بسم الله الرحمن الرحيم

نظرات وتأملات

هذا كتاب تضمن شذرات مختارة مما نشرته الصحف العراقية و السورية و اللبنانية من المطارحات العلمية و المناظرات الأدبية و الملاحظات الفنية لفضيلة العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء في شتى مناحي الفكر و الفلسفة . وقد قامت بجمعه وتبويبه و التعليق عليه حمعية ندوة الأدب في النجف الاشرف ، فكان عملها موفقاً كل التوفيق إذ هيأت للقراء هذه الباقة المنتقاة من المقالات الطريفة النافعة ويسرت الحصول عليها في مجموعة سهلة التناول ، بعد أن توزعتها الصحف و المجلات .

مقدمة الكتاب

إن النقد هو الصراع الفكري بين أبطال العلم ولكنه صراع نتيجته الظفر بالحقيقة المخفية و القناعة بها من طريق لغة الفكر ولقد قيل من قبل ان الحقيقة لا زالت تبرق من تصادم الأفكار و الواقع يتجلى باصطكاك العقول وإن التجارب قد دلتنا على أن للنقد النزيه البريء الأثر القيم في الأوساط العلمية إذ به يكشف الستار عن وجه الحقيقة ويتمخض عن روح الصواب على الأخص إذا كان المنقود رأي أوفقه في التاريخ أو الأدب أو الاجتماع من شخصية ملأت القلوب و الأسماع شهرتها العلمية وصيتها الأدبي ومن هذا الباب نقد هذا الأستاذ العلامة فضيلة الشيخ علي كاشف الغطاء فأنه قد دلّ على مواضع الخطأ في كتاب العرب وأزال القناع عن وجه الحقيقة في محاضرة فضيلة المرحوم الشيخ المراغي شيخ الأزهر . و استل الحقائق من غواشي الغفلة في تقرير اللجنة المصرية في تيسير القواعد العربية ،و أبان وجه الصواب في مقال الأستاذ خليل مردم فكان باحتكاك رأيه – أطال الله بقاه – مع رأي هؤلاء الجهابذة قد انتهينا إلى الحقيقية وركبنا جادة الصواب و الله هو الموفق للسداد .

جمعية ندوة الأدب

في النجف الاشرف

25 ربيع الثاني سنة 1367

كلمة الجمعية

سجل المؤلف هذه الملاحظات يوم كان بالقطر الشقيق لبنان على كتاب العرب لمؤلفه الدكتور فيليب حتى أستاذ آداب اللغات السامية ورئيس دائرة العلوم الشرقية بجامعة برنستون في ارميكا وقد جاءت هذه الملاحظات فتنة في بداعة الأسلوب ودقة النظر رغم ما كان فيه من غربة الوطن وعدم تيسر الكتب ومحنته بمرض أبيه R .   

نظرات وتأملات ( [1])

في كتاب العرب للدكتور فيليب متى

بينما أنا اقرأ سفر جمال الطبيعة في لبنان و استجلي أسرار دقائقها لأروّح النفس بمناظرها الخلابة و أذهب بها من المتاعب العقلية و انطلق بها من أصفاد المادة و أغلالها يدخل عليَّ أستاذ عراقي كبير ( [2]) يناولني بيد الإهداء كتاب ( العرب ) ويطالع بي بنظرات يتطلب فيها أن انظر في الكتاب نظرة تأمل وتدقيق وما لمست يدي هذا الكتاب بعنوانه البديع حتى قبضته قبضة ضنين لأمتع نفسي برياض معانيه و اسبح في بحر تأملاته و أفكاره ، وما مناظر لبنان ذات الجمال الفتان الذي يسبي العقول ويخلب الألباب بألذ لبصري من النظر في كتاب يبحث في هذا الموضوع ، وما وعي نغمات إسحاق ولا ترجيعة معبدٍ بأشهى لسمعي من رواية تروى لي في هذا الباب . ولم يكن البحث هو البكر في بابه فلقد قام جمع من مهرة العلماء المتبحرين وفحصوا ومحصوا درس نظرياته ودفعها وشحذوا القرائح في نقدها وردها وكم صادفوا عناءً في أخذها من منابعها ومصادرها وقد كانت أجنبية عن بعضهم بجميع جهاتها ونواحيها في لغتها و أدلتها ومنهج التفكير فيها و أنا أستطيع أن أحصي العشرات من المؤلفات بلغات عديدة إلا أنها لم يوجد فيها الثراء الطائل العلمي و المادة الغزيرة من المعارف .

وكم كانت أمواج الأمل تتدفق فيّ للبحث عن هذا الموضوع ولكن الحوادث الزمنية التي لا زال الدهر يسددها نحوي أذهبت المعين إلى معدنه وحلق الطائر بها عن وكره وأطفئت تلك الشعلة المتأججة فباءت النفس رمة هامدة وحالة راكدة .

وقد أدركت إذ ذاك أن سرّ الغموض في هذا الموضع ومصدر تضارب الأفكار فيه بل وفي كل أمر ليس من مشاهدات النواظر ولا من مدركات المشاعر هو أنا نحاول معرفة الحقيقة و القناعة العلمية عن طريق الظروف و الأحوال التي مرت بنا بإعمال القياس و المقارنة بينها وبين ما سبق عليها ولن نقنع بالمنقول منها مهما اتصف الناقل بالثقة و التتبع وطالما كانت هذه المحاولة للاستنتاج العقلي من هذا الطريق سيراً للوراء ومعاكسة للحقيقية الواقعية وبه نبعد عن الغاية للغاية كما ان الجمود على النقل كما فعله بعض أرباب السير وقوع في مهامه الجهل و انحراف عن المنهج المستقيم .

وهناك سرُّ آخر ألا وهو العقيدة الارتكازية الموروثة من الآباء و الأمهات أو التي ولدتها البيئة الاجتماعية فإنها قد تحوّر الآراء و الأفكار فيفسر صاحبها الحوادث التاريخية على حسب مقتضاها وربما أوجب ذلك تساهله في بعض المقدمات الاستنتاجية لمعرفة الواقع وبذلك يتوارى وجه الحقيقة عنه وتصبح بين طيات الخفاء و الكتمان .

 

و الماهر من العلماء في هذا المضمار هو من استطاع التوفيق بين النقل الموثوق و الاستنتاج العقلي ذي المقدمات الرصينة المحكمة مع التخلص من قيود العقيدة الارتكازية على أن يكون له النقل زيت سراج ولولب جهاز .

وقد افسد التاريخ في العصور الحاضرة وكلف الباعث عناية الجدل هو العناد الذي استحوذ على بعض قراء هذه الدراسة التاريخية ممن احتاشوا معارفهم على غير أسلوب علمي وتحمسوا لآراء نسبوها لأعلام أعجمية ضخموا ألقابها فبهت بها العرب بادئ بدء ورجف منها التاريخ ريثما يظهر الحق ويزهق الباطل بعد أن درستْ تلك الآراء على ضوء الاستقراء و العقل و أخذت من معادنها وجد إن أربابها قد ذكروها على سبيل الاحتمال و التخمين من قبيل ان الأمر ما لم تشك فيه فلا تكون على يقين منه فانعكست شكوك هؤلاء و استحالت تردداتهم إلى أذهان هذه العصبة إلى التكلم بها على سبيل الجزم و اليقين غير مكترثين ولا مبالين بزعزعة أركان ما احتفظت به أدمغة المحدثين و أرباب السير قروناً متطاولة فسمموا أفكار الطبقة الوارثة لتلك الآراء المحكمة الرصينة وارتاحت ضمائرهم لتفكيك عرى أدب تمشى قروناً متطاولة مع الزمن.

وربما يتخيل القارئ الكريم من سرد ما تقدم من العوامل الموجبة لتضيع الحقائق التاريخية انها موجودة في كتاب العرب و إن كان قد يلمس بعضها من بعض كما سننبه عليه فيما بعد ولكنها شقشقة هدرت وشعلة في النفس قد أضرمت أججها ناموس تتابع الأفكار و أثارتها الذكريات الماضية فلنعد إلى ما هو المهم في المقام فنقول :

إن الكتاب وإن كان بلغة سهلة التناول فيها طلاوة وطراوة ولكن لم يبلغ حدّ الإبداع في التعبير كما نشاهده في كتاب هذا اليوم : اجل هو كتاب علمي لا يخلو من تأملات دقيقة ونظرات بعيدة وتحاليل فلسفية مشبعة بسعة الاطلاع وكثرة التتبع إلا أنه استوقف نظري فيه أمور .

إيمان البدوي

منها قوله : ص16 ( و أما الشعور الديني في قلب البدوي فسطحي ولم يفت القرآن التصريح بذلك فقد جاء فيه قوله الأعراب اشد كفراً ونفاقا من سورة التوبة ولا يزال الأمر كذلك إلى يومنا هذا فليس يتعدى إيمان البدوي بالنبي الاعتراف اللفظي ).

لا اعلم من أين اخذ المؤلف الكر يم هذا الحكم مع إن لأهل البادية مواقف مشهورة سجلها التاريخ مع قادة المسلمين ورجال الدين قد ارتكزت على قناعتهم الدينية و إيمانهم الراسخ فهذا حنظلة الاسدي لما أسره الفرس مع ولده الحارث في حرب القادسية طلب منه القائد أن يشرح له مواطن الضعف في الجيش العربي ومناه بالعطاء الجزيل فقال له اقتل ولدي أمامي حتى يخلو لي الجو فأستطيع أن أبوح بالسر فلما قتل ولده قال له القائد نفذنا أمرك فخبرنا الخبر فأجابه حنظلة : ثكلتك الثواكل تريد أن اكون جاسوساً على أهل ملتي لقد ضحيت في سبيل الله فلذة كبدي ومن قبل قدمت أخويه ضحية في سبيل الله و أني خشيت أن تغري ولدي الصغير فتغويه ويبوح لك ببعض السرّ بعدي أما وقد قتل فليس هناك ما أخشاه فهاك نفسي ضحية للواجب الديني.

فهذا الحادث وما ناظره قد ملئت منه كتب التاريخ إلى حواشيها وقد شحنت منه سجلات السير إلى حوافيها وهو ييعطيك صورة جلية عما هو في طيات جنان البدوي من العقيدة وما هو مغروس في صميم نفسه من الإيمان .

ولو صرفنا النظر عن التاريخ و استعرضنا ما نشاهده ونلامسه من بدات العراق و الحجاز ونجد بل و الشام في أيامنا هذه وجدنا هذا الشعب الحار من أقوى الشعوب تصلباً لمبدئه و اشدها تمسكاً بدينه : قد غارت عقيدتهم في أعماق قلوبهم و التاطت في دخائلهم يتاجر لها بدمه ويضحي لها بحياته بعزم قدّ من حديد وثبات أقوى من الصخر الأصم .                                    

وهذه المدنية الغربية التي انجرف بها الشرق و أخذها بما فيها من مساوئ ورذائل و أصبحت أصلاً تستباح به كل عصمة أدبية و أساساً يعتمد عليه في كل دعارة ورذيلة لم تؤثر على وضع البدوي ولا شكله ولم يكن لها أي شأن في تفكيره الديني رغم ما اصبح من ارتباطه بها و احتياجه إليها في اكثر شؤونه الحيوية .

 

ومن الغريب جداً أن يتهم البدوي بلين العقيدة و الإيمان اللفظي مع أن شعوره الديني شعور أملته عليه الفطرة ودفعته إليه الركيزة بلا درس ولا محاكمة عقلية فإن مناخ البدوي وطبيعة عيشه ومناظر الطبيعة في الفيافي و القفار تمكن العقيدة من نفسه، وهكذا تقلبات الأجواء وحصول الثراء وزكاة الأموال ونموها كلها تحصل عند البدوي بالصدفة و الاتفاق دون أن يكون له فيها سعي أو عمل وهذا ما يزيد في وعيه الإلهي وشعوره الديني بأن للكون مدبراً ومسيراً هو وراء العمل و السعي .

نعم لا ينكر أن بعض الأحكام الدينية لم يعها البدوي لا سيما ما يخص المرأة ولكي ليس معنى ذلك هو وجود الخلل في عقيدته .

و أما الآية الكريمة التي اتخذها المؤلف شاهداً لدعواه فالمراد منها إن إحداث العقيدة في نفس البدوي أو تبديلها بعقيدة أخرى من الأمور الصعبة وذلك لما قدّمناه من تمركز العقيدة الأولية فيه لا إن العقيدة بعدمها يعيها لا تكون راسخة فيه فالإسلام إنما كان يقاسي صعوبة في تفهيم العقيدة الإسلامية للبدوي لا انه بعدما وعاها تكون لفظية ولقلقة لسانية .

ثم إن ما ذكره المصنف هنا يجده المتأمل مناقضاً لما سيجيء منه ص23 قوله (ومما لا شك أن ازدهار الدولة الإسلامية في أوائل عهدها يرجع بعض أسبابه إلى تلك القوى الكامنة في البدو الذين هم كما قال عمر بن الخطاب اصل العرب ومادة الإسلام) وليت شعري كيف يحي الإسلام القوى الكامنة في نفوس غير مقتنعة وكيف تكون مادة الإسلام في مبدأ ظهوره ممن يكتمون خلافه وينافقون فيه .

السلطة في البدو

قوله ص20 ( ويخضعون البدو لسلطة الشيخ وحده وهو اكبر رجال العشيرة سناً) أهم عامل في الزعامة البدوية هو الوارثة وليس للكبر أي دخل فيها فقد يتزعم الأسرة ولد الرئيس وهو اصغرهم سناً ويشهد لذلك كتب التاريخ التي تاولت هذا الموضوع ككتاب القبائل العراقية .

ومن نظر إلى رؤساء القبائل البدوية في العصر الحاضر كشمر ، وآل الضفير  وعنزة وجد إنهم ناولا هذه المكانة بالوراثة مع وجود الكبر في السن بل و العقل في غيرهم من أبناء أسرتهم.

نعم قد تحدث مؤهلات لغير سلالة الرئيس فتصبح له الزعامة ولم يكن لكبره في السن أي مساس فيما ناله من المنزلة .

جزاء الدم في عرف الصحراء

قوله ص210 ( فالدم في عرف الصحراء لا يعوض عنه إلا بالدم ولا جزاء لمهرقه غير القتل ) قد يعوض الدم بأداء الدية ولا زالت حتى الآن موجودة بينهم ، و الودي لكل قبيلة مقدار مقرر نعم بعض القبائل تقرر أن لا عوض لخصوص زعمائهم إلا الدم ، وقد يسقط كرامة لجماعة ترسلهم قبيلة القاتل لأولياء المقتول في إسقاط الدم عن القاتل وتسمى هذه الجماعة في عرفهم بــ ( المشية ) .

          النظام القبلي في الإسلام

قوله ص21 ( وقد استغل الإسلام هذا النظام القبلي في الفتوحات المتعددة ) الذي يفهم من هذا التعبير ان الإسلام قد شرع هذا النظام وجعله من أحكامه وقوانينه ، مع إن الإسلام حاربه اشد المحاربة فقد صدع الوحي الإلهي في القرآن الكريم بأخوة المؤمنين بقوله تعالى :" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" و أكد ذلك النبي   صلى الله عليه وآله وسلم  بقوله : ( الناس سواسية كأسنان المشط ) ثم ان المؤلف ناقض حكمه هنا بما قاله ص41 وهكذا قضى الإسلام دفعة واحدة على رابطة العصبية القوية في الجزيرة و استعاض عنها برابطة جديدة وهي رابطة الإيمان ، و أيضاً ناقض ما ذكره في ص54 بقوله : و الحق إن الإسلام قد وفق اكثر من أديان العالم جميعاً إلى القضاء على فوارق الجنس و اللون و القومية وخاصة بين أبنائه .

 

حرية المرأة البدوية

ومنها قوله ص22( و أما المرأة البدوية سواءً كانت إسلامية أم جاهلية فقد كان لها نصيب وافر من الحرية تحسدها عليها أختها المتحضرة )   .

ليس للمرأة البدوية أي حرية بل هي طوع رغبات ولي البيت حتى في أهم شؤونها الحيوية وهو الزواج ، وليس الوأد في الجاهلية إلا هو شأن من شؤون الضغط على المرأة ، و الديانة الإسلامية مع احترامها للمرأة و إعطائها الحرية الصالحة لها فالمسلمون من البدو لم يرضخوا لقوانينها التي تخص المرأة رغم ما عرفته من شدة تمسك البدو بها وما ذاك إلا لشدة محافظتهم على الأنساب وكثرة احتياطهم في الأعراض وفي المثل عندهم ( النار ولا العار ) .

الحرب عند العرب قبل الإسلام

ومنها قوله ص46( ولم يكن العرب قبل الإسلام أهل حرب وشدة ) .

كان على المؤلف أن يعين الزمن الذي لم يكن العرب فيه كذلك و إلا فقبل الإسلام كانت الحرب بينهم قائمة على قدم وساق تضرمها البقلة الخضراء وتثيريها البقرة الصفراء وقد افتخر شاعرهم بقوله وما مات منا سيد حتف انفه . وندب آخر نفسه بقوله :

أصبحت لا احمل السلاح ولا
 

 

أملك رأس البعير إن نفرا
 

 

 و أعاب ثالث على غيره حيث قال : يقطرن ولم يقل يجرين في قوله :

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
 

 

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
 

 

 

وما كان مصدراً للروعة و الجلال في شعرهم الحماسي إلا شدة بأسهم وكثرة حروبهم .

الإسلام دين الاستسلام

ومنها قوله ص27 ( الإسلام دين الاستسلام لمشيئة الله و إرادته ) .

إن مؤدى هذه العبارة ومفهوم كلمة الاستسلام هو أن الإسلام يقضي بأنظمته على معتنقه أن يبقى مكتوف اليد أمام شؤونه الحيوية ولا يقدم رجلا ولا يؤخر أخرى تجاه الحوادث الزمنية فلا يدبر لعمله أمراً ولا يعمل لتدبيره فكراً بل يجعل ذلك كله رهن قوى غريبة غير مشاهدة ، لها التصرف المطلق بالأعمال و السلطة التامة على الأفعال و الإسلام بريء من ذلك براءة الذئب من دم يوسف فقد حرض الإنسان على السعي فقال : أنْ ليس للإنسان إلا ما سعى و أمر بالعمل فقال اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ،ولو أبدل المؤلف أو الكاتب كلمة الاستسلام بكلمة الاعتماد على الله لكان الإسلام ألصق للواقع و اقرب ، فإن الاعتماد على القوى الغيبية في الأعمال ليس إلا عبارة عن الاعتماد على النفس وعدم الاتكال على من سواها من البشر وهو من اعظم طرق النجاح في الحياة و أوصلها للمقاصد و الغايات وقد نشرنا في هذا الموضوع عدة مقالات .

معنى الجاهلية

ومنها قوله ص28( فالجاهلية إذن هي العصر الذي لم يكن فيه نبي أو كتاب منزل ) .

لا وجه لهذا التعبير فإنه لم يكن العصر الذي قبل الإسلام خال من هذين الأمرين فإن الإنجيل كان موجوداً في ذلك الوقت عند نصارى نجران وغيرهم و الذي يقوى في نظري أن التسمية بالجاهلية مقصورة على خصوص العصور العربية المقاربة للإسلام وهي تسمية نسبية باعتبار أن العصور الإسلامية كان مستوى المعرفة فيها أرقى منها في تلك العصور أو باعتبار جهلها بما لا بد من معرفته من الأحكام الشرعية و المعارف الإلهية .

تاريخ النبي   صلى الله عليه وآله وسلم  أيام حداثته

قوله ص33( وعلى الرغم من أن محمداً كان من أولئك الذين ظهروا في العصور المؤرخة لنا فإننا لا نعرف إلا اليسير عن حداثته ).

يحاول المؤلف أن ينتقد التاريخ في إهماله لهذه الناحية وفي عقيدتي أنه لم يترجم التاريخ شخصية عالمية في ذلك العصر مثل النبي محمد   صلى الله عليه وآله وسلم  فقد ملئت المكاتب العربية إلى حواشيها من كتب السير للنبي الكريم المتكفلة لشرح أحواله   صلى الله عليه وآله وسلم  من يوم ولادته ليوم مماته ، وفي كتاب [ كشف الظنون ]  وكتاب [ الذريعة لتآليف الشيعة ] تعداد أكثرها . 

 

الشخصيات الإسلامية في مبدأ الإسلام

ومنها قوله ص34( ولما اخذ عدد المؤمنين يزداد تدريجياً وجلهم من العبيد و المستضعفين خاف القرشيون من اتساع نفوذه ) .

لقد كانت الرجال الداخلة في الإسلام بادئ بدء من أهل المعرفة و المكانة . كعلي عليه السلام  و أبي طالب L و أب بكر و أبي ذر الغفاري . وغيرهم نعم لا ينكر انه كان فيهم من العبيد و المستضعفين ولكن نسبة الشخصيات المسلمة فيهم كنسبة شخصيات أهل مكة لمستضعفيهم وربما تكون الأولى أوسع ثم إن إقحام جملة (وجلهم من العبيد و المستضعفين) لم يكن لها أي مناسبة بالموضوع و الحكم لا يقتضيها الاستطراد بل ربما يفهم منها إن الإسلام لم ترتكز نهضته في مبدأ أمره على العرب وحدهم بل كان لغير الدم العربي فيه شطر وافر .

مصدر اعتناق القبائل العربية للإسلام

قوله ص39( ولقد اعتنق كثير من هذه القبائل الإسلام عن مصلحة شخصية اكثر مما اعتنقه عن اقتناع روحي ).

ارغب أن اسرد للقارئ الكريم عدة أقوال لمعتنقي الإسلام ليعرف صحة هذا الحكم من المؤلف أو كذبه : قال عبد الله بن رواحة عندما قابلتهم جحافل الروم : أيُّها الناسُ ما كنا نقاتل دون هذا الدين بعدد ولا عدة ولا سلاح ولا قوة و إنما نقاتل دون هذا الدين الذي أكرمنا الله به لإحدى الحسنين أما فوز وشهادة و أما نصر من الله . وقال عاصم بن ثابت ابن أبي أفلح الأنصاري لما حار به هذيل قال : ان قتلت فإلى الله وإن فررت فعن الله . وقال حبيب بن عدي الأوسي البدري :

ولست أبالي حين أُقتلُ مسلماً
 

 

على أي جنب كان في الله مصرعي

 

 

إلى غير ذلك من أقوال رجالات العرب مما يدل على إسلامهم عن اقتناع روحي و إيمان قلبي ، ومع الأسف انه لم يحضرني أي كتاب تاريخي عند تسجيلي لهذه الملاحظات على كتاب ( العرب ) فأنا في منطقة بجنس المنطقة المغضوب عليها من سائر البلدان العربية فلا يقصدها إلا المريض أو الممرض أو الطبيب أو المتطبب وقد تمر عليَّ الأيام و الأسابيع ولا أرى أحداً من أهل المعرفة ولا ألمس كتاباً في هذه المنطقة .

الدين الإسلامي و اليهودية

قوله ص45( و الدين الإسلامي اقرب إلى اليهودية القائمة على العهد القديم منه إلى النصرانية و العهد الجديد ) .

عل ما ببالي أنه سبق المؤلف إلى هذا الزعم تلستوي فزعم إن الإسلام فرع اليهودية مع إن الإسلام حارب اليهودية اكثر من النصرانية ولا يزال يختلف معها في معظم الأحكام ولا يسعني في هذه العجالة أن اعمل القياس و المقارنة بين أحكام الملتين ، ثم إن هذا الحكم من المؤلف يناقض ما سيجيْء منه ص60 من قوله : فالإسلام كدين يختلف عن اليهودية و البوذية القديمة ويتفق مع النصرانية في كونه ديناً تبشيرياً فعالاً .

أسماء الله وصفاته وسبحة المسلم

قوله ص48( ولله الأسماء الحسنى تسعة وتسعون اسماً وله مثل هذا العدد من الصفات ولعل هذا هو السب في أن سبحة المسلم تتألف من تسعة وتسعين خرزة) .

تحديد التسمية بهذا العدد مبني على القول بان أسماء الله توقيفية وقد ناقش في ذلك جماعة من المسلمين وليس الصفات التي حدها بهذا الحد هي وراء مؤدى الأسماء ، ثم إن سبحة المسلم تبلغ مائة خرزة وليس تأليفها من هذا المقدار إلا ان الذكر المستحب من التسبيح و التكبير و التهليل وغيرها غالباً بهذا المقدار .

 وجه تسمية الإسلام بالإسلام

قوله ص48 ( وربما كانت كلمة أسلم : سورة الصافات التي جاءت في قصة إبراهيم لما حاول أن يقدم ابنه قرباناً هي الأصل في تسمية هذا الدين بالإسلام ).

 السبب في تسمية الإسلام بالإسلام هو أن معنى الإسلام هو الانقياد : و الدين المحمدي لما كان هو آخر الأديان و الناسخ لما قبله من الشرائع فهو اظهر مصاديق الإسلام لله و اصدق طرق الانقياد إليه و أما الآية الكريمة وهي قوله تعالى :" فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ" فهي إنما تدل على خضوع إبراهيم وولده لأمر الله بالذبح و أي علاقة لذلك في التسمية المذكورة حتى تجعل أصلاً لها .

 

معاجز النبي الخالدة وغير الخالدة

قوله ص48 ( و العجيبة الوحيدة التي جاءت عن يده كانت إعجاز القرآن ).  

معاجزه   صلى الله عليه وآله وسلم  لا تحصى من انشقاق القمر وتسليم الغزلان وجريان الماء بين أصابعه و إخباره بالمغيبات إلى غير ذلك من المعاجز الباهرة و الآيات البينة . نعم القرآن هو المعجزة الخالدة على ممر الدهور وهناك معجزة أخرى لمحمد   صلى الله عليه وآله وسلم  تشارك القرآن في الخلود و الدوام وهي الأحكام الشرعية التي أطلعتنا على المصالح و المفاسد قبل أن نظفر بها عن طريق العقول و أرشدتنا إلى شؤون الحياة و أسرارها قبل أن نتوصل إليها بالتأملات وهذه الأحكام لا يطلع عليها إلا من اتصل بالملأ الأعلى أو هبط عليه الروح الأمين .

معنى العبادة

قوله ص50 ( و أما العبادات في الإسلام فتقوم على خمسة أركان أولها الشهادة وتتلخص في العبارة المؤثرة الفعالة : لا اله إلا الله محمد رسول الله ) .

ليس العبادات إلا الأعمال التي يأتى بها بقصد إطاعة المولى و امتثالاً لأمره أو نهيه هذا معناه بحسب اللغة وفي مصطلح الفقهاء هي الأعمال التي لا يصح شرعاً وقوعها إلا بقصد أمر الله و نهيه و بأي معنى أراد المؤلف العبادة لا يحسن عدّ الشهادة المذكورة منها لأن الشهادة ليس إلا الاعتراف بالعقيدة على غرار الاعتراف بالمعاد و الملائكة و القرآن المجيد . هذا مع انه كان على المؤلف أن يعد الخمس منها فانه من أهم العبادات الإسلامية و أكثرها تعلقاً بأموال المسلمين .

مقدار ترديد الصلاة والفاتحة و الركعات يومياً عند الإسلام

قوله ص50 ( و الفاتحة على بساطتها بليغة المعاني ويشبهها بعضهم بالصلاة الربانية عند النصارى و المسلم يرددها نحو عشرين مرة في اليوم ).

إنْ عنى المؤلف بالترديد هو ترديد الفاتحة فهي إنما تردد عندهم في اليوم عشر مرات لأن الصلاة اليومية الواجبة عن المسلمين خمس فرائض وفي كل واحدة منها تردد الفاتحة مرتين وإنْ أريد ترديد الصلاة فهي إنما تردد عندهم خمس مرات وإنْ أراد ترديد ركعات الصلاة فهي إنما تردد عندهم في الحضر سبعة عشر مرة و في السفر إحدى عشرة مرة .

صلاة الجمعة

قوله ص51( وصلاة الظهر من كل يوم جمعة هي الصلاة العمومية ) .

ليس هذه الصلاة التي ذكرها هي صلاة الظهر و إنما هي صلاة الجمعة ومناسكها غير مناسك صلاة الظهر وليست بواجبة الأداء عيناً عند سائر المسلمين بل يختص بأهل الخلاف وبعض فرق الشيعة المسمى اليوم بالاخباريين .

موت الحجاج في طريق مكة المكرمة

قوله ص53 (وكثير من الحجاج يموتون على قارعة الطريق فيعدون شهداء ).

لعل هذه الكلمة فيها تلويح إلى نقص خاص في تشريع الحج ولكن لو علم المؤلف ان الحج لا يحتمه الشرع الإسلامي إلا على المستطيع له بالمال والنفس معاً وانه يحرّم على الإنسان ان يلقي بنفسه إلى التهلكة لقوله تعالى : " وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" ، علم ان موت هؤلاء لو صحّ النقل ان كان عن علم منهم بل عن احتمال عقلائي كان عملهم محرّم لا يرضاه الشرع الإسلامي ولم يكن لهم أي حظ من الشهادة .

الجهاد في الإسلام

قوله ص 54 ( وهناك فرض آخر تعتبره الخوارج وهي إحدى الفرق الإسلامية ركناً سادساً وهو الجهاد ) 

الجهاد فرض عند سائر المسلمين كيف لا وقد نص عليه القرآن الكريم في مواضع عديدة نعم يشترط في وجوبه شروطاً قد تكون مفقودة في بعض العصور .

 

مناقضة المؤلف لنفسه

قوله ص 57 ( فقد كان العرب عنصراً غضاً ملتهبا بالحماسة ومتشربا روح الفتح والانتصار ومستخفا بالموت بدافع ايمانه الجديد )

ان المتأمل يجد هذا الكلام مناقظا لما سبق من المؤلف ص 39 سطر 14 من ان اعتناق اغلب القبائل الإسلامية كان عن عدم اقتناع روحي : إذ ان الاستخفاف بالموت بدافع الإيمان لا يعقل إلا ان يكون عن عقيدة راسخة في النفس وداخلة في اعماقها وهكذا يناقض ما يجيء منه ص 59 من قوله فكثرة الجيوش العربية كانت تتألف من البدو الذين خرجوا من ديارهم المجدبة إلى الأمصار الخصبة في الشمال بدافع الحاجة الاقتصادية لا بدافع الغيرة على الدين .

الفتوحات الإسلامية نتيجة لخطة مرسومة

قوله ص 59 " فالفتوحات الإسلامية اذاً لم تكن في بدء عهدها نتيجة لخطة مرسومة " لقد رسمها النبي الكريم وكانت نتيجة لتدابير عسكرية ذات اثر في نجاحها في ميدان الحرب وفوزها المبين في نضالها السياسي فقد قام النبي الكريم قبل شروعه بالفتح بمعاهدات أربعة عقد الأولى منها مع الأوس والخزرج والثانية مع اليهود النازلين في المدينة وأطرافها والثالثة مع بني حمزة والرابعة مع بني مدلج ارتكزت كلها على مبدأ التعاون والدفاع عن المدينة وحماية بعضهم بعضا وبذلك تم للنبي   صلى الله عليه وآله وسلم  أن يوجد كتلة قوية الجانب ذات وحدة اجتماعية وسياسية ارهب بها العدو وظفر من طريقها بغايته المنشودة ثم بعد ذلك قام بأعمال إرهابية أخاف بها الأعداء واثبت لهم بها ما للمسلمين من قوة : من السرايا والغزوات التي نهض بها   صلى الله عليه وآله وسلم  قبل غزوة بدر الكبرى ففي جميعها لم يشتبك المسلمون بالعدو ولكن عرفوا منها ما للمسلمين من العدة والعدد ومن القوة والبأس ثم أخذ   صلى الله عليه وآله وسلم  يدرس حالة قريش عن كثب حتى انه أقام في موضع العشيرة متغيباً عن المدينة شهراً كاملاً لدرس الحال هناك حيث أنه اقرب موضع من مكة وسيّر عبد الله بن جحش الاسدي لنخله لرصد قريشاً ومعرفة أخبارها وبعد هذا كله نهض   صلى الله عليه وآله وسلم  بأعباء الحرب ومطاردة الأعداء وكان أولها بدر الكبرى ، فالفتوحات الإسلامية مستندة لتلك الأعمال الجبارة و الخطط العسكرية المحكمة لا أنها وليدة الصدفة و الاتفاق وما كانت خطط دول اليوم لحرب الجو والبر و البحر بأكثر دقة من تلك إذا قيست لزمنها ومحيطها .

غاية الفتوحات الإسلامية

قوله ص60 )غايتها(أي الفتوحات الإسلامية)الأولى الغنيمة لا الفتح الدائم  والاستعمار (.

لقد تكررت هذه الكلمة من المؤلف في عدة مواضع ولا أعلم المصدر الذي استند إليه.وغاية كل نهضة بل كل عمل إنما تعرف بأحد أمرين أما بالتصريح بها من باعث الحركة و المضطلع بأعباء العمل والنبي الكريم   صلى الله عليه وآله وسلم  قد صدح في عدة مواضع بقوله:إسلامكم أحب إلي من مالكم:وقادة الإسلام قد رددوا كلمة(اسلموا تسلموا)و أما بالآثار الكاشفة عنها و إذا تصفحنا بطون التاريخ وزواياه وجدنا الآثار دالة على أن الغاية المنشودة هي نشر الدعوة الإسلامية و الاعتراف بمبادئها فالأرض التي يسلم عليها أهلها طوعا تكون ملكا لا ربابها ولا ضريبة عليها ولا على أهلها والذي يسلم حال الحرب يحقن ماله ودمه،ولم يقبلوا الفداء من النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط مع زيادته عن المقدار المقرر لاستهزائهما بالدين الإسلامي وقد أعاد المسلمون الجزية لأهل حمص يوم جلائهم عنها من دون طلب لها منهم قائلين لهم ما معناه.

أنا أخذنا المال منكم للدفاع عنكم ولصياتكم وليس في استطاعتنا ان نؤدي هذا الواجب الذي أخذناه على عاتقنا فنحن نعيد مالكم إليكم فلو كانت غايتهم الغنيمة لما ارجعوا المال وهم في أمس الحاجة إليه وهكذا كان حديث عبادة بن الصلت مع قيرس عندما فاوضه بالصلح فانه طلب منه الجزية بدل حماية المسلمين الحصن والدفاع عنه وتوطيدهم الأمان الخارجي والداخلي فيه وعند عدم القيام بذلك يعاد المال لأرباب الحصن.

زمن واقعة اليرموك

قوله ص64(فجابههم خالد بنصف ذلك العدد في وادي اليرموك أحد روافد الأردن في 20آب سنة 636)الذي أثبته التاريخ أن معركة اليرموك كانت يوم12 رجب سنة13 هجرية وهو إنما يصادف11 سبتمبر سنة634 ميلادية.

 

علي ابن أبي طالب  عليه السلام  وعدم مداخلته في فتنة عثمان

وكلمة الريحاني و جبران فيه

قوله ص64(في شأن عثمان بن عفان)وحرض الناس على الفتنة ثلاثة من رجال قريش كان كل منهم يمنى نفسه بمنصب الخلافة وهم علي،وطلحة،والزبير)

لا أعرف أي حادث عرف المؤلف منه تحريض علي  عليه السلام  الناس على الفتك بعثمان.ألم ينه علي  عليه السلام  عثمان عدة مرات عما فيه إثارة الرأي العام وسخط الأقطار الإسلامية عليه؟ألم يصلح علي  عليه السلام  حال عثمان في أول الأمر مع وفد مصر حتى أرجعهم عنه؟ألم يوقف ولديه الحسن والحسين على باب دار عثمان لمنع هجوم الناس عليه حتى التجأ الثائرون إلى تسلق الدار ونزولهم من سطحها عليه؟

ثم كيف يذهب بالمؤلف الوهم إلى أن مثل علي  عليه السلام  يحرض الناس على الفتنة وهو قد أعتزل الأمر يوم خلافة أبي بكر وكان بوسعه أن يوقد نارها من ذلك الحين وهو ابن أبي طالب لا يفوته شيء إذا أراده و لا يعسر عليه أمر إذا طلبه ولله در ابن الفريكة(أمين الريحاني)حيث يقول في المدينة العظمى بعد ما ذكر الخلال الشريفة التي يلزم توفرها في أميرها قال وبين العرب من كان أعظم منه دخل ابن عباس على علي ابن أبي طالب خارج الكوفة وهو يقطب نعله:فقال له ما قيمة هذا النعل

فقال ابن العباس لا قيمة له فقال له(علي)لهي أحب لي من أمرتكم ألا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا:فالمدينة العظمى هي التي يكثر فيها مثل هؤلاء الرجال العظام الصالحين انتهى.

وما أجمل كلمة شاعر الطبيعة جبران خليل جبران حيث يقول في عقيدتي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هو أول عربي لازم الروح الكلية وجاورها وسامرها وهو أول عربي تناولت شفتاه صدى أغانيها فرددها على مسمع قوم لم يسمعوا قبلها من ذي قبل فتاهوا بين مناهج بلاغته و ظلمات ماضيه.فمن أعجب بها كان إعجابه موثوقا بالفطرة ومن خاصمه كان من أبناء الجاهلية مات علي بن أبي طالب شهيد عظمته مات والصلات بين شفتيه مات وفي قلبه الشوق إلى ربه ولم يعرف العرب حقيقة مقامه ومقداره مات شأن جميع الأنبياء الباهرين الذين يأتون إلى قوم ليس بقومهم ولكن لربك شأن في ذلك وهو أعلم.

ويا حبذا لو كان المؤلف عند كتابته لهذا الفصل راجع كتب المستشرقين ولا أقل من كتاب الأبطال لتماس كاريل لأعطى علياً حقه وأدرك منزلته وعظمته و لعرف انه الشخصية الفذة في الإسلام والعرب بعد محمد   صلى الله عليه وآله وسلم  .

الذي أصلى الثورة على عثمان

قوله ص74 (و بدأت الثورة في الكوفة أصلاها أنصار علي).

إنما أصلى الثورة على عثمان تسليمه بيت المال بيد مروان بن الحكم و إرجاعه الحكم طريد رسول الله و إيثاره بني أمية على غيرهم وتجاهر عامله الوليد بالكوفة بالمعاصي إلى غير ذلك من الأسباب التي دونها التاريخ.

عدد جيش علي  عليه السلام  ومعاوية

 قوله ص75 (علي على أهل العراق وهم خمسون ألف مقاتل ومعاوية على أهل الشام)الذي أظنه ان المؤرخين ذكروا ان عليا كان على تسعين ألف مقاتل ومعاوية على مائة وعشرين مقاتل.

عدد الخوارج

قوله ص76 (وكان عدد الخوارج أربعة آلاف)كان عددهم اثنى عشر ألفا ثم أرسل لهم علي  عليه السلام  عبد الله بن عباس فرجع منهم ثمانية آلاف.

موضع قتل الإمام  عليه السلام  

قوله ص76 (وكان أحد هؤلاء الخوارج هو الذي قتل عليا في أواخر كانون الثاني سنة 661 ميلادية وهو خارج من داره في الكوفة للصلاة)إنما قتله ابن ملجم المرادي في نفس مسجد الكوفة عند محرابه وهو متلبس بالصلاة ولا زال حتى اليوم هذا المكان معروف تؤمه المسلمون من أقطار الأرض.

 

الولاية و أسباب اتصاف الشخص بها

قوله ص 76(و بذلك أصبح للخليفة الرابع عند الشيعة أتباع مقام ولي الله وهو مقام رفيع لا يسمو عليه الا مقام نبي الله ورسوله).أشار باسم الإشارة إلى قتل علي  عليه السلام  وعلي عند شيعته هذا المقام يوم اعتنق الإسلام.

والولاية لله لها معنيان أحدهما الحب لله تعالى بإظهار الإخلاص والعبودية لله عز وجل وهذه إنما تحصل بالإطاعة الكاملة وعدم المعصية لا بالقتل غيلة وهي ليست كما وصفها المؤلف من انها لا يسمو عليها الا مرتبة النبوة فانها تعلو عليها منزلة الاجتهاد فالمجتهد الديني افضل من الولي بالمعنى المذكور وفي الحديث(علماء أمتي افضل من أنبياء بني إسرائيل أو كأنبياء بني إسرائيل).

و ثانيهما الخلافة وهي إنما تنال عند الشيعة بالنص الإلهي المبلّغ من قبل رسوله الصادق الأمين لا بالقتل ولا بغيره من الأعمال وهي مرتبة لا تسمو عليها الا مرتبة الرسالة والذي اعتقده ان المؤلف أراد بالولاية هو المعنى الأول لا الثاني كما يظهر للمتدبر في أطراف كلامه.

الخلافة وظيفة دينية

قوله ص76(وهنا يجب أن نحترس من خطأ وقع فيه الكثيرون وهو ان الخلافة وظيفة دينية).

يرى الكثيرون من مهرة علماء الإسلام.كالمفيد والمرتضى علم الهدى والصاحب ابن عباد والخواجة الطوسي وملا جلال الدواني في كتبه المتأخرة والمسعودي وغيرهم ان الخلافة وظيفة دينية أمرها بيد الله لا بيد الناس فهي والرسالة من حيث  الجعل على مستوى واحد و قد يكون الشخص نبيا وليس بخليفة كبعض أنبياء بني إسرائيل وقد يعكس الأمر:ويستدلون على ذلك بالقرآن المجيد وحكم العقل أما القرآن فلقوله تعالى في سورة البقرة: " إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" وقال تعالى في سورة البقرة أيضا مخاطبا لإبراهيم  عليه السلام :" إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ".و أما العقل فان منصب الخلافة يستدعي معرفة الأحكام الشرعية لسائر الوقائع من العبادات والمعاملات وتطبيقها على موارده وتنفيذها ولمحافظة عليها من التحوير والتبديل والضياع والنسيان و لا يمكن ان يضطلع بهذه المهمة الا من اتصل بالملأ الأعلى والقى السمع له وهو شهيد.

ولو سلمنا جدلا إمكان تحقق ذلك في النفوس البشرية الغير متصلة بالعالم الربوبي فلا يمكن معرفة الشخص المتصف بذلك على التحقيق الا من قبل النص الإلهي عليه والبلاغ الرباني فيه.

ثم ان السبب الحقيقي في إرسال الرسل هو تنظيم شؤون الخلق و تدبير أمورهم و بسط سلطان العدل فيهم وهذا السبب كما يستدعي جعل النبي من قبل الله كذلك يستعدي جعل الخليفة للنبي من قبل الله تعالى وقد فصلنا ذلك في كتابنا نهج الهدى المطبوع سنة 1354هـ.

قدم الفكرة بان الخليفة أشبه بالبابا

قوله ص77(و أم الفكرة لتي تداولها أبناء الغرب من ان الخليفة أشبه بالبابا ومن ان له سلطنة دينية على جميع المسلمين في العالم فلم تظهر حتى أواخر القرن الثامن عشر).

كان على المؤلف عند كتابته لهذا الفصل أن يراجع المؤلفات الإسلامية الكلامية والفلسفية,كالشافي والشفاء وكشف المراد.وشرح المواقف وشرح الإشارات وغيرها فانهم قد عقدوا فصلا خاصا بالخلافة وحرروا هذه الفكرة تحريرا وافيا ونسبوها لاعلام إسلامية.

ثم إن هذا الكلام من المؤلف يجده المتأمل مناقضاً لما سبق منه ص62 سطر7 عند ذكره لظهور الأحزاب المتباينة بعد وفاة النبي   صلى الله عليه وآله وسلم  من قوله ثم جاء أصحاب النص والتعين حجتهم ان الله ورسوله ما كانا ليتركا أمر المسلمين إلى رغائب المنتخبين وأهواءهم الخ..و لعل المؤلف عنى بهذا الكلام الظهور في الأوساط العلمية الغربية ولكن العبارة قاصرة عن أداء هذا المعنى.

مصدر جعل الحسن  عليه السلام  خليفة على المسلمين

قوله ص78(إعلان أهل العراق الحسن بن علي الخليفة الشرعي و لعملهم هذا أساس منطقي لأن الحسن كان أكبر أبناء علي وفاطمة ابنة النبي الوحيدة الباقية بعد وفاته).

 

لم يكن المحرض لجعلهم له خليفة الا نص أبيه عليه وقول رسول الله فيه وفي أخيه الحسين  عليه السلام  هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا وانهما سيدا شباب أهل الجنة.

الحسن بن علي  عليه السلام  

والأسباب الموجبة لتنازله لمعاوية

قوله ص78(ولكن الحسن الذي كان يميل إلى الترف والبذخ لا إلى الحكم والإدارة لم يكن رجل الموقف)يظهر أن الرجل لم يتفحص سيرة الحسن  عليه السلام  بكاملها وقد أثرت عليه دعاية معاوية ولو عرف ما تحت معنى الترف والبذخ لما نطق بهما في حق الحسن  عليه السلام  و لأبد لهما بالكرم وعلو النفس الذين انحدرا إليه من أبيه وورثهما من جده رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم  .

ولو درسنا أعمال الحسن  عليه السلام  لم نجد فيها ما يخالف المبدأ الإسلامي أو يشذ عن النهج المستقيم قيد شعرة.ولم يكن تنازل الحسن  عليه السلام  لمعاوية الذي أحسب انه هو الذي  دعا المؤلف لأن يصف الحسن  عليه السلام  بعدم كونه رجل الموقف إلا لأمرين.

أحدهما أن والده لم يترك له صفراء ولا بيضاء في وقت قد طغت المادة فيه على الروح و اصبح قيمة كل رجل ما يملك و أخذ معاوية ينفق الأموال و يدس الهدايا ويستميل الناس بشتى الطرق بغية الظفر بضالته المنشودة وهي الخلافة العامة.

وثانيهما أن جيش الحسن  عليه السلام  مع قلته بالنسبة لجيش معاوية في أيام أبيه قد توالت عليه الحروب من البصرة إلى صفين إلى النهروان فأرهقته منازلة الأبطال و أضعفته  مقارعة الرجال فسئم الحرب وملها ولم يطق ممارستها وما يصنع الحكيم المتبصر والمدبر الماهر إذا لم تساعده الظروف ولم تسايره التقادير و ما صلب المسيح  عليه السلام  أو رفعه إلى السماء وعدم نجاحه في مبدأ دعوته يوجب عدم كونه رجل الموقف فان للظروف أحكاماً وللأعمال أوقاتاً و يشهد لمكانة الحسن  عليه السلام  وعلو شرفه ما ذكره الطبري من انه لما قبضه الله إليه انقلبت المدينة بأهلها لتشييع جنازته وبقيت تعلن مصابه سبعة أيام وقد ابّنه أخوه محمد ابن الحنفية بقوله يا بقية المؤمنين وابن أول المسلمين و كيف لا تكون كذلك وانت سبيل الهدى وحليف التقى غذتك يد الرحمة وربيت في حجر الإسلام ورضعت من ثدي الإيمان فطبت حياً وميتا غير أن الأنفس غير طيبة بفراقك و لا شاكة في الحياة لك:و كان يبسط له على باب داره فلا يستطيع أحد المرور عليه ونزل عن راحلته في طريقه إلى مكة فما من أحد إلى نزل ومشى خلفه.

من هو قاتل الحسن  عليه السلام  ومن هو سيد الشهداء

قوله ص79(و أما الشيعة فتعزو مقتله إلى معاوية و تجعل الحسن شهيدا بل سيد الشهداء أجمعين )ليس الشيعة فقط بل جملة من علماء السنة يعزون مقتله لمعاوية.

ثم ان الحسن  عليه السلام  لم يكن سيد الشهداء عند الشيعة بل سيد الشهداء عندهم هو وأخوه الحسين  عليه السلام  صريع كربلاء فان الشهيد عند المسلمين عامة هو من قتل ظلما لا من مات مسموماً.

كتاب معاوية للحسن  عليه السلام  

 قوله ص 80(وهاك كتابا قيل انه بعث به إلى الحسن بن علي عند نزوله عن الخلافة له:أما بعد فانت أولى بهذا الأمر و أحق به لقرابتك ولو علمت أنك أضبط له وأحوط على حريم هذه الأمة واكيد لبايعتك فسل ما شئت)ذكر المؤلف هذا الكتاب كشاهد لما نسبه من الصفات العالية لمعاوية والكتاب لا يكاد أحد يحسب ثبوته بعدما سجله التاريخ من عدم رضوخ معاوية للعهد الذي أعطاه للحسن  عليه السلام  ولو سلمنا ثبوته فهو أدل دليل على كذب معاوية وسوء تصرفه فانه لو كان الأمر كما ذكره في الحسن عليه السلام  فلماذا لم يرضخ لعلي  عليه السلام  ابيه؟وهل كان يزيد أحوط على حريم اللامة وأضبط من الحسين  عليه السلام  حتى يعقد له الخلافة؟وما كانت هذه المخاتلة من معاوية بخفية على الأسرة الهاشمية و هذا ما جعلها تقف موقف الحذر من معاوية وذويه وتتربص بهم الدوائر و تنتظر بهم الفرص.

 

الموضع الذي التقى فيه جيش طارق مع جيش ذريق

قوله ص 86(ووصلت طارقا الإمداد فالتقى في 10 تموز عام 711 على رأس اثني عشر ألف رجل بجيش لذريق عند مصب وادي بكة نهر سلادر)يذهب المقري إلى ان الجميع يتفق على ان المعركة وقعت على شاطئ نهر وادي(لكه)في منطقة شيدوينا و أما ما ذكره المؤلف فهو منسوب لدوزي إلا انه يجعل تاريخ المعركة 19 تموز لا 10 تموز.

مصير ذريق

 قوله ص 86(و أما ما حدث للذريق فلا يزال سرا غامضاً ويكتفي مؤرخو الأسبان والعرب بالقول انه اختفى).قد سجل التاريخ انه غرق في مياه نهر الكوادليت.

ليس لليهود أي مساعدة لطارق في فتحه طليطلة

قوله ص86(واتجه طارق وسواد جيشه إلى عاصمة الأسبان طليطلة عن طريق استجه فاحتلها وقد ساعده على ذلك خيانة بعض أهلها من اليهود)لم يكن لليهود أدنى مساعدة في الفتح فان حامية طليطلة لما بلغهم توجه طارق نزح كبارهم إلى روما خوفا منه ووجد طارق العاصمة طليطلة خالية من رجالها نعم اليهود وعامة الشعب قد رحبوا به وعدوه منقذاً لهم من نير الظلم والجور.

عدد جيش موسى بن نصير

قوله ص 88(فأسرع موسى بن نصير في حزيران من عام 712 إلى الأندلس على رأس عشرة آلاف من العرب والسوريين العرب)الذي سجله التاريخ ثمانية ألف وكان فيهم سادات اليمن.

مصير موسى مع طارق

قوله ص 88(ويروى ان موسى هنا وبخ طارقا وضربه بالسياط وقيده بالسلاسل إلى أن قال فسار موسى إلى سرقسطة في الشمال فافتتحها و غزت جنوده مرتفعات أرغوان).المشهور عند المؤرخين ان موسى وطارق اصطلحا ووحدا قوتيهما ثم زحفا على أرغوان فاستسلمت لهما(سرقسطة).

جيش السمح

 قوله ص 92(ولكن محاولته في السنة التالية بسبيل اكتساح تولوز كرسي دوق اكوتانيا باءت بالفشل لما لاقاه المسلمون من صلابة عود المدافعين).

أراد محاولة السمح أمير المسلمين في الأندلس وقد كانت نسبة جيشه إلى جيش ايوديس أمير أكتانيا نسبة الواحد إلى العشرة وقد كسر المسلمون في هذه المعركة أغماد سيوفهم عازمين على الانتصار أو الموت تحت ظلال الأسنة وظل القتال ردحا من الزمن حتى سقط(السمح)أمير المسلمين فالصلابة كانت من المسلمين لا من المدافعين.

من هم الموالي

 ص98(الموالي أي المحدثين في الإسلام ممن قبلوا رسالة محمد طوعا أو كرها)ليس الموالي هم حديثو الإسلام فقط بل من اعتنق الإسلام من غير لغة الضاد.

من أي الأراضي يؤخذ الخراج

قوله ص 98(و لا شك ان مالكي الأراضي اجبروا على دفع الخراج طول معظم العهد الأموي).

لم يجبر الإسلام و لا المسلمين مالكي الأراضي على دفع الخراج مدة الحكم الإسلامي و إنما الخراج يؤخذ على الأراضي التي هي ملك الدولة الإسلامية كالأراضي التي فتحت عنوة مثل أراضي العراق و أما الأراضي التي هي ملك لأربابها كالأراضي التي اسلم عليها أهلها طوع مثل اليمن والمدينة فلا خراج عليها.

ثم لماذا حصر المؤلف لحكم بالعصر الأموي فان الحكم الإسلامي في جميع أوقات نفوذه و في جميع مناطق سلطته كان الخراج على أراضي الدولة موجوداً.

 

لم يكن كثرة الداخلين في الإسلام

سبباً لنقص دخل الدولة

وقوله ص98(ومما لا ريب فيه أيضا ان اكبر العوامل التي سببت التناقص في دخل الدولة كان عدد الداخلين في الإسلام لأن الجزية تسقط في الإسلام).

مما يفند هذه النظرية هو انا نجد أيام كثرة المسلمين أيام ثرائهم الطائل كعصر الرشيد ثم ان كثرة الإسلام بكثرة الداخلين فيه كانت مقارنة لتوسع فتوحاته الموجبة لثرائه الطائل بالغنيمة والجزية من البلاد المفتوحة والخراج على أراضيها.

الموالي والشيعة

قوله ص 98(و هذا يوضح السبب الذي حملهم على تأييد حركات الشيعة في العراق والخوارج في فارس و غير ذلك من الحوادث التي أثارت نزاعا مستديما في الإسلام).

أشار بأسم الإشارة إلى إدراك الموالي انهم في أحط المراتب الاجتماعية في البيئة الإسلامية ولو اطلع المؤلف على المبادئ الشيعية لم يشك ان الموالي لم يكن لهم أي علاقة أو تأييد لحركات الشيعة ان صح (ان نقول ان لهم حركات)ومن دخل منهم في المذهب الشيعي فإنما هو عن عقيدة راسخة وإيمان مستقر فان من مبادئ الشيعة ان الزعامة الإسلامية لا ينالها إلى العربي الهاشمي و لذا لا تجد في أئمتهم وخلفائهم الا من كان من نسل علي بن ابي طالب  عليه السلام  بخلاف الفرق الإسلامية الأخرى فان الخلافة عندهم تكون لغير العربي كالعثمانيين وهكذا في موارد التزاحم يقدم العربي عند الشيعة فإذا تزاحما امامي الجماعة في الصلاة قدم العربي في الصلاة وهذا المبدأ مما يمنع دخولهم في هذا المذهب ان كان دخولهم لغاية دنيوية حيث لا يجعل لهم مركزاً دينياً فيه و أما عمل أبي مسلم الخراساني فهو لم يكن له أي مساس بالشيعة بل بالعكس كان ضد مصلحة الشيعة فان بني العباس حاربوا العقيدة الشيعية اكثر من بني أمية أضعافا مضاعفة وقد شحنت صحائف التاريخ من حوادثهم الانتقامية مع زعماء هذه الطائفة حتى قال قائلهم.              

تا لله ما فعلت علوج أمية
 

 

معشار ما فعلت بني العباس
 

 

 وقال عبد الله بن رابية لما رأى قبر الحسين  عليه السلام  وقد حرثه المتوكل العباسي:

تا الله ان كانت أمية قد أتت
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله
أسفوا على ان لا يكونوا شايعوا
 

 

قتل ابن بنت نبيها مظلوما
هذا لعمرك قبره مهدوما
في قتله فتتبعوه رميما
 

 

 أول من أسس المدارس ونشر المعارف

قوله ص99(فليس عجيباً ان يكونوا ) الموالي ( أول من اقبل في البيئة الإسلامية على الدروس العلمية والفنون الجميلة).

لعل المؤلف نسي مواقف الامام علي بن أبي طالب  عليه السلام  العلمية وفاته الاطلاع على خطبه المملوءة بالحكمة والفلسفة و لم يدرس تاريخ العلوم الإسلامية فانه قد اثبت بان الامام جعفر بن محمد الصادق  عليه السلام  أول من أسس المدارس العلمية ولم يكن يحضر حلقته مؤسس المذاهب الأربعة فحسب بل كان يحضرها طلاب الفلسفة والمتفلسفون.كهشام وزرارة ويونس.ويعد الامام الحسن البصري مؤسس المدرسة العلمية في البصرة:وواصل بن عطاء واضع مذهب المعتزلة:وجابر بن حيان الكيمياوي المشهور من تلاميذه الذين نهلوا من معين مدرسته الفياضة وما أحسب ان الذي دعا المؤلف لأن يغزو الاولية للموالي الا ترجمتم لبعض الكتب ولدى التأمل يظهر أنهم لم يترجموا الا النزر القليل فان المترجمين أغلبهم لم يكونوا من الإسلام,كيوحنا بن ماسويه,وحنين بن إسحاق,وما ليس بمسلم فهو ليس من الموالي حسب اعتراف المؤلف قبل اسطر.

 

الإسلام والعبيد

قوله ص100(على ان الإسلام حسّن حالة العبيد بعض الشيء).

لا يسعني في هذه العجالة ان اسرد للمؤلف أحكام العبيد عند الإسلام ليعرف ان الإسلام حاول بأنظمته أن يزيل الرّق في الإسلام كما حاول أن يرفع مستوى المرأة بمبادئه وأن يحسن حالة البيت بقوانينه ولكن كل ذلك مراعا فيه الاستمرار على العمل بها على نحو تظفر المدنية الإسلامية بالنتيجة المطلوبة من دون أعمال الطفرة في البين ومن دون ان يكون هناك أدنى معاكسة لرغبات المسلمين وهذه من معاجز التشريع الإسلامي وأسراره الدقيقة.

 

واضع النحو الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام  

قوله ص102(ولقد زعم ابن خلكان ان الخليفة وضع للدؤلي هذا الأساس)

لم يزعم ابن خلكان فحسب بل كل من تعرض لتأريخ النحو أو ترجم الخليفة الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام :والذي استحضره فعلا من رجال التاريخ الذين عزوا هذا الأمر لعلي  عليه السلام  هو السيوطي.وياقوت الحموي.

الشعراء في عصر الفتوحات السابق

قوله ص103(و أما عصر الفتوحات السابق فقد كان مجدبا إذ لم يظهر فيه شاعر واحد في العرب وهم أمة الشعر).

لقد كان فيها من الشعراء ما كان شعره آية في الإبداع كحسان بن ثابت،و الاعثى،ولبيد بن أبي ربيعة،و العلاء بن الحضرمي،و النمر بن تولب،و النجاشي الحرثي و الشماخ بن ضرار وغيرهم ممن فات ذاكرتي أسماءهم.

سكينة وعمر بن أبي ربيعة

قوله ص104(وتودد إلى سكينة ابنة الحسين المشهورة بجمالها و أدبها)

على ما ببالي أن هذا الأمر لم يذكره إلا الأغاني وهو متهم في اكثر رواياته و أنكره  جملة من المؤرخين ولو كان الأمر كما ذكره المؤلف لردد ذكر سكينة عمر في شعره كما ردد ذكر نعمى وهند:وكان الحري بالمؤلف أن يذكر هذه الصفة لعائشة بنت طلحة فان عمر قد اكثر من ذكرها في عدة مواضع من شعره وبالغ في التغزل بها في جملة من قصائده.

الحشو الممل في الكتاب

قوله ص107(ما كان انهماك العرب)

هذا الكلام إلى ص109 لا علاقة له بالموضوع أصلا وهو نظير من يذكر تاريخ الإسلام عند البحث عن واسط و سامراء.

المصاهرة بالعنصر الآخر

والترف في الملوك ليس بدليل على انحطاط الأخلاق قوله ص107(و ما ذلك إلا دليل واضح على انحطاط الأخلاقي الذي كان متفشياً في المجتمع عامة).

ما أعرف كيف تصور المؤلف أن المصاهرة من العنصر الآخر تدل على انحطاط الأخلاق وقد صاهرت لبنان فرنسا واقترن كثير من رجال الأخلاق في الأمة العربية بعنصر آخر،ثم أن الترف في الملوك لا يستدعي انحطاط الأخلاق في المجتمع العام ولم يكن ملوك ذلك العصر لهم ترف مثل ترف الملوك للأمم الحية في هذا العصر.

فرق تسد

قوله ص107(ومما زاد في ضعف السلالة الأموية و انحلالها أتساع شقة الخلاف بين قبائل عرب الشمال و بين قبائل عرب الجنوب).

هذا مما يؤيد مركز الخلافة وقد استفادة الكثير من السلطات الزمنية من اختلاف رعاياها حتى لا تشكل وحدة اجتماعية ضد مركز الخلافة وليخطب كل فريق مودّة الخليفة ويؤدب كل واحد من الفريقين بالآخر و كأن المؤلف لغرض ما قد تغاضا عن الكلمة التي ارتكزت عليها السياسة الغربية في مستعمراتها و لا زال حتى الآن أثرها السيء بين أبناء لغة الضاد(فرق تسد)نعم ميل الخليفة لأحد الفريقين يوجب ضعفاً في مركز الخلافة كما صنعه الأميون.

 

الوصاية ليس مبدأ جديداً

قوله ص108(أوصى معاوية بالخلافة من بعده لابنه يزيد فادخل بعمله هذا مبدأ جديداً حكيما يرتكز على الوراثة)

لم يكن هذا المبدأ الا مرتكزا على الوصاية وهي ليست بمبدأ جديد في الخلافة الإسلامية فقد أوصى أبو بكر بالخلافة لعمر وأوصى عمر لأحد الستة وأوصى علي عليه السلام  لابنه الحسن  عليه السلام  ومنشأ ارتكاز هذا المبدأ في نفوس المسلمين هو العقيدة بان الخليفة أبصر بشؤون الرعية فيكون أعرف بمن يصلح لهذه المهمة من بعده.

المعنى التركيبي لبغداد

قوله ص109(بغداد ومعناها هبة من الله).

بغداد بحسب معناها الأصلي مركبة من(بغ)وهو اسم ضم معروف و(داد)ومعناها العطية.

قصر الذهب

قوله ص110(قصر الخليفة المسمى بباب الذهب).

إنما هو مسمى بقصر الذهب ويعرف بالخلد.

الصنم على قصر الخليفة

قوله ص110(ولقد جاء في رواية متأخرة ان صنما بهيئة فارس يحمل رمحا كان في أعلى هذه القبة).

كيف صح من المؤلف أن يعبر باسم الصنم وهو إنما يخص بالذي يتخذ للعبادة و لا يعقل صدر هذه الأمر من المنصور و إنما هو تمثال وضع للزخرف والبهرجة.

نقد الحموي

قوله ص110(ولكن فساد هذه الخرافة لم يفت ياقوت الحموي فقال ان الصنم لا محالة يتوجه إلى جهة ما:في كل حين مما يدل على وجود عدو يطل على المدينة في كل وقت).

هذا النقد إنما يتوجه لو فرضت الدلالة حدوثاً وبقاءً و اما لو فرضت حدوثا فلا مجال لهذه النقد.

عدم خضوع الإسلام للمؤثرات الفارسية

قوله ص110(فخضع الإسلام للمؤثرات الفارسية).

قد سبق المؤلف إلى هذه الكلمة بعض المؤرخين وهي بعيدة عن الصواب فان الإسلام قد اثر على الفارسية لا انها هي اثرت عليه فقد غير لغتها بدليل وجود الألفاظ العربية بكثرة فيها وبدّل طباعها حتى أصبح المثال الأعلى للأخلاق الكريمة عندهم هي الأخلاق التي جاء بها الإسلام كما تشهد بذلك مؤلفاتهم في علم الأخلاق وغيرّ منهج التفكير فيها حتى أصبحت جلّ ثقافتهم إسلامية.

مناقضة المؤلف لنفسه

 قوله ص110(إلا ان مسحة العروبة احتفظت بامرين هامين وهما الإسلام دين الدولة والعربية لغة الدواوين الرسمية).

هذا يناقض ما سبق من المؤلف ص107 سطر9 من انحطاط الأخلاق في الأمة العربية في العصر الأموي فان التمسك بالدين الإسلامي يقتضي سمو الأخلاق لا انحطاطها.

مصدر الحركة الثقافية في الإسلام

قوله ص161(وترجع هذه اليقظة في معظم أسبابها إلى مؤثرات خارجية).

معظم أسباب هذه اليقظة هو حث الدين الإسلامي على العلوم والمعارف حتى جعل طلب العلم فريضة:و أمر بالنفر لطلب العلوم و الزم بالسؤال من أهل الذكر وهذا ما جعل معتنقي الإسلام يتربصون الفرصة التي يمكنهم فيها من نيل المعارف وعند الفتح تمكنوا من هذا الأمر فزفوا نحوه باذلين قصارى الجهد في تحصيله بالدراسة والترجمة.

 

مصدر الرغبة في علم الفلك للمسلمين

قوله ص118(و لقد ولدّ الإسلام حافزاً جديداً بعلم الفلك وهو الرغبة في تعين جهة القبلة).

و هكذا معرفة الخسوف والكسوف ومعرفة الأهلة لما يترتب على ذلك من الأحكام الشرعية.

حنين بن إسحاق

قوله ص119(و في حداثته ) أي حنين ( خدم الطبيب يوحنا)كان حنين تلميذاً ليوحنا في مدرسته التي اجتمع فيها أصناف أهل الأدب والذي أوجب غضب يوحنا عليه أمران.

أحدهما:ان يوحنا من أهل(جنديسابور)وهم وأطباؤهم ينحرفون عن أهل الحيرة التي منها حنين.

والثاني:كثرة سؤال حنين ليوحنا عما يقرأه عنده وكان يوحنا يكره ذلك.

عدم انفراد حنين في ترجمة كتب جالينوس

قوله ص119(ومن الترجمات التي تعزى إلى حنين ترجمة كتب لجالينوس)في كتاب الطب العربي أن حنيناً قد ترجم كتاب جالينوس الستة عشر بمعية تلميذه(حبيش)وان كتب(بقراط)العشرة قد ترجم حنين منها سبعة وترجم تلميذه عيسى بن يحيى الثلاثة الباقية.

حبس المأمون لحنين

قوله ص120(ثم ان المتوكل حبسه(أي حنيناً)في بعض القلاع سنة كاملة لأنه امتنع عن وصف دواء للخليفة يقتل به عدواً)هذه الحكاية نسبها التاريخ للمأمون وقد نص المؤرخون على ان المأمون أراد اختبار حنين ليرى مبلغ تمسكه بالمبادئ الطبية وكان الخليفة يخشى من استعمال أدويته خوفا من أن يكون ملك الروم قد تواطأ معه على الغدر به فاختبره بذلك.

علم البيان

قوله ص121(و لم تلبث مؤلفات ارسطو في علم البيان)لا اعرف لأرسطو كتبا في علم البيان بالمعنى المصطلح كيف وهو من العلوم المخترعة في العصور الإسلامية.

الزواج في الإسلام

قوله ص123(و أعتبر الزواج في الإسلام بوجه العموم واجبا محتما)لم يكن الزواج بواجب محتم في الإسلام على سائر المذاهب و إنما هو مستحب مؤكد لا يستحق تاركه التوبيخ والعذاب.

الخمرة

 قوله ص125(و يستدل من قصص الدعابة والمجون إلى أن قال والشعر ثم قال فقد شرب الخمر الخلفاء والوزراء والأمراء والقضاة غير مبالين بتحريمه)ليس الشعر المشتمل على وصف الخمرة بدليل على أن قائله يشربها فقد وصفها من لا يتطرق الاحتمال لشربه إياها كالحبوبي والطباطبائي وابن الفارض ومحيي الدين ابن عرب ثم ان القضاة في الإسلام يشترط فيهم العدالة ومن لوازم العدالة عدم الإقدام على المحرم فكيف ينسب إليهم المؤلف هذا العمل المحرم.

تجارة الخمور

قوله ص126(و كانت تجارة الخمر على الجملة في أيدي النصارى واليهود)و ما ذلك إلا للحرمة الإسلامية و إلا فالمسلمون  يفوتهم ربح هذه التجارة.

الحمامات في بغداد

قوله ص126(و قد فاخرت بغداد في أوائل القرن العاشر بسبعة و عشرين ألفا من هذه الحمامات العمومية وكانت في زمن آخر ستين ألفا وهذان الرقمان و سواهما من الأرقام التي نجدها في المصادر العربية لا ريب مبالغ فيها)على ما ببالي ان المؤرخين الذين ذكروا هذين الرقمين لعدد الحمامات في عاصمة الهاشميين لم يقيدوها بكونها عمومية وعليه فمن المحتمل أن يكون المراد الحمامات البيتية فانها ربما تزيد على ذلك حيث لا يخلو منزل منها.

الصيد عند المسلمين

قوله ص128(وعلى الصياد المسلم أن يبادر إلى ذبح فريسته قيبل موتها وإلا حرم عليه اكلها)ان ماتت بالصيد بالشرائط المذكورة في كتب الفقهاء فلا يحرم أكلها عليه.

 

اللواط

قوله ص128(فالراجح أن:الأمين:كان أول من أنشأ نظام الغلمان في العالم العربي لغاية اللواط اقتداء بالفرس)اللواط كان موجودا قبل الإسلام وقد عرفوا به قوم لوط وقد حرمه الإسلام أشد التحريم وجعل عليه العقابين الدنيوي والأخروي:ولم يعرف هذا الأمر من الأمين و كيف تصدق هذه الأقاويل فيه:و كان أبواه الرشيد وزبيدة يحتفظان بالصبغة الإسلامية أمام المسلمين:وعصره عصر النور والثقافة لا الهمجية والوحشية:ثم كيف يتصور هذا الأمر في الأمين وقد كان في غنى عنه لما كان عنده من حلقات الفتيات كل حلقة مؤلفة من حوالي مائة امرأة من أرشق النساء وأفخرهن جمالا يظهرن بأبهى الحلل:الموشاة بالقصب والمرصعة بالجواهر.

يحيى ابن أكتم

قوله ص128(ولقد عاش في زمن المأمون قاضي افتضح باللواط فجاهر بأربعمائة غلام)من الغريب أن المؤلف كيف آمن بهذه الأسطورة على هذا القاضي وهو(يحي بن أكتم)و قد خلقها عليه أعداؤه حسدا على المرتبة التي نالها عند المأمون وكيف المأمون يختار قاضي يحكم بمقدرات المسلمين بل في مقدرات الدولة يتجاهر بأعظم المحرمات الإسلامية ومن العجيب ان المؤلف كيف وافق على هذا العدد الضخم الذي يبعده العقل عن النساء لرجل واحد فضلا عن الغلمان لمثل القاضي في العصر الذهبي وليت شعري إذا كان هذا المقدار عند القاضي فأي مقدار عند الأمين و أي مقدار عند أرباب الدولة ثم انه ناقش في عدد الحمامات لبغداد ص126 و لا يناقش في أمر مستنكر غاية الاستنكار دينا وعرفا وسلوكاً عند سائر المسلمين فضلاً عمن تقلد منصب الحكم والفصل بينهم:وهلا عمل المؤلف بما ذكره بعد حين ص148 منتقدا به أهل الرواية من عدم تمحيص الواقعة المروية.

أهل الذمة

قوله ص130(وهؤلاء أهل البلاد الأصليون الذين أصبحوا الآن أهل الذمة و قال ص 135 طبقة الفلاحين وهم أكثرية الشعب وأهل البلاد الاصليون و قد عرفوا بأهل الذمة لأنهم كانوا قد دخلوا في عهد الإسلام)أهل الذمة هم خصوص الخارجين عن الإسلام الذين يكفل حمايتهم المسلمون لا ما تخيله المؤلف من حديثي الإسلام وعليه فليس سواد الشعب من أهل الذمة.

الزراعة والإسلام

قوله ص135(أما العربي فاستنكف عن تعاطي الزراعة وحسبها دون مقامه)أما العربي قبل الإسلام فقد كانت الزراعة أهم أسباب معيشته وأقوى موجبات ثرائه حتى شبهوا بها عمل الخير بقولهم(من زرع حصد)و أما بعد الإسلام فقد رفع الإسلام مستوى الزراعة وحرّض عليها وكان خلفاء الإسلام من العرب يزاولونها بأنفسهم كعلي بن أبي طالب  عليه السلام  وأولاده.

أول من أسس المستشفيات في الإسلام

 قوله ص 141(وفي مطلع القرن التاسع أسس هارون الرشيد أول مستشفى في الإسلام على الطراز الفارسي)الظاهر ان أول من أسس المستشفيات هو الوليد بن عبد الملك فقد بنى(المرستان)ودور المرضى وجعل في(المرستان)الأطباء.

اشهر المؤلفين في الطب

قوله ص141(واشهر المؤلفين في الطب الذي ظهروا على اثر عصر الترجمة رجال فارسيو القومية عربيو اللغة)كان منهم الكندي وهو عربي الأصل يتصل نسبه بقحطان وقد بلغ ما ألفه في الطب اثنى وعشرين كتابا.وابن زهرة فانه تولى رياسة الطب في بغداد وهو عربي الأصل وهكذا إبراهيم و سنان ابنا ثابت بن قرة.

الفلسفة عند العرب

قوله ص143(والفلسفة عند العرب هي معرفة مسببات الأمور كما هي على قدر ما تستطيع الوصول إلى تحقيقه قوى الإنسان العاقلة).

الفلسفة عند العرب هي معرفة حقائق الأشياء على قدر الطاقة البشرية.

الامام جعفر الصادق  عليه السلام  مؤسس الكيمياء في الإسلام

قوله ص146(و كان أبو الكيمياء العربية جابر بن حيان).

لقد كانت دراسته في الكيمياء على يد الإمام جعفر الصادق و قد جمع خمسمائة رسالة من رسائل الإمام في ألف صحيفة وطبع مؤلفه في استراسبرج سنة 1530 و أيضاً سنة 1625 فأبو الكيمياء الإمام جعفر الصادق  عليه السلام  لا جابر بن حيان.

 

تمحيص المؤرخين للروايات

قوله ص148(إلا ان مبلغ صحة الرواية كان يقوم عندهم على مواصلة الأسانيد وعدم انقطاعها والثقة برواتها اكثر مما يقوم على نقد الواقعة ذاتها).

لقد قام بتمحيص الوقائع التاريخية ابن خلدون كما أشار المؤلف إلى ذلك ص179 وهكذا ابن رشد والعلامة الحلي في كتبهم.

المؤلفات في علم الأخلاق

قوله ص150(و المؤلفات في علم الأخلاق المبينة على القرآن و الحديث وان كثرت لا تستنفذ كل ما في الآداب العربية مما يعني بهذا العلم).

لا اعتقد أمة الفت في علم الأخلاق اكثر مما الفته الأمة العربية و لم يكن تركت شيئاً له علاقة بالأخلاق العربية إلا وحررته بأسلوب يمتزج مع الرغبة النفسية:كأحياء العلوم للغزالي،و احياء الأحياء لعبد الرزاق اللاهجي و معراج السعادة للفيضي ومن راجعها كانت شاهد صدق على المدعى.

فن التصوير

قوله ص153(فان عداوة الفقهاء لأنواع الفن التصويري لم تحل دون ارتقاء هذا الفن على أساليب إسلامية).

لا أعلم من أين جاء بهذه النسبة للفقهاء و لا زالت التصاوير موجودة و معلقة في أنديتهم و مقابرهم وآثارهم.نعم الفقهاء منعوا من صنع الصور المجسمة لذات الأرواح حذراً من تقديسها الذي هو أشبه بعبادة الأصنام والتقرب بها لله زلفةً.

التصوير ليس يخالف التورع

قوله ص154(فلم يتورع هؤلاء عن إضافة صور الكنائس والرهبان إلى هذه التزاويق).

يظهر من سياق كلام المؤلف رسم هذه الكنائس كان خلاف التورع من خلفاء المسلمين لكونها فيها دعاية لغير الإسلام.و ما عرف ان صور الأمور المشاهدة ان جعلت للتقديس كان الأمر كذلك و أم إذا كانت لاجل ما فيها من الجمال والروعة و انها تحكي صفحة من صفحات الحياة فليس فيها أدنى باس ولا مخالفة للتورع والتأريخ يحدثنا عن كثير من الصور التي كان يقتنيها بعض الصالحين كما كان لسليمان بن داوود  عليه السلام  .

كتاب ألف ليلة وليلة

قوله ص156(مما تخلده صفحات ألف ليلة وليلة).

كثر اعتماد المؤلف على هذا الكتاب وهو كتاب خرافي خيالي اعتمدت أغلب قصصه على السحر الغير المعقول تحققه.نعم لا ينكر شأنه من ناحية الفن القصصي بيد انه لا يكون كمصدر من مصادر التاريخ العربي.

عدد سكان قرطبة

قوله ص162(و بلغ عدد سكان العاصمة قرطبة نصف مليون).

لقد ذكر المؤلفون انه بلغ عدد سكانها مليون نسمة والاعتبار يساعد على ذلك.

قرطبة زينة العالم

قوله ص 166(وصفت راهبة سكسونية قرطبة بانها جوهرة العالم)الراهبة هي:هورسوتيا:وقد دعتها بزينة العالم.

الفصل في الملل والنحل

قوله ص172(و أما أنفس كتبه الباقية إلى الآن و أفيدها هو الفصل في الملل والأهواء والنحل).

لم يكن هذا الكتاب بموضع تقدير عند محققي العلماء والمتثبتين منهم لما فيه من النسب الكاذبة لبعض المذاهب و أفضل ما أُلف في هذا الموضوع هو كتاب الفرق للنوبختي لكنه يخصّ الشيعة.

 

الخطابة والدعاء أروع مثال في الأدب بعد القرآن

قوله ص173(وظلت هذه المقامات نحو سبعة قرون أروع مثال في الأدب العربي بعد القرآن).

تعتبر الخطابة العربية هي أروع مثال بعد القرآن وقد قيل في(نهج البلاغة)انه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ثم هناك نوع من الأدب العربي أهمله المؤلف المكانة العالية والأثر البليغ في اذكاء الروح الأدبية والعقيدة الإسلامية وهو الأدعية والمناجاة والصحيفة السجادية ما أُلف في هذا الموضوع وقد ترجمت إلى اللغة الإنكليزية.

تعليم المرأة

قوله ص175(على ان الأندلس قلما أعارت مصغية للأقوال والأحاديث التي نهتْ عن تعليم المرأة).

لم نجد في الشرع الإسلامي الصحيح من الأحاديث ما ينهى عن تعليم المرأة بل يوجد فيها ما يحث عليه كقوله   صلى الله عليه وآله وسلم  (طلب العلم فريضة على كل مؤمن ومؤمنة)و فاطمةعليها السلام  بنت النبي الكريم لها المقام السامي في فن الخطابة و هكذا زينب عليها السلام  وادعت عائشة زوج النبي   صلى الله عليه وآله وسلم  إنها حفظت أربعين ألف حديث وكان الرواة يروون عنها بعض الأحكام الشرعية.

كتاب عصر الأندلس

قوله ص177(وليس بين كتاب العصر الأندلسي كان أغزر مادة في التاريخ من الصديقين ابن الخطيب وابن خلدون).

لا يبعد ان ابن حيان اغزر منهما مادة في التاريخ فقد ألف كتابين فيه:أحدهما في عشر مجلدات والآخر في مجلد.

توجيه حديث لا عدوى في الإسلام

قوله ص182(نقلا عن الغرناطي كيف نسلم العدوى و قد ورد الشرع بنفي ذلك).

أراد بالشرع هو الحديث المنسوب للنبي   صلى الله عليه وآله وسلم  (لا عدوى في الإسلام)والمراد منه ان من طبق القواعد الإسلامية وعمل بمقتضاها لا يصاب بالعدى لما فيها من القواعد الصحية و إلا فالإسلام قد أمر بالفرار من المجذوم وغيره.وهذا هو السر في التعبير بالإسلام دون المسلمين.

العوامل في سقوط الخلافة

قوله ص191(أما العوامل الداخلية في سقوط الخلافة الخ..).

لا يمكن معرفة العوامل في سقوط الخلافة الإسلامية إلا من طريق الاستقرار للثورات التي سببت انهيار كل حلقة من حلقات الخلافة الإسلامية فعندما ندرس الثورة على عثمان نجد ان مصدرها هو الشعور بمخالفة عثمان لبعض النواميس الدينية وهكذا نرى مصدر الثورة على الأمويين هو الشعور العام بان الخلافة ترجع للهاشميين بحكم الدين و هكذا نرى السبب في انهيار الخلافة العباسية هو استهتارهم بالدين فانقسام الشعور الديني وعدم الالتزام بالقوانين الشرعية أهم الأسباب التي أوجبت انهيار الإمبراطورية الإسلامية.

الشيعة

قوله ص192(ومن هذه النزعات نشأت الشيعة).

اني أعجب من المؤلف كيف نطق بهذه الكلمة وهل كان يعوزه الاستقراء لتاريخ هذا المذهب من ناحية الوقت أو الكتب فقلد من سبقه:فان المذهب الشيعي قديم بمبدئه و اسمه وقد اعتنقه رجال الإسلام يوم قبض الله رسوله الكريم كأبي ذر الغفاري.والمقداد.وسلمان الفارسي.وعمار بن ياسر.  

مصدر تفكيك عرى الدولة

قوله ص192(العوامل الاجتماعية و الأخلاقية الموجبة لتفكيك عرى الدولة وتجزئتها وجعلها عبارة عن اختلاط الدم العربي بغيره وانحطاط الحياة القومية العربية:وتسري بلوغ الترف والبذخ حده الأقصى:وعدم النص على حق التعاقب في الخلافة:والخراج المرهق:وتقسيم البلاد إلى مقاطعات:والحروب المتواصلة:وازدياد تكرار الفيضان وانتشار الأوبئة).

 

هذا ما استطعت ضبطه من المؤلف للعوامل المؤدية لتفكيك عرى الدولة الإسلامية ولكن جميع ما ذكره من هذه العوامل كانت في صدر الخلافة العباسية بل في وسط الخلافة الأموية و لم تؤثرّ انحطاطاً في مركز الخلافة الإسلامية ولم تقف حاجزاً دون بلوغها الرتبة العالية في المجد والسؤدد فلابد أن يكون هناك سبب آخر هو الذي ولدّ هذا الانحطاط والتأخر ولا أحسب سبباً أقوى من تفكيك عرى الوحدة الدينية فبها بلغ العرب أوج الكمال و بانفكاكها انحطوا إلى قعر الحضيض:وأني لأعتقد ان كل قوم إذا استندت نهضتم إلى وحدة دينية أو وطنية أو قومية ثم انفك عراها كان ذلك هو المصدر الأصلي في تأخرهم وزوال مجدهم.

وقت صدور الإرادة الملكية بتنصر المسلمين

قوله ص197(وفي سنة 1501 صدرت إرادة ملكية تقضي على من في قشتالة وليون من المسلمين أما بالرجوع عن دينهم أو بالجلاء).

الذي أثبته التاريخ ان هذه الإرادة صدرت سنة 1498.

القاعدة القائلة بثبوت المدنية العربية الدائم

قوله ص 198(و بهذا حلت المشكلة الإسلامية في أسبانيا التي شذت عن القاعدة القائلة بثبوت المدنية العربية الدائم حيثما حلت أقدام العرب).

هذه القاعدة وأمثالها مما استندت كليتها إلى الاستقراء كقاعدة(التاريخ يعيد نفسه)وقاعدة(ألسنة الناس أقلام الحق)إنما هي قواعد أغلبية ترتكز صحتها على الغلبة فلا يضر بها لو شذت في بعض الموارد.

ظهور جنكيز خان

قوله ص213(و أخيرا جاءت الساعة التي عانى فيها الإسلام أشد مصاعبه و ذلك عندما ظهر في سنة 1216 جنكيز خان على رأس جيش جرار).

ان أراد بالظهور هو وقت ما نودي به خاقانا أو رئيسا أعلى للقبائل التترية فذلك سنة 1189 وان كان أراد به وقت ما تمّ احتلاله للصين وسائر البلاد التترية فذلك سنة 1219.

هولاكو

 قوله ص214(هولاكو حفيد جنكيز خان)

الذي ببالي انه أخو جنكيز خان لا حفيده.

واضع الصعوبات في سبيل حج النصارى

قوله ص 218(زد على ذلك الصعوبات التي كان يضعها السلاجقة المسلمون في سبيل الحجاج من النصارى).

لم تكن هذه الصعوبات من السلاجقة و إنما كانت من التركمان الذين حكموا فلسطين ولم يدينوا للسلطان السلجوقي ولا لنائبه في الشام.

خطبة البابا بمحاربة المسلمين

  قوله ص218(و قد تكون الخطبة لتي ألقاها البابا اربانوس في 26 تشرين الثاني سنة 1095 في كلارمونت من أعمال فرنسا الجنوبية الشرقية مستنهضاً بها همم المؤمنين).

كان البابا(أربان)الثاني قد عقد مجلساً في(بلاسنتيا)في آذار من سنة 1095 ومجلسا آجرا في(كليزمنت)في تشرين الثاني وخطب بهم بوجوب إنقاذ ضريح المسيح من أيدي الكفار كما أعلن غفران ذنوب الخاطئين إذا التحقوا بالمجاهدين ووعد المجاهدين بجنات الخلد.

الذين تعاقبوا على الخلافة في مصر

قوله ص242(و قبل أن يصل المستنصر بغداد أغار عليه حاكم المغول ببغداد في الصحراء فكان ذلك آخر العهد به وتعاقب أبناؤه على الخلافة مدة قرنين ونصف).

الذي أثبته التاريخ انه بعد المستنصر استقدم الملك الظاهر رجل من العباسيين اسمه أحمد أبو العباس بن علي من حلب وبويع له بالخلافة ولقب بالحاكم بأمر الله وفي أولاده كانت الخلافة لا في أولاد المستنصر.

الملك المؤيد شيخ

قوله ص245(انه كان سكيرا يقترف جسام القبائح).

مستشهدا بهذا على دعواه من ان أواخر القرن الرابع عشر انتهى عهد المماليك إلى ان يكون من أظلم عهود تأريخ سورية ومصر ولكن الموجود في تأريخ دول الإسلام وكان السلطان المؤيد عاقلا حسن السياسة فسعدت البلاد في أيامه.

 

الملك برسن باى

قوله ص245(و من مساوئه انه أمر بقطع رأس طبيبه عندما تعذر شفاؤه من داء مميت).

مستشهداً بهذا على الدعوى المذكورة ولكن الموجود في كتب التأريخ ومنها تاريخ دول الإسلام انه كان عاقلا حسن السياسة فزال المظالم و سعدت البلاد في أيامه واغتنى الفقراء وبنى المدرسة الأشرفية عند سوق الوراقين نعم أصيب بالمالخوليا وتوفي سنة إصابته بها.

الملك أينال

ذكره ص245 مستشهداً على دعواه المتقدمة وزعم أن خلافته انتهت سنة1460 والذي ذكره صاحب تأريخ دول الإسلام انه كان عاقلا حسن السيرة وقد سعدت الدولة على يده و لما مات كثر الحزن عليه و الأسف كما قيل.

   

هي الدنيا إذا أكملت
وتفعل بالذين بقوا
 

 

و تم سرورها خذلت
كما في من مضى فعلت
 

 

وذكر ان خلافته انتهت سنة 1461.

الملك بلباى

ذكره ص245 مستشهداً على دعواه السالفة والحق يقال ان عدم استقامة الملك في الملك مدة شهرين وخلعهم له دليل على نضوجهم الفكري وعدم تصرف من لا يليق بالتاج والصولجان فيهم.

الملك قائت بلى

ذكره ص245 مستشهداً به على دعواه السابقة وفي تأريخ الدول الإسلامية انه قمع الاضطرابات الداخلية حتى استتب أمره ولم يحصل في داخلية البلاد مدة ملكه الطويل شيء من الفتن وخلف كثيرا من الآثار التي تحي ذكره منها مدرسة بمكة المكرمة وعمارة المسجد الشريف فيها ومدرسة بيت المقدس ومدرسة بدمشق وأخرى بغزة وأخرى بدمياط وأخرى بالإسكندرية وجامع بالصحراء إلى غير ذلك من معاهد العلم والدين.

منع خروج النساء

قوله ص246(وخاف السلطان:برس بأي:من الوباء فحسبه عقابا من الله لانتشار المعصية بين الناس وعد خروج النساء في الأسواق علة ذلك البلاء فمنعهن من ذلك).

ذكر المؤرخون ان الطاعون وقع سنة 833هـ واستمر أربعة أشهر وفي سنة 841هـ أصيب الملك برس باي  بالمالوخيا فأمر بنفي الكلاب من القاهرة إلى بر الجزيرة ورسم أن لا تخرج امرأة من بيتها فكانت المرأة إذا أرادت الخروج من بيتها لحاجة أخذت ورقة من المحتسب وجعلتها برأسها ليباح لها السير في السوق فوقت المنع متأخر عن زمن الطاعون ثمان سنين ومصدره المرض العقلي لا ما ذكره المؤلف.

كلمة الجمعية

نشرت مجلة الأزهر الغراء في عددها الثاني من المجلد الحادي عشر لفضيلة شيخ الأزهر المرحوم المراغي محاضرة قيمة عن تفسير سورة الحجرات وكانت هي الدرس الثاني الذي ألقاه في مسجد السيدة نفيسة وتفضل بالاستماع إليها صاحب الجلالة ملك مصر المعظم وقد بدت لفضيلة المؤلف الجليل العلامة الشيخ علي بعض الملاحظات عليها تفضل سماحة شيخ الأزهر بالجواب عنها وتكرم المؤلف فرد عليها .

                                                                                                                          الجمعية

 

نظرات وتأملات(1)

في المحاضرة التي ألقاها فضيلة شيخ الأزهر الشيخ المراغي عن سورة الحجرات    

سماحة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر(2)

بعد تقديم التحية والاحترام:

وقفت على العدد الثاني من المجلد الحادي عشر من مجلة الأزهر الغراء واول ما وقع نظري على محاضرتكم القيمة في سورة الحجرات فاعجبتني دقة المعنى وحسن الأسلوب وقد عرضت لي عند تلاوتها بعض الملاحظات فأحببت أن الفت نظركم إليها عسى ان تتلطفوا بالجواب لترفعوا حجب الشك وتحلوا معاقد الشبهة وتكونوا بذلك قد اتممتم الفائدة واليكم أهم تلك الملاحظات.

الطائفة ليست بجمع لطائف

قولكم في الطائفة(هي جمع طائف وقد يكنى بالجمع عن الواحد فيراد بها الواحد).

كيف يصح أن تجعل الطائفة جمعاً لطائف والحال ان شرط الجمع لشيء أن يكون معنى ذلك الشيء ملحوظاً فيه ولذا لم يجعلوا الذين جمعاً للذي:والطائف معناه من يطوف ويدور وهذا المعنى غير مأخوذ في الطائفة بمعنى الجماعة نعم لو أريد بالطائفة الذين يطوفون صح القول بكونها جمعاً لطائف وعلى هذا تنزل عبارة الراغب في مفرداته.

الصلح والقتال واجبان على المسلمين وجوباً كفائياً

قولكم(وعلى هذا فالصلح والقتال المطلوبان في الآية واجب الإمام لأنه قائم مقام المسلمين ونائب عنهم وخليفتهم فإذا وجد بلد لا يمتد إليه سلطان إمام المسلمين وجب على جماعة المسلمين ما هو واجب على الإمام).

والذي يوقفنا هنا هو ان الخطاب للمسلمين بعمل واحد غير متكرر و ما كان هذا شأنه فهو دال على الوجوب الكفائي يسقط عند قيام أحدهم به سواء كان الامام أو الرعية فالآية لا تدل على اكثر من هذا:و أما ما ذكرتموه فلا تدل عليه الآية الشريفة لا منطوقا و لا مفهوماً فمن أين أستفدتم ذلك منها:نعم يمكن أن يقال ان هذا العمل المهم بحسب العادة حيث لا يمكن تحققه بدون قيام الامام به كان واجبا تعينينا عليه نظير انحصار الواجب الكفائي بحسب الأحوال والظروف في شخص معين فيكون تعين الوجوب عليه بحكم العقل و أما نفس التشريع المستفاد من الآية فليس فيه أدنى ترتيب بين الامام والمسلمين:و دعوى ان الامام نائب عن المسلمين لا توجب اختصاص الخطاب الإلهي به:و عدم توجيهه لباقي لمسلمين على البدل:و لا تغير نحو الخطاب وكيفيته:فحق الآية أن يقال انها دالة على الوجوب على سائر المسلمين و يتعين على الامام المطاع حيث لا يقدر أحد سواه:لا أن يجعل الوجوب على الامام و حيث لا يكون فعلى المسلمين كما هو المفهوم من كلامكم.

معنى السخرية

قولكم(السخرية احتقاره قولا وفعلا بحضرته)

لم أجد في كتب اللغة تقيد السخرية بالاحتقار بحضرة المسخور منه فمن أين استفدتموه.

معنى التنابز بالالقاب

قولكم(التنابز بالالقاب التداعي بها)بهذا التفسير يكون التنابز بالالقاب يشمل التلقيب بما هو مكروه وبما هو حسن مع ان المقصود من الآية النهي عن المكروه فالأولى تفسيره بما فسره به صاحب القاموس من:التعاير:فان هذا المعنى هو الذي استفاده القوم من هذه الآية الكريمة.

العلة في النهي عن السخرية

قولكم(ثم بين الله تعالى في النهي وهي ان المسخور قد يكون خيراً من الساخر في الواقع).

لو كان هذا هو العلة:لزم أن يكون الحكم دائراً مداره وجوداً وعدماً و الحال ان السخرية ثابت لها النهي في الواقع سواء كان المسخور منه افضل من الساخر واقعاً أو مساوياً له أو ادنى منه بل المذكور في الآية بيان جهة قبح السخرية لا علة النهي عنها و إنما العلة هي حفظ التآخي بين المؤمنين و التآزر بينهم فان سخرية بعضهم من بعض موجبة لوقوع الشقاق بينهم والبغضاء فيهم.

 

حقيقة التوبة

قولكم(فحقيقة التوبة علم وندم وقصد)لقد سبقكم إلى هذا القول الغزالي وغيره من العلماء الأخلاق إلا انه لا يخلو من الإشكال من وجهين(الأول)ان العلم المذكور دخيل في حقيقة الذنب بمعنى ان الذنب لا يكون ذنبا ما لم يعلم الشخص ان في ارتكابه الضرر و يستحق عليه العذاب الأليم فهذا العلم دخيل في متعلق التوبة لا في حقيقتها(الثاني)ان الندم والحزن على البقاء على الحالة السابقة من الأمور الوجدانية ليست تحت اختيار الإنسان نظير ما ذكرتموه في الظن و إذا كان دخيلا في التوبة كانت التوبة غير مقدورة فلا يصح التكليف بها بل حقيقة التوبة ليس إلا توطين النفس على ترك الذنب وعدم العود إليه أصلا.

انتفاء التوبة لا يوجب انتفاء المعرفة

قولكم(و غير خاف ان معرفة كون المعاصي مهلكات جزء من الايمان و عدم المبادرة إلى التوبة مفوت لجزء من أجزاء الإيمان).

لست أعرف وجه هذا الأمر فانا لو سلمنا جدلا ان هذه المعرفة جزء من التوبة فعدم حصول التوبة لا يوجب عدم حصول هذا الجزء لأن انتفاء الكل لا يوجب انتفاء الجزء فالشخص الغير التائب يمكن ان تكون تلك المعرفة حاصلة عنده دون أن تحصل منه التوبة كما هو الحال في إبليس و أغلب الفساق فانهم عندهم تلك المعرفة دون ان تحصل منهم التوبة فلم يكن عدم المبادرة للتوبة فيهم مفوتا لهذا الجزء من الإيمان:والحديث النبوي لو صحت روايته حمل فيه الإيمان على عدم الفسق الذي هو بمعنى ارتكاب الذنب.

استرسال المذنب في المعصية

قولكم(وقد يسترسل المذنب في ذنبه حتى يصير طبعا و يران على القلب فلا تحله الندامة على الذنب الخ…)

ان أردتم ان العبد اصبح غير قادر على ترك الذنب فارتكابه للذنب ليس بذنب و لا فيه معصية لعدم القدرة على ترك و شرط التكليف القدرة إلا إذا قلنا ان ما بالاختيار لا يخرج عن الاختيار وان أردتم انه قادر على الترك فيصح منه التوبة ويمكن تحقق الندم منه.

عدم الحرج ليس داخل في حقيقة الغيبة

قولكم في حقيقة الغيبة(من غير أن يخرج).

هذا القيد غير داخل في مفهوم الغيبة و إنما هو دخيل في حكمها حيث ان الغيبة مع الحرج لا تكون محرمة لا انها تخرج عن كونها غيبة.

حرمة اتباع مطلق الظن:عدم دلالة الآية على إرادة ظن السوء

قولكم(ومن الظن ما يباح اتباعه كالظن في أمور المعاش وما أشبه ذلك).

لقد سبقكم إلى مثل هذا الالوسي في تفسيره وهو لا يخلو من الإشكال في عدة وجوه(1)ان الظن في أمور المعاش لو أبحنا اتباعه لزم الهرج والمرج في معايش العباد وتعدى بعضهم على بعض بدعوى وجود الظن فيها هذا مع كثرة الآيات والروايات الناهية عن اتباع الظن و إنما يرجع في أمور المعاش إلى القواعد التي قررها الشارع من الامارات الظنية أو الأصول العملية(2)انه لا دليل على وجوب اتباع مطلق الظن في الأحكام الشرعية ان لم نقل قامت الأدلة من الآيات الكريمة والأخبار الشريفة على حرمة اتباعه و إنما يجب الرجوع إلى الطرق الخاصة لتي قامت الأدلة على اعتبارها عند الشارع كخبر الواحد وإذا لم توجد تلك الطرق يرجع إلى الأصول العملية أو يحتاط في العمل حتى يحصل اليقين بامتثال التكليف(3)انه لا دلالة في الآية على إرادة ظن السوء فما وجه حملها عليه ولعل المراد بها الظن ببعض الأحكام الشرعية أو الظن بحسن  الشيء فانه قد يوقع المسلم في هلكات عديدة كما نهى الله عن اتباع قول الوليد بن عقبة في بني المصطلق:هذه هي أهم الملاحظات التي عرضت لنا في هذه الكلمة القيمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جواب فضيلة الشيخ المراغي

حضرة السيد الأجل الأستاذ الشيخ علي كاشف الغطاء أدام الله به النفع(1)

السلام عليكم ورحمة الله وبعد فقد تسلمت كتابكم وشكرت لكم عنايتكم بقراءة سورة الحجرات وقد اعددت ما رأيت عرضه عليكم جوابا عما تفضلتم بارسالة إلي من الملاحظات وتجدونه مع هذا.

وانه يسرني ان ابعث إليكم ما هو مطبوع مما كتبته في بعض الموضوعات.وتقبلوا تحياتي الخالصة:

1-سألتم عن جمع طائف على طائفة.(وقلتم أن معناه وهو الطوفان والدوران لا يوجد في طائفة بمعنى الجماعة

    فان كنتم تريدون ان هذا المعنى لم يعد يلمح في الاستعمال فهذا صحيح ولكنه ليس دليلا على انه لم يقصد في اصل الإطلاق قضاء لحق الاشتقاق فان المادة طوف تدل عليه وهذا القدر كاف في صحة كون اللفظ جمعا لطائف و تحقيقه أن الجماعة التي يطلق عليها كلمة طائف و التي يجمعها شأن واحد فيها معنى التفات بعضها حول بعض و هذا موجود فيها قصد في الاستعمال الشائع أم لم يقصد شأن الألفاظ التي يأنس فيها المعنى الأصلي  بالاشتقاق وهي كثيرة في  اللغة.

2-سألتم عن قولنا(و على هذا فالصلح و القتال المطلوبان في الآية واجب الإمام لانه قائم مقام المسلمين و نائب عنهم الخ…(وقلتم أن الآية لا تدل على اكثر من الوجوب الكفائي على الأمة.و الوجوب الكفائي يسقط عند قيام البعض به.سواءا كان من الإمام أم كان من الرعية)و ليس في كلامنا ما يفهم منه أن الوجوب في موضوعنا ليس كفائيا.و إنما زيد أن الشأن في التكاليف العامة التي تتعلق بقمع الفتن و استتباب الأمن بين الرعية يجب أن يتولاها الإمام لأنها إذا تركت للرعية قد لا يحسنون القيام بها وقد يكون تحرّك طائفة من المسلمين لقمع الفتن سببا في ازديادها إذا كانت أحقاد العصبيات قائمة:أما إذا تولاها الإمام وهو نائب الأمة فالاستجابة إلى رأيه منتظرة و التفات الأمة حوله مانع من تشعب الفتن.و لذلك نرى للمصلحة العامة أن نوحب على الإمام – أولا – احتمال أعباء هذا و على الرعية أن تتابعه و في هذه الحالة تكون المتابعة لتحقيق هذا الواجب كفاية على الأمة فإذا لم يوجد الإمام بقي الوجوب على حاله بالنسبة المرعية و كان على جماعة المسلمين أن يفعلوه.و من هذا قال الالوسي.و الخطاب فيها على ما في البحر لمن له الأمر.وروى ذلك عن ابن عباس:و ليس في كلامنا ما يدل على اختصاص الخطاب الإلهي بالإمام و عدم توجيهه لباقي المسلمين و قد جرت عادة القرآن بمخاطبة جماعة المؤمنين في شؤون العامة لاعتبارهم وحدة متضامنة على تنفيذ الشريعة و العمل على أحكامها،و قد ينادي الرئيس ثم يخاطب الجماعة،فيأخذ كل نصيبه من الخطاب(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص،يا أيها النبي إذا طلقتم النساء)إلى سائر النظائر.

3-سألتم عن(تخصيص السخرية بالاحتقار في حضرة المسخور منه)و جوابه انه على تفسيرنا تأخذ كل كلمة من الكلمات الثلاثة مركزها الخاص في الآية و معنى مقصوداً في الإرشاد فقد ذكرت السخرية والغيبة واللمز.  

واللمز التنبيه على المعايب في الحضرة قصد الاحتقار أم لا.و الغيبة الذكر بما يكره في الغيبة،فلم يبق للسخرية إلا أن تكون قصد الاحتقار في الحضرة،ولذلك قال الآلوسي،و قال بعض هي ذكر الشخص بما يكره على وجه مضحك في حضرته واختير أنها احتقارة قولا أو فعلا بحضرته على الوجه المذكور و اني المح في مواد استعمال السخرية هذا المعنى.

4-سألتم عن قولنا:( التنابز بالألقاب التداعي بها)و قلتم انه يشمل التلقيب بما هو مكروه و ما هو حسن مع أن المقصود من الآية النهي عن المكروه.فالأولى تفسيره بما فسره صاحب القاموس بالتعاير:فان هذا المعنى هو الذي استفاده القوم من هذه الآية.نعم المقصود هو النهي عن التعاير لكن التنابز وهو التداعي بالألقاب يشمل ما هو حسن وما هو مكروه و في لسان العرب(و التنابز التداعي بالألقاب وهو يكره فيما كان ذما)و النهي في الآية لا شك انه نهي عن المكروه.

5-سألتم عن قولنا(ثم بين الله العلة في النهي)وكأنكم ذهبتم إلى أن المراد من كلمة(علة)المعنى الاصطلاحي فذهبتم ترتبون لزوم دوران الحكم مع العلة وجودا وعدما،و ليس ذلك مراداً،و المقصود من كلمة(علة)في هذا المقام ونحوه ما يذكر في توجيه الحكم و سبب النهي،فهي ترادف كلمة سبب،و كلمة سر،و كلمة توجيه،و ما إلى ذلك على أن ما ذكر في صدد التوجيه يرجع إلى ظلم المسخور منه و السخرية في ذاتها ظلم للمسخور منه فهو معنى لا يكاد يفارقها سواءا كان المسخور منه افضل أم مساويا أم ادنى،و قد أشرنا إلى هذا المعنى بقولنا في السخرية ظلم بتحقير من هو في نفسه عظيم لا يستحق التحقير.

6-سألتم عن قولنا(فحقيقة التوبة علم وندم وقصد)و قلتم(أن العلم المذكور دخيل في حقيقة الذنب بمعنى أن الذنب لا يكون ذنباً ما لم يعلم الشخص أن في ارتكابه ضرراً عظيماً،فهذا العلم دخيل في متعلق التوبة لا في حقيقتها)و طبعاً تريدون من كلمة(دخيل)كلمة(داخل)

والغزالي يفسر التوبة بالمراحل التي تكوّنها،وهي في الواقع خطوات عملية يحسن(التائب)انه قطعها،و انه لم يصل إلى غايته من الطهر و التطهير إلا بعد ملابستها،فتمتلئ نفسه أولا بالباعث وهو الإحساس بان المعاصي مهلكة معبدة فينبعث من هذا الإحساس الصادق ألم و حزن على ما فرط منه في جنب الله وينبعث من هذا الألم طلب الخلاص منه إلى ما يوجب الفرح و المسرة من العمل بما يرضي و الإقلاع عما يغضب وعند الوصول إلى هذا تكون التوبة قد تحققت عند الشخص بعناصرها،وهذا معنى محس لا يحتمل الإنكار وهو مأخوذ من قوله تعالى" وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ" فالآية تشرح التوبة،وتبين أنها(ذكر الله)ويتضمن ذكر الله العلم بسوء عاقبة الذنب(والندم)وهو الاستغفار للذنوب السالفة و(الإقلاع عن الذنب)وهو تركه وعدم الإصرار على فعله،وإزاء هذه العناصر المتلازمة و التي تكوّن منها التوبة:فسرها الغزالي بجميعها فأوفى المقام حقه،وجمع عناصرها كلها و بعض العلماء نظر إلى المرحلة الأخيرة لانها الغاية ففسر التوبة بها،كما أن بعضهم نظر إلى الندم لانه اثر لما قبله وسبب لما بعده وهو العنصر الفعال ففسر التوبة به والذي يجمع العناصر ويساير دلالة القرآن أوفى وأوفق وهو رأي الغزالي الذي اخترناه.

7-سألتم فقلتم(أن الندم من الأمور الوجدانية لا يدخل تحت اختيارنا،و إذا كان داخلا في التوبة كانت التوبة غير مقدورة)كلنا نعلم أن الندم مقدور بسببه وهو العلم بسوء العاقبة:و مطلق العلم إذا قيل فيه غير مقدور أيضا:فجوابه انه مقدور أيضا بسببه وهو النظر أو التلقي وقد عرّض الغزالي نفسه إلى مثل هذه المناقشة وأجاب عنها فيما اذكر بمثل ذلك.

8-سألتم عن قولنا(و غير خاف أن معرفة كون المعاصي مهلكات جزء من الإيمان و عدم المبادرة إلى التوبة مفوّت لجزء من أجزاء الإيمان وقلتم لست اعرف وجه هذا الأمر فانا لو سلمنا جدلا أن هذه المعرفة جزء من التوبة فعدم حصول التوبة لا يوجب عدم حصولها لأن انتفاء الكل لا يوجب انتفاء الجزء فالشخص غير التائب يمكن أن يكون تلك المعرفة حاصلة عنده دون أن تحصل منه التوبة كما هو الحال في إبليس الخ…)

وهذه مناقشة تأخذ حكم سابقتها،فان عناصر التوبة التي شرحناها.(العلم،الندم،الترك)لا شك انها إذا وجدت وأخذت مركزها من النفس كانت متلازمة يلزم ثانيها من أولها،وثالثها من ثانيها لأن المراد من المعرفة التصديق الذي يملك على الإنسان وجدانه ولا تجافيه جوارحه هي المعرفة المذكورة في مثل قوله تعالى " وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ" أما المعرفة التي تشير إليها فهي من نوع المعرفة المذكورة في قوله تعالى " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ" وهي معرفة صورية لا حظ للقلب فيها و لذلك يجيء بعدها(وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)ومثلها لا يريده الغزالي ولا غيره في مثل هذا المقام،وإذا فالمعرفة الحقة لا توجد بدون توبة.

9-سألتم عن قولنا في تعريف الغيبة(من غير ان يحرج لذلك)و القيد ضروري ما دام الكلام في الغيبة المحرمة المنهي عنها(لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)و كثيراً ما يخرج اسم الحقيقة الشرعية عن عمومه اللغوي كالصلاة والزكاة والحج وما إليها.

10-سألتم عن قولنا(وقد يسترسل المذنب في الذنب حتى يصير طبعاً و يران على قلبه وقلتم أن أردتم أن العبد اصبح غير قادر على الترك فلا يكون الذنب ذنباً.وان أردتم انه قادر عليه فتصح منه التوبة ويمكن تحقق الندم منه) و المقصود من هذا تصوير عاقبة الإدمان والانهماك فيها على وجه الاستمرار وعدم التنبه إلى السوء عاقبتها،وان الشخص الذي يضع نفسه هذا الموضوع من المعاصي لا يفكر في عاقبتها وظل بعيداً عن الندم،ولا تحقق منه التوبة،وهذا المعنى قد جاء في قوله تعالى " كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" وجاء في قوله   صلى الله عليه وآله وسلم  لينتهين أقوام عن ردعهم الجمعات،أو ليختمن الله على قلوبهم تم ليكونن من الغافلين)وقوله   صلى الله عليه وآله وسلم  (أن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه،فان تاب ونزع واستغفر صقل منها.وان زاد زادت حتى يغلف قلبه)فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)وليس القصد من هذا كله ان الرجوع إلى الله والإقلاع عن الذنب اصبح غير مقدور له فلا يكلف به كيف والله يقول في حق من ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون:كلا انهم لصالوا الجحيم الخ..

و إنما القصد التنبيه على موضع حرمانهم والسر في استمرارهم،وهو الغفلة عما للذنب من سوء العاقبة فتتحرك نفوسهم نحو المعالجة بالنظر المولد للندم،والندم المولد للإقلاع والرجوع إلى الله.

و الرين المذكور في هذا الموضوع كالختم والطبع و الغشاوة و الإقفال والغلف وما إليها من الألفاظ التي جاءت تسجل على المدمنين انهم السبب في حرمانهم وبعدهم عن الله وعن التمتع بعطفه ورضاه(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون).

11-سألتم عن قولنا(من الظن ما يباح اتباعه الخ.)وقلتم فيه أشكال من وجوه.

أولا – أن الظن في أمور المعاش لو أبحنا اتباعه لزم الهرج والمرج في معايش العباد وتعدى بعضهم على بعض بدعوى وجود الظن فيه الخ..

وبينّ ان المراد من إباحة الظن في أمور المعاش الأخذ به في وسائل الاستثمار التي يظن أنها نافعة ومفيدة كالظن في طرق التجارة والزراعة والصناعة وغيرها مما لا يتصل بالافتات على حق أحد.إما تعدي بعض الناس على بعض بدعوى الظن فهذا ليس من الظن في أمور المعاش ولا يفهم منه و إنما هو من محاولة الافتات على حقوق الناس،أو ادعاء الحق فيما بأيديهم وسبيله القضاء.

ثانياً – قلتم انه لا دليل على وجوب اتباع الظن في الأحكام الشرعية ان لم نقل قامت الأدلة على حرمته،والمعلوم ان الذي قامت الأدلة على حرمته هو اتباع الظن الذي لا يكون معتمداً على إمارات معتبرة وهو الظن الذي يعارض به الحق ان يتبعون إلا الظن:ولا تقف ما ليس لك به علم:أما الظن الذي قامت على صحته الشواهد ومنه الظن بان حكم الله بالمسألة التي لا قاطع فيها هو كذا بعد ان يفرغ المجتهد جهده وبحثه فهذا ظن واجب الاتباع وقد نزله الشارع في وجوب العمل به منزلة المقطوع به،وقد بحث الأصوليون هذه المسألة وبينوا أثر مظنون المجتهد بما لا مزيد عليه:نعم أنكرت طائفة التعبد بالظن وهم محجوجون في ذلك لأن القرآن لم يذم الظن جميعه و إنما ذم البعض:ومن الظن محمود ومذموم(ان بعض الظن إثم لو لا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً).(إذا كان أحدكم مادحا أخاه لا محالة فليقل احسبه كذا)و اكثر أحكام الشريعة ظنية وقد بيّن ذلك أيضا بادلته في علم الأصول.

 

ثالثاً – قلتم لا دلالة في الآية على إرادة ظن السوء الخ.وقد جاء في الحديث ان الله حرم من المسلم دمه وعرضه وان يظن به ظن السوء:وجاء مرفوعا عن عائشة من أساء بأخيه الظن فقد أساء بربه الظن ان الله يقول اجتنبوا كثيراً من الظن فالآية وهذه الأحاديث تدل على ان المراد من الظن المطلوب اجتنابه هو ظن السوء،ولا يدخل الظن الحسن،بل ولا يصح ان يدخل،كما لا يدخل الظن المعتبر في الشرعيات ولا يصح ان يدخل.أما الظن بالمرائي فان كان معروف الرياء ومتيقناً عنده فانه لا يكون من باب الظن و إنما هو من باب العلم،أما إذا لم يكن معروف الرياء ولا متيقناً فالواجب حمل حاله على الصلاح كما يقولون والبعد به عن ظن الرياء ما لم يتيقن منه الرياء.

الرد(1)

على أجوبة فضيلة الشيخ المراغي

أتحفت بالمسرات أيها العلامة الجليل:و لا زال موردك العذب في سلامة من ألاكدار.

هبطت علي رسالتكم الكريمة فمثلت لي ذكرى محاسن الفضيلة,و طلعت عليّ هديتكم الجليلة فأرتني سمو أخلاقكم النبيلة التي كنت المسها على البعد نحو شخصكم المحترم جماع الفضل ونسيج وحده:و قد أوحت لي الأفكار بعض الخواطر في أجوبتكم تجدون أهمها طي هذا الكتاب و بالختام استنجد لطف الله و عنايته لي ولكم.

لقد كان الجواب عن السؤال الأول يشتمل على أمرين الأول ان الطائفة قصد في اصل إطلاقها الطوفان والدوران قضاء لحق الاشتقاق و ان هذا القدر كاف في صحة كون اللفظ جمعاً لطائف وان كان في الاستعمال الفعلي لطائفة لم يعد يلحظ هذا المعنى فيها:و الذي يوقفنا في هذا الأمر ان الاشتقاق لا دليل عليه إلا ذكر اللغويين لهما في مادة واحدة واللغويون إنما يعتبرون الاتحاد في المادة دون المعنى كما هو المعلوم من حالهم وتآليفهم:ولو سلمنا جدلا اخذ معنى الدوران والطوفان في اصل إطلاقها فهو لا يثبت كونها جمعاً بالفعل لان الجمع في قوة تكرار الواحد بالعطف وعلى هذا ففرض ان الطوفان ليس ملحوظاً فيها بالفعل:يثبت عدم كونها جمعاً لطائف بالفعل وظاهر كلامكم في صحيفة 65 من مجلة الأزهر الغراء انها جمع بالفعل لا بحسب الأصل.

الثاني ان الجماعة التي يطلق عليها كلمة طائفة فيها معنى التفات بعضها حول بعض سواء قصد في الاستعمال الشائع أم لا:وهذا الأمر لا يصحح دعوى كون الطائفة مأخوذ فيها الدوران والطوفان لأن الالتفات المذكور ليس إلا عبارة عن انظمام بعض الجماعة إلى بعض و هو غير الدوران والطوفان مع ان مجرد وجود معنى في معنى اللفظ مع عدم قصده منه لا يكون موجبا للدلالة عليه.

و أما السؤال الثاني فقد كان الجواب عنه يرجع إلى عدم دعواكم دلالة الآية الشريفة على عدم الوجوب الكفائي ولكن الظاهر من كلامكم في ص66 من المجلة المذكورة هو كون الآية دالة على الوجوب التعيني على الامام حيث قلتم فيها عند شرحكم لهذه الآية الكريمة أمر الله أئمة المسلمين أن يقضوا بينهم بالحق ثم فرعتم عليها بقولكم فالصلح والقتال المطلوبان في الآية واجب الامام:ومن المعلوم ان تخصيصكم أئمة المسلمين بالوجوب المستفاد من الآية دون المسلمين يشعر بان الوجوب على الامام تعيني:و يرشد إلى ذلك قولكم بعد هذا:فإذا وجد بلد لا يمتد إليه سلطان إمام المسلمين وجب على جماعة المسلمين ما هو واجب على الامام.

و أما السؤال الثالث فيرد على الجواب عنه بان السخرية اعتبرفيها ان يكون الاحتقار على وجه يضحك منه وهذا المعنى لم يكن يعتبر في الغيبة واللمز:قال الغزالي ومعنى السخرية الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه و قال النراقي  رحمه الله  السخرية الاستهزاء وهو محاكاة أقوال الناس و أفعالهم و صفاتهم و خلقهم قولا أو فعلا أو إيماء أو إشارة على وجه يضحك منه انتهى وعلى هذا تأخذ كل كلمة من الكلمات الثلاث(الغيبة واللمز والاستهزاء)مركزها الخاص في الآية الكريمة من دون حاجة إلى تخصيص السخرية بما هو غير داخل في معناها كما اعترفتم به.

و أما السؤال الرابع فقد كان الجواب عنه يرجع إلى الاعتراف بما تضمنه السؤال.

و أما السؤال الخامس فقد كان الجواب عنه يشتمل على أمرين أحدهما عدم استعمال العلة في معناها الاصطلاحي والثاني ان السخرية في ذاتها ظلم للمسخور منه لا يكاد يفارقها والأول لا كلام لنا فيه فان المعنى تابع لارادة المتكلم إلا انه كان الواجب نصب القرينة على عدم إرادة هذا المعنى المتعارف من لفظ العلة:و أما الثاني فهو غير حاسم لمادة السؤال ولم يكن فيه نفي لما أثبتناه ولا إثبات لما نفيناه.

و أما السؤال السادس فقد كان الجواب عنه لا يحل عقد الشبهة و لا ينفي لزوم أن يعتبر في حقيقة التوبة ما هو داخل في متعلقها:و أما ما ذكره الغزالي لو التزمنا به لزم ان تكون التوبة من الأمور التكوينية التي ليست تحت اختيار الإنسان إيجادها و هذا ينافي تكليف الشارع المقدس بها.

و أما السؤال السابع فقولكم في الجواب عنه ان العلم سبب للندم ان أردتم بأنه هو العلة التامة فهو غير صحيح لانه لو كان كذلك لندم إبليس على عمله ولندم أولئك الذين اخبر الله عنهم في كتابه المجيد بقوله جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم و ان أردتم به المقتضي فالقدرة على المقتضي لا توجب القدرة على المقتضى و إنما القدرة على العلة التامة تستدعي القدرة على معلولها.

و أما السؤال الثامن فيتلخص الجواب عنه بأن المعرفة على قسمين أحدهما المعرفة التي تملك على الإنسان وجدانه وتنقاد بها جوارحه والثاني المعرفة التي لا تكون بهذه الصفة و ان القسم الأول هو الداخل في حقيقة التوبة:وكأن فضيلة شيخ الأزهر سلك في هذا التقسيم مسلك العرفاء حيث قسموا المعرفة على ثلاثة أقسام.

الأول –هو معرفة الشيء بلوازمه و آثاره وسموها بعلم اليقين وهي التي تكون مقتضية للعمل و تحصل للعاصي وغيره و(الثاني)هو مشاهدة المطلوب بعين البصيرة والباطن وهو أقوى في الوضوح والجلاء من المشاهدة بالبصر وهو المسمى بعين اليقين و تحصل بالرياضة النفسية والتصفية و حصول التجرد التام للنفس أو بالعناية الربانية واللطف الإلهي(الثالث)هو أن يحصل وحدة معنوية وربط حقيقي بين العالم والمعلوم بحيث يندك أحدهما بالآخر ويفنى فيه وهو المسمى بحق اليقين وبهذين القسمين تتفاوت درجات الأولياء و الأنبياء والصديقين ومن المعلوم ان المعرفة التي تملك على الإنسان وجدانه و تنقاد إليها نفسه هي المعرفة بالقسمين الأخيرين وعلى هذا فلا يمكن اعتبارها في متعلق التوبة لأنها غير مستطاعة لكل أحد كيف وحصولها يكون أما بالمجاهدة التامة وتصقيل النفس و تصفيتها ليحصل لها التجرد التام حتى ترتسم بها الحقائق جلية وضاءة و هذا أمر لا يكاد يتيسر لعامة الناس و لا تطيقه أغلب النفوس و أما بالعناية الإلهية واللطف الرحماني فتنكشف لديه خفايا الأمور وتتجلى عنده حقائق الأشياء و هذا أمر ليس تحت طاقة الإنسان و قدرته و إنما يكون لمن شمله ذلك اللطف الإلهي وتوجهت إليه تلك العناية الربانية نعم ما ذكره الأستاذ إنما هو في التوبة عند أهل العرفان و السلوك التي أشار اليها السيد الطباطبائي قدس الله نفس الزكية بقوله:

مت قبل موت فهو الحياة
 

 

 

ما أهون الموت على من ماتوا
 

 

لا التوبة التي أمر الله بها عباده العاصين و جاءت بها شريعة سيد المرسلين تلك الشريعة السهلة السمحة التي لا ضرر فيها ولا حرج.

و أما السؤال التاسع فكان الجواب عنه يرجع إلى ان اعتبار قيد(من غير تحرج)في تعريف الغيبة من جهة الاصطلاح الشرعي:و لو كان الأمر كذلك لكان أهل الشرع اعتبروا في تعريفها هذا القيد و لكان هذا القيد معتبراً في سائر الحقائق الشرعية لأنه معتبر فيها على نحو اعتباره في الغيبة.

و أما السؤال العاشر فيظهر النظر في الجواب عنه مما قررناه سابقاً.

و أما السؤال الحادي عشر فالملاحظة في الجواب عنه هي إنا قد أخذنا اللفظ بظاهره والظاهر هو الحجة المتبعة في فهم كلام المتكلم كما قرر في محله.

و أما السؤال الثاني عشر فكان الجواب عنه يرجع إلى حصر الظن المتبع بما قامت الأدلة على اعتباره:و هذا عين ما ذهبنا إليه في نفس السؤال.

 

و أما السؤال الثالث عشر فكان الجواب عنه يرجع إلى التمسك بالحديثين على إرادة ظن السوء من الظن في الآية الشريفة:و بين ان الحديث الأول إنما يدل على حرمة ظن السوء لا على إرادته من الآية,و الحديث الثاني مرفوع والمرفوع ليس بحجة لاحتمال ان في سلسلة السند من ليس بثقة على ان التحقيق انه لا دليل على لزوم الأخذ بفهم من ليس بمعصوم عن الخطأ.

كلمة الجمعية

لقد بعثت إلى وزارة المعارف العراقية الجليلة وزارة المعارف المصرية المحترمة بصورة التقرير عن تيسير قواعد النحو و الصرف و البلاغة الذي نظمته اللجنة المؤلفة من أكابر أساتذة لغة الضاد في مصر وهم : الدكتور طه حسين ، الأستاذ احمد أمين ، الأستاذ علي الجارم ، الأستاذ محمد أبو بكر إبراهيم ، الأستاذ إبراهيم مصطفى و الأستاذ عبد المجيد الشافعي وبعد تاريخ نشره في الصحف العراقية بخمسة عشر يوماً سنة 1357 هـ ظهر على صفحات جريدة العراق الغراء نقد المؤلف العلامة الجليل الشيخ علي كاشف الغطاء له فكان موضع إعجاب القراء وله الأثر البليغ في الأوساط العلمية .

                                                                                                                                الجمعية

نظرات وتأملات(1)

في

قرار اللجنة المصرية العليا

في تيسير قواعد النحو والصرف والبلاغة

لقد قامت اللجنة المصرية بمهمة إصلاح الدراسة العربية وتيسير قواعدها وهذا لا شك انه خدمة تشكر عليهاإلا انه لما كانت اقتراحاتها لا تخلو عن بعض الملاحظات أردنا التنبيه عليها كي لا تخفي الحقيقة على طلابها.

تيسير قواعد النحو

ان ما سلكته اللجنة في تيسير القواعد النحوية لتسهيل دراستها لم يكن إلا تكثير اصطلاح وزيادة تكلف وعناء في هذه الدراسة حيث انه يرجع إلى أمور ثلاثة:

 الأول حذف بعض المطالب النحوية كمبحث الإعراب التقديري ونيابة بعض العلامات الإعرابية عن بعض:ومتعلق الظرف واستتار الضمير وسيجيء التعرض لهذه الأمور و بيان الفائدة التي تعود للطلب من دراستها.

الثاني اختصارهم لأبواب النحو بالتعبير بلفظ(الموضوع)بدل الفاعل والمبتدأ وإسم كان و اسم إن و أخواتهما و التعبير بلفظ(المحمول)بدل خبر المبتدأ وخبران وكان وأخواتها و التعبير بلفظ(تكملة الجملة)عن المفاعيل والحال والتمييز و بلفظ(تكملة المفرد)عن التوابع وجعلوا الأحكام مرتبة على هذه العناوين الثلاثة:و ليس بخفي انه بهذا الاختصار لا يستغنى عن البحث عن أبواب المواضيع المذكورة لاختصاص كل منها بأحكام لا توجد في غيرها فما اصطلحت اللجنة على التعبير عنه بالموضوع كالفاعل والمبتدأ:واسم ان:واسم كان يختص كل منها بأحكام لا يتضح للطالب ثبوتها لذلك الموضوع إلا بالتعبير عنه بلفظ يخصه دون التعبير عنه بلفظ الموضوع أو غيره من الألفاظ المشتركة بينه و بين غيره:فالمبتدأ مثلا يختص بوجوب مطابقة المسند إليه سواء تقدم عليه أو تأخر و بدخول لام الابتداء والنواسخ عليه وبتوسطها بينه وبين المسند إليه و بوجوب حذف المسند إليه في بعض الموارد وبعدم وقوعه نكرة محضة إلى غير ذلك من الأحكام المختصة بخلاف فاعل الفعل فانه ليس كذلك و هكذا الحال في اسم(لا)النافية للجنس فانه يختص بأحكام منها اشتراط كونه نكرة ومتصلا بها دون ما عداه وهكذا الحال في اسم ان أيضا فانه يختص بنصب المعطوف عليه ورفعه دون المبتدأ ومن المعلوم ان بيان هذه الأحكام يحتاج إلى التعبير عن موضوعاتها بلفظ مختص بها أما أن يكون اللفظ الذي وضعه النحاة و أما غيره ولا يكفي التعبير لتفهيم الطالب بالألفاظ العامة حيث يختلط عليه الحال ويشكل عليه الأمر.

 

و أما ما اصطلحت اللجنة على التعبير عنه بلفظ(المحمول)فالأمر فيه كذلك حيث ان خبر(كان)يختص بجواز التوسط بين كان واسمها مع بقائها على العمل وتقدمه عليها خلافالخبر ان وكذا خبر:ما ولا:يشترط عدم اقترانه(بالا)دون ما عداه وهكذا خبر أفعال المقاربة يشترط فيه أن يكون جملة فعلية فعلها مضارع مسند إلى ضمير اسمها إلى غير ذلك مما اصطلحت اللجنة على تسميته محمولا:فان هذه الموارد لا بد لذهنية المتعلم من تركيزها فيها بلفظ يخصها حتى يسهل عليه أعمالها وقت الحاجة ويستثمرها عند الإرادة.

و أما ما اصطلحت اللجنة على تسميته بالتكملة فالحال فيه أيضا كذلك إذ ان المفعول المطلق يختص بكونه مبينا للنوع أو العدد أو التأكيد و يقوم مقامه بعض الأمور دون المفعول به:والمفعول لاجله يشترط أن يكون العامل به من غير لفظه وعلة لعامله و يجوز جره بحرف التعليل في بعض الموارد و يجب في بعض آخر دون المفعول المطلق:والمفعول فيه يحذف عامله وجوبا في موارد لا يجب فيها حذف عامل غيره من المفاعيل:و التمييز يشترط فيه ان يكون مفرداً بخلاف الحال إلى غير ذلك من الموارد التي اصطلحت اللجنة على تسميتها تكملة فانه لابد من التعبير عنها بلفظ يخصها في مقام بيانها ولو صح الاختصار حتى مع اخلاله بالمقصود لصح لنا التعبير عن الجميع بلفظ الكلمة ونحوها فليس هذه الاصطلاحات من النحاة إلا لايضاح الحال وإزالة الاجمال.

الثالث إهمال إعراب بعض الأساليب العربية كالتعجب والإغراء و التحذير:و قد خفي على اللجنة ان البحث عن إعرابها إنما هو لاجل تفهيمها كي لا يبقى الطالب حائراً في المراد من مفرداتها ومركباتها مع انه في بيان اعرابه تترتب آثار نحوية فانه على تقدير اسمية(أحسن)في ما احسنه يصح اتصاله بياء المتكلم بدون نون الوقاية وتصغيره بخلاف ما إذا كان فعلا ماضياً:و كذا يصح التحذير بمثل(اياك الأسد)ونحوه من دون عطف(الأسد)و لا جره(بمن)على تقدير ان يكون العامل في (اياك)فعل متعد إلى اثنين و لا يصح ذلك على تقدير ان يكون العامل فيها فعل متعد لواحد هذا مع إهمال اللجنة لبعض أبواب النحو والصرف مع ما لها من الأهمية في اللغة العربية كباب الحكاية وباب الوقف وباب الإدغام وغير ذلك و ذكرهم لبعض الأبواب مع عدم التعرض لما يلزم دراسته منها و كان الأولى لهم أن يتعرضوا لما يجب دراسته من الأبواب النحوية والصرفية والترتيب في الدراسة بينها ومقدار ما يلزم أن يدرس من القواعد في كل باب من تلك الأبواب وجمع تلك القواعد في قاعدة واحدة مهما أمكن الجمع.

مقترحات اللجنة في النحو

وحيث قد اتضح لك أيها القارئ الكريم عدم الجدوى فيما سلكته اللجنة لتسهيل تعلم النحو أردنا أن نوقفك على بعض الملاحظات في مقترحاتها تتميماً للفائدة وإيضاحا للحقيقة.

باب الإعراب

من مقترحات اللجنة وجوب الاستغناء عن الإعراب التقديري والإعراب المحلي لأن تعلم ذلك يوجب مشقة على التلميذ من غير فائدة يجتنيها:و لكن المتأمل في أبواب النحو يرى وجوب اطلاع لتلميذ على هذا الأمر حيث ان العطف والنعت و غير ذلك من التوابع لا تظهر عليها الا حركة الإعراب التقديري فيما إذا كانت تابعة لما قدر فيه الإعراب كالمقصور والمنقوص:ولا تظهر عليها الا حركة الإعراب المحلي فيما كانت تابعة للمبني وتظهر عليها حركة البناء المقدر فيما كانت تابعة للمنادي المفرد المعرفة المقدر عليه حركة البناء فلو أهمل مبحث الإعراب التقديري والمحلي لوقع المتعلم في هذه الموارد في هوّة الغلط والاشتباه وخبط خبط عشواء.

 

العلامات الأصلية للإعراب  والعلامات الفرعية

ومن مقترحات اللجنة عدم نيابة بعض علامات الإعراب عن بعض وان كلا منها في موضوعه أصلا برأسه:و ليس بخفي ان غرض النجاة بالنيابة هو تفهيم الطالب ان مثل الواو في جمع المذكر السالم تغني عن الضم ولا ينطق بالضم معها وليس مرادهم بالنيابة المعنى الحقيقي لها كما صرحت به كتبهم المطولة وأشارت إليه كتبهم المختصرة ومن المعلوم ان هذا أمر يحتاج الطالب إلى معرفته والاطلاع عليه سواء عبر عنه بلفظ النيابة أو غيرها.

الجملة

ومن مقترحات اللجنة تقسيم الجملة إلى جزأين أساسيين و تكملة:وتسمية الجزأين الاساسيين بالموضوع والمحمول و تعريف الموضوع بأنه المحدث عنه:والمحمول بالحديث:و من المعلوم فساد هذا التعريف لعدم صدقه على جزئي الجملة الإنشائية إذ ليس هناك حديث ولا محدث عنه بل و لا يصدق على جزئي جملتي الشرطية فيكون هذا التعريق مخرجا لاغلب أجزاء الجمل العربية.

ومن مقترحاتهم ان الموضوع مضموم دائما إلى ان يقع بعد(ان)أو إحدى أخواتها:و لا يخفى انه قد سبق اللجنة في مثل هذا الاختصار بعض النحاة فقال كل عمدة مرفوعة إلا أنهم لم يعتمدوا على هذا الاختصار لعدم استفادة الطالب منه فائدة تغني عن البحث عن حكم كل باب من أبواب المرفوعات إذ انه بأي معنى فسر الموضوع أو العمدة فالحكم بالرفع غير شامل لأفراده الا ترى ان تفسير الموضوع بالمحدث عنه لا يصحح الحكم بالضم عليه في جميع الموارد لأن من المحدث عنه ما يكون مجروراً(بمن)قياساً مطرداً كما في صورة ما إذا كان نكرة واقعة بعد نفي أو نهي أو استفهام نحو(هل من خالق غير الله)ونحو(ما جاءنا من بشير)ومنه ما يكون فاعلا للمصدر فيجيء بإضافة المصدر إليه نحو(ولولا دفع الله الناس)ومنه ما يكون منصوباً كزيد في مثل(ضربت وضربني زيداً)فانه محدث عنه بأنه أوقع الضرب على المتكلم مع انه ينصب لئلا يلزم الإضمار قبل الذكر بل وفي مثل(زيداً ضربته)لأنه محدث عنه في المعنى مع انه منصوب بفعل محذوف.

ومن مقترحاتهم ان المحمول إذا كان اسماً يضم الا إذا وقع مع كان أو إحدى أخواتها و لا يخفى ان هذا الحكم بهذه الصورة يوجب تردد الطالب فيما إذا وقع المحمول حالاً(كراكباً)في قولنا جاء زيد راكباً أبوه فرساً أو وصفاً لمنصوب(كضارب)في مثل رأيت رجلاً ضارباً أبوه عمرا أو صفة للمجرور(كقاتل)في نحو نظرت إلى الرجل قاتل أبوه عمراً أو مفعول به(كضرب)في قولنا أردت ضربا زيد خالداً فانه لا يدري الطالب في هذه الموارد أيضم المحمول أو يجري فيه ما سيجيء من حكم التكملة و كان عليهم رفع الاشتباه.

متعلق الظرف وحرف الإضافة

ومن مقترحات اللجنة ان متعلق الظرف وحرف الإضافة إذا كان عاما لا يقدر وان المحمول في مثل(زيد عندك أو في الدار)هو الظرف وهذا الاقتراح وان كان قد سبقهم فيه أكثر المحققين من النحويين كالرضي وغيره إلا انه غير صحيح من وجهين.

الأول ان المحمول حسب ما عرفته اللجنة هو الحديث(وعندك و في الدار)في المثال المذكور لم يكن هو الحديث عن(زيد)بل الحديث عنه هو الكون عنده والكون في الدار.

الثاني انه ليس المراد بتقدير شيء إلا ان المعنى لا يتم بدونه بحيث لو فرض عدمه لما صح الكلام ما نحن فيه الأمر كذلك فلا وجه لنفيهم التقدير.

الضمير

ومن مقترحات اللجنة:إلغاء الضمير المستتر جوازاً ووجوباً و جعل الفعل المستتر فيه الضمير محمولا مفرداً لا جملة وهذا الاقتراح لا يمكنهم الالتزام به في صيغة الأمر(كبع وقم)و إلا لزم تركب الجملة من جزء واحد وهو خلاف ما ذكروه سابقا من ان الجملة مركبة من جزأين اساسيين الموضوع والمحمول.

ومن مقترحات اللجنة اعتبار ان الهمزة في مثل(أقوم)والنون في مثل(نقوم)إشارة إلى الموضوع بدل جعل الضمير فيها مستتراً.

و ما أدري أي تسهيل في هذا الاقتراح على الطالب,ولو رجعت إلى وجدانك أيها القارئ الكريم لرأيت ان تفهيم المتعلم ان الضمير مستتر فيها اسهل من تفهيمه ان الهمزة والنون إشارة إلى الموضوع.

 

و من مقترحاتها ان الضمير في(قمت)و(قمتم)غير دال على العدد وانه موضوع والفعل محمول,وهذا الاقتراح لم يكن فيه مخالفة للنحاة الا في ان الضمير في مثل(قمت)و(قمتم)غير دال على العدد,والفهم العربي ومعاجم اللغة تشهد بخلاف ذلك إذ لا ريب في دلالة التاء,على الواحد في مثل(قمت)و لذا لا يحسن استعماله في غيره و دلالة التاء والميم في مثل(قمتم)على الجماعة المخاطبين كدلالة الواو على جماعة الغائبين والحاضرين.

التكملة

ومن مقترحاتها أيضا,الاصطلاح على ان كل ما يذكر في الجملة غير الموضوع و المحمول فهو التكملة وحكمها أبداً الفتح الا إذا كانت مضافا إليها أو مسبوقة بحرف إضافة وقد سبقهم لمثل هذا الاختصار بعض النحاة حيث قال(كل فضلة منصوبة)إلا انهم لم يعتمدوا على مثل هذا الاختصار لعدم استفادة الطالب منه فائدة تغني عن البحث عن حكم النصب في كل باب من أبواب المنصوبات لمثل ما ذكرناه في الموضوع,فانه بأي معنى فسرت التكملة والفضلة فالحكم بالنصب غير شامل له.ألا ترى ان تفسير التكملة بكونها غير الموضوع والمحمول لا يصحح الحكم عليها بالنصب دائماً أبداً في جميع الموارد لأنه من التكملة بالمعنى المذكور تابع الاسم المرفوع ومفعولا ظن وأخواتها حال تعليقها والمفعول المطلق في بعض الصور كما في قولنا(له بكاء بكاء ذات عضلة)(و له ذكاء ذكاء الحكماء)فان هذه الموارد وغيرها من التكملة بالمعنى المذكور مع انها تكون مرفوعة قياسا مطرداً.

تيسير قواعد الصرف

ليس فيما قررته اللجنة في تيسير الصرف إلا الاقتصار على بعض أبوابه،من تصريف الفعل وصوغ مشتقاته وتثنية الاسم وجمعه:وحذف الأبواب الأخر كالأعلال والابدال والقلب معللين ذلك بعدم احتياج المبتدئ إليها وعدم وصول فهمه إليها.

ولا يسع هذا المقام التعرض لفائدة أبواب الصرف بأجمعها وما يعود إلى الطالب من دراستها مخافة ان يطول البحث ويخرج عن الغرض المقصود.

ولست مجازفا إذا قلت ان الفساد الذي دخل على ألفاظ اللغة العربية يرجع أكثره إلى إهمال القواعد الصرفية حيث ان أكثره ينشأ من تغير هيئة الكلمة أو تبديل حروفها أو حذفها أو الزيادة عليها دون مراعاة للقواعد الصرفية – و إنما نتعرض إلى فائدة الأبواب التي نصت اللجنة على حذفها من الاعلال،و الابدال،والقلب،ونضرب لك مثلا من قواعدها كي ترى عدم الصعوبة في دراستها وتطلع على وجه الحاجة إليها كقاعدة ان الواو والياء،إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما تقلبان الفا.

فان الطالب يستفيد من هذه القاعدة ان مثل(القول والبيع والرمي,والغزو,والخوف)وما أشبه ذلك من المصادر يكون ماضيها بالألف بدل الواو والياء لأنه في ماضيها يتحرك الواو والياء لعدم سكون ثاني الماضي الثلاثي ويفتح ما قبلهما لأن الفعل الماضي الثلاثي لابد من فتح أوله فتقلبان الفا.

وكقاعدة ان الفعل الثلاثي إذا كان وسطه الفا قلبت الفه همزة إذا صيغ منه اسم فاعل على وزن فاعل فانه يستفاد منها ان مثل(قال,و باع,وخاف)إذ صيغ منه اسم فاعل على وزن فاعل:قيل(قائل وباع وخاف).

وكقاعدة ان معتل الوسط الثلاثي إذا صيغ له جمع على وزن فعلان أو فعال قلب وسطه ياء فأنه يعرف الطالب من هذه القاعدة ان مثل(تاج وثوب)يقال في جمعه كذلك(تيجان وثياب)إلى غير ذلك من قواعد القلب والاعلال والابدال التي لابد للطالب من الاطلاع عليها والاحاطة بها.نعم لا ينكر ان هذه الأبواب بل وغيرها من أبواب الصرف تحتاج إلى التنقيح والتهذيب والجمع والتبويب بحيث يسهل على المتعلم داستها وعلى المعلم تدريسها.

 

البلاغة

ولكي نطلعك على حال ما تعرضت إليه اللجنة في هذا المقام سابقاً و ذكرته لاحقا لابد و ان نشير إلى أهم الفوائد التي تعود للطالب من معرفة هذا العلم وهو فائدتان.

(أحدهما)معرفة معاني التراكيب العربية وأسرارها والاطلاع على دقائق اللغة ومزاياها.

(الثانية)القدرة على تأدية الكلام وصوغه بصورة مقبولة ومعرض حسن تسيغه النفس ويقلبه الطبع وبهاتين الفائدتين يعرف وجه الحاجة إلى العلم المذكور وضرورة الاطلاع عليه حيث ان البصيرة بالأولى منهما توجب الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المقصود فلها من الأهمية ما للقواعد النحوية والصرفية من التحفظ بها عن الخطأ في مقام البيان والإفصاح(والثانية)منهما بها حياة اللغة العربية وجمالها ومعها يستطيع المتكلم ان يفهم مراده بصيغة عربية سهلة المنال لا يمجها الطبع و لا ينبو عنها السمع ولولاها لكان الكلام برطانة الأعجمي أشبه وبمجمجة السوقي الصق وحيث اتضح لك ما لهذا العلم من الأهمية في عروبة البيان والإفصاح ظهر لك أمران.

(الأول)ان ما أشارت إليه اللجنة سابقا من عدم الأهمية لهذا العلم مستندة في حكمها المذكور إلى استطاعة العرب الاستغناء عنه عصراً طويلا هو من أزهى عصور الحياة الأدبية غير صحيح إذا انا لو اعتمدنا على هذه المقايسة والمقارنة في الاستغناء عن علم البلاغة لاقتضى ذلك الحكم بنفي الأهمية عن سائر العلوم العربية لاشتراكها فيها:فان اللغة العربية مضى عليها هذا الزمن المذكور ولم يدون لها علم من العلوم ولا فن من الفنون.

(الثاني)عدم صحة إهمال بعض الأبواب التي لها الصلة التامة بالحياة الأدبية والأثر البليغ في حصول إحدى الفائدتين المذكورتين كبحث إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:والإسناد المجازي:وطرق النحو وأغراضه:و ما هو إلا بلغ من طرق التأدية:وغيرها من المباحث المهمة التي هي من متممات العلم المذكور ومن أقوى أسباب الظفر بغاياته:وبقيتْ أمور يأخذ بها على تقدير اللجنة في هذا المقام.

(أحدها)إهمالهم لبعض الموضوعات الأدبية التي تساوي الموضوعات المذكورة في الأهمية أو تزيد عليها كالرسائل والمحادثات.

(ثانيها)عقدهم فصلا في الإيجاز والإطناب والمساواة وعدم عقدهم فصلا لموارد حسنها كما صنعوا بالكناية والتشبيه والاستعارة.

(ثالثها)ان ما ذكروه من الفصول من أوصاف النثر الجيد والشعر الجيد ودقة استعمال الكلمة وجمالها وغير ذلك ان أرادوا بها أبواب البلاغة وشروطا العامة وأحوال الإسناد والمسند إليه وغيرها بحيث تتحد معها في نتيجة البحث ولم يكن ذلك إلا مجرد تبديل اصطلاح واختصار في التسمية فلا كلام لنا معهم إلا أنه لم يكن هذا التبديل ذو أثر في التيسير بل فيه إجمال وغموض:وإن أرادوا بها غيرها فقد عرفت ما لأبواب البلاغة من الأهمية والفائدة التي تستدعي وجوب دراستها والاطلاع عليها وهناك أمور أخر لا يسع المجال التعرض لها.

كلمة الجمعية

كانت مجلة الحديث الحلبية الغراء قد نشرت مقالاً للأستاذ خليل مردم عضو المجمع العلمي العربي في عددها الثاني من سنتها الثالثة عشر أبدى كاتبه فيه بعض الملاحظات على نسبة نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام  وقد رد عليه المؤلف فضيلة العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء بهذه الكلمة القيمة .

الجمعية 

 

نظرات وتأملات(1)

في

تشكيك الأستاذ خليل مردم في نهج البلاغة

ان كتاب نهج البلاغة لا يزال موضع بحث ومناقشة بين رجال العلم والأدب قديماً وحديثاً من حيث الجامع تارة والمنشئ أخرى وقد كان البحث فيه عن الناحية الثانية هو المهم لدى الجمهور لعلاقته بالدين الإسلامي وارتباطه بالأدب العربي وقد اشبع الكلام فيه من القوم ودفعوا شبهات المشككين عنه فلا يهمنا التعرض لها واعادة الكلام فيها و إنما يهمنا ان نتعرض لما ذكره الأستاذ مردم في هذا الموضوع مما أوجب تشكيكه فيه.

قال في ص158 من العدد الثاني من مجلة الحديث:وهناك شيء لا يصح البحث و لا يتم بدون تمحيصه وهو التثبت من صحة كل ما ورد في نهج البلاغة وانه من كلام الامام والقطع بذلك غير ممكن لأن الكتاب جمع بعد الامام بأكثر من ثلاثة قرون ونصف:وانت تعلم ان هذه الشبهة لو كانت موجبة للتشكيك في نسبة النهج لما صح الاعتماد على نقل المؤرخين لأغلب الخطب والكلمات عن المتقدمين بل و لا على نقلهم للحوادث السالفة.

وقال:أضف إلى ذلك النزعات المذهبية والأغراض السياسية التي لا تتحرج من الوضع والدس:و أنت تعلم ان ذلك لو أثر لم يبق لنا الجزم بصحة نسبة أغلب الأحاديث إلى الصحابة ولما صح أن يعتمد على مثل صحيح البخاري ومسلم وغيره من كتب الأخبار كيف ولو كانت النزعات المذكورة موجبة للتشكيك لكانت تلك الكتب أولى بأن يشك فيها من النهج و لا أظن الأستاذ يلتزم بذلك.

وقال:والذي يستثير العجب انك لا تجد في الكتاب كلاما للإمام إلا بعد مقتل عثمان:ولست ادري كيف صدر هذا الكلام من الأستاذ في النهج كلام صدر قبل ذلك فقد ذكر في كلامه(لما عزموا على بيعة عثمان ص127 جلد أول من النسخة المطبوعة في بيروت بنفقة محمد كامل بكداش و ذكر فيه كلامه لأبي ذر لما خرج إلى الربذة ص267 ج1 وذكر فيه كلامه عندما شاوره عمر في الخروج إلى غزوة الروم بنفسه ص274 جلد أول وذكر فيه كلامه لما استشاره عمر في غزوة الفرس بنفسه ص388 وذكر فيه كلامه عند دفن زوجته فاطمة عليها السلام  ص455 إلى غير ذلك من كلماته التي صرح في النهج بصدورها قبل مقتل عثمان هذا ومن الخطب التي اشتمل عليها النهج وهي الأكثرلم يعلم وقت صدورها فكيف صح الحكم عليها من الأستاذ بورودها بعد مقتل عثمان.

ونقل عن الذهبي انه قال ومن طالع كتاب نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي ففيه السب الصراح والحط على السيدين أبي بكر وعمر.

و أنت إذا سبرت أحوال الصحابة وما وقع بينهم من الخلاف والمنازعة وتأملت فعلهم مع عثمان وما وقع بين علي وبين طلحة والزبير وهم من أكابر الصحابة وما كان يراه أمير المؤمنين علي  عليه السلام  من أحقيته بأمر الخلافة والاضطهاد الذي ناله أيام خلافتهم فعند ذا لا تستبعد صدور مثل ذلك الكلام منه بل لا يعتريك الشك في صحة نسبته إليه:

قال والحق ان الشكوك التي تعترض الباحث كثيرة أولها الاختلاف فيمن جمعه فبعضهم يقول انه الشريف وبعضهم يزعم انه أخوه المرتضي.

و لا يخفى ان تردد الجامع للنهج بين علمين موثوقين يبعد في حقهما الافتراء على أحد من الصحابة لا يوجب التشكيك في النسبة إليه نعم لو فرض تردد الجامع بين الثقة وغيره كان وجه للشك في صحة النسبة إليه.

قال ثم تضخم الكتاب بالزيادات على توالي الأيام بعد وفاة الرضي والمرتضى.

وما أدري على أي مسند استند الأستاذ في الحكم  بالزيادة على توالي الأيام إلى ما قبل وفاة الشارح ابن أبي الحديد مع وجود نسخ عديدة في النجف الأشراف يقرب نسخها من زمان الرضي والمرتضى أو يبعد عنه بمئة سنة أو اكثر و ليس فيها أدنى زيادة أو نقيصة عما هو موجود في أيدينا من نسخ النهج وتوجد منها في مكتبتنا نسختان وفي مكتبة السماوي نسخة واحدة.

قال ان في النسخة التي علق عليها الشيخ محمد عبده المطبوعة بنفقة محمد كمال بكداش في بيروت نحو خمسين صفحة في الجزء الأول من(ص388 إلى ص433 )لم يروها ابن أبي الحديد في شرحه.

وهذا من الأستاذ في غاية الغرابة فان ما ذكره في هذه الخمسين صفحة كله قد رواه ابن أبي الحديد في شرحه,وشرحه شرحاً وافيا ولم يترك منه شيئا انظر ص195 إلى ص356 من المجلد الثالث من شرح ابن أبي الحديد المطبوع بمطبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر وكذا يوجد في المجلد الثاني المطبوع في إيران وكذا يوجد في النسخ الخطية من الشرح المذكور الموجودة عندنا.

و قد سبق الأستاذ إلى مثل هذا الكلام محي الدين الخياط في تعليقته على النسخة المطبوعة بنفقة محمد كمال بكداش ص388 والذي أظنه انه أخذه منه من دون تثبت فيه.

قال وجامع الكتاب نفسه يقول ما يشعر بعدم القطع بصحة ما جمعه.

و هذا وان كان صحيحا الا ان جامع الكتاب أشار لما لم تثبت صحته عنده اما بنقل رواية أخرى له أو بالتصريح بالشك في نسبه إليه انظر المجلد الثاني ص177 و ص303 فلا يكون هذا وجها للشك في الباقي بل يكون دليلا على القطع بصحته وإلا لأشار إلى الشك فيه كما أشار إليه في الموارد الأخرى.

قال وكثير من الخطب بل أكثرها غير كاملة.

و لا يخفى ان هذا الأمر ليس له مساس بالقطع بصحة النسبة أو عدمه خصوصاً بعد ما اخذ جامع الكتاب على نفسه ان لا يذكر الخطبة بأجمعها وان يختار محاسنها و يطرح باقيها انظر ص15 جلد أول:

قال وهناك كلام نراه منسوبا إلى غير الامام في غير نهج البلاغة كقوله في صفة صديق ج3 ص319 (كان لي فيما مضى أخ في الله)وهذا كلام مروي لإبن مقفع في رسائل البلغاء:و هذا في غاية الغرابة من الأستاذ فان ابن المقفع قد أشار في صدر رسالته التي ذكر فيها ذلك الكلام إلى انه ينقل فيها من كلام المتقدمين وحكم الأولين فقد قال: (وقد بقيت أشياء من لطائف الأمور فيها مواضع لصغار الفطن مشتقة من جسام حكم الأولين وقولهم ومن ذلك بعض ما انا كاتب في كتابي هذا)انظر ص19 من رسائل البلغاء المطبوعة بمنطبعة الظاهر بمصر.

على ان من تتبع كلمات البلغاء ورأى كثرة مآخذهم من كلمات من تقدم ونظر إيرادهم لبعض الآيات القرآنية والأبيات الشعرية والأمثال العربية كأنه كلام لهم حتى قال قائلهم:لولا ان الكلام يعاد لنفد:لم يجد في رواية الكلام من ابن المقفع أدنى تشكيك في نسبته للإمام  عليه السلام  من مثل الرضي ممن هو متضلع في الأدب العربي و يحمل نفسا عالية تأبى عن الافتراء والكذب.

و قال و كقوله في ج3 ص344 (ليس للعاقل أن يكون شاخصاً إلا في ثلاثة مرمة لمعاش أو خطوة في معاد أو لذة في غير محرم وهذا أيضا لأبن المقفع.

و أقول صدور هذا من الأستاذ في غاية العجب فان ابن المقفع قد صرح في كتابه الموجود فيه هذا الكلام بأنه يدخل فيه كلام غيره فقد قال في صدر كتابه هذا(و قد وضعت في هذا الكتاب من كلام الناس المحفوظ)انظر ص 3 من رسائل البلغاء المطبوعة بمطبعة الظاهر.

                   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

دليل كتاب

نظرات وتأملات

الموضوع                                                                                                                              رقم الصفحة

نظرات وتأملات................................................................... 1

مقدمة الكتاب..................................................................... 1

كلمة الجمعية...................................................................... 2

نظرات وتأملات في كتاب العرب للدكتور فيليب متى.................................. 2

إيمان البدوي....................................................................... 4

السلطة في البدو.................................................................... 6

جزاء الدم في عرف الصحراء........................................................ 6

النظام القبلي في الإسلام............................................................ 7

حرية المرأة البدوية................................................................. 7

الحرب عند العرب قبل الإسلام..................................................... 7

الإسلام دين الاستسلام............................................................ 8

معنى الجاهلية..................................................................... 9

تاريخ النبي   صلى الله عليه وآله وسلم  أيام حداثته................................... 9

الشخصيات الإسلامية في مبدأ الإسلام............................................... 9

مصدر اعتناق القبائل العربية للإسلام............................................... 10

الدين الإسلامي و اليهودية........................................................ 10

أسماء الله وصفاته وسبحة المسلم................................................... 11

وجه تسمية الإسلام بالإسلام...................................................... 11

معاجز النبي الخالدة وغير الخالدة................................................... 11

معنى العبادة..................................................................... 12

مقدار ترديد الصلاة والفاتحة و الركعات يومياً عند الإسلام............................ 12

صلاة الجمعة..................................................................... 12

موت الحجاج في طريق مكة المكرمة................................................. 13

الجهاد في الإسلام................................................................ 13

الموضوع                                                                                                                              رقم الصفحة

مناقضة المؤلف لنفسه.............................................................. 13

الفتوحات الإسلامية نتيجة لخطة مرسومة............................................ 14

غاية الفتوحات الإسلامية.......................................................... 14

زمن واقعة اليرموك............................................................... 15

علي ابن أبي طالب  عليه السلام  وعدم مداخلة في فتنة عثمان وكلمة الريحاني و جبران فيه 15

الذي أصلى الثورة على عثمان..................................................... 16

عدد جيش علي  عليه السلام  ومعاوية.............................................. 17

عدد الخوارج.................................................................... 17

موضع قتل الإمام  عليه السلام .................................................... 17

الولاية و أسباب اتصاف الشخص بها............................................... 17

الخلافة وظيفة دينية............................................................... 18

قدم الفكرة بان الخليفة أشبه بالبابا.................................................. 19

مصدر جعل الحسن  عليه السلام  خليفة على المسلمين................................ 19

الحسن بن علي  عليه السلام  والأسباب الموجبة لتنازله لمعاوية......................... 20

من هو قاتل الحسن  عليه السلام  ومن هو سيد الشهداء............................... 21

كتاب معاوية للحسن  عليه السلام ................................................. 21

الموضع الذي التقى فيه جيش طارق مع جيش ذريق.................................. 21

مصير ذريق...................................................................... 22

ليس لليهود أي مساعدة لطارق في فتحه طليطلة...................................... 22

عدد جيش موسى بن نصير........................................................ 22

مصير موسى مع طارق............................................................ 22

جيش السمح.................................................................... 22

من هم الموالي.................................................................... 23

من أي الأراضي يؤخذ الخراج..................................................... 23

لم يكن كثرة الداخلين في الإسلام.................................................. 23

سبباً لنقص دخل الدولة........................................................... 23

الموضوع                                                                                                                              رقم الصفحة

الموالي والشيعة................................................................... 24

أول من أسس المدارس ونشر المعارف............................................... 25

الإسلام والعبيد.................................................................. 25

واضع النحو الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام ................................. 25

الشعراء في عصر الفتوحات السابق................................................. 26

سكينة وعمر بن أبي ربيعة......................................................... 26

الحشو الممل في الكتاب............................................................ 26

المصاهرة بالعنصر الآخر........................................................... 26

فرق تسد........................................................................ 27

الوصاية ليس مبدأ جديداً.......................................................... 27

المعنى التركيبي لبغداد............................................................. 27

قصر الذهب..................................................................... 28

الصنم على قصر الخليفة........................................................... 28

نقد الحموي...................................................................... 28

عدم خضوع الإسلام للمؤثرات الفارسية............................................ 28

مناقضة المؤلف لنفسه.............................................................. 28

مصدر الحركة الثقافية في الإسلام................................................... 29

مصدر الرغبة في علم الفلك للمسلمين.............................................. 29

حنين بن إسحاق................................................................. 29

عدم انفراد حنين في ترجمة كتب جالينوس.......................................... 30

حبس المأمون لحنين............................................................... 30

علم البيان....................................................................... 30

الزواج في الإسلام................................................................ 30

الخمرة........................................................................... 30

تجارة الخمور..................................................................... 31

الحمامات في بغداد............................................................... 31

الموضوع                                                                                                                              رقم الصفحة

الصيد عند المسلمين............................................................... 31

اللواط.......................................................................... 31

يحيى ابن أكتم.................................................................... 32

أهل الذمة....................................................................... 32

الزراعة والإسلام................................................................. 32

أول من أسس المستشفيات في الإسلام............................................... 33

اشهر المؤلفين في الطب............................................................ 33

الفلسفة عند العرب............................................................... 33

الامام جعفر الصادق  عليه السلام  مؤسس الكيمياء في الإسلام....................... 33

تمحيص المؤرخين للروايات........................................................ 33

المؤلفات في علم الأخلاق.......................................................... 34

فن التصوير...................................................................... 34

التصوير ليس يخالف التورع........................................................ 34

كتاب ألف ليلة وليلة.............................................................. 35

عدد سكان قرطبة................................................................ 35

قرطبة زينة العالم................................................................. 35

الفصل في الملل والنحل............................................................ 35

الخطابة والدعاء أروع مثال في الأدب بعد القرآن..................................... 35

تعليم المرأة....................................................................... 36

كتاب عصر الأندلس.............................................................. 36

توجيه حديث لا عدوى في الإسلام................................................. 36

العوامل في سقوط الخلافة......................................................... 36

الشيعة........................................................................... 37

مصدر تفكيك عرى الدولة........................................................ 37

وقت صدور الإرادة الملكية بتنصر المسلمين.......................................... 38

القاعدة القائلة بثبوت المدنية العربية الدائم........................................... 38

الموضوع                                                                                                                              رقم الصفحة

ظهور جنكيز خان................................................................ 38

هولاكو.......................................................................... 38

واضع الصعوبات في سبيل حج النصارى............................................ 38

خطبة البابا بمحاربة المسلمين....................................................... 39

الذين تعاقبوا على الخلافة في مصر.................................................. 39

الملك المؤيد شيخ................................................................. 39

الملك برسن باى.................................................................. 39

الملك أينال....................................................................... 40

الملك بلباى...................................................................... 40

الملك قائت بلى................................................................... 40

منع خروج النساء................................................................. 41

كلمة الجمعية..................................................................... 41

نظرات وتأملات في المحاضرة التي ألقاها فضيلة شيخ الأزهر الشيخ المراغي عن سورة الحجرات     41

الطائفة ليست بجمع لطائف........................................................ 42

الصلح والقتال واجبان على المسلمين وجوباً كفائياً................................... 42

معنى السخرية.................................................................... 43

معنى التنابز بالالقاب............................................................. 43

العلة في النهي عن السخرية........................................................ 43

حقيقة التوبة..................................................................... 43

انتفاء التوبة لا يوجب انتفاء المعرفة................................................. 44

استرسال المذنب في المعصية........................................................ 44

عدم الحرج ليس داخل في حقيقة الغيبة.............................................. 44

حرمة اتباع مطلق الظن:عدم دلالة الآية على إرادة ظن السوء.......................... 45

جواب فضيلة الشيخ المراغي....................................................... 45

الرد على أجوبة فضيلة الشيخ المراغي............................................... 52

الموضوع                                                                                                                              رقم الصفحة

كلمة الجمعية..................................................................... 56

نظرات وتأملات في قرار اللجنة المصرية العليا في تيسير قواعد النحو والصرف والبلاغة... 56

تيسير قواعد النحو................................................................ 56

مقترحات اللجنة في النحو......................................................... 59

باب الإعراب.................................................................... 59

العلامات الأصلية للإعراب  والعلامات الفرعية...................................... 59

الجملة........................................................................... 60

متعلق الظرف وحرف الإضافة..................................................... 61

الضمير.......................................................................... 61

التكملة.......................................................................... 62

تيسير قواعد الصرف.............................................................. 62

البلاغة.......................................................................... 63

كلمة الجمعية..................................................................... 65

نظرات وتأملات في تشكيك الأستاذ خليل مردم في نهج البلاغة........................ 65

دليل الكتاب..................................................................... 70

 

 

 

 

 

 


( [1]) نشرتها صحيفة النضال البيرتية الغراء سنة 1365 .

( [2]) هو الأستاذ السيد جليل جواد يوم كان ملحقاً ثقافياً في المفوضية العراقية في بيروت .

(1) نشرتها مجلة الغري الغراء سنة 1359.

(2) الرسالة التي وجهها المؤلف العلامة الشيخ علي لفضيلة شيخ الأزهر .

(1) الرسالة التي وجهها سماحة شيخ الأزهر لفضيلة المؤلف العلامة الشيخ علي و ضمنها الأجوبة عن تلك المناقشات وقد أهدى له معها مؤلفين من كتبه القيمة:ترجمة القرآن الكريم واحكامها:رسالة لمؤتمر الأديان العالمي.

(1) الرد الذي وجهه المؤلف الكريم لفضيلة شيخ الأزهر.

(1) نشرتها صحيفة العراق الغراء سنة 1357 /6 ج2 الموفق 3 آب سنة 1938 المصادف يوم الأربعاء.

(1) نشرتها مجلة الحديث الحلبية في عددها لخامس من السنة الثالثة عشر.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD