا اله إلا الله و حده لا شريك له و اشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل على محمد و آل محمد ) ويجب النطق به صحيحاً موافقاً للعربية ولو جهل ذلك وجب تعلمه ويكفي من كيفية النطق ان يسمع نفسه ولو تقديراً . ( الثامن ) التسليم وهو واجب في الصلاة يتوقف التحليل منها عليه و الاحوط الجمع بين صيغتيه بان يقول ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) ويجب النطق به صحيحاً عربياً مسمعاً نفسه و الجلوس حالته مطمئناً ويستحب فيه الترك . (التاسع) الذكر وقد مر ذكره . ( العاشر ) الاطمئنان وقد تقدم بيان مواضع اعتباره . ( الحادي عشر ) الترتيب وهو واجب في أفعال الصلاة فلو قدم مؤخراً أو أخر مقدماً عمداً بطلت صلاته ولو خالف الترتيب سهواً فإن قدم ركناً على ركن بطلت صلاته ولو قدم ركناً كالركوع على ما ليس بركن كالقراءة فلا بأس ويمضي في صلاته وكذا غير الأركان لو قدم بعضها على بعض سهواً ولكن هنا يعود إلى إلى ما به يحصل الترتيب مع إمكانه وتصح صلاته . ( الثاني عشر ) الموالاة وهي واجبة بين أفعال الصلاة فلا يجوز الفصل بينها على نحو يوجب محو صورة الصلاة و سلب اسمها فلو فصل كذلك بطلت الصلاة عمداً كان ذلك أو سهواً وكذلك تجب الموالاة في نفس

 

الأفعال كالقراءة و التكبير و التسبيح و الذكر فلو تركها بين الآيات أو الكلمات أو حروفها عمداً على وجه يوجب المحو المذكور فيها بطلت الصلاة ولو كان سهواً بطلت الآية أو الكلمة ووجب إعادتها إلا إذا أوجب فوات الموالاة فيها محو اسم الصلاة فإنها تبطل بذلك و الاحوط مراعاة الموالاة العرفية و متابعة الأفعال بلا فصل معتد به مطلقاً ثم انك قد علمت ما يستحب أمام الصلاة من التأهب لها وغيره وما يستحب فيها من القنوت ونحوه وبقي ما يستحب بعدها وهو التعقيب بعد الفريضة و النافلة الراتبة و ثوابه عظيم و أهمه تكبيرات ثلاث بعد التسليم يرفع يديه بها وتسبيح الزهراء   عليها السلام الذي هو من افضل التعقيب ولا سيما بسبحة من طين القبر الشريف التي يستحب حملها لأن من كانت معه كتب مسبحاً وإن لم يسبح بها ولأنها تسبح بيد الرجل من غير أن يسبح و سجدتا الشكر و التعفير بينهما و المبالغة في الدعاء و الأفضل أن يكون بالمأثور .

الباب الثالث في أحكام الخلل

في أحكام الخلل و أسبابه نقص أو زيادة أو حدوث أمر آخر وذلك قد يكون عن عمد وقد يكون عن سهو وقد يكون عن شك وهي قد توجب بطلان الصلاة وقد لا توجبه سواء أوجبت شيئاً آخر أو لا والتفصيل يعلم في مباحث :

المبحث الأول  في نقص الأجزاء

من ترك جزءً واجباً من الصلاة فإن كان عامداً بطلت صلاته عالما بالحكم أو جاهلا على الأقوى في الجاهل المقصرّ و الاحوط في الجاهل مطلقاً إلا ما استثنى بل إلحاقه مطلقاً بالعامد لا بالناسي لا يخلو عن وجه وان كان ناسياً فإن كان المنسي ركناً ولم يمكن تداركه في محله بطلت صلاته وان لم يكن ركناً فإن كان محله باقياً بان لم يدخل في ركن آخر أتى به وبما بعده وسجد للسهو وان لم يكن محله باقياً مضت صلاته ولا شيء عليه سوى سجود السهو إلا في التشهد والسجدة الواحدة المنسيين فانه يقضيهما بعد الفراغ ولو نسي الركعة الأخيرة فذكرها بعد التشهد قبل التسليم قام وأتى بها وسجد للسهو وكذا بعد التسليم قبل فعل ما ينافي الصلاة ولكنه يسجد للسهو مرتين بل ثلاثاً على الاحوط ولو ترك شرائط الأجزاء كالاستقرار والاستقلال حين الاعتدال و الاطمئنان في الأفعال والأقوال عامداً بطلت صلاته ولا تبطل مع النسيان وفوات المحل وان كان الاحوط مع فوات الاستقرار في قيام تكبيرة الإحرام الإتمام ثم الإعادة و أما الجهر و الاخفات فلا تفسد بتركهما مع الجهل أو النسيان .               

المبحث الثاني في نقص الشروط أو أجزائها أو شرائطها

أما الطهارة من الحدث فتركها أو ترك شيئاً من أجزائها أو شرائطها مبطل للصلاة سواء كان عن عمد أو جهل أو نسيان وكذا لو احدث في أثناء الصلاة ولو قبل آخر أجزائها ولو سهواً أو سبقاً أو اضطراراً (و أما الطهارة من الخبث ) فقد سلف إن ترك غسل النجاسة التي لم يعف عنها في الثوب أو البدن إذا كان عن عمد أو جهل بالحكم أو نسيان وجبت الإعادة و إن كان عن جهل بعروضها وعلم بها بعد الفراغ فلا إعادة ( و أما ترك ستر العورة ) فهو مفسد إلا مع الغفلة أو النسيان وإن كان الاحوط الإعادة ولو تستر بما لا يجوز لبسه في الصلاة فالحكم البطلان إلا مع الضرورة أو النسيان و أما ترك الاستقبال فهو مبطل مع العلم و الجهل بالقبلة من دون مظنة مع التمكن من الظن ولو انكشف الخلاف مع الاجتهاد فإن كان متوجهاً إلى ما بين المشرق و المغرب فصلاته صحيحة وإن كان مستدبراً أو إلى نفس المشرق أو المغرب أعادها و أما ترك مراعاة الوقت و الإتيان بالصلاة قبله فهو مفسد لها على ما سبق تفصيله .

 

المبحث الثالث في زيادة الأجزاء وحدوث أمور أخر خارجة تسمى منافيات الصلاة

( أما الأول ) فالزيادة مبطلة مطلقاً إذا كانت عن عمد وقصد للجزئية وإن لم تكن بقصدها فإن كانت ذكراً أو قراءة أو دعاء فلا بأس ما لم يحصل المحو للصورة وإن كانت ركناً وفعلاً كثيراً كسجدة ونحوها بطلت الصلاة ولو رفع رأسه عمداً قبل الذكر فقد ابطل صلاته لنقصان الذكر وعدم إمكان تداركه إلا بزيادة السجدة وإن كان عن سهو فإن كان ركعة أو ركناً كتكبيرة إحرام أو ركوع أو سجدتين في ركعة فقد بطلت صلاته وإن كان غيرها فلا بأس به . ( و أما الثاني ) فمنها ما يبطل الصلاة مطلقاً كالحدث و استدبار القبلة ولو بوجهه في بعض الصلاة و الالتفات بكل البدن إلى اليمين أو اليسار و القهقهة ولو اضطراراً وفعل كل ماح لها مذهب لصورتها و الأكل و الشرب و الشك في عدد غير الرباعيات من الفرائض و الأوليين منها على ما يأتي وعدم حفظ عدد الركعات وغير ذلك مما سبق و يأتي ( ومنها ) ما يبطلها مع العمد وهو التكفير وقول آمين بعد الفاتحة لغير تقية و الكلام ولو بحرفين مهملين أو حرف واحد مفهم و البكاء بالصوت لأمر دنيوي فهذه جملة من منافيات الصلاة و موجبات قطعها الذي يحرم اختياراً إلا لخوف على نفس محترمة أو عرض كذلك أو مال معتد به نعم قد يجب قطعها في بعض الأحوال بل لو عصى و أتمها وكان الضرر الذي لا يجوز تحمله ويمكن دفعه مترتباً على نفس فعل الصلاة استأنفها .

المبحث الرابع في الشك و أحكامه

وفيه مطالب :

( أولها ) الشك في الشيء هو التردد وعدم الجزم بوجود الشيء أو عدمه من غير ترجيح لأحدهما فإن حصل في نفسه ترجيح لأحد الطرفين بنى على الراجح عنده و اخذ به بالنسبة إلى أعداد الركعات مطلقاً وإن كان الاحتياط بالنسبة إلى الأوليين لا ينبغي أن يترك و أما بالنسبة إلى نفس الصلاة وشرائطها كان يظن انه صلى أو انه توضأ أو اغتسل فهو بمنزلة العدم على الاحوط وإن كان الأقرب كونه بمنزلة الشك فيجري فيه ما يأتي ويراعى الاحتياط في الظن بأفعال الصلاة . ( ثانيها ) في أقسام الشك و أقسامه منها ما لا عبرة به ولا شيء يترتب عليه ومنها ما يترتب عليه بطلان الصلاة ومنها ما تصح معه الصلاة ويترتب عليه بعض الآثار ( أما القسم الأول ) فهو أمور : (أحدها) الشك في الصلاة بعد تمامها و الفراغ منها ولا اعتبار به ظن الفعل أو الترك أو لا في أعداد الركعات كان أو في أفعال الصلاة أو في شرائطها كالشك في الوضوء أو في الغسل نعم عليه أن يأتي بطهارة متيقنة للصلاة المستقبلة و أما الصلاة السابقة فمحكوم بصحتها ولا اثر للشك المذكور بالنسبة إليها لكن يعتبر أن لا يكون كل من طرفي الشك قاضياً بالبطلان كما لو شك انه صلى الصبح ثلاثاً أو أربعاً وكذا لو شك في انه صلى الظهر ثلاثاً أو خمساً بعد الفراغ وفعل ما يبطل الصلاة مطلقاً فلو كان كذلك أعاد الصلاة للعلم ببطلانها على كل تقدير ولو كان الشك المذكور بعد الفراغ وقبل فعل المنافي فالاحوط أن يبني على الثلاث و يأتي بالرابعة ويسجد للسهو ويعيد الصلاة وهكذا يجري الحال فيما كان على هذا المنوال . ( الثاني ) الشك بعد تجاوز المحل كمن شك وهو يقرأ الفاتحة في انه كبر للإحرام أم لا ومن شك في الفاتحة وهو يقرأ السورة وهكذا في كل فعل شك فيه بعد الدخول في غيره أما لو شك في الشيء ومحله باق كمن شك في الحمد قبل قراءة السورة فانه يلزمه الإتيان به وهكذا . ( الثالث ) الشك بعد الوقت كمن شك بعد طلوع الشمس في انه صلى صلاة الصبح أم لا وبعد الغروب في انه صلى صلاة العصر أم لا فانه لا يلتفت إلى شكه ولو كان ذلك و الوقت باق أتى بما شك فيه . ( الرابع ) ما تكرر من الشك على المصلي حتى صدق عليه انه كثير الشك عرفاً فانه لا عبرة به في محل الكثرة فلو كثر شكه في فعل خاص كان كثير الشك فيه دون غيره . ( الخامس ) شك الإمام و المأموم في عدد الركعات مع حفظ الآخر و ضبطه فيرجع الشاك منهما إلى الضابط ولا يعتنى بشكه .

( و أما القسم الثاني ) وهو ما يترتب عليه بطلان الصلاة فهو أقسام ثمانية ولا يحكم معها بالبطلان بمجرد حدوث الشك بل لا بد من الفكر و التروي إلى حد لا يخرج بذلك عن كونه مصلياً فإن تبدل شكه بعلم أو ظن يعوّل عليه اخذ به و إلا فصلاته باطلة . ( أحدها ) الشك في ركعات الصلاة الثنائية الواجبة كصلاة الصبح مطلقاً وصلاة الظهريين و العشاء للمسافر وصلاة الطواف و الآيات إلا صلاة الاحتياط فإن المحتاط يبني فيها على الأكثر إن لم يكن موجباً لفسادها و إلا بنى على الأقل . (ثانيها) الشك في عدد صلاة المغرب فمن شك وهو في التسبيحات إن هذه الثالثة أو الثانية تروى فإن حصل له العلم أو الظن بانها الثانية ترك التسبيح و اشتغل بالقراءة أو بانها الثالثة أتى بالتسبيحات وصلاته صحيحة وإن لم يتبدل شكه فصلاته باطلة مطلقاً. (ثالثها) إذا لم يدر كم صلى اثنتين أم ثلاثاً أم أربعاً أم غيرها فإذا شك كذلك فصلاته باطلة مع بقاء هذا الشك وعدم تبدله بعد التروي و الفكر . ( رابعها ) الشك بين الثلاث و الست و الصلاة معه باطلة ما بقي بحاله من غير فرق بين جميع أحوال الصلاة . ( خامسها ) الشك بين الاثنتين و الخمسة بعد إكمال السجدتين وقبل إكمالها في القيام أو في غيره وتبطل الصلاة معه كسابقه . ( سادسها ) الشك في الرباعية إذا كانت الاثنتان قبل إكمال السجدتين أحد طرفي الشك كما لو شك في الركعة التي بيده إنها ثانية أو رابعة مثلاً فإذا بقي شكه بعد التأمل و التروي ولم يتبدل فصلاته باطلة من غير فرق في عروض الشك في جميع أحوال الصلاة ولو في السجدة الثانية قبل رفع رأسه منها وإن كان الاحوط إلحاق الشك فيما بعد وضع الرأس بالشك بعد رفع الرأس فيعمل عمل هذا للشك الذي يأتي ثم يستأنف الصلاة . ( سابعها ) الشك في الرباعية مع كون الواحدة أحد طرفي الشك فإذا بقي هذا الشك بعد التروي فالصلاة باطلة في أي موضع كان من الصلاة . ( ثامنها ) الشك بين الأربع و الست و الصلاة معه باطلة في جميع الأحوال . ( و أما القسم الثالث ) وهو الشكوك الصحيحة فهي ثمانية أيضاً منحصرة في الرباعية بعد إحراز الأوليين منها برفع الرأس من السجدة الأخيرة و الاحوط فيما لو كان الشك بعد الذكر الواجب وقبل رفع الرأس البناء على الأكثر فيما يأتي من الأقسام ثم الإعادة . ( الأول ) الشك في الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين فإن بقي شكه بعد التروي ولم يتبدل بعلم أو ظن بنى على الثلاث و أتى بالرابعة وبعد فراغه من دون ان يفعل ما ينافي الصلاة يقوم فيأتي بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس وقد تمت صلاته و الأول أحوط . ( الثاني ) الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد إكمال السجدتين ويبني هنا على الأربع ويسلم ويحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس . ( الثالث ) الشك بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال السجدتين ويبني الشاك هنا على الأربع ويسلم ويحتاط بركعتين من قيام وقد تمت صلاته . ( الرابع ) الشك بين الثلاث و الأربع في أي موضوع اتفق ويبني فيه على الأربع ويتم صلاته ثم يحتاط بركعة من قيام وركعتين من جلوس و الاحوط الجمع وتأخيرها عن ركعتي الجلوس . ( الخامس ) الشك بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين ورفع الرأس أو بعد إكمال الذكر الواجب ويبني في هذه الصورة على الأربع ويتشهد ويسلم ثم يسجد سجدتي السهو وجوباً ولو كان الشك المذكور حال القيام قبل الركوع جلس ورجع شكه إلى ما بين الثلاث و الأربع فيبني على الأربع ويتم صلاته ثم يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس و الاقتصار عليهما أحوط ولو عرض بعد الركوع و قبل إكمال السجدتين فلا يبعد البطلان هنا وفي القسمين الآتيين و الاحوط في الأقسام الثلاثة البناء على الأقل و الإتمام ثم الاستئناف . (السادس) الشك بين الثلاث و الخمس حال القيام فانه يجلس ويرجع شكه إلى ما بين الاثنتين و الأربع فيتم صلاته ويعمل عمله . ( السابع ) الشك بين الثلاث و الأربع و الخمس حال القيام قبل الركوع فإنه يجلس ويرجع شكه إلى ما بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فيتم صلاته ويعمل كما تقدم ويسجد للسهو عن القيام الزائد احتياطاً . (الثامن) الشك بين الخمس و الست حال القيام قبل الركوع فإنه يجلس ويتم صلاته ويسجد للسهو مرتين للشك و للقيام الزائد .

( تتمة ) فيها فصلان ( الفصل الأول ) في صلاة الاحتياط وهي واجبة وكيفيتها أن يقوم بعد السلام وقبل أن يفعل ما ينافي الصلاة فينوي أن يصلي صلاة الاحتياط عما لعله قد نقص من صلاته قربةً إلى الله تعالى ويكبر ويقرأ الفاتحة وحدها سراً حتى البسملة ثم يركع و يأتي بذكر الركوع ثم يسجد سجدتين و يأتي بذكره فيهما ثم يجلس ويتشهد ويسلم و إذا كانت صلاة الاحتياط ركعتين قام إلى الثانية فقرأ الحمد فيها سراً كذلك من غير سورة و أتى بباقي الأفعال ولا قنوت فيها مطلقاً و الاحوط أن لا يفصل بينها وبين الصلاة بالمنافي فإن فعل ذلك أتى بها و أعاد الصلاة و كذا لو نسى ركناً منها أو زاد ركناً فيها ولو كان عليه أجزاء منسية يجب قضاؤها كالسجود و التشهد و ابعاضه خصوصاً الصلاة على النبي و آله  عليهم السلام قدم ركعات الاحتياط عليها ولو اشتغلت ذمته بصلاة الاحتياط ثم مات قبل فعلها كان على الولي أن يأتي بها أولاً على الاحوط ثم يقضي الصلاة وكذا الأجزاء المنسية و أما سجدتا السهو فالاحوط قضاؤهما . (الفصل الثاني) في سجود السهو وتجب فيه النية ولا يجب فيه التكبير وإن استحب فعله ويجب فيه جميع ما يجب في سجود الصلاة على الاحوط نعم لا يجزي فيه مطلق الذكر بل يجب ان يقول في كل من السجدتين بسم الله وبالله وصلى الله على

 

محمد وآل محمد أو يقول بدل ( وصلى الله ) اللهم صل على الخ ويقول بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ويجب بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة التشهد و التسليم والواجب ن التشهد من التشهد الخفيف وهو الشهادتان و الصلاة على محمد و آل محمد ومن التسليم أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ويجوز فيه التشهد و التسليم المتعارف في الصلاة بقصد القربة المطلقة وتجب المبادرة إليه بعد الصلاة ولا يقدح التأخير بما لا ينافيها عرفاً ولا التأخير لتحصيل الشرائط كذلك ولو أخر عصى ولكن صلاته صحيحة ولا يسقط عنه الوجوب و لا الفورية ولو نسيه سجد حين الذكر مبادراً ويؤخره عن الأجزاء المنسية وعن الركعات الاحتياطية ويتعدد بتعدد سببه ولا ترتيب بين أفراده وإن كان الاحوط مراعاته ويجب لأمور ( الأول ) الكلام سهواً ولو لظن الخروج وليس للكلام الواحد وإن طال غير سجدتين . (الثاني) السلام في غير محله . ( الثالث ) الشك بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين . (الرابع ) كل زيادة ونقيصة غير مبطلتين إذا لم يتدارك النقيصة في محلها وإن تداركها بعد الصلاة كالسجدة و التشهد فلو تداركها في محلها فلا سجود ولا سجود في نسيان القنوت ونحوه من المستحبات التي كان عازماً على فعلها ثم نسيها .

الباب الرابع فيما يوجب قصر الصلاة

وهو أمران : ( الأول ) الخوف وهو موجب لقصر الصلاة بإسقاط الركعتين الأخيرتين من الرباعية سفراً وحضراً سواء كان الخوف من إنسان كاللص و العدو ونحوهما أو حيوان كالأسد ونحوه ومطلق الخوف مسوّغ لقصر الكيفية و الاقتصار على ما يمكنه منها وقد يكون الخوف موجباً لقصر الكمية و الكيفية معاً ولو عجز عن استيفاء الصلاة بالركوع و السجود أومأ لهما برأسه ويجعل سجوده اخفض ولو تعذر الإيماء اجتزأ عن الركعة بالتسبيحات الأربع مع النية و التحريمة أولاً و التشهد و التسليم أخيراً على الاحوط ومع رجاء حصول الأمن فالاحوط له التأخير  إلى أن يحصل اليأس منه . ( الثاني ) السفر وهو موجب لقصر الرباعية بشروط ( الأول ) قصد المسافر مقداراً معلوماً فلا يقصر الهائم وطالب الأبق و الضالة إلا في العود مع حصول باقي الشرائط . ( الثاني ) أن يكون المقصود مسافة مخصوصة وهي ثمانية فراسخ ولو ملفقة من الذهاب و الإياب مع قصد العود في يومه أو في يوم آخر ولو قصد ان يذهب فرسخين ويرجع ستاً من طريق آخر أو بالعكس كفى وتثبت المسافة بالبينة أو العلم ونحوه فلو شك في بلوغها ذلك أو ظن به بقي على التمام ولا يترك الاحتياط في خبر العدل الواحد بالجمع ومبدأ الاحتساب سور البلد و آخر البيوت في صغار البلدان . ( الثالث ) استمرار القصد ولو حكماً فلو عدل عنه قبل بلوغ أربعة فراسخ أو تردداً تم ومضى ما صلاه قصراً وإن كانت الإعادة مع بقاء الوقت أحوط . (الرابع) أن لا ينقطع سفره بما يوجب التمام كإقامة عشرة أيام في أثناء الثمانية أو مرور بوطن فعلي له كما لو قصد أربع فراسخ وكان له على منتهاها وطن كذلك أو موضع قد عزم على الإقامة فيه ولو تردد على راس الأربع بقي على التقصير إلى ثلاثين يوماً وكذا منتظر الرفقة في أثناء المسافة نعم لو كان الوطن على منتهى الثمانية قصر في طريقه خاصة . ( الخامس ) التلبس بالسفر و الدخول فيه فلا يكفيه مجرد القصد و العزم وهو في بلده . ( السادس ) أن يتجاوز محل الترخص بأن يخفى عليه سماع الآذان أو أشكال الجدران و المدار على السماع و الرؤيا المتعارفين في الوقت المتعارف . ( السابع ) أن يكون السفر سائغاً شرعاً فلا يترخص العاصي بسفره كالآبق و الناشز و الفار من الزحف وتارك وقوف عرفة وسالك ما يظن فيه العطب ونحوهم أو العاصي بقصده كذوي الغايات المحرمة كقطع الطريق و الصيد لهواً ونحوهما . ( الثامن ) أن لا يكون عمله السفر كالمكاري و الملاح و الساعي وجميع من كان السفر عملاً له كالبريد والذي يدور بتجارته إذا سافروا في عملهم ولم يقيموا في منازلهم أو غيرها عشرة أيام منوية أو غير منوية وإن كان الاحوط الجمع مع عدم النية في غير منازلهم فلو سافر المكاري بغير دابته و الملاح بدون سفينته و التاجر بغير تجارته قصروا وإن كان الاحوط لهم الجمع . ( التاسع ) شرط تعيين القصر أن لا يكون في أحد المواطن الأربع وهي المسجدان الحرميان ومسجد الكوفة و الحائر فإن المصلي مخير فيها بين القصر و الإتمام إلا أن ينوي الإقامة و الاحوط أن يقتصر في التخيير على المسجدين دون الزيادة الحادثة وعلى ما لا يزيد على خمسة وعشرين ذراعاً حول الضريح الشريف الحسيني على مشرفه افضل السلام .          

 

( إكمال ) المدار في القصر على وقت الفعل و الأداء لا على وقت الوجوب وفي القضاء على ما استقر عليه آخر وقت الفائتة لو أداها فمن دخل عليه الوقت مسافراً ثم دخل منزله أو محل إقامته عشراً قبل الصلاة صلى تماماً ولو سافر بعد أن دخل عليه الوقت حاظراً صلى قصراً وإن كان الاحوط الجمع في الصورتين .

الباب الخامس في جملة من الصلاة الواجبة غير اليومية

سواء وجبت بالأصل أو بالعارض وهي أقسام و الجميع تشارك اليومية في جميع ما تقدم من الشرائط و الأركان إلا ما يستثنى هنا من خصوصيات كل قسم منها وفيها ما هو زائد على ما تقدم .

القسم الأول صلاة الجمعة

 و الكلام هنا فيها وفي بعض سننها أما صلاة الجمعة فهي ركعتان عوض الظهر ووقتها من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله و إنما تجب إذا اجتمعت شرائطها المقررة في محلها فلو لم تحصل أو فات وقتها تعينت الظهر ويحرم البيع بعد النداء حال الوجوب العيني . ( و أما سنن يوم الجمعة ) فهي كثيرة كالغسل وغسل الرأس بالسدر و الخطمى و المباكرة إلى المسجد وحلق الرأس واخذ الشارب وقص الأظفار ويستحب البدئة بخنصر اليسرى و الختم بخنصر اليمنى وتحسين القص وحكها بعده ودفنها ويكره القص بالأسنان وليقل عند القلم و اخذ الشارب بسم الله وبالله وعلى سنة محمد وآل محمد صلوات الله عليهم . قال الشهيد في البيان فله بكل قلامة وجزازة عتق ولا يمرض إلا مرض الموت وكتسريح اللحية و التطيب ولبس الفاخر و الأنظف و الدعاء عند الخروج بالمأثور و المشي بسكينة ووقار وقراءة الصافات و الرحمن و الإكثار من العمل الصالح ومن الدعاء فإن فيه ساعة الإجابة فقيل إنها إذا زاغت الشمس وقيل من آخر النهار إلى غروب الشمس وقيل ما بين الطلوعين وقيل أخفيت كما أخفيت ليلة القدر ليتضرعوا بالدعاء في اليوم كله ويستحب أيضاً الصدقة و الإكثار من الصلاة على النبي  صلى الله عليه وآله وسلم   وزيارته وزيارة الأئمة  عليهم السلام وقراءة الإخلاص بعد الفجر مائة مرة و الاستغفار مائة مرة وتطريف الأهل بالفاكهة و اللحم وتكره الحجامة فيه و إنشاد الشعر وغير ذلك من السنن المذكورة في الكتب المبسوطة .

 القسم الثاني في صلاة الآيات

وهي تجب عند كسوف الشمس وخسوف القمر لا كسوف غيرهما من الكواكب بهما أو بغيرهما وزلزلة الأرض وهي رجفتها منطلقاً وكل آية مخوفة سماوية كانت أو أرضية كالخسف ونحوه ولا عبرة بغير المخوف ووقت أداء صلاة الكسوفين من ابتداء الحدوث إلى تمام الانجلاء وكل آية يسع وقتها الصلاة يكون وقتها من حين حدوثها إلى أن تزول ولو لم يسع وقتها الصلاة كالزلزلة غالباً و الهدة و الصيحة وجبت الصلاة حال حدوث الآية فإن عصى ففي غيره طول العمر و الكل أداء وهي ركعتان كصلاة الصبح في العدد وفيما يجب ويستحب إلا إنها تختص بأمور أربعة (الأول) تعدد الركوع فإن في كل ركعة منها خمس ركوعات . ( الثاني ) تعدد الفاتحة في الركعة الواحدة إذا أتم السورة . ( الثالث ) جواز تبعيض الصورة بان يقرأ آية آية منها في كل قيام قبل الركوع وفي الخامس و العاشر يتمها . ( الرابع ) جواز الجهر و الاخفات فيها و الجهر افضل وإن كانت نهاراً وتستحب إعادتها لو فرغ منها قبل الانجلاء وإن يكبر عند كل هويّ للركوع ورفع منه إلا في الرفع من الخامس و العاشر فانه يقول سمع الله لمن حمده و البروز تحت السماء ولو شك في عدد ركعاتها بطلت ولو شك في عدد ركوعاتها بنى على الأقل إلا أن يرجع إلى الشك في عدد الركعات فتبطل كما لو شك انه الخامس أو السادس مثلاً ولو اتفقت وقت حاضرةٍ تخير ما لم تتضيق إحديهما فتقدم ولو تضيقتا قدم الحاضرة اليومية وقضى الأخرى وذات السبب تقدم على اليومية مع سعة الوقت و الله العالم .

 

القسم الثالث الصلاة الواجبة لسبب من الأسباب

وهي أمور يجمعها أمران : ( أحدهما ) الفوات الموجب للقضاء على النفس أو التحمل عن الغير ( أما الأول ) فيجب القضاء وهو فعل مثل الفائت على من فاتته الصلاة مع بلوغه وعقله و إسلامه وخلوّه إن كان امرأة من الحيض و النفاس عمداً أو سهواً للنوم أو لغيره كالمسكر و المرقد مع قصد الاسكار و الرقاد و الاختيار وعدم الحاجة فانه يجب على السكران و شارب المرقد القضاء عند زوال العذر و أما عادم المطهر مطلقاً فيجب عليه القضاء على الاحوط إن لم يكن أقوى وكذا من استوعب إغماؤه أو سكره الوقت على الاحوط فلا قضاء على المجنون و المغمى عليه و الحائض و النفساء و الكافر الأصلي مع استيعاب أوصافهم تمام الوقت فلو لم يستوعب بان حصل من الوقت ما يسع الطهارة و الصلاة بتمامها ولم يصلِ وجب القضاء وإن كان مقدار ما يسع الطهارة وركعة من آخره وليس للقضاء وقت فيقضى ما فات نهاراً ليلاً وبالعكس نعم تجب فيه مراعاة العدد تماماً وقصراً ومراعاة الترتيب بين الفوائت مطلقاً على الاحوط فيبدأ بقضاء ما فات أولاً فأولاً فيبدأ بالعشاء وينتهي بصلاة الصبح لو فاتته خمس فرائض من خمسة أيام وكان أول الفوائت العشاء و الثانية المغرب وهكذا وكذا يراعى الترتيب بين الفائتة القضائية و الحاضرة الأدائية إلا أن يتضيق وقت الحاضرة أو ينسى الفائتة ولم يتذكرها إلا بعد الفراغ من الحاضرة أو في أثنائها بعد فوات إمكان العدول و إلا عدل إليها و أتى بالحاضرة بعد الفراغ منها و الأقرب سقوطه مع جهله وتعسر التكرار المحصل له في ضمن الفرائض المكررة وعدم لزومه في الثنائية و أما هيئة الفائتة وكيفيتها الاختيارية و الاضطرارية فلا تجب مراعاتهما بل العبرة بوقت الفعل أداءاً وقضاءاً فإذا فاتته وهو قادر على تمام الأفعال و أراد قضاءها وهو على حال لا يتمكن معه من تمام الأفعال جاز له القضاء على تلك الحالة ولم يجب عليه تأخيرها إلى زوال العذر ولا إعادتها بعده وكذا يصح القضاء من فاقد الشرائط وإن كان واجداً لها حين الأداء إلا من فاقد الطهارة وإن لم يكن واجداً لها كذلك وقلنا بالوجوب على فاقد الطهورين فإن الواجب عليه التأخير إلى أن يتمكن من الطهارة ولو الترابية لأن الطهارة شرط مطلقاً .

( تتمة ) لا قضاء على الصبي و إن كان مميزاً ثم يستحب تمرينه على القضاء كما يستحب على سائر العبادات حتى النوافل وعباداته شرعية يثاب عليها ويجب على الولي منعه مما يضر به أو بالناس بل يجب عليه منعه من كل محرم علم إرادة الشارع عدم وقوعه في الخارج ولا تقضى صلاة الآيات مع عدم العلم بها وعدم استيعاب الاحتراق وكذا لا قضاء لصلاة الطواف ولا لصلاة الجنازة وإن أطلق القضاء عليهما توسعا وكذا النذر المطلق لو تضيق بظن الوفاة .

( وأما الثاني ) فهو تحمل الولد الذكر الذي ليس اكبر منه عن الأب و الأم ما فاتهما من الصلاة و الصيام من غير تقصير بل مطلقاً على الاحوط وإن كان الأظهر عدم وجوب قضاء ما تركاه عمداً مع تمكنهما منه كما لا يجب قضاء ما تحمله الأب باجرة أو عن أبيه ولا ما فات الجد وفي وجوب القضاء عن الأب لو كان عبداً إشكال أحوطه الوجوب ولا يعتبر في الولدان يكون وارثاً فيقضي وإن كان محجوباً ولو تساوى الأولاد في السنّ تساووا في القضاء و الظاهر عدم وجوب المباشرة على الأكبر فيسقط القضاء عنه باستئجاره الغير عن أبيه لا عنه لعدم قبول الصلاة التحمل عن الحي وكذا لو أوصى الميت به وعمل بالوصية أو تبرع أجنبي أو وارث آخر بفعله أو الإجارة عنه ولو مات الوليّ فلا يتحملها وليه ولا الباقي من أولياء الميت الأول .              

( ثانيهما ) ما ألتزمه المكلف بأحد الأسباب الشرعية كالنذر وما أشبهه من العهد و اليمين وشرائطه وواجباته كاليومية مع الإطلاق ومع تعيين بعض الصلوات كصلاة جعفر أو الكيفيات و الخصوصيات المشروعتين يجب عليه الإتيان بما عينه من ذلك كيفيةً زماناً ومكاناً ومهما نذر من ذلك ينعقد ويجب الوفاء به ولو عين زماناً للمنذور كالجمعة مثلاً فلم يفعله بذلك الزمان المعين متعمداً أثم وعليه الكفارة و القضاء على الاحوط ولو نذر صلاة الاستسقاء في وقتها وجبت ولو عين الوقت فمطر قبله أو فيه ففي سقوط النذر إشكال ولو نذر اليومية على صفة كمال وفعلها على غير ذلك الوجه وجبت إعادتها على تلك الصفة ولو فاتت الصفة كفعلها في أول الوقت وفعلها في غيره صحت وعليه الكفارة ولو نذر الواجبة على وجه مرجوح كفعلها في آخر الوقت أو في أحد الأماكن المكروهة لغى النذر ولو نذر أن يصلي ركعتين فلا تجزي الواجبة بالأصل على الاحوط إن لم يكن أقوى ولو قيده بركعة غير الوتر ففي الانعقاد إشكال لما روي من نهيه   صلى الله عليه وآله وسلم   عن البيتراء وهي الركعة الواحدة ولو نذر الوتر الموظفة فالاحوط الإتيان بالثلاث ولو نذر ركوعاً وسجوداً قيل تجب عليه ركعة ولو نذر سجوداً انعقد ويدخل فيما أشبه النذر من حيث وجوبه على المكلف بسبب من قبله ما وجب على المكلف بالإجارة ونحوها من صلاة واجبة أو مندوبة عن ميت أو حي مما تصح فيه النيابة عنه وقد يجب بذلك غيرها كالصيام و الزيارات و تلاوة القران ونحوها وتصح نيابة الرجل عن الرجل و المرأة و المرأة عن المرأة و الرجل ويصلي كل منهما صلاته لا صلاة المنوب عنه ويعتبر في الأجير أن يكون عالماً بمسائل الصلاة الضرورية عادلاً غير عاجز عن واجبات الصلاة كالقيام ونحوه .

 

الباب السادس في صلاة الجماعة

وتجب في الجمعة و العيدين مع وجوبها و بالنذر وشبهه وعلى من تمكن منها مع جهله بالقراءة وضيق وقته عن التعلم وعدم إمكان متابعة و قراءة في مصحف وتحرم النافلة إلا ما استثني وتستحب مؤكداً في الفرائض اليومية سيما الأدائية وسيما الصبح و المغرب و العشاء و مما ورد في فضلها ان صلاة الجماعة تعدل صلاة الفذ ([1]) بأربع وعشرين درجة و إن عدد الجماعة إذا  بلغ عشرا فلو ان البحار مداد والأشجار أقلام والجن و الأنس و الملائكة كتاب لما قدروا أن يكتبوا ثواب ركعة منها و إن الصلاة خلف العالم بألف ركعة وخلف القرشي بمائة و خلف العربي خمسون وخلف المولى خمس وعشرون و المراد بالعالم صاحب العلم الذي يوجب القرب إلى الله تعالى و الخشية منه من العلوم الدينية مع استعمال ذلك على وجهه و القرشي هو المنسوب إلى النضر بن كنانة جد النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   و الهاشميون العلويون أشراف هذه الطائفة وساداتها و المولى له معان كثيرة منها غير العربي و إن كان حراً و الظاهر انه هو المراد هنا .

إذا عرفت ذلك فأعلم انه يعتبر في الإمام الإيمان و العدالة وطهارة المولد و العقل و البلوغ و الذكورة إذا أمّ ذكراً أو خنثى و الختان مع إمكانه و القيام إذا أمّ قائماً و التقدم ولو بعقبة وقربه من المأموم عادة ولا يضر بعد الصفوف عنه غير الأول إذا كان بين كل صفين منها ما بينه وبين الصف الأول من البعد وقدّر بالخطوة المتعارفة وصحت صلاته ظاهراً أو كونه غير مؤتم وعدم علوّه بما يعتد به وهو ما لا يتخطى في العادة و أما علّو المأموم فلا بأس به ونثبت العدالة بشهادة عادلين وبصلواتهما خلفه إذا كانا عالمين باعتبارها فيه وبالمعاشرة التامة ولا يقتدي الرجل بالمرأة ولا القائم بالجالس ولا الجالس بالنائم ويجوز العكس ولا تجب نية الإمامة إلا في الجماعة إذا وجبت ولكن حصول الثواب يتوقف عليها ويجب على المأموم بعد إحرازه الشرائط في الإمام أن ينوي الإئتمام فلو تابع بغير نية و أخل بما يلزم المنفرد بطلت صلاته و إلا بطلت جماعته  ويلزم تأخيرها و تأخير التحريمة عن نية الإمام وتحريمته فلا تصح مع المقارنة فضلا عن التقدم ولا يصح الاقتداء بأكثر من واحد في فرض واحد ولا بواحد بعينه بل يجب تعيينه و اتحاده وتصح نية الاقتداء بالإمام الحاضر فينوي الصلاة خلف هذا الشخص المعين وإن لم يعلمه بالاسم و الرسم و الخصوصيات الأخر وتجب مشاهدة الإمام أو مشاهدة من يشاهده من المأمومين فلا تصح مع حائل يمنع من المشاهدة ويغتفر الحائل في اقتداء المرأة بالرجل إذا لم يمنع من الاطلاع على أفعال الإمام ولا تمنع الظلمة و الغبار ولا ما يحول وقت الجلوس خاصة ويعتبر توافق صلاة الإمام و المأموم في النظم و الهيئة فلا يقتدى في اليومية بنحو الكسوف ولا العيد ولا يعتبر التوافق في العدد ولا في النوع ولا في القضاء و الأداء ويجوز الاقتداء في ركعتي الطواف بهما وباليومية وبالعكس ولكن الاحوط الترك ومع نقص صلاة المأموم يتخير بين التسليم و انتظار تسليم الإمام وهو افضل ولو زادت أتى بالزائد وتجب متابعة الإمام في جميع الأفعال وفي تكبيرة الإحرام ويأثم لو تقدم عمداً وتبطل صلاته ولو ركع قبل فراغ الإمام من القراءة و إن سبقه في الركوع أو السجود سهواً رجع وتابع و إن زاد ركوعاً ولو تخلف عنه بركن لم تنقطع القدوة و اقل ما تنعقد به الجماعة في غير الجمعة ونحوها اثنان أحدهما الإمام ويكفي في الثاني أن يكون امرأة أو صبياً مميزاً على الأصح وتدرك الركعة بالاقتداء بالإمام من قبل تلبسه بالركوع إلى أن يرفع رأسه منه ويستحب القنوت معه و التشهد ولو اقتدى في ثانية الإمام قرأ في الثالثة التي هي له ثانية سرّاً ولو ركع الإمام قبل أن يقرأ السورة تركها وركع معه ولو ركع قبل أن يقرأ الحمد نوى الانفراد و أتى بالحمد و السورة وباقي الأفعال ويتحمل الإمام القراءة عمن اقتدى به في الركعة الأولى و الثانية في الجهرية و الاخفاتية .

 

الباب السابع في النوافل

وهي قسمان :

راتبة في كل يوم وليلة وهي أربع وثلاثون حضراً ونصفها سفراً ومطلقة غير مقيدة بكل يوم وليلة وهي أقسام منها مشروعة بسبب خاص كالاستقساء و الزيارة و الحاجة و نحوها ومنها المتعلقة بالأزمان كنافلة شهر رمضان ونحوها ومنها المضافة إلى من يقتدي بهم كصلاة علي  عليه السلام وصلاة جعفر  عليه السلام وغيرهما ومنها الصلاة المعادة جماعة ومنها المبتدئة من غير سبب و النوافل كلها ركعتان بتسليم إلا الوتر وصلاة الإعرابي و إلا المعادة فإنها تابعة للسابقة وقد مرّت الإشارة إلى النوافل اليومية و الكلام ها هنا في بيان أقسام الصلوات المندوبة مطلقاً وجملة من أحكامها وذلك يقع في مقامات :

المقام الأول في النوافل اليومية 

وهي قسمان تابع للواجب و غير تابع :

القسم الأول

وهو النوافل اليومية التابعة للواجب وهي ثلاث وعشرون ركعة ثمان للظهر قبلها وثمان للعصر كذلك و أربع للمغرب بعدها وركعتان من جلوس تعدان بركعة للعشاء بعدها وركعتان للصبح قبلها و الوقت الإجزائي لنوافل الظهرين من أول الزوال إلى أن يبقى من الوقت ما يسع الظهر و العصر و لنافلة المغرب من بعد الفراغ من المغرب إلى أن يبقى من الوقت ما يسع العشاء و لنافلة العشاء من بعد الفراغ منها و يستحب أن يجعلها خاتمة صلاته إذا أراد أن يصلي بعد العشاء بعض الصلوات الموظفة في بعض الليالي ووقت نافلة الصبح من طلوع الفجر الأول إلى ان يبقى من الوقت ما يسع صلاة الصبح ويجوز دّسها في صلاة الليل قبل ذلك .

القسم الثاني

النوافل اليومية غير التابعة للواجب وهي إحدى عشرة ركعة ، ثمانية منها نافلة الليل و ركعتا الشفع و ركعة الوتر ويكفي في أدائها الاقتصار على قراءة الفاتحة و اقل المجزي من الأركان و الشرائط و إن لم يأت فيها بدعاء أو استغفار نعم لها آداب وسور و أدعية توجب مزيد فضلها و الثواب عليها مذكورة في كتب أصحابنا جزاهم الله خير الجزاء كمفتاح الفلاح وغيره ولقنوت الوتر أدعية كثيرة و الروايات في فضلها لا تحصى نكتفي منها بخبر واحد وهو ما روي عن الصادق  عليه السلام عن رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   أنه قال صلاة الليل مرضاة الرب وحب الملائكة وسنة الأنبياء و نور المعرفة و اصل الإيمان و راحة الأبدان و كراهة الشيطان وسلاح على الأعداء و إجابة للدعاء وقبول الأعمال وبركة في الرزق وشفيع بين صاحبها وبين ملك الموت وسراج في قبره وفراش تحت جنبه وجواب مع منكر ونكير ومؤنس وزائر في قبره إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة كانت ظلاً فوقه وتاجاً على رأسه و لباساً على بدنه و نوراً ويسعى بين يديه وستراً بينه وبين النار و حجة بين يدي الله تعالى وثقلاً في الميزان وجوازاً على الصراط ومفتاحاً للجنة وقد ورد إنها تطيل العمر وتوسع الرزق ووقتها من نصف الليل المعلوم ببعض النجوم أو غيره إلى الفجر الصادق وفي السحر افضل و هو الثلث الأخير من الليل أو السدس وهو الأقرب ويجوز تقديمها للمسافر بل للمعذور و مطلقاً إلا أن قضاءها افضل من تعجيلها ولو تمكن بعد تقديمها من إعادتها في وقتها أعادها ولو انتبه ولم يبق إلى طلوع الفجر إلا مقدار ركعتي الشفع و ركعة الوتر أتى بها ولو لم يبق إلا مقدار ركعة الوتر اقتصر عليها ولو تخيل سعة الوقت لها فاشتغل بها ثم طلع الفجر فإن كان قد صلى منها أربعاً أتم الباقي مخففاً بالحمد وحدها و إن لم يكن قد أكملها أتم ما في يده و اشتغل بالفريضة و نافلتها .

 

المقام الثاني في الصلاة المستحبة غير اليومية

وهي أنواع :

الأول                            

ما له سبب خاص وليس له وقت خاص كصلاة الزيارة وصلاة الحاجة ونحوهما.

الثاني

ما ليس له سبب خاص ولا وقت خاص وهي كثيرة أهمها و أفضلها و اشهرها بين العامة و الخاصة صلاة الحبوة و هي صلاة جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليهما وتسمى صلاة التسبيح أيضاً وهي أربع ركعات بتسليمين يقرأ فيها بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة الزلزال وفي الثانية والعاديات و في الثالثة إذا جاء نصر الله و في الرابعة التوحيد وبعد قراءة الفاتحة و السورة في كل ركعة يقول خمس عشرة مرة سبحان الله و الحمد لله ولا اله إلا الله و الله اكبر وفي كل ركوع بعد ذكره يقولها عشراً أو بعد رفع الرأس منه عشراً وفي كل سجدة بعد الذكر عشراً وبعد رفع الرأس من كل سجدة عشراً فيكون مجموع التسبيحات ثلثمائة ويدعو في السجدة الأخيرة ، وبعد الفراغ من الصلاة بالمأثور وليس شرطاً بل هو مستحب في مستحب كما انه يمكن الاكتفاء عن السور المذكورة بالتوحيد وغيرها و المستعجل يصليها من غير تسبيح ثم يأتي بالتسبيحات  بعد ذلك وهو ذاهب في حوائجه ومن عرضت له حاجة بعد أن صلى ركعتين منها فلا بأس بان يقضي حاجته ثم يصلي الركعتين الأخيرتين ويمكن جعلها من نافلة الليل ومن غيرها من النوافل فيحصل تأدي الوظيفتين و إدراك الفضيلتين و افضل أوقاتها يوم الجمعة صدر النهار ومن هذا النوع صلاة الإعرابي وهي عشر ركعات كالصبح و الظهرين رواها الشيخ مرسلاً وذكرها السيد في جمال الأسبوع وقال الشهيد لم أستثبت طريقها في أخبارنا .

الثالث

ما له وقت خاص كالصلاة الواردة في بعض الأيام و الشهور كرجب وشعبان وشهر رمضان .

الرابع

ما ليس له سبب ولا وقت ولا اسم ويقال لها النوافل المطلقة و المبتدئة وهي تكره في أوقات خمسة على المشهور وسيأتي ما له تعلق بها .

المقام الثالث في جملة من أحكام النوافل مطلقاً

وهي أمور :    

الأول

شروط النافلة مطلقاً و أفعالها كالصلاة الواجبة إلا ما يأتي .

الثاني

ينوي في النافلة التقرب و السبب المخصوص من كونها للتحية أو للزيارة أو نحوهما ويعين المنسوبة إليه كصلاة جعفر و الإعرابي ونافلة الليل أو شهر رمضان ونحو ذلك .

الثالث

القيام و الاستقرار من مكملاتها فتجوز جالساً و راكباً و القيام افضل حتى في الوتيرة و يحتسبان بركعة ولو قرأ من جلوس وركع عن قيام احتسب له صلاة القائم تفضلاً و أما الاستقبال فالاحوط أن لا يترك في غير السفر و الركوب و المشي ويومئ للركوع و السجود برأسه .

الرابع

يجوز الاقتصار فيها على الفاتحة إلا فيما نص منها على تعيين سورة معينة فيه معها كصلاة ليلة عيد الفطر وصلاة الإعرابي ونحوهما ولا يكره القران فيها بل قد يستحب ويجوز فيها قراءة العزائم ويسجد لها فيها ويجوز الجهر و الاخفات في القراءة وإن كان الأولى الجهر في نوافل الليل و الاخفات في نوافل النهار ويجوز في جميع النوافل قراءة السور من المصحف وإن كان يحفظ غيرها أما الفرائض فالظاهر عدم الجواز إلا مع عدم الحفظ .

الخامس

لا تشرع الجماعة فيها إلا في صلاة الاستسقاء و إعادة المنفرد صلاته جماعة وفي العيدين مع اختلال شرائط الوجوب .

السادس

لا آذان فيها ولا إقامة ويستحب فيها القنوت و الجهر به ولو في نوافل النهار و إطالته ولا بأس بالقنوت فيها بما يقرأ من كتاب ونحوه .

السابع

يكره ابتداء النافلة عند طلوع الشمس وقيامها في وسط السماء وعند ميلها إلى الغروب ولكن في التوقيع الشريف إنها لا تكره و انه ان كان كما يقول الناس ان الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم انف الشيطان بشيء افضل من الصلاة فصلها و أرغم الشيطان .

الثامن

يحرم قطع النافلة اختياراً على الاحوط إلا لفريضة مضيقة أو خوف ضرر على عرض أو نفس أو مال ولو أمكن الإتمام ماشياً أو راكباً أتم و الظاهر جواز قطعها لخوف فوات الجماعة .

التاسع

إذا صلى النافلة بالجلوس استحب أن يضاعفها ويحتسب ركعتين بركعة .

العاشر

لا يقضى من النوافل المؤقتة غير الرواتب اليومية ولو فاتت بمرض استحب ان يتصدق عن كل ركعتين بمدّ فإن لم يتمكن فعن كل يوم ولو تمكن من القضاء فهو افضل .

الحادي عشر  

يحرم الإتيان بها وبكل تطوّع من العبادات مع منع من له المنع شرعاً كالمولى و أحد الأبوين ونحوهما .

الثاني عشر

لا يجوز النيابة فيها عن الأحياء إلا ما استثني من صلاة الطواف منضمة إليه ومنفردة وصلاة الزيارة وتجوز عن الأموات .

الثالث عشر

لا يبطلها الشك في عدد الركعات كيف ما كان و الشاك مخير فيها بين البناء على الأقل و الأكثر و الأول افضل و لا يلزم فيها سجدة السهو ولا صلاة الاحتياط و لا قضاء فيها للأجزاء المنسية التي يجب قضاؤها في الصلاة الواجبة و زيادة الركن فيها سهواً غير مبطلة . قيل وكذا نقصانه ولكن الاحوط في الأول و الأقوى في الثاني هو البطلان .

الرابع عشر

الاحوط عدم الإتيان بالصلاة المستحبة وسائر المستحبات عن غير اجتهاد أو تقليد وإن قيل بكفاية أخذها من كتاب معتبر إلا إن الأقوى أن الإتيان بها إن كان بداعي الأمر الاستحبابي و الخصوصية فلا بد فيه من ذلك وإن كان برجاء الأمر واحتمال المطلوبية فلا يحتاج .

الخامس عشر

لا فرق بين الفرائض و النوافل في بطلانها و حرمتها لو فعلها في المكان أو الساتر المغصوبين على الأصح .

السادس عشر

لا يمنع من فعل النافلة اشتغال الذمة بالقضاء سيما مع التشاغل به وعدم إهماله.

السابع عشر

يصح فعل النوافل اليومية و صلاة الغفيلة في وقت الفريضة إذا كان موسعاً بل يصح فعل النافلة مطلقاً في وقت الواجب إذا لم يتضيق .

الثامن عشر

يكره الكلام بين المغرب ونافلتها و ينبغي أن تكون سجدة الشكر بعد تمام النافلة ولو سجد بعد الفريضة فلا بأس .

التاسع عشر

الإتيان بالنوافل اليومية مكمل لما نقص من قبول الفرائض بسبب ترك الإقبال على جميع الفريضة أو بعضها و الأخبار بذلك مستفيضة منها صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر  عليه السلام قال : إن العبد ليرفع له من صلاته ثلثها ونصفها و ربعها و خمسها فما يرفع له إلا ما اقبل منها بقلبه و إنما أمروا بالنوافل ليتم لهم ما نقصوا من الفريضة .

العشرون

جواز صلاة النوافل المقصورة في أماكن التخيير الأربعة وبقيت له أحكام أخر لا يتسع لها هذا المختصر .

 

الباب الثامن في شرائط القبول وشرائط الكمال

أما القبول فهو أمر وراء مرحلة الأجزاء فإن المكلف إذا أتى بالفعل جامعاً لشرائط الصحة بحسب تكليفه لم تجب عليه إعادة في الوقت و لم تشتغل له ذمة بالقضاء في خارجه و أما القبول فله شرائط لا يحصل بدونها وله موانع لا يوجد بدون رفعها وذلك بعد إحراز شرائط الصحة و رفع موانعها ، أما شرائط القبول فأهمها الإقبال على الصلاة إلى تمامها فإن العبد لا يقبل منه صلاة إلا ما اقبل فيها و لا يحسب له منها إلا ما اقبل عليه و إن العبد ليصلي الصلاة ولا يكتب له سدسها ولا عشرها و إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها و يحصل الإقبال بحضور القلب وهو أن لا يشغله بفكر في أمر آخر غير ما هو فيه و بأن يفهم ما يقول وهو مقام تتفاوت فيه الناس ويتذكر عظمة من يخاطبه ويدعوه بحيث تحصل له هيبة في نفسه أي خوف مصدره الإجلال و الرجاء فرّب معظم سلطاناً يخاف سطوته ولكنه لا يرجو مبرّته فينبغي للعبد أن يكون راجياً بصلاته ثواب الله خائفاً بتقصيره سطوته وعقابه وإن يلتفت إلى تقصيراته و انه قد يخاطب اقل المخلوقين في حال التوجه و الالتفات و انه يخجل من الإساءة مع من احسن إليه ببعض النعم الباطلة الزائلة فيحصل له الحياء وهو أمر وراء الجميع مصدره استشعار تقصير أو توهم ذنب وبهذه الأمور اعني حضور القلب و الفهم و التعظيم و الهيبة و الرجاء و الحياء يحصل الإقبال و الخشوع و السكينة و الخضوع ويكون العبد مقيماً للصلاة ولا يكون من الغافلين وبيان حقيقة هذه الأمور و أسباب تحصيلها وما هو النافع من علاج فاقدها مذكور في كتب علمائنا رضوان الله عليهم و اكثر أهل زماننا المتسمين بالعلم فضلاً عن غيرهم في غفلة عنها و عن مراجعتها و مدارستها و مشتغلون في اغلب أحوالهم بما لا يجدي نفعاً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا نسأل الله أن يوفقنا و إياهم لما هو خير و أبقى و الحاصل أنه ينبغي الجد في تحصيل إقبال القلب على العبادة فانه من أهم الأمور و لعل السبب في كراهة جملة من مكروهات المكان و الأفعال كما يشعر به جملة من الأخبار إنها تشغل الفكر و تفرق الحواس فتنافي الإقبال على الصلاة و التوجه لها بل لا يبعد مرجوحية الصلاة في بعض الأماكن الشريفة التي يكثر فيها اللغط و يعلو بها الضجيج و يتزاحم فيها الرجال و النساء حيث لا يضر بالمارة و إلا جاء الخطر من جهتين وما ذاك إلا لمنافاته للإقبال على الصلاة و الخشوع فيها و الإخبات اللهم إلا لمن لا تشغله الأشغال عن التوجه و الإقبال وقليل ما هم و اقل مراتب الحضور و الإقبال أن يصرف نفسه وفكره عن الحديث بأمور الدنيا ويتصوّر وقوفه بين يدي مولاه وحديث النفس بأمور الدنيا له سببان سبب ظاهري و سبب باطني ، أما الأول فيحصل من النظر إلى ما يراه من شواغل الحواس ومن سماع ما يسمعه من الكلام و الأصوات وعلاج هذا الأمر سهل واضح .

و أما الثاني فمنشاؤه غلبة حب الدنيا و الإقبال عليها و شدة ميل النفس إليها بحيث كلما صرفها عنها رجعت و انصرفت إلى معشوقها ومحبوبها ودواء هذه الداء وعلاجه صعب يحتاج إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس و إلى الفكر و التأمل في أحوال الدنيا و زوالها وتبعات أموالها و وبالها وغير ذلك فعلى المصلي أن يصرف نفسه عن الاشتغال بغير ما هو فيه مهما استطاع فانه يرجى ان يكون من المقبولين إن شاء الله ولما كانت الصلاة ميزان الأعمال وعمود الدين وهي مناط قبول سائر الأعمال و العبادات لأنها إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها وشرط قبولها إقبال القلب عليها فإذا لم يقبل عليها لم تقبل و إذا لم تقبل لم تقبل بقية الأعمال ولم يترتب عليها اجر و لا ثواب وإن أسقطت عن المكلف الإثم و العقاب تفضلّ المولى جلت آلاؤه على عباده لما علم أن أكثرهم ممن لا يحصل له الإقبال و لا يخلو فكره من الاشتغال بالأشغال ومن حديث النفس و خواطر البال فجعل لهم النوافل سبباً لقبول الفرائض وتمامها كما ورد عن زين العابدين  عليه السلام لما قال لأبي حمزة الثمالي :إن العبد لا تقبل منه صلاة إلا ما اقبل فيها و قال له أبو حمزة: جعلت فداك هلكنا قال  عليه السلام : كلا إن الله يتم ذلك بالنوافل. وهل الإقبال شرط في قبول النوافل كالفرائض أم لا؟ توقف في ذلك بعض الفقهاء وجزم بالعدم بعض آخر وهو الأليق بسعة رحمته و الأوفق بتفضله ولطفه. ومن شرائط القبول التقوى كما هو مقتضى قوله تعالى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) و التقوى على ما في البال من مضمون الخبر أن يجدك الله حيث أمرك و يفقدك حيث نهاك . ومن شرائط القبول المحافظة على الصلوات و عدم تضيعها و التهاون بها .

و أما موانع القبول فمنها العُجب الذي هو أحد المهلكات الثلاث بل عن بعض بطلان الصلاة بالعجب المقارن . ومنها الحسد و الكبر و الغيبة و أكل الحرام وشرب المسكر و اباق العبد و نشوز الزوجة و حبس الزكاة ومنع الحقوق الواجبة مع التمكن من أدائها وغير ذلك من فعل المحرمات وترك الواجبات بل بمقتضى الآية الشريفة انحصار القبول بصلاة المتقين و مقتضى جملة أخبار مستفيضة رواها الفريقان أنه لا بد مع ذلك من حصول الإقبال عليها و انه بمنزلة الروح للعبادة فإذا خلت منه كانت جسداً بلا روح .

و أما شرائط الكمال فاعلم انه كما يكون للصلاة صحة وفساد و قبول و أجزاء يكون لها نقص وكمال أي أسباب توجب نقص الأجر و زيادته أما ما يوجب نقصان الصلاة فالعبث بالرأس و اللحية و التثاب و التمطي وفرقعة الأصابع و افتراش الذراعين عند السجود و الاقعاء ([2]) بمعنييه ، وفي الصحيح إياك و القعود على قدميك و أن لا يقوم إلى الصلاة متكاسلاً و لا متناعساً ولا متثاقلاً و لا مدافعاً للبول و الغائط و الريح و نحوها من الخارج من أحد السبيلين ولو منع ذلك من الاستقرار بطل الصلاة ولا يتثأب زائداً على مقدار الاضطرار ولا يتنخم و لا يبصق في أثناء الصلاة ولا يتمطى ولا يتخصر ولا ينفخ موضع السجود ولا يتحرك بمقدار خطوة أو خطوتين إلا لسد الفرجة بين الجماعة و لا ينظر خلف المرأة فعنه  عليه السلام انه من تأمل خلف امرأة فلا صلاة له قال الراوي يعني في الصلاة ولا يعقص شعره ولا يطبق إحدى راحتيه على الأخرى وغير ذلك .

و أما ما يوجب زيادة الأجر و الفضل فالتختم بالعقيق و التطيب و الاستياك و التمشط قبل الصلاة وغير ذلك من موجبات ارتفاع درجات الكمال التي منها أن يكون متزوجاً فإن صلاته افضل من صلاة العزب بسبعين مرة ومنها أن ينظر قائماً إلى موضع السجود و راكعاً إلى ما بين القدمين وقانتاً إلى باطن الكفين و ساجداً إلى طرف الأنف وجالساً إلى باطن الحجر ومنها بسط الكفين وضم الأصابع إلا في الركوع فيفرجها ورفع اليدين لكل تكبير ونصب العنق في القيام ومنها أن يصلي صلاة مودع إلى غير ذلك من السنن .

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن أحيا السنن و أطاع مولاه في السر و العلن انه جواد كريم وصلى الله على سيدنا و نبينا محمد و آله الطيبين الطاهرين .جمادى الثانية سنة 1342 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )

 

كتاب الصيام من هدى المتقين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي كتب علينا الصيام أيّاماً معدودات وجعله لنا سبيلا نهتدي به إلى الفوز بالنجاة ونزّكي به الأبدان من ادناس التبعات ونستعين به على رياضة الأنفس الطامحة إلى الشهوات والصلاة والسلام على اشرف الكائنات وآله الغر الميامين الهداة (أما بعد ) فهذا كتاب الصيام الذي هو من جملة الأركان التي بنى عليها الإسلام والذي هو  جنة من النيران وزكاة للأبدان به يكون النوم عبادة و النَفس تسبيحا و العمل متقبلاً و الدعاء مستجاباً و له آداب كثيرة أهمها استعمال الجوارح في العبادات وصونها عن المعاصي و التبعات و كثرة الاستغفار و الصلاة و تلاوة القران و الدعاء فإن دعوة الصائم لا ترد و القيام بالأعمال الموظفة فيه من الأدعية و الأذكار المأثورة و النوافل و الاغسال و إحياء لياليه بالعبادة سيما ليالي الأفراد وخصوصاً الليالي الثلاث التي يرجى أن تكون إحداهن ليلة القدر ولا سيما الثالثة و الاعتكاف في العشرة الأخيرة و الصدقة فيه و تفطير الصائمين و التوسعة على العيال و التوسع في المطعم و المشرب فانه لا إسراف في ذلك و إظهار محاسن الأخلاق وتحمل الشتم و الأذى و التعاون على البر و التقوى فإن الحسنات تتضاعف فيه أجراً وثواباً و السيئات تزداد وزراً وعقابا .

ومن التطوع فيه الاستهلال و الدعاء عند رؤيته بالمأثور و أفضله دعاء الصحيفة الكاملة و يمتد وقت الدعاء بامتداد وقت التسمية و الأولى عدم تأخيره عن أول ليلة فإن لم يتيسر ففي الثانية فإن فاتت ففي الثالثة و ليقرأ الدعاء مستقبلاً للقبلة غير منتقل عن مكان الرؤية مخاطباً للهلال غير مشير إليه بشيء من جوارحه .

ومن المستحبات التسحر ولو بجرع الماء فإن صلوات الله على المتسحرين وهو مستحب للصائم ولو في غير شهر رمضان و كلما قرب من الفجر فهو افضل و يستحب الاستغفار و الدعاء في السحر الذي هو من افضل الأوقات وفيه يرجى استجابة الدعوات .

ومنها تقديم الصلاة على الإفطار إلا مع شدة منازعة النفس إليه أو حصول الضعف أو عدم الإقبال على الصلاة أو انتظار إفطاره و يستحب أن يكون الإفطار على الحلو كالتمر و الرطب و الزبيب و الماء الفاتر و الدعاء عنده بالمأثور و قراءة سورة القدر عند الفطور و السحور إلى غير ذلك من السنن و الآداب . و الصوم هو الكف عن جميع المفطرات و ان لم يعرفها تفصيلاً من طلوع الفجر الثاني إلى زوال الحمرة المشرقية بداعي امتثال أمره تعالى ووجوبه في شهر رمضان من ضروريات الدين ومنكره من الكافرين وقد يجب الصوم في غيره لأسباب تأتي وقد يكون مستحباً و مكروهاً كراهة عبادة و محرماً فأقسامه أربعة و الكلام على شرائطه و أقسامه و بيان المهم من أحكامه يقع في فصول :

الفصل الأول في شرائطه وهي قسمان

الأول

شروط الوجوب وهي البلوغ و العقل و السلامة من خوف حدوث المرض به أو شدته أو زيادته أو طول مدته برئه ومن مطلق ما أوجب مشقة لا تتحمل عادة أو ضرراً في نفس أو عرض محترمين و نحوهما من الشرائط الخلو من السفر الموجب للقصر عدا ما استثني و الخلو من الإغماء ولو في بعض النهار ومن الحيض و النفاس كذلك و أما الطهارة منهما فهي من شرائط الصحة و لو عرض ما يسقط معه الوجوب بسبب اختياري من المكلف فالاحوط القضاء وإن كان الأقرب سقوط التكليف مع تأثيم الفاعل ومن الشرائط حلول الوقت الذي يصح فيه الصوم وهو النهار غير العيدين ونحوهما فلا يشرع ليلاً و لا ملفقا منهما و لا إدخال شيء من الليل إلا بقصد المقدمية .

الثاني

شرائط الصحة وهي شروط الوجوب المتقدمة إلا في المميز فيصح منه مع شروط آخر منها الإسلام و الإيمان فلا يصح من غير المؤمن و سقوط القضاء عن غيره إذا استبصر مع إتيانه بالصحيح على مذهبه لا يستلزم الصحة ومنها عدم الاصباح على جنابة عمداً أو على حدث حيض أو نفاس على التفصيل الآتي ويصح من المستحاضة إذا أتت بما عليها من الاغسال الواجبة النهارية .

ومنها اعتبار أموراً أخر كخلوّه من الرياء وأن لا يزاحمه واجب أهم وأن يكون الزمان قابلاً له و إذن المالك ونحوه في المندوب وفراغ ذمة من أراده من قضاء شهر رمضان لا من الواجب بإجارة و نحوها .

 

ومن شرائط الصحة مطلقاً النية  وهي القصد إليه مع القربة و الإخلاص ويعتبر فيها التعيين فيما عدا شهر رمضان تعدد الواجب و اتحد تعين وقته أو لم يتعين و الاحوط الجمع بين النية لكل يوم من شهر رمضان و نية واحدة لجميع الشهر و ايقاعها ليلاً أو ما بحكمه على وجه يتحقق سبقها على الفجر ولا يمضي جزء من النهار بغير نية نعم يجوز تجديدها فيه إلى الزوال إذا كان تأخير العذر كجهل و نسيان و نحوهما و كذا في غيره من المعين و في الواجب غير المعين يجوز التجديد إليه اختياراً مع عدم تناول المفطر ولا يجوز تأخيرها في شهر رمضان وغيره من المعين عمداً ولو أخرها إلى ما قبل الزوال كذلك ففي صحة صومه إشكال ويلزم الاستمرار عليها ولو حكماً ولا يقدح الذهول ولا النوم وإن اتصل إلى ما قبل الغروب ولو استوعبا النهار كله فالأقوى الصحة مع سبق النية في جزء من الزمان المتقدم و استدامتها و لو نوى الرياء من الليل أو في بعض النهار فسد صومه وفي صحته لو جدد النية قبل الزوال إشكال و الاحتياط لا يترك وكذا لو عزم على الإفطار في أثناء النهار أو آخره أو تردد في الصوم ويجري هنا ما مر من الإشكال و الاحتياط في التجديد قبل الزوال ويجوز في قضائه تأخيرها عمداً إلى الزوال إذا كان غير متناول للمفطر ثم يفوت وقتها وفي المندوب يمتد وقتها إلى الزوال بل إلى قبيل الغروب ويوم الشك يصام بنية الندب من شعبان ولو انكشف انه من شهر رمضان اجزأ ولو صامه بنية الوجوب إن كان من شهر رمضان و الندب إن لم يكن بحيث يكون الترديد في النية لم يجزه عن أحدهما بخلاف ما لو أتى به بقصد امتثال الأمر الواقعي و إن تردد في المنوي فانه يجزيه على كلا التقديرين ولو اصبح بنية الإفطار ولم يستعمل المفطر فبان انه من شهر رمضان نواه منه ما لم تزل الشمس و أجزأه ولو بان بعد الزوال امسك واجباً و إن كان متناولاً للمفطر و عليه قضاؤه و إن لم يتناوله .

الفصل الثاني فيما يمسك عنه الصائم وهو قسمان

قسم يجب الإمساك عنه وقسم يستحب و الأول منه ما هو مفسد للصوم ومنه ما ليس بمفسد و المفسد منه ما يوجب القضاء فقط ومنه ما يوجب القضاء والكفارة فهاهنا مقامان :

المقام الأول فيما يجب الإمساك عنه وفيه مباحث :

المبحث الأول فيما يفسد الصوم و ينافيه

وهو قد يكون منافياً للصحة و الأجزاء وقد يكون منافياً للقبول و الكمال ( أما ما ينافي الصحة ) و يوجب البطلان فيه أمور تعرف بالمفطرات وهي التي يجب في النية قصد الإمساك عنها ولو إجمالاً ( أولها و ثانيها ) الأكل و الشرب أي ابتلاع أي شيء كان معتاداً أو غير معتاد قليلاً أو كثيراً ولو من الأنف ونحوه و لا بأس بما لا يتعدى الحلق من ذوق مرق أو مضغ طعام أو زق طائر ونحو ذلك كما لا بأس بما يتعداه من الريق ولو بعد جمعه في الفم ما لم ينفصل عنه (ثالثها) الجنابة عمداً وتحصل بإنزال المني سواء كان باستمناء أو ملامسة أو استمتاع مع القصد أو العادة و بالجماع قبلاً أو دبراً واطئاً أو موطوءاً حياً أو ميتاً إنساناً أو بهيمة على الاحوط ويتحقق بغيبوبة الحشفة أو ما بحكمها من الفاعل في الآخر و المكره زوجته صائمين يتحمل الكفارتين ويعزر ولا فساد بادخال غير الذكر ولا بادخاله في غير الفرجين و لا بالاحتلام في النهار و الاحوط المبادرة إلى الغسل . ( رابعها ) إيصال الغبار الغليظ بل مطلقاً على الاحوط إلى الجوف وكذا دخان التتن ونحوه على الأقرب وهو من الشرب بالمعنى المتقدم . (خامسها ) الكذب على الله ورسوله وخلفائه أئمة الهدى  عليهم السلام وكذا باقي الأنبياء و الأوصياء نطقاً أو كتباً أو إشارة في أمر ديني أو دنيوي رجع إلى الصدق فوراً أم لا . (سادسها ) رمس الرأس دفعة أو تدريجاً إلى أن حصل تمامه تحت الماء سواء كان وحده أو مع باقي البدن في الماء المطلق بل و المضاف على الاحوط دون باقي المائعات و المراد من الرأس مجموع ما فوق الرقبة ولا يقدح غمس أجزائه على التعاقب بأن يغمس جزء منه بعد إخراج الآخر . ( سابعها ) الاحتقان بالمائعات خاصة و لا بأس بوصول الدواء إلى الجوف من جرح أو بواسطة إبرة و نحوهما . ( ثامنها ) تعمد القيء و المدار على الاسم ولو اضطر إليه فلا أثم بل قد يجب وإن أفسد ولو سبقه قهراً ولم يرجع منه شيء إلى الجوف اختياراً فلا شيء عليه إلا إذا كان بواسطة استعماله ليلاً ما يعلم انه يبعث عليه نهاراً . ( تاسعها ) تعمد البقاء على الجنابة من غير ضرورة ولا فقد للطهورين حتى يطلع الفجر من يوم يجب صومه من شهر رمضان و قضائه بل الأقرب البطلان في قضائه بالإصباح جنباً وإن لم يكن عن عمد كما إن الأقرب إلحاق الواجب المعين بشهر رمضان و الموسع بقضائه ومن أجنب في وقت يعلم انه لا يسع الغسل ولا

 

التيمم فهو كالمتعمد ولا فرق في تعمد البقاء بين أن يبقى مستيقظاً أو ينام عازماً على أن لا يغتسل و لو عاد إلى النوم بعد انتباهتين فهو كمتعمد البقاء مطلقاً على الأقوى ولو ظن السعة فأجنب أو أخر الغسل ثم بآن الضيق تيمم وصح صومه بل يصح بدونه لو فاجأه الفجر و إن كان القضاء مع عدم المراعاة لا يخلو عن وجه ولو لم يجد المجنب الماء أو ضاق الوقت عن استعماله تيمم ولو تركه كان كتارك الغسل و المتيمم لا يجب عليه البقاء مستيقظاً حتى يصبح وإن كان الأقرب أن لا ينقضه بالنوم كما لا يجوز له نقضه بغيره من النواقض وحدث الحيض و النفاس بعد النقاء كحدث الجنابة فيما ذكر وحصول نقائها في وقت لا يتسع لغسل ولا بد له أو العلم به كذلك كالجنابة أيضاً يصح معه الصوم المعين و أما المستحاضة فتتوقف صحة صومها على أغسالها النهارية بل الأولى لها تقديم غسل صلاة الصبح على الفجر و فعلها في أول وقتها ومع الفصل بغير نافلتها تعيد الغسل ولا تتوقف صحة صومها على غير ذلك من الأعمال التي تتوقف عليه صحة صلاتها .

إكمال                    

كل ما ذكر انه من المفطرات فإنما هو في حال العمد بأن يكون مختاراً متذكراً لصومه إلا البقاء على الجنابة فعلى ما مر و إلا سبق الماء في المضمضة لغير الصلاة و إن كان ذلك عن جهل أما لو كان عن نسيان أو عن غير قصد فلا فساد والمكره اكراهاً يرتفع معه الاختيار كالموجر في حلقه لا يبطل صومه بخلاف المكره على تناوله بنفسه بقتل أو جرح أو نحوهما فانه يفطر لو تناوله و يقضي ولا أثم عليه ولا كفارة و كذا فيما لو تناوله تقية بخلاف ما لو افطر بالغروب قبل زوال الحمرة تقية و إن كان القضاء أيضاً هو الأقرب ومن العمد ما لو أكل ناسياً ثم تناول المفطر لظنه فساد صومه .

و أما ما يجب الإمساك عنه   لمنافاته القبول أو الكمال لا الصحة و الأجزاء فهو جميع المحرمات و القبائح و المحضورات فانه يتأكد على الصائم سيما في شهر رمضان وجوب الكف عنها فقد استفاض عن أهل بيت العصمة  عليهم السلام إن الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده فإذا صمت فليصم سمعك و بصرك من الحرام و القبيح وفي آخر وشعرك وجلدك وعدّ أشياء غير هذا ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك وسمع   صلى الله عليه وآله وسلم   امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا بطعام فقال لها كلي فقالت: أني صائمة فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك ؟ ان الصوم ليس من الطعام و الشراب فقط. وعن أبي جعفر  عليه السلام إن الكذبة لتفطر الصائم و النظرة بعد النظرة و الظلم قليله وكثيره إلى غير ذلك من الأخبار فيتأكد على الصائم وجوب كف لسانه و سمعه وبصره و سائر جوارحه عن المحرمات فإن الاقتصار على الإمساك عن المفطرات لا يجديه إلا في إسقاط القضاء فليتحرز الصائم الذي يرجو نجاح آماله و قبول أعماله من الغيبة و النميمة و الكذب و السب و الفحش و الجفاء و الخصومة و المراء و أذى الخادم و الجار و يجتنب المعاصي و السيئات فإنها إذا صدرت من الصائم عظمت وزره و أسقطت اجره ولم يكن له من صومه إلا الجوع و العطش و تأخير الطعام من وقت إلى وقت آخر . 

المبحث الثاني فيما ليس بمفسد للصوم ولا موجب للقضاء و الكفارة

وهو أمور منها : الإفطار لقطع أو غلبة ظن بدخول الوقت و كانت في السماء علة ثم بان الخلاف فانه لا يبطل صومه .

ومنها ما مرّ في فعل شيء من المفطرات ناسياً .

ومنها نوم المجنب ليلاً ناوياً للغسل حتى طلع الفجر في النومة الأولى .

 ومنها سبق الماء إلى الجوف في المضمضة للصلاة مطلقاً في الوضوء و الغسل بخلاف المضمضة لغيرها .

ومنها تناول المفطر بعد مراعاة الفجر وعدم رؤيته فانه يصح صومه ولو صادف الفجر ولا قضاء عليه .

المبحث الثالث في المفسد الموجب للقضاء

 

خاصة في شهر رمضان ونحوه من الواجب المعين وهو أمور ( أحدها ) فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة عليها و العجز عنها و المعرفة به وعدمها ثم يظهر سبق طلوعه . ( ثانيها ) نسيان من جامع أول ليلة من شهر رمضان الغسل حتى مضت أيام أو مضى الشهر كله فإن عليه أن يغتسل و يقضي صلاته و صومه إلا أن يكون و قد اغتسل لجنابة أخرى ونحوها فانه يقضي إلى ذلك اليوم . ( ثالثها ) تناوله اعتماداً على خبر من اخبر بعدم الطلوع ولو كان بينة ثم بان طلوعه . ( رابعها ) الأذن في الإفطار شرعاً كالارتماس لإخراج نفس محترمة ونحوه . ( خامسها ) الإفطار لظلمة موهمة قطع معها بدخول الليل فبان الخطأ ولم تكن في السماء علة . ( سادسها ) الإفطار لمن اخبر بدخول الليل مع جواز العمل بقوله لعذر كالعمى أو لأنه عدل أو عدلان . ( سابعها ) ترك العمل بقول من اخبر بطلوع الفجر لزعمه سخريته أو كذبه ثم بان صدقه ولو كان المخبر عدلين لم يتوقف القضاء على تحقق سبق الطلوع بل يكفي فيه عدم تبين خلافه . ( ثامنها ) إدخال الماء إلى الفم بمضمضة أو غيرها لا للصلاة بل للتبرد ونحوه فبسقه ودخل الجوف ولا يلحق غير الماء به في ذلك فلا يجب القضاء فيه كما لا يلحق الاستنشاق للتبرد بالمضمضة له . ( تاسعها ) ان ينتبه من نومه مجنباً ثم ينام ثانياً ناوياً للغسل حتى يطلع الفجر فإن عليه القضاء .

المبحث الرابع فيما يوجب القضاء و الكفارة معا

وهو تعمد أحد المفطرات السابقة اختياراً عدا النومة الثالثة فإن من نام مجنباً ونوى الغسل ثم انتبه فنام ثانياً كذلك ثم انتبه فنام ثالثاً كذلك حتى طلع الفجر كان عليه القضاء و الكفارة على المشهور و الأقوى وجوبهما مع نية العدم أو مع الجزم بعدم الانتباه أو اعتياده ولا تجب الكفارة في شيء من الصيام عدا شهر رمضان وقضائه بعد الزوال و النذر المعين وصوم الاعتكاف إذا وجب .

المقام الثاني فيما يستحب الإمساك عنه

ولو فعله لم كن مفطراً ولا منافياً للصحة نعم لا يبعد منافاته لكمال الصوم و إن كان من المحتمل كراهته في الصوم مع عدم تأثيره نقصاً في كماله أو قبوله وعلى أي حال فالذي يستحب الإمساك عنه في الصوم و يكره فعله فيه أمور ( منها ) السعوط و الكحل الذي فيه مسك أو صبر وشم الرياحين سيما النرجس و استدخال الأشياء الجامدة و الفتائل و الاحوط التجنب و تقطير الدهن في الأذن وصبه في الاحليل و استعمال ما يوجب ضعفاً أو اغماءً كدخول الحمام و نزع الضرس و إخراج الدم المؤدية إلى ذلك ولو لم يخش ضعفاً ولا ثوران مرة فلا بأس وكما يكره للصائم أن يحتجم يكره له أن يحجم ولا بأس بها ليلاً . ( ومنها ) بل الثوب على الجسد بخلاف بله بالماء و جلوسه فيه و أما المرأة فالاحوط لها ترك الجلوس فيه . ( ومنها ) القبلة وملاعبة النساء و مباشرتهن لمساً وتقبيلاً إذا لم يقصد الإنزال بذلك ولم يكن من عادته حصوله بها و الإ حرام . ( ومنها ) المضمضة و الاستنشاق لغير الصلاة . ( ومنها ) إنشاد الشعر و روايته في شهر رمضان و في مطلق الصوم و لا سيما في الليل و في يوم الجمعة و إن كان شعر حق وفي رواية أخرى وإن كان فينا و حمل على التقية و عليه فلا تكره روايته و إنشاده في أهل البيت  عليهم السلام .

 

 

 

الفصل الثالث في أقسامه وهي أربعة

نذكرها في أربعة مقامات :

المقام الأول في الصوم الواجب

وهو أقسام نذكر منها ثلاثة ( الأول ) صوم شهر رمضان . ( والثاني ) صوم القضاء الواجب ولو تحملاً عن القرابة . ( و الثالث ) صوم ما وجب لعارض كنذر و نحوه مما ألتزمه بعهد أو يمين أو إجارة أو نحوها . و أما صوم الاعتكاف الواجب وصوم الكفارات وصوم دم المتعة فيأتي ذكرها إن شاء الله في مواضعها . ( أما الأول ) وهو صوم شهر رمضان فيجب عند حلوله و يتحقق بأحد أمرين ( الأول ) رؤية هلاله ولو انفرد بها رؤية متعارفة فلو كان ممن يرى النجم في النهار أو كانت رؤيته بآلة يبصر بها ما لا يرى عادة ففي اعتبار رؤيته و قبول شهادته إشكال و الاحتياط لا يترك و تثبت الرؤية بالشياع المفيد لليقين و بشهادة الرجلين العدلين و لا يترك الاحتياط في أخبار العدل الواحد و بحكم الحاكم إلا مع العلم بخطئه في بعض مقدمات الحكم و لا عبرة بالتنجيم و غيره إلا إذا حصل منها القطع به ولا برؤيته قبل الزوال على المشهور للمستقبلة و بعده للليلة الماضية ويصيبه ما يصيب الشهور من النقصان . ( و الثاني ) مضي ثلاثين يوماً من شعبان فإذا مضى منه ثلاثون يوماً أو تحققت الرؤية على النحو

 

المتقدم و جب الإمساك على من جمع الشرائط السابقة من الفجر الثاني إلى زوال الحمرة المشرقية عن جميع المفطرات مع النية كل يوم من الشهر المذكور حتى يرى هلال شوال أو يمضي منه ثلاثون يوماً و يستحب للمسافر المتناول للمفطر تأدباً إذا قدم بلده أو بلداً يعزم على الإقامة فيه عشراً وللمريض كذلك إذا برأ و للحائض و النفساء و الكافر و الصبي و المجنون و المغمى عليه إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار ولا يجب عليهم الصوم إلا مع زوال العذر قبل الفجر ولا يجب على المريض مع خوف الضرر المعتد به بل يلزمه الإفطار ولو تكفله لم يجزه و كذلك المسافر الجامع للشرائط المعتبرة في قصر الصلاة إلا إذا صامه جهلاً بالحكم أو سافر بعد الزوال ويشترط في قصر الصوم مضافاً إلى اجتماع شرائط قصر الصلاة خروجه قبل الزوال و لا يلزم تبيت نية السفر ولا يتناول المفطر حتى تتوارى عنه جدران البلد الذي خرج منه أو يخفى عليه آذانه و العبرة بالرؤية و السماع المتعارفين في الوقت المتعارف و يكره السفر الموجب للإفطار في شهر رمضان حتى تمضي ليلة ثلاث وعشرين إلا لضرورة أو طاعة كقضاء حاجة مؤمن أو تشييعه أو استقباله و للحج و العمرة و زيارة الأئمة الطاهرين و صالحي مواليهم ولا يقع في شهر رمضان غيره حتى من مسافر نذر الصوم في السفر .

إلحاق الشيخ و العجوز مع العجز أو المشقة الشديدة يفطران ويفديان عن كل يوم بمد من طعام و لا قضاء عليهما و يقضيان مع القدرة على الاحوط و ذو العطاش و ذاته كذلك و الاحوط أن يقتصرا على ما تندفع به الضرورة و يقضيان لو برءا و كذا الحامل و المرضعة إذا خافتا على النفس أو الولد و عليهما القضاء مع زوال العذر . 

(و أما الثاني ) وهو الصوم قضاءً عن النفس و تحملاً عن القرابة ففيه مبحثان (الأول) يشترط في وجوب القضاء عن النفس مع الفوات مطلقاً حال التكليف و الإسلام الصحة فيما بين شهر رمضان الذي فاته الصوم فيه و بين شهر رمضان الذي بعده بقدر ما فات فلو استمر المرض إلى الثاني فلا قضاء ولكن عليه لكل يوم مدّ من طعام و الأفضل مدّان ولا يلحق بالمرض غيره مع الأعذار الموجبة للفوت لو استمر فيجب القضاء و إن استمرت وفي إلحاق استمرار خوف المرض و نحوه بذلك إشكال ولو قارنت أيام الصحة سفراً واجباً لا تمكنه الإقامة في أثنائه أو حيضاً أو نفاساً و استوعب المرض باقي الأيام فالاحوط القضاء و كذا لو كان يصح ليلاً و يمرض نهاراً تمام السنة أو صح بقدر بعض ما عليه من الأيام الفائتة أو صح في شهر رمضان الثاني ثم مرض ثاني العيد و استمر مرضه ولو امكنه القضاء فيما بين شهر رمضان الماضي و الحاضر فلم يفعل صام الحاضر و قضى ما عليه و كفر سواء ترك القضاء تهاوناً أو تسويفاً لظنه استمرار الصحة فعرض له المرض أو عذر آخر ويجوز الإفطار في قضاء شهر رمضان ما لم يتضيق حتى تزول الشمس فإذا زالت لزمه المضي مطلقاً فلو افطر لغير عذر اطعم عشرة مساكين ولو عجز صام ثلاثة أيام و الاحوط اختيار اطعام الستين ولا تجب المبادرة في القضاء ولا التتابع و إن استحب و لا الترتيب نعم قد يجب خصوص ما فات من شهر رمضان عند التضيق بل لا يجوز التطوع بشيء من الصيام لمن عليه شيء من قضائه .

(المبحث الثاني ) يقضى عن الميت من لا ذكر من ولده اكبر منه و إن لم يكن له سواه ما فاته من صوم واجب من شهر رمضان و غيره لمرض و غيره مما تمكن من قضائه و لم يقضه إلا إذا مات في سفره فانه يجب قضاؤه و إن لم يتمكن منه ولو مات في مرضه استحب القضاء عنه ولو كان له وليان أو اكثر فالقضاء بالحصص و اليوم الزائد لو اتفق يجب قضاؤه على أحدهما أو أحدهم كفاية ولو قام به غير الولي تبرعاً صح وسقط عن الولي و كذا لو استاجره الولي أو غيره وينويه الأجير عن الميت لا عن الولي أو أوصى الميت بالقضاء عنه ولا يسقط إلا بأداء الأجير ولو تبرع الولي هنا صح وصرف المال المعين لذلك في وجوه البر ولو كان على الميت شهران متتابعان تعيناً إلا إذا كان من كفارة مخيرة ويجوز أن يقضي الولي شهراً ويتصدق من مال الميت عن كل يوم من الشهر الآخر بمدّ على إشكال .

 

( و أما الثالث ) وهو صوم ما وجب بالعارض لنذر وشبهة و إجارة ونحوها ففيه مبحثان : ( الأول ) في النذر وشبهه و يجب الوفاء به و بالعهد و اليمين مع حصول الشرائط المقررة في محلها فلو عيّن عدداً تعين أو زماناً أو مكاناً راجحين تعيناً ولو نذر صوماً مكروهاً انعقد ووجب الوفاء به و يجري في المعين كنذر يوم بعينه أو أيام كذلك ما يجري في صيام شهر رمضان من الأحكام ولو كان الملتزم به يوماً خاصاً فانكشف انه أحد العيدين أو صادف حيضاً ونحوه سقط وجوبه وكذا لو علقه على شرط فلم يحصل ولو التزم بصوم شيء من شهر كذا من غير تعيين للمقدار أو بصوم مطلقاً أو أجزأه اليوم الواحد ولو نذر أياماً كفت الثلاثة ولا تلزم المتابعة إلا مع نذرها فتلزم ولو أخل  بها لا لعذر استأنف إلا إذا نذرها في القضاء .

(المبحث الثاني ) في صوم النيابة بالإجارة وقد تقدم صومها في القرابة و يشترط في النائب العقل و الإيمان و البلوغ أو التمييز مع استئجاره من الولي ولكن الاحوط عدم استنابته لعدم الاعتماد عليه في أداء الواجب و تجوز نيابة الرجل عن الرجل و المرأة و كذلك المرأة و يستحق النائب تمام الأجرة بعد تمام العمل ولو تعارف تقديمها أو بعضها جرى عليها حكم المشترط قبل العمل و تجب عليه المباشرة بنفسه مع اشتراطها عليه ولا تلزم مع الإطلاق و العلم بإرادة حصول الفعل في الخارج من أي مباشر كان ولو استناب الأجير حيث يجوز له ذلك فلا يستأجر بأقل مما استؤجر به على الاحوط إلا مع إتيانه ببعض العمل ولو اشترط المؤجر زماناً أو مكاناً معينين راجحين أو مرجوحين تعيناً ولو استؤجر على صيام شهر غير معين ونحوه صح ولا يجب البدار إليه ولا المتابعة بين أيامه إلا مع الشرط ونحوه ولا تفرغ ذمة المنوب عنه بمجرد الاستئجار و تصح الإجارة بطريق المعاطاة ويلزم تعيين المنوب عنه بوجه من وجوهه ولا تلزم التسمية بخصوصها و الواجب استئجار الشخص المؤدي و إن لم يكن عادلاً بالأجرة المتوسطة  ولا يجب طلب الأقل ولا الأفضل و يجوز للنائب أن يؤجر نفسه لواحد واكثر وإن اشتغلت ذمته بقضاء عن نفسه أو عن غيره واحداً أو اكثر و لا يجب الترتيب بين ما عليه من المتقدم و المتأخر نعم يجب التعيين مع اتحاد المنوب عنه وتعدده ونية النيابة كما سبق وتصح استنابة جماعة عن واحد من غير ترتيب بينهم في ذلك ولا تجوز النيابة عن الأحياء في الصيام نعم يجوز إهداء ثوابه لهم وللأموات ولا يمنع صوم الإجارة عن المستحب .

المقام الثاني في الصوم المندوب

يستحب صوم جميع أيام السنة إلا العيدين و أيام التشريق لمن كان بمنى وقد ورد الترغيب في الصيام عموماً ومحبوبيته ومزيد الثواب و الأجر عليه و الفوائد الدينية و البدنية فيه ما لا يحصى من الأخبار مضافا إلى ما ورد في بعض أفراده بالخصوص من الأخبار و النصوص مما يدل على تأكد الاستحباب فيها و زيادة الأجر عليها و المهم أن نذكر شيئاً من أحكام الصوم المندوب وبعض ما يتأكد فيه الاستحباب من أفراده و ذلك في مبحثين :

المبحث الأول                

يعتبر فيه ما يعتبر في الصوم الواجب من الشرائط و تجري فيه ما تجري فيه من الأحكام إلا ما استثنى و يشترط فيه مضافاً إلى تلك الشرائط أمور ( الأول ) فراغ الذمة من قضاء شهر رمضان ولو نذره زال المنع ولا يمنع منه اشتغال الذمة بصوم الإجارة و إن قلنا إن الاشتغال بمطلق الصوم الواجب مانع منه . ( الثاني ) أن لا يكون الوقت معيناً لغيره . ( الثالث ) عدم حصول منع ممن له المنع منه كأحد الأبوين و المولى ونحوهما ولا يصح شيء منه في السفر إلا بنذره فيه و إلا ثلاثة أيام لصوم الحاجة في المدينة و يجوز الإفطار فيه ولو بعد الزوال على كراهة إلا إذا دعاه الأخ المؤمن فانه يستحب له الإفطار و يستحب كتم الصوم المندوب .

المبحث الثاني

 

قد أشرنا إلى إن من الصوم المندوب ما لا يختص بوقت معين ولا بسبب خاص وهو جميع الأيام إلا ما استثنى و أما ما يختص بأوقات معينة يتأكد فيها الاستحباب و يتضاعف الرجحان فضروبه كثيرة ( منها ) صوم ثلاثة أيام من الشهر وهي من افضل أفراد الصيام إن لم تكن أفضلها و عليها كان عمله   صلى الله عليه وآله وسلم   حتى قبض وهي أول خميس من الشهر و آخر خميس منه و أول أربعاء من العشرة الثانية و المواظبة عليها يعدل صوم الدهر وتختص باستحباب قضائها لمن فاتته بمرض دون باقي أفراده فلا يقضى شيء منها ولو قضاها في مثلها نال فضيلتهما ولو عجز عنها لكبر أو عطش استحب أن يتصدق عن كل يوم بمدّ من طعام أو بدراهم . ( ومنها ) صوم أيام الليالي البيض و صوم ثلاثة من الشهر وصوم ثلاثة أيام للحاجة سيما في المدينة المنورة ولو للمسافر و منها صوم رجب كله أو بعضه و صوم شعبان كذلك و صلة صومه بصوم شهر رمضان . ( ومنها ) الصوم عند الشدة و النازلة و عند ضيق اليد لما روي من ان بعضهم شكا إلى الكاظم  عليه السلام ضيق يده فقال له صم وتصدق . ( ومنها ) صوم يوم و يوم لا . ( ومنها ) صوم يوم الغدير وهو عيد الله الأكبر فانه صومه يعدل صوم ستين سنة و في رواية صوم الدنيا و يوم المبعث و هو السابع و العشرون من رجب و يوم المولد الشريف وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول ويوم الدحو وهو بسط الأرض وهو الخامس و العشرون من ذي القعدة .وصوم يوم المباهلة الرابع و العشرون من ذي الحجة و غير ذلك مما هو مذكور في المصباح و الإقبال و غيرهما .

المقام الثالث في الصوم المكروه

أي قليل الثواب وهو صوم يوم عاشور تاماً منوياً وصوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء و لمن شك في هلال ذي الحجة وصوم الضيف بدون إذن من مضيفه وكذا العكس لقوله   صلى الله عليه وآله وسلم   لا ينبغي لمن عنده ضيف أن يصوم إلا بأذنه بناء على عود الضمير إلى الموصول لا إلى الضيف كما هو الظاهر . ( ومنها ) صوم الولد بدون إذن والده بل الاحوط تركه مع نهيه بل يحرم إذا كان إيذاءً له ويجري الحكم في ابن الأب بالنسبة إلى الجد و كذا يحرم مع كونه إيذاء للأم . ( ومنها ) صوم ثلاثة أيام بعد عيد الفطر  و بعد عيد الأضحى و أما ما في قواعد الشهيد من إنه روي عن النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   انه من صام رمضان و اتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر فينبغي تأخيرها عن الثلاثة و يبقى الاستحباب لشمول اللفظ و إن قال S  في القواعد إن الأفضل عندنا أن تلي العيد بلا فصل فإن ما ذكرناه هو مقتضى الجمع في الأخبار و يظهر من زاد المعاد إن تركها أجود ولكن الأظهر ما ذكرناه .      

المقام الرابع في الصوم المحرم

و أفراده كثيرة منها صوم عيدي الفطر و الأضحى . ( ومنها ) صوم أيام التشريق لمن كان بمنى أو في مكة و هي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من ذي الحجة و لا بأس بصيامها لمن كان في غيرهما . ( ومنها ) صوم اليوم الذي يشك في انه من شهر رمضان بنية انه منه . ( ومنها ) صوم الوصال بأن يصوم إلى السحر أو يومين و الليلة التي بينهما . ( ومنها ) صوم الصمت بأن يصوم صامتاً إلى الليل متقرباً بصمته كذلك . ( ومنها ) صوم الدهر مع إدخال العيد و صوم المتضرر بصومه كالمريض و الحامل و المرضعة و المسافر الذي يتعين عليه الإفطار و الزوج الواجب عليه الجماع في النهار بعد أربعة اشهر و صوم وفاء نذر المعصية بأن ينذر الصوم إذا تمكن من الحرام أو ترك الواجب و صوم العبد و الزوجة و الولد مع نهي المالك و الزوج و الأب و غير ذلك مما يعرض له التحريم .

الخاتمة في أمور

( الأول ) يستحب وداع شهر رمضان في وقتين ( الأول ) في آخر جمعة منه ويجزيه أن يقول اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه فإن جعلته فاجعلني مرحوما و لا تجعلني محروماً .

( و الثاني ) في آخر ليلة منه فإن خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين .

( الثاني ) من تمام الصوم إعطاء زكاة الفطر فعن الصادق  عليه السلام إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كما ان الصلاة على النبي من تمام الصلاة لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمداً و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي إن الله قد بدأ بها قبل الصلاة فقال قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وفي خبر آخر من ختم صيامه بعمل صالح تقبل الله منه صيامه و إن العمل الصالح إخراج الفطرة .

( الثالث ) ليلة العيد من الليالي الشريفة فيستحب إحياءها بالعبادة و الغسل فيها عند الغروب وصلاة ركعتين بالفاتحة و التوحيد ألف مرة في الأولى ومرة واحدة في الثانية ثم يسجد و يقول ما هو الماثور و تستحب زيارة الحسين  عليه السلام و الأولى أن لا يترك التكبير عقيب المغرب و العشاء و صلاة الصبح و صلاة العيد وهو أن يقول الله اكبر الله اكبر لا اله إلا الله و الله اكبر الله اكبر و لله الحمد على ما هدانا . ( و أما أعمال يوم العيد ) فأهمها إخراج الفطرة على ما يأتي بيانه إن شاء الله و له أعمال وداعية تطلب من مظانها و الله الموفق و المعين و الحمد لله رب العالمين و الصلاة على محمد و آله الطاهرين .

 

 

 

 

 

 

 

قال تعالى

 بسم الله الرحمن الرحيم

( وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )

كتاب الاعتكاف

وهو اللبث في أحد المساجد يقصد العبادة و يصح في كل وقت يصح فيه الصوم و افضل أوقاته شهر رمضان و أفضله العشر الأواخر فإن اعتكافها يعدل حجتين و عمرتين و لا بد فيه من نية القربة و محلها قبل الفجر أو الغروب من ليلة اليوم الأول و الصوم ولو لغيره عن غيره فلا يصح في زمان لا يصح فيه الصوم ولا ممن لا يصح منه و العدد و اقله ثلاثة أيام متوالية و يدخل فيها الليلتان بينهما و الاحوط ضم السابقة و المكان و الاحوط الاقتصار منه على المسجدين الحرمين دون الزيادتين فيهما و مسجد الكوفة و مسجد البصرة و استدامة الإقامة في موضع الاعتكاف فلو خرج منه أبطله إلا لقضاء حاجة أو ضرورة أو طاعة و يتحرى اقرب الطرق ولا يجلس لو خرج ولا يمشي تحت ظل اختياراً ولا يبطل لو خرج ناسياً أو مكرها و إذن من يعتبر اذنه كالمولى و الزوج و نحوهما و لا يجب بأصل الشرع و إنما يجب بنذر وشبهة و بمضي يومين من المندوب و بإجارة ونحوها و المحرم منه ما ابتدع بزيادة أو نقصان أو كيفية غير مشروعة ويحرم على المعتكف الاستمتاع بالنساء و استدعاء المني و البيع و الشراء و الممارات إلا لإظهار الحق و الإرشاد إليه وشم الطيب و الرياحين ليلاً ونهاراً أو يفسده ما يفسد الصوم نهاراً و لو جامع فعليه كفارة شهر رمضان ليلاً كان أو نهاراً إذا كان الصوم للاعتكاف وقد مضى منه يومان  إلا فإن كان الصوم في نفسه ذا كفارة وجبت كفارته وإن لم يمض اليومان فلو مضيا وجبت كفارته و كفارة الاعتكاف فلو كان الصوم منذوراً في يوم معين أو كان الاعتكاف منذوراً في أيام معينة وجبت كفارة خلف النذر و حدها إن لم يمض اليومان و كفارته و كفارة الاعتكاف إن مضيا ولو كان الصوم في نفسه ذا كفارة كشهر رمضان أو قضائه بعد الزوال وقد عينه بالنذر ومضى يومان لزمته ثلاث كفارات ولو افطر قبل الثالث بعد الزوال فعليه كفارتان وإن كان قبله فواحدة و قد يجتمع عليه اكثر من ثلاث كفارات كما لو اكره زوجته في شهر رمضان فظهر ان المعتكف إذا جامع فقد لا تكون عليه كفارة و قد تكون واحدة و قد تتعدد مثنى وثلاث و رباع و لو عممنا التحمل بإكراه الزوجة كانت ستاً وفي وجوب كفارة الاعتكاف بغير الجماع تردداً أقواه العدم و يستحب للمعتكف اشتراط الاحلال إن عرض له عارض كالمحرم فإن شرط وعرض عارض جاز له الرجوع ولو بعد يومين و لا قضاء إلا إذا كان لم يشترط ولو زاد على الثلاثة يومين وجب الثالث وكذا كل ثالث ولو نذر اعتكاف يوم بنفي الزائد بطل ولو نذره لا بشرط ضم إليه يومين آخرين ولو مرض المعتكف أو حاضت المرأة خرجا ويقضيان إذا كان واجباً و المطلقة رجعياً مع عدم كون الاعتكاف واجباً معيناً تخرج إلى منزلها للعدة ثم تقضي مع وجوبه و الله تعالى هو العالم .

 

كتاب العبادات

بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد و آله الطاهرين .

( أما بعد ) فهذا كتاب العبادات اللسانية و أهمها التلاوة و الذكر و الدعاء التي هي من اعظم العبادات و أجل الطاعات و فيها فصول :

الفصل الأول في المهم من الأمور المتعلقة بالقرآن الشريف

الذي هو افضل من جميع الكتب السماوية وفيه مباحث :

المبحث الأول في جملة مما يتعلق به من الواجبات

يجب تعليم القران و تعلمه كفاية و يجوز اخذ الأجرة عليه و يجب تعلم قدر الواجب عيناً و إكرام القران و تعظيمه و قراءته بإحدى القراءات المشهورة على المشهور و تجنب اللحن فيه بقدر الإمكان و سجود التلاوة للعزائم الأربع على القارئ و المستمع وإن تكرر ذلك في مجلس واحد قيل ويجب إصلاحه على الكفاية و قد يجب عيناً كما هو شأن كل واجب كفائي عند الانحصار فيجب المس عند توقفه عليه وتجب له الطهارة ولكن الظاهر أن الإصلاح إنما يجب إذا توقف عليه صون المعجزة أو مست الحاجة إليه في التلاوة أو الاستدلال و نحوهما و انحصر الأمر في قران واحد وقد يجب المس لرفعه من المحل النجس و استنقاذه من يد الكافر ولنذر المس تبرّكا فتجب الطهارة و لو مسه محدثاً سهواً سقط به الفرض بخلاف ما لو تعمد المس محدثاً لعدم حصول الامتثال بذلك ولا يحرم المس على الصبي مطلقاً و هل يجب على الولي منعه منه وعن اللعب به و أصابته بالنجاسة المتعدية و عما يقضي بإهانته الاحوط إن لم يكن الأقوى هو الوجوب .

المبحث الثاني في جملة مما يتعلق به من المحرمات و المكروهات

يحرم الغناء بالقرآن و الرياء بقراءته و ما يكون منها مؤذياً للمصلين و مزعجاً للنائمين و ما يفضي إلى فساد نظم الصلاة كقراءة العزائم فيها أو فوات وقتها كالسور الطوال و ما يكون في وقت و اجب مضيق وما يكون بلسان مغصوب أو في مكان مغصوب على الاحوط وما يرفع زائد على العادة بحيث لا تبقى للقرآن حرمة وما يكون من العزائم على المجنب و نحوه ويحرم على المحدث مسّ كتابته و لا يختص بباطن الكف و لا بظاهر البشرة و يعم التحريم ما كتب في المصحف و الكتب و الألواح و الدراهم وغيرها و المكتوب قد يتعين كونه قرآناً فلا يتوقف على العلم بقصد الكاتب و قد لا يتعين فيتوقف عليه ولا يترك الاحتياط فيما يؤتى به منه في الكتب و الرسائل و العهود لا على جهة الاستشهاد بل لفصاحته وحسن تأديته و فيما يقتبس منه في الشعر و النثر ولا تحرم على المحدث كتابة القرآن على الأقوى و إن كان الاحوط له الترك سيما بإصبعه ولا يحرم مس جلده وهامشه ونحوهما و يكره له حمله و تعليقه و في جواز مسه بالعضو النجس مع عدم التعدي إشكال أحوطه إن لم يكن أقواه العدم ويحرم بيعه على المسلم فضلاً عن الكافر بل لا يجوز رهنه ولا إثبات السبيل له عليه إذا نافى ذلك احترامه و تعظيمه أو استوجب إهانته أو ترتب على بيعه فساد بل مطلقاً و إنما يحل بيع الورق و الجلد و ما فيه من حلية و عمل يد ولا يجوز ان يجعل الثمن بازاء ما على الورق من القرآن مستقلاً أو بالانضمام إلى المجموع فإن الخط لا يدخل في الملك وكما يحرم البيع يحرم الشراء و الأولى لمن أراد استكتابه ان لا يستكتبه بأجرة بل بلا شرط ثم يعطيه ما يرضيه و إن جاز ذلك ويستحب تحسين الكتابة و تبيينها و لا بأس بالتشكيل كما هو المتعارف وأن تكون الكتابة بالسواد لما في الكافي بإسناده عن محمد الورّاق قال : عرضت على أبي عبد الله  عليه السلام كتاباً فيه قرآن مختّم معشّر بالذهب و كتبت في آخره سورة بالذهب فأريته إياه فلم يعب به شيئاً إلا كتابة القرآن بالذهب وقال : لا يعجبني أن يكتب القرآن بالذهب وقال لا يعجبني أن يكتب القرآن إلا بالسواد كما كتب أول مرة ونهى عن السفر به إلى ارض العدو مخافة أن يناله العدو و المراد به الكفار و الظاهر ان الحكم دائر مدار خوف ذلك مطلقاً و يكره ترك القراءة قال  عليه السلام : ثلاثة يشكون إلى الله تعالى مسجد خراب لا يصلي فيه أهله و عالم بين جهال و مصحف معلق قد وقع عليه الغبار و لا يقرأ فيه و تكره القراءة من سبعة من الراكع و الساجد وفي الكنيف و الحمام ومن الجنب و النفساء و الحائض .

المبحث الثالث في جملة مما يتعلق به من المستحبات

 

يستحب تعلمه و تعليمه عيناً مباشرةً وتسبيباً فعنه   صلى الله عليه وآله وسلم   خياركم من تعلّم القرآن وعلمه و عن الصادق  عليه السلام ما من رجل علّم ولده القرآن إلا توج الله أبويه يوم القيامة بتاج الملك الخبر . و يستحب أن يكون في البيت و أن يعلق فيه فإن كلا منهما يطرد الشياطين و تستحب تلاوته و الإكثار منها في جميع الأزمان و الأحوال إلا ما استثنى فإنها قسم من أقسام الذكر يشملها ما ورد فيه من الحثّ و الترغيب و نحوهما بل افضل من الذكر كما في الخبر و يستحب ختمه ففي الخبران من ختم القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه و لكنه لا يوحى إليه و عن الإمام زين العابدين  عليه السلام إن افضل الأعمال الحاّل المرتحل فقيل له ما الحاّل المرتحل فقال فتح القرآن وختمه وعن الإمام الكاظم  عليه السلام إن درجات الجنة على قدر آيات القرآن وروى بعض أصحابنا عن رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   انه قال افضل عبادة أمتي تلاوة القرآن نظراً و يتأكد استحباب تلاوته في شهر رمضان فإن لكل شي ربيعاً و ربيع القرآن شهر رمضان و اقل ما ينبغي ان يقرأ منه في كل يوم خمسون آية و في كل ليلة عشر آيات فإن من قرأ في كل ليلة عشرايات لم يكتب من الغافلين ومن قرأ خمسين كتب من الذاكرين و من قرا مائة كتب من القانتين ومن قرا مائتين كتب من الخاشعين و من قرا ثلثمائة كتب من الفائزين و الأولى ان يكون زيادة على ما هو الموظف في الصلوات و لا يبعد أن تلاوته افضل من تلاوة الدعاء و الأذكار و الأحاديث القدسية وغيرها وهي سنة في نفسها لا تتوقف على فهم المعاني إجمالاً ولا تفصيلاً بعد فهم القرآنية فإن الأظهر اعتباره فيها و الاحوط عدم الاكتفاء عن ذلك بمجرد العلم بأنه مما يتقرب به وتتحقق التلاوة للقادر عليها بالنطق بالكلمات على النحو العربي المألوف مادة وهيئة ولا ينافيها القليل من اللحن الجلي فضلاً عن الخفي ولا تقطيع الكلمات ما دام صدق القرآنية على المتلو وصدق التلاوة له باقياً عرفاً فإن الأمر هنا أوسع منه في الصلاة فلا بأس هنا بالفصل و السكوت بين الكلمات و الآيات و نحوهما إلا أن يكون ذلك مخرجاً عن اسم القرآن و القراءة له كالقراءة المقلوبة و إدخال كلمات من غيره بين كلماته ولو على جهة التفسير و البيان لها فإن ذلك مما يخرجه عن كونه قرآنا كما لا يجزئ في القراءة حديث النفس بل لا بد من التلفظ و اقله ان يسمع نفسه و تلزم المحافظة على الحروف بالإتيان بما يدخل تحت اسمها بأن يخرجها من مخارجها الطبيعية و المحافظة على الحركات و السكنات ولا بأس لو ترك ما يعد تركه لحناً خفياً من المحسنات كالإمالة و الترقيق و الإشباع و التفخيم و المدّ و الإدغام و الوقف و غيرها و إن استحب ذلك ونحوه كما انه لا تجب معرفة قراءات السبعة ولا العشرة ولا الفحص عنها و إنما اللازم هو القراءة على نحو ما هو في المصاحف التي تقرأها الناس و يجوز حيث لا تقية ان يقرأ بما صح من قراءة أهل البيت عليهم السلام بل لعلها افضل من غيرها ثم انه لا يبعد وجوب الترتيب بين آيات كل سورة وبين كلمات كل آية لا بين السور و نحوها و إذا انقطع النفس على كلمة لا يلزم الوقف عليها و النطق بها ساكنة ولا إعادة الآية من أولها و تتأدى القراءة بالتلاوة عن ظهر القلب و بالتلاوة في المصحف و هي افضل من الأولى و إن كان لا يجزي غيرها في الصلاة إلا مع العجز عن المتابعة على ما فصل في محله و لاتجب تلاوة شيء تلاوة شيء من القرآن إلا ما قرر منه في الفرائض نعم قد تجب لعارض كالنذر و ما أشبهه و كالإجارة عليها و اشتراطها في ضمن عقد و نحو ذلك فيأتي بما ألتزمه على نحو ما ألتزمه زماناً و مكاناً و مقداراً بأي كيفية من الكيفيات المشروعة و في المصحف أو مطلقاً و إن كان المنصرف إليه فيما لو أوصى بختمه أو استؤجر عليها أن يكون ذلك في المصحف مبتدئاً بالفاتحة منتهياً بسورة الناس ولو نذر أن يقرأ القرآن أو سورة منه بقراءة عاصم مثلاً فلا يبعد الانعقاد و يتخير في القراءة بين قراءتي راوييه بين الملفق منهما و لا تجب الطهارة للتلاوة الواجبة إلا مع الشرط أو ملزم آخر و تمتاز القراءة في المصحف عن القراءة عن ظهر قلب بأمور أربعة :

( الأول ) أن فيها نظراً في المصحف و النظر في المصحف عبادة . ( الثاني ) أن من قرأ فيه متع ببصره . ( الثالث ) أن من قرأ فيه يخفف عن والديه وإن كانا كافرين . (الرابع) انه ليس شيء اشد على الشيطان من القراءة في المصحف نظراً وتستحب أيضاً قراءته نظراً من غير صوت فتكتب له بكل حرف حسنة و تمحى عنه سيئة و ترفع له درجة و يستحب مؤكداً استماعه و الإنصات إليه فعن أبي عبد الله  عليه السلام انه قال من استمع حرفاً من كتاب الله من غير قراءة كتب الله له به حسنة و محى عنه سيئة و رفع له درجة و أما قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) فعن الصادق عليه السلام إن المراد استحباب الاستماع في الصلاة و غيرها ( ثم اعلم إن للتلاوة آدابا وسننا :

منها أن يكون القارئ على طهارة متطيباً في ثياب طاهرة على هيئة الأدب و السكون قائماً أو جالساً مستقبل القبلة غير متربع ولا متكئ في مسجد أو مشهد أو في بيته فانه ابعد من الرياء و في الخبر نوّروا بيوتكم بتلاوة القرآن إلى أن قال فإن البيت إذا كثرت فيه تلاوة القرآن كثر خيره و اتسع أهله و أضاء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الدنيا وقريب منه أخبار أخر و في بعضها اجعلوا لبيوتكم نصيباً من القرآن و يظهر من الأخبار أن القراءة في البيت لها خواص : ( الأولى ) إنها توجد فيه نوراً حتى يكون البيت كالكواكب الدرية . ( الثانية ) إنها تكثّر فيه البركة و الخير و اليسر على أهله . ( الثالثة ) إنها توجب الزيادة في سكانه عدداً أي تكثر النسل و الذرية و إذا لم يقرأ فيه القرآن ضيق على أهله وقل خيره وكان سكانه في نقصان ثم ان افضل أحوال التلاوة ان يقرأ قائماً في الصلاة فإن له بكل حرف مائة حسنة كما في الخبر و فيه أيضاً ان من قرأه وهو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة و من قرأه في غير صلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون و على غير وضوء عشر حسنات .

ومنها ترتيله كما قال (وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) و الترتيل هو التأني في القراءة و تبيين الحروف و توفيتها حقها بحيث يتمكن السامع من  عدّها من قولهم ثغر مرّتل أي مفلج لا يركب بعضه بعضاً و عن أمير المؤمنين  عليه السلام بينه بياناً و لا تهذّه (1) هذّ الشعر و لا تنثره نثر الرمل و لكن اقرع به القلوب القاسية ولا يكوننّ هم أحدكم آخر السورة و روي أيضاً ان الترتيل حفظ الوقوف و بيان الحروف و الظاهر انه مستحب لذاته تعبداً لا لأجل تدبر القرآن و التفكر في معانيه ولا لأنه اقرب إلى التوقير و الاحترام و اشد تأثيراً في القلب من الهذرمة و الاستعجال و إن كان لا يبعد ان تكون هذه و أمثالها حكمة في استحبابه .

ومنها الاستعاذة قبل القرأة فيقول ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) بل الاحوط عدم تركها قبلها و نقل عن بعض علمائنا و جوبها ولو أضاف إلى ذلك ( رب أعوذ بك من همزات الشياطين و أعوذ بك رب أن يحضرون ) فلا بأس و ليدع عند أخذه القرآن للقراءة و بعد فراغه منها بالمأثور و إذا مرّ بيا أيها الناس و يا أيها الذين آمنوا قال لبيك ربنا و كذلك يقول ما ورد عند قراءة غيرها من الآيات و يقول بعد فراغه من الإخلاص كذلك الله ربي و لختم القرآن دعوات مشهورة و اكملها ما في الصحيفة السجادية .

ومنها تحسين القرأة فإن لكل شيء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن وعنه   صلى الله عليه وآله وسلم   انه قال اقرؤوا القرآن بالحان العرب و أصواتها و إياكم و لحون أهل الفسق و الكبائر فانه سيجيء بعدي أقوام يرّجعون القرآن ترجيع الغنا و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم ويروى مفتونة .

ومنها استحباب الحزن عند القراءة بالبكاء و التباكي و الكابة لقوله  عليه السلام ان القرآن نزل بالحزن فأقرءوه بالحزن وعن حفص بن غياث ان قراءة موسى بن جعفر  عليهما السلام  كانت حزناً .

ومنها إسرار القراءة ويدل على استحبابه ما روي عنه   صلى الله عليه وآله وسلم   انه قال فضل قراءة السر على قراءة العلانية كفضل صدقة السر على صدقة العلانية وفي رواية أخرى الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة و المسرّ به بالصدقة و في الخبر العام يفضل عمل السر على عمل العلانية سبعين ضعفاً ولا ينافي ذلك ما روي عنه   صلى الله عليه وآله وسلم   من انه سمع جماعة من أصحابه يجهرون في صلاة الليل فصوّب ذلك و انه قال إذا قام أحدكم من الليل يصلي فليجهر بقراءته فإن الملائكة و عمّار الدار يستمعون إلى قراءته ويصلون بصلاته مما يدل على استحباب الجهر لأن المراد بالجهر ما قابل الاخفات و بقراءة السر ما قابل العلانية كما إن المراد بالجاهر بالقرآن المتجاهر به المتظاهر بقراءته وإن اخفت في القراءة و الحاصل ان المراد بالإسرار التكتم بالعبادة وعدم التجاهر بها بين الناس في المجتمعات و المحافل و لا دخل للأخبار هنا بكيفية القراءة جهراً و اخفاتاً بل لا يبعد أن الجهر بها افضل من الاخفات لاستحباب الاستماع و استحباب تحسين الصورة ولما روي من ان علي بن الحسين  عليه السلام كان احسن الناس صوتاً بالقرآن وكان السقاؤون يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته و غيره من الأخبار نعم قد يعرض للجهر في القراءة ما يزيل رجحانه من إيذاء لمصل أو ازعاج لنائم و نحوهما وهو أمر آخر فما يظهر من المنافات بين أخبار استحباب الإسرار و استحباب الجهر كما جزم به في إحياء الأحياء ولا وجه له قال فالوجه في الجمع بين هذه الأحاديث ان الإسرار ابعد عن الرياء و التصنع فهو افضل في حق من يخاف ذلك على نفسه فإن لم يخف ولم يكن في الجهر ما يشوش الوقت على مصل آخر فالجهر افضل لأن العمل فيه اكثر إلى آخر ما ذكره من مرجحات الجهر الاعتبارية ومنها مراعاة ما يجب و يستحب قولاً و فعلاً من حق الآيات فيسجد وجوباً على الفور لقراءة كل من آيات العزائم الأربع عند قوله تعالى (ولا يستكبرون ) في الم تنزيل و قوله تعبدون في حم فصلت وعند ختم سورتي و النجم و العلق ولاستماعها بل و لسماعها على الاحوط ولا يجب على من كتبها أو تصورها أو نظرها مكتوبة أو أخطرها بالبال و يقول في سجوده ( سجدت لك تعبداً ورقاً لا مستكبراً عن عبادتك و لا مستنكفاً ولا متعاظماً بل أنا عبد ذليل خائف مستجير) فإذا رفع رأسه  قال الله اكبر ويجزي غير ذلك من الذكر لاستحبابه و الواجب مجرد السجود و إن كان الأولى ان يأتي بالمأثور من الذكر و أما التكبير للرفع فلا ينبغي تركه و لا يحتاج بعد إباحة محل السجود عدم علو المسجد بما يزيد على أربعة أصابع وبعد النية إلى طهارة ولا استقبال ولا إلى ما يصح السجود عليه فيسجد المحدث بالأصغر و الأكبر كالجنب و الحائض ولو نسيها سجد متى ذكر وجوباً و يستحب السجود في أحد عشر موضعاً من القرآن : ( في الأعراف ) عند قوله (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (وفي الرعد) عند قوله (وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) (و في النحل ) عند قوله (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ( وفي بني إسرائيل عند قوله (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (وفي سورة مريم ) عند قوله (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) ( وفي الحج ) في موضعين عند قوله (يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ )وعند قوله وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) ( وفي الفرقان ) عند قوله (وَزَادَهُمْ نُفُورًا) ( وفي النمل ) عند قوله (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ( وفي ص ) عند قوله (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) ( و في الانشقاق ) عند قوله (وَإِذَا قُرِئَ) و الأولى السجود عند كل آية أمر فيه بالسجود و عن الصادق  عليه السلام انه ينبغي لمن قرأ القرآن إذا مرّ بآية فيها مسألة أو تخويف أن يسأل الله عند ذلك خير ما يرجو ويسأله العافية من النار ومن العذاب .

ومنها مراعاة مقدار ما تكون فيه القراءة من الزمان أما اقل ما ينبغي أن يقرأ في كل يوم وليلة فقد مرّ ذكره و أما مقدار الزمان الذي ينبغي ان يختم فيه فقد قدر في مكة المشرفة بأسبوع أو اقل أو اكثر فعن أبي جعفر  عليه السلام قال من ختم القرآن بمكة من جمعة إلى جمعة أو اقل من ذلك أو اكثر وختمه في يوم جمعة كتب له من الأجر و الحسنات من أول جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون فيها و إن ختمه في سائر الأيام فكذلك و أما في غير مكة فعن الصادق  عليه السلام انه قال لمن قال له : اقرا القرآن في ليلة لا يعجبني ان يقرأ القرآن في اقل من شهر وقال له أبو بصير : جعلت فداك اقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة فقال لا قال : ففي ليلتين قال لا : قال : ففي ثلاث . قال : ها و أشار بيده ثم قال : يا أيا محمد إن لرمضان حقاً و حرمة ولا يشبهه شيء من الشهور و كان أصحاب محمد   صلى الله عليه وآله وسلم   يقرأ أحدهم القرآن في شهر و اقل إن القرآن لا يقرأ هذرمة و لكن يرتل ترتيلاً و إذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها و تعوذ بالله من النار و أما تجزية القرآن و قسمته أجزاء و أحزاباً وغير ذلك فلم نقف في أخبارنا على ما يتعلق بذلك ولا على خصوصية للأجزاء و الأحزاب المعروفة في المصاحف التي في الأيدي ويقال ان تجزئته إلى ثلاثين جزءاً للقراء الذين كانوا في عصر الحجاج و انه أحضرهم فعدوا الكلمات و الحروف وقسموه إلى الأجزاء نعم في أخبارنا ما يظهر منه ان التعشير و التختيم كانا في زمن الأئمة  عليهم السلام كما مر في خبر الورّاق انه عرض على أبي عبد الله عليه السلام كتاباً فيه قرآن مختم معشر بالذهب الخ . وفي خبر آخر قال قلت في كم اقرأ القرآن قال اقرأه أخماساً اقرأه أسباعاً  أما ان عندي مصحفاً مجزءاً أربعة عشر جزءاً و الحاصل ان لتالي القرآن ان يقرء بلا تجزئة وله أن يجزئه بحسب ما يتهيأ له و يتسع له

 

وهو قد يكون نافذ الفكر في معاني القرآن سريع التدبر فيها طلق اللسان كثير المزاولة له فيكتفي في ختمه بالمدة القليلة و قد لا يكون كذلك فيحتاج إلى الشهر و نحوه ثم ان هناك آداباً باطنية ينبغي لتالي القرآن ان لا يخلو منها و نعني بها فهم عظمة الكلام و علوه و عظمة المتكلم فيحضر في قلبه ذلك و يترك حديث النفس فيكون متجرداً من كل شاغل مقبلاً على ما يقرأه منصرفاً عن غيره إليه متدبراً لمعانيه أي متفكراً متأملاً فيها (و اصله من تدبر الأمر و النظر في أدباره و عواقبه ) فعنه  عليه السلام لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا في قراءة لا تدبر فيها ولو احتاج التدبر إلى ترديد الآية أو السورة رددهما و إن يستوضح من كل آية ما يليق بها فيستوضح من بعضها قدرته تعالى و عظمته و شدة بأسه وسطوته و سعة رحمته و نحو ذلك وأن يتخلى عن موانع الفهم فلا يكون همه منصرفاً إلى تحقيق إخراج الحروف من مخارجها مشغولاً بذلك عن تدبر المعاني ولا معتقد الأمر ركزته في نفسه عصبية الاتباع أو تقليد المفسرين من غير دليل عليه ولا برهان و ان ما وراءه من التفسير بالرأي ولا مصراً على ذنب ومتصفاً بكبر ونحوه مما يوجب ظلمة القلب و غشاوته فإن جميع ذلك من موانع الفهم وحجبه و أستاره وينبغي للتالي ان يتأثر بحسب اختلاف الآيات فعند ذكر صفاته و نعوت جلاله يتصاغر لعظمته ويتطأطأ خضوعاً لجلاله وعند الوعيد و التهديد يتضاءل من الخيفة وعند ذكر المغفرة و الرحمة يظهر الاستبشار و المسرة ونحو ذلك .

تكملة روى بعض علمائنا العارفين عن الصادق  عليه السلام فصلاً يتعلق بما نحن فيه و الأقرب ان الفصل بتمامه من قول الصادق  عليه السلام وصادق القول قال  عليه السلام : من قرأ القرآن ولم يخضع له ولم يرق عليه و لم ينشأ حزناً ووجلاً في سره فقد استهان بعظم شأن الله وخسر خسراناً مبيناً فقارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء قلب خاشع و بدن فارغ و موضع خال فإذا خشع لله فرّ منه الشيطان الرجيم و إذا تفرغت نفسه من الأسباب تجرد قلبه للقراءة فلا يعرضه عارض فيحرمه نور القرآن وفوائده و إذا اتخذ مسجداً خالياً و اعتزل من الخلق بعد ان أتى بالخصلتين الأوليين استأنس سره و روحه ووجد حلاوة مخاطبات الله عباده الصالحين وعلم لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم بقبول كرامته و بدائع إشاراته فإذا شرب كأساً من هذا المشرب فحينئذ لا يختار على ذلك الحال حالاً ولا على ذلك الوقت وقتاً بل يؤثره على كل طاعة و عبادة لأن فيه المناجاة مع الرب بلا واسطة فأنظر كيف كتاب ربك ومنشور ولايتك وكيف تجيب أوامره ونواهيه و كيف تمتثل حدوده فانه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يدي ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فرتله ترتيلاً وقف عند وعده ووعيده و تفكر في أمثاله و مواعظه و احذر ان تقع من اقامتك حروفه في اضاعة حدوده وهذا آخر الفصل للكلام .

المبحث الرابع في جملة من الأمور المتعلقة بالقرآن المجيد

وهي كثيرة :

(منها) الاستشفاء به والاسترقاء والاستكفاء ففي الخبر انه شكى إليه رجل وجعاً في صدره فقال  عليه السلام استشف بالقرآن فإن الله عز وجل يقول وشفاء لما في الصدور وقال عليه السلام شفاء أمتي في ثلاث وعدّ منها آية من كتاب الله العزيز إلى غير ذلك وكيفية الاستشفاء على ما يظهر من الأخبار قد تكون بقراءة الآية وقد يكون بكتابة آية على العضو السقيم ولا بدّ قبل الكتابة من الوضوء أو الغسل أو التيمم وقد تكون بكتابة الآية في إناء أو في قرطاس ثم تغسل بماء فيشرب كما ورد فيمن في بطنه ماء اصفر ان تكتب على بطنه آية الكرسي ويشربها ويجعلها ذخيرة في بطنه فيبرأ بإذن الله تعالى و أما الاستكفاء والاحتجاب فيحصل ذلك بالحمل و التعليق وبقراءة التوحيد عن اليمين و الشمال و الأمام و الخلف و التحت و الفوق و عند الدخول على سلطان جائر يقرأها ثلاث مرات حين ينظر إليه و يعقد بيده اليسرى ثم لا يفارقها حتى يخرج من عنده و هناك آيات تقرأ للحفظ و نحوه تطلب من مظانها كعدة الداعي و غيرها و منها الاستخارة بأن يفتح المصحف و ينظر إلى أول ما يرى فيه فيأخذ به ولها كيفيات أخر و أما التفاؤل به فهو و إن كان مما لا بأس به للرواية و عدم اعتبار ما يعارضها إلا إن الأولى تركه ومنها استحباب إهداء ثواب القراءة إلى النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   و الأئمة و الزهراء   عليها السلام و المؤمنين ليكون معهم في الجنة ومنها استحباب قراءة بعض السور بخصوصه مطلقاً أو في أوقات خاصة أو في الصلاة خاصة وهي كثيرة تطلب من مواضعها .

 

              الفصل الثاني في الذكر

وهو بجميع أقسامه من افضل العبادات و اعظم الطاعات و يكفي فيه من القرآن الشريف قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) ومن السنّة ما روي عن الصادق  عليه السلام قال قال الله تعالى من ذكرني في ملأ من الناس ذكرته في ملأ من الملائكة وعنه  عليه السلام إن شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا و روي ان موسى  عليه السلام سأل ربه فقال يا رب أ قريب أنت مني فأناجيك أم بعيد فأناديك فأوحى الله إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني و بالاسناد إلى ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله  عليه السلام قال ان الله تعالى يقول من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته افضل ما أعطي من سألني إلى غير ذلك من الأخبار التي لا يسعها هذا المضمار و الكلام هاهنا في أمور ( الأول ) الذكر مستحب في كل وقت و في كل حال فقد روي انه لا بأس بذكر الله و أنت تبول فإن ذكر الله حسن على كل حال وروي ان موسى  عليه السلام قال الهي تأتي عليّ مجالس أعزك و أجلك أن أذكرك فيها فقال يا موسى إن ذكري حسن على كل حال و يتأكد  استحبابه بين الغافلين فعنه   صلى الله عليه وآله وسلم   ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل في الفارين و المقاتل في الفارين له الجنة. ( الثاني ) افضل الأوقات عند الإصباح و الامساء و بعد الصبح و العصر ففي الحديث القدسي يا ابن آدم اذكرني بعد الصبح ساعة و بعد العصر ساعة أكفك ما أهمك . (الثالث ) الإسرار بالذكر مستحب لأنه اقرب إلى الإخلاص و ابعد من الرياء ففي الحديث القدسي من ذكرني سراً ذكرته علانية و قال   صلى الله عليه وآله وسلم   لأبي ذر اذكر الله ذكراً خاملاً فقال له ما الخامل قال الخفي و قال تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) . (الرابع) أقسام الذكر كثيرة منها التحميد و له كيفيات مروية فعن الصادق  عليه السلام انه من قال إذا اصبح أربع مرات الحمد لله رب العالمين فقد أدى شكر يومه و من قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليله وإن من قال الحمد لله كما هو أهله فعلى الله ثوابها . ومنها التمجيد و التعظيم من نفي الشريك ووصفه تعالى بما أهله من صفات الجلال و الكمال. ومنها التهليل و التكبير فإن قول لا اله إلا الله خير العبادة و انه ليس شيء احب إلى الله من التكبير و التهليل . ومنها التسبيح فمن قال سبحان الله مائة مرة كان ممن ذكر الله كثيراً. ومنها أن يوقل اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له إلها و احداً أحداً فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة و لا ولداً خمساً و أربعين مرة. ومنها الكلمات الخمس الخفيفة على اللسان الثقيلات في الميزان اللواتي يرضين الرحمن و يطردن الشيطان وهُنّ من كنوز الجنة ومن تحت العرش ومن الباقيات الصالحات وهي ( سبحان الله و الحمد لله ولا اله إلا الله و الله اكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ) . ومنها أن يقول بعد الفراغ من الفريضة ثلاثين مرة (سبحان الله و الحمد لله ولا اله إلا الله و الله اكبر ) فإن أصلهن في الأرض وفرعهن في السماء وهن يدفعن الهم و الهدم و الحرق و الغرق و التردي في البئر و أكل السبع وميتة السوء و البلية التي تنزل من السماء في ذك اليوم على العبد و هن الباقيات الصالحات . ومنها الاستغفار فإن من اكثر منه رفعت صحيفته وهي تتلألأ وكان   صلى الله عليه وآله وسلم   يستغفر الله غداة كل يوم سبعين مرة ويتوب إلى الله سبعين مرة و افضل أوقات الاستغفار أوقات الأسحار قال تعالى (كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ  وَبِالاسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وقال تعالى (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) و الاستغفار طلب المغفرة و الغفر بمعنى الستر و المراد منه طلب العبد غفران الذنب من الرب وهو حقيقة في القول دون غيره من أسباب المغفرة و في الصحيح في قوله تعالى (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) في الوتر سبعين مرة و الظاهر انه الفرد الأكمل فتتأدى وظيفته بقول استغفر الله وربي اغفر لي مع التكرار وعدمه في صلاة الوتر وغيرها ويستحب الإكثار منه في جميع الأوقات و الأصل فيه الندم و التوبة و إصلاح الباطن فالمستغفر من الذنب المصر عليه كالمستهزئ بربه نعوذ بالله من ذلك. ( الخامس ) للذكر أوقات خاصة يتأكد استحبابه فيها منها ما تقدم ومنها السحر و هو السدس الأخير من الليل و آخره متصل بالصبح و ربما قيل انه أوسع من ذلك وهو من الأوقات الشريفة لجملة من الطاعات كالايتار و الاستغفار طول العام و السحور و الدعاء المأثور في شهر الصيام. ومنها الزوال و أول ما تفعله عند تحقق الزوال ان تقول ما علمه الباقر  عليه السلام لمحمد بن مسلم وقال له حافظ عليه كما تحافظ على عينيك وهو ( سبحان الله ولا اله إلا الله و الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولي من الذل و كبره تكبيرا) ثم بادر إلى الوضوء . ومنها إذا احمرّت الشمس . ومنها

 

عشر ذي الحجة ولها تهليل معروف ومنها عند النوم ومن أهم الأذكار عنده تسبيح سيدتنا الزهراء   عليها السلام وهو أحد الوقتين الذين يستحب فيهما و الثاني بعد الصلاة وقد وردت أذكار خاصة لجملة من الأفعال و الأحوال و المخاوف و الأمراض ووردت أدعية و أذكار كذلك للقيام إلى الصلاة و التوجه إلى القبلة و بعد التكبيرات الافتتاحية و في باقي أحوال الصلاة كالركوع و السجود تطلب من مظانها كخلاصة الأذكار و غيرها . ( السادس ) لا ينبغي ترك الذكر بل ربما حرم لأن الشكر قسم من الذكر و شكر المنعم واجب و في الخبر ما من قوم اجتمعوا في مجلس ولم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيهم إلا كان ذلك المجلس حسرةً ووبالاً عليهم يوم القيامة و عنه  عليه السلام فيما أوحى إلى موسى  عليه السلام يا موسى لا تفرح بكثرة المال و لا تدع ذكري على كل حال فإن كثرة المال تنشئ الذنوب و إن ترك ذكري يقسي القلوب فلا ينبغي للإنسان أن يخلي مجلساً من ذكر الله و يقوم منه بغير ذكر و ليقل إذا أراد القيام من مجلسه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.

خاتمة

 قد يكون الذكر جهراً وقد يكون سراً و هناك قسم ثالث وهو الذكر الذي يكون في نفس الرجل لا يعلمه غير الله و قد أشار  عليه السلام إليه فيما رواه زرارة قال عليه السلام فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله لعظمته و هناك قسم رابع قيا انه افضل منها بأجمعها وهو ذكر الله سبحانه عند أوامره فيفعلها و عند نواهيه فيتركها خوفاً ومراقبة فعنه   صلى الله عليه وآله وسلم   من أطاع الله فقد ذكر الله كثيراً وإن قلّتْ صلاته وصيامه و تلاوته القرآن الخبر و على هذا الذكر مدار قبول الأعمال و هو التقوى ولما سئل الصادق  عليه السلام عن تفسير التقوى قال أن لا يفقدك الله حيث أمرك و لا يراك حيث نهاك و الحاصل أن الكثير من الذكر اللساني ومن جميع العبادات مع عدم التقوى وعدم اجتناب النواهي غير مجدٍ ولا مقبول .

الفصل الثالث في الدعاء

الذي هو سلاح المؤمن و ترسه ومفتاح كل رحمة و نجاح كل حاجة إذا صدر من قلب تقي و صدر نقي و قد ورد من الترغيب فيه و الحث عليه و بيان فضله ما لا يحصى و قد أمر به الله تعالى في كتابه المجيد فقال (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) فجعله عبادة و جعل المستكبر عنه بمنزلة الكافر يدخل جهنم ذليلاً صاغراً وقال تعالى (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا)  وقال (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) إلى غير ذلك مما في بعضه كفاية و إتمام حجة و سبب منع الإجابة من كثير الداعين الإخلال بشروط الدعاء و آدابه أو عدم الوفاء بعهد الله قال تعالى (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) و يخطر في البال ان ذلك مروي عنهم  عليهم السلام و ان الإجابة خلاف مصلحة الداعي أو غير ذلك فينبغي للداعي إذا تأخرت عنه الإجابة أن يرضى بقضاء الله و يجعل عدم الإجابة عين الصلاح له فعنه   صلى الله عليه وآله وسلم   انه قال : يا عباد الله انتم كالمرضى و رب العالمين كالطبيب و صلاح المرضى فيما يعلم الطبيب و يدبره لا فيما تشتهيه المرضى و تقترحه إلا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين و أما ما دل من الأخبار على فضل الدعاء و تأكد استحبابه فمما يفضي استقصاءه إلى إطناب لا يسعه المجال و الغرض بيان ما ينبغي للداعي رعايته وملاحظته من أسباب الإجابة وهو أمور: ( الأول ) رعاية أوقات الإجابة كليلة الجمعة فإن الدعاء فيها لا سيما سحرها مستجاب و يوم الجمعة الذي هو سيد الأيام بل في بعض الأخبار انه اعظم من يومي الفطر و الأضحى و كشهر رمضان و ليلة القدر و ليالي الإحياء الأربع ويوم عرفة و عند هبوب الرياح و زوال النهار و زوال الليل و نزول الأمطار ونحو ذلك . ( الثاني ) ما يرجع إلى المكان كعرفة و المشعر الحرام و الحطيم و المستجار و الكعبة و المساجد و المشاهد ومن اشرف أماكن الدعاء عند قبر سيدنا سيد الشهداء الحسين  عليه السلام فإن الله عوضه عن قتله بخصال ( منها ) أن إجابة الدعاء تحت قبته ويروى أن الصادق  عليه السلام أصابه وجع فأمر أن يستأجروا له اجيراً يدعو له عند قبر الحسين  عليه السلام فقال الرجل أنا امضي و لكن الحسين إمام مفترض الطاعة و هو إمام مفترض الطاعة فعرّفوه  عليه السلام قوله فقال  عليه السلام هو كما قال لكن ما عرف ان لله تعالى بقاعا يستجاب فيها الدعاء فتلك البقعة من تلك البقاع . ( الثالث ) ما يتعلق بالأفعال و الأحوال كوقوعه بعد الصلاة وعن الصادق  عليه السلام انه يستجاب الدعاء في أربعة مواطن في الوتر و بعد الفجر و بعد الظهر و بعد المغرب وكوقوعه حال السجود و عقيب قراءة مائة آية منه و بين الآذان و الإقامة و عند رقة القلب و جريان الدمع و في حال الصيام فإن دعاء الصائم مستجاب و دعوته لا ترد وفي حال التختم بالفيروز أو العقيق فإن الله يستحي من عبد يرفع يده وفيها خاتم فيروز أن يردها خائبة و انه لم ترفع كف إلى الله احب من كف فيه عقيق وممن يستجاب دعاءه الحاج و المعتمر و الغازي و المريض و المظلوم و الولد الصالح لوالديه و الوالد الصالح لولده و دعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب . (الرابع) في آداب الدعاء وهي أقسام : ( الأول ) ما يكون قبل الدعاء كالطهارة و شم الطيب و استقبال القبلة و الصدقة و الاعتراف بالذنب و رد المظالم و التوبة و الاعتقاد بقدرته تعالى على فعل مطلوبه وحسن الظن به قال   صلى الله عليه وآله وسلم   ادعوا الله و انتم موقنون بالإجابة ومن الشروط أن لا يسأل محرّما ولا قطيعة رحم ولا ما يتضمن قلة الحياء و سوء الأدب . (الثاني ) ما يقارن حال الدعاء من التلبث به وترك الاستعجال فيه ومن الإلحاح بالدعاء و تسمية الحاجة و الإسرار به و التعميم و الاجتماع من أربعة إلى أربعين و إظهار الخشوع و تقديم المدحة لله و الثناء عليه و تقديم الصلاة على النبي و آله الطاهرين وختام الدعاء بها فإن الدعاء لا يزال محجوباً حتى يصلى على محمد و آل محمد فإذا كانت لك حاجة فأبدأ بالصلاة على محمد وآله و اسأل حاجتك ثم اختم بالصلاة على محمد و آله فإن الله اكرم من ان يقبل الطرفين و يدع الوسط إذ كانت الصلاة على محمد و آله لا تحجب عنه و أن لا يدعو بشيء ليس فيه صلاحه ولا يسأل فوق قدره و لا يلحن بالدعاء ولا يتكلف السجع . ( ومن الآداب ) التي تقارن حالة الدعاء البكاء و هو سيد الآداب فما من قطرة احب إلى الله من قطرة دمع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره و الباكي من خشية الله في الرفيع الأعلى فإن لم يجئك البكاء فتباك فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ . ( ومنها ) الاعتراف بالذنب قبل المسألة . ( ومنها ) الإقبال بالقلب فإن من لا يقبل عليك لا يستحق إقبالك عليه . ( ومنها ) اشتمال الدعاء على الأسماء الحسنى فعنه   صلى الله عليه وآله وسلم   ان لله تسعة وتسعين اسماً من دعى الله تعالى بها استجيب له ومن أحصاها دخل الجنة . ( ومنها ) الدعاء للمؤمنين و المؤمنات ليقال له ولك مثلاه . ( ومنها ) رفع اليدين ناظراً إليهما لا إلى السماء فإن كان متعوذا استقبل القبلة بباطنهما و ان كان مسترزقاً أو راغباً بسط كفيه و أفضى بباطنهما إلى السماء وإن كان راهباً خائفاً بسطهما و جعل ظاهرهما إلى السماء و إن كان متضرعاً حرك السبابة اليمنى يميناً وشمالاً و جعل باطنهما إلى السماء و إن أراد الاستكانة جعلهما على منكبيه إلى غير ذلك من كيفيات رفع اليدين التي تختلف باختلاف حال الداعي و حال دعوته و قد تكلفت بذلك الأخبار . ( الثالث ) في الآداب المتأخرة و هي أمور ( منها ) معاودة الدعاء و ملازمته مع الإجابة وعدمها فيدعو في الرخاء كما يدعو عند نزول البلاء . ( ومنها ) ان يمسح الداعي بيديه على رأسه ووجهه و صدره . ( ومنها ) أن يختم الدعاء بالصلاة على النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   و آله كما مرّ  . ( ومنها ) أن يقول عقيب دعائه ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ( الخامس ) من الأدعية الفاضلة المأثورة التي يؤجر الداعي بها الصلاة على محمد  و آله و فضلها عظيم فإن من صلى على النبي صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة و لم يبق شيء مما خلقه الله تعالى إلا صلى على العبد لصلاة الله وصلاة ملائكته و هي من افضل العبادة و عنه   صلى الله عليه وآله وسلم   من أراد التوسل اليّ و ان تكون له عندي يد اشفع له بها يوم القيامة فليصل على أهل بيتي و يدخل السرور عليهم إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في فضلها و زيادة الأجر عليها ويستحب رفع الصوت بها و تقديمها على الصلاة على الأنبياء ومن خواصها إنها تذكر الرجل ما كان نسى وقد وردت أخبار كثيرة تدل على وجوب الصلاة عليه إذا ذكر فلا ينبغي ترك ذلك و اقل ما يجزي من كيفيتها ان يقول اللهم صل على محمد و آله وعنه   صلى الله عليه وآله وسلم   لا تصلوا عليّ صلاة مبتورة بل صلوات على أهل بيتي معي و عن الصادق  عليه السلام انه قال لرجل قال اللهم صل على محمد و أهل بيت محمد ياهذا لقد ضيقت علينا أما علمت ان أهل البيت خمسة أصحاب الكساء اللهم صل على محمد و آل محمد فنكون نحن وشيعتنا قد دخلنا فيه .

خاتمة فيها فوائد

 

( الأولى ) احسن الأدعية الأدعية القرآنية لجمعها بين الوظيفتين ثم الأدعية المأثورة عن النبي و الأئمة عليهم الصلاة والسلام فإن فيها نجاحاً  لمطالب العابدين و شفاء لصدور العارفين وبلاغاً للمؤمنين فينبغي ان يختار منها ما يوافق مطلوبه و يناسب حاجته فيدعو به وما ورد منها في أوقات مخصوصة فلا بأس بالدعاء به في أوقات أخر لا من باب الخصوصية و الورود بل من باب الدعاء المطلق .( الثانية ) المؤمّن و الداعي شريكان في الأجر . ( الثالثة ) يستحب التماس الدعاء من المؤمنين ليكون داعياً بلسان لم يذنب به و يتأكد استحباب إجابة الالتماس . ( الرابعة ) في الحديث القدسي من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته افضل ما أعطي السائلين . (الخامسة ) يظهر من بعض الأخبار إن الدعاء افضل من القرآن و حمل ذلك على انه أبين في العبودية و الخضوع و افضل في الانقياد و الخشوع و القرآن أفضلها كلاماً و الذكر ارفعها مقاماً وبهذا الاعتبار تجمع الأخبار . ( السادسة ) لا بأس بالقراءة خلف شخص لا يرضى باستماع غيره كما لا بأس لو فتح كتابه للنظر فيه بدون واسطة ضوء مغصوب الآنية أو الزيت أو الفتيلة فوافقه كما لا تحرم الاستضاءة بضوء في آنية ذهب أو فضة لو اتفق له الاستضاءة بما فيها . ( السابعة ) لو زاحم ذلك طلب العلم قدم عليه .

جعلنا الله من العالمين العاملين الراضيين المرضيين بمحمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين انه ارحم الراحمين وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .

كتاب الزكاة

بسمه تعالى

(فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ )وقال تعالى شأنه (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى).

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي فرض الزكاة كما فرض الصلاة و جعلها حصناً للأموال و جعلها طهارة ومنماة وسبباً للمعونة على البر و الرحمة و المواساة و اشرف الصلوات و التحيات الزاكيات على أزكى البريات و اشرف الكائنات و آله سفن النجاة ومعادن البركات .

( أما بعد ) فهذه عجالة مختصرة تتكفل ببيان المهم من أحكام أقسام العبادات المالية التي لا تدخل في عقد و لا إيقاع و التي تدخل منها في ذلك إن شاء الله ونذكرها في كتاب بعد كتاب و الله المرشد إلى الصواب ( كتاب الزكاة ) ووجوبها من ضروريات الدين و تاركها من الفاسقين ومنكرها من الكافرين و هي إحدى الدعائم الخمس التي بني عليها الإسلام و لا تقبل من ما نعها مع القدرة صلاة ولا صيام ويكفي في عظم أمرها ما ورد من ان رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم    اخرج نفراً من مسجده و قال اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه و انتم لا تزكون و ما ورد عنهم  عليهم السلام ان من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو شاء نصرانياً و إن من منع قيراطاً من زكاة ماله فليس بمؤمن ولا بمسلم ولا كرامة وإن مانع الزكاة يطوق بحية قرعاء تأكل من دماغه و ذلك قوله تعالى (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) إلى غير ذلك مما ورد في العقاب و العذاب الآخرويين على منعها مضافاً إلى ما ورد في النكال الدنيوي المترتب على منعها من انه موجب لمنع الأرض من البركات و لموت الأنعام و الحيوانات و لعدم النماء و البركة في الأموال و حصول الضياع و الاضمحال ففي الخبر ما ضاع مال في بر ولا بحر إلا بتضييع الزكاة وما من مال يصاب إلا بترك الزكاة و غير ذلك و أما فضلها و الأجر عليها فقد ورد فيه من الأخبار ما لا يتسع له هذا المضمار فمن ذلك إنها تقع في يد الرب قبل ان تقع في يد العبد و ان لكل شيء خازناً إلا الصدقة فإن الرب يليها بنفسه و إنها تدفع ميتة السوء و تزيد في العمر و تنمي المال و يستنزل بها الرزق وغير ذلك .

و الزكاة زكاتان زكاة الأموال و زكاة الأبدان و كل منهما تنقسم إلى واجبة ومستحبة فهاهنا مقصدان :

 

المقصد الأول في زكاة الأموال

 وفيها فصول :

الفصل الأول فيمن تجب عليه

وهو كل مكلف حرّ مالك للنصاب متمكن من التصرف في اصل المال فلا تجب في مال الطفل و المجنون و العبد و لو تحرر بعضه فبالنسبة ولا في الموهوب و القرض إلا بعد قبضهما و لا الموصى به إلا بعد الموت و القبول و لا في المال الغائب مع عدم التمكن منه ولا الضائع ولا المرهون الذي لا يتكن من فكه ولو ببيعه أو بيع بعضه ولا في المجحود وإن أمكن انتزاعه ببينة أو يمين ولا في المسروق و لا الموروث مع الغيبة وعدم الوصول إليه أو إلى وكيله ولا في الدين و إن تمكن من استيفائه ولا فيما تركه نفقة لعياله وقد غاب عنه ولا في الوقف مطلقاً ولا في نمائه إذا كان عاماً و إن انحصر في معين ولا في المال المختلط بالحرام ولا يعرف مقدار الحرام و لا صاحبه و إن حالت عليه أحوال وقلنا بتمكنه من التصرف بعد إخراج الخمس المتمكن منه لأنه لا يجب فيه إلا الخمس .

الفصل الثاني فيما تجب وفيما تستحب فيه

( الأول ) تسعة أشياء الأنعام الثلاث الإبل و البقر و الغنم و الذهب و الفضة و الغلات الأربع الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ولا تجب في غير هذه التسعة . (والثاني) أمور ( منها ) ما أنبتته الأرض مما يكال أو يوزن من الحبوب وغيرها عدا الخضر و البقول وما يفسد ليومه وحكم ما تستحب فيه من النبات حكم ما تجب فيه من الغلات في اعتبار النصاب و مقداره و قدر ما يخرج منه و استثناء المؤن وغير ذلك . ( ومنها ) مال التجارة بشرائطه و المخرج منه ربع العشر . ( ومنها ) الخيل الإناث السائمة طول الحول عن العتيق ديناران و عن غيره دينار دون الذكور منها ودون البغال و الحمير و الرقيق . ( ومنها ) الحلي التي فرّ بها من الزكاة . ( ومنها ) نماء الأملاك المتخذة للنماء كالحمامات و الدكاكين و الخانات و البساتين ثم ان الكلام على الأنعام و النقدين و الغلات يقع في مباحث :

المبحث الأول في شرائط الوجوب في زكاة الأنعام

مضافا إلى ما تقدم من الشرائط العامة و في اللواحق أما الشرائط فهي أربعة

الشرط الأول بلوغها النصاب

( أما الإبل ) فلها اثنا عشر نصاباً خمسة كل واحد منها خمس وفي كل واحد شاه فإذا بلغت ستاً وعشرين ففيها بنت مخاض فإذا بلغت ستاً و ثلاثين ففيها بنت لبون فإذا بلغت ستاً و أربعين ففيها حقة و إذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة فإذا بلغت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبون فإذا بلغت إحدى و تسعين ففيها حقتان فإذا بلغت مائة و إحدى وعشرين ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون دائماً و تجب مراعاة المستوعب منهما ثم الأقل عفواً ولو لم يحصل الاستيعاب إلا بهما لوحظا معاً و يتخير مع حصوله بأحدهما و بكليهما ومع عدمه كذلك . (و أما البقر ) ومنه الجاموس فلها نصابان ثلاثون وفيها تبيع أو تبيعة و أربعون و فيها مسنة فالحكم يتعلق بكل ثلاثين وكل أربعين و النصاب في الحقيقة أمر واحد كلي وهو أحد العددين و تجب مراعاة المطابق . ( و أما الغنم ) ضأنها ومعزها فلها خمسة نصب أربعون وفيها شاة ثم مائة و إحدى و عشرون وفيها شاتان ثم مائتان وواحدة و فيها ثلاث شياه ثم ثلاث مائة وواحدة و فيها أربع شياه ثم اربعمائة فصاعداً ففي كل مائة شاة بالغاً ما بلغت و لا يجب شيء فيما نقص عن النصب المذكور في الجميع كما لا يجب فيما بين النصابين شيء .

 

الشرط الثاني السوم

السوم وهو معتبر تمام الحول فلا زكاة في المعلوفة ولو في بعضه بما يخرجها عن اسم السائمة في الحول عرفاً و لاعبرة بالمدة اليسيرة التي لا تخرج بها عن الاسم و الأقرب أن اليوم بل اليومين مما لا يقدح في الصدق العرفي و لا تخرج عن السوم بحيازة المرعى و لا باستنبات الأرض بإرسال المياه عليها و لا بمصانعة الظالم على المرعى المباح و لو بالمال الكثير .

الشرط الثالث  الحول

هو عبارة عن أثنى عشر هلالاً فإذا تم الحادي عشر استقر الوجوب و ان احتسب الثاني عشر من الحول الأول إلا ان اختلال أحد الشروط فيه لا يُبطل الحول و إنما يبطله لو وقع في أثناء الأحد عشر شهراً بعدها كما لو نقصت عن النصاب أو انتفى تمكنه من التصرف فيها أو عاوضها بجنس آخر و إن كان زكوياً أو بجنسها و إن كان سائماً فإن الحول يبطل بذلك ولو فعله فراراً من الزكاة و يستأنف حولاً جديداً و كذا لو تم النصاب في أثناء الحول فانه يستأنف الحول من حين تمامه ولو ملك نصاباً آخراً كان له حول بانفراده و ليس حول الأمهات حولاً لسخالها بل يعتبر فيها الحول بانفرادها من حين النتاج ان رضعت من السائمة ثم استغنت بالرعي باقي الحول و كذا لو رضعت من المعلوفة كذلك على الاحوط .

الشرط الرابع ان لا تكون من العوامل في تمام الحول

فلو كانت كذلك ولو في بعضه فلا زكاة فيها إلا أن يكون قليلاً جداً لا يوجب الصدق عرفاً فإن المرجع في الصدق إليه .

 و أما اللواحق ففيها مسائل       

( الأولى ) الشاة التي تؤخذ فريضة في الزكاة جبراناً للقيمة اقلها ما كمل له سنة وفي المعز ما كمل له سنتان و يجزي كل من الذكر و الأنثى عن كل منهما و المعز عن الضأن و بالعكس و بنت المخاض هي التي دخلت في الثانية و بنت لبون في الثالثة و الحقة في الرابعة و الجذعة في الخامسة و التبيع من البقر ما استكمل سنة ودخل في الثانية و المسنة منه هي الداخلة في الثالثة .

( الثانية ) لا تؤخذ المريضة ولا ذات العوار من النصاب السليم ولا الهرمة من الشواب و إن عدّت منه ولو كانت النعم مرضى لم يكلف الصحيحة ولو اختلفت اخرج صحيحة من أواسط الشياه من غير ملاحظة التقسيط على الاحوط ولا تؤخذ الربى كحبلى إلى خمسة عشر يوما من ولادتها وإن بذلها المالك إلا إذا كان جميع النصاب كذلك ولا الأكولة و هي السمينة المعدّة للأكل ولا فحل الضراب وإن عد الجميع من النصاب .

( الثالثة ) لا يجمع بين متفرق في الملك ولا يفرق بين مجتمع فيه ولا اعتبار بالخلط و إذا كان للمالك أموال متفرقة كان له الإخراج من أيها شاء بل له أن يخرج ما يجب في النصاب من الأنعام وغيرها من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية ولا يتعين ذلك عليه دراهم أو دنانير و إن كان الإخراج من الجنس افضل و افضل منه الإخراج من العين .

( الرابعة ) من وجبت عليه سن من الإبل ليست عنده و عنده أعلا منها بسن دفعها و اخذ شاتين أو عشرين درهماً و لو كان عنده أدون منها دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهماً و ينبغي الاحتياط في الأخذ و الدفع بملاحظة التفاوت بالقيمة السوقية عندهما فيدفع اكثر الأمرين و يأخذ اقلهما و يجزي ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض مع عدمها من غير جبران .

المبحث الثاني في زكاة النقدين الذهب و الفضة

و يشترط في وجوبها فيهما أمور :

 

الأمر الأول بلوغ النصاب 

وهو في الذهب خمسة عشر مثقالاً صيرفياً و فيها ربع العشر وهو ربع مثقال صيرفي و ثمنه ولا زكاة فيما دون الخمسة عشر مثقالاً ولا فيما زاد عليها حتى يبلغ ثلاثة مثاقيل صيرفية ففيها ربع عشرها و هكذا كلما زاد ثلاثة و ليس فيما نقص عنها شيء و النصاب في الفضة مائة وخمسة مثاقيل صيرفية و فيها ربع العشر مثقالان ونصف مثقال وثمنه ثم كلما زاد أحد وعشرون مثقالاً صيرفياً كان فيها ربع عشرها و ليس فيما نقص زكاة ولو حبة ولا يضم أحد الجنسين من النقدين إلى الجنس الآخر .

الأمر الثاني الحول

و يعتبر أن يكون النصاب موجوداً فيه اجمع فلو نقص في أثنائه أو تبدلت أعيانه بجنسه أو بآخر أو تغيرت بالسبك ولو بقصد  الفرار لم تجب و أن استحب اخراجها مع قصده .

الأمر الثالث

أن يكونا منقوشين بسكة المعاملة وان هجرت فتكفي المعاملة بها وقتاً ما و في بلد دون آخر و إن حال عليها الحول فيها ولو جرت المعاملة بغير المنقوش من السبائك فلا زكاة فيه ولا فرق في النقش بين الكتابة و غيرها من سلطان أو شبهة مسلم أو كافر ولو اتخذ حلية للزينة لم يتغير الحكم ما دامت المعاملة باقية ولو نقص بذلك ولو غيره الاتخاذ بحيث لا يبقى للمعاملة به وجه فلا زكاة و الممسوح و إن كان بالعارض إذا لم يتعامل به كذلك و ما قام مقام المسكوك من الكاغد المسمى بالمنوط لا زكاة فيه و كذا المغشوش بغير الذهب و الفضة إلا مع بلوغ الخالص النصاب ولا تجب في الحلي و زكاته إعارته مع الأمن من الفساد .

المبحث الثالث في زكاة الغلات

و هي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ولا تجب الزكاة في شيء من هذه الأربع إلا بشرطين :

الشرط الأول بلوغ النصاب

وهو ما يبلغ بوزن النجف الأشرف سنة 1340 بحسب الحقة التي هي عبارة عن تسعمائة وثلاثة وثلاثين مثقالاً صيرفياً وثلث مثقال ثمان وزنات وخمس حقق ونصف إلا ثمانية وخمسين مثقالاً وثلث مثقال وبوزن العيار الإسلامبولي سبع وعشرون وزنة وعشر حقق وخمس وثلاثون مثقالاً وتجب فيما زاد على النصاب و إن قل فليس للغلات إلا نصاب واحد وهو ما بلغ الوزن المذكور فصاعداً ولا عفو إلا فيما نقص عنه.

الشرط الثاني التملك

تملكها قبل وقت تعلق الزكاة بها بزراعة أو غيرها سواء تملك الثمرة وحدها أم مع غيرها فلا تجب فيما يبتاع أو يستوهب مع تكونه  وبلوغه الحدّ الذي تتعلق به قبل الملك ووقت تعلق الزكاة بها عند تسميتها حنطة أو شعيراً أو تمراً أو عنباً مع بلوغه النصاب ولو تقديراً و لا يترك الاحتياط في مراعاة ما يترتب من الثمرات على ذلك و على القول بأن وقته اشتداد الحب و بدون الصلاح و الانعقاد حصرماً ووقت اعتبار النصاب بعد جفاف الغلات وقد تجب قبله مع العلم ببلوغه على تقدير الجفاف و أما وقت الإخراج الذي تجوز فيه المطالبة و يحصل الضمان بالتأخير عنه مع إمكان الأداء فهو بعد التصفية و الجذاذ وجمع الثمرة مسائل ( الأولى ) ما يسقى سيحاً أو بعلاً وهو شربه بعروقه أو عذياً وهو ما يسقى بالمطر ففيه العشر وما يسقى بالنواضح و الدلاء و الآلات المستحدثة ونحوها ففيها نصف العشر ولو سقي بهما حكم للأغلب في الصدق ولو تساويا اخذ من نصفه العشر ومن نصفه الآخر نصف العشر ومع الشك فالواجب الأقل و الاحتياط في الأكثر . ( الثانية ) الزكاة تجب بعد إخراج حصة السلطان و المؤن كلها السابقة و اللاحقة ومنها البذر فيعتبر بلوغ النصاب بعد خروجها وإن كان الاحوط عدم إخراج شيء من المؤن عدا حصة السلطان و أجرة الحارس . ( الثالثة ) المزكى من الغلات لا يزكى ثانياً ولو بقي أحوالاً ما فيه النصاب من غيرها .

الفصل الثالث في أحكام الزكاة

 

تجب النية في الزكاة كغيرها من العبادات ولا بد فيها من القربة و الإخلاص فلو دخلها رياء أو قصد بها التوصل إلى أمر دنيوي بطلت ولو كان عليه زكاة مال وفطرة أو زكاة وكفارة وجب التعيين و يستحب تعجيلها بعد حلول وقتها بل الاحتياط في عدم التأخير إلا لغرض كانتظار مستحق معين أو انتظار الأفضل ولو تلفت بالتأخير لا لعذر ضمنها ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب إلا على جهة القرض فإذا حلّ الوقت احتسبها عليه مع بقائه على صفة الاستحقاق وبقاء الدافع و المال على صفة الوجوب وله أن يستعيدها منه ويدفعها إلى غيره إلا ان الاحتياط في الاحتساب عليه وترك الاستعادة منه ولو خرج عن صفة الاستحقاق استأنف ولو لم يوجد في بلده مستحق جاز نقلها ولو تلفت لم يضمن ولو كان موجوداً و نقلها ضمن مع التلف ولو طلبها الإمام وجب دفعها الييه و كذا الفقيه حال الغيبة على الأقوى ويقبل قول المالك في دعوى الإخراج إلا مع العلم بكذبه ويستحب دفعها ابتداء إلى الفقيه لأنه ابصر بمواقعها و إذا قبضها الإمام أو الفقيه أو كليهما برئت ذمة المالك ولو تلفت وبسطها على الأصناف افضل و أن جاز أن يخص بها صنفاً واحداً بل واحداً من صنف فأنه لا حد لما يعطى الفقير في أول دفعه فإن خير الصدقة ما اعقب غنى ولا يسقط مع الغيبة سهم السعاة و المؤلفة ويكره أن يملك ما أخرجه بالصدقة اختياراً ولا بأس بما يملكه قهراً بميراث ونحوه وينبغي إعطاء  زكاة النقدين أهل المسكنة و زكاة النعم أهل التجمل و يجوز إيصالها لمن يستحي من قبولها بطريق الهدية .

الفصل الرابع في الأصناف

التي تصرف إليهم الزكاة و ما يعتبر فيهم ومن الأوصاف وفيه مبحثان :

المبحث الأول الأصناف ثمانية

 الأول و الثاني الفقراء و المساكين

وهم الذين لا يملكون مؤونة سنتهم اللائقة بحالهم لهم ولمن يقومون به لا بالفعل لا بالقوة ولا يمنع مالك الدار و الخادم ونحوهما اللائقين بحاله مع الحاجة ولا من بيده راس مال يتعيش به ويعجز عن استنماء الكفاية وغن كان الأصل يزيد على مؤونة السنة ويمنع ذو الصنعة مع نهوضها بحاجته ولو دفعها المالك بعد الاجتهاد فبان أن الآخذ غير مستحق ارتجعها فإن تعذر فالاحوط الضمان إذا كان الدافع هو المالك لا الإمام ونائبه والقادر على كسب ما يقوم بمؤنته ولكنه لم يفعل تكاسلاً فلا ينبغي له ترك الاحتياط في الاجتناب عن أخذها ولم لم يفعل للاشتغال بالفقه أو بمحصلاته أو بواجب مزاحم جاز له و يعطى مدعي الفقر مع سبق فقره ومع الجهل به فالاحوط اعتبار الظن بصدقة ولا يلزم أعلام الفقير بأن المدفوع إليه من الزكاة نعم لو دفعها إليه على وجه الصلة أو الهدية ونحوهما فبلن غنياً لم يرتجعها مع تلف العين وكان عليه أداءها ثانية .

الثالث العاملون

وهم عمال الصدقة و الساعون في تحصيلها وتحصينها و جبايتها و إيصالها وحفظها و قسمتها من قبل الإمام أو نائبه حسبما أذن لهم فيعطون منها ولو كانوا أغنياء .

الرابع المؤلفة قلوبهم

وهم الذين يستمالون إلى الجهاد و إلى الإسلام بالأسهام في الصدقة وإن كانوا كفاراً ويشكل إعطاؤهم مع القطع بعدم حصول التأليف .

الخامس في الرقاب

وهم المكاتبون مع قصور كسبهم عن أداء مال الكتابة و العبيد الذين تحت الشدة و المرجع فيها إلى العرف ومن وجبت عليه كفارة لم يجد ما يعتق به ولو لم يوجد المستحق للزكاة جاز ابتياع العبد منه ويعتق للفقراء ولاؤه .            

 
السادس الغارمون

وهم المدينون في غير معصية ولا إسراف ولم يتمكنوا من وفائها ولو ملكوا قوت سنتهم ويسترجع ما دفع إليهم مع إبرائهم منها أو العلم بالصرف في غير الوفاء وتجوز مقاصته المستحق بدين في ذمته وكذا لو كان على من يجب الانفاق عليه جاز القضاء عنه حياً أو ميتاً .

السابع سبيل الله

وهو كل ما كان قربة أو مصلحة كالجهاد و الحج و بناء القناطر و المدارس و المساجد و إعانة الزائرين و العلماء و المشتغلين بالعلوم الدينية و تخليص الشيعة من يد الظالمين و إصلاح ذات البين وقمع الفتن وبث الأمن ونحوها .

 

الثامن ابن السبيل

وهو المنقطع به في الغربة ولو كان غنياً في بلده إذا كان سفره مباحاً ولو كان في معصية أو تمكن من الاقتراض ونحوه لم يعط ويحتسب على الضيف ما أكل إذا كان ابن سبيل أو فقيراً أو كان في اطعامه جهة قربية .

المبحث الثاني أوصاف الأصناف

وهي أمور :

الأول الإيمان

فلا يعطى مسلم غير محق فضلاً عن الكافر وفي صرفها إلى المستضعف مع عدم المحق تردد أشبهه المنع إلا من سهم المؤلفة ونحوه في الجملة ويعطى أطفال المؤمنين و المخالف إذا أعطى فريضة لمخالف ثم استبصر أعاد ولا يعطى ابن الزنا من الطرفين وفي منعه مع بلوغه و إيمانه إشكال ولا تعطى بيد الطفل بل يصرفها على الأطفال بنفسه أو بواسطة أمين أو يدفعها إلى وليهم و المجنون كالطفل ويجوز الدفع إلى السفيه و إن كان محجوراً عليه .

الثاني العدالة

و اعتبارها جيد وإن كان الأقوى هو الاكتفاء بالإيمان نعم لا يبعد عدم جواز إعطائها للمتجاهر بارتكاب الكبائر وفيما إذا كان يعلم أن في دفعها إعانة على الإثم أو اغراء بالقبيح وفي المنع ردعاً عن المنكر و الاحوط اعتبارها في العامل لا في الغارم و ابن السبيل وفي الرقاب .

الثالث

أن لا يكون ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا و الأولاد و إن سفلوا و الزوجة الواجبة النفقة و المملوك فلا يجوز الدفع إليهم من سهم الفقراء نعم لو كان واجب النفقة عاملاً أو غازياً أو غارماً جاز الدفع إليه من سهم الصنف الذي دخل فيه ولو عال بأحد تبرعا جاز له دفع زكاته له قريباً كان أو أجنبياً وفي جواز دفع الأغنياء زكاتهم لأبنائهم إذا لم يكونوا واجبي النفقة إشكال ولا بأس بدفع الزوجة زكاتها للزوج وإن أنفقها عليها .

الرابع أن لا يكون هاشمياً

فإن زكاة غير الهاشمي محرمة عليه أما زكاة الهاشمي فلا بأس بتناول الهاشمي منها كما لا بأس مع قصور الخمس عن كفايته ان يقبلها من غير الهاشمي مع اضطراره مقتصراً على قدر الضرورة يوماً فيوماً ولا بأس الصدقة المندوبة ولو كانت زكاة تجارة للهاشمي وغيره بل و الصدقة الواجبة غير زكاة المال و البدن على الأقوى .

الخاتمة

وفيها أمور :

( الأول ) القبض شرط في ملكية جميع الأموال العبادية فلا يملك المستحق منها شيئاً إلا بعد القبض المعتبر فلو حصل بدون إذن المالك أو من قام مقامه توقف على الإجازة فلا تصح مصالحة المستحق عما في الذمة من الزكاة ونحوها ولا عن الأعيان الموجودة قبل القبض نعم يمكن ان يبيعه مثلاً جنساً بثمن ثم يحتسبه عليه من الزكاة وتجوز المقاصة حسبه مع الرجوع إلى الفقيه في التسليم أو الصرف فمن كان عليه دين لممتنع من أداء ما عليه من الزكاة و نحوها جاز انكاره و تسليم ماله من الدين إلى الفقيه و احتسابه على نفسه بأذنه و أما ولي الفقراء فله المقاصة و المصالحة و الابراء و الاقتراض على الزكاة و الصرف نعم ليس له إدخال الضرر على الفقراء كان يصالح المالك عما في ذمته من الأموال الكثيرة بشيء يسير .

( الثاني ) الزكاة وغيرها من الحقوق الشرعية حالها كحال الديون في خروجها من اصل التركة وتقديمها على الوصايا ولو قصرت التركة عنها وعن الديون وجب التوزيع إذا كانت الزكاة في الذمة وضاق المال عن الجميع و أما لو كانت الأعيان الموجودة مما تعلقت بها الزكاة قدمت على الديون ووزع الباقي عليها ولو جهل حال الميت أو علم باشتغال ذمته ولكنه شك في أدائه فالظاهر أنه لا يجب الإخراج و إنما يجب مع العلم بالأمرين ولا فرق في ذلك بين الديون الخالقية و المخلوقية .

( الثالث ) يجوز ترجيح بعض المستحقين على الآخر ويستحب لمرجح كعلم أو تقوى أو جوار أو رحم أو شدة حاجة ونحو ذلك و أجرة الكيل والوزن و التعداد على المالك ويستحب له الإعلان بإخراجها إذا كان ممن يتأسى به أو يجب به الغيبة عن نفسه وأن يشكر الله تعالى على توفيقه لهذه العبادة و إجراء الخير على يديه وجعل خلقه محتاجين إليه و أما الآخذ فينبغي أن يدعو للمالك ويثني عليه ويشكره على جميل صنعه جعلنا الله من عبيده الشاكرين لمالكهم ملك يوم الدين .

 

                    المقصد الثاني في زكاة الفطرة

وهي زكاة الأبدان التي بها يتم الصيام ويتم ما نقص من زكاة المال ويخاف على من لم يفعلها الفوت و الكلام فيمن تجب عليه وفي جنسها وفي مقدارها وفي وقت وجوبها وفيمن تصرف إليه يقع في فصول :

الفصل الأول فيمن تجب عليه

إنما تجب على البالغ العاقل الحرّ الغني فعلاً أو قوة فلا تجب على الصبي و المجنون ولا على وليهما أن يؤدي عنهما من مالهما ولا عمن يعولون به نعمن تجب عنهما لو كانا عيالاً لمن جمع الشرائط وكذا لا تجب على من هلّ عليه شوّال وهو مغمى عليه و استوعب اغماؤه وقت الوجوب ولا على المملوك ولو تحرر بعضه وجب عليه وعلى المولى بالنسبة ولا على من لا يملك مؤونة سنة له ولعياله لا فعلاً ولا قوةً و الاحوط لمن ملك صاعاً زائداً على مؤونة يومه وليلته إخراجها ويستحب للفقير مطلقاً إخراجها ولو بأن يدير صاعاً على عياله ثم يتصدق به على الأجنبي بعد أن ينتهي الدور إليه ومن استكمل الشرائط عند هلال شوال يخرجها عن نفسه و عياله من مسلم وكافر و حر وعبد كبير و صغير حتى المولود الذي يولد له قبل الهلال ولو بلحظة وكذا كل من يدخل في عيلولته قبل الهلال حتى الضيف على الاحوط بل الأقوى وفي المدعو من أهل البلد إشكال و تجب فيها النية من المالك أو ممن قام مقامه ولو حصلت الشرائط ما بين الهلال وصلاة العيد استحبت .

الفصل الثاني في جنسها

و الضابط إخراج ما كان قوتاً غالباً كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الارز منزوع القشر و الاقط و الحليب و أفضلها التمر ثم الغالب على قوت بلده لغالب الناس و الاقتصار على أحد الأربعة الأول أولى و إن أجزأ غيره ولو من غيرها كالذرة إلا ان الاحوط دفع ما عدا الأربعة قيمة حتى الدقيق و الخبز و الرطب و العنب و يعتبر في المدفوع فطرة أن يكون صحيحاً سالماً فلا يجزي المعيب ولا الممزوج بما لا يتسامح منه ولا الملفق من جنسين إلا على جهة القيمة سواء كانت من النقود أو من غيرها وإن كان الاعتبار بالنقود هو الأولى و العبرة للقيمة في وقت الإخراج ومراعاة أعلى القيم من حين الوجوب إلى زمن الإخراج أحوط .

الفصل الثالث في مقدارها

وهو صاع عن كل شخص من جميع الأجناس حتى اللبن ويبلغ بعيار النجف الأشرف نصف حقة ونصف أوقية واحد وثلاثين مثقالاً إلا مقدار حمصتين في سنة 1342 هـ .

الفصل الرابع في وقتها

وتجب بهلال شوال ويستمر وقت دفعها من حين وجوبها وهو الهلال ويتضيق عند صلاة العيد على الاحوط إذا صلاها و إلا فإلى وقت الزوال و الأفضل دفعها قبل صلاة العيد . فإن خرج وقتها وكان قد عزلها دفعها لمستحقها ولم يجز تبديلها إلا بما هو الاعود وان لم يكن قد عزلها فالأقوى عدم سقوطها بل يؤديها ناوياً بها القربة من غير تعرض للأداء و القضاء ولا للزكاة و الصدقة و الاحوط عدم نقلها مع وجود المستحق وعدم تأخيرها كذلك ولا ضمان عليه لو تلفت بدون تعدٍ ولا تفريط كالتأخير مع وجود المستحق وإمكان التسليم .

الفصل الخامس في مصرفها

وهو مصرف زكاة المال و الهاشمي يعطي زكاته وزكاة من يعوله للهاشمي ولغيره وغير الهاشمي لا يدفعها إلا لغير الهاشمي إلا مع الضرورة وينبغي مراعاة الاحتياط مع الاختلاف في ذلك بين من تجب عليه ومن تجب عنه وإن كان الأقرب كون العبرة بصاحب العيال في كونه هاشمياً أو غير هاشمي و الاحوط الاقتصار في الدفع على الفقراء المؤمنين و أطفالهم وأن لا يدفع للفقير اقل من صاع أو قيمته إلا أن يجتمع من الفقراء من لا يسعهم إلا ذلك فيجوز أن يعطى الواحد أصواعاً بل ما يغنيه ويستحب أن يخص الأرحام و الجيران و ما يكون فيه أحد المرجحات القريبة و الله اعلم .

 

كتاب الخمس

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)

الحمد لله الذي تفضل على عباده بقبول الخمس من الأموال تمحيصاً للذنوب ووسيلة للتطهير و توصلاً إلى الحلال وفرضه لذوي القربى كرامة لهم و إجلال والصلاة و السلام على خيرته من خلقه و آله خير عترة وآل .

أما بعد فهذا كتاب الخمس الذي فرضه الله في محكم كتابه و جعله لنفسه و لأوليائه أئمة الحق وسواس الخلق من غير حاجة ولا فاقة بل الناس إلى القبول منه ومن أوليائه مفتقرون و إلى تحليل ما يبقى في أيديهم من الأموال محتاجون وكيف يقدم المسلم على قطعه ومنعه وقد سمع كلام الله وبلغه ما قال أولياؤه الذين لا ينطقون عن الهوى فمن ذلك قوله  عليه السلام ( إن من أكل من مالنا شيئاً فإنما يأكل في بطنه نارا وسيصلى سعيرا ) ومن الأخبار ما ورد عن خاتم الأئمة الأطهار مولانا صاحب الدار من ان من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فهو ملعون ونحن خصمائه وقوله  عليه السلام تمحضونا المودة بألسنتكم وتزوون عنا حقاً جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس و عن أبي الحسن الرضا  عليه السلام انه كتب بسم الله الرحمن الرحيم ان الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب و على الخلاف العذاب لا يحل مال إلا من وجه احله الله ان الخمس عوننا على ديننا إلى ان قال فلا تزووه ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه فإن إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهدون لأنفسكم يوم فاقتكم و المسلم من يفي بما عهد إليه وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب و السلام إلى غير ذلك من الأخبار ويكفي منها ما ذكرناه عضة وتذكرة لمن قرأه وتدبره فلا ريب في ان وجوبه من ضروريات المذهب و الدين التي من انكرها لم يكن من المسلمين و البحث عنه يقع في مقصدين .

المقصد الأول فيما يجب فيه الخمس

وهو سبعة أمور :

الأول غنائم دار الحرب مطلقاً

ولو كان على جهة الدفاع وبدون إذن الإمام وفي حال الغيبة على الاحوط سيما إذا كان للدعوه إلى الإسلام ومن الغنائم ما لا ينقل كالارض المفتوحة عنوة بعد إخراج ما ينفق عليها من المؤن وما اغتنم منه بالسرقة و الغيلة و السلب ولا يختص السالب بالباقي إلا إذا شرطه الإمام وكذا المأخوذ من أهل الحرب بالربا و الدعوة الباطلة ونحوهما على الاحوط مع إخراجه من حيث كونه غنيمة لا فائدة ولا يعتبر بلوغ الغنيمة عشرين ديناراً على الأصح .

الثاني المعادن

  كالذهب و الفضة و الرصاص و الياقوت و الزبرجد و الاثمد و القير و النفط و الكبريت و الملح ونحوهما مما كان من الأرض ولا يسمى ارضاً ولا نابتاً وله قيمة و أما ارض النورة وحجارة الرحى ونحوهما مما يسمى أرضاً وإن علت قيمته فلا تندرج فيها ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه في ذلك وفي إخراج الخمس مما حصل من المعادن بعد مؤونة إخراجها إذا بلغ ديناراً بل مطلقاً وإن كان الأقوى عدم وجوبه حتى يبلغ بعد ذلك عشرين ديناراً عيناً أو قيمةً ولو كان ذلك في دفعات قد تخلل الأعراض بينها وكذا لو اشترك في إخراجه جماعة و إن بلغ نصيب المجموعة نصاباً ولو تعدد الإخراج و المخرج بالكسر و انتفى الاشتراك اعتبر بلوغ نصيب كل واحد نصاباً ولو كان صبياً أو مجنوناً  تعلق الخمس فيه ووجب على الولي الإخراج .

الثالث الكنز

ولا يجب الخمس فيه حتى يبلغ عشرين ديناراً في الذهب ومئتى درهم في الفضة و ايهما بلغه في غيرهما و يلحق بالكنز ما يوجد في جوف الدابة المبتاعة مثلاً فيجب فيه الخمس بعد عدم معرفة البائع وكذا ما يوجد في جوف السمكة ونحوها بل لا تعريف فيه للبائع إلا أن تنشأ في ماء محصور مملوك للبائع ولو وجده في دار مملوكه عرفه صاحبها فإن عرفه فهو له ولو تعدد و أعرّف الجميع و إلا فهو لواجده وعليه الخمس ولو علم في جميع ذلك بأنه لمسلم ونحوه ممن هو محترم المال موجود هو أو وارثه لا لقديم منقرض فهو من مجهول المالك فيدفعه إلى الحاكم الشرعي .

الرابع في الكنز و الغوص

كلما يخرج من البحر بالغوص مما تكون فيه من الجواهر والدر وغيرهما معدنياً كان أو نباتياً ولو في دفعات إذا بلغت قيمته بعد مؤونة  إخراجه ديناراً فصاعداً ولو خرج بنفسه أو بآلة فالاحوط إخراج خمسه بل لا ينبغي تركه في الثاني وما اخرج من الأنهار العظيمة مع تكونه فيها حكمه حكم ما يخرج من البحر على الأقوى ويجب في العنبر بعد المؤونة إن كان إخراجه بالغوص و الأقوى عدم اعتبار النصاب فيه .

الخامس ما يفضل عن مؤونة السنة

له ولعياله مقتصداً بحسب حاله من ارباج التجارات و الصناعات و الزراعات بل و سائر التكسبات كالاصطياد و الاحتطاب و الاحتشاش و الخياطة و النساجة و السقاية و السعاية و الحجامة و الدلالة و تعليم الأطفال و ايجار النفس ولو للعبادة و بيع الاكفان وغسل الثياب وغير ذلك من الصنائع و التكسبات وضيعة كانت أو شريفة وغير ذلك من حيازة المباحات و الاستنماءات و ارتفاع القيمة و نحوها مما يدخل تحت مسمى التكسب و الاحوط تعلقه بكل فائدة عدا ما يملك بالخمس و الزكاة ولو نما في ملكه وجب في النماء و أما الهبات و الهدايا و الجوائز و الميراث فالاحوط تعلقه بها سيما في الميراث الذي لم يحتسب و الأقوى عدم تعلقه بمطلق الميراث و المهر و عوض الخلع و الخمس في هذا القسم من الفاضل بيده من الربح عن مؤونة السنة التي أولها حال الشروع في الكسب فيمن عمله التكسب وفي غيره من حين حصول الربح و السنة هنا اثنا عشر شهراً و المراد بالمؤونة ما ينفقه على نفسه وعلى عياله و أضيافه وما يحتاجه لزياراته وصدقاته وجوائزه وهداياه ومصانعاته و الحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة ونحوهما وما يحتاج إليه لتزويجه أو تزويج أولاده أو ختانهم وفي التداوي و إقامة العزاء وغير ذلك نعم يقتصر في الجميع على ما يليق بحاله في عادة أمثاله دون ما كان سفهاً وسرفاً فلو أسرف حسب عليه ولو قتر لم يحسب له ولا بأس بالتوسعة إذا لم تعد سفهاً ولا فرق في الفاضل بين النقود وبين ما يفضل عن مؤونة البيت مما يدخر فيه كالأرز و الدهن و الحطب و الفحم ونحوها إذا كانت من الأرباح أو الفوائد ولم يؤد خمسها قبل ذلك وكذلك الحيوانات إذا دخلت في الأرباح أو الفوائد وجب خمسها ولو كانت مما تجب فيه الزكاة أو تستحب أخرج زكاتها أولاً ثم أخرج خمسها عدا ما يحتاجه لركوب ونحوه أو لانتفاع بلبنه لبيته أو لضيوفه ولو كان عنده مالٌ آخر لا خمس فيه فالأقوى جواز إخراج المؤونة من الربح دون ما لا خمس فيه وإن كان هو الاحوط ولو قام بمؤونته غيره لم تحتسب المؤونة ووجب الخمس من جميع الربح ولو قام بالبعض حسب ما لم يقم به فقط ولو مات في أثناء الحول بعد ظهور الربح لم تحسب مؤونة باقية ولا يعتبر الحول في وجوب الخمس في هذا القسم وإن جاز التأخير إليه في الأرباح احتياطاً للمكتسب فلو أراد تعجيل الخمس جاز وهو افضل وليس له الرجوع بعد ذلك ولو بأن عدم الخمس مع تلف العين وعدم العلم بالحال ولو علم بزيادة الربح على قدر مؤونة السنة خمس الزائد المعلوم مبادراً وقضاء الدين مطلقاً ومؤونة الحج و الزيارة المندوبين من المؤونة على الأقوى .

السادس الأرض التي يشتريها الذمي من مسلم

و إلحاق مطلق الانتقال إليه سيما مع كونه بعقد معاوضة بالشراء هو الأقرب و الأولى اشتراط مقدار الخمس عليه في ضمن الانتقال وله دفع خمس العين أو قيمته كما لا يبعد ان له ابقاءها ودفع خمس حاصلها دائماً ولا يسقط عنه الخمس بإسلامه ويبقى الخمس فيها ولو باعها على مسلم أو ردّها بإقالة أو خيار على الاحوط ومصرف هذا الخمس مصرف غيره ولا نصاب له ولا حول ولا نية حتى على الحاكم وإن كان الاحوط له ذلك .

السابع الحلال المختلط بالحرام    

مع الجهل بالمقدار و المالك بحيث لا يعلم ذلك أصلاً ولو في محصور فانه يجب إخراج خمسه حينئذ أما لو علم صاحبه ومقداره دفعه إليه ولا خمس ولا علم المالك في عدد محصور فالاحوط التخلص منهم جميعاً فإن لم يمكن ففي استخراج المالك بالقرعة أو توزيع المال عليهم بالسوية أو يكون بحكم مجهول المالك وجوه أضعفها الأخير ولو كان في عدد غير محصور تصدق بالمال على من يشاء ما لم يظنه بالخصوص فلا يترك الاحتياط بالتصدق به عليه إذا كان محلاً لذلك ولا يجدي الظن بالخصوص في المحصور ولو علم مقدار المال وجهل المالك جرى عليه حكم مجهول المالك وبالعكس تخلص منه بالصالح ومصرف هذا الخمس كغيره على الأصح و إن كان الاحوط دفع هذا القسم وسابقه إلى الحاكم .

 

المقصد الثاني في قسمته ومستحقه

يقسم الخمس نصفين نصف للإمام عجل الله فرجه وجعلنا فداه ونصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل المنتسبين إلى عبد المطلب بن هاشم بالأبوة دون المنتسب إليه بالأخوة أو الأمومة فانه لا يحل له الخمس وتحل له الصدقة ويثبت النسب بالشياع و البينة واما ما كان للإمام فيجب دفعه في زماننا لنائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط أو بأذنه والنصف الآخر يجوز للمالك بنفسه أو وكيله دفعه لمستحقه وإن كان الأولى دفع الجميع إليه فلو دفعه المالك بنفسه أو بوكيله لم تبرأ ذمته إلا بوصوله إلى مستحقه ولو دفعه إلى الحاكم أو وكيله برئت ذمته مطلقاً ويعتبر الإيمان في مستحقي الخمس أو ما بحكمه ولا تعتبر العدالة وإن كان لا ينبغي الدفع إلى المتجاهر بارتكاب الكبائر بل يقوى عدم الجواز مع العمل بأن في ذلك إعانة على الإثم أو اغراءاً بالقبيح ويعتبر الفقر في اليتامى لا في ابن السبيل وهو المسافر سفر طاعة أو في غير معصية فلا يعتبر فيه الفقر في بلده نعم تعتبر فيه الحاجة في بلد التسليم فيعطى ما يحتاجه فيه وفي طريقه ولو كان مستحق الخمس ممن تجب نفقته عليه فالأقوى عدم الدفع له إذا كان للنفقة أما الدفع إليه لغير النفقه مما يحتاج إليه ولم يكن واجباً عليه فلا بأس به كما لا بأس بالدفع لنفقة من يعولون به ولا يجب الاسيتيعاب و البسط في الخمس وحكم التفضيل و النقل و الضمان به كما سبق في الزكاة .

خاتمة في الأنفال

وهي ما تختص بالإمام  عليه السلام زائداً على ما يستحقه مع قبيله وفيها مبحثان :

الأول في عددها

وهو أمور كثيرة ( منها ) الأرض التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب و الموات التي لا ينتفع بها لعدم ماء ونحوه ولم يملكها أحد أو ملكها وباد بل كل ارض لا مالك لها وإن لم تكن مواتاً كالجزيرة التي في الأنهار . ( ومنها ) رؤوس الجبال وما يكون بها وبطون الأودية الآجام . ( ومنها ) ما كان للملوك من صفايا وقطائع وكذا صفو الغنيمة . ( ومنها ) الغنائم التي ليست بإذن الإمام على ما مرّ . ( ومنها ) ميراث من لا وارث له وغير ذلك مما تكلفت به الكتب المبسوطة .

الثاني في أحكامها

و الظاهر إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة على وجه يجري عليها حكم الملك من غير فرق بين الغني و الفقير و الهاشمي وغيره نعم الاحوط إن لم يكن أقوى في ارث من لا وارث له ايصاله إلى نائب الغيبة وهو المجتهد الجامع وقد أباحوا سلام الله عليهم لشيعتهم جميع مالهم ولغيرهم من الخمس في يد غير الشيعة ممن لا يرون فيه الخمس فيجوز لنا معاشر الامامية شراء الجواري و المساكن و المتاجر وغيرها من المخالفين وإن كانت للإمام أو كان فيها الخمس ولو اشترينا من بعض الشيعة عينا فيها الخمس وجب إخراجه مع العلم بعدم أداء البائع له كالزكاة .

خاتمة فيها أمور  

( الأول ) الخمس مقدم على جميع الوصايا ومع قصور المال عن الوفاء به و بالديون يوزع على الخمس إذا كان في الذمة و عليها بالنسبة .

( الثاني ) لا يجوز الاحتيال في أخذه ولا في اخذ غيره من الحقوق المالية بهبة الغني ما يملكه لولده أو لزوجته ليكون من الفقراء ولو فعل ذلك فالظاهر انه يملك ما يقبله منها وإن عصى .

( الثالث ) لا يبعد وجوب طلب الخمس على المضطرين من الهاشميين ولا غضاضة عليهم في ذلك لأنه حقهم الذي اكرمهم به الله تعالى وفرضه لهم مالك الملك على عباده وجعله من شرائط الإيمان وذكر اسمه المقدس و رسوله المصطفى معهم إجلالاً لهم فمطالبتهم به كمطالبة الأمراء و الرؤساء لا كمطالبة المساكين و الفقراء و السعيد من قام بواجباتهم وسعى في قضاء حاجاتهم وقد أكد الله تعالى ورسوله الوصية بصلة الذرية النبوية وقد ورد من الأخبار في ذلك ما لا يحصى ونكتفي في المقام بخبر واحد يكون به الختام وهو ما ذكره آية الله العلامة في وصية ولده الفخر التي ختم بها القواعد قال : قال رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   : أني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاءوا بذنوب أهل الأرض رجل نصر ذريتي ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق ورجل احب ذريتي باللسان و القلب ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طرّدوا أو شرّدوا الخبر . وفقنا الله لخدماتهم و القيام بواجباتهم آمين .

 

كتاب الصدقات

بسمه تعالى

(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)  .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله حمداً كثيراً وصلى الله على محمد و أهل بيته الذين يطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً و أسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكورا . أما بعد فهذا كتاب الصدقات وما يلحق بها من العطايا و الهبات وفي ذلك مقصدان :

المقصد الأول في الصدقة

وهي واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة كراهة عبادة و الواجبة كالصدقة بثلث من الهدي و التصدق بمجهول المالك مع الاستئذان من الحاكم الشرعي و إلا وجب دفعه إليه احتياطاً لا يترك ومصرفه الفقراء كمصرف رد المظالم وهي أموال في الذمة معلومة أو مظنونة غير معلومة الأهل أصلاً ولا بد فيها من مراجعة الحاكم أيضاً وتبرأ الذمة بمصالحته عنها بمقدار معين على الأظهر وقد تجب في غير ذلك ولعارض و المحرمة كزكاة المال و الفطرة على بني هاشم  إلا من الهاشمي و إلا مع الضرورة و قصور خمسهم عن كفايتهم وقد تحرم لعارض و المكروهة تذكر في أقسام الصدقة (واما المندوبة ) فما يفتقر إلى العقد منها فهو الصدقة التي هي قسم من الهبة وهي إعطاء مملوك ينتفع به تبرعاً لوجه الله وربما استطردنا فيما يأتي أقساماً قد نطلق عليها تجوّزا و أما الكلام عليها من حيث فضلها و أقسامها ومصرفها و أحكامها يقع في فصول :

الفصل الأول في فضلها وثبوت الأجر عليها

وهو ثابت عقلاً ونقلاً كتاباً وسنة متواترة فعنه   صلى الله عليه وآله وسلم   ان الصدقة تدفع ميتة السوء و ان الله يدفع بها الداء و الدبيلة و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون إلى أن عدّ سبعين نوعاً من البلاء وعن الصادق  عليه السلام داووا مرضاكم بالصدقة و ادفعوا البلاء بالدعاء و استنزلزا الرزق بالصدقة و إنها ما تقع في يد السائل حتى تقع في يد الرب و ان الصدقة جنة من النار وانها خير مال المرء وذخائره و إنها ترد القضاء المبرم .

الفصل الثاني في أقسامها

وهي بأجمعها مستحبة راجحة مرغب فيها مندوب إليها عموماً وإن تفاوتت افرادها في الفضيلة و اختلفت في مراتب  الرجحان باختلاف الأحوال و الأزمان و الصدقة و المتصدق عليه فمن افرادها الفاضلة ( صدقة السر ) إلا أن يتهم بترك المواسات أو يرجو اقتداء الغير به بخلاف الواجبة فإظهارها افضل ( ومنها ) الصدقة في الأوقات الشريفة كشهر رمضان و الجمع و الأعياد ونحوها فإن الحسنات فيها تتضاعف. ( ومنها ) الصدقة بالمحبوب . ( ومنها ) الصدقة على ذي الرحم الكاشح. (ومنها) جهد المقل وهو الإيثار على نفسه لا على عياله . ( ومنها ) المعروف فقد ورد أن كل معروف صدقة وأنه لا شيء افضل من المعروف إلا ثوابه وإن للجنة باباً يقال له المعروف لا يدخله إلا أهل المعروف وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء إلى غير ذلك ويراد منه في المقام كلما ندب إليه الشرع من الطاعات و القربات و الإحسان إلى العباد ومنه الإنفاق على النفس على وجه العدل و الاقتصاد بحيث لا يضيع حقها ولا يخرجها إلى الاتراف و البطر ومنه الإنفاق على العيال لأنهم أسراؤه وعلى الاضياف و الإحسان إليهم ومنه إيصال نفع عام إلى الناس ببناء المساجد و المدارس أو وقف كتب علمية أو عملية ومنه طيب الكلام سيما إذا قضى أو اقتضى أو جادل أهل الباطل ومنه العدل بين النساء و التوسعة على العيال عند زيادة النعمة فقد ورد إن أرضاكم عند الله اسبغكم على عياله ومنه إنظار المديون و افضل منه إبراءه ومنه بذل الجاه وقضاء حوائج المؤمنين إلى غير ذلك ومن الصدقات المفضولة الصدقة على الأجنبي مع حاجة الرحم فقد ورد أنه لا صدقة وذو رحم محتاج و الصدقة بالخبيث المستكره و الصدقة بجميع المال إلا مع الوثوق بالصبر وعدم العيال وصدقة المديون بالمجحف و الصدقة مع التضرر بها و الصدقة مع المن بها و الأذى فمن اصطنع معروفاً فمنّ به حبط عمله وخاب سعيه ومن اسدى إلى مؤمن معروفاً ثم أذاه بالكلام أو منّ عليه فقد أبطل الله صدقته .

الفصل الثالث في مصرفها

 

و افضل من تصرف إليه العلماء الأتقياء وبنو هاشم و الجيران و الأصدقاء ثم مطلق أهل الإيمان ثم المخالفين غير الناصبين ثم الذميين و الفقراء من جميع الأقسام أولى من الأغنياء بالانعام وينبغي ملاحظة حال المتصدق عليه في قلة الحاجة وزيادتها وعلو المنزلة وضعتها ويكره السؤال و إظهار الحاجة و الفقر إلا مع الاضطرار وفي اطعام الحيوانات و سقيها و اطعام الهوام و الحيتان اجر عظيم .

الفصل الرابع في مقدارها وجنسها

والحد في الزيادة ان لا تبلغ إلى حد يضر بحاله ولاحد لقليلها فتكفي التمرة وشقها ويستحب ان تكون مما يحب مع ملاحظة ما هو الانفع للفقير منه و التمر مما يرجح التصدق به مع قطع النظر عن المرجحات الأخر وقد ورد الحث على الصدقة بالماء وإن أول ما يبدأ به في الآخرة صدقة الماء و ان افضل الصدقة ابراد كبد حرّا ويلحق به بذل الجاه .

الفصل الخامس في أحكامها

ولا بد فيها من إيجاب بنية القربة وقبول لفظيين أو فعليين ولا تملك إلا بالدفع و القبض ولا يجوز الرجوع فيها بعده و إن كانت على أجنبي ويجوز قبله و إن كانت على رحم ولو كان القبض بلا إذن من المالك لم تنتقل منه ولا ينبغي للمالك أن يرد الصدقة في ماله لو ردها السائل بل الاحوط له إعطاءه لغيره فقد روي ان من تصدق بصدقة فردت عليه فلا يجوز له أكلها ولا يجوز له إلا انفاقها إنما منزلتها بمنزلة العتق لله. الخبر  وكذا لو أخرجها السائل فلم يجده .

المقصد الثاني في الهبة

وهي ترادف العطية و تعم الصدقة و النحلة و الهدية و الجائزة ولا بد فيها من صدور ما يدل على التمليك من غير عوض ومن قبول وهو ما دل على الرضا ويكفي في ملكية الهدية التي هي إرسال شيء بقصد الاكرام و التودد ارسالها ووصولها إلى من اهديت إليه وهي قد تكون مستحب وقد تحرم إذا كان الغرض منها ولو بواسطة ما تورثه من الحب التوصل إلى الحكم له حقاً كان أو باطلاً لأنها رشوة نعم لا بأس بها توصلاً إلى قضاء الحوائج المباحة وحصول المنزلة ونحوه ويتوقف الملك في الهبة على القبض بإذن المالك أو وكيله ولا تصح إلا من المكلف المالك الجائز التصرف وكذا لا يصح القبول و القبض إلا من المكلف وللأب و الجد الولاية فيهما عن الصغير و المجنون و أما الموهوب فلا بد من كونه مما يصح نقله وتمليكه من الأعيان و المنافع و غيرهما فتصح هبة الدين لغير من هو عليه ويملكه بقبض ما ينطبق عليه من أفراده بإذن الواهب ولو وهبه لمن هو عليه وقصد الإسقاط كان إبراء ولم يحتج إلى قبول ولا قبض وإن قصد الهبة لم يحتج إلى القبض و الغالب في هبة المدة للمنقطعة كونها إسقاطاً فتكون بمنزلة الإبراء فلا تحتاج إلى القبول وتبطل الهبة بموت أحدهما قبل القبض ولو وهبه ما في يده ولو غصباً كفى ذلك عن القبض المتجدد وكذا لو وهب الولي ما في يده للصبي وتصح هبة المشاع و أحد العبدين وفي هبة اللبن في الضرع و الحمل في البطن وزيت الشجر قبل اعتصاره إشكال وللواهب الرجوع بعد الاقباض إذا كانت الهبة قائمة بعينها ما لم يتصرف بها تصرفاً متلفاً للعين عرفاً ولو عابت لم يرجع بالأرش وإن زادت زيادة متصلة تبعت العين وإن كانت منفصلة كانت للموهوب له وكذا لا يصح الرجوع لو كان رحماً وإن جاز نكاحه أو زوجاً أو زوجة وكذا لو كانت الهبة معوضة بما تراضيا عليه أو كانت بقصد القربة ولا تخرج عن الهبة بالعوض لا نه شرط في التمليك المجاني لا في مقابلة العين الموهوبة ويكره الرجوع في الهبة بأقسامها فإن الراجع في هبته كالراجع في قيئه ويجوز تفضيل بعض الولد على بعض كراهة بل تستحب التسوية بينهم ولو كان التفضيل موجباً لإثارة الشحناء و التقاطع باعثاً على ارتكاب المحرم لم يجز ووجبت التسوية وقد يستحب التفضل ولو لم يكن كذلك وكانت في المفضل جهة توجب تفضيله .

 

خاتمة

استحباب صلة الأرحام ثابت بالكتاب و السنة و الإجماع مرغب فيه وربما وجب ورحم الإنسان من عرف بنسبه وإن بعد وجاز نكاحه وليس مقصوراً على خصوص من يحرم التناكح بينه وبينه ولو تقديراً كأخوين مثلاً نعم كلما ازداد الرحم قرباً تأكد استحباب صلته وبرّه وللأبوين حقوق يمتازان بها عن غيرهما من الاحام فهاهنا فصلان :

الفصل الأول   

يجب على المكلف مع القدرة و انتفاء الضرر إطاعة أبويه في كل فعل ما عدا فعل الحرام وترك الواجب حتى فيما لا يجب فيه الاحتياط من الشبهات لأن طاعتهما واجبة وترك الشبهة مستحب ولو أمراه بما يوجب تأخير الصلاة عن أول وقتها أتى به ولو كان في نافلة فدعواه لحاجة يضر بهما فوتها أو يشق عليهما قطعها ولو منعاه من صلاة الجماعة أو الزيارة أو الحج المندوب أو نحوهما بل لا يبعد تحريم السفر المباح مطلقاً إذا كان يشق عليهما فضلاً عما إذا نهيا عنه ولهما منعه من الجهاد مع عدم التعيين ومن الصوم المندوب وحل يمينه ونحوه و أما الامتناع من النكاح لو منعاه منه فلا يبعد وجوبه إذا لم يستلزم تركه ضرراً دينياً أو دنيوياً أو مشقة شديدة ويجب عليه كف الأذى عنهما و إن كان قليلاً فيمنع نفسه من إيصاله إليهما ويمنع غيره منه بمقدار طاقته وجهده ولا يتوقف برهما على إسلامهما ولا يطيعهما في معصية فانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقد ورد أن الام أحق الناس بحسن الصحابة فعنه  عليه السلام انه قال له رجل من أحق الناس بصحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك ذكر الام مرتين وفي رواية ثلاثا وما ذكرنا من قطع النافلة إنما ورد في نداء الأم لولدها وفي بعض الأخبار ان الخالة بمنزلة الأم ولا يخفى ان من الكبائر عقوق الوالدين وهو من قواصم الظهر وموجبات اللعن و الطرد عن الرحمة الإلهية وعدم قبول الصلاة وعدم استجابة الدعاء وادنى ما يتحقق به العقوق أن تحدّ النظر إليهما ولو علم الله شيئاً أدنى من أف لنهى عنه كما في الخبر وروي ان سخط الله في اسخاطهما ويجب عليه الإنفاق على الوالدين و آبائهما و أمهاتهما وإن علوا مع الفقر و العجز عن التكسب وزيادة ماله عن قوته وقوت زوجته ليومه الحاضر وليلته فإن لم يفضل شيء فلا شيء عليه ولو لم يفعل مع الوجوب أثم ولم تثبت في الذمة كنفقة الزوجة و الإنفاق على الوالدين افضل انفاق في سبيل الله و النظر إليهما برحمة عبادة ولو تكرر ولا يسقط حقهما بعد موتهما بل من حقهما عليه أن يصلي عنهما ويستغفر لهما ويفي عهدهما ويكرم صديقهما وليذكرهما في القنوت وبعد الصلاة ويترحم عليهما ويدعو لهما بالمأثور كدعاء الصحيفة المختص بالأبوين قال الشيخ أبو الفتح الكراجكي في رسالة وجوب التعريف بحقوق الوالدين أن خواص المؤمنين يحافظ على تلاوته وليتصدق عنهما ويهدي ثواب تلاوته لهما ويستنيب عنهما في العبادات فإن العاق لهما في حياتهما لو فعل ذلك صار باراً و البار بترك ذلك بعد موتهما يكون عاقاً وينبغي للوالدين أن يعيناه على برّه و أن يقببلا ميسوره ويتجاوزا عن معسوره .

الفصل الثاني في صلة الأرحام

وهي واجبة ومستحبة أما الواجبة فهي ما يخرج به عن القطيعة فإنها من المحرمات و المرجع فيه إلى العرف وهو مختلف باختلاف العادات و الأحوال و الأزمان وبعد المنازل وقربها وعنه   صلى الله عليه وآله وسلم   انه قال صلوا أرحامكم ولو بالسلام وهو اقل ما يجزي فيها ومع فقر الأرحام قد تجب الصلة بالمال كما تقدم في أحد العمودين وتستحب لباقي الأقارب و أما مع غنى الأرحام فبالهدية أحياناً و الزيارة و التفقد و السؤال و الدعاء بظهر الغيبة ودفع الضرر عنهم ونحو ذلك و أما المستحبة فهي ما زادت على ذلك وقد تظافرت النصوص باستحبابها و الترغيب فيها و إنها تزيد في العمر و إنها منماة في العدد ومثراة وتستحب النفقة على الأقارب سيما الوارث منهم و الاحوط أن لا يترك الإنفاق عليه مع فقره وعجزه عن التكسب .

 

إلحاق في الأضحية و العقيقة  

( أما الأضحية ) ويقال فيها الضحية كأمينة وهدية و الجمع أضاحي وضحايا فهي مستحبة استحباباً مؤكدا للحاج وغيره في مكة وغيرها وما ورد من إنها واجبة لمن وجد عن نفسه و أما لعياله فإن شاء ترك فلا يراد منه الوجوب المصطلح و الحاصل أنه لا شبهة في تأكد استحبابها للواجد ولو بالاستقراض ولعل المتمكن منه واجد لها لما ورد من انه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها وإن من لم يجد ثمنها فليستقرض ويضحِ فانه دين مقضي بل لا تبعد كراهة تركها بل على الاحوط الفعل ويصح التبرع بها عن الحي و الميت و المتحد و المتعدد و الذكر و الأنثى و الرحم و الأجنبي و المكلف و الصبي وتستحب عن النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   وعن الأئمة وعن الأب والأم و الأولاد و الأرحام وأن يضحي عن نفسه بواحدة وعن عياله بأخرى أو بعددهم ويمكن الاشتراك في واحدة لجماعة لم يتمكن كل واحد منهم ان يضحي عن نفسه ولو بلغوا سبعين و التضحية عبادة لا بد فيها من النية و القربة ولا تلزم فيها المباشرة بالنفس ويتم الكلام عليها في أمور :

الأمر الأول في جنسها

ولا أضحية إلا بواحدة من النعم الغنم و البقر و الإبل ويجزي من الإبل ما دخل في السادسة ومن البقر و المعز ما دخل في الثالثة ومن الضأن ما دخل في الثانية مع كونه غير مهزول ولا مريض ولا اعور ولا اعرج ولا كبير ولا مخ له ولا مكسور القرن الداخل ولا خصي بل يستحب مع ذلك أن يكون سميناً من إناث الإبل و البقر وذكران الضأن و المعز ولا تستحب المساواة هنا بينه وبين من يضحي عنه و الأولى ترك الجاموس من البقر سيما الذكر و الثور في الخبر ضح بكبش املح أقرن فحلاً سميناً فإن لم تجد كبشاً سميناً فمن فحولة المعز أو موجوء من الضأن أو المعز فإن لم تجد فنعجة من الضأن سمينة وعن أمير المؤمنين  عليه السلام انه كان يقول ضحِّ مثني فصاعدا وأشتره سليم الأذنين و العينين و استقبل القبلة حين تريد أن تذبحه وقل وجهت وجهي الآية اللهم تقبل مني بسم الله الذي لا اله إلا هو و الله اكبر وصلى الله على محمد و أهل بيته ثم كل و أطعم وتكره تضحية ما يربيه فإذا كان الوقت اشترى وذبح .

الأمر الثاني في وقتها

وهو يوم النحر عاشر ذي الحجة بعد مضي مقدار زمن صلاة العيد إلى آخر اليوم الثاني عشر وفي منى إلى آخر اليوم الثالث عشر ولو فات الوقت لم تقض .

الأمر الثالث

لو تعذرت تصدق بثمنها و ان اختلفت الأثمان كفى أدناها و الأفضل إخراج قيمة نسبتها إلى القيم بالسوية فيخرج نصف القيمتين وثلث الثلاث وهكذا .

الأمر الرابع في مصرفها

فيتصدق بثلثها ومصرفه مصرف باقي الصدقات وقيل ان الصدقة بالجميع افضل ولا يبعد استحباب الأكل منها تأسياً بالنبي   صلى الله عليه وآله وسلم   وله أن يهدي قسماً ويتصدق بقسم ويأكل قسماً وفي الخبر ثلث لأهل البيت وثلث للفقراء من الجيران وثلث للسائلين والظاهر ان ما ورد من ذلك محمول على الافضلية فله أكل الجميع و اهدائه و التصدق به ولكن الاحوط خلافه و الله العالم .

  ( أما العقيقة ) فهي مستحبة استحباباً أكيداً حتى قيل بوجوبها وورد في الأخبار ان العقيقة واجبة و الظاهر عدم الوجوب بالمعنى المعروف ولا تستحب إلا مرة واحدة فلا تتكرر كالأضحية ومن لم يعق عنه أبواه أو شك في ذلك فليعق عن نفسه ويعق عن الميت الذي لم يعق عنه في حياته ولا يجزي عنها التصدق بثمنها لو تعذرت بل ينتظر وجدانها ويعق عن المولود في اليوم السابع ولو مات بعد الزوال لم يسقط الاستحباب ولو مات قبله سقط . ( وتمام الكلام في أمور ) :

الأول في جنسها

ويستحب فيها أن تكون بصفات الأضحية وإن كان يجزي مطلق الشاة ومغيرها من النعم وخيرها اسمنها .ويستحب هنا التسوية فيعق عن الذكر بذكر وعن الأنثى بالانثى من الضأن والبقر و الإبل .

الأمر الثاني النية

لا بد فيها من النية ويعتبر فيها التعيين و القربة ويندب الدعاء عند الذبح بالمأثور ومنه أن يقول ( بسم الله وبالله والله اكبر اللهم هذه عقيقة عن فلان بن فلان لحمها بلحمه ودمها بدمه وعظمها بعظمه اللهم اجعله وفاء لآل محمد   صلى الله عليه وآله وسلم   ) و الذي بالخاطر أن وفاء بالقاف لا بالفاء فلا بأس بالتكرار .

الأمر الثالث في مصرفها

 

وما يتعلق به يستحب تفصيلها أعضاء ويكره أن تكسر عظامها تفألا بالسلامة و تعطى القابلة ربعها وإن لم تكن له قابلة اعطيت الأم الربع تتصدق به عن نفسها ولا تأكل منه ويجوز قسمتها لحما ولا تختص بالفقراء و الاحوط اعتبار الإيمان فيهم ويستحب طبخها بالماء و الملح و إن أضاف إليهما شيئاً فلا بأس ودعوة المؤمنين لها و أقلهم عشرة وإن زاد فهو افضل ولا يأكل منها الأبوان ومن كان من عيالهما وفي إلحاق الأجداد من الطرفين وجه ويتصدق بجلودها وصوفها ووبرها وشعرها و الله العالم .

 

 

 

بسمه تعالى

(وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)

كتاب الوقف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله أبداً وصلى الله على محمد وآله مصابيح الهدى ( أما بعد ) فهذا كتاب الوقف وتوابعه من كتب العبادات المالية العقدية وهو من اعظم الصدقات المرضية وجملة مما ورد في الكتاب و السنة من الحث على الخير و البر و المعروف وما ورد في الصدقة شامل له بل لعله من اظهر أفراد الصدقات في زمن صدور الأخبار عن الأئمة الهداة وقد امتاز عن بقية الصدقات بأن اجره متتابع بعد الموت و أن العمل لا ينقطع منه كما في الحديث النبوي إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا عن ثلاث ولد صالح يدعو له و علم ينتفع به بعد موته وصدقة جارية وفسر الصدقة الجارية بالوقف إلى غير ذلك و الكلام على الوقف وتوابعه في مقصدين :

المقصد الأول في الوقف

و الكلام فيه وفي الواقف و الموقوف و الموقوف عليه في مباحث :

المبحث الأول في الوقف

وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ولا بد فيه من إيجاب وصريح ألفاظه وقفت و الأقرب كفاية ما يدل على المقصود من الألفاظ ولو بضميمة القرائن وإن كان الاحتياط في الاقتصار على الألفاظ المعهودة كتصدقت وسبلت وحبست ونحوها مع القرينة الدالة على التأبيد و إذا كان خاصاً افتقر إلى القبول ولو من الوكيل و الولي ولو كان عاماً كالوقف على الزائرين و الجهات العامة ففي لزومه إشكال و إن كان الاحوط اعتبار قبول من له القبول و إذا تم الوقف بشرائطه لم يبطل بالتقايل و التفاسخ بحال من الأحوال وشرائطه أمور :

الأمر الأول التقرب

و الأقرب اشتراطه في ترتب الثواب واما اشتراطه مطلقاً فمحل إشكال .

الأمر الثاني التنجيز

فلو علقه على ما لا يعلم بوقوعه وإن كان واقعاً بطل .

الأمر الثالث الاقباض

وهو تسليط الواقف على الموقوف ورفع يده عنه للقابض ولا يلزم بدون قبض والموقوف عليه أو وكيله أو وليه لو كان طفلاً أو مجنوناً ولو كانت العين الموقوفة في يد الولي كالأب أو الجد له أو من أوصى إليه أحدهما بالولاية أو الحاكم أو منصوبة فوقفها على من له الولاية عليه كفى عن قبضه ولو كان الوقف في جهة عامة قبضها المتولي المنصوب من قبل الواقف للنظر فيها أو الحاكم الشرعي .

الأمر الرابع الدوام

فلا يصح الموقت إلى أمد معلوم وقفاً فلو قرنه بمدة أو جعله على من ينقرض غالباً فالأقوى صحته حبساً يبطل بانقضاء المدة أو انقراض الموقوف عليه ويرجع إلى الواقف لو كان حياً أو إلى وارثه حين موته ويسترسل فيه إلى من يصادف زمن الانقراض لا إلى من يرث الواقف حين الانقراض أو الانتهاء ولو لم يكن منقطع الآخر كما ذكرنا بطل ما بعد القطع .

الأمر الخامس إخراج الواقف الوقف عن نفسه

فلو وقفه على نفسه ثم عقبه بالوقف على غيره بطل لانقطاع أوله ولو على قبيل ثم صار منهم جاز له أن يأخذ كأحدهم ولو كان منهم ابتداءاً ففيه إشكال ولا بأس لو اشترط أكل أهله و إن كانوا واجبي النفقة و أضيافه منه أو استثناء منافعه مدة معينة وإن زادت على مدة حياته وكذا لو اشترط استثناء منافعه مدة معينة بعد موته للعبادات و الزيارات عنه وله أن يجعل النظر لنفسه ولغيره من الموقوف عليهم وغيرهم ولو أطلق كان لأربابه في الخاص و للحاكم الشرعي في العام و الواقف مع الإطلاق كالأجنبي .

المبحث الثاني في الواقف 

 

ولا بد فيه من الكمال بالبلوغ و العقل و الاختيار و جواز التصرف .

المبحث الثالث في الموقوف

ولا بد من كونه عيناً فلا يصح وقف المنفعة و الكلي في الذمة وفي وقف مائة ذراع من كذا مثلاً و أحد العبدين إشكال ويصح وقف المشاع كثلث من الدار ونحوهما وأن يكون صالحاً للملكية مملوكا بالفعل و إلا وقف على الإجازة و أن ينتفع به مع بقائه فلا يصح وقف ما لا ينتفع به إلا بذهاب عينه كالمأكولات ونحوها نعم يكفي الانتفاع المتوقع وأن يكون مما يمكن اقباضه ولو كان الموقوف عليه متمكناً من القبض دون الواقف فالظاهر الصحة لكفاية إذن المالك به وتسليطه عليه وهو كاف في الاقباض.

المبحث الرابع في الموقوف عليه

ولا بد من وجوده فلا يصح على المعدوم مطلقاً ابتداء ولا على المعدوم الممكن وجوه عادة استقلالاً و إنما يصح عليه تبعاً للموجود بأن يوقف على الموجودة أولاً ثم على أولاده ولو كان مما لا يمكن وجوده أصلاً كالميت لم يصح عليه مطلقاً ولو جعله بعد الحي كان منقطع الآخر ولو جعله معه بطل فيما يخصه وأن تكون له أهلية التملك و أما الوقف على المساجد ونحوها فهو وقف على المسلمين وأن يكون ممن يباح الوقف عليه فلا يصح على الكنائس ولا على الكافر و الناصب ولا على المسلم العاصي من حيث عصيانه أما لو وقف على متصف بذلك مع عدم جعل الوقف مناطاً في الوقف صح وإن أطلق فضلا عمنا لو قصد جهة محللة ويتبع في الجار مع إطلاقه عرف الواقف إلا مع القرينة و الواقف على قبيلة يدخل فيها من انتسب إليها بالأب دون الام ولا تفاضل بين الذكور و الإناث مع الإطلاق ولو فضل بعضهم على بعض لزم بحسب ما عين ولو وقف في سبيل الله انصرف إلى كل عمل قربى إلا مع إرادة نوع خاص من القربات فيختص بها ولو وقف على الفقراء ونحوهم لم يختص بفقراء بلد الوقف ولا الواقف ولم يجب الاستيعاب ولا التسوية بينهم بخلاف الوقف على منحصرين فانه يجب استيعابهم و المساواة بينهم ولو وقف على أولاده اتبع عرف الواقف إلا مع القرينة وكذا لو وقف على من انتسب إليه ويشتركون بالسوية إلا أن يفضل بعضهم على بعض صريحا أو يقول على كتاب الله .

مسائل

( الأولى ) نفقة الحيوان الموقوف وكذا العبد على الموقوف عليه ولو طرأ على العبد ما يوجب انعتاقه كانت نفقته عليه ولو كان وقفهما عاماً كانت النفقة في كسبهما مقدمة على الموقوف عليهم ولو كان الموقوف عقارا اتبع شرط الواقف في ذلك و إن انتفى ففي غلته ولو قصرت لم يجب الإكمال ولو عدمت الغلة لم تجب العمارة أما في الحيوان و العبد فتجب نفقتهما مع قصور الكسب وعدم بيت المال على المكلفين كفاية.

( الثانية ) إذا اجر ناظر الوقف لمصلحة البطون لم تبطل الإجارة بموته ولا بموت الموقوف عليهم ولو اجر البطن الأول وكانت الإجارة لمصلحتهم ثم انقرضوا بطلت الإجارة في المدة الباقية إلا مع الإجازة ولو اجروا مدة يقطع بعدم بقائهم إليها عادة فالزائد باطل من الأول وليس لهم احذ قسطه من الأجرة وقسط المدة الباقية من الأجرة يرجع به المستأجر على ورثة المؤجر إن كان قد استوفى قسطها وخلف تركه كغير ذلك من الديون التي يجب على الوارث وفاءها من التركة .

( الثالثة ) إذا بطلت المصلحة الموقوف عليها صرف في وجوه البر الأقرب فالأقرب بل مطلقاً .

 

المقصد الثاني في توابع الوقف

وفيه مبحثان :

المبحث الأول في السكنى و الرقبى و العمرى

ولا بد فيها من إيجاب وقبول وقبض بإذن المالك وثمرة هذا العقد تسليط الساكن على استيفاء المنفعة تبرّعاً في مدة معينة أو مطلقة و الظاهر عدم اشتراط التقرب و إن كان حصول الثواب متوقفاً على ذلك و الايجاب اسكنتك أو اعمرتك أو ارقبتك هذه الدار مثلاً مدة عمرك أو عمري أو عمر فلان أو شهراً و القبول ما دلّ على الرضا ثم ان المدة إن قرنت بأمد معين كخمس سنوات فهي رقبى وإن قرنت بعمر المسكن أو الساكن أو أجنبي فهي عمرى وإن لم تقترن بهما كأسكنتك فيه سكنى وتلزم الموقتة على حسب ما وقتت وغيرها يجوز الرجوع فيها متى شاء المسكن ولو مات أحدهما بطلت بخلاف الموقتة بالمدة أو العمر فإن الأول مع موت الساكن ينتقل حقه إلى الوارث مع تعميم الإسكان ومع موت المسكن تنتقل العين إلى ورثته مسلوبة المنفعة إلى تمام المدة . و أما الثاني فإن مات من قرنت المدة بعمره فقد انتهت و إلا بقيت السكنى له أو لوارثه مع التعميم و السكنى اعم منهما في المسكونات وهم اعم منها في غيره لجريانهما في جميع ما يصح وقفه من المساكن وغيرها و إطلاق السكنى بأقسامها إذا تعلقت بالساكن يقتضي سكناه بنفسه ومن جرت عادته باسكانه معه من زوجة وولد وخادم و دابة وضيف إذا كان في المسكن ما يعد لمثلها من المواضع وكذا ما جرت العادة بوضعه فيها من الأمتعة و الغلة وليس له أن يؤجرها أو يعيرها أو يسكن معه غير من جرت عادته بإسكانه إلا بإذن المسكن إلا إذا جعل له منفعة الإسكان مطلقاً واذا جازت الأجرة فهي للساكن .

المقصد الثاني في التحبيس

ولا بد فيه من العقد و القبض وهو قد يكون مطلقاً وقد يكون مقيداً بمدة ولو حبس في سبيل الله لزم ما دامت العين ولو حبسها على شخص ولم يعين وقتا فمات الحابس بطل الحبس وكذا لو عين وقتاً فانقضى و الله العالم .

كتاب الحج

بسمه تعالى

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي فرض الحج على المستطيع تفضلا ومنّا وجعل بيته الحرام مثابة للناس وقبلة وأمنا و الصلاة على من دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى وآله الذين أجابوا الدعوة وصدّقوا بالحسنى ولو أن رجلا عمرّ ما عمرّ نوح يصوم النهار ويقوم الليل ما بين الركن و المقام ولقى الله بدون ولايتهم لما انتفع بذلك ولا استغنى .

أما بعد فهذا كتاب الحج الذي هو رياضة نفسية وعبادة مالية بدنية وقولية وفعلية وجودية وعدمية وهو من اعظم الأركان وأجل مظاهر الإيمان ووجوبه من ضروريات الدين ومنكره ليس من المسلمين وقد ورد في فضله ومزيد الأجر و الثواب عليه من الأحاديث النبوية و الأخبار الامامية ما لا يحصى ويكفي في ذلك قوله   صلى الله عليه وآله وسلم   لأعرابي لقيه فقال له أني خرجت أريد الحج ففاتني و أنا رجل مميل فمرني أن اصنع بمالي ما ابلغ به مثل اجر الحاج فالتفت إليه رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   فقال انظر إلى أبي قبيس فلو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغته به ما يبلغ الحاج ثم قال ان الحاج إذا اخذ في جهازه لم يرفع شيئاً ولم يضعه إلا كتب الله له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات إلى آخر الحديث الذي عدد فيه المواقف وذكر أن كل موقف منها إذا وقفه الحاج خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه و المهم الآن بيان ما تشتد إليه الحاجة ويعم به الابتلاء من مسائله وقد كنا عملنا في ذلك قبل منسكاً مفرداً وافياً بالمرام يرجع إليه من أراده ويقع الكلام هنا في مقدمة و مقصدين وخاتمة .

المقدمة وفيها أمور

الأمر الأول في أقسام الحج

وهو ينقسم إلى واجب و مندوب و الواجب إلى واجب بالأصالة وواجب بالعرض و الواجب بالأصالة هو حج الإسلام و إنما يجب على المكلف إذا جمع الشرائط وجوباً فورياً في العمر مرة واحدة على الذكور و الإناث ثم يستحب التكرار و أقسامه ثلاثة تمتع وقران و أفراد و أفضلها التمتع وعمرته تتقدم عليه و الآخران افضلهما القران وعمرتهما تتأخر عنهما و الواجب بالعرض ما وجب على المكلف لسبب من الأسباب كنذر وشبهة و إجارة و افساد وغيرهما .

الأمر الثاني في شرائط وجوب حج الإسلام وشرائط صحته

 

أما شرائط الوجوب فهي البلوغ و العقل و الحرية و الاستطاعة ولا تتحقق إلا  بأمور :

الأول

عدم وجود مانع من السفر أو في أثناء الطريق لا يتمكن من رفعه.

الثاني

عدم وجود مانع شرعي ولو بسبب من قبله كما لو نذر اعتكاف شهر لا يمكنه إدراك الحج بعد تمامه فصادفت الاستطاعة فيه أو فاجأته الاستطاعة على خلاف العادة وكان مستأجراً للحج .

الثالث

انتفاء ضرر على محترم .

الرابع

سلامة من مرض وضعف بدن يعجز معهما عن تحمل مشقة السفر .

الخامس

انتفاء مشقة شديدة كشدة خوف من ركوب بحر أو حدوث مرض أو زيادته .

السادس

وجود مال مملوك يتسع لنفقته بما يناسبه قوة وضعفاً وحاجاته الضرورية ذهاباً و إياباً ولنفقة عياله مدة غيبته زائداً على ديونه الحاّلة وداره وثيابه وخادمه ودابته وكتبه و آلات صناعته اللائقة بحاله كما وكيفاً عينا وقيمةً .

السابع

أن يرجع إلى كفاية له ولعياله ولو كسبا لائقاً بحاله .

الثامن

ان يتسع الوقت لذلك ولا يجب تحصيل الاستطاعة ولا قبول هبة ما تحصل به ولو بذل له ذلك وجب ولو حج غير المستطيع كان حجه ندباً ولم يجزه عن حجة الإسلام لو استطاع بعد ذلك ولا يشترط في وجوبه على المرأة وجود المحرم عليها بل يكفي ظن السلامة والخروج مع الثقة المأمون ولا يجب تحصيله مع التوقف إلا مع استطاعتها ووجوب الحج عليها قبل ذلك ولو استطاع فمنعه كبر أو مرض أو عدو استناب من يحج عنه فوراً ولو زال العذر حج بنفسه ولو مات و العذر باق أجزاته الاستنابة ويصح الحج من العبد مع إذن المولى ولا يجزيه عن الفرض لو استكمل الشرائط إلا أن يدرك أحد الموقفين معتقاً وغير المستطيع لو أدرك أحدهما مستطيعاً لم يجزه و الصبي المميز إذا كان حجة بإذن الولي فأدرك أحدهما بالغاً أجزئه عن حجة الإسلام و أما شرائط الصحة فهي شروط الوجوب إلا البلوغ فيكفي عنه التمييز مضافاً إلى أمور : ( الأول ) الإسلام . ( الثاني ) الإيمان فلا يصح من المخالف إلا إذا استبصر وكان حجه صحيحاً على مذهبه . ( الثالث ) المباشرة مع القدرة في الحج الواجب على ما سنذكره إن شاء الله . ( الرابع ) إذن من يعتبر استئذانه في الحج المندوب كالزوج و المولى . ( الخامس ) إتيان جميع الأفعال بشرائطها الآتية عن اجتهاد أو تقليد فيما يحتاج منها إلى ذلك .

 الثالث في بيان ما يجب من أقسام الحج وبيان أفعالها على الإجمال

 

أما أقسام الحج الواجب بالأصل فهي تمتع وقران و أفراد أما حج التمتع فهو فرض من بعد منزله عن مكة بثمانية و أربعين ميلا أي ستة عشر فرسخا فإن كان اقل من ذلك كان فرضه حج الأفراد أو القران وهو افضل من الأفراد و التمتع افضل من القران وعمرته متقدمة عليه ومرتبطة به بخلاف عمرتها فإنها متأخرة عنهما ولا تصح عمرة التمتع ولا الإحرام بالحج إلا في اشهر الحج الثلاثة شوال وذي القعدة وذي الحجة على ما يأتي و أما أقسام الحج التي تجب بالعارض ( فمنها ) ما وجب بالنذر وشبهه فمن نذر الحج و أطلق كفت المرة مخيراً في النوع و الوصف ولو عين النوع تعين وكذلك الوصف إذا كان مشروعاً كالمشي و الركوب لا الزحف و الحفاء ونحوهما ولا تجزي عن حجة الإسلام و إن قيد نذره بحجة الإسلام كفته واحدة إن لم نقل بجواز نذر الواجب و تأكده به و إلا فتجب الكفارة مع تأخير الحج عن العام المعين بالنذر أو موته قبل الفعل مع الإطلاق متهاوناً على إشكال ولو لم تكن عليه حجة الإسلام حال النذر كان مراعى بالاستطاعة فلو لم يستطع في العام الذي نذر أن يحج فيه حجة الإسلام بطل النذر ولا يجب عليه تحصيل الاستطاعة ولو نذر الحج ماشياً وجب من بلد الناذر إلا مع التقييد بمحل خاص فيتبع وحكم العهد و اليمين حكم النذر . (ومنها) ما وجب بالنيابة و التحمل عن الغير باجرة ونحوها فمن مات قبل الإحرام ودخول الحرم أو أهمل وكان الحج قد استقر في ذمته وجب قضاءه عنه من الميقات على الأقوى إلا مع الوصية بالحج عنه من بلده أو اتساع ما عينه للحج عنه لذلك وإن كان الاحتياط في القضاء عنه من بلده وتخرج الأجرة من الأصل إلا الزائد عن الأجرة من الميقات لو أوصى بالحج عنه من بلده فانه يخرج من الثلث ويشترط في النائب بلوغه وعقله وخلو ذمته من حج واجب عليه في عام النيابة ولا بأس باستئجاره فيه لسنة أخرى ويعتبر أيضاً تمكنه من الحج على الوجه الذي عين عليه و ايمانه و عدالته ومعرفته بالمناسك ولو إجمالاً إلا أن يحج مع مرشد عدل وتشترط نية النيابة وتعيين المنوب عنه قصدا في نية الحج ونية جميع أفعاله التي تحتاج إلى النية ويستحب تعيينه لفظاً عند باقي الأفعال فيقول أحرم بالعمرة المتمتع بها إلى الحج حج الإسلام نيابة عن فلان لوجوبه عليه بالأصالة وعليّ بالاستئجار قربة إلى الله تعالى وهكذا يستحب أن يقول في المواطن كلها ( اللهم ما أصابني من تعب أو لغوب أو نصب فأجر فلاناً فيه و أجرني في قضائي عنه ) ولا تصح النيابة عن المخالف إلا إذا كان أباً ولو مات النائب بعد دخول الحرم محرماً برئت ذمته وذمة المنوب عنه ولو مات قبل ذلك و إن كان قد أحرم لم يصح و استعيد من الأجرة بنسبة ما بقي من العمل المستأجر عليه فإذا كان الاستئجار على نفس أفعال الحج ومات قبل الإحرام استعيد تمام الأجرة و إن كان بعد الإحرام استحق بنسبته إلى بقية أفعال الحج و استعيد الباقي وإن كان الاستئجار على الذهاب و الحج استحق أجرة الذهاب وهكذا لو استأجر عليهما وعلى العود تلحظ النسبة إلى الجميع ويجب على النائب الأجير أن يأتي بجميع ما شرط عليه من نوع الحج ووصفه وتعيين الميقات و الطريق وليس له أن يستنيب غيره إلا مع الأذن صريحاً أو إيقاع العقد على إيجاده الحج بنفسه أو بغيره ولو كان إيقاعه مطلقاً لا مقيداً بالإطلاق اقتضى المباشرة بنفسه ولو استأجره اثنان لعام واحد صح السابق وبطل اللاحق ولو اقترنا بطلا كما لو وكلا ثالثاً فأوقع صيغة واحدة عنهما ونحوه وتجوز النيابة في بعض أفعال الحج كالطواف و ركعتيه و السعي و الرمي مع العجز كما يأتي في محله إن شاء الله وكفارة الإحرام اللازمة بسبب فعل الأجير يكون في ماله لأنها كفارة الذنب الذي فعله سببه ويستحب الإتمام للأجير لو اعوز وتحج المرأة عن مثلها و عن الرجل و الرجل كذلك وتكره استنابة المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة  . ( ومنها ) الإفساد ولو للمندوب كما يأتي إن شاء الله ولو افسد النائب حجه قضاه في العام القابل من ماله لوجوبه بسبب الإفساد و اجزاه عن الفرض المعين العام المتقدم وملك الأجرة . (واما أفعال الحج ) فالمهم بيان أفعال حج التمتع و أما أفعال حج الأفراد و القران فربّما تعرضنا لها في الأثناء وحيث كان المراد من حج التمتع مجموع عبادتين وهما عمرة التمتع وحجة لزم بيان أفعال العبادتين ليعلمهما المكلف إجمالاً قبل شروعه فيها فأما عمرة التمتع التي هي في الأصل من الاعتمار وهو الزيارة و المراد منها زيارة البيت وقصده بالنحو المخصوص فأفعالها أمور مترتبة : ( الأول ) أن يحرم بعمرة التمتع لحج التمتع حج الإسلام من الميقات متقرباً إلى الله تعالى . ( الثاني ) أن يطوف طواف العمرة سبعة اشواط . ( الثالث ) ان يصلي ركعتي الطواف . ( الرابع ) ان يسعى بين الصفا و المروة سبعاً . ( الخامس ) ان يقصر بأخذ شيء من شعره أو أظفاره فإذا فرغ من تقصيره حل له كل شيء أحرم منه ولهذا سميت عمرة التمتع أي التلذذ و الانتفاع بما كلن يحرم الانتفاع به عليه بسبب الإحرام ويبقى المعتمر محلا يتمتع بما يشاء مما يحل للمحل في الحرم حتى يحرم للحج على التفصيل الآتي بيانه إن شاء الله فبان لك أن أفعال العمرة وواجباتها خمسة وبإضافة طواف النساء وركعتيه إليها احتياطاً بعد التقصير تكون سبعة و أما حج التمتع الذي يقع بعد التمتع المذكور ولذا يضاف إليه فأفعاله أمور مترتبة حاصلها: ( الأول ) ان يحرم للحج من مكة ويمضي إلى منى استحباباً . ( الثاني ) ان يمضي إلى عرفات وهو موضع خارج عن الحرم يبعد عن مكة بأربعة فراسخ ليقف بها من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجة إلى غروب الشمس منه . (الثالث) ان يمضي إلى المشعر الحرام وهو موضع يبعد عن مكة بفرسخين تقريباً فيقف فيه من طلوع فجر يوم النحر وهو العاشر من ذي الحجة إلى طلوع الشمس منه . (الرابع) ان يمضي إلى منى وهي موضع قريب من مكة فيرمي بها جمرة العقبة ويذبح فيها أو ينجر هديه ويحلق رأسه و إن كان امرأة قصرت من شعرها قدر الأنملة . (الخامس) ان يمضي بعد ذلك إلى مكة ويطوف طواف الحج ويصلي ركعتيه . (السادس) ان يطوف ثانيا طواف النساء و إن كان طفلاً أو امرأة أو خصياً ويصلي ركعتيه . ( السابع ) ان يعود إلى منى فيبات فيها الليلة الحادية عشر و الليلة الثانية عشر وفي كل يوم من يوم الحادي عشر و الثاني عشر يرمي الجمرات الثلاث وبعد هذه الأفعال يفرغ من حج الإسلام الذي وجب عليه ولا يجب عليه ان يعود إلى مكة بعد ذلك نعم يستحب له العود إليها لطواف الوداع وغيره من المستحبات التي يأتي ذكرها إن شاء الله وقد بان لك أن أفعال الحج وواجباته خمسة عشر وتفصيل الكلام على العمرة و الحج و افعالهما في مقصدين      

   الرابع

ينبغي لمن عزم على الحج بعد استكمال الشرائط وعزمه على المسير قبل التلبس بالسفر أمور : ( الأول ) أن ينظر في أموره فيخلص نفسه من التبعات و يرد الودائع و الامانات ويخرج من عهدة ما عليه من الحقوق سواء كانت للخالق تعالى أو للمخلوق ويقطع العلائق ما بينه وبين معامليه ولا يتكل على غيره فالحازم من كان وصي نفسه ثم ينظر في أمر يخلفه ممن تجب نفقته عليه فيترك لهم ما به الكفاية مدة غيبته ثم يوصي إلى من يثق به ويعتمد عليه ويرسم في وصيته ماله وما عليه ويوصي بما يقرّبه إلى الله من الطاعات و الخيرات . ( الثاني ) ان يختار لسفره أحد الأيام الثلاثة السبت و الثلاثاء و الخميس بشرط أن لا تكون من الكوامل وهي الثالث و الخامس و الثالث عشر و السادس عشر و الواحد و العشرون و الرابع و العشرون و الخامس و العشرون و أن لا يكون القمر في العقرب ومتى دعته الضرورة إلى السفر في أحد هذه الأوقات فليتصدق وليقرأ آية الكرسي بل ينبغي التصدق للمسافر مطلقاً . ( الثالث ) أن يستصحب معه شيئاً  من طين القبر الشريف ليكون أماناً له من كل خوف وشفاء من كل داء وأن يستصحب معه عصا من لوز مر أو من النقد (1) وليلتقط خمس حصيات عدد أسماء أولي العزم نوح و إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد   صلى الله عليه وآله وسلم   وعليهم أجمعين ويحفظهما معه . ( الرابع ) ان يستصحب الرفيق الصالح المعين على الخير وما ينتفع به من كتب الأعمال و الأدعية و يستصحب معه كتاب الله المجيد و الصحيفة السجادية و التربة الحسينية و السبحة المعمولة من طين القبر الشريف و يستصحب المسواك والمشط و المكحلة و المرآة و القبله نامة ونحو ذلك مما يحتاج إليه في كل طريق بحسبه وفي بعض الوصايا وتزود معك الادوية ما تنتفع به أنت ومن معك . ( الخامس ) ان يحسن خلقه ويكظم غيظه ويقلل اللغو ويقهر النفس على السخاء و مكارم الأخلاق قال  عليه السلام لا يعبؤ بمن يؤم هذا البيت إذا لم تكن فيه ثلاث خصال خلق يخالق به من صحبه وحلم يملك به غضبه وورع يحجزه عن معاصي الله و قد تضمنت الأخبار وصايا و آداباً كثيرة ومنها وعليك بقراءة القرآن ما دمت راكباً و بالتسبيح ما دمت عاملاً عملاً وعليك بالدعاء ما دمت خالياً وفي وصية أخرى وكن لأصحابك موافقاً إلا في معصية الله تعالى . ( السادس ) يستحب له الغسل و الدعاء و توديع العيال فانه ما استخلف رجل على أهله بخلافه افضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر ويقول  (اللهم أني استودعك نفسي و اهلي ومالي وذريتي ودنياي و آخرتي و أمانتي و خاتمة أعمالي ) وفي المقام أدعية كثيرة عند إرادة السفر و إرادة الخروج من البيت . (السابع) وهو أهم ما نذكر في المقام لتوقف الصحة و القبول عليه وهو أمور : ( الأول ) ان

 

يخلص لله في النية بأن تكون حركاته وسكناته وفعله وبذله من البداية إلى النهاية خالصاً لوجه الله لا رياء ولا سمعة ولا طلب محمدة أو حسن أحدوثة ونحوها من الأمور الدنيوية بل يفعل ذلك لله فانه لا خلاص إلا بالإخلاص فقد ورد عن أهل العصمة عليهم السلام هلك العالمون إلا العالِمون وهلك العالِمون إلا المخلصون و المخلصون على خطر عظيم  . ( الثاني ) أن لا يترك في سفره شيئاً من الواجبات ولا يفعل شيئاً من المحرمات فإن هذا هو المراد من التقوى التي تكرر الأمر بها و الحث عليها في الكتاب و السنة وهي من شرائط قبول الأعمال فإن الله تعالى لا يتقبل إلا من المتقين وينبغي مع ذلك أن يكون مراعياً للمستحبات و المكروهات فعلاً وتركاً . ( الثالث ) ان يستعمل المشي على قدميه فانه مستحب في طريق الحج للقادر عليه مع عدم اضعافه عن العبادة وعدم الإنكار وحصول الإضرار فإن لكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم وحسنة الحرم بمائة ألف حسنة ولكل خطوة تخطوها دابة الراكب سبعون ويتأكد استحبابه بين المشاعر . ( الرابع ) ان يكون الحاج خالياً مما يشغل القلب ويقسم الفكر كتجارة ونحوها ليكون منصرفاً إلى ذكر الله مقبلاً على الطاعات و العبادات متذكراً بما يأتي به من أفعال الحج أمراً آخرويا يناسبه . ( الخامس ) ان يوفر شعر رأسه بترك حلقه وشعر لحيته بترك الأخذ منها من أول ذي القعدة ناوياً أوفر شعري لإحرام عمرة التمتع لحج الإسلام حج التمتع لندبه قربة إلى الله تعالى . (السادس ) ان ينوي عند خروجه من داره أني اتوجه إلى بيت الله لأعتمر عمرة التمتع و احج حج التمتع لوجوبه قربة إلى الله تعالى .

  المقصد الأول في عمرة التمتع

و الكلام على أحكامها و أفعالها يقع في مقامين :

المقام الأول في أحكامها

ولا تقع إلا في اشهر الحج على وجه يمكن الإتيان بعدها بمناسك الحج في أوقاتها فلو احرم بها في غير اشهر الحج لم يجز له التمتع بها وإن وقع اكثر أفعالها ويجب تقديمها على الحج إلا إذا لم يمكن الإتيان بجميع أفعالها لضيق الوقت عنها كما لو وصل إلى مكة في وقت لا يتسع لأفعالها و إدراك الوقوفين وكما لو حاضت قبل فعلها ما يجزي من الطواف ويفوت الوقت لو انتظرت نقاءها من الحيض فإن من ضاق وقته كذلك إذا كان محرماً لعمرة التمتع يعدل بإحرامه فينوي الحج الأفرادي وإن لم يكن محرماً احرم لحج الأفراد من ميقاته و أتى بأفعال حج الأفراد ثم اعتمر بعده عمرة مفردة و أجزأه ذلك عما وجب عليه من حج التمتع ولو ابطل العمرة اختياراً فالظاهر ان حجه يصير حج أفراد وعليه عمرة مفردة ولكن في كفايته عما وجب عليه من حج التمتع تأمل فالاحوط ان لم يكن الأقوى وجوب الحج عليه من قابل و الاحوط للمتمتع بعد إحلاله من احرام عمرته أن لا يخرج من مكة إلا محرماً بالحج وأما عمرة المفرد و القارن فهي بعد حجهما فيحج المفرد أولا ثم يعتمر بعد الإحلال عمرة مفردة و الاحتياط في عدم تقديمهما و القارن كالمفرد إلا انه يسوق الهدي عند احرامه .

المقام الثاني في أفعالها

وفيه خمسة فصول :

الفصل الأول في إحرام العمرة

 

و المراد به حبس النفس عن فعل محرماته و الزامها بواجباته ( وللإحرام ) أفعال وتروك و الأفعال مستحبات ومكروهات وواجبات أما مستحباته فهي أمور ( الأول ) يستحب فعل الإحرام تنظيف البدن و الأخذ من الشارب و الأظفار و إزالة شعر العانة و الأبطين و الغسل للإحرام بل لا ينبغي تركه ويجوز ان يغتسل قبل الميقات إذا خاف اعواز الماء عنده وتستحب إعادته لو قدمه ثم وجد الماء في الميقات وكذا تستحب إعادته لو فعل بعده ما لا يجوز للمحرم فعله أو احدث بعده ولو بالأصغر سيما النوم و غسل الليل يكفي للنهار و بالعكس ويقول بعد الغسل ( بسم الله و بالله اللهم اجعله لي نورا و طهوراً و حرزاً و أمناً من كل خوف وشفاءً من كل داء وسقم اللهم طهرني  وطهر قلبي و اشرح لي صدري و اجر على لساني محبتك ومدحتك و الثناء عليك فانه لا قوة لي إلا بك وقد علمت ان قوام ديني التسليم لك والاتباع لسنة نبيك صلواتك عليه وآله ) فإذا لبس ثوبى الإحرام قال ( الحمد لله الذي رزقني ما أواري به عورتي و أوري فيه فرضي واعبد فيه ربي وانتهى فيه إلى ما امرني الحمد لله الذي قصدته فبلغني و أردته فأعانني وقبلني ولم يقطع بي ووجهه اردت فسلمني فهو حصني وكهفي وحرزي وظهري وملاذي ورجائي ومنجاي وذخري وعدتي في شدتي ورخائي ) ويستحب إيقاع الإحرام لغير الحائض ونحوها عقيب صلاة الظهر أو فريضة أخرى ولو مقضية و إلا صلى ست ركعات و اقل ما يجزي ان يحرم عقيب صلاة ركعتين يقرأ بعد الفاتحة في الأولى التوحيد و بعد الفاتحة في الثانية الجحد وبعد الفراغ يحمد الله ويثني عليه ويصلي على رسوله ويجزي عن ذلك ان يقول ( الحمد لله أهل الحمد و الثناء و الصلاة على خاتم الأنبياء و آله الأمناء ) ثم يقول ( اللهم أني اسالك ان تجعلني ممن استجاب لك و آمن بوعدك و اتبع أمرك فاني عبدك و في قبضتك لا اوقي إلا ما وقيت ولا اخذ إلا ما اعطيت وقد ذكرت الحج فأسألك ان تعزم لي عليه على كتابك وسنة نبيك صلواتك عليه و آله وتقويني على ما ضعفت و تسلم لي مناسكي في يسر منك وعافية و اجعلني من وفدك الذي رضيت و ارتضيت و سميت و كتبت اللهم أني خرجت من شقة بعيدة و أنفقت مالي ابتغاء مرضاتك اللهم فاتمم لي حجي و عمرتي اللهم أني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلواتك عليه و آله فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت عليّ اللهم ان لم تكن حجة فعمرة احرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء و الثياب و الطيب ابتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة ) فإذا فرغ من هذا الدعاء لبى التلبيات الأربع مضيفاً إليها ما يأتي لاستحباب مقارنة التلبية للنية بل لعله الاحوط و إن كان الأقوى جواز تأخيرها عن النية قليلاً بل الأقرب افضلية التأخير لمن احرم في مسجد الشجرة إلى أن يصل إلى البيداء ولكن الاحوط أن يجمع بين اتيانها سراً مقارنة للنية ثم الجهر بها بعد ذلك فيقول ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك ) ويستحب ان يضيف التلبيات المستحبة إليها فيقول ( لبيك لبيك ذا المعارج لبيك لبيك داعياً إلى دار السلام لبيك لبيك غفار الذنوب لبيك لبيك أهل التلبية لبيك) إلى آخر ما رواه ابن عمار بل يستحب تكرارها في الإحرام سبعين مرة بل اكثر . ويستحب الجهر بها للرجال وتكرارها عند الانتباه من النوم و في الأسحار وبعد كل صلاة مكتوبة أو مندوبة وحين نهوض البعير به لو كان راكباً وحين علوه شرفاً وهبوطه وادياً وملاقاته راكباً ومهما ركب أو نزل ولا يمنع الحدث مطلقاً من التلبية ويستمر عليها كذلك في عمرة التمتع حيث يشاهد بيوت مكة من المستحبات عند عقد الإحرام الاشتراط في أثناء النية أو التلبية بأن يحله حيث حبسه ولكن لو حصر بمرض يمنعه من إتمام الحج لا يسقط عنه الهدي فلا يتحلل بدونه وينوي التحليل على الاحوط كما لا يسقط عنه الحج لو كان واجباً عليه فإذا بعث هديه وبلغ محله وهو منى إن كان حاجاً و منى إن كان معتمرا اقصر و احل إلا من النساء حتى يحج في القابل أو يستنيب مع عدم المكنة أو يطاف عنه طواف النساء لو كان الحج مندوباً ولو صد عن مكة أو عن الموقفين بعد وكان محرماً نحر هديه و احل من كل شيء احرم منه ولا يسقط عنه الحج الواجب ويستحب الإحرام في الثياب البيض من القطن و أما مكروهات الإحرام فالكلام إلا بذكر الله أو ما في حكمه أو لحاجة و المصارعة و تلبية المنادي و الاستحمام و الاغتسال للتبرد و المبالغة في السواك وحلق رأس المحل و استعمال الحناء لا للزينة بل ينبغي تركها قبل الإحرام إذا كان أثرها يبقى إلى حال الإحرام و النوم على غير الفراش الابيض وغسل ثوبي الإحرام إلا لنجاسة و الإحرام في الثياب السود و المقلمة و الحمر و أن تكون من غير القطن و أن تكون وسخة من الابتداء وكذا يكره دلك الجسد و شم الفاكهة بل الاحوط ترك شم الرياحين مطلقاً و التظليل للنساء وغسل الرأس بالسدر و الخطمى (و أما واجبات الإحرام وشرائطه ) فهي وقوعه في اشهر الحج على ما تقدم ويتضيق إذا بقي من الزمان ما يتسع لأفعالها و إدراك أفعال الحج بناء على ما هو الأقوى من وجوب الإتيان بالعمرة و الحج في سنة واحدة وأن يكون في أحد المواقيت وهي المواضع المعينة للإحرام فلا يجوز من موضع قبلها إلا مع نذر الإحرام منه ولا بعدها مع الاختيار و إن كان لو جاز ميقاتاً إلى آخر و احرم منه صح إحرامه ولكنه يأثم ولا فرق في ذلك بين إحرام الحج و العمرة ولا يمنع الحيض و النفاس من انعقاده و إن منع من الصلاة التي تكون قبله و المواقيت مواضع معينة متعددة بتعدد الطرق المتعارفة لأغلب الناس وهي أوقات لإحرام من مرّ عليها فالميقات لمن أتى من المدينة و إن لم يكن من أهل المدينة مسجد الشجرة وهو ذو الحليفه و الاحوط أن يكون الإحرام من داخل المسجد و الجنب غير المتمكن من الغسل يتيمم ويحرم منه وكذلك الحائض و النفساء مع النقاء ومع عدمه تحرمان من خارجه وتجددان الإحرام من الجحفة ولو لم يمكن الإحرام من هذا الميقات أصلاً لمرض ونحوه جاز تأخيره إلى ميقات أهل الشام ولو لم يحرم من مسجد الشجرة اختياراً حتى وصلها وجب عليه الرجوع مع إمكانه و إلا أجزأه و إن عصى و الميقات لمن أتى من العراق ونجد وادي العقيق و أوله المسلخ بالمعجمة على الأشهر و أواسطه غمرة و آخره ذات عرق و أوله أفضله و لا يحرم حتى يتيقن بلوغه الوادي المذكور و الاحوط عدم التأخير إلى ذات عرق إلا مع التقية فلو تمكن من الجمع بين مراعاتها وبين الإحرام قبلها فعل فيعقد الإحرام بالتلبية سراً ويلبس ثيابه ويفدي واذا بلغ ذات عرق لبس ثوبي الإحرام ( و الميقات ) لمن أتى من الطائف قرن المنازل ولمن أتى من اليمن يلملم وهو جبل في وادي الساعدية أو هو نفس الوادي وفيه مساكن بني سعد ومنهم مرضعته   صلى الله عليه وآله وسلم   على ما قيل ولمن أتى من الشام ومصر ونحوهما الجحفة بالجيم المضمومة ثم الحاء المهملة الساكنة ولا بد من تحصيل العلم بهذه المواقيت ومع تعسره يكتفى بالظن الحاصل من سؤال أهل الخبرة و لو سلك طريقاً ينتهي إلى موضع يحاذي مسجد الشجرة احرم منه ولو كان في طريق لا يحاذيه احرم احتياطاً من موضع يحاذي اقرب ميقات إليه و إن كان ابعد من بعض المواقيت إلى مكة ثم يجدده في أدنى مواضع الحل ثم انه بناء على ان المواقيت غير محيطة بالحرم لخلو جهته المغربية من الميقات لو سلك طريقاً لا محاذاة فيه احرم من موضع يساوي اقرب المواقيت إلى مكة احتياطاً ثم جدد إحرامه من أدنى مواضع الحل ثم ان موضع المحاذاة المعتبرة شرعاً  هو موضع من الطريق إلى مكة يبعد عن الميقات يميناً أو شمالاً بمقدار لا تنتفي معه المحاذاة العرفية مع كون المسافة بينهما ستة أميال أو اقل على الاحوط بحيث يكون الخط الخارج من ذلك الموضع إلى الميقات اقصر الخطوط التي تفرض بين مواضع المحاذاة العرفية و بين الميقات فمتى احرز موضعاً كذلك أو ظنه بعد تعسر العلم احرم منه ومتى احتمله قبل ذلك احرم احتياطاً ورجاء من موضع الاحتمال فإنها حرمة الإحرام قبل الميقات تشرعية لا ذاتية وجدد الإحرام عند اليقين بها وما ذكرناه موضع المحاذاة الحقيقية ولازمه حدوث زاوية قائمة وهي لأن تكون زاوية مربع اقرب من أن تكون لمثلث لاتساع الجهة التي تنتهي الطرق إليها ولكن لا يبعد كفاية المحاذاة العرفية فيجزي أي موضع كان من مواضع المحاذاة مع فرض صدقها عرفاً للمتوجه إلى مكة ( و  أما ميقات ) راكب البحر الذي هو من أهم المسائل اليوم لعموم الابتلاء به فإن تمكن من معرفة موضع المحاذاة من البحر ولو بالسؤال من ربان المركب وتفهيمه بالمحاذاة المسؤل عنها وحصول الظن بها من قوله اخذ به و إن احتمل ذلك احرم احتياطاً ثم جدده عند حصول اليقين بها ولكن الظاهر ان الميقات الذي يحاذيه راكب البحر أما يلملم أو الجحفة ومحاذاة يلملم غير ممكنة لأمرين (الأول) بعد يلملم عن الساحل وبعد  الساحل عن ممر السفن بما يقارب مجموعة المائة و الخمسين ميلاً و لا تصدق المحاذاة العرفية مع هذا البعد . ( الثاني ) عدم وقوعه عن يمين القاصد إلى مكة أو شماله بل يقع امامه و أخبار الربان بالمحاذاة جهلاً منه بالمحاذاة المعتبر ة شرعاً بخياله ان المطلوب هو مطلق المحاذاة أو لأنه كما ( يقال ) مأمور بتوسط طلب سلطان أهل الخلاف في وقته باعلان الإحرام من ذلك الموضع و على هذا لا يجوز الإحرام قبل الوصول إلى جدة بالمعجمة للقطع بعدم المحاذاة قبلها و أما في جدة فينبغي الإحرام منها احتياطاً لا لأنها تحاذي أحد الميقاتين الواقعة بينهما وهما يلملم والجحفة فإن يلملماً في جنوب الحرم و الجحفة في شماله وهي في غربه لبعدها عن كل منهما بما لاتصدق معه المحاذاة بل لأنها تساوي اقرب المواقيت ثم تجديد الإحرام في أحد مواضع أدنى الحل كبحرى و الحديبية وهي بئر شمس ونحوهما و أما حده بالمهملتين فهي موضع بين جدة ومكة وهو واد في وسط الطريق فيه حصن ونخل وماء فإن كانت من أدنى الحل جاز تجديد الإحرام منها أيضاً و أما محاذاة الجحفة لمن يحرم من الطريق الآخر في البحر فلا بد من تحققها حقيقة أو عرفاً و إن احتمل انهم يحاذون مسجد الشجرة قبلها ولكنه لا يلزم من ذلك بطلان الإحرام فالاحوط تخلصاً من الإثم الإحرام من موضع احتمال محاذاة مسجد الشجرة ثم إذا حصل له اليقين بمحاذاته أو محاذاة الجحفة جدد الإحرام ولا يخفى ان من اللازم بذل الجد و الجهد بقدر الطاقة و الوسع في المرور بأحد المواقيت و الوصول إليه فإن من تمكن من ذلك ثم اكتفى بما هنالك قد يكون ممن يأثم وحجه لا يسلم نعم لو نذر موضعاً معيناً يحرم منه خلص من الإشكال وليجعله نذر شكر لله تعالى على بلوغه ذلك الموضع فإذا احرم منه اكتفى بالمرور على الميقات محرماً ومن ترك الإحرام من الميقات نسياناً أو جهلاً عاد إليه مع الإمكان وغن كان أمامه ميقات و إلا احرم منه و إن لم يكن رجع المقدار الممكن و إلا احرم من موضعه إلا ان يكون بعد دخول الحرم فانه يجب عليه الخروج منه مع الإمكان ولا يجوز دخول مكة أو الحرم بقصد دخولها إلا محرماً ولو وصلها قبل اشهر الحج و أراد دخولها احرم لعمرة مفردة فظهر مما سلف ان ميقات الإحرام لعمرة التمتع هو أحد الستة وهي الخمسة و المحاذاة و أما مواقيت إحرام الحج بانواعه فيأتي ذكرها إن شاء الله . و كذا مواقيت العمرة المفردة ( ومن واجبات ) الإحرام لبس ثوبي الإحرام يأتزر بأحدهما ساتراً ما بين السرة و الركبة ويرتدي بالآخر ساتراً للمنكبين بعد نزع المخيط من الثياب وجوباً و الاحوط ان يكون نزعها ولبسهما قبل نية الإحرام والتلبية ويعتبر في الثوبين كونهما مما تصح فيه الصلاة من المنسوج لا من غيره كالجلد و النمد و نحوهما و لا من المتنجس بما لا يعفى عنه ولا من غير الماكول ولا من الحرير حتى للمرأة على الأقوى و في المئزر أن يكون ساتراً للبشرة . ( ومن واجبات الإحرام) النية ولا يعتبر فيها بعد التعيين غير القربة و الإخلاص فينوي إحرام عمرة متمتع بها إلى حج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى ( ومن الواجبات ) التلبية وصورتها ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك ) و يجب النطق بها على النهج العربي الصحيح كتكبيرة الإحرام و الأولى و الاحوط كسر همزة إنّ وتشديد النون و فتح كاف الملك و لا بأس بتكرير لك بعد الملك و يجب تعلمها أو المتابعة فيها و إذا لم يتمكن منهما جمع بين التلفظ بالممكن له منها و الترجمة و استنابة الغير عنه على الاحوط و يأتي الأخرس كما يأتي بتكبيرة الإحرام  ولا بد من نية التلبية فيقول البي التلبيات الأربع لعقد إحرام عمرة التمتع لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ) وهذا المقدار كاف و إن كانت الصورة المتقدمة أحوط ولا ينعقد الإحرام إلا بها و لا يلزم شيء من الكفارات قبلها فلو فعل شيئاً مما يحرم على المحرم لم يكن عليه سوى تجديد الإحرام . ( و أما الترك ) وهي أمور يجب تركها على المحرم بسبب الإحرام أو بسبب الحرم و إن احل (أما  القسم الأول ) فهو أمور مخصوصة ومعنى الإحرام هو حبس النفس عن فعلها كما مر أو توطينها على تركها أو ادخالها في حال تحرم عليه فيها والاحوط للمحرم معرفتها قبل الإحرام ولو إجمالا ليقصد حبس النفس عنها وكفها عن فعلها وهي أمور : ( الأول ) صيد البر مباشرة وتسبيباً وهو صيد الحيوان الممتنع بالأصلة إلا ما يخافه المحرم على نفسه إذا قصده و كذا يحرم ذبحه و أكله و الاعانة عليه ولو كان معه حيوان يحرم صيده وجب عليه ارساله و إن امسكه ضمنه ولا يحرم صيد حيوان الماء وهو ما يبيض ويفرخ في الماء ولا ذبح الحيوان الأهلي كالابل و البقر و الغنم و الدجاج . ( الثاني ) الجماع و التقبيل و الملاعبة و النظر بشهوة بل مطلق التلذذ بالنساء و العقد عليهن لنفسه ولغيره ولاية ووكالة و فضولاً و تحمل الشهادة عليه . ( الثالث ) الاستمناء ولو بأعمال الفكر . ( الرابع ) استعمال الطيب شماً و استعمالاً و أكلاً ولبساً لما فيه رائحة الطيب بل يحرم عليه شمه لو كان عند غيره بل يجب امساك انفه و أما الرائحة  الكريهة فيحرم عليه امساك انفه عنها ولا بأس بالتفاح ونحوه من الفواكه أكلاً لا شماً و الاحوط ترك شم الرياحين ولا بأس بشم خلوق الكعبة وهو طيب مخصوص ولكنه مشتبه المصداق فالامساك عن طيبها مع الإمكان أولى . ( الخامس ) لبس المخيط للرجال اختياراً و ان قلت الخياطة بل الاحوط اجتناب لبس ما يسمى قباء وقميصاً و إن لم يكن مخيطاً كالمنسوخ و الملصق ونحوهما و أما الهميان الذي يجعل فيه نفقته فلا بأس بشده على بطنه و كذا ما يشد لإمساك فتق الريح من الضرورة إليهما ويفدى عن ذلك بشاه و أما النساء فلا بأس بلبس المخيط لهن عدا القفازين وهو لباس للكفين تتخذه نساء العرب حفظاً لهما من اليرد يحشى بقطن . ( السادس ) الاكتحال بالسواد لقصد الزينة بل مطلقاً على الاحوط بل الأولى اجتناب ما كان بقصد الزينة وإن لم يكن بالسواد . ( السابع ) النظر في المرآة ولا بأس باستعمال المنظرة التي تجعل على العيون ولا بالنظر في الماء الصافي الذي يحكي الوجه بخلاف الأجسام الصيقلية التي يرى فيها الوجه فإن الاحوط ان لم يكن الأقوى اجتناب النظر فيها ولا فرق في ذلك بين الوجه وغيره من البدن . (الثامن) لبس ما يستر تمام ظهر القدمين من خف وجورب وغيرهما وإن لم يكن مخيطاً بل الاحوط اجتناب النساء لذلك ولا بأس بما يستر البعض كما لا بأس بستر الجميع بغير اللباس كالجلوس و التغطية بدثار أو نحوه . ( التاسع ) تغطية الرأس للرجال اختياراً و المراد به ما فوق الرقبة بقلنسوة أو ثوب أو غيرهما من نبات أو طين أو محمول عليه من طبق أو متاع ولا بأس بستره ببعض البدن كاليد ولا بما لا بد منه في العادة كالوسادة عند النوم ونحوها . ( العاشر ) الادهان اختياراً ولو كان بمطيب اجتمعت فيه حرمتان من غير فرق بين الرأس و غيره من البدن و المدار على ما يسمى إدهاناً وإن لم يكن للزينة كما يصنعه بعض الأعراب ولا باس بأكل الدهن وشربه كما انه لا بأس بأثره الباقي بعد الإدهان قبل الإحرام . ( الحادي عشر ) إزالة الشعر من أي مكان كان بأي مزيل يكون ولا بأس به للضرورة كالنابت في العين ويقتصر على أقل ما يندفع به الضرر . ( الثاني عشر) إزالة الأظفار بقص أو قرض أو كسر أو حك أو نحوها . ( الثالث عشر ) لبس السلاح اختياراً وفي الدرع والترس ونحوهما مما يتخذ للحفظ إشكال و الاحتياط أولى بل قيل بدخولها في السلاح . ( الرابع عشر ) قتل هوام الجسد من القمل ونحوه مباشرة أو تسبيباً بإلقاء أو وضع في شمس أو استعمال زئبق ونحوه بل لا يجوز نقله من محل إلى محل آخر إذا كان الأول احفظ له ويجوز أن يلقى من جسده ما لا يتكون منه كالقراد . ( الخامس عشر ) لبس الخاتم للزينة ولا بأس بلبسه للسنّة . ( السادس عشر ) أن تلبس المرأة الحلي في حال الإحرام للزينة ولا بأس بما كان عليها قبله ولكن لا تظهره للزوج ولا لغيره من الرجال . ( السابع عشر ) التظليل للرجل اختياراً في حال السير راكباً أو ما شياً بأن يركب في هودج أو كنيسة أو محمل له سقف أو يرفع على رأسه مظلة ونحوها و المراد ان لا يكون تحت ساتر محاذٍ لرأسه حدث منه ظل أو لا كما لا بأس بوقوع الظل عليه من أحد جانبيه لو اتفق كما لو مشى في ظل المحمل عند ميل الشمس ولا بأس بالجلوس حال النزول تحت الظل كما انه يجوز له الاستظلال عند التردد في قضاء حوائجه ما دام في المنزل وإن كان الاحوط خلافه ويجوز للأطفال و النساء و كذا في حال الضرورة وخوف الضرر لمطر أو شدة برد أو حر مع الفدية بشاة و الاحوط الفداء عن كل يوم بشاة كما ان الأقوى تعددها بتعدد النسك كاحرام العمرة و إحرام الحج . ( الثامن عشر ) إخراج الدم بحجامة أو فصد أو حك أو سواك اختياراً فلو دعت الضرورة إلى إخراجه جاز كما انه لا فدية لو خرج لنفسه و الظاهر انه لا فرق في إخراجه بين ان يكون عن عمد وقصد وبين ان لا يكون وفدية إخراجه عند بعض الأصحاب بشاة و عند بعض اطعام مسكين. ( التاسع عشر ) قلع الضرس مع عدم الادماء اختياراً و الاحوط الفداء بشاة. (المكمل للعشرين) قلع كل شيء نابت في الحرم كما يأتي بيانه في المقام الثاني . (الواحد و العشرون) تغطية الوجه للمرأة حتى في النوم ولو بعضه بنقاب ونحوه إلا مقدار ما يحصل به اليقين بستر تمام الرأس في الصلاة وبعد الفراغ منها يجب كشفه فوراً بلا فصل ولو أرادت التستر عن الناظر الأجنبي سدلت قناعها من أعلى الرأس بحيث لا يصيب شيئاً من الوجه ترفعه بيدها أو بخشبة ونحوها على الاحوط وتفدى بشاة لو تعمدت ذلك . ( الثاني و العشرون ) الفسوق وهو الكذب سيما على الله تعالى أو على أحد المعصومين  عليهم السلام ويلحق به السباب و المفاخرة الدنيوية و البذاء و اللفظ القبيح بل جميع المعاصي ولا كفارة فيه سوى الاستغفار وان استحب له التصدق ولو بكف من الطعام بل يستحب له ذبح بقرة . ( الثالث و العشرون ) الجدال وهو قول لا و الله أو بلى و الله في الخصومة بل مطلقاً إذا كانت اليمين كاذبة ويظهر من بعض الأخبار المعتبرة ان الجدال يتحقق باليمين ثلاثا ولاءاً في الصدق ومرة واحدة مع الكذب و الاحوط اجتناب اليمين مطلقاً إلا في مقام الضرورة لنفي باطل أو إثبات حق وليس في اليمين الصادقة إذا كانت دون الثلاث سوى الاستغفار وفي الثلاث شاة كما في اليمين الواحدة كاذباً وفي اليمين كاذباً مرتين بقرة و ثلاثاً جزور على المشهور .

المقام الثاني فيما يجب تركه بسبب الحرم

 

الذي هو بريد في بريد على المحرم و المحل وهو أمور ( الأول ) قطع شجر الحرم وقلعه و قطع أغصانه وورقه وحشيشه وثمره ما دام ثابتاً فيه يابساً كان أو لا وكذا لو كان فرعه في الحرم وإن كان اصله في غيره فضلا عن العكس و يجوز قلع الكمات و نحوها و إن كان الاحوط التجنب و لا بأس بقلع شجر الفواكه و النخل و الاذخر كما لا بأس بترك ابله ودوابه ترعى في الحرم كيف شاءت كما لا بأس بما أنبته بنفسه في ملكه الذي في الحرم . ( الثاني ) الصيد في الحرم على المحل و المحرم . ( الثالث ) يحرم اخذ لقطة الحرم و إن نقصت عن الدرهم بقصد التملك وبدونه . ( الرابع ) إخراج الحصى و التراب منه على ما قيل . ( الخامس ) الدخول إليه بغير إحرام وهو على  إطلاقه محل إشكال . ( السدس ) إقامة الحدود و التعزيرات على من جنى خارجه والتجأ إليه نعم يحرم سقيه و اطعامه حتى يخرج من الحرم ليقام عليه الحد  بخلاف ما لو جنى فيه .

إكمال

لو كان محرماً من الميقات أو قبله بالنذر و أراد المدينة قبل الحج لم يتحلل من احرامه و لم يجز له فعل شيء من تروك الإحرام ولو فعل شيئاً منها كان عليه ما على المحرم من الكفارة حتى يأتي بأفعال العمرة و بما يتحلل به المحرم للعمرة ولو مضى إلى المدينة فالاحوط له تجديد الإحرام من أحد المواقيت و لا بأس بالرواح إلى المدينة قبل الإحرام و إن وصل إلى الميقات وكذا من نذر ان يحرم من موضع معين يجوز له قبل وصوله إليه ان يمضي إلى المدينة ثم يعود للإحرام منه بل و أن وصل إليه إذا كان نذره للإحرام منه مطلقاً نعم لا يجوز له الإحرام من غيره إلا مع تعذر الرجوع وعدم إمكانه ولو كان نذره مقيداً بالاحرام منه عند الوصول إليه لم يجز له ان يمضي إلى المدينة فلو لم يحرم ومضى إليها كانت عليه كفارة خلف النذر و جاز له ان يحرم من أي موضع شاء .

خاتمة في كفارات الإحرام     

وهي ما يجب بفعل أحد محرماته وفي ذلك مبحثان :

المبحث الأول في الصيد

ولا كفارة فيما يحل صيده ولا في سباع الطير إذا اعتدت على حمام الحرم بل يجوز قتلها ولا في قتل السباع و ان لم ترده إلا في الاسد ففيه كبش على الاحوط ولا بأس بقتل الحية و العقرب و الفارة وما يخافه على نفسه إذا قصده ويجب في قتل النعامة بدنة من الإبل و في الظبي و الثعلب و الأرنب شاة و في القطأة و الدراجة ونحوهما حمل فطيم وفي اليربوع و القنفذ و الضب جدي و في العصفورة و القنبرة و الصعوة مد من طعام و في الحمامة شاة وفي فرخها حمل وفي بيضتها قبل حركة الفرخ فيها درهم وبعدها حمل و على المحل في الحرم عن الحمامة درهم أو قيمتها إن زادت عليه وعن الفرخ نصف درهم وعن البيضة ربعه وفي القملة يلقيها عن جسده كف من طعام وكذا في الجرادة وتكفي التمرة عنها وفي الجراد الكثير شاة إذا أمكن التحرز منه و ا  فلا شيء و لو أكل ما قتله كان عليه فداءان ولو أكل ما ذبحه غيره ففداء واحد ولو اشترك في قتله جماعة كان على كل واحد منهم فداء كامل ومن امسك الصيد الذي معه ولم يرسله ضمنه وما تقدم يلزم المحرم ولو في الحل و أما المحل في الحرم فتلزمه القيمة ويجتمعان على المحرم في الحرم و ان بلغ الفداء بدنه كانت عليه مع قيمة الصيد على الاحوط ولا فرق في ضمان الصيديين قتله عمداً وسهواً و خطأ وتتكرر الكفارة بتكرر الجناية سهواً و خطأ لا بتكررها عمداً إلا في إحرام آخر ولو اضطر إلى أكل الصيد أو الميتة أكل من الصيد بمقدار ما يمسك به الرمق وفداه المكنة ولو لم يتمكن بقي في ذمته إلى حصول التمكن ولو كان الصيد مملوكاً ضمن لصاحبه قيمته أو ارش عيبه و عليه فداءه كغير المملوك ويتصدق يه إلا في حمام الحرم فانه يتخير بين الصدقة به وبين أن يشتري بقيمته علفاً لحمامه وما يلزم في إحرام العمرة يذبحه أو ينحره بمكة و ما يلزم في إحرام الحج بمنى .

المبحث الثاني في باقي المحرمات

 

وهي أمور :

( الأول ) الاستمتاع بالنساء فمن جامع امرأته ولو كانت آمة منقطعة قبل أحد الموقفين قبلاً أو دبراً عامداً عالماً بالتحريم كان عليه إتمام الحج و قضاءه عقوبة وبدنة من الإبل فرضاً كان الحج أو نفلاً وعليها مثل ما عليه ان طاوعته وعليهما ان يفترقا من موضع المعصية بأن لا يجتمعا إلا مع ثالث يمنع وجوده من الجماع إلى ان يفرغا من المناسك في حج الفرض وحج العقوبة ولو أكرهها محرمة صح حجها ولا يتحمل عنها إلا البدنة ولو جامعها بعد الوقوف بالمشعر قبل الطواف لزمته بدنة فإن عجز فبقرة فإن عجز فشاة ولو طاف من طواف النساء خمسة اشواط ثم واقع لم تلزمه الكفارة و أتم طوافه ولو جامع في إحرام العمرة المفردة قبل السعي بطلت ووجب اتمامها و قضاءها وعليه بدنة و الاحوط في إحرام العمرة المتمتع اتمامها و إتمام الحج و القضاء في القابل و البدنة ولو أمنى بالنظر إلى أهله فلا شيء عليه و إلى غير أهله فعليه بدنة و إن كان موسراً و إلا فبقرة ولو كان معسراً فشاة ولو نظر أهله بشهوة فأمنى فعليه بدنة ولو قبلها كذلك أو أمنى عن  ملاعبة فجزور ولو كان الأمناء عن استماع ما يوجبه غالباً فلا شيء عليه ولو عقد محرم لمحرم فدخل كان على كل منهما بدنة وكذا لو كان العاقد محلاً عالماً بالاحرام و الحرمة وتجب على المرأة مع علمها باحرام الزوج و الحرمة .

( الثاني ) استعمال الطيب عامداً بجميع أنحاء استعماله حتى أكلاً مع الطعام وفيه شاة .

( الثالث ) تقليم الأظفار وفي كل ظفر مد من طعام وفي يديه ورجليه في مجلس واحد شاة وفي مجلسين شاتان ولو أفتاه شخص بالقلم فأدنى ظفره فعلى المفتي شاة .

( الرابع ) لبس المخيط لضرورة و غيرها وفيه شاة و ان تعدد الملبوس إذا اتحد الوقت .

( الخامس ) حلق شعر الرأس بل مطلق إزالته ولو مضطراً وفيه شاة أو اطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان و اختيار الشاة هو الاحوط .

( السادس ) إزالة شعر الأبطين معاً بالنتف وغيره وفيها شاة وفي أحدهما اطعام ثلاثة مساكين ولو سقط من رأسه أو من لحيته في الوضوء للصلاة أو غيرها شيء فلا شيء عليه ولو سقط بمسه في غيره تصدق بكف من طعام .

 ( السابع ) التظليل سائراً وفيه شاة وكذا في تغطية الرأس ولو بطين أو ارتماس في ماء أو حمل ما يستره و إن كان ذلك لضرورة .

( الثامن ) الجدال صدقاً ومنه شاة إذا كان ثلاثاً و لا كفارة فيما دون الثلاث و إذا كان كاذباً مرة ولو ثناّه فبقرة ولو ثلّثه فبدنة .

( التاسع ) قلع الضرس اختياراً وفيه شاة .

( العاشر ) قلع شجرة الحرم الكبيرة وفيه بقرة و الصغير ة شاة وفي الابعاض القيمة .

مسائل

(الأول ) لا كفارة على الجاهل و الناسي إلا في الصيد . ( الثاني ) تكرار الكفارة مع صدق تعدد السبب عرفاً اتحد المجلس أو اختلف كفرّ عن الأول أم لم يكفر. ( الثالث ) ما يحرم على المحرم مما لا مقدر له شرعاً ولا نص بعدم الكفارة عليه و إن ورد ان فيه دماً لو فعله المحرم كان عليه دم شاة .

الفصل الثاني في طواف العمرة

 

وفيه مقدمة ومقاصد (أما المقدمة) ففي مستحبات دخول الحرم ودخول مكة والمسجد الحرام إذا انتهى المحرم إلى الحرم نزل واغتسل ودعا لدخوله بهذا الدعاء (اللهم انك قلت في كتابك وقولك الحق )إلى آخر الدعاء ودخل الحرم حافياً آخراً نعليه بيديه ماشياً ساعة من الزمان تواضعاً لله ماضغا للاذخر و إذا أراد دخول مكة اغتسل لدخولها من بئر ميمون بالابطح أو بئر عبد الصمد أو بئر فخ أو غيرها ودخلها من أعلاها من عقبة المدنيين بعد الغسل حافياً داعياً وليكن دخوله بسكينة غير متجبر ولا متكبر ويغتسل ثالثاً لدخول المسجد الحرام ويجزيه عن الثلاثة غسل واحد عند وصوله إلى الحرم ينويه عن الجميع و ليكن دخوله من باب بني شيبة و يقال انه الآن في المسجد قبال باب السلام و ليقف على الباب ويقول ( السلام عليك أيها النبي و رحمة اله وبركاته بسم الله و بالله و من الله و ما شاء الله و السلام على أنبياء الله و رسله و السلام على رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   و السلام على إبراهيم خليل الله و الحمد لله رب العالمين و يقول ما ورد في رواية أخرى ( بسم الله وبالله ) إلى آخر الدعاء فإذا دخل المسجد دخله حافياً بسكون وخشوع وليرفع يديه و يستقبل البيت قائلاً ( اللهم أني اسألك في مقامي هذا وفي أول مناسكي ان تقبل توبتي و تتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام ) إلى آخره ثم ينظر إلى الكعبة ويقول ( الحمد لله الذي عظمك وشرفك و كرمك و جعلك مثابة للناس و أمناً مباركاً وهدى للعالمين ) ثم ينظر إلى الحجر الاسود و يقول ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله سبحان الله و الحمد لله و لا اله إلا الله و الله اكبر ) الخ . ثم يمشي بتأن مقصر خطاه فإذا قرب من الحجر رفع يده وحمد الله و أثنى عليه وصلى على محمد و آله  عليهم السلام و قال ( اللهم تقبل مني ) ثم استلم الحجر و مسح وجهه ويده به و قبله فإن لم يتمكن مسه بيده وقبلها فإن لم يتمكن أشار إليه بيده و قبلها وقال (أمانتي اديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة اللهم تصديقاً بكتابك و على سنة نبيك  صلى الله عليه وآله وسلم   ) الخ. وأما المقاصد  ( فأولها ) في أحكامه وشرائطه ( أما أحكامه ) فيجب على المعتمر للتمتع بعد دخوله مكة ان يبتدىء بالطواف لعمرة التمتع و الطواف ركن من تركه عامداً إلى زمن لا يمكن فعله فيه قبل الوقوف بطل حجه و صار حج أفراد ووجب عليه القضاء في القابل بخلاف غيره ممن لم يتمكن منه لعذر و من تركه نسياناً يأتي به مع السعي ولو كان ساعياً ومع التعذر يستنيب ولو حاضت المرأة قبل طواف العمرة توقفت عنه و انتظرت فإن طهرت و تمكنت من أفعال العمرة و الخروج إلى الموقف فعلت و إلا بطلت متعتها و صارت حجتها مفردة تأتي بعدها بعمرة مفردة ولا قضاء عليها و المريض يطوف معتمداً أو راكباً أو محمولاً فإن لم يتمكن استناب ( و أما شرائطه ) فهي أمور : (الأول) الطهارة من الحدث مطلقاً فلا يصح الطواف الواجب بدونها ولو غفل فطاف محدثاً أو احدث في أثنائه قبل إكماله أربعة اشواط استأنف ولو أكملها تطهر و أتم طوافه من حيث قطع و الشك في الطهارة هنا كالشك فيها للصلاة و يقوم التيمم مع عدم التمكن من الماء مقام الطهارة بالماء كما في الصلاة . ( الثاني ) طهارة البدن و الثياب من النجاسة و إن كانت مما يعفى عنه في الصلاة احتياطاً ولو علم بها بعد الفراغ فالظاهر الصحة ولو نسيها وطاف أعاد ولو علم بها في أثنائه أزالها و أتم طوافه . (الثالث ) الختان فلا يصح طواف الأغلف و إن كان طفلاً قد طيف به بإذن وليه فلا تحل له النساء بعد البلوغ إلا ان يتدارك بعد الختان طواف النساء بنفسه أو بنائبه .  (الرابع ) ستر العورة بما يصح به التستر في الصلاة . ( الخامس ) النية المشتملة على قصد القربة و تعيين كونه طواف حج أو عمرة أو نساء أو غيرها مقارنة لأول جزء منه مستدامة إلى الفراغ ولو حكماً وذلك بأن يقول أطوف سبعة أشواط في بيت الله الحرام طواف عمرة التمتع لحج الإسلام حج التمتع لوجوبه قربة إلى الله تعالى.

  ( ثانيها ) في واجباته وهي أمور ( الأول ) يجب ابتداء كل شوط من الأشواط السبعة من الحجر الاسود بحيث يمر بتمام بدنه على تمام الحجر فيتقدم عليه قليلاً في الابتداء ويتاخر عنه كذلك عند الختام و لا بأس بالزيادة احتياطاً مقدمة للعلم لا بقصد الزيادة و إن كان القول بكفاية صدق الابتداء من الحجر غير بعيد وطوافه   صلى الله عليه وآله وسلم   راكباً يمكن أن يكون على الوجه الأول و على الوجه الثاني . ( الثاني ) الختم بالحجر في كل شوط من السبعة على ما مر في الابتداء فلو نقص من المسافة خطوة أو اقل لم يجزء ولو زاد متعمداً بطل . ( الثالث ) ان يكون البيت في جميع أحوال طوافه على يساره فلو جعله على يمينه و استقبله بوجهه أو جعل ظهره إليه بطل ولو استقبل البيت بوجهه في جزء من الطواف لتقبيل أحد الأركان أو انحرف مجراه قهراً فصار وجهه أو ظهره إليه لزحام ونحوه لم يحسب له ذلك الجزء ووجبت إعادته وينبغي الحذر عند فتحتي حجر إسماعيل و عند باقي الأركان بالتباعد عنها مع المحافظة على جعل البيت على اليسار و الظاهر ان أمر الطواف أوسع من ذلك ولكن الاحتياط فيه مما لا ينبغي تركه . (الرابع) إدخال حجر إسماعيل في الطواف وهو عرصة عليها جدار منقوش شبه نصف دائرة بين ركني الكعبة له فتحتان عند الركنين فيه قبر هاجر أم إسماعيل   عليها السلام و قبور كثير من الأنبياء  عليهم السلام فيجب كون الطواف على تمامه و تمام الكعبة فلو مشى على حائطه أو دخل من إحدى فتحتيه وخرج من الأخرى بطل الشوط ولا يكفي التدارك لو دخل من إحداهما وخرج من الأخرى باكمال الشوط من موضع سلوك الحجر و إعادة الشوط و الإتيان بباقي الأشواط لو كانت بل يستأنف مع ذلك طوافاً آخر على الاحوط بل لا يترك لو كان ذلكم قبل تجاوز الأربعة أشواط . ( الخامس ) ان يكون الطواف بين الكعبة و المقام فيراعي مسافة تبلغ ستة وعشرين ذراعاً ونصفاً بذراع اليد تقريباً من جميع الجوانب فلا يبعد عن الكعبة بما يزيد عليها و إلا خرج عن المطاف وبطل ما خرج عنه من الطواف ومن جهة الحجر بالكسر ستة اذرع ونص لان مقدار ساحة الحجر عشرون ذراعاً فلو تجاوز هذا المقدار من جهة الحجر خرج عن المطاف وكان عليه تدارك الجزء الخارج عنه من موضع الخروج . ( السادس ) خروج الطائف بجميع بدنه عن البيت ولواحقه فلو مشى على شاذروانه (1) في طوافه أو مسه بيده لم يحسب له وكان ذلك الجزء من الطواف باطلاً يجب تداركه و الاحوط أن لا يمس الكعبة ولا الشاذروان ولا جدران الحجر ولا يستلم الأركان وهو في حال الطواف لا بيده ولا بشيء من بدنه . ( السابع) إكمال سبعة أشواط بلا زيادة و لا نقصان فلو شك في العدد بعد الفراغ لم يلتفت ولو شك في أثنائه بين التمام و الزيادة كما لو شك أن هذا الشوط هو السابع أو الثامن وكان على منتهاه بنى على السبع ولو كان في أثناء الشوط الذي شك فيه انه السابع أو الثامن أتم ما بيده احتياطاً و أعاد الطواف ولو كان الطواف نفلاً وشك في أثنائه بنى على الأقل مطلقاً ولو نقصه سهواً شوطاً أو شوطين أو ثلاثة بنى على الأربع و أتى بما فاته و ان كانت النقيصة أربعة أشواط أو اكثر استأنف إلا أن يكون في المطاف ولم يأت بالمنافي فانه يتم و ان كان النقص عن عمد بطل مطلقاً . ( الثامن ) الموالات بين الأشواط الأربعة الأول بل الاحوط ان لا يقطع الطواف الواجب بلا عذر على وجه تفوت به الموالات العرفية فلو قطعه كذلك استأنف و ان تجاوز النصف ولو كان لعذر كمرض أو حيض أو سبق حدث فإن كان بعد إتيانه بأربعة أشواط أتم من موضع القطع و إن كان قبل الإتيان بها استأنف الطواف .

( ثالثها ) في مستحباته وهي المبادرة به عند  دخول المسجد فلا يقدم عليه غير الفريضة إذا دخل وقتها و استقبال الحجر بجميع بدنه في ابتداء الطواف وأن يقول ما تقدم و الخضوع و الخشوع حال الطواف و احضار القلب وحفظ الجوارح و ترك الكلام إلا بالذكر و التلاوة و المشي فيه و إن جاز الركوب وسحب رجلي من طيف به على الأرض أو مسها بهما و أن يطوف حافياً مكشوف الرأس و التداني من البيت و المقاربة بين الخطى وغض البصر و استلام الحجر الأسود ببدنه فإن تعذر فبيده فإن تعذر أشار إليه بها فإن تعذر فبوجهه يفعل ذلك في ابتداء الطواف في كل شوط وأن لا يؤذِ أحدا وربما حرم و التزام المستجار وهو دون الركن اليماني بقليل و الدعاء في أثناء الطواف بالمرسوم وعند بلوغ باب الكعبة في كل شوط وحجر إسماعيل مقابل الميزاب خلف الكعبة وبلوغ الركن اليماني و إذا صار بينه وبين الحجر الأسود و ليبسط يديه في الشوط السابع على حائط المستجار و يلصق بطنه وخدّه به ويعدد ذنوبه كأن يقول ( اللهم ومن ذنبي كذا ) ثم يستغفر منها ثم يطلب حاجته ويكثر من الدعاء و ينبغي لمن استلم أو التزم أو قبل حفظ موضع القيام الذي انفصل عنه لذلك ليعود إلى إتمام طوافه منه تحرزاً من النقصان و الزيادة .

الفصل الثالث في صلاة الطواف

 

وهي ركعتان كالصبح وتجب بعد الفراغ من الطواف خلف مقام إبراهيم  عليه السلام و الاحوط المبادرة بهما بعد الفراغ من الطواف ولا يؤخرهما بحيث يعد متهاوناً بل الأقرب عدم جواز تأخيرهما إلا لعذر و نيتهما ان يقول اصلي صلاة طواف عمرة التمتع لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى ومحل فعلهما خلف المقام وهو الصخرة التي فيها اثر القدم المبارك فلا تصح أمامها و لا  عليها بل يجب استقبالها و مع تعذره يراعى الأقرب فالأقرب مع جعلها اماما ويتخير فيهما بين الجهر و الاخفات و شروطها شروط الصلاة إلا الوقت وموانعها موانعها و لو صلاها في غير محلها أعادها فيه ولو نسيها وجب العود لفعلها فيه ولو تعذر صلاها في أي موضع كان و الاحوط الجمع بينه وبين الاستنابة ولو مات وجب على الولي قضاءها وتصح جماعة و فرادى و لا آذان فيها ولا إقامة وصلاة الطواف المندوب يصليها حيث شاء من المسجد و مكة ويستحب ان يقرأ بعد الفاتحة التوحيد في الأولى و الجحد في الثانية و إذا فرغ منها حمد الله و أثنى عليه وصلى على النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   و قال ( اللهم تقبل مني ولا تجعله آخر عهد مني الحمد لله بمحامده كلها على نعمائه كلها حتى ينتهي الحمد إلى ما يحب و يرضى اللهم صل على محمد و آل محمد وتقبل مني و طهر قلبي و زك عملي ) و يستحب أن يسجد ويقول وهو ساجد ( سجد لك وجهي تعبداً ورقا لا اله إلا أنت حقا حقا الأول قبل كل شيء و الآخِر بعد كل شيء و هاأنذا بين يديك ناصيتي بيدك فاغفر لي انه لا يغفر الذنب العظيم غيرك فاغفر فاني مقر بذنوبي على نفسي ولا يدفع الذنب العظيم غيرك ) .

الفصل الرابع في السعي بين الصفا و المروة

وتستحب المبادرة إليه فوراً بعد الفراغ من ركعتي الطواف بحيث لا يعد متهاوناً ولا يؤخره إلا لعذر كحر أو برد فإذا فرغ من صلاة الطواف استلم الحجر الأسود وقبله ان أمكن و إلا أشار إليه ثم مضى إلى بئر زمزم فاستقى منها بنفسه دلواً أو دلوين بالدلو المقابل للحجر الأسود ان أمكن و إلا استقى له غيره منه أو من غيره وليشرب منه فإن ماء زمزم لما شرب له ويصب الباقي على رأسه وظهره و بطنه و يستقبل القبلة و يقول ( اللهم اجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كل داء وسقم ) و إتيانها كذلك مستحب في نفسه و إن لم يرد السعي ثم يخرج إلى السعي بسكينة ووقار من الباب الذي هو الآن من المسجد معلم باسطوانتين معروفتين و منه كان خروجه   صلى الله عليه وآله وسلم   على ما قيل وهو يحاذي الحجر الأسود فإن لم يمكن خرج من الباب الموازي لهما ثم يقطع الوادي حتى يصعد الصفا و ينظر إلى البيت و ليستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود و يحمد الله و يثني عليه و يذكر من آلائه وحسن بلائه و جميل صنعه ما يقدر عليه ثم يقول ( الله اكبر ) سبعاً و يأتي بالمأثور من الذكر و الدعاء و ليكن الوقوف على الصفا أول مرة أطول من غيرها و ليكن بمقدار قراءة سورة البقرة مترسلاً وقد ذكرنا في مصباح الناسك من أدعية المقام و أذكاره ما وفق الله تعالى لذكره و السعي واجب بعد صلاة الطواف وهو ركن كالطواف و تركه عمداً وسهواً كتركه كذلك نعم لا تعتبر فيه الطهارة من الحدث و لا من الخبث ولا ستر العورة وإن كان الاحوط فيه مراعاة الطهارة من الحدث ولو سعى قبل الطواف ناسياً اعاده بعده وكذا لو كان جاهلاً ويقول في نيته ( اسعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط سعي عمرة التمتع لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى ) ويلصق عقبيه في بداية الشوط الأول بالصفا و أصابع رجليه في نهايته بالمروة و في الشوط الثاني بالعكس وهكذا يلصق عقبيه بما يبتدىء منه و أصابع رجليه بما ينتهي إليه و يكفي الصاق عقب واحد و أصابع رجل واحدة و الاحوط أن يصعد إلى الدرجة الرابعة من الصفا وينوي ويستمر نازلاً ويمضي ماشياً أو راكباً إلى ان يصل إلى المروة و الاحوط أيضاً ان يصعد على المروة في نهاية الشوط وبدايته و الذهاب من الصفا إلى المروة شوط و الإياب منها إليه شوط آخر وهكذا حتى يحصل الختام في الشوط السابع بالمروة و يجب ان يكون الذهاب و الإياب في الطريق المتعارف لذلك فإذا مضى إلى المروة من المسجد أو من السوق أو من غيرهما أو عاد إلى الصفا منهما أو من غيرهما لم يجزء كما انه يجب ان يمضي مستقبلاً بوجهه للمروة و يعود مستقبلاً للصفا فيستقبل المقصد فيهما فلا يجز المشي عرضا ولا مستدبراً لما يتوجه إليه نعم لا يقدح الالتفات يميناً أو شمالاً كما انه يجوز له الجلوس على الصفا و المروة للاستراحة و أما الجلوس ما بينهما فالاحوط تركه بدون عذر ولو زاد فيه سهواً اقل من شوط ألغى الزائد و صح سعيه وكذا لو كان الزائد شوطاً أو اكثر ويستحب إكماله اسبوعاً ولو نقصه سهواً أتى بالناقص متى ذكره فلو ذكره بعد عوده إلى بلاده ولم يتمكن من الرجوع استناب و الاحوط في صورة عدم إكمال أربعة أشواط استئناف الجميع و الزيادة العمدية  فيه مبطلة كالطواف و

 

الشك في عدده بعد الانصراف لا عبرة به ولو شك وهو على المروة انه الشوط السابع أو التاسع ألغى الزائد وصح سعيه ولو كان أحد طرفي شكه اقل من سبع فالظاهر البطلان كما لو شك في أثناء الشوط انه السابع أو التاسع مثلاً ويستحب فيه المشي مع القدرة و الهرولة ما بين المنارة وزقاق العطارين للرجل ولو كان راكباً حرك دابته فإذا بلغ المنارة قال (بسم الله وبالله و الله اكبر و صلى الله على محمد و آهل بيته اللهم اغفر و ارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأكرم و اهدني للتي هي أقوم اللهم ان عملي ضعيف فضاعفه لي و تقبل مني اللهم لك سعي و بك حولي و قوتي تقبل مني عملي يا من يقبل عمل المتقين ) ثم يمشي مسرعاً إلى المنارة الأخرى فإذا جازها قال (يا ذا المن و الفضل و الكرم و النعماء و الجود اغفر لي ذنوبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت) وهكذا يصنع في كل شوط فإذا بلغ المروة دعا بالمأثور وقال ( اللهم يا من أمر بالعفو يا يحب العفو يا من يعطي على العفو يا من يعفو على العفو يا رب العفو العفو العفو العفو ) وليسع باكياً داعياً قائلاً ( اللهم أني اسألك حسن الظن بك على كل حال وصدق النية في التوكل عليك ) .

الفصل الخامس في التقصير

ويجب بعد الفراغ من السعي وهو نسك واجب في نفسه كسائر أفعال العمرة لا إباحة محظور وبه يحصل الإحلال من إحرام عمرة التمتع و يحل له كل ما يحل للمحل في الحرم حتى المواقعة ولكن يستحب له ان يتشبه بالمحرمين و لا يلبس قميصاً كما يستحب ذلك لأهل مكة أيام الحج ولا بد فيه من النية كغيره من أفعال العمرة ولو تلفظ بها قال اقصر للإحلال من عمرة التمتع عمرة الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى ويكفي اخطار المعنى ويحصل التقصير بحصول مسمّاه وهو الأخذ من شعر الرأس أو اللحية أو الشارب أو الأظفار بغير مغصوب من حديد وغيره ولو بالأسنان بأي نحو كان و الأولى أن يفعل ذلك بنفسه و ان يأخذ من جميع جوانب شعر رأسه مبتدئاً بالناصية ومن اللحية و الشارب و الأظفار ويستحب له التقصير وهو على المروة ولا يجوز الحلق ولو حلق لم يجزه ولزمه التقصير ولو حلق تمام رأسه بعد التقصير فلا بأس وإن كان الترك أولى ولو كان قبله عمداً فعليه شاة ويمرّ الموسى على رأسه يوم النحر وجوباً ولو نسي التقصير  حتى احرم للحج استغفر الله ولا شيء عليه و الاحوط ان يهريق دماً ولا يتوقف الإحلال بعد التقصير علىطواف النساء إلا ان الاحوط فعل طواف النساء و صلاته بعد التقصير فينوي انه يطوف طواف النساء لعمرة التمتع إلى حج التمتع حج الإسلام احتياطاً قربة إلى الله تعالى ولا يجوز للمحل من عمرة التمتع ان يخرج من مكة مع خوف فوت الحج بل الاحوط له أن لا يخرج منها مطلقاً إلا لعذر و أن لا يتجاوز حدودها التي كانت في زمن خطاب الشرع وإن احتمل التعميم لما تجدد منها بعده و ان كان الأقرب جواز الخروج إلى ما دون المسافة و اختصاص المنع بالسفر إلى ما يبلغها فيجوز الخروج لأدنى الحل لعمرة مفردة ولزيارة بعض المشاهد ولو خرج إلى ما يبلغ المسافة عاد محرماً من ميقاته بعمرة ينويها عما في ذمته ويطوف فيها طواف النسا احتياطاً ويجوز الخروج للمحرم و المحل من العمرة المفردة .

خاتمة في العمرة المفردة

وهي فريضة كالحج بشرائطه و أسبابه و تزيد عليه بفوات الحج بعد الإحرام فانه يجب التحلل بها وفي وجوبها على الافاقي إشكال ولا تختص بزمان معين وتستحب بعد قضاء الفريضة في تمام السنة و أفضلها في رجب وهي تلي الحج فضلا ويستحب تكرارها ولا حد للفصل بين العمرتين نعم لو كان اقل من عشرة أيام كانت اقل فضلا وثواباً وتجب فيها النية و الإحرام من ميقاتها وهو أدنى الحل و الأفضل ان يكون من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم وهو اقرب أطراف الحل إلى مكة ولو خرج إلى أحد المواقيت و احرم منه كان افضل و مريد العمرة في رجب لو خاف تقضيه احرم قبل الميقات و يجب الطواف وركعتاه و السعي و التقصير أو الحلق و به يحل ما عدا النساء و طواف النساء وركعتاه فتحل له النساء و القارن و المفرد يأتيان بها بعد الحج إن وجبت و المتمتع يجتزي عنها بعمرته .

 

المقصد الثاني في أفعال حج التمتع

وقد تقدم ذكرها إجمالاً وتذكر هنا في فصول :

الفصل الأول في إحرام حج التمتع

وافضل أوقاته بعد الإحلال من إحرام العمرة يوم التروية الثامن من ذي الحجة و أفضله ان يكون بعد صلاة الظهر أو العصر أو صلاة فريضة ولو قضاء وإن لم يكن عليه شيء من ذلك فبعد صلاة الإحرام و اقلها ركعتان فإذا احرم دعا بما تقدم من الدعاء عند إحرام العمرة إلا انه لا يذكر العمرة فيه و يقول ( اللهم أني أريد الحج فيسره لي و حلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت عليّ احرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي من النساء و الثياب و الطيب ابتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة ) ولا يترك الاحتياط بالاحرام في اليوم المذكور عقيب صلاة فإذا كان باقياً على صورة المحرم طلباً للفضل لم يحتج إلى  نزع ولبس و إلا نزع ثيابه و نوى نزعها لإحرام الحج حج التمتع الخ  ولبس ثوبي الإحرام ويعتبر فيهما ما قدمناه في ثوبي إحرام العمرة و ينوي حين اللبس قائلاً ( ٍ البس ثوبي الإحرام لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى ) وفي نية إحرام الحج احرم لحج التمتع الخ وفي نية التلبية ألبي لعقد إحرام حج التمتع الخ ثم يلبي التلبيات الأربعة كما سبق وميقات الإحرام لحج الأفراد و القران أحد المواقيت أو منزله ان كان دون الميقات ولو في مكة و يأتي الكلام عليهما بعد الفراغ من هذا المقصد إن شاء الله تعالى و أما ميقات إحرام حج التمتع فهو أي موضع شاء من مكة و الأفضل ان يكون من المسجد و أفضله ان يكون من الحجر أو من المقام ولو عين أحد هذه بالنذر تعين ولو عين موضعاً خارجاً عن مكة لم ينعقد وكيفية الإحرام هنا وواجباته وتروكه كاحرام العمرة و لو نسي الإحرام حتى خرج إلى منى وجب العود إلى مكة للإحرام منها و إذا لم يتمكن من الرجوع لعذر أو ضيق وقت احرم من موضعه و يستحب للمحرم ان يخرج من المسجد وعليه السكينة و الوقار متوجهاً إلى منى و ان يقول عند توجهه إليها ( اللهم إياك أرجو  واياك ادعو فبلغني املي و اصلح لي عملي ) و ليكن مشتغلاً في طريقه بالذكر و التسبيح فإذا اشرف على الابطح رفع صوته بالتلبية و استمر عليها إلى زوال يوم عرفة و يستحب المبيت بمنى ليلة عرفة مشتغلاً بالذكر و التلاوة و الدعاء و الصلاة في مسجد الخيف و ليمكث فيها إلى أن يفرغ من صلاة الفجر و تعقيباتها ويكره له قطع وادي محسر وهو أحد  حدود منى قبل طلوع الشمس بل الاحوط أن لا يجوزه حتى تطلع الشمس كما انه لا ينبغي الخروج منها قبل الفجر إلا للمريض و خائف الزحام و نحوهما من ذوي الأعذار فإذا مضى إلى عرفات قال عند توجهه إليها ( اللهم إياك حمدت و إياك اعتمدت ووجهك أردت ) ويلبي وهو غاد إلى عرفات فإذا بلغها أحطّ رحله بموضع معروف يسمى نمرة قريبة من عرفات متصل بها وضرب خباءه بها تأسياً .

الفصل الثاني في الوقوف بعرفات

 

وهو الحصول فيها من غير فرق بين ان يكون متحركاً أو ساكناً قائماً أو قاعداً مستيقظاً أو نائماً نوماً لا يستوعب تمام الوقت ولا سكراناً أو مغمى عليه كذلك و الواجب للمختار هو الوقوف من زوال الشمس من يوم عرفة إلى غروب الحمرة المشرقية عن نية معتبرة وكيفيتها ان يقول اقف بعرفة وقوف حج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى و الركن من الوقوف الذي يبطل الحج بتركه عمداً هو مسماه ولا يتحقق تركه إلا بترك الوقوف في جميع الوقت فلو تركه في بعض أجزاء الوقت أثم وصح حجه و لا يبطل الحج بترك الوقوف سهواً إلا إذا ترك الوقوف بالمشعر أيضاً ولو تركه في جميع الوقت عامداً ابطل حجه ولا يكفيه الوقوف الاضطراري وهو الوقوف بعرفة ليلة العيد بخلاف غير العامد الذي لم يتمكن من الوقوف ولو يسيراً من الوقت لنسيان أو ضيق وقت أو نحوهما فانه يجزيه الوقوف ليلاً ولو يسيراً من الزمان فمن ادركه وتركه عامداً افسد حجه ولو فاته اختياري عرفه و اضطراريها نسياناً أجزاه إدراك اختياري المشعر الحرام ولو خرج من عرفة قبل غروب الشمس عامداً فان ندم وعاد إليها فلا كفارة عليه و إن لم يعد مع العلم و العمد فعليه بدنة ينحرها يوم العيد فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكة أو في الطريق أو في أهله ولو كان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه ولو حصل الخلاف في الهلال فصار اليوم الثامن عند الامامية تاسعاً عند غيرهم عمل كل من الفريقين بفرضه مع الإمكان وعدم التقية و إن لم يكن فإن أمكن إدراك الوقوف بالمشعر صح الحج و إن أوجب فوات الموقفين بطل الحج لأن التقية لا تصحح العمل على الاحوط ان لم يكن أقوى و مستحبات الوقوف بعرفة الغسل و الطهارة و احضار القلب و إزالة شواغله و مفرقات حواسه عن التوجه لعبادة ربه تعالى و التفرغ للدعاء فانه يوم دعاء و مسألة ولا ينبغي فيه الصوم إذا اضعف عن الدعاء وليصل الظهر و العصر عند الزوال باذان واحد و اقامتين و ليقف في ميسرة الجبل وهي ما تكون على يسار من جاء من مكة وفي السفح منه ولا يصعد على أعلاه وقد حرّمه بعض الأصحاب وليكن قائماً ما استطاع مستقبلاً بارزاً تحت السماء مكثراً من التكبير و التحميد و التهليل و التمجيد و ليدعُ بالمأثور عن النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   وعن سبطه الحسين  عليه السلام وعن ولده زين العابدين  عليه السلام وليدع لإخوانه ما استطاع فإن له به مائة ألف ضعف وقد ذكرنا في المصباح ما تيسر من ذلك ثم يفيض من عرفات بعد غروب الشمس إلى المشعر مقتصداً في سيره .

الفصل الثالث في الوقوف بالمشعر الحرام

ويسمى جمعا ومزدلفة إذا افاض من عرفات بات ليلة النحر بالمشعر وجوباً على الاحوط ولينو المبيت فيه و الوقوف للحج امتثالاً لأمره تعالى فإذا تنفس الصبح جدد النية قائلاً اقف في المشعر الحرام إلى طلوع الشمس وقوف حج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى ولا يخرج منه قبل الفجر فلو افاض قبله وكان ناوياً للوقوف ليلاً أثم وصح حجه وعليه ان يجبره بشاة بل لو افاض قبل طلوع الشمس مختاراً متعمداً وتجاوز وادي محسر عصى وعليه دم شاة أيضاً على الاحوط و الركن من الوقوف مسماه على غير مغصوب فلو كان الوقوف عليه هنا أو في عرفات قوى البطلان ولا يفوت إلا بتركه في جميع الوقت الذي هو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وهو اختياري  المشعر وهذا في غير النساء وذوي الأعذار كالمرضى و الشيوخ الخائفين من الزحام و المضطرين لخوف ونحوه فإن لهؤلاء نية الوقوف ليلاً و الافاضة إلى منى قبل طلوع الشمس ومن لم يدرك الوقت المذكور كفاه الوقوف قبل الزوال فتحصل ان للوقوف أوقاتا ثلاثة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وهو اختياري المشعر وليلة النحر للنساء ولمن لم يتمكن من البقاء إلى الفجر و هو اضطراري مشوب بالاختياري ومن طلوع الشمس إلى الزوال وهو اضطراري المشعر ثم ان الحكم بصحة الحج وفساده يختلف بالنسبة إلى أقسام الوقوفين في عرفة و المشعر وهي أربعة مفردة وهي كل واحد من الاختياريين و الاضطراريين و أربعة مركبة وهي الاختياريان و الاضطراريان منهما و اختياري أحدهما مع اضطراري الآخر وهما قسمان فمن لم يدرك الوقوف في أحد الموقفين أصلا فلا حج له و عليه ان يتحلل بعمرة مفردة كما انه لا إشكال في صحة حج من أدرك الوقوفين في الوقت الأختياري لها ولو أدرك اختياري أحدهما و اضطراري الآخر صح حجه أيضاً وفي صحة إدراك الاضطراريين خلاف اقربه الصحة و الاحوط الإعادة في القابل ولو أدرك الاضطراري من أحدهما فقط فالأقوى البطلان و ان أدرك الاختياري من أحدهما وفاته الآخر لضرورة صح حجه من غير فرق بين اختياري المشعر و اختياري عرفة وإن كان الحكم في الثاني لا يخلو من إشكال ويستحب النزول ببطن الوادي عن يمين الطريق قريباً من المشعر و أن لا يصلي المغرب و العشاء إلا في جمع يجمع بينهما بأذان واحد و إقامتين وله التأخير و ان ذهب ثلث الليل و تؤخر نوافل المغرب بعد العشائين وينبغي الصلاة قبل حط الرحل و إحياء ليلته بالمزدلفة بالعبادة و الذكر و التلاوة و الدعاء فإن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين ومن أحياها لم يمت قلبه يوم تموت القلوب وليلتقط حصى الجمار فيها من جمع ومن أي الجهات شاء عدا المساجد و أملاك الغير وهي

 

سبعون حصاة بأوصافها الآتية حذراً من ضياع بعضها أو خطئه في الإصابة ويندب للضرورة ان يقف على المشعر ويطأه برجله أو براحلته و يقول ( اللهم هذه جمع اللهم اسألك ان تجمع لي فيها جوامع الخير اللهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك ان تجمعه لي في قلبي ثم اطلب إليك ان تعرفني ما عرفت أولياءك في منزلي هذا و ان تقيني جوامع الشر ) فإذا اصبح يوم النحر وصلى الفجر وقف إن شاء قريباً من الجبل في سفحه أو حيث بات وليكن قائماً ما استطاع خاضعاً خاشعاً ذاكراً داعياً لنفسه و أبويه و لأهله وولده ولإخوانه المؤمنين وهو على غسل و طهارة و ليدعُ بالمأثور و أوجب بعض الأصحاب ذكر الله تعالى فيه لقوله تعالى :" فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ" الخ ولا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس فإذا اشرقت على ثبير اعترف بذنوه سبع مرات و استغفر منها وتاب سبعاً ثم مضى ذاكراً مستغفراً بسكينة ووقار ويستحب له أن يقطع الوادي المذكور مهرولاً فيسرع ان كان ماشياً ويحرك راحلته ان كان راكباً و يدعو عند الهرولة ( اللهم سلم عهدي و اقبل توبتي و اجب دعوتي و اخلفني بخير فيمن تركت بعدي رب اغفر و ارحم و تجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأكرم  ) .

الفصل الرابع في واجبات منى

وهي ثلاثة رمي جمرة العقبة ثم الذبح أو النحر ثم الحلق أو التقصير ويجب الترتيب بينها ولو خالفه ناسياً فلا بأس وعامداً يأثم ولا يعيد على المشهور ولكن الاحوط مع الإمكان الإعادة فإذا افاض من المشعر يوم عيد النحر وجب عليه العود إلى منى لأداء المناسك المذكورة وتفصيلها في مباحث :

المبحث الأول في الرمي

وينبغي لمن ورد منى ان يبادر إلى رمي جمرة العقبة وهي القصوى و اقرب الجمرات الثلاثة إلى مكة و أحد حدود منى و الجمرة اسم موضع الرمي ووقته من طلوع الشمس يوم العاشر إلى غروبها و للناسي إلى يوم الثالث عشر ولو لم يتذكره أتى به في القابل أو استناب عنه ويعتبر في الحصيات صدق الاسم عليها وأن تكون مملوكة غير مغصوبة و ان تكون من الحرم من أي موضع كان و ان استحب التقاطها بنفسه ليلاً من المشعر كما مر وان تكون ابكارا غير مرمي بها صحيحيا و يستحب فيها ان تكون رخوة برشاء جمعية طاهرة بقدر الانملة ملتقطة منقطة كحلية غير صلبة ولا مكسرة ويعتبر في الرمي أمور ( الأول ) النية بأن يقول ارمي جمرة العقبة بسبع حصيات رمي حج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى ولا بد من استدامتها إلى الفراغ . (الثاني) ان يكون بسع حصيات . ( الثالث ) إيصالها إلى الجمرة بما يسمى رمياً . (الرابع) اصابة الجمرة بالسبع بواسطة الرمي لا بتوسط شيء آخر معه من إنسان أو غيره من آلة أو غيرها كما لو صادمت شيئاً فوثبت بتوسط الصدمة و اصابت ولو شك في الإصابة بنى على العدم . ( الخامس ) تعاقبها في الرمي لا في الإصابة فلا يرميها دفعة و احدة . ( السادس ) وقوع المري في وقته . ( السابع ) مباشرة الرامي بنفسه فلا يجزي غيره عنه إلا في بعض الأحوال ويستحب أن يكون الرامي متطهراً عند الرمي بينه وبين الجمرة ما بين عشرة اذرع إلى خمسة عشر ذراعاً مستقبلاً لها من قبل وجهها مستدبراً للكعبة غير عال على الجمرة مترجلا قبل الوصول إليها من حين محاذاته لمسجد زين العابدين  عليه السلام إلى أن يصل إليها ويستحب ان يكون الرمي خذفاً ( باعجام حروفه) وهو ان يضع الحصاة على بطن إبهامه ويدفعها بظفر السبابة ويدعو عند وضع الحصيات في يده اليسرى بهذا الدعاء ( اللهم ان هذه حصياتي فأحصهن لي و أرفعهن في عملي ) ويكبر عند رمي ك حصاة ويدعو فيقول (الله اكبر اللهم ادحر عني الشيطان اللهم تصديقاً بكتابك وعلى سنة نبيك محمد   صلى الله عليه وآله وسلم   اللهم اجعله لي حجاً مبروراً وعملاً مقبولاً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفورا ) .

المبحث الثاني في الذبح أو النحر  

وهو الواجب الثاني من واجبات منى و الخامس من أفعال الحج ويجب الهدي على المتمتع خاصة في الفرض و النفل إذا كان واجداً له أو لثمنه ولا يجزي الهدي الواحد إلا عن واحد ومن لم يكن قادراً على ابتياعه صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام في الرجوع ويعتبر التوالي في الثلاثة فإن أخر صومها إلى الثامن و التاسع صامهما ثم صام الثالث عشر بعد رجوعه من منى ولو فاته ذلك أخرها إلى رجوعه من منى و أتى بها في تمام ذي الحجة و الاحوط المبادرة بها ولو خرج ذو الحجة ولم يصمها فيه تعين الهدي عليه في القابل ولو تمكن من الهدي بعد الصيام فالافضل و الاحوط ذبحه ويصوم السبعة بعد رجوعه إلى وطنه والتوالي فيها أحوط ولو أقام بمكة انتظر اقل الأمرين من وصوله إلى أهله أو مضى شهر ومن فقد الهدي ووجد الثمن جعله عند ثقة يشتريه في بقية ذي الحجة ويذبحه عنه و إذا لم يتيسر في سنته ففي القابلة و الاحوط الجمع بين ذلك وبين الصيام ولو نسى الذبح يوم النحر أو منعه مانع جاز تأخيره إلى آخر أيام التشريق بل إلى آخر ذي الحجة ولو تعين عليه الهدي ومات قبله اخرج من اصل تركته ويجب كون الهدي من النعم ويعتبر فيه ان يكون في السادسة ان كان من الإبل وفي الثالثة على الاحوط ان كان من البقر أو المعز وفي الثانية على الاحوط أيضاً ان كان من الضأن وان يكون في الجميع صحيحاً تام الأجزاء فلا تجزي العوراء ولا العرجاء ولا الخصي ولا الهرمة ولا المريضة مرضاً يوجب هزالها أو تغير لحمها ولا مقطوعة الأذن ولا مكسورة القرن الداخل ولا المهزولة التي لا شحم على كليتيها وان لا يصدق عليها مع ذلك إنها مهزولة ولا بأس بذات الأذن المشقوقة والمثقوبة وان كان الاحتياط في تركهما وترك ما لا إذن له ولا قرن ولا ألية بحسب اصل الخلقة ولو اشتراها على إنها سمينة فبانت مهزولة اجزأت ولا تجزي لو بانت ناقصة وان اشتراها على إنها تامة وليقسمه اثلاثاً يهدي ثلثاً ويتصدق بثلث و يأكل ثلثا أي بمسكه له ولأهل بيته ولتكن الصدقة والهدية لأهل الإيمان ولا يترك الأكل منه ولو قليلا لظاهر الآية وفتوى جماعة بالوجوب وما يوجد في منى من الطوائف غير المؤمنة لا يجزي الدفع إليهم في التصدق و الإهداء ولو نهبوا الذبيحة أو سرقوها لم تجزء على الاحوط وكان عليه أن يذبح غيرها وإن كان لعدم ضمانها وجه نعم يمكن الإهداء و التصدق على أحد المؤمنين وهو إن شاء تصدق به على من يشاء ويستحب أن يكون الهدي سميناً جداً قد أحضر في عرفه ذكر من المعز والضأن و أنثى من البقر و الإبل و أن يتولى الذبح بنفسه و إلا جعل يده مع يد الذابح و ليقل عند الذبح ( وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين اللهم منك ولك بسم الله وبالله و الله اكبر اللهم تقبل مني كما تقبلت عن إبراهيم خليلك وموسى كليمك ومحمد نبيك   صلى الله عليه وآله وسلم   وعليهم ) ويجزي الهدي عن الأضحية و الجمع بينهما افضل ولو لم يجدها تصدق بثمنها ووقتها بمنى أربعة أيام أولها يوم النحر .

المبحث الثالث في الحلق أو التقصير                   

ويجب أحدهما على الحاج بمنى بعد الذبح إلا المرأة فيتعين عليها التقصير ولو بقدر الانملة و إلا الصرورة و الملبد شعره بل و معقوص الشعر فإن تعيين الحلق عليهم هو الاحوط ويقول في النية ( أحلق أو اقصر شعر رأسي أو من شعر رأسي و أظفاري لحج التمتع الخ ) ومن لا شعر على رأسه يمر الموسى عليه ولا يترك الاحتياط بالتقصير مع ذلك ولو تولى الحلق أو التقصير غيره فالاولى ان ينوي ذلك أيضاً مضافا إلى نيته و إذا حلق أو قصر احل من كل شيء احرم منه عدا النساء و الطيب فإذا طاف و سعى حل له الطيب و إذا طاف طواف النساء حلت له و أما الصيد فلا يحل له ما دام في الحرم ولو نسى الحلق أو التقصير في يوم العيد حتى خرج من منى وجب عليه العود إليها وفعل أحدهما فيها فإن تعذر فعل ذلك وجوباً في أي موضع كان وبعث بشعره إلى منى ليدفن فيها استحباباً فإن رجع إلى منى بنفسه أعاد الطواف بعد الحلق أو التقصير ولا شيء عليه إذا كان ناسياً أو جاهلاً ولا يجوز له ان يطوف طواف الحج إلا بعد الحلق أو التقصير فلو تعمده قبلهما كفرّ بشاة ويستحب له البدئة من القرن الأيمن و ان يحلق جميع شعر رأسه و ان يستقبل ويسمي ويدعو فيقول ( اللهم اعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة وحسنات مضاعفات وكفرّ عني سيئات انك على كل شيء قدير) ثم يدفن شعره في منى .

الفصل الخامس فيما يجب ويستحب بعد الفراغ من مناسك منى

 

وفيه مبحثان : ( الأول ) يجب بعد ذلك ان يعود إلى مكة لطواف الحج وصلاة ركعتيه و السعي وطواف النساء و ركعتيه ثم يرجع إلى منى و الأفضل لمن قضى مناسكها يوم النحر ان يمضي إلى مكة ليومه و إلا فمن غده وهو اليوم الحادي عشر بل الاحوط عدم التأخير عنه و ان كان الجواز إلى تمام ذي الحجة فضلا عن التأخير إلى ما بعد أيام التشريق غير بعيد و أما الطواف و هو السابع من أفعال الحج ثم صلاة ركعتيه ثم السعي ثم طواف النساء ثم صلاة ركعتيه فعلى النحو السابق في طواف العمرة وركعتيه و سعيها إلا في النية فانه يبدل عمرة التمتع بحج التمتع فيقول اطوف طواف حج التمتع إلى آخره وهكذا ولا يجوز تقديم الطواف و السعي على الوقوفين إلا لضرورة كالمرأة تخاف الحيض أو النفاس في ذلك الوقت و العليل و العاجز الذين لا يتمكنان من الطواف و السعي بعد العود من منى من جهة الزحام بل وغيرهم من ذوي الأعذار فانه يجوز لهؤلاء الإتيان بالطواف و ركعتيه و السعي بعد الإحرام بالحج ثم الخروج للوقوفين وبقية أفعال الحج و الاحوط الإعادة مع التمكن ولو في أيام التشريق و إلا ففي تمام ذي الحجة و الاستنابة مع عدمها وقد مر ان طواف النساء وصلاته وهو المحلل الثالث الذي تحل النساء بعد الإتيان به وبركعتيه ولا إشكال في وجوبه هنا وعدم حلية النساء حتى العقد عليهن بدونه إلا انه ليس من أركان الحج فلا يكون تركه عمداً كترك طواف الحج مبطلاً نعم يجب عليه الإتيان به ولا يجوز تقديمه على الوقوفين اختياراً ولا تقديمه على السعي ولو قدمه عليه ساهياً لم يعد . ( الثاني ) تستحب المبادرة بالمضي إلى مكة بعد الفراغ من مناسك منى و الغسل لدخول مكة و دخول المسجد و الطواف وتقليم الأظفار و الأخذ من الشارب ولو اغتسل لذلك بمنى جاز و الدعاء عند باب المسجد بالمأثور و استلام الحجر وتقبيله و الإتيان بما سلف في طواف العمرة .

الفصل السادس في أحكام منى بعد العود من مكة إليها

وهو الفعل الثاني عشر من أفعال الحج الواجبة فإذا قضى مناسكه بمكة وجب العود يوم النحر للمبيت بمنى ليلاً والرمي بها نهاراً و يجب الكون فيها ليالي التشريق و هي الحادية عشر و الثانية عشر مطلقاً وليلة الثالثة عشر لمن لم يتق الصيد و النساء في إحرامه و أما من اتقاهما فيه فله النفر من منى بعد الزوال من اليوم الثاني عشر إلا ان يبقى فيها إلى غروب الشمس فيجب المبيت عليه ليلة الثالثة عشر و الرمي في اليوم الثالث عشر وكذا من باتها طلباً للفضل بل الاحوط لكل من فعل شيئاً من محرمات إحرام الحج و العمرة المبيت في الليالي الثلاث والأوجب منه البقاء فيها في تلك الليالي مع النوم وعدمه وله الخروج منها بعد انتصاف الليل ولكن الأفضل الكون بها إلى طلوع الفجر ويقول في نيته ( ابيت أو ابات ليلتين في منى لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى ) أو ( ابيت ثلاث ليال ) و الأولى ان يأتي لكل ليلة بنية مستقلة بعد نية الجمع فلو بات بلا نية كان كمن لم يبت بها على الاحوط ان لم يكن أقوى ولو بات بغير منى فعليه عن كل ليلة يبيتها في غيرها شاة إلا ان يبيت بمكة مشتغلاً بالعبادة ولو مندوبة ومن أهمها الطواف و السعي مستوعباً لها بالعبادة إلا ما يضطر إليه من طعام أو شراب أو نوم يغلب عليه و إلحاق الجاهل و الناسي بالعالم العامد هو الاحوط وكذا المضطر بالمختار إلا انه لا يأثم لو خرج منها لعارض عام أو خاص كحفظ مال أو نفس أو تمريض مريض ونحوها ورخص في ترك المبيت فلا فدية للرعاة و أهل سقاية الحاج .

الفصل السابع في رمي الجمرات الثلاث بمنى

وفيه مبحثان : ( الأول ) يجب رمي الجمرات الثلاث وهي الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم القصوى وهي جمرة العقبة في كل يوم بات ليلته بها وجوباً أو ندباً على الأظهر على الترتيب المذكور فلو خالفه عمداً أو نسياناً عاد على ما يحصل به الترتيب إلا ان يرمي اللاحقة سهواً بعد رميه السابقة عليها بأربع حصيات فيجب العود إليها لرميها بما يكمل العدد و إن كان الاحوط العود و الإعادة ولو نسى جمرة ولم تتعين عاد على الجميع وكذا لو نسى حصاة ولم تتعين رماها على الجميع وواجبات الرمي هنا على النحو المتقدم في رمي جمرة العقبة في مناسك منى ولو رحل من منى قبل الرمي وجب الرجوع في أيام الرمي فإن تعذر استناب عنه من يأتي به في وقته وان لم يتذكر إلا بعد الخروج من مكة استناب عنه في القابل وجوباً ان لم يحضر فإن حضر وجبت المباشرة بنفسه ولا يجوز الرمي ليلاً لا لليوم الماضي ولا لليوم الآتي مع التمكن منه نهاراً ومع عدم التمكن منه كذلك كالخائف والمريض والراعي ونحوهم يجوز لهم رمي جمرات كل يوم في ليلته ولو نسى الرمي في اليوم الأول قضى السابق أو لا ثم اتي بما يجب عليه من اللاحق ويجوز ان يرمي عن المريض من يستنيبه عنه لذلك و إذا أمكن ان يحمل إلى الجمرة ويرمي النائب عنه فهو أولى كما ان الأولى مع المكنة ان يضع الحصيات في يده ويتناولها من يده من يرمي عنه .

المبحث الثاني في الأعمال المستحبة في أيام منى

 

تستحب الإقامة فيها أيام التشريق فلا يخرج منها حتى للطواف المستحب فإن الإقامة فيها افضل ويستحب الوقوف عند الجمرة الأولى والوسطى بعد الفراغ من الرمي ورميها عن يسارهما من بطن المسيل في حال استقبال القبلة بخلاف جمرة العقبة فانه يستدبر القبلة ويرميها عن يمينها ولا يقف عندها كما مرّ و اخذ الحصى بيده و الدعاء و الدنو من الجمرة قليلاً ويقول ( اللهم تقبل مني ) و التكبير عند الرمي ومن المستحبات في منى التكبير على المشهور و قيل بوجوبه وهو بمنى عقيب خمسة عشر صلاة أولها ظهر يوم النحر و كيفيته ( الله اكبر الله اكبر لا اله إلا اله و الله اكبر و الله اكبر على ما هدانا وله الحمد على ما أبلانا ورزقنا من بهيمة الأنعام ) وهذا المقدار منه مجزٍ إن شاء الله و إذا نفر الحاج في اليوم الثاني عشر وهو النفر الأول دفن ما زاد من الحصى في منى و تستحب الصلاة في مسجد الخيف و أفضله من المنارة إلى نحو ثلاثين ذراعاً من جهة القبلة و عن يمينها ويسارها كذلك ففي الخبر من صلى بمسجد منى مائة ركعة عدلت عبادة سبعين عاماً ومن سبح لله فيه مائة تسبيحة كتب الله له اجر عتق رقبة ومن هلل الله فيه مائة عدلت إحياء نسمة ومن حمد الله فيه مائة عدلت اجر خراج العراقين ينفق في سبيل الله ويستحب الرجوع إلى مكة بعد النفر من منى لطواف الوداع وغيره من المستحبات وله ان يذهب من منى بعد أداء واجباتها إلى حيث شاء إلا أن يكون قد بقى عليه نسك أو بعضه فيجب عليه العود إليها لذلك .

إكمال في حج الافراد

وهو فرض أهل مكة ومن بحكمهم وكيفيته إجمالاً ان يحرم بالحج أولا من ميقاته الذي مرت الإشارة إليه في المواقيت أو من حيث يسوغ له الإحرام ولو لعذر من نسيان وغيره ثم يمضي إلى عرفة فيقف بها ثم إلى المشعر فيقف به ثم إلى منى يوم النحر فيقضي مناسكه بها ثم يأتي إلى مكة فيه أو بعده إلى آخر ذي الحجة فيطوف بالبيت ويصلي ركعتي الطواف و يسعى ويطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه وعليه عمرة مفردة بعد الحج ان وجبت عليه ويجوز تقديمها عليه وقد سلف الكلام عليها ولا بد فيه من النية ووقوعه في اشهر الحج وعقد الإحرام من حيث يسوغ عقده وحج القران كالأفراد إلا انه يتميز عنه بسياق الهدي عند إحرامه فيتخير القارن في عقد إحرامه بين التلبية و بين اشعار ما يسوقه إن كان من الإبل بشق سنامه من الجانب الأيمن ولطخه بدمه وتقليده إن كان منها أو من البقر أو الغنم بأن يعلق في عنقه نعلا قد صلى فيه ولو نافلة ولا يجب الهدي عليه ولا على المفرد إلا مع العدول إلى عمرة التمتع فإنه يجوز للمفرد مع عدم التعيين ان يعدل بحجه إليها اختياراً وهذه هي إحدى المتعتين اللتين كانتا على عهد رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   فيطوف ويصلي ويسعى ويقصر ثم يحرم للحج من مكة كغيره من أهل الآفاق ولا يجوز العدول للقارن .

 

خاتمة المقصدين

وفيها فصلان :

الفصل الأول في المندوبات بعد الفراغ من الحج و العودة إلى مكة

وهي أمور : ( الأول ) يستحب الغسل لدخول مكة ولدخول مسجدها و الدخول من باب بني شيبة و الدعاء لدخول المسجد بما تقدم . ( الثاني ) دخول الكعبة فإن الدخول فيها دخول في رحمة الله و الخروج منها خروج من الذنوب وهو  ليس بواجب و ان تأكد استحبابه للصرورة و آداب دخولها أمور : ( الأول ) الغسل لدخولها .( الثاني ) الأخذ بحلقتي الباب عند الدخول و ان يقول ( اللهم البيت بيتك و العبد عبدك و قد قلت ومن دخله كان آمناً فآمني من عذابك و أجرني من سخطك) . ( الثالث ) الدخول خاضعاً خاشعاً حافياً بسكون ووقار . ( الرابع ) ان يقصد الرخامة الحمراء بين الاسطوانتين اللتين تليان الباب ويصلي عليها ركعتين بالفاتحة وحم السجدة في الأولى ويسجد في موضع السجود منها و في الثانية بالفاتحة وبعدد آي حم وهي ثلاث ا أربع وخمسون آية من أي سورة كانت . ( الخامس ) ان يصلي في الزوايا الأربع ركعتين ركعتين ويدعو بالمأثور . ( السادس ) السجود فيها ويقول ( اللهم لا يرد غضبك إلا حلمك ) . ( السابع ) التكبير ثلاثاً وهو خارج منها.

( الثالث ) يستحب الإكثار من الطواف فانه افضل من الصلاة تطوعا وليطف ثلاثمائة وستين طوافاً فإن عجز جعلها أشواطاً فتزيد على أحد وخمسين طوافا ثلاثة أشواط فإن ألحقها بالأخير فلا بأس وان زاد عليها أربعة أشواط لتصير طوافا كاملا فكذلك ويستحب ان يطوف عن النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   وعن الأئمة الطاهرين  عليهم السلام لكل واحد طوافا و ان يطوف عن أبويه و إخوانه المؤمنين أو يطوف عنهم طوافا واحدا وبعد الفرغ من صلاة الطواف يقول ( اللهم ان هذا الطواف وهاتين الركعتين عن فلان أو عن إخواني أو أهل بلدي ) .

( الرابع ) في جملة أمور مستحبة ( منها ) ختم القران بمكة . ( ومنها ) الجلوس في المسجد قبالة الميزاب مستقبلاً للبيت ناظراً إلى الكعبة فإن النظر إليها عبادة . (ومنها) إتيان الحطيم وهو ما بين الباب و الحجر الأسود وهو الموضع الذي تاب الله فيه على آدم وفي الدروس انه اشرف البقاع فيصلي عنده ويدعو . ( ومنها ) اكثار الشرب من ماء زمزم فإن جماعة العلماء شربوا لأمور مهمة كتحصيل علم و شفاء علة وقضاء حاجة و أهمها طلب المغفرة فليسم ولينو بشربه طلب المغفرة .

( الخامس ) زيارة المشاهد الشريفة في مكة للتبرك بها و الصلاة فيها و الدعاء وهي كثيرة (منها ) موضع الولادة الشريف وهو الآن مسجد في زقاق يسمى زقاق المولد ( ومنها ) منزل خديجة رضوان الله عليها وهو الآن مسجد ( ومنها ) مسجد الأرقم المخزومي وفيه استتر النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   في أول الإسلام ( ومنها ) قبور الصلحاء و ذوي السابقة في الدين كقبر خديجة وقبر أبي طالب  عليه السلام فإذا أتيت قبر خديجة فسلم على رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   و عليها وصل عندها ركعتين و اهد ثوابهما لها و إن شئت ان تقرأ عندها شيئاً من القران وتهدي ثوابه لها و هكذا تصنع في غيره من المراقد المحترمة وكذلك تزور عبد المطلب و عبد مناف وغيرهما ممن له قبر معروف وهناك قبور لجملة من علماء الشيعة و افاضلها قريبة من القبور المذكورة ( ومنها ) الغار الذي بجبل حراء بالكسر و التخفيف و المد ( ومنها ) الغار الذي بجبل ثور الذي تستر به النبي عن المشركين وهو المذكور في القران الشريف .

( السادس ) طواف الوداع وهو من المستحبات المؤكدة لمن أراد الخروج من مكة إلا الحائض ونحوها ومن خرج بلا وداع استحب له العود له مع الإمكان وليكن آخر عهده بالبيت فلو أقام بعد ذلك غير مشتغل بأمور الخروج و السفر فالاولى الإعادة و النية فيه ان يقول ( اطوف طواف الوداع لندبه قربة إلى الله تعالى ) ثم يطوف سبعاً ويصلي الركعتين حيث شاء من المسجد ويستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كل شوط ثم يدعو بما يختار لنفسه من الدعاء ثم يأتي زمزم ويشرب منها ويقول في أثناء خروجه ( آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون إلى ربنا راغبون إلى الله راجعون إن شاء الله تعالى ) فإذا أراد الخروج سجد عند باب المسجد ثم قام مستقبلاً قائلاً (اللهم أني انقلب على لا اله إلا الله ) و ليخرج من باب الحناطين عازماً على العود إلى الحج ما أبقاه الله وليتصدق بتمر يشتريه بدرهم ويجعلها قبضة قبضة ويكره الخروج بعد ارتفاع النهار قبل صلاة الظهرين ( وهاهنا ) فوائد ( أولا ) يجوز استعمال ثياب الكعبة في المصاحف و الوسائد وفي التحرز و التبرك ولا يجوز استعماله فيما يوجب هتكاً أو اهانة ولا يشتره من الخدام ولو اشتراه قومه وصرف ثمنه في المحتاجين من زوار البيت ولو كان منهم لم يحتج إلى دفع القيمة ثانياً . ( ثانياً ) الأولى ان تدفع أجرة بيوت مكة بعنوان حفظ الرحل ونحو ذلك . ( ثالثاً ) يستحب التمام في الفرائض اليومية و ليقتصر على خصوص المسجد الحرام على الاحوط .

الفصل الثاني في زيارة المدينة

 

التي اظهر الله بها دينه فإنها من المستحبات المؤكدة ومن تمام الحج و الوفاء بالعهد وموجبات الشفاعة و الجنة و الأخبار في فضلها و الحث عليها مستفيضة فعنه  صلى الله عليه وآله وسلم   من أتى مكة حاجاً ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة وعن الصادق  عليه السلام لما قيل له ما حكم من زار أحدكم قال يكون كمن زار رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   وعنه  عليه السلام ابدؤا بمكة و اختموا بنا إلى غير ذلك وفي هذا الفصل مقامات :( الأول) إذا خرج من مكة إلى المدينة و انتهى إلى مسجد غدير خم صلى فيه و اكثر من الدعاء و الظاهر ان آثاره باقية إلى اليوم وهو موضع اظهر الله فيه الحق و إذا انتهى إلى المعرس نزل به و صلى و استراح وهو موضع بذي الحليفة بأزاء مسجد الشجرة . ( الثاني ) للمدينة حرم كما ان لمكة حرماً فعن أمير المؤمنين  عليه السلام مكة حرم الله و المدينة حرم رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   و الكوفة حرمي لا يريدها جبار بحادثة إلا قصمه الله و حرم المدينة بريد في بريد و الاحتياط يقضي بالاجتناب عن قتل صيده و أكله وعن قطع شجره إلا ما استثنى .( الثالث ) يستحب الغسل لدخول المدينة و لدخول المسجد وللزيارة ويكفي غسل واحد بنية الجميع ولزيارته   صلى الله عليه وآله وسلم   آداب و كيفيات ذكرناها في المصباح وذكرها الأصحاب في كتب المزارات ومنها كتاب هدية الزائرين وبعد زيارته   صلى الله عليه وآله وسلم   يزور بضعته الزهراء   عليها السلام و المشهور ان قبرها في بيتها خلف قبر أبيها ولما زادوا في المسجد صار قبرها فيه و قيل في الروضة و قيل في البقيع وقيل في بيت الاحزان .( الرابع ) في أعمال المسجد وهي أمور (الأول) الغسل و الدعاء لدخوله . ( الثاني ) اكثار الصلاة فيه فرضاً ونفلاً لا سيما في بيت فاطمة   عليها السلام ثم في الروضة الشريفة التي بين قبره ومنبره فينبغي الإكثار من الصلاة فيها و الدعاء بطلب العفو و الرحمة و بالمأثور . ( الثالث ) إتيان مقام رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   وهو بين القبر و المنبر و الصلاة فيه . ( الرابع ) إتيان موضع المنبر الشريف حيث المنبر الآن بعد الفراغ من الدعاء عند قبره للتبرك به ومسح عينيه ووجهه به . ( الخامس ) إتيان مقام جبريل وهو تحت الميزاب وكان مقامه  عليه السلام إذا استأذن عليه   صلى الله عليه وآله وسلم   و الصلاة و الدعاء فيه . (السادس) صلاة ركعتين عند اسطوانة التوبة وهي اسطوانة أبي لبابة بشير بن عبد المنذر الانصاري الاوسي البدري ثم يدعو بعدهما بالمأثور هذا و الظاهر ان أعمال المسجد أعمال مستقلة غير ارتباطية ولا ترتيبية فللعامل ان يأتي منها بما شاء. ( الخامس ) زيارة أئمة البقيع  عليهم السلام فإذا أراد زيارتهم اغتسل و تطهر و لبس الثياب النظيفة و استعمل الطيب و غير ذلك من الآداب ثم زارهم بالزيارات المأثورة . (السادس) ان يزور المشاهد و المراقد وهي كثيرة منها مرقد إبراهيم ابن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم   فإن موته قد احزن رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   وقال فيه انه صديق وان له ظئراً تتم رضاعه في الجنة و أمه مارية القبطية فإذا فرغت من زيارة أئمة البقيع فزره بما قاله المفيد S  وغيره . (ومنها) قبر فاطمة بنت اسد أم أمير المؤمنين  عليه السلام التي ترّحم عليها رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم   وقال رحمك الله يا أمي بعد أمي وقد حفر لحد قبرها و اخرج ترابه بيده وكفنها في قميصه وصلى عليها وقال ما اعفي أحد من ضغطة القبر إلا فاطمة فينبغي زيارتها بعد زيارة إبراهيم عليه السلام و اعلم ان بقيع الغرقد من البقاع المشرفة و الدفن فيه مستحب وفيه من عباد الله الصالحين و الصحابة المرضيين عدد كثير قد اندرست قبورهم فينبغي زيارة من فيه من أهل الإيمان و الولاء بما تزار به أمثالهم من أهل القبور و إهداء ثواب ركعتين أو اكثر وتلاوة بعض السور كسورة القدر يكررها سبعاً أو اكثر نعم هناك قبور معلومة ينبغي ان تزار بخصوصها و أما حش كوكب اسم رجل من الأنصار فليس من البقيع كما نص عليه السمهودي و ابن الأثر في النهاية . (السابع) يستحب زيارة شهداء أحد بعد زيارة سيدناومولانا حمزة بن عبد المطلب رضوان الله عليه . (الثامن) روى في الكافي في الصحيح عنه  عليه السلام انه قال لا تدع إتيان المشاهد كلها مسجد قباء فانه المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ومشربة أم إبراهيم ومسجد الفضيخ و

 

قبور الشهداء ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح الخ . و المشربة هي الغرفة وقيل البستان الذي اسكن   صلى الله عليه وآله وسلم   مارية فيه و فيه ولدت إبراهيم وقد حققنا هذه المواضع في منسكنا الكبير . ( التاسع ) تستحب المجاورة بالمدينة فقد روي ان من مات بها بعثه الله من الآمنين وعنه  صلى الله عليه وآله وسلم   لا يصبر على لأواء المدينة أحد من أمتي إلا كنت شفيعاً له وهاتان الروايتان غير صريحتين في المطلوب و إن كانت الثانية اظهر وعلى أي حال لا شبهة في استحباب المجاورة لأخبار صرحت باستحبابها و استحباب سكنى الكوفة وليلحظ المجاور حقوق الجوار و ليكن كالقائل وما حب الديار و ليحفظ نفسه من المأثم و المظالم و يكثر فيها من الصلاة و الصدقة خصوصاً على من متّ إليه  صلى الله عليه وآله وسلم   بنسب أو سبب وليؤد وظائف تلك البقاع المقدسات و يأتي بما استطاع من الآداب  و السنن  و الطاعات و لنختم الخاتمة بما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن عثمان العمري انه قال ان صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس و يعرفهم ويرونه ولا يعرفونه و انه رأه  صلى الله عليه وآله وسلم   متعلقاً باستار الكعبة في المستجار جعلنا الله من المستجيرين بعفوه و رحمته المتعلقين بولاء حججه على بريته آمين .

إلحاق

في الجواب عن بعض المسائل التي وردت علينا و ما لم نجب عنه فقد تعرضنا له في محله ( المسألة الأولى ) إذا استطاع فلم يحج ثم صار فقيراً لا يستطيع الحج أصلا جاز له ان يحج نائباً و يبقى في مكة إلى الوقت الذي يصح ان يأتي فيه بالحج عن نفسه . (المسألة الثانية ) هل يجوز لمن دخل بعمرة التمتع ان يخرج إلى خارج مكة لزيارة قبور الهاشميين و للعمرة المفردة و هل العمارات المستحدثة خارجة عن حدود مكة أو داخله فيها ؟( ج ) الظاهر ان الخروج في حال الإحرام لا مانع منه نعم لا يجوز ان يحرم للعمرة المفردة و أما بعد الإحلال فيجوز الخروج لأدنى الحل لإحرام العمرة و غيرها و ان كان الاحوط احتياطاً لا يترك ان لا يسافر إلى ما يبلغ المسافة بل لا يجوز ان يسافر سفراً مفوتاً للحج ولو خرج محلا فتجاوز الحرم فلا يترك الاحتياط بالإحرام من ميقاته لعمرة يأتي بها برجاء ان تكون مطلوبة منه في الواقع ثم يأتي بأفعال العمرة وبطواف النساء و أما الحدود فالمدار فيها على زمن الخطاب . (المسألة الثالثة ) المستأجر للحج و الزيارة إذا أتى بالحج ولم يتمكن من الزيارة أو تمكن منها هل له ان يستأجر شخصاً ينوب عنه في الزيارة ؟ ( ج ) مع علمه بعدم اعتبار المباشرة و إرادة إيقاع الفعل في الخارج من أي مباشر كان لا ينبغي الإشكال في الجواز كما في غير ذلك من العبادات مع التمكن وعدمه و ان لم يعلم ذلك توقفت الصحة على اجازة من له الإجازة فتبطل الاستنابة في الزيارة مع عدمها ويكون الرجوع بالنسبة إذا كان الحج و الزيارة باجرة واحدة كما هو المتعارف . (المسألة الرابعة ) إذا مات النائب أو المستطيع في أثناء الطريق فهل يجب على رفقائه أو من بيده ماله ان يستأجر عنه شخصا من مكان موته للج أم لا ؟ ( ج ) أما النائب فلا تجب الاستنابة عنه بل لا تجوز ولو استناب من بيده ماله عمن كان نائباً عنه توقف الصحة على الإجازة و أما المستطيع فإن كان موته في عام الاستطاعة فلا حج عليه و لا نيابة عنه و ان كان مستطيعاً قبل ذلك كان من أفراد المسألة الآتية ومسالة الاستئجار من مكان الموت مبتنية على وجوب الحج من الميقات أو من البلد وقد ذكرنا في محله ما اخترناه . ( المسألة الخامسة ) من استأجر من مال الميت فضولاً نائباً عنه ولم يمضه الوارث بعد ذلك يجب على المستأجر الدفع من ماله أم لا ؟ ( ج ) إن كان المستأجر بيده مال لشخص عليه حجة الإسلام وعلم أو ظن ان الورثة لا يؤدون جاز صرف ما يكفي للحج عنه و الزائد عن أجرة الحج يرده إليهم و لا يتوقف ذلك على إذن من الحاكم ولا من الوارث و أما مع عدم العلم أو الظن بعدم تأدية الوارث فالجواز مشكل فتتوقف الصحة على الإجازة و يجب رد المال مع عدمها .

 

(المسألة السادسة ) السفينة البحرية في حال سيرها هل يجوز للمحرم الجلوس تحت ظلها أم لا ؟ ( ج ) لا يجوز الجلوس في حال سيرها تحت الظل على الاحوط ان لم يكن أقوى ولا كفارة مع الجهل و النسيان. (المسألة السابعة) لو احرم بالمحاذاة بقول مقلده ثم بأن فساده بعد الفراغ من العمرة أو الحج فما تكليفه مع ضيق الوقت أو سعته؟ ( ج ) إذا كان الموضع الذي عينه المفتي للإحرام متقدماً على الميقات فاحرم منه المقلد بحيث مر على الميقات وهو محرم فالظاهر صحة إحرامه و ان كان الموضع متأخراً عن الميقات فإن اتسع الوقت لأفعال العمرة أتى بها بعد الإحرام من الميقات و إلا حج حج الأفراد و أتى بعده بعمرة مفردة ولا قضاء عليه في القابل و إن بأن الفساد بعد الحج أتى بعمرة مفردة على الاحوط و عليه القضاء . (المسألة الثامنة) لو احرم بالنذر فهل له بعد تلبسه بالإحرام افساد النذر و الالتزام بالكفارة و على تقدير عدم الفساد لو فعل ما يوجب الكفارة ظناً منه بالجواز أو بقول معلمه فهل تجب عليه أم لا ؟ ( ج ) أما النذر فلا يجوز إفساده إلا انه في المسألة المفروضة قد حصل الوفاء بالنذر فلا يمكن إفساده بل يبقى على احرامه و لا كفارة عليه لجهله لأن الظاهر ان الناسي و الجاهل ولو كان مقصراً لا كفارة عليه إلا في الصيد . (المسألة التاسعة ) لو حاضت في الشوط الخامس من الطواف فخرجت و أتت بباقي الأفعال و احلت ثم شكت انه في الخامس أو الثالث فما الحكم في ذلك و على تقدير كونه في الثالث فهل يجب الإتيان بالعمل من أوله أو لا ؟ ( ج ) الاحوط الجمع بين الإتيان بباقي أشواط الطواف و بين استئنافه و على تقدير كونه في الثالث فليس عليها سوى قضاء الطواف ولا يجب عليها الإحرام كما لا كفارة عليها لو اوجدت سببها بعد التقصير . (المسألة العاشرة) هل للحائض ان تستنيب في طوافها و تأتي بباقي الأفعال ؟ ( ج) في كون الحيض كالمرض مسوغاً للاستنابة إشكال . (المسألة الحادية عشر ) لو شك عند الغروب في عرفات في انه قصد الحج في التلبية أم رأى الناس يلبون فلبى بلا قصد وكان لابساً ثياب الإحرام؟ ( ج ) الظاهر صحة احرامه . (المسألة الثانية عشر ) لو قصر الصرورة ولبس المخيط وكانت فتوى مقلده بتعيين الحلق عليه فهل تجب عليه الكفارة و إعادة عمل مكة أم لا ؟ ( ج ) يجب عليه ان يرجع إلى منى فيحلق و ان تعذر حلق شعره اينما كان وبعث به إلى منى ليدفن استحباباً ولا كفارة عليه .

فائدتان يحتاج إليها المسافر والحاضر

الأولى في صلاة أول الشهر وهي مستحبة في أول يوم من كل شهر للمسافر و الحاضر في أي وقت كان من ذلك اليوم وكيفيتها ان يصلي ركعتين يقرأ بعد الفاتحة في الأولى التوحيد ثلاثين مرة و بعدها في الركعة الثانية أنا انزلناه ثلاثين مرة ثم يتصدق بما يتيسر فيشتري سلامة تمام شهره بها ويستحب أن يقرأ بعدها هذه الآيات :

بسم الله الرحمن الرحيم " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" بسم الله الرحمن الرحيم "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" بسم الله الرحمن الرحيم "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِلا قوة إلا بالله حسبنا الله ونعم الوكيل و افوض أمري إلى الله ان الله بصير بالعباد لا اله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين ربي أني لما انزلت ألي من خير فقير ر بي لا ترني فرداً و أنت خير الوارثين  .

في الحفظ تمام الأسبوع     

ان يقرأ في يوم الجمعة في مجلس واحد الفاتحة سبعاً والتوحيد سبعاً والمعوذتين سبعاً سبعا ليحفظ من الاخطار إلى الوقت الذي قرأ فيه من ذلك اليوم .

الثانية في افضل كيفيات الاستخارة بالرقاع

إذا اردت آمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل وفي ثلاث منها كذلك وبدل لا تفعل افعل ثم ضعها تحت مصلاك ثم صل ركعتين فإذا فرغت فاسجد سجدة و قل فيها مائة مرة استخير الله برحمته خيرة في عافية ثم استو جالساً وقل اللهم خر لي و اختر لي في جميع أموري في يسر منك و عافية ثم اضرب بيدك إلى الرقاع فشوشها و اخرج واحدة واحدة فإن خرج في ثلاث متواليات افعل فافعل الأمر الذي تريد و ان خرج في ثلاث متواليات لا تفعل لا تفعله و ان خرجت واحدة افعل و الأخرى لا تفعل فاخرج من الرقاع إلى الخمس فانظر أكثرها فاعمل به ودع السادسة و اعلم ان هذا اشهر طرق هذه الاستخارة و اوثقها و عليه عمل أصحابنا وقد لا يحتاج إلى إخراج الخمس كما لو خرجت افعل وثلاث بعدها لا تفعل أو بالعكس و احتمال التعبد باخراج الخمس بعيد و الله العالم .

 

كتاب الكفارات

بسم الله الرحمن الرحيم

وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا

 الحمد لله الذي كفّر عنا السيئات بالتوبة و الأعمال الصالحات و افضل الصلوات و التحيات على من ولائهم منجاة من الهلكات و التمسك بهم وسيلة للنجاة محمد و آله و عترته القادة الهداة ( امّا بعد ) فهذا كتاب الكفارات ووجوبها ثابت بالكتاب المبين و سنة سيد المرسلين و اجماع المسلمين و هي عبادة مخصوصة مالية بدينه و يقع الكلام على أقسامها و أحكامها في مقامين :

المقام الأول في أقسامها 

وهي باعتبار الترتيب والتخيير بين حصالها و عدمها تنقسم إلى خمسة أقسام "أولها " الكفارة المرتبة و هي نوعان "اولهما "الكفارة المرتبة الكبرى و هي العتق أولا ثم صيام شهريين متتابعين مع العجز عنه ثم اطعام ستين مسكينا مع العجز عن الصيام و العبرة في الترتيب بحال الأداء لا بحال الوجوب و اسباب وجوبها على المكلف أمران "الأول " الظهار فإذا ظاهر حرم عليه الوطء حتى يكفّر فلو وطأ قبل التكفير عامدا فعليه كفارتان و التفصيل في محله "الثاني " قتل الخطأ و على العبد في قتل الخطأ و الظهار صيام شهر واحد متتابع ولو تحرر قبل الأداء فشهران ولا عتق عليه ولا صدقة " ثانيهما " الكفارة المرتبة الصغرى وهي اطعام عشرة مساكين ثم صيام ثلاثة أيام مع العجز عن الاطعام ولا يلزم فيها التوالي وموجبها مع القضاء الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال ولا تتكرر الكفارة هنا بتكرر السبب ولا تجب في قضاء غير شهر رمضان "ثانيها " الكفارة المخيرة وهي عتق أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا وموجبها أمور "الأول " افطار يوم من شهر رمضان بغير محرم عامدا من غير عذر " الثاني " جماع المعتكف ليلاً أو نهاراً على ما تقدم " الثالث " جز المرأة شعرها في المصاب على النحو المتعارف بين النساء ولو كان لدفع مرض أو قمل أو نحوهما فلا كفارة والحالق الحلق و الحرق بالجزّ لا يخلو عن قوة " الرابع " خلف النذر أو العهد سواء تعلقا بالصوم أو بغيره كما لو افطر يوما معينا نذر صومه فإن الاحوط فيه ذلك وان كان الأقوى إنها كفارة يمين " ثالثها " الكفارة التخييرية الترتيبية وهي تحرير رقبة أو اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيرا بينهما فإن عجز صام ثلاثة أيام متوالية وموجبها أمور " الأول " خلف اليمين ومنه الايلاء وهو ان يحلف بالله على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها اكثر من أربعة اشهر للاضرار بها فإذا وطأ المولى لزمته الكفارة على ما فصل في محله فهو قسم من اليمين انفرد عنه باحكام خاصة أوجبت ان يعقد له باب على حده " الثاني " الحلف بالبراءة من الله تعالى ورسوله والائمة عليهم الصلاة و السلام وهو حرام صادقا كان أو كاذبا وفيه كفارة يمين وقيل كفارة ظهار وقيل غير ذلك والاقرب انه مع الحنث يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدّ ويستغفر الله إليه ومع عدمه فالاستغفار والتوبة " الثالث " شق الرجل ثوبة في موت ولده أو زوجته خاصة عدا السرية وام الولد ولا كفارة في شقه على غيرهما ولا في شق المرأة ثوبها مطلقا " الرابع " نتف المرأة شعرها في المصاب بما يصدق عليه كلا أو بعضا  وخدش وجهها مع إلادماء " رابعها " كفارة الجمع وهي العتق وصيام الشهرين و اطعام الستين والواجب هو الجمع بينهما وموجبها أمران " أحدهما " قتل المؤمن ومن بحكمه عمدا ظلما من غير فرق بين الذكر و الأنثى و الحر والعبد " ثانيها " الإفطار في شهر رمضان عمدا على محرم كالزنا وشرب الخمر ونحوهما ولو كان محرما بالعارض كوطئها حائضا في شهر رمضان فكذلك .( خامسها ) كفارات معينة مختلفة الخصال و الموجبات وهي كثيرة منها كفارات الحج وهي تذكر في كتاب الحج "ومنها " كفارة من تزوج امرأة في عدتها فانه يجب عليه ان يفارقها ويكفر على الاحوط بخمسة اصوع من دقيق الحنطة أو الشعير ولا فرق بين أقسام العدة ولا بين المدخول بها وغيرها وفي حكمها ذات البعل "ومنها " كفارة من نام عن صلاة العشاء اختيارا أو اضطرارا عمدا أو سهوا حتى خرج وقتها فإن عليه قضاءها ويصبح صائما والاقرب الاستحباب وذلك حيث لا مانع من الصوم ومعه فالأقرب سقوط قضائه ولو قلنا بالوجوب بل لا يبعد التداخل لو صادف صوما معينا "ومنها " كفارة من عجز بعد النذر عن صوم يوم معين نذره أو أيام كذلك فإن عليه ان يتصدق عن كل يوم بمدّ من الحنطة أو الشعير والافضل بمدين ورواية ابن عمار فيمن لا يقوى على صيام نذره انه عليه السلام قال يعطى من يصوم عنه في كل يوم مدين حملها بعض مشايخنا على الاستحباب مدعيا إنها أجنبية عن المقام وان معناها ان يعطي من ينوب عنه في الصيام وماذكره مبنى على ان فاعل يعطى عائد إلى ما قبله كما هو الظاهر ويمكن دلالتها على المطلوب ببعض الوجوه لكنها لا تخلو عن تكلف فتأمل هذا ولو تجددت القدرة على الصيام فالاحوط القضاء .

 

" ومنها " كفارة ضرب العبد فوق الحد الذي وجب بفعله وهو عتقه و الاقوى الاستحباب "ومنها " جملة من الكفارات ذكرنا جملة منها في مواضعها ككفارة الوطء في الحيض وكفارة اكراه الزوجة على الوطي في شهر رمضان وهما صائمان وكفارة ترك النوافل الراتبة إذا لم يقدر على قضائها وكفارة من ترك صلاة الكسوف عامدا وقد احترق القرص كله وهي ان يغتسل كفارة لذنبه ثم يقضي الصلاة بعده وكفارة من أخر قضاء شهر رمضان بلا عذر ومن استمر به المرض إلى شهر رمضان آخر وقد ورد ان كفارة اللطم على الخد الاستغفار و التوبة وكفارة الغيبة للمغتاب وذلك إذا تعذر الاستحلال منه لموت أو بعد والا استغفر له وتتحل منه واستغفر الله تعالى وكفارة الطيرة التوكل وكفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان وكفارة الضحك اللهم لا تمقتني وورد ان العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها وان كفارة المجالس عند القيام منها ان يقال سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وورد في جملة من العبادات إنها كفارة للذنوب إلى غير ذلك .

(المبحث الثاني ) في اللواحق وفيها مسائل (الأولى ) يتعين العتق في المرتبة بوجدان الرقبة ولا فرق بين وجدانها ملكا وبين وجدان ثمنها مع إمكان ابتياعها زائدا على المسكن والثياب والدابة و الخادم اللائقة بحاله وعلى وفاء دينه الحال والمؤجل وعلى النفقة لعياله الواجبه نفقتهم والعبرة بالقدرة عند العتق لاعند الوجوب ولو تكفلها العادم اجزأته إلا مع مطالبة الديان ويشترط في الرقبة الإيمان الخاص وهو الولاء على الأقوى في كفارة القتل والاحوط في غيره والملكية حين العتق وان تشبث بالحرية كالمدبر و أم الولد المكاتب بقسميه إذا لم يود شيئا بخلاف المرهون إلا مع الإجازة و المنذور لعتق أو صدقة أو نحوهما ولا يشترط السلامة من العيوب التي لا تنافي الملكية فيجزي الاعور و الاعرج والاصم ومقطوع أحد الأطراف والمريض وان مات في مرضه والعاجز والهرم ونحوهم كما يجزي الصغير والكبير والذكر والانثى والابق والضال مالم يعلم موته نعم يعتبر فيها مع ما تقدم التمام فلا يجزى تحريرا بعاض من اشخاص يكون مجموعها رقبة تامه أيضاً خلوّ العتق عن العوض فلو اعتقه وشرط عليه عوضا لم يقع عن الكفارة "الثانية " إذا عجز عن العتق في المرتبة وجب عليه صيام شهرين متتابعين هلالين وان نقصا إذا ابتدأ من أول الهلالي ولو ابتدأ من أثنائه اجزأه هلالي بين عددي يأتي بما بقى منه بعده والمراد بالتتابع أن لا يقطعهما بالافطار في الأثناء اختياراً ولو بالسفر فلا ينافيه القطع لحيض أو مرض أو سفر ضروري فلو انقطع لذلك بنى على ما مضى عند زوال العذر فوراً ويكفي في التتابع صيام شهر ويوم من الثاني ويكفيه هلالي ويوم بعده مع الابتداء من أوله ولو ابتدأ من أثناء الشهر تعين العددي ولا يجزي صيام شعبان إلا أن يصوم يوماً قبله ولو تمكن من العتق بعد شروعه في الصوم مضى فيه و إن استحب له اختيار العتق ورفع اليد عنه ولو عجز عن صيام الشهرين المتتابعين وعن بدلهما صام ثمانية عشر يوماً فإن عجز تصدق عن كل يوم منها بمدّ من طعام فإن عجز استغفر الله بنية الكفارة .

 

(الثالثة ) إذا عجز عن صيام الشهرين المتتابعين لهرم أو مرض أو مشقة شديدة وجب عليه اطعام ستين مسكيناً أما اشباعاً في اكلة واحدة على المتعارف فإن قصر عن المد أو تسليم مدّ من الطعام إلى كل مسكين و المدان افضل و أحوط و كذلك في اطعام العشرة ولا يجزي تكرر الإشباع أو التسليم على اقل من العدد إلا مع تعذر وجوده فيجزي التكرار ولا يجب الانتظار ولو تعددت الكفارات جاز إعطاء الواحد ليومه من كل واحدة مدّاً وكذا فيما لا يعتبر فيه تعدد المسكين يجوز إعطاء أمداد متعددة لفقير واحد و يجزي الصغير في الاحتساب من العدد ولو انفردوا في التسليم ويكون إلى الولي أو بأذنه و أما في الإشباع فالاحوط احتساب كل صغيرين بكبير واحد ويكفي في الطعام و الاطعام أن يكون المدّ و الإشباع من الحنطة و الشعير و خبزهما و التمر و الزبيب من الغالب في قوت البلد و الأفضل أن يكون من غالب قوته و في أجزاء القيمة مع التمكن من العين تردد و يستحب الأدام و أعلاه اللحم وأوسطه الخل و الزيت و أدناه الملح .

( الرابعة ) يكفي في الكسوة مسماها ولو ثوب واحد يواري العورة و الأفضل ثوبان و الظاهر كفاية مثل الجبة و القميص و الرداء و الإزار لا العمامة و المنطقة ونحوهما و كفاية الثوب و ان كان غسيلاً إذا لم ينخرق أو ينسحق جداً بحيث لا ينتفع به وكفاية المكسوّ ولو كان صغيراً .

 

( المبحث الثاني ) في ا حكامها ولا بد من النية في جميع خصالها و القصد إلى فعلها بعنوان التكفير ولا يعتبر فيها غير ما يعتبر في النية المعتبرة في جميع العبادات من القربة و الإخلاص و التعيين مع توقف الامتثال عليه و الظاهر انه لا يتوقف على الإتيان بالعمل مشخصا بجميع وجوهه ومميزاته و الأقوى لزومه مع اختلاف السبب و تعدده سواء تماثلت المسببات أو اختلفت ولو اتحدا فلا يلزم و الاحوط اعتباره مطلقاً سيما في بعض خصالها وهو الصوم ولو نسي المكفر ما عليه من الكفارات أتى بجميع الاحتمالات مع الانحصار و مع عدمه قيل بسقوط الحكم وفيه إشكال ولا يشترط في صحتها تقدم التوبة عليها ولا فورية في شيء من الكفارات ما لم تتضيق لعارض فيجوز تأخيرها ما لم يوجب ذلك تهاوناً و القول بوجوبها على الفور كالتوبة سيما إذا كانت عن ذنب كالقتل وكان ما به التكفير من حقوق الفقراء وكان المكفر ميسراً لا يخلو عن قوة فلا يترك الاحتياط ولكن القول بالتوسعة مطلقاً أقوى ويجب اخراجها من تركة الميت كالدين إذا لم تكن واجباً بدنياً و تجوز الاستنابة في فعلها إخراجاً ودفعاً إلا في الصوم عن الحيي ولا مزية لفقراء بلد الكفارة على فقراء غيرها غالباً فاخراجها مع الضمان لا مانع منه ولو أخرجها ولي الفقراء لمصلحتهم فتلفت فلا ضمان عليه ولا على صاحبها ولا ترتيب بينها وبين القضاء لو كان معه فيجوز فعلها قبله وبعده ويشترط في صحتها إسلام المكفر على إشكال في اعتباره في جميع الخصال ويعتبر القبض في تملكها ولا بأس باحتسابها على المديون بجنسها ويتحمل صومها الولي على الشرائط التي ذكرت في الصوم وتتكرر الكفارة بتكرر السبب ولو تكرر الإفطار في يومين تكررت الكفارة ولو كان في يوم واحد لم تكرر إلا إذا كان بالجماع أو تخلل التكفير على الاحوط .

إكمال

مستحق الكفارة من لا يملك مؤونة السنة من المؤمنين و إن لم يكن عدلا ويجوز دفعها للهاشمي من غيره ولو تمكن من الخمس وتجوز التفرقة بين المساكين في جنس الطعام و الكسوة وفي التسليم و الإشباع فيشبع جماعة ويسلم أمداداً إلى آخرين يتم بهم العدد و الله تعالى هو العالم .    

فائدة

المدّ رطلان وربع بالعراقي و الصاع أربع أمداد فهو تسعة أرطال و المدّ مائة و أربع وخمسون مثقالاً صيرفياً إلا شيئاً يسيراً و الصاع ستمائة مثقال و أربعة عشر مثقالاً وربع مثقال .

 

كتاب العتق

بسمه تعالى

قال   صلى الله عليه وآله وسلم   ( من اعتق مسلماً اعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار ) حديث نبوي

كتاب العتق و الانعتاق و التوابع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لرب الأرباب ومالك الرقاب و الصلاة و السلام على محمد وآله الاطياب الذين بموالاتهم نرجو العتق من النار يوم يقوم الحساب ( أما بعد ) فهذا كتاب العتق الذي هو من اعظم العبادات و أجل الطاعات ومن اظهر أفراد البّر و الإحسان و المعروف و القربات وينحصر البحث عنه وعن الانعتاق و التوابع في مقامات :

المقام الأول في العتق

وهو الخروج عن الرقية منجزاً بالمعنى الأسمى و بالمعنى المصدري هو الإخراج المذكور و يعتبر في المعتق بالكسر التكليف و الملكية فلا يصح عتق الفضولي مطلقاً وجواز التصرف و الاختيار و القصد و نية القربة و في المعتق بالفتح أن يكون مملوكاً مسلماً ولا بد من الصيغة بقصد الانشاء و الصريح منها أنت حرٌّ وفي اعتقتك أو أنت عتيق إشكال اقربه الوقوع ولا يقع بالاشارة و الكتابة مع القدرة على النطق ولا يقع إلا على الجملة أو على جزء شائع ولا مشروطاً إلا في التدبير ولو نجزه و اشترط عليه في متن الصيغة شرطاً سائغاً كالخدمة مدة معينة متصلة أو منفصلة جاز ووجب عليه الوفاء لأنه عتق وشرط لا عتق معلق ولو لم يفِ به لم يعد في الرق وكان للمولى أو لورثته بعد انقضاء المدة الزامه باجرة المثل إلا أن يكون شرط خدمة مدة معلومة غير مختصة بوقت خاص ولا يعتبر قبول العبد لأن الشرط بمنزلة الاستثناء نعم لا يبعد اعتباره لو اشترط عليه شيئاً معيناً من مال ونحوه ولو شرط عوده في الرق إن لم يف بشرطه فالأقرب بطلان العتق إلا ان الاحتياط لا ينبغي تركه ولو اعتقه وبيده مال كان للمولى و ان قلنا بملكية العبد لو ملكه مولاه كما لعله الأقرب إلا ان المولى يملكه وما ملك ولا تجب إجابة المملوك لو طلب البيع ويكره التفريق بين الولد و أمه ولا يجب إلا بسبب من المكلف كفعل ما يوجب التكفير به عنه وكنذره ونحوه ويستحب مؤكداً عتق من أتى عليه وهو في ملكه سبع سنين فصاعداً إذا كان مؤمناً ويكره عتق غير العارف ومن يعجز عن الاكتساب إلا إذا اعانه بالانفاق ولا بأس بعتق المستضعف وهو من لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحداً بعينه وولاء المعتق لمن اعتقه إلا أن يكون له وارث غيره على ما فصل في محله .

المقام الثاني في بقية أسباب إزالة الرق

غير ما مضى و يأتي وهي أمور ثلاثة :

الأمر الأول الملك   

ولا يملك إلا أهل الحرب و أهل الذمة إذا أخلوا بشرائطها ومن أقرّ على نفسه بالرقية وهو كامل مختار حكم برقيته ولا تقبل دعوى الحرية ممن يباع في الأسواق إلا ببينة ولو ملك الرجل أو المرأة أحد الأبوين وإن علوا أو الأولاد و ان سفلوا انعتقوا بمجرد الملك و الرجل خاصة لا يملك محارمه من النساء كالخالة و العمة و الأخت و بنتها و بنت الأخ و ينعتقون عليه لو ملكهم و يملك غيرهم من الرجال و النساء على كراهة سيما فيمن يرثه و الظاهر ان حكم الرضاع حكم النسب فيكون الإرضاع من أسباب إزالة الرق في الجملة ولو ملك أحد الزوجين الآخر بطل العقد .

الأمر الثاني السراية

فمن اعتق جزءاً من مملوكه انعتق كله ولو كان معه شريك فيه قوّم على المعتق بالكسر نصيب الشريك مع يساره بأن يملك زائداً على المستثنيات ما يسع قيمة نصيب الشريك ومع اعساره يسعى العبد بجميعه في باقي قيمته لا بنصيب الحرية فقط ولا يسري عتق الحامل إلى حملها فيبقى على الرقية .

الثالث العوارض

عوارض خاصة توجب انعتاقه قهراً وهي العمى و الجذام و الاقعاد و تنكيل المولى بمملوكه وهو ان يبالغ في نكاله و المرجع فيه هو العرف وارضاعه و إسلام العبد و خروجه من دار الحرب إلى دار الإسلام قبل مولاه ودفع قيمة الوارث المملوك إلى سيده ليعتق و يعطى باقي التركة وكون أحد الأبوين حراً إلا مع الشرط على ما فصل في محله .

المقام الثالث أسباب إزالة الرق

 

كلها اختيارية عدا ما تقدم وبقي من أسبابه الاختيارية التدبير و الاستيلاد و الكتابة وهي أسباب غير تامة لتوقفها على أمور أخر كما يأتي و الكلام عليها في مباحث :

المبحث الأول في التدبير

وهو تعليق عتق عبده أو أمته بوفاته أو وفاة مخدومهما وهو من أعارهما أباه لخدمته أو وفاة زوج مملوكته كأن يقول أنت حر أو عتيق أو معتق بعد وفاتي أو وفاة فلان وهي قد تكون مطلقة وقد تكون مقيدة بوقت كهذه السنة أو مكان كهذا البلد أو صفة كوفاته في هذا المرض ويعتبر في المدبر بالكسر الكمال بالبلوغ و العقل و الاختيار و جواز التصرف و القصد فلا عبرة بصيغة الغافل ونحوه ويشترط في التعليق أن يكون بعد الوفاة بلا فصل و أن لا يكون على شيء آخر من صفة اوشرط فلو قال أنت حر بعد وفاتي بسنة أو إن فعلت أو طلعت الشمس بطل ولا يشترط في الصحة نية التقرب و ان توقف حصول الأجر عليها و المدبر بما بعد وفاة المالك له حكم الوصية في الخروج من الثلث و انه لو جامع وصايا كان كأحدها و ان له الرجوع فيه متى شاء وهو متاخر عن الدين و أما المتعلق على موت المخدوم و الزوج فليس له حكمها ويبطل بموت المالك و الحمل المتجدد من المملوك بعد التدبير مدبر و يجوز الرجوع فيه ولا يلزم من الرجوع بأحدهما الرجوع بالآخر كما لا يسري تدبير الحامل إلى حملها ويتحرر المدبر بخروجه من الثلث أو باجازة الوارث ومع عدمها وقصوره يستسعى في الباقي و يجوز للمالك مع التعليق على حياته عتق المدبر وبيعه وهبته و اصداقه ووطئ المدبرة بالملك وغير ذلك من التصرفات . 

المبحث الثاني في الاستيلاد

وهو يحصل علوق أمته منه في ملكه بما يكون مبدأ نشوء آدمي وهي مملوكة يجوز استخدامها ووطأها بالملك و عتقها وتجب نفقتها نعم لا يجوز بيعها ما دام ولدها حياً إلا فيما استثنى ولا تتحرر بمجرد موت المولى بل من نصيب ولدها من ميراث أبيه فإن عجز نصيبه سعت في المتخلف .

المبحث الثالث في الكتابة

وتستحب مكاتبة من علم ان له ديناً ومالاً ومن كان ذا امانة و تكسب ولو التمسها جامع الوصفين تأكد استحبابها ومع عدم الوصفين الصادق بعدم أحدهما فهي مباحة وليست بيعاً للعبد من نفسه بل هي معاملة مستقلة بنفسها على الأصح ولابد في المتعاقدين من البلوغ و العقل وجواز تصرف المولى وفي الكتابة من العقد المشتمل على الإيجاب و القبول كأن يقول كاتبتك على أن تؤدي إليّ كذا في وقت كذا أو أوقات كذا فإذا أديت فأنت حر فيقول قبلت أو رضيت أو نحوها هذا إذا كانت مطلقة ولو كانت مشروطة أضاف إلى ذلك قوله فإن عجزت فأنت رد في الرق و ان أديت فأنت حر وهي بقسميها عقد لازم من الطرفين يجب الوفاء به عليهما فيجب على العبد السعي فيها و أدائه مال الكتابة ولا يجوز له تأخير نجم عن محله ولا التصرف في ماله بما زاد عن الواجب إلا بإذن مولاه ويجبر لو امتنع ولا تبطل إلا بالتقايل أو العتق أو الإبراء من مال الكتابة فينعتق أو بالعجز في المشروطة ويلزم ما يشترطه المولى في العقد إذا لم يخالف المشروع ويحرم وطئ المكاتبة على مولاها فإن فعل وجب عليه مهر أمثالها ولو كانت مطلقة حدّ بمقدار ما تتحرر منها ولا ينعتق من المشروط شيء حتى يؤدي تمام ما عليه وينعتق من المطلق بالنسبة و الله العالم .

 

خاتمة

  الدين الإسلامي بما شرعه وندب إليه ورغّب فيه من أقسام التحرير و أسباب الخلوص من الرقية وبما اوجبه من العتق في الكفارات و الانعتاق القهري في جملة من المقامات وبما ضيقه من دائرة حصول الرقية و تقليل اسبابها وموجباتها وكراهة بعض أقسامها قد أوهن مسألة الاسترقاق و استعباد البشر بعضهم بعضا بل كادت بذلك أن تعفو آثارها مضافاً إلى ما اعلن به هذا الدين الشريف من انه ليس لأحد بعد الله تعالى سلطان على أحد وإن  الناس في العبودية لله شرع سواء و إن حالهم واحد في صفة العبودية و الرقية إلا من منحه المالك الحقيقي جلت آلاؤه سلطنة خاصة أو عامة وقد ظهرت هذه الشريعة الإسلامية و الأمم و الملل و أهل الديانات كلها ترى ان الرقية و الاستعباد من الأمور المشروعة و العادات المألوفة فسعت في كسر صورتها و اضعاف أمرها إلى الغاية الممكنة و الحد الذي لا تسع الأحوال التجاوز عنه ومن الجلي الواضح لدى الخبير ان أمر الرقية ليس مما ابتدعته هذه الشريعة المطهرة المحمدية بل كان امراً ثابتاً مقرراً في العالم قبل ان تشرق أنوارها بأزمان كثيرة و أعصار متمادية فليس بعد هذا مجال لمن خرج عن ملتنا ودان بغير ديننا ان يصم هذه الشريعة الغراء بما هي منزهة عنه من التوحش و الجفاء و الله حسبنا ونعم الوكيل .

كتاب الوفاء بالنذر وتوابعه

بسمه تعالى

قال تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) .

وقال تعالى (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ) الآية .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حق حمده وصلواته على رسوله و عبده وآله أولياء الله وجنده الذين وفى الله لهم بعهدهم ووفوا له بعهده ( أما بعد ) فهذا كتاب الوفاء بالنذر و العهود و الأيمان يجب الوفاء بها بعد انعقادها بنص الكتاب وصريح السنة النبوية واجماع المسلمين ولا يتحقق الوفاء إلا باتيان ما التزم به المكلف بقصد الوفاء امتثالاً لأمر الله تعالى فلو أتى بالمنذور ساهياً أو غافلاً أو لا بقصد الوفاء أو لداعٍ آخر كالرياء ونحوه ولم يحل الامتثال ويظهر من آية يوفون بالنذر حيث أخرجت مخرج المدح لهم  عليهم السلام مزيد فضل الوفاء بالنذر على الوفاء بغيره وربما ظهر منها وجوبه على أي حال فلا إشكال في كونه من العبادات التي لا تصح بدون نية القربة و أما نفس الالتزام فظاهر جماعة من الفقهاء انه من العبادات الراجحة وقد صرح الشهيد بذلك في قواعده فيما اجتمع فيه خطاب التكليف و الوضع بعد ان عدّ منه أمور اذكر منها الاعتكاف و انه ندب وسبب في تحريم محرماته إلى ان قال ومنها النذور و العهد فانه مستحب و سبب في الوجوب و التحريم بحسب الفعل و الترك و يكفي في الدلالة على رجحانه و استحبابه نذر أمير المؤمنين  عليه السلام و سيدة النساء   عليها السلام وجاريتهم فضة صوم ثلاثة أيام لشفاء الحسنين   عليهما السلام  لما مرضا و أما ما ورد من قوله  عليه السلام لا تتعرضوا للحقوق فإذا لزمتكم فاصبروا لها وقوله  عليه السلام أني لأكره الايجاب أن يوجب الرجل على نفسه فلا يمكن الالتزام بإطلاقها فلا بد من ان يراد بذلك أما التعرض لها و الالتزام بها دائماً و أما إرادة التعرض ممن لا يثق من نفسه بالوفاء أو غير ذلك من المحامل و إلا فالظاهر ان الالتزام بالعبادة بالنذر وغيره صوماً كانت أو غيره اجتلاباً للخير و استدفاعاً للشر و قهراً للنفس على الطاعة وزجراً لها عن المعصية من الأمور الراجحة و اجماعهم على اعتبار القربة فيه و إن لم يشترطوا كونها غاية للفعل اكتفاءاً بتضمن الصيغة لها دليل الأمر به ثم ان استيفاء الكلام في النذر وتابعيه يقع في فصول :

 

الفصل الأول في النذر

وفيه مباحث :

المبحث الأول في صيغة النذر

وهو التزام المكلف عن قصد و اختيار طاعة مقدورة بصيغة خاصة ملفوظة و إن لم تكن عربية فلو كانت منوية لم يجب الوفاء و استحب و الصيغة المنجزة ان يقول لله عليّ كذا و هو نذر التبرع ولو علق النذر على حصول نعمة كان نذر بر و شكر كأن يقول ان رزقت ولداً فلله عليّ كذا و إن شفيّ فلان فلله عليّ كذا ولو علقه على ترك طاعة أو فعل معصية كان نذر ردع وزجر كأن يقول إن فعلت محرماً فلله عليّ كذا و إن لم افعل الطاعة فلله عليّ كذا ولو قال عليّ كذا أو لفلان وان كان ممن تجب إطاعته  لم ينعقد .

المبحث الثاني في الناذر

و يعتبر فيه التكليف و الاختيار و القصد إلى مدلول الصيغة و الإسلام و الحرية إلا مع إذن المالك أو اجازته ولا ينعقد مع نهي الزوج إذا كان منافياً لحقوقه وكذا مع نهي الوالد ولو اوقع أحدهم النذر بغير إذن كان للمالك و الزوج و الوالد ابطاله ولو وقع النذر في حالة سكر يرفع القصد أو غضب كذلك لم ينعقد .

المبحث الثالث في متعلق النذر

وجملة من أحكامه ويعتبر فيه ان يكون طاعة لله ولو مكروهاً كراهة عباده و أن يكون مقدور الناذر و يسقط التكليف به لو تجدد العجز عنه و استمر أو خرج وقته لو كان مؤقتاً ولو تجددت القدرة في المطلق وجب الوفاء به ولو قال لله عليّ نذر مقتصراً عليه لم ينعقد حتى يسمي شيئاً ولو بأن يقول لله عليّ قربة ويحصل الوفاء بفعل كل قربة ولو نذر الصدقة بجميع ما يملكله فإن خاف الضرر و شق عليه الوفاء قوّمه على نفسه وتصدق به شيئاً فشيئاً حتى يحصل الوفاء ولو نذر صوم يوم معين فمرض أو اتفق له السفر الشرعي فيه افطر ذلك اليوم وقضاه إلا ان يكون قد نذر صومه سفراً و حضراً و لو حاضت المرأة أو نفست افطرت ولا قضاء عليها وكذا لو صادف عيداً و الاحوط القضاء فيهما و لو عجز عن صومه لعذر لا يرجى زواله سقط عنه وتصدق بمدّ من بر أو تمر و النذر الذي لم يقيد بوقت خاص يلزم الذمة و يكون كأحد الواجبات الموسعة لا يتضيق إلا بظن الوفاة من غير فرق بين المعلق بشرط وغيره على الأصح ولو قيد النذر بمكان أو زمان لزم ولو كان معلقاً على حصول أمر فبان انه كان حاصلاً قبل النذر لم يلزم ومن نذر انه ان  رزق ولداً حج به أو حج عنه انعقد ولو مات الوالد قبل فعل أحد الأمرين حج به أو عنه من اصل تركته .

الفصل الثاني في العهد

و صيغته عاهدت الله أو عليّ عهد لله انه متى كان كذا فعليّ كذا أو يقول عليّ عهد الله أو عاهدت الله ان افعل كذا مجردة من الشرط وهو كاليمين في انعقاده لو كان متعلقه مباحاً متساوي الطرفين ولو تعلق بما مخالفته ارجح دنيا أو دين فلا كفارة عليه لو خالف ولا ينعقد بمجرد النية فلو نواه استحب الوفاء به .

الفصل الثالث في الأيمان

و الكلام عليهما في مباحث :

المبحث الأول اليمين

هي الحلف بالله أو أحد اسمائه الخاصة و المقصود من أقسامها يمين الانعقاد وهي الحلف لتحقيق محتمل في المستقبل فعلاً أو تركاً مع القصد ويمين اللغو هي الحلف بلا قصد ولو لسبق اللسان إليها ولا تنعقد ويمين الغموس هي الحلف على فعل أو ترك في الماضي مع تعمد الكذب وهي من المحرمات الأكيدة ولا كفارة لها سوى الاستغفار و التوبة ولو كان صادقاً فلا أثم ولا تنعقد اليمين إلا بالله تعالى كأن يقول و الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ونحوه أو بأحد أسمائه الخاصة كأن يقول والله أو بالله أو تالله لأفعلن أو ما ينصرف إطلاقه إليه كالخالق و الباري و نحوهما ولو قال اقسم بالله أو برب الكعبة أو احلف كان يميناً ولو حلف بالبراءة لم يكن يميناً و أثم صادقاً أو كاذباً ولا ينعقد بغير اسمائه تعالى .

المبحث الثاني في الحالف

 

ويشترط فيه التكليف و القصد و الاختيار و الحرية فلو حلف بلا قصد كانت لغواً ولو بادر إليها المملوك بدون إذن مولاه كان للمولى حلها إلا في فعل واجب أو ترك محرّم وكذا الوالد مع ولده و الزوجة مع زوجها و تصح من الكافر فلو اسلم قبل الحنث بقيتْ اليمين وعليه الكفارة لو خالفها ولو اسلم بعده فلا كفارة عليه ولا يمين .

المبحث الثالث في متعلق اليمين

وجملة من أحكامها ولا بد من كونه مستقبلاً ومقدوراً عليه وغير مرجوح المخالفة وتنعقد إذا كانت على فعل واجب أو مندوب أو مباح مع الأولية أو ترك حرام أو مكروه أو مباح كذلك فلو كان الأولى مخالفته ديناً ودنيا فليأتِ ما هو خير له ولا أثم عليه ولا كفارة ومع تساوي فعل متعلقها وتركه يجب العمل بمقتضى اليمين ولا تتعلق بفعل الغير  ولا بالمستحيل ولو تجدد العجز عن الممكن انحلت بالنسبة إلى زمن العجز ولا يبقى الانحلال لو تجددت القدرة على الأقرب ولو حلف على خلاف الواقع لمصلحة كتخليص مؤمن أو حفظ ماله أو دفع أذى عنه جاز ولم يأثم و ان احسن التورية و أمكنته ورّى وفي وجوبها إشكال وقد تجب اليمين إذا توقف انقاذ المؤمن عليها و الاستثناء بالمشيئة متصلاً بها على النحو المتعارف مانع من انعقادها وفي التعليق عليها بالنية دون اللفظ إشكال ولو علقها على مشية الغير توقف الانعقاد عليها فإن لم يشأ انحلت و يتحقق الحنث بالمخالفة اختياراً عن علم وعمد  فلو خالف مقتضاها جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً لم يحنث ولو حلف على شيئين أو اكثر يميناً واحدة فحنث في أحدهما أو فيهما أو في الجميع فكفارة واحدة وكذا في اليمين المكررة للتاكيد و ينبغي التوقف من الأقدام على اليمين و ان كان صادقا سيما في اليسير من المال ونحوه بل و الكثير منه فإن من أجل الله ان يحلف به اعطاه خير مما ذهب منه ويمين الزوج لزوجته ان لا يتزوج عليها ولا يتسرى لا تنعقد كيمينها ان لا تتزوج بعده .

خاتمة

أسماء الله تعالى ما ورد به السمع و لا يوهم نقصاً يجوز اطلاقه عليه تعالى كالاسماء الحسنى و أما ما عدا ذلك فينقسم إلى أقسام ( الأول ) ما لم يرد به السمع ويوهم نقصاً نحو العاقل و العارف و الذكي ويمتنع اطلاقه عليه . ( الثاني ) ما ورد به السمع ولكن اطلاقه في غير مورده يوجب النقص نحو ومكر الله و الله يستهزئ بهم . ( و الثالث ) ما خلا عن الايهام إلا انه لم يرد به السمع كالسخي مثلا و الأولى التوقف عما لم يرد السمع به بنحو التسمية و الله العالم .

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

بسمه تعالى

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد و اله الطاهرين (أما بعد ) فهذا كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وهو من اجل الفرائض واهمها به تقام الفرائض وتامن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض ويستقيم الأمر وهو سبيل الأنبياء ومنهج الصالحين ولمّا كان المراد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما هو اعم من الحمل على الطاعة والمنع من المعصية للنفس وللغير قولاً وفعلاً مباشرة وتسبباً بكل وسيلة مشروعة اتسع المجال وعم سائر الأمور الحسبية التي منها الإصلاح و القضاء والجهاد والدفاع وغيرها وصح لنا ان نتعرّض لبعض ما يحمل على الطاعة ويمنع من المعصية والعدوان مما تشتد الحاجة إليه ويكثر الاهتمام بشأنه و اما  الاصلاح والقضاء فيذكران في كتاب مستقل ان شاء الله تعالى وذلك في مباحث .

 

 المبحث الأول  في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أي حمل الغير على الفعل والترك إلى حد لايصل إلى القتل ومراتبه ثلاث انكار القلب المنكشف بظهور الكراهة واللسان واليد وهما واجبان كفاية على كل مكلف يعلم المعروف والمنكر شرعا مع اصرار التارك والفاعل والامن من الضرر على المباشر نفسا وعرضا ومالا وعلى مؤمن غيره كذلك وتجويز التأثير وامكانه وان لا يؤدي الإنكار إلى ارتكاب ما هو اعظم ويسقط الوجوب لو علم منه الاقلاع أو ظهرت عليه أمارات الندم وكذا مع خوف الضرر والعلم بعدم التاثير ولا يشترط كون المأمور أو المنهي عالما بالمعصية فينكر على المتلبس بها بصورة تعريفة إنها معصية ومع اجتماع الشرائط يتدرج المباشر في مراتب الإنكار بإظهار الأعراض والكراهة ثم الاهانة بالاستحقار والحط عن المرتبة ثم القول اللين ثم الغليظ متدرجا في جميع ذلك من الضعيف إلى الأقوى ثم الضرب كذلك بما تقتضيه المصلحة ويحصل به الغرض المطلوب واما مجرد الإنكار بالقلب دون اللسان فليس من مراتب الإنكار بالمعنى المقصود بل من مقتضيات الإيمان إلا ان تظهر معه الكراهة كما عن أمير المؤمنين  عليه السلام انه قال أدنى مراتب الإنكار ان تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة أي عابسة كدرة والمعروف قسمان واجب وندب و الامر بالواجب واجب وبالمندوب مندوب كالنهي عن المكروه ولا تعنيف فيه ولا توبيخ كالامر بالمندوب .

واما المنكر فكله قبيح والنهي عنه واجب ولو افتقر إلى الجرح لم يفعله إلا بإذن الإمام أو نائبه ولا يجوز لو ادّى الإنكار إلى القتل ولا انكار فيما اختلف به العلماء إلا ان يكون المتلبس يعتقد تحريم ما فعل أو وجوب ما ترك والمنكر موافقاً له في اعتقاده .                                           

إكمال

التقية تبيح ما لا يستباح بدونها ويجب العمل بمقتضاها إلا في القتل حتى إظهار كلمة الكفر ولو ترك العمل بها أثم إلا في إظهار كلمة الكفر ومقام التبرّي من أهل البيت  عليهم السلام فإن صبره أما مباح أو مستحب خصوصا إذا كان قدوة والفرق بينها وبين المداهنة المحرمة ان المداهنة تعظيم غير المستحق لاجتلاب نفعه والتقية مجاملة الناس حذرا من غوائلهم والتقية واجبة بالكتاب والسنة وقد ورد عنهم  عليهم السلام ان من لا تقية له لا دين له ان الله يحب أن يعبد سراً كما يحب أن يعبد جهرا إلى غير ذلك .

المبحث الثاني في الجهاد

و المهم ذكر قسمين منه :

القسم الأول جهاد النفس

وقد تكرر ذكره في الكتاب و السنة وهو المراد على ما قيل من قوله تعالى :" وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ" وقوله تعالى :" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" وعنه انه قال لسرية رجعوا مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر قيل يا رسول الله و ما الجهاد الأكبر قال جهاد النفس . ثم قال   صلى الله عليه وآله وسلم   افضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه أي افضل أهله . وفي الكافي عن أبي عبد الله  عليه السلام ان أحد الفرضين مجاهدة الرجل نفسه عن معاصي الله وهو اعظم الجهاد ولعل ذلك و الله اعلم لأن النفس اعظم أعداء الإنسان و فتنتها اكبر و اشد من كل فتنة و اضرارها أخروية ودنيوية وهي عدو كامن لا يمكن الاحتراز عنه و البلوى به عامة لجميع الأوقات ومجاهدة مثل هذا العدو أمر عسر مستصعب وجهاده بالمراقبة و المحاسبة وبحمله عن الإعراض عن زخارف الدنيا و الإقبال على التوجه إلى القيامة بفروض الجوارح وبالفكر فيما يوجب الاعتبار وغير ذلك.

القسم الثاني الجهاد في إحياء السنن و إماتة البدع

 

قال  عليه السلام و أما الجهاد الذي هو سنة فكل سنة اقامها الرجل وجاهد في اقامتها وبلوغها و احيائها فالعمل و السعي فيها من افضل الأعمال لأنها إحياء سنة وقد قال رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم   من سنّ سنة حسنة فله أجرها و اجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء الخ قال في الوافي وهذا الجهاد يكون مع الناس في إحياء كل سنة بعد اندراسها واجبة كانت أو مستحبة فإن السعي في ذلك جهاد مع من أنكرها انتهى . ولا يخفى ان إحياء السنة اعمّ من ذلك فإذا أحياها بمبلغ جهده سواء كان منكراً ولم يكن فقد جاهد فيها .

المبحث الثالث في الدفاع

   وهو اعمّ أقسام الجهاد ابتلاءاً و أكثرها عناءاً و الدفاع قسمان دفاع عن الدين و المسلمين لأنهم مسلمون وهو قسم من الجهاد وداخل في حقيقته ودفاع عن النفس أو العرض أو المال وهو لا يندرج في اسم الجهاد حقيقة وإن ورد أن من قتل دون مظلمته فهو شهيد فلا تجري عليه أحكام الشهيد فهاهنا قسمان :

القسم الأول الدفاع عن الدين

وهو من افضل الأعمال بعد العقائد الإسلامية و الترغيب فيه و الحث عليه في الأخبار الصحيحة و الآيات الصريحة فوق حدّ الاحصاء ويكفي من الكتاب الشريف قوله تعالى :"  ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله " الآية ومن السنة المطهرة قوله   صلى الله عليه وآله وسلم   كل بر فوقه بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ وهذا القسم هو الجهاد لحفظ بيضة الإسلام إذا قام به من به الكفاية سقط وجوبه عن باقي المكلفين و إلا وجب على كل مسلم قادر على الدفع بكل ماله دخل فيه من نفس و مال و قول و فعل و رأي وغير ذلك بإذن نائب الغيبة وبدونه مع عادل أو جائر ولكن لا يقصد اعانته من غير فرق بين الحر و العبد و الذكر و الأنثى و العاجز بدنا لا مالا يستنيب العاجز مالا لا بدنا وربما وجب عليه قبول النيابة ويجب على العاجز مالاً بمجرد البذل له ومالا يتوقف على المال من الدفاع لا يسقط وجوبه بالعجز عن المال ولو دهم المسلمين من يخاف منه على نفوسهم و أعراضهم وجب على من يليهم الدفاع عنهم ووجب على غيرهم إمدادهم مع الحاجة .

القسم الثاني ما يختص باسم الدفاع أو الدفع

 وهو دفع الشخص عن نفسه أو عرضه أو ماله ودفعه عن نفس مؤمن أو عرضه أو ماله ( أما الأول ) فيجب على الشخص مدافعة من أراد قتله متى احتمل حصول السلامة بها و عليه أن يتوصل إلى حفظ نفسه بكل وسيلة و لا ينتقل إلى الأصعب مع حصول الاندفاع بالاسهل ولو أمكنه الهرب أو الصياح ونحوهما مما فيه رجاء السلامة وجب وحرم عليه الاستسلام ولو غشيه حيوان فزجره مخافة أن يطأه فجنى على راكبه أو غيره لم يكن عليه أثم لأنه قصد الدفع عن نفسه و أما دفعه عن عرضه فيجب عليه مع ظن السلامة و في الجواز مع ظن العطب إشكال وإن كان ظاهر بعض الأخبار جواز الدفع عن العرض وإن خاف القتل ومن غالب امرأة على نفسها أو غلاماً فلهما دفعه ولو قتلاه فدمه هدر و أما الدفع عن المال فهو جائز مع ظن السلامة و اللص محارب يدفع مع ظنها فإن قتل فدمه هدر ولو جنى ضمن الجناية بل لا يبعد استحباب الدفع عن المال ما لم يصل إلى حد القتال فإذا بلغه كان الترك افضل لما ورد عنه   صلى الله عليه وآله وسلم   إن من قتل دون ماله فهو بمنزلة الشهيد فقلت أ يقاتل افضل أو لا يقاتل فقال   صلى الله عليه وآله وسلم   أما أنا فلو كنت لم اقاتل و تركته وفي خبر آخر اتركوا اللص ما ترككم .

( و أما الثاني ) وهو الدفع عن نفس المؤمن وعرضه فالظاهر وجوبه مع ظن السلامة و انتفاء الضرر ومنه انقاذ الغريق و الحريق و أما الدفع عن ماله فلا يجب بل يجوز مستحباً مع غلبة السلامة و الأمن من الضرر و أما معاونة الضعيف و الخائف ورد عادية النار و الماء عن المسلمين فقد قيل بوجوبها استناداً إلى قوله   صلى الله عليه وآله وسلم   من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم وقوله  عليه السلام من رد عن المسلمين عادية ماء أو نار فقد وجبت له الجنة و الله تعالى هو العالم .

 

كتاب الإصلاح و القضاء

بسمه تعالى

قال تعالى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ".

بسم الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أتم الحجة و أوضح سبيل الحق و نهجه و استخلف لعباده من يحكم بينهم بالعدل و يقضي فيهم القضاء الفصل و الصلاة والسلام على خلفائه في أرضه ومقيمي سننه وفرضه محمد وآله الاطياب الذين أتوا الحكمة وفصل الخطاب .

( أما بعد ) فهذا كتاب إصلاح ذات البين و القضاء بين المتخاصمين و الأول ليس من الوظائف الخاصة بالمجتهد الجامع بل يندب وربما وجب كفاية أو عيناً لمن له قابلية الإصلاح من المكلفين و هو من افضل الأعمال و اشرف الأفعال به تحصل اغاثة الملهوف و إعانة الضعيف و إخماد الفتنة و تنفيس الكربة وقضاء حاجة المؤمن و الإحسان إليه و التعاون على البر و التقوى وغير ذلك من الأمور المستحبة الراجحة ويكفي في فضله ما ورد من الآيات الشريفة و الأخبار المستفيضة فمن الآيات قوله تعالى :" لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ " و من الأخبار ما ورد عنه   صلى الله عليه وآله وسلم   من ان إصلاح ذات البين افضل من عامة الصلاة و الصيام وإن من مشى في صلح بين اثنين صلى عليه ملائكة الله حتى يرجع و أعطى ثواب ليلة القدر ويجوز للمصلح ان يتوصل إليه بجميع الوسائل المشروعة من القول و الفعل و التهديد و التوعيد و الوعظ و الترغيب وغير ذلك ويجوز له بذل مال الزكاة في سبيله ولا بأس بالكذب للاصلاح فقد ورد ان المصلح ليس بكذاب نعم إذا انتهى الأمر إلى المصالحة و إجراء صيغة الصلح فلا بد من مراعاة ما يعتبر في ذلك من الشرائط المقررة في محلها ولا بد في الإصلاح كغيره من العبادات من نية القربة و الإخلاص كما قال تعالى بعد قوله " أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" .

( و أما الثاني ) وهو القضاء و فصل الخصومات فهو من فروض الكفايات على ذوي الملكات القدسيات وفضله عظيم و ثوابه جسيم ولكن فيه خطر خطير و أثم كبير لمن لم يثق من نفسه بجامعيته لشرائطه و أهليته لمنصبه وهو و الافتاء توأمان وإن كان القضاء اشد منه خطراً و اعظم ضرراً فكما يحرم القضاء على من ليس أهلاً للقضاء يحرم الإفتاء على من ليس أهلاً للفتوى و إذا حكم فحكمه غير نافذ و الترافع إليه غير جائز و المال الذي يؤخذ بحكمه حرام بخلاف حكم الحاكم الجامع للشرائط فانه حكمه ماض نافذ لا يجوز نقضه ولا الرد عليه إلا إذا تبين خطاه و إذا علم من نفسه عدم العدالة أو الأهلية حرم عليه التصدي لذلك و إن اعتقد الناس عدالته و اجتهاده ولما كان الغرض من تدوين هذا الكتاب بيان ما ينتفع به من لم يبلغ رتبة الاجتهاد من الأحكام لم نتعرض فيه لأحكام القضاء وشرائطه وتوابعه وما يتوقف عليه و أما بيان الغرض المقصود فيقع في فصول ثلاثة :

الفصل الأول في بيان بعض ما يحرم ويجوز من الأحكام

 لغير المجتهد مما يدخل في الإصلاح

أو يتولاه الحاكم غالباً وقد ذكرنا انه لا يجوز له القضاء ولا الإفتاء وكذا لا يجوز له إقامة الحدود ولا التعزيرات بل ولا إقامة الحد حتى على ولده وزوجته نعم لا بأس باقامة بعض التعزيرات إذا توقف عليه الأمر بالمعروف من الواجب و النهي عن المنكر ما لم يصل إلى الجرح أو القتل كما لا بأس في إقامة الحد على المملوك ولو ضربه من غير ان يوجبه على نفسه ففي الصحيح ان كفارته عتقه وهو محمول عنده على الاستحباب إلا ان الاحتياط لا ينبغي تركه ويكره ان يزيد في تأديب الصبي و العبد على عشرة اسواط و ان كان الأقوى ان ذلك على قدر ما يراه الولي من الذنب وقوة البدن لكن الاحتياط أن لا يزيد في تأديب الصبي عن الثلاثة إلى الخمسة ويجوز قتل من سب النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   أو أحد الأئمة أو الزهراء  عليهم السلام مع الأمن وعدم الخوف ولو على غيره من المؤمنين ولا يتوقف على إذن الإمام أو نائبه و إذا تحمل الشهادة بالمشاهدة أو السماع لما يتكفل به السماع وإن لم يستدعه المشهود وجب عليه للتحمل عليه اقامتها إذا ادّعى إلا مع خوف ضرر غير مستحق عليه أو على مؤمن أما المستحق كمطالبته بحق عليه لو شهد ولا يمنع فلا تجب عليه الإجابة لو دعيّ إلى الشهادة عند من ليس أهلاً للقضاء بل لا تجوز الشهادة عنده ولو دعيّ لتحمل الشهادة وكان أهلاً فالأقرب الوجوب كفاية ويتعين التحمل على من دعيّ إليه مع عدم من يقوم به .

 

الفصل الثاني فيما يحتاج إليه عند الابتلاء بالمخاصمات

لا يجوز له الترافع إلى قضاة الجور ولا إلى المنصوبين من قبلهم وما يأخذه بحكمهم سحت من غير فرق بين كون ما يأخذه ثابتاً في الواقع أو بمقتضى حكمهم وبين كونه عيناً أو ديناً ولكنه مشكل خصوصاً في العين التي هي له في الواقع فلا بد من ان يراد بذلك ان ما يأخذه ويثبت له بسبب حكمهم لا ما كان له واقعاً وقد انتزع منه أو يحمل الخبر على وجه آخر ولو توقف استنقاذ الحق الثابت له واقعاً على الرجوع إلى غير من له أهلية القضاء من قضاة الجور أو غيرهم أما لامتناع الخصم من المرافعة أو لعدم انقياده إلا إلى الجائر أو لعدم وجود الحاكم الشرعي فالظاهر الجواز وحلية ما يأخذه كما انه لو توقف استنقاذ حقه المعلوم على الحلف كاذبا جاز وإن احسن التورية و أمكنته ورّى وفي وجوبها إشكال ولو اتحد المجتهد وجب الرجوع إليه ولو تعدد و اتفق المتنازعان على واحد فلا إشكال ولو اتفقا على اكثر من واحد للمحاكمة بينهما على وجه الانضمام لم ينفذا الحكم منهم إلا مع اتفاقهم فيه ولو لم يتفقا و اختار كل واحد منهما غير ما اختاره الآخر قدم مختار المدعي سيما مع سبقه إلى من اختاره إلا مع اعلمية أحد الحاكمين فيشكل تقديم من اختار غيره وإن كان مدعياً و أما المتداعيان فيرجعان إلى القرعة ولو تراضى المتنازعان على حاكم و أرادا ان يعدلا عنه قبل التمام جاز ولو أراد أحدهما العدول لم يكن له ذلك ويحرم بذل الرشوة على الباذل كما يحرم أخذها على الآخذ إلا مع توقف استنقاذ حقه على بذلها فتحرم حينئذ على الآخذ فقط ولا تختص بما يبذل للقاضي لأجل أن يحكم له بل تجري في غيره لغيره ولو دفع إلى الحاكم خمساً أو زكاة بقصد الرشوة لم تبرأ ذمته منهما وليس للمحكوم عليه بعد تمام المرافعة وصدور الحكم طلب تجديد الدعوى عند حاكم آخر إلا مع رضى المتنازعين أو تبين خطأ الحاكم في حكمه ولو ادعى خطأ الحاكم في الحكم أو عدم أهليته أو تقصيره في بعض مقدماته أو فسق الشهود فالظاهر سماع دعواه فإن كانت الدعوى عدم الأهلية كان على المحكوم له إثباتها إلا أن يكون المحكوم عليه قد اختاره للترافع وفي دعوى الخطأ أو الجور أو فسق الشهود يكون المدعي هو المحكوم عليه فيكون الإثبات عليه ولا يجوز لغير الجازم ان يبرز دعواه بصورة الجزم حتى تسمع و الظاهر أن للمحكوم له إذا كان المحكوم عليه واجداً للمال ومماطلاً ان يغلظ له بالقول ويقول له يا ظالم يا فاسق ونحوهما و أما حبسه فهو من وظائف الحاكم كالتعزير ولو كان المحكوم عليه معسراً وجب انظاره إلى زمن يساره و الظاهر ان يمين المنكر من الحقوق التي تقبل الإبراء و الإسقاط فإذا اسقطها المدعي حكم ببرائته من الحق ظاهراً وليس له المطالبة بها بعد الإسقاط نعم له إقامة البينة فتسمع دعواه وللمنكر أن يرد اليمين على المدعي فإن حلف ثبت ما ادعاه وإن لم يحلف سقطت دعواه ولو كان حالفاً أو ناذراً ان لا يحلف صادقاً ولا كاذبا فتوجهت عليه اليمين فحلف صحت يمينه ولو أوصى الميت بدفع ما يدعيه المدعي من غير طلب بينةّ ولا يمين فالظاهر إنها وصية تخرج من ثلثه إذ لا يثبت كونه ديناً بمجرد ذلك ولا يكون إقراراً منه بذلك ولو قال كل ما في دفتري فهو حق كان إقراراً منه بما رسمه فيه من الديون و الله العالم .

الفصل الثالث فيما لغير المجتهد من طرق فصل الخصومة

 

إذا لم يكن في البلد مجتهد أو كان ولم يمكن الترافع عنده جاز لمن لم يبلغ رتبة الاجتهاد من أهل العلم الفصل بين المتنازعين من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إذا حصل له العلم القطعي بكون الحق لأحدهما من القرائن أو من أخبار جماعة افاده ذلك وكذا إذا شهد عنده عدلان بناء على عموم حجية البينة لكل أحد كما لعله الأقرب فله حينئذ الزام المدعى عليه بالتسليم و الحكم عليه بذلك وإن لم تترتب عليه آثار الحكم الصادر من المجتهد و أما طلب يمين المنكر أو يمين الرد فليس ذلك إلا للمجتهد و الحلف في غير مجلسه لا اثر له إلا انه يمكن ذلك بايقاع الصلح بين المنكر و المدعي بإسقاط دعواه بيمين المنكر أو ثبوتها بيمين الرد فتخرج المسألة عن حكم المرافعات وتدخل في قسم المعاملات ودعوى ان ذلك قد يدخل في الصلح على الحرام مردودة و إلا لما جاز للمدعي الذي يعمل بثبوت حقه وبعلم المنكر به تحليفه و الزامه باليمين ولا للمنكر الرد مع علمه بعلم المدعي إلا انه لا يخلو من الإشكال فالاولى ان يصالحه المدعي عن حقه بشيء يسير ويشترط ان له الفسخ ان لم يحلف  الآن أو غداً مثلا على برائته من حقه فإذا حلف لزمت المصالحة وسقط حق المدعي وللمنكر على هذا أن يتفصى عن اليمين بالاقرار ولا يكون ملزماً بالحلف و الظاهر انه لا مانع من اشتراط الحلف بغير الله تعالى أو أحد اسمائه الخاصة كأحد الأئمة أو الاولياء أو الصلحاء و الحاصل انه يمكن الاستغناء عن الرجوع إلى المجتهد في اغلب الفتاوى و الأحكام بالاحتياط و الصلح فللعوام فضلا عن أهل العلم التصدي لقطع المخاصمات بايقاع الصلح بين المتخاصمين و تحكيم القاضي لا يوجب نفوذ حكمنه على المتنازعين ما لم يكن مجتهداً و أما قضاء المقلد بالوكالة عن المجتهد أو بالاذن منه أو باعطائه الولاية عليه فلا يجدي في نفوذ حكمه ولو ولاّه الجائر لم يجز له القبول إلا ان يعلم بتمكنه من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أو يكره عليه فيتولاه تقية و عليه ان يجتهد في إنفاذ الحكم بالحق جعلنا الله من الحاكمين بالحق آمين .

 

 

خاتمة العبادات

قال تعالى :" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي"

 

اعلم ان ما يصدر من الإنسان قد يكون مما لا تكليف فيه ولا يلحقه منه اجر ولا وزر وذلك كالاحوال الضروريةله كالتنفس و نبض العروق وما يقع منه عن غير اختيار ولا قصد كالخطأ و السهو و نحوهما وقد يكون مما يقع في جنسه التكليف ويلحقه منه مدح أو قدح وهو أقوال و أفعال تصدر عن قصد و اختيار و العبادة منها ما تتوقف صحته على التقرب و الإتيان بداعي امتثال أمره تعالى مما يقبل ان يقع على نحوين وليس المراد بها ما أمكن التقرب به من المباحات أو ما قصد الفاعل به وجهاً قريباً أو ما شرع للمصالح الآخروية أو ما كانت فيه رجحانية شرعية اصلية أو عارضية و ان أمكن كونها من العبادات بالمعنى الاعم ولا ينتقض ما ذكرناه بالنظر المعرّف فانه عبادة ولا يحتاج إلى نية وكذلك إرادة الطاعة لعدم كونهما مما يقبل ان يقع على نحوين و العبادة المصطلحة ان تعلقت بالبدن فالبدنية وهي تكون لسانية وقلبية و جوارحية و ان تعلقت بالمال فماليه عقدية أو ايقاعية أو غيرهما أو بهما فماليه بدنية و أما العبادة بالمعنى الاعم فيمكن ان تكون اكثر المباحات منها بالنية و العزم وتكون ذات اجر وثواب فإذا نوى بالاكل ان يتقوى على العبادة صار أكله عبادة و إذا نوى بالجماع كسر الشهوة وتحصيل رضى الله ورسوله   صلى الله عليه وآله وسلم   بحصول النسل و الذرية وقضاء ما أوجبه الله من حق الزوجة صار عبادة مثاباً عليها و وهكذا اغلب المباحات يمكن للإنسان ان يقصد عند فعل شيء منها وجهاً قريباً وكان لي عمٌ رباني فقيه اتفق انه امرني بأمر فبادرت بامتثاله فقال لي أوصيك متى اردت ان تقضي حاجة أو تفعل شيئاً فلا تفعله إلا لله فإذا فعلت ذلك كانت جميع افعالك عبادة ثم ان الكلام على العبادة يقع في مقامين :

المقام الأول في أقسام العبادة

وهي بمعناها الاعم واجبة كانت أو مندوبة عيناً أو كفاية لا تكاد تنحصر وقد افرد الفقهاء للعبادات الواجبة التي تتوقف صحتها على النية كتباً مستقلة وهي الصلاة و الصيام و الزكاة و الحج و الجهاد وتوابعها وباقي العبادات ذكروها في مواضع متفرقة تليق بذكرها منها ردّ السلام فانه من الفرائض العينية على من خص به و الكفائي لو كان المخاطب به جماعة و كصلة الرحم و أداء حقوق الاخوان وقضاء حاجة المؤمن وقد تتصف العبادة بالوجوب تارة وبالندب أخرى كالصلاة و الصوم و الحج ونحوها ومنها الابتداء بالسلام فإن فيه سبعين حسنة واحدة للراد والباقي للمبتدئ وفي الحديث ان البخيل من بخل بالسلام و انه من التواضع ومنها تشميت العاطس و استعمال المروءة و مواساة الاخوان و إكرام ذي الشيبه المؤمن و التواضع للمؤمنين و في البال ان من المروي ان التكبر على المتكبر عبادة ومن العبادات الفاضلة زيارة النبي   صلى الله عليه وآله وسلم   و الأئمة المعصومين من القرب و البعد فإن فيها أجراً عظيماً و ثواباً جسيماً و البكاء في مصابهم و إقامة مآتمهم سيما سيد الشهداء و الحزن لحزنهم و الفرح لفرحهم فإن جميع ذلك من العبادات الراجحة و المستحبات الاكيدة و من العبادات كتم المرض وكظم الغيض و العفو عمن اساء و غير ذلك من الآداب و السنن و الأخلاق و من العبادات الواجبة على الفور المأمور بها في عدة مواضع من القرآن الشريف وقد تواترت بوجوبها السنة ودل عليه صريح العقل التوبة وقد ورد ان التائب من الذنب كمن لا ذنب له وهي مقبولة إذا كانت خالصة لله لا ما كان منها لمال أو خوف سلطان أو عدم أسباب و آلات كتوبة الاطرش عن الغناء و المجبوب عن الزنا و بيان حقيقتها وشروط قبولها و أحكامها تطلب من مظانها و إنما الغرض التنبيه عليها ثم ان هناك عادات تعدّ من العبادات كالسحور في شهر رمضان و الجماع في أول ليلة منه ونحوها وقد تفضل الشارع بترتيب ثواب العبادة على أمور غير اختيارية فجعل نوم الصائم عبادة و أنفاسه تسبيحاً وجعل النظر إلى الكعبة عبادة وفي وجوه العلماء عبادة وغير ذلك ثم ان أهل العبادة ثلاثة قوم عبدوا الله خوفاً فتلك عبادة العبيد وقوم عبدوه طلباً للثواب فتلك عبادة الأجراء وقوم عبدوا الله عز وجل حباً له فتلك عبادة الاحرار وهي افضل العبادة ويروى عن أمير المؤمنين  عليه السلام انه قال ( الهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ) وهذا أعلى مراتب العبادة ولو أتى بالعبادة كاتيان الأجير بالعمل تحصيلاً للاجرة من غير قصد إطاعة و امتثال بل بقصد المعاوضة فلا يبعد بطلانها كما انه لو أتى ببعض المستحبات بقصد محض ترتب ما لها من الآثار لم تصح ولم ترتب آثارها .

    المقام الثاني في جملة من أحكام العبادات

وهي أمور كثيرة : ( منها ) وجوب الإخلاص في العبادة و النية و تحريم قصد الرياء و السمعة بها فعن الرضا  عليه السلام انه قال لأبن عرفة يا ابن عرفة اعملوا لغير رياء ولا سمعة فإن من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل الخبر ومتى قصد بها الرياء ولو في الأثناء أثم وبطلت عبادته وقد ورد ان الرياء شرك و انه يجاء بالعبد يوم القيامة فيقول يا رب قد صليت ابتغاء وجهك فيقال له بل صليت ليقال ما احسن صلاة فلان اذهبوا به إلى النار و علامات المرائي ثلاث ينشط إذا رأى الناس و يكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في جميع أموره ( ومنها ) التظاهر بالعبادات وهو مستحب إذا كان باعثاً على اقتداء الغير فإن الداعي إلى الخير كفاعله و العبادة المندوبة سراً افضل منها علانية إلا إذا أراد جب الغيبة عن نفسه فلا يرمى بالكسل و التهاون ويتأكد استحباب الإسرار لمن خاف على نفسه من الرياء و يكره ذكر عبادته للناس كأن يقول صليت البارحة وصمت امس وعن أبي جعفر  عليه السلام انه قال الابقاء على العمل اشد من العمل قيل وما الابقاء على العمل قال الرجل ينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سراً ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ثم يذكرها فتكتب له رياء و أما سرور الإنسان باطلاع غيره على عمله من غير قصد ففي الخبر انه لا بأس إذا لم يكن صنع ذلك لذلك ويجوز تحسين العبادة للترغيب في المذهب وللاقتداء بالفاعل وذلك ليس من الرياء ( ومنها ) استحباب حب العبادة و التفرغ لها و الجد و الاجتهاد فيها فقد ورد ان افضل الناس من عشق العبادة واجهاً بقلبه وتفرغ لها فهو لا يبالي على ما اصبح من الدنيا على عسر أم على يسر و أما الجد و الاجتهاد في العبادات فقد تكرر الحث عليه في الأخبار بل في بعضها ان ولايتنا لا تنال إلا بالعمل و الاجتهاد من ائتم منكم بعبد فليعمل عمله الخبر و تستحب المداومة على العمل فإن احب الأعمال ما داوم العبد عليه وإن قلَّ وفي خبر آخر فإذا كان على عمل فليدم عليه سنة ثم يتحول عنه إن شاء إلى غيره وينبغي للإنسان ان يكون مقصراً عند نفسه و ان بلغ ما بلغ من العبادة فإن الله تعالى لا يمكن ان يعبد حق عبادته و إذا خاف الملل استحب له الاقتصاد في العبادة (و منها ) تحريم الاعجاب بالعبادة و الإدلال بها فإن سيئة تسوؤك خير عند الله من حسنة تعجبك ولا بأس بالسرور بها من غير عجب وفي الخبر ان المدل لا يصعد من عمله شيء ( ومنها ) استحباب تعجيل العبادة وفعل الخير و كراهة التأخير فعنه  عليه السلام إذا عرض لك شيء من أمر الآخرة فابدأ به و إذا عرض لك شيء من أمر الدنيا فتأن حتى تصيب رشدك ( ومنها )  انه لا ينبغي ترجيح العبادات الراجحة بحسب الذات على المرجوحة دائماً فيقتصر على الراجح منها فإن من تمام العبودية و الانقياد إتيان العبد بجميع ما أمر به مولاه من واجب وندب والراجح و المرجوح و إلا لبطلت السنن بالاقتصار على افضل الجنسين و أنواع كل جنس بالاقتصار على أفضلها ( ومنها ) تحريم العبادة مع عدم إباحة ما يتوقف عليه فعلها من الآت ومكان وزمان ومنافع بدن ونحوها فلا تجوز للعبد عبادة مندوبة بدون استئذان سوى عبادة الفكر ولو منعه المولى من عبادة الذكر امتنع ( ومنها ) بطلان العبادات بدون ولاية الأئمة الهداة و اعتقاد إمامتهم ووجوب طاعتهم و الروايات في هذا الباب كثيرة نكتفي منها برواية واحدة تكون خاتمة لهذا العمل وكفارة لما وقع فيه من الخطأ و الزلل وهي ما رواه في الوسائل عن أبي عبد الله  عليه السلام انه قال  لميسر: أي البقاع اعظم حرمة ؟قال: الله و رسوله و ابن رسوله اعلم . قال يا ميسر: بين الركن و المقام روضة من رياض الجنة و ما بين القبر و المنبر روضة من رياض الجنة و والله لو إن عبداً عمره الله ما بين الركن و المقام وما بين القبرو المنبر يعبده ألف عام ثم ذبح على فراشه مظلوماً كما يذبح الكبش ثم لقي الله بغير ولايتنا لكان حقاً على الله ان يكبه على منخريه في نار جهنم .

اللهم احيينا و أمتنا على ولايتهم و ادخلنا في شفاعتهم و اجعل خير اعمالنا خواتيمها و خير أيامنا يو نلقاك فيه برحمتك يا ارحم الراحمين .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على

المرسلين و الحمد لله رب العالمين وصلى الله

على محمد وآله الطاهرين.

تم في 29ج2 سنة 1342هـ

هذه ابيات للشيخ المفضال الثقة المؤتمن الشيخ محمد حسن آل سميسم أنشأها سنة 1340 هـ في الهداية التي لخص منها هذا الكتاب .

هداية الهادي منار الهدى
موارد الإسلام فيها صفت
فأصلها مذهبنا جعفر
ذي بغية الطالب و المقتدى
جلت عن التقريض لا بل علت
 

 

وطالب الحق بها يهتدي
فلم تدع للشرك من مورد
وفرعها ( الهادي ) ابنه المهتدي
ومنية الراغب و المجتدي
كالشمس إذ تعلو على الفرقد
 

 

 

 

 

 

 

 

 


([1]) الفذ بالمعجمتين الواحد ( منه سلمه الله تعالى ) .

([2]) الاقعاء عند أهل اللغة أن يجلس على وركيه وينصب ركبتيه و عند أهل الحديث أن يجلس على ساقيه جاثياً وليس على الأرض إلا رؤوس أصابع الرجلين و الركبتين منه مدّ ظله .

(1) الهذّ بالذال المعجمة المشددة سرعة القطع ثم استعير لسرعة القراءة . ( مجمع البحرين ) .

(1) النقد بضمة فسكون وبضمتين ضرب من الشجر (منه دام ظله العالي) .

(1) هو بناء شبه دكة خارجة من أساس جدار الكعبة دائرة عليها ( منه دام ظله ) .

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD