تأليف

آية الله الشّيخ محَمّد رضا كاشف الغطاء

1310 -  1366هـ

تحقيق ونشر

المحققون

              أ. د. محمـد كاظـم البكـاء                                م. فضيلة عبوسي العامري              

   م. رفاه عبد الحسين الفتلاوي

العراق ـ النجف الأشرف

1434هـ ـ 2013م

 

7801006730 - 00964  /  info@kashifalgetaa.com  /  www.kashifalgetaa.com

 

 

مقدمة الناشر

الحمد لله الذي جَعَل مِنْ أظهر آياتِه وأسنى بيّناتهِ اختلافَ الألسنة والأصوات, والصلاة والسلام على سيد خلقهِ المؤيّد بسواطِع المعجزات, وبواهر الكرامات, وعلى آله الأئمة الهُداةِ, سفن النجاة, وفخر الكائنات.

وبعد: فلا يخفى على المتتبّعين ما للنجف الأشرف من المكانة المرموقة والعطاء الثّرّ في كُلِّ مجالٍ من مجالات العِلْم وفنون المعرفة, فهي فوق كونها مركز الدراسات الفقهية والأصولية العالية منذ ما يَنِيْفُ على ألف عام, فهي مَعْقِلٌ حصين وصرحٌ شامخ من صروح الثقافة الإنسانية والعلوم العربية. ولعلمائها الدور البارز في خِدْمة لغة القرآن الكريم, وإغنائها بكل ما يكفُلُ لها وفرة العطاء ودوام الارتقاء في معارج التطوّر والتجديد حتى احتلت موضع الصّدارة بين الحواضر العلمية, وكان لعلمائها الأعلام أنشطة متميزة ودأب متواصل في رفد الأمة العربية والإسلامية بكل جديد مبتكر من الدراسات اللغوية والإنسانية.

ومؤلف هذا الكتاب العلامة الفقيه الأديب الكبير آية الله الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء  قدس سره قد جمع الله له من المواهب ما تفرق في غيره, فهو مع كونه في الفقه والأصول من الأساطين والفحول, أديبٌ بارع, وصاحب اختيارات مشهود لها بالجدة والطرافة في الدراسات الحديثة, وكان ذا اهتمامٍ بالغ بمتابعة كل ما استجد في عالم الأدب والثقافة. ومن آيات ذلك أنه كان يتابع قراءة المجلات العلمية كالمقتطف والهلال وغيرهما, ويواصل التطلع إلى أحدث الآراء وأسدِّها, كما يظهر في دراسته التي أودعها في هذه الرسالة حول "الصوت" وما يتعلق بمخارج الحروف مما هو ثمرة من ثمار الدراسات الحديثة للعلوم الألسنية. وحسبك أن تطالع ما كتبه هنا لتستدل على صحة ما ذكرناه.

لقد طبع هذا الكتاب أولاً بتحقيق الدكتور خليل المشايخي, وبعد اطلاع بعض الأخوة من الأساتذة المحققين لاحظوا بعضما يجب أن يُتدارك على ذلك التحقيق, فبادروا إلى تحقيقه مرة أخرى, فجزاهم الله خير جزاء العاملين.

ولا يفوتنا في هذه المناسبة أن نقدم جزيل شكرنا وفائق امتنانا إليهم وإلى القائمين على مؤسسة كاشف الغطاء العامة والعاملين فيها وفي مقدمتهم أمينها العام سماحة العلامة الحجة الدكتور الشيخ عباس آل كاشف الغطاء.

والحمد لله أولاً وآخراً.

  

 

مقدمة التحقيق

ليس ثمّة نعت يليق بالحرف سوى كونه نورا يضيء صفحات القرطاس، ثم يجد سبيله سويّا إلى القلوب الواعية ليملأها ضياء؛ وإنّها لمخالفة شديدة ترتكب بحق الكتب المخطوطة إذ يحجب نورها عن الأنظار، ويكلّلها غبار الزمن والنسيان، فيجف بحر زاخر، ويفتقد درّ فاخر، ويضيع جهد ينتفع به الباحثون والعلماء، ويختفي مداد اكتسب مزية دماء الشهداء. فما زالت خزائن المخطوطات تنوء بالعلوم الزاخرة والكتب القيمة؛ وذلك يوجب فرضا على المؤسسات العلمية والدينية بأن تقوم بتحقيقها ونشرها، وقد كانت (مؤسسة كاشف الغطاء) رائدة في النهوض بهذه المسؤولية العظيمة، وقد وجدنا أنّ في مساهمتنا في أعمال هذه المؤسسة الكبرى تعاونا نؤدي به بعض الذي يوجبه فرض تقييد العلم بالأثر، فبادرنا إلى تحقيق كتاب قيم دعانا لاختياره علم مؤلفه وقيمة مادته، وهو المخطوط الموسوم بـ (الصوت وماهيته والفرق بين الضاد والظاء).

 إنّ هذا المخطوط قد حقّقه فضيلة الأستاذ خليل إبراهيم المشايخي في عام 2002، وقد دعتنا (مؤسسة الإمام كاشف الغطاء) لإعادة تحقيقه إذ وقفنا على ما يجب تصحيحه، وما ينبغي تداركه ليتم الانتفاع به، وسنذكر ملحوظاتنا على التحقيق المذكور.

 ومن المناسب أن نذكر أسلوب مؤلفه، وهو العلامة الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء من كبار عصره، وقد تجلّى لنا حرصه الديني في تأليفه هذا المؤلف، فثمة فروق صوتية بين الضاد والظاء، فخشى وقوع الخطأ في لسان المسلم في تأدية صلاته وما يتعلق بقراءته، فتأمل ونظر، وانتهى إلى رفع الحرج عن اللبس بينهما في ضوء البحث العلمي، وهدي الشريعة السمحة، ثم إنّه كان حريصاً على لغته الكريمة لغة القرآن العظيم، فراح يدرس أصواتها ونشأتها بعد استيفاء الكلام على طبيعة الصوت وماهيته.

 لقد انتهج المؤلف في مباحثه منهجاً علمياً رصيناً مفيداً من المراجع القديمة، وما جدّ في عصره، مما يدلّ على حرصه في متابعة قراءة المؤلفات والمصنّفات وآراء المستشرقين حتى المجلّات التي لاشك أنّها في عصره قد بلغت مستوى المؤلفات العلمية الرصينة، وقد عظم لدينا اهتمامه بالمصطلحات العلمية وما يقابلها باللغة الإنكليزية، وهو أمر يَلْفِتُ النظر في زمنه، ويميزه عن أسلوب الشيوخ وثقافتهم في عصره. وقد كانت له وجهات نظر قيمة، واستدراكات علمية طريفة، منها "وإنّي لا أزال في شك من القضية المعروفة من أنّ الموجات الصوتية تحدث على شبه دوائر. ومن الجائز أن تكون مختلفة الأشكال، فمنها ما يكون بشكل دائرة، ومنها ما يكون بشكل خطوط منحنية، ومنها ما تكون مستقيمة، وقد تكون في حالة تداخل أو تقاطع، ولو كانت كلّها دوائر لاتحدت الأصوات"، ومنها رأيه في اللغة الأم؛ إذ يقول: "وللعلماء نزاع في أن أي اللغات السامية هي الولد البكر... وتتنازع تلك الأولية لغات ثلاث السريانية والعربية والعبرانية وبالغ بعضهم فجعل العربية أمّا لهما"، ونبّه على موطن اللغة العربية حيث تلفظ الضاد والظاء اللذان يمثلان طابع العروبة الطبيعي، فقال "ويروى أنّ في نجد جبلا يسمّى عكاد، سكّانه يحسنون النطق بهذين الحرفين"، وانتهى إلى تزايد الأصوات، فقال: "ترتقي الحروف الهجائية العربية إلى تسعة وثلاثين"، وثمة آراء قيمة، ومباحث لغوية طريفة في الأصوات ونشأة اللغات، جديرة بالتدبر والقراءة.

وننهي مقدّمتنا في أنّا – لجنة التحقيق – قد بذلنا جهداًً جاهداً، واستغرقنا وقتاً طويلاً في قراءة المخطوط بهوامشه ومداخلاته واستدراكاته غير المنتظمة التي يبدو أنّها تخطر في ذهن المؤلف في أوقات متفاوتة حتى استوى هذا المخطوط نصاً نرجو أن يكون نافعاً، سائلين الله تعالى أن يوفقنا لخدمة لغة القرآن الكريم.

مؤاخذات على التحقيق الأوّل للكتاب:

 وجدنا أنّ بعض الكلمات قد حذفها المحقق في اثناء تحقيقه وهي موجودة في الأصل مثل الصفحة (4) في كلمة (علمي)، والصفحة (5) في كلمة (هو).

تغيير عبارات كاملة مثل الصفحة (3) (الضاد السنية والضاد الشيعية) استبدلت بـ(الضاد العراقية والضاد المصرية والشامية).

وجدنا أنّ المحقق يغير في بعض الكلمات مثل الصفحة (2) (أشكال) كتبها (شكل) والصفحة (3) (الحروف) كتبها (الحرف).

لم يتبع المحقق طريقة واحدة في تصحيح الكلمات التي وردت خاطئة في المتن إذ وجدناه يصحح بعضها ويشير إلى ذلك في الهامش في موضع من المخطوطة في حين اغفل عن تصحيح الكثير منها في مواضع أخرى من المخطوطة.

حذف المحقق بعض الحروف من غير مُسَوّغ مثل الصفحة (5) (بالضاد) كتبها (الضاد)، وحذف (ال) التعريف من بعض الكلمات مثل (الثلاثة) كتبها (ثلاثة).

حذف المحقق عدة اسطر من المخطوطة مثل الصفحة (7) ((من اهتزاز الأجسام فالجسم المهتز وهو المحدث.. يوصل تلك)).

غيّر المحقق بعض كلمات المخطوطة مثل الصفحة (13) كلمة (تندعم) بكلمة (تعتمد)، مثل الصفحة (8) (المتلقي) إلى كلمة (الملتقي).

أجرى المحقق تقديماً وتأخيراً في بعض العبارات مثل الصفحة (15) في الأصل (والهواء المتلطف منزلة المطمئن) إلى (والهواء بمنزلة المتلطف المطمئن).

أضاف المحقق بعض الكلمات على الأصل من غير مُسَوّغ مثل الصفحة (18) كلمة (خاشعين) بعد عبارة(خاشعين مهطعين خاشعين).

ملحوظات عن المخطوطة:

دأب بعض المؤلفين القدامى في ابتداء الصفحة بتكرار آخر كلمة من الصفحة السابقة لغرض دقة التسلسل بين الصفحات، وقد وجدنا ذلك لدى المؤلف احياناً.

اتضح للمحققين أنّ النسخة التي جرى تحقيقها قد استنسخت من نسخة أخرى بدلالة وجود بعض العبارات في الهامش التي تدلّ على ذلك، منها ما ورد في الصفحات (16) و(24) النص "إلى هنا النقل انتهى". ودليل آخر على اعتماده على نسخة أخرى أنه أشار في بعض الصفحات إلى التقديم والتأخير في النسخة الأصل التي لديه والعبارة التي حصل فيها التقديم والتأخير "على نسبة سطح الموصل الثاني فالثالث وهكذا" ينظر صفحة (15) وفي (16).

استكمل المؤلف بعض العبارات بحواشٍ إضافية طويلة كما ورد في الصفحة (17). وكانت العبارة المضافة "حدود القابلية السمعية... ذات تردد سمعي".

أُنجز تأليف الكتاب سنة (1340ﻫ) على ما ورد في الصفحة (53) التي هي آخر المخطوطة، ولكنّنا وجدنا ورقة العنوان تحمل التأريخ (1347ﻫ) وهذا يوضح لنا أنّ المخطوطة قد أُنجزت في التاريخ (1340ﻫ) ثم أتيحت الفرصة للمؤلف في نشرها عام (1347ﻫ) أي بعد مرور سبع سنوات من انجازها.

عنوان المخطوطة قد جاء على الوجه الآتي (كتاب الصوت وما هيته والفرق بين ض وظ وما ض يلحق بذا للظ من الفوائد) وقد نقّحناه ليكون (كتاب الصوت وماهيته والفرق بين الضاد والظاء وما يلحق بذا اللفظ من الفوائد).

لم يتقيّد المؤلف برسم الحروف وإملائها مثل كلمة (القراءة) يكتبها (القرائه)، وكلمة (مؤلفه أو مؤلف) يكتبهما (مولفه أو مولف)، وكذلك التاء المربوطة والتاء الطويلة مثل كلمة (رواة، منافاة) يكتبهما (روات، منافات)، وكذلك الضاد والظاء مثل كلمة (وظيفة) يكتبها (وضيفة).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة المؤلف

العلاّمة الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء

اسمه:

هو أبو علي محمد رضا ابن الشيخ هادي ابن الشيخ عباس ابن الشيخ علي صاحب (الخيارات) ابن الشيخ الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء ابن الشيخ خضر بن يحيى الجناجي المالكي النجفي علم الأعلام، وسيف الإسلام شيخ الفقهاء صاحب كشف الغطاء الذي ألّفه في سفره([1]).

ولادته:

ولد في النجف ليلة الأحد التاسع من شهر شعبان سنة 1310هـ([2]).

نشأته:

 نشأ في أسرة علميةٍ تعرف بـ (آل كاشف الغطاء)، وهي "من الأسر التي ذاع صيتها وحلق اسمها بعيداً في عالم العلم والأدب والزعامة الدينية ابتداء من القرن الثاني عشر وحتى اليوم"([3])، وقرأ على أبيه الإمام الهادي مقدمات العلوم، ثم اختلف إلى حلقات المشاهير من الأعلام في الأصول، فحضر دورة الكفاية التي تستغرق ثلاث سنين خارجاً عند السيد أبو الحسن الأصفهاني الأولى من غرة ربيع الأول 1330هـ، والثانية من غرة شوال 1334هـ، والثالثة في جمادى الآخرة 1338هـ، وحضر بحث شيخ الشريعة في الفقه كتاب نجاة العباد في 12 ذي القعدة 1332هـ، وعلى الشيخ علي القوجاني عام 1332هـ كما أخذ الأصول أيضاً على يد الشيخ ميرزا حسين النائيني في 15 ذي القعدة من عام 1333هـ وكتب تقريراته، وعلى الشيخ أغا ضياء الدين العراقي عام 1331هـ وكتب تقريراته، وبذلك استطاع أن يقف على فهم علم الأصول. أمّا في الفقه فكان ملازماً حلقة والده الإمام الهادي، وكان من خيرة المناقشين حتى أصبح مسلّم الاجتهاد عند العدو والصديق([4]).

أخلاقه:

قال عنه علي الخاقاني:

 "وأبو علي عرفته منذ نشأتي للصلات التي تربط والدي بوالده والتي كما سمعت تربط جدي بجده إنساناً قلّ من رأيت في صباحته وإشراقهِ وخلقه الذي ارتفع على عامة أسرته مع رِقّة وتواضع ديني، وكان يلاقي الكبير والصغير ملاقاة الإنسان الذي لا يرى لنفسه ميزة عليهم فقد نكر ذاته في هذه الناحية وإن حرص عليها في نواحي العلم والأدب وتعصب لها.

 كنت كثيراً ما اجتمع معه لأمور تتعلق بنفائس المخطوطات عنده، فكان يلبي الطلب وإن عزَّ صنعه من غيره، ويشجع على نشر العلم وإن لم يعبأ به أمثاله، وكم كان يفرض على الزائر له أن يطيل المكث عنده دون أن يشعر بنفسه لما يلاقيه من صفاء وطهارة قلب"([5])؛ لذا عدّ علماً من أعلام الدين والتقوى وبقية من بقايا السلف الصالح، ومرجعاً من مراجع الشرع الشريف([6]) وقد وصف سلمان الصفواني أخلاق الشيخ محمد رضا قائلاً:

 "دلّ بتواضعه على سمو نفسه، وعزوفه عن مفاتن الدنيا الخداعة فإذا قلنا عنه إنه: فقيه العلم والأدب والفضيلة فانّا لانطلق هذه الكلمات جزافاً ولا نجامل أحدا"([7])، وفضلاً عن التواضع فقد اتصف بالجود والكرم وقد وصفه أحد الشعراء قائلاً([8]):

غياثٌ إذا نادى المروع باسمه
 

 

رأى، قبل رجع الصوت تلبية الندا
 

وكهفٌ منيعٌ يستجار بظله
 

 

إذا جار صرف الدهر يوماً أو اعتدى
 

 

وقد حملت هذه الصفات التي اتسم بها الشيخ الجليل الشعراء على مدحه في شتى المناسبات. ومن الشعراء الذين مدحوه الشاعر الكبير الشيخ محمد رضا الشبيبي في قصيدة مطلعها([9]):

بعض الصدود قتلت صَبّك معرضاً
 

 

أو ما كفاك من القطيعة ما مضى
 

 

ويقول فيها:

ويَقوْمُ بالعبء الثقيل لو استوى
 

 

في متن يذبل لم يطق أن ينهضا
 

 

تدريسه وتلامذته:

 كان الشيخ محمد رضا من العلماء النابغين والمبرزين في الفضل والكمال والفقه والأصول([10])، وقد ظهرت آثاره العلمية ظهوراً قوياً في حلقته التي اختلف إليها كثير من فضلاء العصر، فكان يمتاز فيها بحسن العرض وقوة الإدلاء، وكان يختار في كتابته السهل الموجز، ويكره التقعر والتعمق والإطناب في الإنشاء، ويرى أنّ الحقائق إذا وضعتها الكتّاب في أعماق ألفاظ خشنة، ودُفنت في قوالب من البيان غامضة فقد حولت من سجن إلى سجن آخر([11])، أمّا قراءاته فقد اتسمت بالتنوع واتسم صاحبها بمواصلة الحضور إلى مجالس أبحاث ثلة من علماء عصره في علوم مبتكرة جعلته صاحب آراء مبتكرة ومستحدثة([12]).

 وقد تخرج على يديه الكثير من الأفاضل من مدرسته، وكانت حلقات درسه تحتوي على الكثير من مهرة الفن، كان تلاميذه في علم النحو والمنطق والمعاني والبيان والأصول والفقه والهندسة لا يفضلون أحداً عليه، وله آراء مبتكرة وآراء مستحدثة ضمّنها في مؤلفاته، وكان محل تدريسه وبحثه في مقبرة جده العباس([13]).

نشاطاته:

 اشتغل بالسياسة زمناً في شبابه، ولكنّه آثر أن يعتزلها رعاية لوالده ومعاضدة لزعامته الدينية، وكان إلى جنب السيد أبو القاسم الكاشاني في حادثة ثورة النجف، ولم يطل عهده بهذه السيرة التي لم يسلم منها على الأغلب إلا الفحول من الرجال، فانبرى نحو سيرة آبائه الذين هيمنوا على الدنيا والدين بسلوكهم في فصْل الخصومات وحلّ المشاكل الاجتماعية، وكان  رحمه الله  من أولئك الذين استطاعوا أن يمتلكوا قلوب الناس عن هذا الطريق المعبّد([14]).

 وقد تحدّث الأستاذ صالح الجعفري عن وطنيته وكفاحه المستعمرين بقوله عنه: "أحد أركان النهضة العراقية ومؤسسيها، وأوّل من لبّى نداءها وامتحن في كفاحه الأدبي عنها"([15]).

 وقد اضْطلعَ بإمامة الجماعة في الصحن الشريف جهة باب الطوسي بعد وفاة والده P، وقد حاول بجهود كثيرة أن يلحق خوزستان العربية بالعراق، وقدّم بذلك تقريراً مسهباً لمجلس عصبة الأمم وراجع في ذلك كثيراً من الشخصيات السياسية ولكنَّ الأجل المحتوم لم يمكنه من إنجاز مهماته([16]).

مؤلفاته:

ترك الشيخ محمد رضا  رحمه الله  آثاراً مهمة جليلة في جملة من العلوم التي مهر فيها، وقد طبع بعضها وما زال القسم الآخر مخطوطاً([17])، ومنها:

حاشية على كفاية الأصول.

رسالة في الخط العربي.

خمس مقالات في الهندسة تعرض فيها لأغلب الأشكال التي ذكرها إقليدس في كتابه وقد برهن عليها بوجوه لم يذكرها إقليدس ولا العلامة الطوسي وذكر فيها جملة من اختلافات الوقوع أيضاً لم تذكر في تحرير إقليدس للطوسي.

الفصول الرائقة في الأمثال العامية الدارجة في العراق.

ديوان شعره.

تحقيق وتعليق على الجزء الخامس لكتاب حقائق التأويل للشريف الرضي وقد طبعته جمعية منتدى النشر، وقد أعرب فيها عن اطلاعه اللغوي وتعمقه في فهم مصطلحات القرآن([1]).

الصوت وماهيته والفرق بين الضاد والظاء.

الحق المبين فيمن يجب إتباعه من المرسلين.

تقريع العصا في الرق والنخاسة والخصا.

ترجمة الشريف الرضي.

كتاب الغيب والشهادة.

في الرد على النصارى، حاكم فيه بين الإسلام والنصرانية بالنظر إلى الأحكام العقلية وعدم الاتكال على النصوص الدينية.

الرق بالإسلام وفيه يحاول التخلص منه عن طريق الاسلام.

نقد الاقتراحات المصرية.

زيد بن علي.

 

([1]) ظ. شعراء الغري 8/421.

 

([1]) ظ. شعراء الغري 8/421.

شعره:

 تحدث علي الخاقاني واصفاً شاعريته قائلاً: "وفي شعره لا يصح لنا أن نضعه في طبقة الشعراء، نعم هو ربما يقرض الشعر ليقيد فيه بعض آرائه الفلسفية، ومما نذكره عنه أنّه لم يُحصَ عليه إلى الآن فيما نُشِرَ عنه أو نشره هو في الصحف والمجلات العراقية وغيرها شيء بتوقيعه الصريح إلاَّ شيء يسير لم يذكر"([19]).

 وفي موضع آخر يقول عنه: " كما رأيناه وقرأنا شعره ووقفنا على محاكماته الأدبية ونقده لأساليب الشعر وإظهاره السقطات لكثير من الشعراء يفهمنا أنّه شاعر مجيد غير أنَّ الهدف الذي حاول أن يصل إليه واستطاع أخيراً أن يظفر به منعه من الاستمرار في نظم الشعر. أما بيئته التي نشأ بها وأخدانه الذين عاشروه زمناً طويلاً أمثال الشيخ محمد رضا الشبيبي والشيخ علي الشرقي والسيد سعيد كمال الدين وغيرهم من ذوي الفضل والعلم كان لا يتخلف عن الجري معهم في الحلبات. ولاحتياطه أن لا يعرف كشاعر فقد كان يكثر من النشر بتوقيع (م.ر.ح) في المقتطف والعرفان والنجف ولغة العرب"([20]).

نماذج من شعره:

 لقد نظم الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء قصائده في الغزل، والمديح، والرثاء، والسياسة، وكان كثير منها يغلب عليها الحس الوطني؛ وقد نشرها تحت رمز مستعار (م ر ج) في المقتطف والعرفان والنجف ولغة العرب([21])، ومن تلك النماذج قصيدته التي نظمها بعنوان الخميلة([22]):

تغنّت ولما كان قلبي فارغاً
 

 

من الصبر كانت زفرتي بعدها صدى
 

وناحت فأبكت في الخميلة زهرها
 

 

بشجو فهذا الدمع من فوقها ندى
 

وعانقها مر النسيم فراعها
 

 

تعطف أغصان به الريح قد جرى
 

كأني والوادي ضمير لعاشق
 

 

يغالط عمّا حلَّ فيه من الجوى
 

وعندي ضمير مفعم بهواجس
 

 

لها القلب خفاق لها الطرف قدهما
 

وأثر بي رجع الهزار ولحفه
 

 

يردده جري الجداول إن شدا
 

وقد طفح الوادي جمالاً وبهجة
 

 

بما اقترحت فيه الطبيعة من هنا
 

وما حسرات رددتها جوانحي
 

 

سوى بيت شعر قد تغنت به المنى
 

 

 وله قصيدة يمدح السيّد علياً العَلاق جاء فيها([23]):

دع الغواني والطرب
 

 

فدونهنَّ لي إرب
 

تطلب العز وإن
 

 

عزَّ عليك ذا الطلب
 

ينام من ذل وذو
 

 

المجد مسامر الشهب
 

مصاحبي مهندي
 

 

وصهوتي متن النجب
 

يا ليتني إن لم أسُد
 

 

أبيت مصفر الوطب
 

للمجد قوم خلقوا
 

 

وآخرون للعب
 

لا دعدعاً لمعشر
 

 

فاتَهُمُ نيل الرتب
 

إلى العلى تقدما
 

 

حيث العلوم والأدب
 

حيث المعالي تبتني
 

 

حيث المزايا تُكتَسب
 

كم راحة دائمة
 

 

أنتجها مر التعب
 

من داؤه العجز غدا
 

 

فداؤه لا يستطب
 

ما الفضل إلاَّ زينة
 

 

قد حازها ذَوُوْ النشب
 

إن تمتطي راحة الـ
 

 

عز فقدها بالنصب
 

 

وله في الغزل قصيدة بعنوان: مغازلة المنى([24]):

وأجمل ما خيل الشاعرون
 

 

منىً فمغازلتي للمنى
 

تسربت في نجوات الخيال
 

 

فطوراً هناك وطوراً هنا
 

ولي حلم مثلما يحلمون
 

 

أُغازله إن بدا موهنا
 

وما حَيرَتي وهي بنت الشكوك
 

 

سوى حَيْرَتي هاهنا هاهنا
 

 

وله قصيدة في السياسة بعنوان – حب الترقي- قالها عند إعلان الدستور العثماني وخلع السلطان عبد الحميد, يقول فيها([25]):

حب الترقي شأن كل غَيُورِ
 

 

من آمر حر ومن مأمور
 

فانهض بعزمك ما استطعت فإنه
 

 

(لا يترك الميسور بالمعسور)
 

ماذا يصدك عن نهوضك للعلا
 

 

والحكم هذا اليوم للدستور
 

لا عاد دور المستبد فإنه
 

 

دور الرشا والظلم والتزوير
 

دور به الأحرار بين مشرد
 

 

ناءٍ وبين مكبل مأسور
 

تُجبى به الأموال إلاَّ أنها
 

 

لشراب خمر أو بناء قصور
 

ما أُنفقت يوماً لقوة فيلق
 

 

كلا ولا بذلت لحفظ ثغور
 

يا أُمة الشرق التعيس تيقّظي
 

 

وتبصري بعوالم التنوير
 

 لا شبَّ طفلكم ولا نار لكم
 

 

إن كنتم ترضون بالتأخير
 

كلا ولا بلغ الفطام رضيعكم
 

 

أو لا رضعتم غير ثدي غرور
 

 

إنْ لم تهبّوا مسرعين بعزمة
 

 

فيها يحوز الفخر كل غيور
 

أفتاة هذا الشعب ربة خدرها
 

 

ما آن خلعك حُلّةَ التقصير
 

أفتسترين الوجه تبدين الحيا
 

 

والجهل بادٍ ليس بالمستور
 

عودت رفض العلم حتى خلته
 

 

دين يدان به بغير نكير
 

هذي نساء الغرب دونك فانظري
 

 

هل تبصرين بهن ذات قصور
 

فَدعي الخمول وراء ظهرك وانهضي
 

 

للعز نِهْضَةَ ثائر موتور
 

فسلي سلانيك الشعوب وشمري
 

 

تجدي رشاد عواقب التشمير
 

فنياز ذاك الشعب أصبح (أنورا)
 

 

من سعي (محمود) بها مشكور
 

وإليك يا بن الشعب من ذي خبرة
 

 

نصحاً فلا ينبيك مثل خبير
 

أبذل لموطنك العزيز أعزّ ما
 

 

أحرزت من وعظ ومن تذكير
 

وأراك تركيا الفتاة مدينة
 

 

بسوى العدالة ما لها من سور
 

فليحي دور العدل فينا آخذاً
 

 

شرف (الرقي) بسيرة (الدستور)
 

 

وله قصيدة يستنهض فيها الشباب العراقي عام 1348هـ قال فيها([26]):

 أبني العراق ومن بنشر صفاتهم
 

 

طاب الحمى وتعطرت أنفاسُهُ
 

هذا عراقكم وأنتم نشؤه
 

 

جدوا فأنتم في غدٍ سُوّاسُهُ 
 

أنتم أسود والعراق عرينكم
 

 

والليث يحمي الغاب منه باسه
 

هل تختشي كيد العدو ومكره
 

 

والعُربُ من أبنائه حُرّاسُهُ
 

من قاس بالعرب الأماجد غيره
 

 

في المجد أخطأ حدسه وقياسه
 

فاقوا الأنام شجاعة وسماحة
 

 

والعلم منهم أصله وأساسه
 

وأحق شخص بالفضيلة من غدا
 

 

بين الأنام وكتبه جُلاّسه
 

أقلامه دون الورى ندماؤه
 

 

أبداً ومجلس أنسه قرطاسه
 

والمرء يعلو قدره بعلومه
 

 

شرفاً ويزكو إن زكت أغراسه
 

لا يرفع السيف الكليل نجاده
 

 

كلا ولا المرء الوضيع لباسه
 

لولا المعارف والمدارس لاستوت
 

 

أنعام هذا المستقر وناسه
 

فتداركوا الوطن العزيز وبادروا
 

 

من قبل أن يلوي به أنعاسه
 

وعليكم مني التحية والثنا
 

 

ما مال من غصن النقا مَيّاسه
 

 

وله قصيدة في السياسة بعنوان (متى يهب الشرق)، وقد كتبها بتاريخ 28 شوال سنة 1348هـ بخط يده يقول فيها([27]):

 

متى يهب الشرق من منامه
 

 

فالحق قد عاد إلى انتظامهِ
 

وقد تقضى زمن الجور الذي
 

 

كنا نعد آنه بعامهِ
 

مضى زمان كان يرجى قِيله
 

 

واليوم لا يرجى سوى نظامه
 

مضى زمان يحكم الجور به
 

 

والعدل هذا اليوم من حكّامه
 

مضى زمان حرج قد اغتدى
 

 

يحذر فيه الغمد من حسامه
 

يا ثملاً والجهل ملء كاسه
 

 

وباذلاً جمامه لجامه
 

كن بعض جنْد (العلم) عزّ نصره
 

 

فالفتح قد رفَّ على أعلامه
 

انهض إلى نيل الكمالات فما
 

 

نال العلى من ظل في منامه
 

أقدم على كسب العلى فإنما
 

 

يعرف قدر المرء في إقدامه
 

ما لابن هذا الشعب يقضي دهره
 

 

يملكه السخيف من أوهامه
 

لا فخر للغيث ببرقٍ خُلّبٍ
 

 

لكن فخرا الغيث بانسجامه
 

 

 

 

طريقة لم يعتصم بها امرؤ
 

 

إلاَّ ونال الفوز في اعتصامه
 

الحر من لم يتخذها سُلّماً
 

 

يرقى به للفوز في مرامه
 

الحرُّ مَن قد صانها في زمن
 

 

يكثر فيه الطعن من طغامه
 

الحرُّ مَنْ لا يقبل الظلم ولا
 

 

يركب متن الجورِ في أحكامه
 

الحرُّ مَنْ ساوى وواسى
 

 

في خدمة الشعب وفي إكرامه
 

الحر من يصدق في مقالة
 

 

ويتقي البهتان في كلامه
 

الحر من يجد في نيل العلى
 

 

حتى يقود العز من زمامه
 

هيَّا أخي الشرقي نخْدم وطناً
 

 

فالفخرُ أن نعدّ من خدَّامه
 

هيَّا بنا نسعى معاً بهمّةٍ
 

 

ينحطّ عنها النجم في مقامه
 

نَهْنِهْ عن الجهل وبادر فالفتى
 

 

من بادر الفرصة في أيامه
 

ولا أقول الشعر كي يقال ذا
 

 

يبدع في الرائق من كلامه
 

بل لم يطع كَفّيَّ غير قلمي
 

 

ونصرة الأديب في أقلامه
 

 

وله قصيدة محفزاً فيها قومه لحب الوطن([28]):

لا يسلم الوطن العزيز من الأذى
 

 

حتى يكون سياجه من هام
 

عيشوا به بين الأنام أعزّة
 

 

أو لا فموتوا فيه موت كرام
 

تعساً لمن يلهيه عن طلب العلى
 

 

ألحاظ فاتنة بحسن قوام
 

آبائي العرب الغطارفة الأُلى
 

 

فتحوا بلاد الترك والأروام
 

والعلم خير أب يكون ومن خلا
 

 

منه فمعدود من الأيتام
 

والعلم والآداب أحسن حلية
 

 

للمرء في الدنيا وخير وسام
 

شرف الفتى بكماله وعلومه
 

 

لا بالجدود وهيئة الهندام
 

وإذا خلا الإنسان من علم ومن
 

 

أدب فذاك يعد في الأنعام
 

فإلى تلامذة العلوم تحية
 

 

وعلى الأساتذة الكرام سلام
 

 

وله قصيدة بعنوان (الجماد الحي) يقول فيها([29]):

كُلُّ ما فيك إلفة وانحلال
 

 

حولاه تفاعل وانفعال
 

فهما تارة حياة وموت
 

 

هو هذا مصيرنا والزوال
 

فجماد حي وحي جماد
 

 

إنتقال في إثره انتقال 
 

اتصال فوحدة فهي حي
 

 

ذو شعور ففرقة فانفصال
 

سنة في الطبيعة ابتدعتها
 

 

قدرة بل عناية بل جمال
 

لَكِ منّا يا أرض مَيْتٌ لِحَيّ
 

 

لم نزل هكذا كما لا نزال
 

 

المطارحات والمداعبات الشعرية:

 المطارحات: هي مسائل عويصة يقصد بها تنقيح الأذهان، وضعت للامتحان يتطارح بها الفقهاء عند اجتماعهم أي: يمتحن بها بعضهم بعضا بدقته كما يمتحن بالألغاز([30]).

وأما المساجلات فأصله "من السَّجْل وهو الدَّلْو العظيمة والمُسَاجلة: أن يَسْتَقي ساقيان فيُخْرِج كلّ واحد منهما في سَجْله مثلَ ما يخرج الآخر فأيهما نكَل فقد غُلب فضربت العربُ به المثلَ في المفاخرة والمساماة، قال الفضل بن العباس بن عُتْبة بن أبي لَهب:

مَنْ يُسَاجِلْني يسَاجِلْ ماجداً
 

 

يَمْلأَ الدَّلْو إلى عَقْد الكَرَب"([31])
 

 

 وقد كانت هناك مطارحات ومداعبات شعرية بين الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء  رحمه الله  والمرحوم الحاج مصطفى الصرّاف، وتفصيل الحادثة: أنّ الحاج مصطفى الصرّاف كان يصلي جماعة خلف الشيخ هادي كاشف الغطاء  رحمه الله ، ثم ترك الصلاة خلفه وكان الحاكم هو الشواف فرفع الشيخ محمد رضا  رحمه الله  للحاكم الشواف من باب المداعبة شكاية على الحاج مصطفى الصرّاف بتركه لصلاة الجماعة خلف أبيه بأبيات شعرية وهذا نصّها([32]):

مَن حامِلٌ للحاكِمِ الشوّافِ
 

 

ذي العدل والمعروف بالإنصافِ
 

عني شكاية مستغيث يشتكي
 

 

صنع المهذّب مصطفى الصرّافِ
 

ترك الصلاة جماعة و
 

 

الترك مكروه بغير خلاف
 

قد كان عضواً في الجماعة عاملاً
 

 

يدعو لها في سائر الأطراف 
 

شهر الصيام أتى وفيه فضلها
 

 

بين البرية لم يكن بالخافِي
 

هل كان يأمل وحشةً ما نالها
 

 

أو ظنَّ أنَّ الاقتداء يُنافِي
 

إن كان يرجو راتباً كموظفٍ
 

 

فالأمر أمر وزارة الأوقاف
 

فإذا أطاع وعاد يغفر ما مضى
 

 

من فعله والله نعم العافي
 

وإذا عصى فاحكم عليه بمبلغ
 

 

من غير تبذير ولا إسراف
 

من برّ او تمر يوزعه على
 

 

ذي عيلةٍ وأرامل وضعاف
 

 

فأجاب الحاج مصطفى الصرّاف للحاكم الشواف بهذه الأبيات([33]):

هذا جواب شكاية بلّغتها
 

 

في عرض حالٍ جلّه متناف
 

من ذي المكارم والعلى الشيخ الرضا
 

 

علم الأفاضل عمدة الأشراف
 

أنا لم أزل لأبيه حامل راية
 

 

منشورَةٍ بمحاسن الأوصاف
 

أدعو له سرّاً وجهراً في الورى
 

 

في سائر الأقطار والأطراف
 

وأقول في الهادي الهداية والتقى
 

 

والعلم أمر لم يكن بالخافِ
 

وأرى المصلي خلفه صلّى بها
 

 

خلف الإمام الحق دون خلاف
 

فاحكم وحمّله المصارِفَ هذه الد
 

 

عوى بدعوة مصطفى الصراف
 

 

وفاته:

 قال عنه علي الخاقاني:

 "وأبو علي كان يتمتع بأحسن صحة يمتاز بها عن جميع إخوانه غير إنّ أوّل ما طرأ عليه هو مرض السكر فانتقل إلى الكاظمية ولم يعرف ما فيه، ولكن الذي كان يتألم منه هو وجع في باطن قدميه والذي شخّصه له هو الدكتور (ماكس كروباخ) وقد كنت معه وعلى أثر توغله ببدنه ظهر عارض التدرن الرئوي، فسافر إلى لبنان ودخل (مصح بحنس) فبقي فيه زمناً قليلاً توفي بعده هناك في 27 رجب من سنة (1366هـ)، ونقل الجثمان بطائرة خاصة إلى بغداد، فاستقبل من قبل رجال القطر وشيع إلى المقر الأخير في النجف حيث دفن بمقبرة الأسرة الخاصة، وأقيمت له عشرات الفواتح في القطر"([34]).

 وقد شيع بتشييع حافل اشتركت فيه سائر الطبقات، ودفن مع جده وأبيه في مقبرتهم المعروفة.

 وأبَّنه بعض الشعراء([35])، كما أرَّخ بعض الشعراء تاريخ وفاته، ومنهم الشيخ كاظم نوح فيقول([36]):

مصاب الرضا عمَّ في وقعه
 

 

وأبكى الهدى والعلا والملا
 

قضى حارس الشرع في غربةٍ
 

 

فأرّخ فللشرع قد أثكلا
 

 

سنة 1366هـ

 وللسيد علي الهاشمي أيضاً قوله مؤرخاً وفاته([37]):

يوم به قد بعث المصطفى
 

 

سرورنا بالحزن قد عوّضا
 

غداة وافى البَرقُ مِنْ جُلِّقٍ
 

 

أرّخْ ((لنا ينعى الإمامَ الرضا))
 

 

سنة 1366هـ.

 وقد وصفت جريدة الهاتف النجفية تشييع الشيخ محمد رضا  رحمه الله  فجاء في عددها الصادر في 3 رجب عام (1366هـ):

 " فجع العالم الإسلامي بوفاة العلامة الكبير سماحة حجة الإسلام الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء في مصح بحنس بمرض السل الذي لازمه سنين حتى قضى عليه برغم إصابته الدائمة الذي أنيطت به من أطباء المصح وخارج المصح. وما كان ينعى الناعي خبره حتى عمَّ جميع النجف الأشرف الحزن وسادهم وجوم عميق نظراً لما كان يتمتّع به هذا العالم من حب جميع الطبقات واحترامهم وإعجابهم، فلقد كان  رحمه الله  من أفذاذ العلماء العراقيين المعروفين بحسن السليقة ووفرة الأدب فضلاً عن خبرته العلمية وورعه، وقد نقلت جنازته بالطائرة من لبنان إلى بغداد في تشييع كبير اشتركت فيه الشخصيات البارزة ونقل بواسطة السيارات من بغداد إلى كربلاء ومنها إلى النجف الأشرف تحفُّ بنعشه الوفود التي أقبلت من جميع المدن في عدد كبير من السيارات وكانت أسواق النجف على الرغم من ازدحامها بالزائرين في يوم المبعث فقد أغلقت ونادى المنادي باسم العلماء للخروج إلى التشييع خارج البلد فماجت عصر هذا اليوم الميادين بجماهير المشيعين ومواكب العزاء تتقدمهم جماعة العلماء الأشراف والوجوه، ثم سارت هذه الجموع المحتشدة إلى المدينة، وقد رفعت الجنازة على نعش خاص على أطراف الأصابع، وحملت بنعش الجلالة والعظمة إلى مثواها الأخير في مقبرة كاشف الغطاء حيث وري التراب مبكياً عليه مكسوفاً على شخصيته اللامعة، وأقيمت الفاتحة لروحه في مسجد آل كاشف الغطاء الكبير"([38]).

عقبه:

وأعقب العلامة الشيخ محمد رضا  رحمه الله  خمسة أولاد([39]) وهم كل من:

1- العلامة آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء ولد سنة (1331هـ) وتوفي سنة (1411هـ).

2- جعفر توفي قبل إكمال دراسته في كلية الحقوق ولد في الثاني من المحرّم وتوفي سنة (1358هـ).

3- محمد وقد حصل على شهادة الدكتوراه في علم الذرة ولد في 1335هـ.

4- حسن ولد في ذي الحجة سنة (1340هـ) وتوفي في صفر 1348هـ.

5- أحسن ولد يوم الخميس آخر ربيع الآخِر (1350هـ).

 

الصفحة الاولى من المخطوط

 

الصفحة الاخيرة من المخطوط

 

كتاب الصوت وماهيته

والفرق بيـن الضاد والظاء، وما يلحق بذا اللفظ من الفوائد

خلاصة محتويات الكتاب:

(1) الصوت ليس بموجود كأمر قائم في نفسه.

(2) أصواتنا نسمعها من داخل أجسامنا لا بواسطة موصِّل خارجي.

(3) لا دليل على أنّ الموجات الصوتية تذهب في موصِّلها على أشكال دوائر.

(4) الفرق بين الـ(ض) والـ(ظ)([40]) في المخرج لا في الخارج.

(5) الحس السمعي هو وحده الميزان في معرفة الأصوات.

(6) أعضاء النطق كآلات الموسيقى، وان كلها مخرج لكل حرف حرف([41]).

(7) يجوز أن يكون لحرف واحد مخرجان، ولا يجوز أن يكون مخرج واحد لحرفين.

(8) تعدد الحروف باختلاف المخارج لا بتعددها.

(9) عدم منافاة([42]) عد الحروف الهجائية العربية 28 لدعوانا.

(10) الذي اعتمده مؤلفه من تعليل ضبطهم بعض الألفاظ بالظاء.

(11) ذكر كلمات بعض من تعرض للمسألة، وفيه جملة من أدلة القائلين بالفرق والاتحاد.

(12) الأحكام الشرعية منها ما يكون متعلقها التلفظ، ومنها ما يكون متعلقها الملفوظ وكيف يمتثل الأمر الشرعي المتعلق بكلمة اشتملت على أحد هذين الحرفين.

(13) الضاد السنية والضاد الشيعية.

(14) تقرير الأصل في المسألة، ووسوسة بعض الجهال.

(15) نظرة في اللغة العربية، وفيها مباحث عن أصل اللغات وتشعبها وأدوار نموها في سلم ارتقائها، وأصل اللغة العربية، وتقدمها على السريانية والعبرانية، وبعض مزاياها وانقساماتها، وطول عمرها وسعتها، وإنّ الحروف الهجائية أكثر من ثمانية وعشرين خلاف المعروف.

تنبيه

ينقسم الكتاب الى قسمين:

الأول: تمهيدي علمي في فلسفة الصوت.

الثاني: نظري استنتاجي في الفرق بين الحرفين (ض، ظ)، وفيما يلحق بذلك.

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كثيرا والصلاة على محمد وآله أفصح من نطق بالضاد([43]) هاديا ومبشرا ونذيرا. وبعد, فهذا ما أوصلني اليه البحث من جواب مسائل سألني بها أذكياء طلبة العلم , وهذه نصها:

"ما يقول الأستاذ العلامة دام فضله في الفارق المعتبر شرعاً بين الضاد والظاء الذي يوجب الإخلال به فساد القراءة شرعاً، ومن أين نشأ الالتباس بينهما؟ وكيف ضبطوا بعض الكلمات بالضاد وبعضها بالظاء؟ ولماذا اختلفت الأصوات في الكيفيات فتكونت الحروف والكلمات وتعددت اللهجات واللغات؟ وما هو الصوت وما حقيقته؟

شرفونا بجواب مفصل يكشف عن وجه الحقيقة ستاره، ويميط عنه خماره, ويغور في أعماقها, ويسري اليها في أطرافها، ويعرب عن مبادئها, ويفصح عن أوائلها, لا زلتم موفقين".

 

تمهيد

نبدأ الكلام وبه نستعين بذكر فصول نكشف بها هذه الشبهات في سلسلة هذه المباحث من أوائل مبادئها الى نهايات غاياتها، بها تفهم آراؤنا في حلّ هذه المسائل أجمع، وقد أتعبَ([44]) الأدباءَ وأئمةَ اللغةِ الفرقُ بين الضاد والظاء بحثاً وتمحيصاً، واحتاج الفقهاء للنظر فيه على ما يحضرني الآن في موضعين في مباحث الصلاة، وفي كتاب الدّيات في دية اللسان وما يستطرده من المباحث, وبما أوصلنا اليه البحث من الفرق بينهما يختم الكتاب.

 

 

 

ماهية الصوت

اتفق علماء الفلسفة الطبيعية، وأعلامها على نظرية سهّلت عليهم تعليل الحوادث الطبيعية، وليس أنّهم شاهدوها، وإنّما أوصلتهم إليها التجارب كما أنّهم لم يقيموا عليها برهانا قاطعا فيما وقفت عليه من كتب هذه الفلسفة. وهي أنّ دقائق الأجسام جامدة كانت أو سائلة أو غازية لا تزال في حالة حركة، والحركة هي أساس المظاهر الطبيعية أجمع.

 أما شكل تلك الحركة ومقاديرها فشيء مجهول، فربما كانت على أشكال دوائر أو على اتجاهات خطوط مستقيمة أو منحنية ذِهاباً وإيابا، وإذا كانت على أشكال دوائر فربما تكون حركتها حول محورها أو حول غيره. وربما كانت حركتها مؤلفة من جميع ذلك، وربما كانت الأجسام يختلف([45]) نوع حركتها باختلافها، وإنّ ذلك فيها أجمع على مقياس ثابت وموازين لا تتحول.

والمشاعر الحيوانية التي أثبتها الله فينا وابتدعها في مجموعنا إذا مسّ جهازها ولامسه شيء من هذه الحركة، وصدمها ذلك الاهتزاز أدركت النفس نوعا من الإحساس عن طريق القوى القائمة في تلك المشاعر، فتنوع الإحساس منشأه.

 إنّ تلك الاهتزازات إذا كانت على درجات معلومة من السرعة ومقادير موزونة، ووقعت على الأذن شعرنا بصوت، وإذا وقعت على العين أبصرنا شيئا، وإذا وقعت على الأعضاء اللامسة شعرنا بالبرودة أو الحرارة، كلّ ذلك إنما يكون بشروط معلومة.

ولا يعترينا شك في أن الصوت يحدث من اهتزاز الأجسام([46]) فالجسم المهتز، وهو المحدث للصوت هو المسمى (بالصائت) والذي يوصل تلك الاهتزازات الى الجهاز السمعي، ولا بد أنّ يكون جسماً مرناً وغالباً يكون هو الهواء([47]) أو أيّ جسم عادي ومرادنا بالمرونة أنّه يعود إلى حالته الأصلية بعد انضغاطه يسمى بالناقل، والجهاز الذي تشعر النفس عن طريقه بتلك الاهتزازات يسمى (بالمتلقي) فالـ(صائت) و(الناقل) و(المتلقي) هي عناوين مباحثنا الآتية في هذا القسم من الكتاب.

 

الصائت

علمت أن الصائت هو ذلك الجسم المهتز وقد يكون جسم واحد صائتاً وناقلاً، فالهواء والماء كثيرا ما تطرأ عليهما حالات يكونان فيها مصوّتين وناقلين، ولا يهمنا من هذا البحث سوى ما يخص الصوت الإنساني.

يحدث الصوت الإنساني من اهتزاز الوترين الصحيحين في الحنجرة عندما يضرب عليهما الهواء مدفوعا من الرئة، وهذان الوتران قابلان للشدّ والرخي كالأوتار في ذوات الأوتار من الآلات الموسيقية. فإذا كان الإنسان صامتا كانا مرتخيين ومتثنيين وفتحة المزمار بينهما واسعة. فلا يصوتان بوقوع الهواء عليهما. وإذا أراد أن يصوت شدّهما بقدر ما يريد أن يرفع الصوت، فتضيق فتحة المزمار بينهما فالعضو الأساسي في التصويت هو الحنجرة، غير أن أجواف الأنف وجوف الفم واللسان والشفتين ترافق الحنجرة في فعلها وتساعدها فهي معدودة من متمات جهاز التصويت أي: كعوامل مساعدة.

ولأجل أن أوقفك على شيء من بدائع التكوين نتوسع في بيان بنية هذا الأرغن الإلهي البديع.

 الحنجرة عضو شرياني بل هو مكون من أربع صفائح، وفيها أربع انعطافات تسمى الحبال([48]) الصوتية وهي الأوتار التي تقدم ذكرها، وهي موضوعة مثنى بصورة متناظرة؛ ولذلك يتكون في الحنجرة بسبب هذا الوضع تجويفان على شكلين مثلثين والأسفل منهما أصغر وأضيق من الأعلى. وإذا تقلصت بعض العضلات في جدران الحنجرة ازداد ضيقا عند الحاجة، ومنشأ الصوت هو الحبل الأسفل ونظيره اللذان([49]) هما في الفتحة السفلى من الحنجرة.

فهذه الأنبوبة الغضروفية المعروفة بـ(الجوزة) الكائنة على هيئة مخروط قاعدته الى الأعلى نحو اللسان وعلى شكل مثلث منفرج (الزاوية) والمؤلفة من قطع غضروفية متصلة بعضها ببعض وباللسان والفك يكون في تجويفها أربع ثنيات غشائية على كل جانب منها ثنيتان، وهذه الثنيات هي التي تسمى الحبال([50]) والأوتار الصوتية. وفرجة المزمار هي الفتحة التي بين الأوتار، والتجويف بين الوترين العلويين والسفليين يسمى بطين الحنجرة، وللمزمار قطعة غضروف خلف اللسان تشبه ورقة من زهر الزنبق هي مصراع يمنع مرور الطعام إلى قناة الهواء، أي: القصبة، تسمى لسان المزمار.

وينضم إلى الحنجرة في إحداث الصوت الجدران المطاطة في أجواف الأنف وجوف الفم فأنها يحدث فيها بعض الاهتزازات المرافقة لاهتزاز الأوتار؛ ولذلك تشتد الأصوات الحاصلة في الحنجرة. ومن أجل ذلك تؤثر بعض الأمراض التي تطرأ على أجواف الأنف والفم وطرق التنفس تأثيراً بينا في الصوت.

وغضاريف الحنجرة أربعة، لها أسماء معروفة في كتب التشريح، وترتبط وتتحرك بعضها على بعض برباطات وعضلات، وينقسم تجويفها الى طبقتين الواحدة فوق الأخرى بواسطة غشائين ممتدين من كل من الجانبين، ولا يتصلان من الوسط بل يبقى بينهما شقّ ضيّق، ويتألف جانباهما اللذان يليان هذا الشق من نسيج مرن، ويسميان الوترين الصوتيين الصحيحين وهما غير الكاذبين اللذين فوقهما فأنّهما لا يصوتان. ويمتد الشق بينهما من مقدم تجويف الحنجرة إلى المؤخرة([51])، وهو فتحة المزمار.

فهذا وصف لخريطة تشريحية لهذا الجهاز البديع فصيحة مصرّحة يغنيك عن مدية المشرح ومبضع المستوضح.

وهذه الآلة البسيطة الالهية التي لا يمكن تقليدها تقوم بوظيفتي ذوات الأوتار وآلات النفخ من الأدوات الموسيقية، فان أدوات الموسيقى كما هو معروف في ذلك الفن تنقسم الى هذين القسمين وقد شبهها الفسيولوجيون بآلة موسيقية من هذا النمط أي وترية نفخية.

 

وصف أداء الأعضاء الصوتية ووظيفتها

تعجز الصناعة مهما ساعدها الذكاء البشري أن تقلد جهاز الصوت الجميل البديع([52]) الذي يصنع كلّ نوع من الأصوات، من اللحن الجرش([53]) غير المُطْرِب إلى الصوت الرخيم الحلو الشبيه بصرصرة الصافور وما بينهما من الأصوات.

وعند التصويت يقضي كلّ عضو من الأعضاء وظيفة مهمة، فتجويف الصدر والقصبة والحنجرة والأنف والفم بل والحلق والبلعوم كلّ واحد منها يقوم بدوره بوظيفة في التصويت وهي مثل آلات النفخ، ولكنها تشارك ذوات الأوتار، فتجويف الصدر يتسع ويتضيق بالتنفس فيضغط الرئة تارة ويتركها تتمدد تارة أخرى، ومتى ضغطت خرج الهواء منها وإذا تمددت دخل اليها، فيكون هو والرئة بمنزل المنفاخ في الأرغن.

وعند الخروج من الرئة يندفع إلى القصبة.

وتحفظ الغضاريف هيئة الحنجرة ومتانتها، وتغيّر العضلاتُ اتساعَ فرجةِ المزمار، ومن القصبة يضرب الهواء وتري الحنجرة الصحيحين فيهتزان، ويحدث بهذا الاهتزاز صوتاً يتنوع بواسطة اللسان والأسنان والشفتين وينوع الصوت حجم الحنجرة وسعة الرئتين وحالتهما وحالة الحلق والمجريين الأنفيين وارتفاع الذقن واللسان وانخفاضهما، واختلاف حالة الأوتار في كثرة التذبذبات وقلتها، وتقوم الحنجرة بوظيفة أخرى غير توليد الصوت وهي نقل الهواء إلى الرئتين، ويتغير الصوت في كلّ الأحوال التي تعاق فيها حركة الأوتاد أو يتغير توترها فتحدث البحة أو خشونة الصوت فالالتهاب الحنجري البسيط والأورام التي تنمو في الحبال([54]) الصوتية والتصاق الحبل، وعدم حركته من أسباب البحة أو الخشونة.

ويكون الصوت صريرا عاليا إذا توتر الحبل، ويكون واطئا إذا انخفض التوتر الطبيعي كما في أحوال الشلل في العصب الحنجري العلوي، ويُفْقَدُ الصوت ُمن عدم القدرة على تحريك الأوتار كما إذا كان الالتهاب شديدا في الحنجرة أو تُلْفَتْ من التقرّح، وتندعم هذه الأوتار على غضروفين أحدهما يقابل الآخر، يتباعدان أو يتقاربان بالإداء لكي تشتد الأوتار أو ترتخي([55]) عند رفع الصوت وخفضه، فالقصبة بمنزلة طرف أنبوبة الأرغن ووتر الحنجرة بمنزلة فمها والفم والمنخران بمنزلة رأس الأنبوبة الذي تتصل منه اهتزازات عمود الهواء فيه بالهواء الخارجي، ولما كان الوتران الصوتيان في النساء والصبيان أطول منهن في الرجال فان نسبة طولهما في النساء والصبيان إلى طولها فيهم نسبة الاثنين الى الثلاثة كانت أصوات الفريقين الأولين أعلى من أصوات الرجال.

يقول الموسيقيون إن أعلى أصوات الرجال في بعض الدواوين الموسيقية في الثانية (538) اهتزازة كاملة، وأوطأها (132) وفيما يناسبه من الدواوين الموسيقية في النساء (1056) اهتزازة، وأوطأها (364).

وللعادة والمهنة شأن يذكر في تغيير الصوت فإنّ الحدادين وغيرهم من الذين تكون أعمالهم مقرونة بأصوات قوية يمارسون أعضاءهم الصوتية أكثر من ذوي الأعمال الخالية من الصوت، وبذلك تتغير بنية الأعضاء بل تتنوع الحان الصوت ذاته، ويعين على نمو الأعضاء الصوتية ويدفع بعض الأمراض عنها ويقويها ويمدد الصدر تمديدا صحياً الترتيل والقراءة بصوت مرتفع ولفظ الحروف من مخارجها بإتقان وإذا كان الرأس والجذع منتصبين تزداد حركات تلك الأعضاء حرية وفاعلية ويصير الصوت أكثر وضوحا.

 

الناقل

جميع المواد المرنة ناقلة للصوت، غازية كانت أو سائلة أو جامدة، فإذا غاص غائص في البحر وقرع له جرس عن بعد في الماء سمع صوته ومن لصق أذنه على الأرض في حالة السكون يسمع وقع الأقدام عن بعد.

والماء وان كان أكثف من الهواء إلا أن مرونته أعظم من مرونة الهواء، ولهذا كانت سرعة الصوت([56]) في الماء أكثر من أربعة أضعاف سرعته في الهواء (و) سرعة الصوت في الهواء الجاف (2) درجة. أو (32 ْ) فهرنهايت (331) متر في الثانية أو (1087) قدماً، وسرعة الصوت في الماء (1400) متر في الثانية، وفي الحديد (500) متر في الثانية، وقد وجد إنّ سرعة الأمواج الصوتية تزداد بارتفاع درجة الحرارة أي فهرين في الثانية لكل درجة مئوية من الحرارة أو قدم تقريباً لكل درجة فهرنهايتية وإنّا إذا تكلمنا لا نلفظ الهواء من الرئتين إلى أذن السامع وإنما نكثف به الهواء المباشر لأفواهنا وهذا يكثف ما حوله فتحدث من ذلك أمواج صوتية مستديرة تنتقل حتى تقع على أذن السامع وحيث إن الهواء أكثر الموصلات استعمالا لنا ولأكثر الحيوانات البرية والطائرة وهي التي لا تستطيع أن تعيش خارج الطيران أصلاً وعلى كل حال فلا يهمنا البحث عما عداه من النواقل الصوتية، ولا عن معدل سرعة الصوت فيها ولا مزاياه الأُخر من الشدة والعلو وغير ذلك ونخص الكلام بالهواء.

والحيوانات المائية وهي التي لا تستطيع أن تعيش خارج الماء أصلاً كالأسماك ونحوها نوعا لا أصوات لها، ويمكن أن يكون استغناؤها عن الأصوات بواسطة أن لها أعضاء تضرب بها الماء، فتحدث فيها موجات تؤثر على جهازها السمعي أمّا الحيوانات غير([57]) المائية وكذا البرمائية ما عدا أقسام من الحشار فلا اعرف منها حيواناً لا صوت له إلا الزرافة على ما ذكر صاحب الهلال [في] الجزء التاسع من السنة السادسة الموافق 8 شعبان سنة 1315 صحيفة 350 تحت عنوان (الزرافة حيوان اخرس) قال: "لكل حيوان صوت يعبر به عن احتياجاته إلا الزرافة فأنها لا تستطيع التصويت مطلقا ً"([58]).

ويجب أن تكون جميع مصادر الصوت في حالة اهتزازية، وتنقل الأصوات عادة الى آذاننا بحركة تموجية باهتزازها([59]) في الهواء- إنّ أمواج الصوت في الهواء طولية، أي: إنّها أمواج تخلخل وانضغاط- ومن كل اهتزازة تحدث موجة صوتية فهذه الموجة مؤلفة من هواء متكاثف وهواء متلطف، وينزّل الهواء المتكاثف منزلة رأس الموجة المائية، والهواء المتلطف منزلة المطمئن من الموجة المائية وهكذا تتسع الموجة من تكاثف إلى تكاثف، ومن تلطف إلى تلطف.

فإذا أطلق من مدفع شحنة بارود يتولد منه غاز [و] يحدث تبدل في كثافة الهواء فجأة([60]) دائرة مجوفة([61]) محيطها هواء متكاثف وباطنها فارغ ثم يملأ ذلك الفراغ من ذلك الهواء لمرونته بذلك الهواء في حالة تلطف. وهذه الدائرة تحدث دائرة ثانية اكبر من الأولى، وهكذا تحدث على التوالي دوائر متكاثفة فمتلاطفة حتى تزول، والحادثة منها تحوي المُحْدَثة.

والفرق بين موجات الماء والهواء أن دقائق الماء تتحرك سمتياً أي طالعا ونازلا ودقائق الهواء تتحرك أفقيا أي أنها تتقدم وتتأخر في جهة التموج ولا ترتفع وتهبط.

وشدة الصوت وسرعته تتوقفان على سعة الاهتزازات، ولطافة الهواء وكثافته ففي أعماق المناجم يشتد الصوت، ويعلو وفي رؤوس الجبال الشامخة يضعف وفي الأماكن المعدومة الهواء ينعدم الصوت.

وقد دلت التجارب على أن علو الإحساس الصوتي في الأذن يتوقف على الطاقة الموجودة في الموجة الصوتية، فإذا وجد صوتان يتفقان في التردد أحدهما أكبر سعة فالأكبر([62]) سعة أكثر طاقة وأعلى صوتاً.

 والحرارة تقلل من كثافة الهواء فكلما زادت الحرارة درجة زادت السرعة قدما وتتساوى الأصوات في السرعة إذا كان الموصل واحدا، وسرعة الصوت في الثانية (1090) قدماً إذا كانت الحرارة بدرجة (32 ْ ف) تقريبا.

والنسبة التركيبية الكيمياوية في الهواء لها مدخل عظيم في سرعة الاهتزازات فيه وتختلف بمقدار ما يختلف الهواء من حيث احتواؤه على غاز أكثر من تلك الغازات، والغازات أنفسها هي من جملة النواقل الموصلة، وتختلف سرعة المصوت فيها لاختلافها بالمرونة.

وتنحرف الموجات الصوتية عن استقامتها الى الجهات الإنسية؛ فتتقارب إذا اختلفت السطوح المواجهة للاهتزازات الصوتية من واسع لضيق كما أنها تتباعد الى الجهات الوحشية إذا نفذت من ضيق لأوسع كل ذلك على نسبة سطح الموصل الثاني، فالثالث وهكذا وبمقدار تعدد الموصل واختلافه بالمرونة، وهذا هو انكسار الصوت عندهم، الترجيع (resonance) وقد استدركنا عليهم الانحراف إلى الجهات الوحشية فان هذا داخل في الانكسار.

وإذا رجعت الموجة الصوتية لملاقاتها جسما لا يكون موصلا لأنّه غير مرن فعند رجوعها يتقعر محدب قوس الدائرة عند نقطة الوقوع، وإذا لم يعرض لها هذا العارض تتسع حتى تنمحي، ونقطة الوقوع هي مركز الدائرة المنعكسة، وهذا هو الانعكاس الصوتي.

وكلما تعدد الانعكاس ضعف الصوت عند النقطة المواجهة للجسم الصائت خارج نقاط الانعكاس، أي: إنّ الصوت ينعكس مرات متعددة فيصل إلى أذننا من طرق مختلفة تظهر على شكل فرقعة طويلة، ويسمى أحياناً هذا الصوت المطول المسبب عنه الانعكاس بالصوت المتضارب.

وإذا قرب سطح الجسم العاكس من الصائت اشتد الصوت، فإذا تعدد الصائت والسطوح العاكسة تتقاطع دوائر كثيرة من الأمواج الصوتية وتنعكس هكذا مشوشة. وفي تلك الأحوال نشعر بدويّ صوتي أو ما نسميه (لغطاً) كما أنّه بواسطة قرب الجسم العاكس قد تفلت من خطوط الموجات الصوتية قطعات عن منافذ مراكز الإحساس الصوتي فلا تحوي الأصوات كاملة.

والكيفية الصوتية اهتزازة في الجسم المرن تترتب على أنحاء خاصة من الخطوط، وما لم تصطدم بمراكز الإحساس بكيفيتها الخاصة لا نشعر بتلك الكيفية الصوتية كما هي بل نسمع دويّا ووشوشة. وأما إذا بعد الجسم العاكس على مقدار معين وانعكس الصوت فذلك هو الصدى، ويتكرر الصدى بين سطحين أو سطوح متوازية مرات متعددة.

 

حدود القابلية السمعية

إن سمع متوسط الناس يستطيع أن يسمع أصواتاً إلى حد (20) هزة في الثانية وبعض الناس يسمع أعلى من هذا أيضاً وعلى العموم يصبح أعلى حد للسمع واطئاً لدى الناس كلما أخذ منهم الكبر مأخذه.

وليس من النادر أن يصادف وجود شخص طاعن في السن لا يقدر أن يسمع صوتاً ذا درجة عالية بينما بإمكان آخر أصغر منه سناً أن يسمعه واضحاً فيقال للهزات التي تستطيع الأذن إدراكها أنها ذات تردد سمعي.

ومن النظريات والتجارب التي قدمناها يتضح أنّ الإنسان لا يسمع صوته كما يسمعه غيره، فان الغير يسمع صوته بواسطة وصول الاهتزازات إلى مركز إحساسه من خارجٍ، وأما هو فيسمع صوته من داخلٍ، إمّا بواسطة موجات الغازات التي في جوفه الموصلة إلى مراكز إحساسه السمعي أو بواسطة محتويات جسمه من عضلات وغضاريف وسوائل تهتز ويصل الاهتزاز إلى المركز السمعي.

وإنّي لا أزال في شك من القضية المعروفة من أنّ الموجات الصوتية تحدث على شبه دوائر. ومن الجائز أن تكون مختلفة الأشكال فمنها ما يكون بشكل دائرة، ومنها ما يكون بشكل خطوط([63]) منحنية، ومنها ما تكون مستقيمة، وقد تكون في حالة تداخل وتقاطع. ولو كانت كلّها دوائر لاتحدت الأصوات. ورأيٌ أنّ دقائق الهواء في حال تموجه كدقائق الرمل المهتز التي اكتشف أشكالها الأستاذ كلادني.

 

المتلقي

حجج واشراط([64]) ودلائل وسمات وشواهد وإمارات ابتدأها ابتداعا واخترعها إنشاء نطأطئ رؤوسنا أمامها خاشعين مهطعين استبدّها وتفرّد واستأثرها وتوحّد، بديعٌ، وجميلٌ، ومُدْهِشٌ هذا الجهاز الذي نضدته تلك القدرة غير المتناهية من مواد ميسرة في مقادير موجزة مقدّرة تهفو عنده الوسائل وتتقاصر عنه الذرائع وتفشل دونه الصنائع.

نعني (بالمتلقي) هنا الجهاز السمعي من بواديه إلى أعماقه ومن عنانه إلى تخومه ومن ظواهره إلى خفاياه، ولا نبحث عما عداه كالصحيفة في الآلة الحاكية التي ترتسم عليها الاهتزازات الصوتية بواسطة الإبرة الكاتبة وسنذكر للقارئ موجزا من وصفه ووظيفته.

 

السامعة

أعضاؤها ووظائفها

نقدّر الأصوات ونشعر بها بواسطة السامعة (ear) وهي من أكثر الأعضاء تركيبا في جسم الإنسان، وهي مؤلفة من ثلاثة أقسام: الخارجي (oute ear)، والمتوسط (middle ear)، والداخلي (inner ear)، والقسمان الخارجي والمتوسط وظيفتهما جمع الاهتزازات الصوتية ونقلها إلى القسم الداخلي الحساس.

فأمّا القسم الخارجي فمؤلف من الصيوان (canal)، والصماخ (eardum). والصيوان: طبقة غضروفية متغضنة بغضون غير منتظمة مستورة بطبقة الألياف العضلية والجلد، ويمتد منه أنبوبة قمعية نافذة في عظام الرأس. في جدرانها غدد مشابهة نوعا للغدد الدهنية تفرز السملاخ لتحفظ طبلة الأذن، ومتصلة من جهتها الإنسية الوحشية بالهواء وفي نهايتها الداخلية غشاء شفاف؛ وهذا الغشاء مع الشعر والرمص والسملاخ المرّ الموجودين فيها يمنع دخول كثير من الحيوانات والهوام فيها؛ لأنّه عبارة عن مادة سامة؛ فإنّ أدنى حركة هناك تشوش السمع والرمص مانع من ذلك وهذه الأنبوبة تسمى بالصماخ والغشاء بالطبل (drum).

وأما القسم المتوسط (middle ear) فانه يوصلنا([65]) إلى الغشاء، وهذا الغشاء يفصل القسم المتوسط والخارجي كما أنّه يفصل بينه وبين القسم الداخلي نافذتان مسدودتان بغشاء، وتعرف هاتان النافذتان بـ(الكوّة البيضية)، و(الكوّة المستديرة) وما بين الغشائين صنيديق الطبل وتوجد في هذا القسم أربع عظيمات هي أجمل عظام وأصغرها مرتبة على هيئة سلسلة وترتبط ببعضها بأربط عضلية على هيئة خط منكسر يصل بين غشاء الطبل والكوّة البيضية. وعلى حسب أشكالها تسمى: المطرقي والسنداني والعدسي والركابي. وفي هذا الصنيديق أنبوبة ممتدة إلى مؤخر البلعوم وهي مغلوقة إلا أنها تنفتح [في] أثناء البلع بسبب الضغط الحادث من حركاته. وبهذا الانفتاح يحصل التواصل والتوازن بين الهواء المحصور في الصنيديق والهواء الخارجي، وإذا انسدت هذه الأنبوبة دائما قلّ السمع وكذا إذا انفتحت دائما.

وأما القسم الداخلي وهو المسمى بالتيه فهو البديعة الالهية والمعجزة السماوية، يتألف من مجار في عظام القحف تشتمل على بعض أكياس غشائية وقنوات، ولهذه المجاري والقنوات اعوجاجات كثيرة جداً، ولا تعرف فائدة كل أجزاء هذا القسم، وهو القسم الضروري للسمع، ويمكن إزالة ما عداه من الأقسام مع بقاء حاسة السمع، وكما علمت في داخل هذا القسم الاقنية الغشائية وهي التيه الغشائي، وهذا باعتبار شكله العام يشبه التيه العظمي تمام الشبه، وكلّ من هذين التيهين مؤلف من ثلاثة أقسام هي: الحلزون، والدهليز، والقنوات الهلالية.

والحلزون: أنبوب ملتو حول محور مرّتين ونصفا على هيئة قوقعة الحلزون. والقنوات الهلالية ثلاث واحدة أفقية واثنتان شاقوليتان، وإحدى الشاقوليتين موازية للسطح التناظري للبدن، والثانية عمود على الأولى.

 والدهليز: يوصل القسم المتوسط بواسطة الكوّتين البيضية والمستديرة بالقنوات الهلالية والحلزون.

وفي داخل التيه الغشائي وبين التيهين توجد سوائل وعصب السمع منتشرة ومتشعبة في هذا القسم الداخلي، وهو أشد انتشارا في المواد المخاطية على سطح التيه الغشائي، وفي نهاية كل ليف عصبي من ذلك العصب المنتشر مصورتان محافظتان محيطتان وتتصل بمطاط طويلة ذات إحساس سمعي، والنهايات العصبية في الحلزون أكثر نظاماً وأزيد إعضالا مما في عداه من الأقسام.

وتلك النهايات للألياف والخويطات العصبية تلاقي تلك السوائل المخزونة في تلك التجاويف. ثم إنّ عرض ذلك الغشاء الحلزوني ليس متساويا في كافة أنحائه، وكلّما قربنا من الذروة يقل عرضه.

وإذا ما كشفنا عن هذا الغشاء نرى أليافه على هيئة أسلاك المعزف وأوتاره، ويقال: إنّ ألياف الغشاء المخطط في كل أذن (6000 آلاف ليف). هذه نبذة مجملة يسيرة من بيان الأجزاء التي تتألف [منها] السامعة.

 

بيان وظيفة السامعة

بواسطة الأذن نشعر بتموجات الهواء الحاصلة من ارتجاج الأجسام، وهذه التموجات هي التي تسبب الأصوات، فبالأذن الظاهرة تجمع الأصوات على غشاء الطبلة بواسطة الأنبوبة التي توصل القسم الخارجي من الأذن بالقسم المتوسط، وينفعل غشاء الطبلة بتموجات الهواء ويوصلها إلى العظيمات ويخفّف شدّة الأصوات أيضا.

والقسم المتوسط يوصل الارتجاجات الحاصلة في غشاء الطبلة من تموجات الهواء إلى القسم الداخلي، ويتم هذا بواسطة الهواء المتضمن في تجويفها وسلسلة العظيمات الممتدة من غشاء الطبلة إلى كوّة الدهليز البيضية، والقسم الداخلي مملوءة تجاويفه سيالاً مائياً تنتهي اليه خويطات العصب السمعي وهي توصل الأصوات إلى الدماغ.

والخلاصة: إنّ الصيوان يمسك بالموجة الهوائية، وتنطلق منه مادة بالأنبوبة الى غشاء الطبلة، وتمر بسلسلة العظيمات الى الدهليز والقنوات الهلالية وعصب السمع، فاهتزاز الجسم الصائت المنتشر بواسطة تموجات الهواء الواصل إلى الأذن ينعكس في تعاريج الصيوان، وبعد نفوذه في الصماخ ووصوله للغشاء يؤول إلى ارتجاج هذا الغشاء، وارتجاجه يسري إلى الغشاء الثاني؛ فيرتج، وإذا ارتج تموّجت السوائل التي في التيه.

والتموجات الصوتية قد تصل إلى مراكز الإحساس السمعي بغير هذا الطريق فإنّ الجدران العظمية للقسم الخارجي والداخلي [طريقٌ آخر]([66])، فإذا اتصلت التموجات الصوتية إلى سوائل التيه عن أي طريق أثرت على العصب السمعية ومنها إلى مراكز الإحساس.

ويقال: إنّ النوع الخاص للتموج الصوتي ودرجة الصوت وقيمته الموسيقية إنما تدرك بواسطة الألياف التي يتألف منها الغشاء المخطط الحلزوني من أجل أنّ طولها يتناقص نحو الذروة، فيكون كلّ خيط منها بمثابة سلك أو وتر مهيأ للتأثر من صوت خاص فلا يتأثر كل واحد منها إلا بنوع خاص من الصوت.

هذا ما أدركه العلم الأخير في هذه البديعة السماوية، وهناك غايات يمكن أن يوصلنا لها المستقبل.

 

الحاقات

(1) المظنون إن الاهتزاز لا ينتقل من السائل إلى العصب رأسا بل إلى الخيوط الشعرية فتهتز وتهيج الفريعات العصبية المتصل بها والى الكتل الترابية، فتهتز وتضغط الفريعات العصبية المتصلة بها ضغطا متقطعا كاهتزازها، والمرجح أن الغرض من هذه الكتل إطالة الأصوات السريعة الزوال التي تنسى لولاها.

(2) ذكرنا أن الأنبوبة التي تصل صنيديق الطبل بالبلعوم المسماة (بوق استاكيوس) مسدودة على الغالب، وبذلك ينقطع الهواء الخارجي عن الهواء الداخلي، فإذا اتفق أنّ ضغط هوائها قلّ عن ضغط الهواء الخارجي تتألم من ضغط الهواء الخارجي، ولا يهتز الغشاء الطبلي الاهتزاز التام؛ فلذلك يثقل السمع وبحركة الازدراد يدخل فترد الموازنة. ويقال إن الإرشادات العسكرية تنصح رجال الفرق المدفعية بفتح أفواههم عند إطلاق المدافع.

(3) من عجائب الأذن أنها تميز الأصوات فتحللها، وترد كلاً الى أصله ولو وردت عليها من موارد مختلفة غير متشابهة. فلو عزف بألف معزف فالأذن تؤدي كلّ منها إلى النفس، وتميز بعضها عن بعض، وتطرب لكلّ منها بما يؤثر عليها من الطرب بشروط خاصة مع أنّ أصواتها تهزّ الهواء من جهات مختلفة ومتضادة، وتنحصر كلّها في مجرى دقيق من الهواء سعته بسعة صماخ الأذن.

(4) الناس على اختلاف شديد في سمع الأصوات العالية والواطئة، وربما يسمع بعضهم ما لا يسمعه الآخر، ويتفق كثيراً أنّ شخصين صحيحي السمع بحسب الظاهر يقلق احدهما من أوطأ الأصوات ولا يشعر به الآخر، وعدم سمعنا للأصوات ليس دليلاً على عدم وجودها.

ومن المحتمل أن توجد في الأرض أو في السماء أصوات كثيرة لا نشعر بها ولو تنبهت فينا حاسة السمع أكثر مما هي عليه، فربما سمعنا أصواتاً لا تخطر على بالنا، وهذا ما أشارت إليه روايات الأئمة الهداة([67]) (إن في السماء جندا لا تسمعون تسابيحهم) وقال الله تعالى: [تسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ]([68])، وفي العدول عن (لا تسمعون) إلى قوله (لا تفقهون) بغية غامضة، وسرّ مصون يدرك من ورائها العارف المتبحر الراسخ في العلم ذلك المعنى الذي ألمعنا إليه من عجز الجهاز السمعي عن الإحساس بتلك التسابيح وقصوره في درجة التكوين عن إدراكها.

 

كيف تتكون الحروف والحركات والألفاظ

إنّ الحروف الهجائية في كل لغة تنشأ من الأحوال التي تطرأ على الهواء [في] أثناء مروره في الأعضاء السالفة الذكر، ويتنوع اللفظ بحسب حركاتها الإرادية من فتح الفم ومدّ الشفتين أو قصرهما لإبعاد فتحة الفم من الحنجرة أو تقريبها إليها في أثناء التلفظ، وحركة الفك الأسفل، واللسان، وشراع الحنك، والخدود بصور مختلفة، ومن ذلك يتغير شكل جوف الفم في فتحتيه الأمامية والخلفية، ومن هذه التبدلات تتغير نغمات الصوت المزماري ورنينه فنحس بنوع خاص من الصوت، فالأصوات تتنوع نغماتها إلى ما نسميه حرفا، والنغمات تختلف([69]) نبراتها إلى ما نسميه حركة من تطورات أجواف الفم بصورة مختلفة خلال التصويت.

 فإذا انسد طريق خروج الهواء بواسطة اللسان أو الشفتين إمّا في بداية الصوت أو في نهايته، فلا شك أنّ هذا الانسداد يسبب نغمة خاصة هي إحدى الأصوات الهجائية، وكلّما يقطع خروجه ويحول دون خروجه على مجراه الطبيعي بسد أحد مخارجه أو تضيقه لحصول بعض العوارض في جوف الفم ينتج ذلك حرفاً خاصاً. فإذا تماس اللسان مع الأسنان أو مع قبة الحنك تولد صوت الحرف (د)، وإذا انطبقت الشفتان على بعضهما أو على اللسان تولد (ب)، وإذا مس اللسان شراع الحنك في مؤخر الفم تولد (ق)، وهذه الحوائل قد ترتفع دفعة واحدة كما في الحرف (ب)، وقد ترتفع تدريجا كما في الحرف (س) وقد ترتفع بصورة اهتزاز كما في (ر)، ولذلك انقسمت الحروف إلى: شفوية ولسانية وحلقية باعتبار مخارجها، وقسمت أيضا باعتبار تنوع أصواتها إلى: انفلاقي وطنّان واهتزازي.

والأصوات إذا تنوعت بهذه الخصوصيات وتعاقبت وترتبت على نغم ونبرات خاصة تحصّل منها الكلمات والكلام.

 

استنتاج أن الصوت غير موجود

علمت أنّ الأصوات تنشأ من اهتزاز الأجسام الصائتة، وانتقال تلك الاهتزازات بالأجسام الموصلة فلولا حاسة السمع وواعيته لم يكن عندنا في الوجود صوت ولذهبت تلك الموجات إلى أن تتلاشى من نفسها وتنعدم قوة اندفاعها.

أما إذا لاقت ولامست في سيرها أعضاء السمع وجهازه، واصطدمت بها شعرنا بالصوت، فحقيقة الصوت هي عبارة عن شعورنا بتلك التموجات والاهتزازات بما أودعه الله تعالى فينا من الإحساس السمعي، ولا سبيل لنا إلى معرفة تنوعات الأصوات واختلافاتها إلا الحاسة السمعية وهي الحكم الوحيد في ذلك لا غير، والمقاييس الفنية مهما بولغ في ضبطها واتقانها لا تفي بالمطلوب من هذه الوجه وإنْ ضبط بها عدد الاهتزازات والتذبذبات ضبطا متقنا.

ومن مرور تلك التموجات من بين فرج محصورة أو انقسامها على منافذ متعددة ودخولها من واسع لأوسع، ومن ضيق لأضيق وبالعكس وبعد وقرب في مبدأ التصويت تختلف الأصوات وتتشابه وتتحد، فإذا اتحدت جميع هذه الأمور اتحدت الأصوات وإلا اختلفت، والمميز الوحيد في الاتحاد والاختلاف هو الوعي السمعي، ولولا الإحساس السمعي لكان العالم كله صمت وسكوت فما نحسبه ما إن الصوت كما نسمعه أمر قائم في نفسه سمعناه أو لم نسمعه يحتم علينا البرهان العلمي إنكاره اشد الإنكار، فالصوت ليس بموجود بذلك المعنى والحس السمعي هو وحده الميزان في تمييز الأصوات واختلافاتها.

 

أعضاء النطق كآلات الموسيقى وكلها مخرج لكل حرف حرف

إن مادة الكلام الكلمات المؤلفة من الحروف الهجائية، وتعدد الحروف الهجائية وامتيازها إنما يكون لاختلاف وضع آلات مخارجها التي مرّ ذكرها، وهذه الأعضاء التي هي آلات النطق كالآلات الموسيقية التي بمرور الهواء بين فرجها وانقساماتها والتوائها واعتدالها نسمع (لها) صوتا خاصا، فإنّ اللسان بارتفاعه إلى سقف الفم وانخفاضه وميله لإحدى الجهتين، واتصاله بالأسنان وبانطباق الشفاه وانفتاحها ومرور الهواء بنفحة من بين ذلك يحدث الصوت الخاص الذي نسميه بالحرف الكذائي كما عرفت ذلك. وكلّ واحد من تلك الأعضاء له دخل في تكوّن كل حرف من الحروف الهجائية، ولولا وضعه على تلك الكيفية الخاصة لما حصل الحرف الكذائي، فالجميع تتعاون وتتشارك في إيجاده؛ وحينئذ فمعنى أنَّ الحرف مخرجه كذا: أنّ العضو الكذائي يكون تبدل وضعه الطبيعي أظهر من باقي الأعضاء، وعند وصول تلك الاهتزازات المارّة من بين هذه المسالك المختلفة إلى الأذن نحس بالحرف الكذائي.

تنبيه:

ويختلف الصوت الحرفي باختلاف ما يجاوره من الحروف لما يحدث في مخرجه من اختلاف الوضع باختلافها، وقد لاح هذا الذي ذكرته لبعضهم من وراء حجاب فأشار الى شيء منه بما يدلّ على أنّ الصوت الحرفي يتخذ له صفة خاصة من مخارج بعض الحروف الأخر إذا جاورها، قال: وإحكام النطق بالحرف حالة الإفراد لا تنفع ما لم يحكم ذلك في حالة التركيب؛ لأنّه ينشا من التركيب ما لم يكن في حالة الإفراد بحسب ما يجاور الحرف من مجانس ومقارب وقويّ وضعيف ومفخّم ومرقّق، فيجذب القويُّ الضعيف، ويغلب المفخّم المرقّقَ، ويصعب على اللسان النطق بذلك حقّه إلا بالرياضة الشديدة. فمن أحكم صحة التلفظ حالة التركيب حصل على أعظم مرتبة في التجويد، وأنّ قوماً يبالغون في اعتماد الإظهار والتشديدات، وبيان الحروف وتفكيكها وإخراج بعضها من بعض بالترتيل والتوئدة الى أن يتجاوزوا في ذلك حد الإفراط، فتتولد من الحركات الحروف وتتكرر الراءات، وتتحرك السواكن، وتطنّ النونات بالمبالغة بالغنّات، وقد قال حمزة لبعض من سمعه يبالغ في ذلك: أما علمت أنّ ما فوق البياض برص وما فوق الجعود قَطَطٌ([70])، وما فوق القراءة لَغَطٌ، انتهى بإصلاح وتبديل من المؤلف.

 

يكون لحرف واحد مخرجان ولا يكون لحرفيـن مخرج واحد

إذا عرفت جوهر الصوت وحقيقته، وعلمت منشأ تعدد الحروف الهجائية في مطلق اللغات، وأنّه لا سبيل لنا إلى معرفة اختلاف الصوت واتحاده إلا الحاسة السمعية اللهم لو تهيأ لنا أن نحس بتلك التموجات المختلفة من غير طريق السمع بإحدى الحواس الأخر مجردة أو بآلة لم ينحصر تميزها بذلك. ومع ذلك فضبط تلك الاهتزازات وعدّ التموجات لنفسها منقطعة عن الحس السمعي ليس بصوت كما عرفت.

فاعلمْ أنّه إذا كان وضعان مختلفان للأعضاء النطقية إلا أنّهما متشابهان في الانفتاحات والفرج والانعطافات والسعة والضيق وغير ذلك مما يؤثر على التموجات الهوائية المارة من بينها بحيث كانت هذه الخصوصيات وغيرها متحدة فيها فلا بد أن يكون الصوت الحادث منهما متحداً، وإن اختلفت أوضاع آلات النطق بعد اتحادها فيما مرّ.

خذ أنبوبة مقيسة من جانبيها بسعة واحدة ومقادير متفقة، وفي وسطها انعطافات متوازية من الطرفين على نسبة واحدة بلا تفاضل، ولا تفاوت وهي ذات وضع لو نفخ فيها صوّتت، ثم صوّت فيها من أي طرفيها شئت، تجد وتسمع صوتاً واحداً. ولو ضبطنا اهتزازاته بالمقاييس المتقنة لما وجدنا فيها اختلافا مع أن الوضع مختلف كما هو المفروض. ويظهر من هذا أنّه يمكن أن يكون لحرف واحد حقيقة مخرجان. نعم لا يمكن أن يخرج حرفان من مخرج واحد، وقد عرفت أنّه لا طريق لمعرفة اتحاد الصوت واختلافه إلا السمع، فإذا حكم بوحدة الصوت الخارج من مخرجين مختلفين، فلا بد أن نحكم بأنّه حرف واحد ذو مخرجين لا أنهما حرفان مختلفان.

 

تعدد الحروف باختلاف المخارج لا بتعددها

ليس تعدد الحروف منشؤه تعدد المخارج إنما منشؤه اختلافها، وقد التبس على القوم تعدد المخرج باختلافه، فوقعوا من هذا في إشكالات كثيرة، ومنها الفرق بين الضاد والظاء؛ فأنّهم لمّا وجدوا مخرجين لصوت واحد وظنوا أنّ تعدد المخرج علة لتعدد الحرف جزموا أنّهما في الحروف الهجائية حرفان. ولما حسّوا بعدم الفرق في السمع وقعوا في حيرة الفرق بينهما وإشكال التمييز، واضطروا في التمييز بينهما إلى مط احدهما وتفخيم الآخر. وبكلّ صورة يوجدون فرقاً بينهما نطقياً تتبدل له ديباجة الوجه وتتغير له سحنته. ومن البديهي أنّنا مهما فرّقنا بينهما بالنطق، فالسمع لا يجد بينهما فرقا، وهذا أمر وجداني لا نحتاج بل لا يمكن معه إقامة البرهان على ذلك. ومتى علمنا أنّ الحس السمعي هو الحاكم الوحيد في هذا الباب نجزم قطعاً بأنّه ليس عندنا إلا حرف واحد وكيفية واحدة لصوت ذي مخرجين. وتعدد المخرج لا يقتضي تعدد الحرف الخارج. وامتحن ذلك بأنْ تُدْخِلَ على أحدهما همزةً بعد إسكانه، ثم تنطق، فإنْ فعلت ذلك لم تجد فرقا في السمع بينهما أصلا.

 

عدم منافاة عد الحروف الهجائية العربية 28 لدعوانا

والذي ذكرناه لا ينافيه ما ذكره أئمة العربية من أنّ الحروف الهجائية العربية ثمانية وعشرون ولا ينافيه ما ذكره الفقهاء في كتاب الدّيات من أنّها كذلك ثمانية وعشرون، ولا ما أشعرت به بعض روايات هداة الحق عليهم السلام، فإنّ ذلك كلّه إنما كان بحسب تعدد المخارج، والدّية الشرعية إنما تثبت باعتبار فقد احد المخرجين.

وأما ما ضبطه شيوخ اللغة، والمتبحرون منهم من الكلمات التي فيها ما يحتمل أن يكون بأحد هذين الحرفين بأنّها بالظاء دون الضاد وبالعكس، فضبطهم هذا موقوف على تسمية أحد المخرجين بمخرج الظاء، والثاني بمخرج الضاد اصطلاحاً ووضعاً، وأنّ هذه الكلمة مثلاً كانت العرب تخرجها من المخرج الكذائي دون غيره. وهذا الضبط عسر جدا بل متعذر، إلا أن تكون للعرب في القرون الأولى مزية نطقية يستطيعون أن يخرجوا بها صوتا من المخارج النطقية خاصا فقدناها نحن- أبناءَهم - أو أضعناها، وهذا الصوت هو الذي سمّوه بالظاء وقد عرفه من ادعى هذا الضبط لا غير.

 

[ المعتمد في ضبط الألفاظ بالظاء ]

الذي اعتمده من تعليل ضبطهم بعض الألفاظ بالظاء والذي أظنه تصحيحا لنقلهم بعد أن يعلم أن الزاء إذا فُخِّم خرج من مخرج ما يسمونه ضاداً، وكذا الثاء إذا فخّمت خرجت من مخرج ما يسمى ظاء.

ومعنى التفخيم توسعة في ممر الصوت الحرفي ناشئ من وضع خاص لأحد أعضاء التصويت، وكثير من الطوائف العربية يلفظون([71]) الظاء زاء مفخّمة، وآخرون يلفظون بهما ذالاً، وثاء مفخّمتين، - وقد يكون ذلك لثغة في بعض الأشخاص - لأحد([72]) وجهين:

الأوّل: أن يكون قد سمعوها من عرب بعض الأقطار التي ليست هي عربية قحة من عرب قلب الجزيرة بل في أطرافها وحواشيها ممن لم يكونوا أولي تلك اللهجة العربية الصحيحة، فلا تخلو لهجاتهم من عجمة بواسطة جوارهم لغير العرب، فكانوا يسمعونها منهم زاء مفخمة كما ينطق بها أهل مصر والشام تارة، وثاء وذالا مفخّمتين أخرى وهم ذوو لهجة واحدة، فاستفادوا أن اختلاف البدل تعدد المبدل وان لم يخالف([73]) جوهر الصوت هذا الحرف إذا نطق به العربي القح في نفس ما اشتمل عليه من الكلمات، وباعتبار أنّها في بعض الكلمات قد يجاورها من الحروف ما يقرّب مخرجها من مخرج الزاء، وقد يجاورها في بعض آخر ما يبعدها، فاوجب هذا أن يتعدد هذا الحرف عندهم في جوهر صوته، وتختلف تسميته على ذلك القياس، وتكون الظاء حرفاً مستقلاً ممتازاً بين الضاد والزاء، ويكون هذا الاختلاف أساساً لذلك الضبط.

وكان المسمّى لذلك القياس يدوّن ضاداً فيصبح كلمة وفي كلمة أخرى تحسب ظاء إمّا لمناسبة مخارج ما يكتنفها من الحروف في الكلمات هي منها أو لأنهم سمعوها في كلمة (تبييض)، وفي كلمة أخرى (بيضة)، أو من أولئك الذين هم ليسوا من العرب القح ومهما يكن فلا يصح ضبطهم ما لم يتواضعوا على تسمية كل مخرج من هذين الحرفين باسم خاص به دون سواه.

الثاني: إذا نظرنا إلى الألفاظ التي نقلت عن أئمة اللغة بالظاء وجدناها غالباً واقعة بين حرفين قريبين من مخرجها، أي: ما تواضعوا على انه مخرج لها أو بعد حرف أو قبله كذلك على نحو لو أردنا أن نخرجها من المخرج الذي نسميه مخرج الضاد لحصل من ذلك صعوبة في النطق، وتكلف تأباه اللغة المبنية على التخفيف وعدم التكلف والجري على المجرى الطبيعي.

وقد ذكر جماعة من أهل اللغة أنّ بعض الألفاظ تشترك فيها الظاء والضاد.

ولو نظرنا إلى تلك الألفاظ لوجدنا ذلك الحرف مكتنفاً بحرفين أو مسبوقاً أو ملحقًا بحرف تكون نسبته إلى مخرج الظاء كنسبته إلى مخرج الضاد؛ فنحن واقعون في الكلفة على كل حال مثل عض وعظم. وتناسب المخارج في الحروف وتقاربها وتباعدها هي التي توجب تنافر الحروف الذي ذكره البيانيون، وهذا الذي ذكروه اعتبار نوعي وإلاّ فالأشخاص مختلفون في ذلك اختلافا شديدا لاختلاف أعضاء أصواتهم من حيث الطول والقصر ولين الأعصاب وقساوتها، وللرياضة دخل عظيم وفائدة لا تخفى والوجهان اللذان ذكرناهما يمكن أن يجتمعا.

وفي (الاعتضاد) لابن مالك في تعين أنّ الحرف في بعض الألفاظ هو الظاء دون الضاد كلام نقله عنه السيوطي في كتاب (المزهر)([74]) أحصى فيه المنقول المأثور عن أئمة اللغة من الألفاظ المشتملة على الظاء بضوابط كلية فيها استثناءات كثيرة.

وليس غرضه منها ما حررناه من ذكر الموازين الطبيعية اللغوية التي بها نستعين على معرفة ما يلزم النطق به ظاء لزوما لغويا طبيعيا، وهذه هي الجهة المهمة التي تنفع في الألفاظ المجهول ضبطها، أمّا ما ذكره ابن مالك فهو إحصاء محض تعرض له أكثر اللغويين فراجع ذلك.

 

ذكر كلمات بعض من تعرض للفرق بيـن الظاء والضاد:

أكثر المفسرين تعرضوا لها في تفسير قوله تعالى في سورة التكوير [وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ] ([75])، قال صاحب الكشاف:([76]) "وما محمد 5 على ما يخبر به من الغيب بظنين، أي: بمتهم من الظنّة وهي التهمة وقرئ بضنين من الضن وهو البخل لأنه لا يبخل بالوحي، فيروي بعضه أو يسأل تعليمه فلا يعلّمه وهو في مصحف عبد الله بالظاء، وفي مصحف أُبي بالضاد، وكان رسول الله 5 يقرأ بهما، وايقان الفصل بين الضاد والظاء واجب ومعرفة مخرجيهما مما لا بد منه للقارئ فان أكثر العجم لا يفرّقون بين الحرفين"([77]).

(ثم قال بعد ذلك: "فان قلت فإنْ وَضَعَ المصلي أحد الحرفين مكان صاحبه)([78]) قلت هو كوضع الذال مكان الجيم، والثاء مكان الشين؛ لانّ التفاوت بين الضاد والظاء كالتفاوت بين أخواته" ([79]). انتهى.

وقد نقل البهائي في كشكوله طبع ايران هذا الكلام بعد أن صدره بقوله: وربما يوجد في كلام من لا يعتد به وبكلامه أنّ الضاد والظاء لما بينهما من كمال القرب ربما يقام احدهما مقام الآخر، وهذا كلام في غاية الفساد فإنّ لكلّ منهما مخرجا على حدة ولو جاز ذلك لقام الجيم مكان الشين([80])، انتهى.

وقال صاحب روح المعاني في الجزء التاسع منه ص313 طبع بولاق بمصر قوله: [وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ]([81]) الآية من الضن بكسر الضاد وفتحها بمعنى البخل – ثم قال – وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وابن الزبير، وعائشة، وعمر بن عبد العزيز، وابن جبير، وعروة بن هشام بن جندب، ومجاهد، وغيرهم. ومن السبعة النحويان وابن كثير: بظنين، بالظاء، أي: بمتهم من الظِّنّة بالكسر بمعنى التهمة.

ثم قال ولكنّ قال الطبري بالضاد([82])، وخطوط المصاحف كلُّها. ولعلّه أراد: المصاحف المتداولة فأنّهم قالوا بالظاء خَطّ مصحف ابن مسعود. ثم إنّ (هذا) لا ينافي قول أبي عبيدة: إنَّ الظاء والضاد في الخط القديم لا يختلفان إلاّ بزيادة رأس احدهما على الآخر زيادة يسيرة قد تشتبه كما لا يخفى([83])، "والفرق بين الضاد والظاء مخرجا أنّ الضاد مخرجها من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره، ومنهم من يتمكن من إخراجها منهما، والظاء مخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا"([84])، واختلفوا في إبدال إحداهما بالأخرى هل يمتنع وتفسد به الصلاة أم (لا؟) فقيل: تفسد قياساً، ونقله في المحيط البرهاني عن عامة المشايخ، ونقله في الخلاصة عن أبي حنيفة ومحمد، وقيل: لا تفسد استحسانا ونقله فيها عن عامة المشايخ كابي مطيع البلخي ومحمد بن سلمة([85])، وقال جمع: إنّه إذا أمكن الفرق بينهما، فتعمّد ذلك وكان مما لم يقرأ به هنا، وغيّر المعنى، فسدت، وإلاّ فلا لعُسْرِ التمييز بينهما خصوصاً على العجم، وقد أسلم كثير منهم في الصدر الأوّل، ولم ينقل حثُّهم على الفرق وتعليمه من الصحابة، ولو كان لازما لفعلوه ونُقِلَ وهذا هو الذي ينبغي أن يعوّل عليه ويُفْتَى به، وقد جمع بعضهم الألفاظ التي لا يختلف معناها ضاداً وظاء في رسالة صغيرة وقد أحسن بذلك فليراجع، وإنّه مهم([86])، انتهى.

أقول: وعدم حثِّ الصحابةِ وإنكارهم شاهدٌ على ما ذكرناه من اتحادهما خارجاً واختلافهما مخرجاً.

وأمّا ما رواه البهائي عن صاحب الكشاف وما رواه في كلمته الأولى من اختلافهما مخرجاً ودعواه البداهة في ذلك وغلوه في الإنكار على من ناقش فيه فلا يضرّ مدعانا؛ فإنّا نعترف باختلاف المخرج من حيث وضع جملة الأعضاء الصوتية وان كان ممر الصوت وانفتاحاته والخارج منهما متحداً([87]).

وفي دائرة المعارف العربية للبستاني مجلد (11) مطبعة الهلال بمصر سنة 1900م: "والضاد هي الحرف الخامس عشر من حروف المبانى، ومخرجها من أوّل حافة اللسان، وما يليها من الأضراس. وهذا الحرف خاصّ باللغة العربية ليس ما يقابله في سائر اللغات السامية ولا في سواها، ويعبّرون عنه في اللغات الإفرنجية بحرف (d b) وقد يستغنون عن الحرف الأخير بنقطة تحت حرف (d)([88]) أو فوقه. ومع أنّ هذا الحرف من مميزات العربية فلصعوبته قد فسد لفظه في كثير من بلاد العرب وبين قبائل البادية فلا يفرقون بينه وبين الظاء كأنّهما حرف لا حرفان، وأهل مصر وسوريا ينطقون به من طرف اللسان على غير وضعه الأصلي.

والضاد في حساب الجمل عبارة عن ثمانمائة من العدد"([89]) وقال فيها: "والظاء هي الحرف السابع عشر من حروف المبانى، وهي عبارة عن ذال مفخمة وليس في العبرانية والسريانية حرف يقابلها، وقد فسد لفظها في سوريا ومصر فينطقون بها غالباً كالزاء المفخمة أو كالضاد بلغة العامة، ولكنّ أهل العراق وبادية العرب ينطقون بها على وضعها ويعبّرون عنها في اللغات الإفرنجية بحرف (Z) يضعون تحته خطاً أو نقطة أو بحرفي (d b)، والظاء بحساب الجمل عبارة عن 900 من العدد"([90]).

وفي (سفينة الراغب ودفينة المطالب) للإمام محمد راغب باشا طبع بولاق بمصر سنة 1282هـ (ص119) تحت عنوان: إنّ اشتباه الضاد بالظاء غير مبطل للصلاة: المختار عندنا أن اشتباه الضاد بالظاء لا يبطل الصلاة، ويدلّ عليه أنّ المشابهة حاصلة بينهما جداً والتمييز عسير، فوجب أن يسقط التكليف بالفرق بينهما.

بيان المشابهة من وجوه:

-الأوّل- إنّهما من الحروف المجهورة.

-الثاني- إنّهما من الحروف الرخوة.

-الثالث- إنّهما من الحروف المطبقة.

-الرابع- إنّ الظاء وان كان مخرجه طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، ومخرج الضاد من أوّل حافة اللسان وما بينهما من الأضراس إلاّ أنّه حصل في الضاد انبساط لأجل الرخاوة؛ وبهذا السبب يقرب مخرجه من مخرج الظاء.

-الخامس- إنّ النطق بحرف الضاد مخصوص بالعرب قال B أنا أفصح (الحديث)؛ فثبت بما ذكرناه أنّ المشابهة بين الضاد والظاء شديدة، وأنّ التمييز عسير، وإذا ثبت هذا فنقول: لو كان هذا الفرق معتبراً لوقع السؤال عنه في زمان رسول الله 4، وأزمنة الصحابة لا سيما عند دخول العجم الإسلام فلما لم ينقل وقوع هذا السؤال عن هذه المسألة البينة علمنا أن التمييز بين هذين الحرفين ليس في محل التكليف([91]) انتهى.

وقال آخر: " الضاد من أوّل حافة اللسان وما يليه من الأضراس من الجانب الأيسر، وقيل: من الأيمن، والظاء وكذا التاء فالذال من بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، والضاد والظاء مشتركان في صفة الجهر والرخاوة والاستعلاء والإطباق، وانفردت الضاد بالاستطالة". انتهى.

والذي ذكره الراغب وهذا الأخير يرجع إلى اتحادهما في الصفات الصوتية وتشابههما في المزايا النطقية؛ وفيه دلالة واضحة على ما ذكرناه من اتحاد الخارج وطريقه، وأنّ الأحكام الشرعية موردها ذلك.

وفي كتاب (التمرنة في الأصول النحوية)([92]) تأليف السيد اقليميس يوسف داود الموصلي السرياني مطران دمشق، طبع الموصل، طبعة ثالثة، سنة1886 م:

"وأمّا الضاد والظاء فهما تفخيم الذال والثاء، وقد ضاع في التلفظ الفرق بينهما منذ أجيال، فإنّ الحريري نفسه الذي اشتهر في القرن الحادي عشر للميلاد والقرن الخامس للهجرة قد وضع قواعد لتمييز الضاد من الظاء في الخطّ، فلم يكن فرّق بينهما في اللفظ في عصره إلاّ أنّه بقليل من التفكير يتأكد لدينا أنّ الأولين كانوا يفرقون في لفظ الضاد من الظاء، وذلك:

أوّلاً: لأنّه لو لم يفرقوا بينهما في اللفظ لما فرقوهما في الخط، فإنّ سائر الحروف لكلّ منهما لفظ خصوصي.

ثانياً: لأنّ علماء التجويد في بحثهم عن الحروف، ومخارجها وخواصها ميّزوا دائماً الظاء من الضاد.

ثالثاً: لأنّ الصاد والضاد تقابلان حرفاً واحداً في السريانية والعبرانية، وهو الصدى، والطاء والظاء أيضاً تقابلان حرفاً واحداً وهو الطيث، فيقتضى أن يكون لفظ الضاد قريباً إلى لفظ الصاد، ولفظ الظاء قريباً إلى لفظ الطاء. أما الضاد فلفظها الصحيح هو ذال مفخمة أو مغلظة كما يلفظها العرب الأحرار قاطبة وأهل الجزيرة والعراق لا دالاً مفخمة كما يلفظها أهل الشام ومصر المولدون لأنه لو كان الأقدمون يلفظون بها كالدال المفخمة لما جمعوها مع الدال الرقيقة في كلمة واحدة نحو ضد وداض؛ لأنّ العرب لا يجمعون أبداً في كلمة واحدة حرفاً مفخماً مع رقيقه، فلا تجد في أصل واحد (ص وس) ولا (ط وت) ولا (ض وذ) ولا (ث وظ)، فلا شك إذن في أنّ لفظ الضاد هو ذال مفخمة، وكذلك لا شك في أنّ الظاء ليست زاء مفخمة كما يلفظها أهل الشام ومصر؛ لأنّه لما كانت الظاء تقابل الطاء كما أنّ الضاد تقابل الصاد، وكانت الضاد حاصلة من تغليظ الذال المتناسبة مع السين التي تغليظها هو الصاد، يتضح أنّ الظاء هي حاصلة من تغليظ الثاء المتناسبة مع التاء التي تغليظها هو الطاء، فكما أنّ الضاد هي ذال مفخمة كذلك الظاء هي ثاء مفخمة، وهذا هو الفرق بينهما. وناهيك أنّ علماء التجويد في ذكرهم مخرج الظاء لم يعدوها مع حروف الصفير وهي الصاد والسين والزاء، ولو كان لفظها كلفظ أهل الشام ومصر لوجب أن تكون من حروف الصفير بل جعلوا مخرجها أوّل اللسان مع الثنايا العليا، وعدّوا من هذا المخرج الذال والظاء والثاء فقط؛ إلا ترى أنّك لا تجد في اللغة العربية كلمة يجتمع فيها الذال والضاد كذلك لا يجتمع أبداً في كلمة عربية الثاء والظاء؛ وذلك من سبب عام وهو أنّ الحرف الواحد لا يجتمع أبداً مع مفخمه في كلمة واحدة" انتهى.

وقد نقلت كلامه بطوله لأنّي لم أظفر بكلام أوفى منه بالموضوع وأتقن ومع ذلك ففيه فوائد غير ما نحن بصددها إلاّ أنّ فيما ذكره من الفرق ما لا يخفى. أمّا ما ذكره

(أوّلاً) ففيه أنّ تفرقتهم بالخط يمكن أن تكون لتعدد المخرج لا الخارج وهي مع ذلك ليست حجة علينا، وأمّا (الثاني) فهو شاهد لرأينا من كونهما متعددين مخرجاً لا خارجاً، وأمّا (الثالث) فهو استحسان وحسبان. وفي كلامه كثير من قبيله مما لا يؤيده شاهد ولا برهان إلاّ أنّ فيه زيادة بصيرة.

ونقل البهائي عن أبي عمر بن العلاء إمام اللغة أنّه يقول باتحاد الضاد والظاء وأنّه أقام على ذلك أدلة وشواهد، وهو ليس بصواب فإنّ كان غرضه الاتحاد من الجهة التي ذكرناها، فهو حق لا ينبغي إنكاره ولم أقف على كلامه وما ذكره فيه من الأدلة والشواهد حتى أعرف مرامه، واعترض عليه البهائي أنّهما متقاربا المخرج لا متحدين، وقد عرفت أنّ تعدد المخرج لا يكفي في التعدد ولا ينفي الاتحاد الذي يمكن أن يكون هو مراده دون غيره.

 

فوائد منثورة وكلمات مأثورة

قال الجاحظ في البيان والتبيين طبع مصر المطبعة العلمية ص88 س1311 "أمّا الضاد فليس يخرج إلاّ من الشدق الأيمن إلاّ أن يكون المتكلم أعسر أيسر مثل عمر بن الخطاب فإنّه كان يخرج الضاد من([93]) أي شدقيه شاء.

فأما الأيمن والأعسر والأضبط فلا يمكنهم إلاّ بالاستكراه الشديد مثل الأنفاس مقسومة إلى منخرين والاسترواح لا يكون إلا من واحد إذا تركت على سجيتها ومع الاستكراه والتكلف يكون منهما"([94]) انتهى.

والذي تسقط جميع أسنانه انطق بالضاد من الذي يسقط بعضها وكذا الأمر في الحروف جميعها، ولكل لغة حروف تدور في أكثر كلماتها وحروف لا توجد فيها أصلاً، فالسين كثيرة الدوران في لغة الرومان، والجرامقة يكثرون استعمال العين ويروى عن الأصمعي أنّه ليس للروم ضاد ولا للفرس ثاء ولا للسريان دال، وأنّ الجيم لا تقارن الظاء بتقديم ولا تأخير، والزاء كذلك، والسين لا تقارن الضاد بتقديم ولا تأخير.

وروى (الليث) أنّ الخليل قال: الظاء حرف عربي خصّ به لسان العرب لا يشاركهم فيه أحد من سائر الأمم، وهي من الحروف المجهورة وهي الذال والثاء في حيز واحد وهي الحروف اللثوية لأنّ مبدأها من اللثة، وهي لا بد أن تكون أصلاً ولا تكون بدلاً ولا زائداً([95])، وقال ابن جني: "ولا توجد (الظاء) في كلام النبط فإذا وقعت فيه قلبوها طاء"([96]).

وذكر ابن أم القاسم وغيره أنّهم لم يجدوا في إبدالها شيئاً ولم يتعرض لذلك من التسهيل على كثرة ما فيه من الغرائب، وتركه في الممتع أيضاً مع أنّه جامع لغرائب الفن.

ورُوي عن ابن عصفور([97]) أنّها تبدل من الذال المفخمة يقال: وقيد ووقيظ ومثله عن ابن السكيت([98]) ورُوي أرض جلذاء وجلظاء.

قال الجاحظ([99]): والراء تدخلها اللثغة بالظاء، فيقال في مرة مظة، واللثغة في الراء إذا كانت بالياء فهي أحقرهن واوضعهن لذي المروءة، ثم التي على الظاء.

واللثغة موجودة في سائر اللغات وجميع اللهجات، ومنها ما لا يصوره الخطّ لأنّه ليس من الحروف المعروفة في تلك اللغة، وإنما هو مخرج من المخارج، والمخارج لا تحصى ولا يوقف عليها. وليس ذلك في شيء أكثر منها في لغة الخوز، وفي سواحل البحر من أسياف فارس ناس كثير كلامهم شبيه بالصفير، فمن يستطع أن يصور كثيراً من حروف الزمزمة والحروف التي تظهر من فم المجوسي إذا ترك الإفصاح عن معانيه، وأخذ في باب الكناية وهو على الطعام انتهى.

وقد علمت أنّ مادة الصوت تقوم به الحنجرة، وأمّا كيفياته الحرفية فهي وظيفة ما عداها من أعضاء الصوت، واللثغة إبدال مخرج للحرف بمخرج آخر قريب منه لعجز في الجهاز المكيّف للصوت عن أداء تلك الكيفية من مخرجها الطبيعي لعرض أصلي أو طارئ يوجب تشنجاً في بعض أعضاء أعصاب ذلك الجهاز أو تمدداً فيه أو وجود فرجة تنفلت منها الموجة الصوتية كما لو كان أعلم من شفته السفلى، وجمع إلى ذلك أنّه منزوع الثنايا السفلى، أو غير ذلك مما لا يحصى.

 

فصل في كيفية امتثال الأمر الشرعي

المتعلق بكلمة مشتملة على أحد الحرفيـن

بعد أن عرفت موضع الاتحاد والفرق بين هذين الحرفين وعلمت ما اقتضاه الدليل العقلي في ذلك، فلو أمرنا شرعاً بالنطق بلفظه مشتملة على أحد الحرفين إمّا لكونهما جزءاً من ذكر واجب أو قراءة واجبة، أو مستحبين، فهنا مقامان:

الأوّل: أن نقطع بأنَّ الحرف الذي اشتملت عليه الكلمة هو ذو مخرج الحرف المسمّى بالظاء أو بالضاد، أي: أنّ وضع اللفظ مشروط بخصوصية المخرج الخاص، وبانا مكلّفون بإخراجه من ذلك المخرج بعد الأمر المتعلق بإتيان الكلمة المشتملة على ذلك على نهجها العربي الذي لا يمكن امتثاله إلاّ بالتلفظ بها كذلك. فالعمل على ما قطعنا به ولا نتعداه، ولا يكفي هذا القطع ما لم يحصل لنا قطع ثان بأنّ المخرج المعيّن هو المخرج الضادي أو الظائي. ومنشأ القطع الأوّل إمّا أن يكون تسالم شيوخ علوم الأدب وأئمة اللغة على ذلك ونقلهم له، وقلنا بحجية ذلك، وإمّا لأنّ القرّاء الذين صحت لنا القراءة بقراءتهم عُلِمَ منهم أنّه عند النطق به يخرجونه من المخرج الكذائي ويكون هذا منشأ للقطعين وهذا هو الذي يحضرني منشأ لهذا القطع.

الثاني: لو لم يحصل لنا هذان القطعان، أو حصل الأوّل فقط، فالواجب علينا في كيفية النطق به أن نعرض تلك الكلمة التي أمرنا بتلاوتها على العرب المستقيمي اللسان هي وأمثالها من الكلمات التي تشتمل على أحد الحرفين قطعاً بخصوصه. فما انطلقت به ألسنتهم على صرف طباعهم ونطقت به أفواههم، وأدّته لهجتهم الجبلية، فلا إشكال في صدق امتثال الأمر بتلك الكلمة بإتيان مثله إذا صدق عليه في عرفهم أنّه قد نطق به كغيره من سائر الحروف. وبهذا كُلِّف المسلمون في صدر الإسلام، فوسوسةُ كثيرٍ من الناس في الضاد، وتكلّفهم معرفةَ إخراجهِ من مخرجه إنما نشأت من جهّال ادعوا التضلع في علم التجويد، واقتفى أثرهم من صعب أن ينطلق لسانه باللغة العربية ككثير من الأعاجم، وإلاّ فمتى كان اللسان عربياً مستقيماً خرج الحرف من مخرجه قهراً بلا كلفة ولا صعوبة وصعب إخراجه من غيره.

وبالجملة فالسير على ما ذكروه من المخارج وقسّموه، ومحاولة جعل ذلك قانوناً لتأدية الحروف وقسطاساً للنطق بها وامتثال الأوامر المتعلقة فيها لا وجه له قطعاً، كما أنّه لا إشكال في أن المخارج التي ذكروها تقريبية لا تحقيقية، ولا يعرفها على التحقيق إلا من أودع اللسان قوة البيان وميّزه بذلك عن الحيوان. نعم، يمكن أن تنفع تلك التقسيمات التقريبية في بعض الأمور والأحوال.

وممّا لا شك فيه أنّه يصدق عرفاً أنّه نطق نطقاً صحيحاً عربياً بما اشتمل على أحد الحرفين من أي مخرج أخرجه بعد ما عرفت من اتحادهما ذاتاً وأنّ تعدد المخرج لا يضرّ في تلك الوحدة على ما أوضحناه. واعتبار أحد المخرجين بخصوصه لغةً، أو شرعاً مما يعسر الاطلاع عليه، والتهمة في نقله واضحة، واجتهاد الناقل لا يكون حجة، وكلّ ما جاء من ذلك القبيل فهو تخرّص وتخييل.

 

تقرير الأصل في المسألة الشرعيـة

إذا لم يحصل لنا القطع بأنّ الحرف الكذائي الذي اشتملت عليه الكلمة هو ذو المخرج الكذائي الذي عرفت الواجب علينا من كيفية أدائه، ونطقه وشككنا في ذلك وفيما يجب علينا من إخراجه من أيَّ مخرج من المخرجين. فإنْ تساوى الاحتمالان، فالتخيير إذا لم يمكن الجمع، وإنْ احتملنا التعيّن لأحد المخرجين، دخلت المسألة في دوران الأمر بين التخيير والتعين، وليس له التكرار احتياطاً في الصلاة للعلم الإجمالي بكونه مكلفاً بإخراجه من أحدهما، لأنّ أحدهما يكون ملحقاً بكلام الآدميين؛ فلا تصح معه الصلاة. وكيفما كان، فالأمر سهل لأنّك قد عرفت الواجب علينا شرعاً في صورة القطع بأحد الحرفين من كيفية النطق والتأدية ففي صورة الشك كذلك.

 

الضاد السنيـة والضاد الشيعيـة

لم يزل العلماء في شك من التمييز بين الظاء والضاد تأدية ونطقاً، وقد قال بعضهم: إنّها تحتاج إلى رياضة طويلة، وادّعى آخر أنّها لا يعرفها إلاّ الجهابذة النقاد، وقال بعضٌ بأنّ التباس المنهج من تقارب المخرج.

وبين علماء الشيعة والسنة معركة علمية تقادم عهدها وتطاول أمدها في كيفية النطق بالضاد وأنّ أيّهما أفصح الضاد الحجازية العراقية التي هي شيعية، أو الضاد المصرية الشامية التي هي سنية، ولهم على ذلك أدلة وشواهد. وعن بعضهم أنّ النطق بالضاد قريبة من الذال ليس من طريقة أهل السنة المتبعة إنما هو من طريقة الطائفة المبتدعة.

 

(ملحق*)

نظرة في اللغة العربيـة

إنّ الأستاذ الماهر ابن فارس في كتابه (مقاييس اللغة)([101]) فيما أعلم، هو أوّل من تنبه إلى أنّ اللغة العربية في زمانه منشعبة عن أصول معدودة من دون أن يفهمنا أنّها كيف انشعبت، وأنّ هذه الأصول عربية أم لا؟ إنما تصور لها معنى واحداً ترجع إليه جميعها وقد أرجعها في كتابه هذا إليها وأبدع، وقد سبق لي وصفٌ مسهبٌ لهذا السفر النفيس نشرته في مجلة لغة العرب البغدادية وقد طلب أحد المصريين هذا السفر ليطبعه بعد اطلاعه على ذلك المقال وحالت دون إجابته لطلبه حوائل. وما جادت به قريحة ابن فارس لا يستطاع أكثر منه في زمانه، وهو من أمهات المعاجم العربية ولم يطبع إلى الآن، وما رأيت منه سوى نسخة واحدة باقية إلى الآن في إحدى مكتبات النجف، وقد عالج نفس الموضوع السيد يوسف مطران دمشق في مقدمة كتابه (التمرنة)([102]) المطبوع سنة 1886م وقد ألفت بها القرّاء لذلك ببيان إجمالي، هو غاية ما يلزم باعتبار أنّ ما يكتبه في هذا الموضوع مقدمة لكتاب في النحو والصرف، وزاد على ابن فارس بما ذكره من مآخذ بعض الألفاظ العربية من لغات غيرها؛ وبذلك نبّه قرّاءه للنظر في أصول اللغة العربية، وما تشترك فيه جملة من اللغات فيها.

وللدكتور (بورتر) أستاذ التاريخ في الكلية الانجليزية السورية في تفرع اللغات وتشعبها مقال علمي نشره سنة1315هـ درّس فيه الموضوع في مطلق اللغات واللغة العربية في جملتها وحذا حذوه جرجي زيدان([103]) في كتابه (الفلسفة اللغوية). وفي كتابه (تاريخ اللغة العربية) المطبوع سنة 1902م توسع في الموضوع فيما يخصّ اللغة العربية، وأجرى عليها أحكام كائن حيّ نامٍ خاضعٍ لنواميس الارتقاء، وقد ضمّنه بحثاً فلسفياً تاريخياً فيما طرأ على ألفاظ اللغة العربية وتراكيبها من الدثور والتجدد. ويمكننا تجديد هذا البحث في سائر اللغات وفي كلّ جيل يمرّ على أي لغة باعتبار أنّها لا تزال في تجدد ودثور.

هذا أهم ما وقفت عليه فيما حُرِّر في هذا الموضوع باللغة العربية عدا ما قرأناه من فصول استطردها المؤلفون استطراداً، ونذكر للقارئ خلاصة الخلاصة كإلمام بالموضوع نلحق بها المباحث السابقة استيفاء لتلك المباحث وتتميماً لها من هذه الجهة.

أنبأنا القرآن الكريم أنّ أبا البشر قد أُلْهِمَ من قبل العناية الربانية، وجهّزه الإبداع الإلهي بميزة عن سائر أنواع الحيوان بلغة أو لغات - فإنّ الآية الكريمة غير واضحة الدلالة من هذه الجهة فلا تنافي مقالة القائلين بتوحيد أصل اللغات- استطاع التفاهم بها أبناؤه في التعبير عن مقاصدهم قال عزَّ من قائل [وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا]([104]) الآية، أمّا ما عداهم من سائر أنواع الحيوان فهو عاطل غير مشمول لتلك العناية إلاّ ما يكون من قبيل الحكاية والصدى لشبه ناقص في جهازه الصوتي مثل ما نسمعه من الآلة الحاكية من دون أن يكون لها أو لبعضها لغة كلغات الإنسان من أحطّها لأعلاها في سلم الارتقاء منضبطة بقواعد وضوابط مقررة تتفاهم بها في التعبير عن خواطرها وانطلاق السنة بعضها ببعض لغات البشر حركة غير اختيارية ولو كانت في موضعها في حالة التفاهم البشري ذلك؛ لأنّها دُرِّبت عليها في تلك الأحوال، ومن الممكن أن يكون لها بينها لغات لا نعلمها.

يدّعي علماء اللغات أن لأبي([105]) اللغات وأمها لغة واحدة في أول الأمر ثم نمت وتفرعت واختلفت وتباينت مثلما نشاهده في لهجات لغاتنا الحاضرة؛ فكلِّ لهجة سوف تصبح لغة قائمة بنفسها مستقلة عن أختها فطيمة ضرعها، وهي خاضعة لإحكام النشوء والارتقاء الطبيعية، وإنّي([106]) لا أحسب لهذا الاحتمال قيمة علمية ما لم يتأيد بشواهد بينات، ولم لا يكون الأمر على عكس ذلك؟ وأنّ اللغات كانت أكثر من لغات البشر الحاضرة أضعافاً مضاعفة، ثم انكمشت وتداخلت وسوف تتداخل حتى تكون لغة واحدة وكونها لم تصل إلينا، ولم تحصها تواريخنا لا يصلح شاهداً للنفي، وغرضي الحذر ثم الحذر من أن يدمج في القواعد العلمية ما هو من قبيل الظن والخيال.

قالوا: ثم إنّ تلك اللغة توالدت وتشعبت بالانقسام وتفرعت كما تفرع الناطقون بها وتقطعوا أسباطا في طول الأرض وعرضها، وإنّ لغات الأمم المتمدنة أطول أعماراً واصبر على مكافحة الطوارئ الطبيعية وهي مصونة بأشعارها وأسفارها. وكلّما رسخت قدمُ أمةٍ في المدينة طال عمر لغتها وهي حافظة لشبابها ونشاطها.

ولا يصح([107]) شاهداً ولا يوجب قناعة علمية لتلك الدعوى، أنّا إذا حلّلنا أي لغة تحليلاً كيماوياً لغوياً وفككنا بين عناصر مفرداتها، ووجدناها كمركبات تنحلّ إلى بسائط، وتلك البسائط إلى أبسط منها وهكذا حتى ينتهي الأمر إلى ألفاظ لا تتجاوز الخمسمائة كما يقولون.

فأنه من الجائز أن يكون ذلك لمشابهة الأصوات لا لاتحادها. ولماذا لا يكون الحال من مبدئه أنّ كلَّ أمّة انطلقت ألسنتها بما يشابه الأمة الأخرى في بعض أصواتها اللفظية ويكون ذلك من قبيل الترادف والتوارد في وضع الألفاظ لا من قبيل الاشتراك؛ فليس لنا أن نستنتج بمجرد الاتفاق والتجانس أنّ كلّ لغات العالم الحاضرة نشأت من فروع قليلة وهذه الفروع نشأت من لغة واحدة.

وكيفما كان الأمر فإنّ علماء اللغات لمّا نظروا في اللغات الحاضرة وجدوها تنقسم بالنظر إلى تدرجها ونموها في سلم ارتقائها إلى أدوار ثلاثة: (البساطة)، ثم (الامتزاج)، ثم (النحت).

فدور البساطة هو ذلك الدور الذي كانت فيه اللغة مؤلفة من ألفاظ بسيطة ذات مقطع واحد، وما مفرداتها إلاّ حكاية الإنسان للأصوات الخارجية فيعبّر عن الرعد بحكاية صوته، وعن الريح بحكاية صوتها وعما حوله من حيوان وماء ونبات وشجر بحكاية أصواتها، أمّا الروابط وتعيين المكان والزمان فيفهمها بالإشارة والحركات الجسمية، فلا تنصرف تلك الألفاظ للدلالة على الزمان والحدث والإفراد والجمع. وهذا الدور في طفوليته يستعان بربط مفرداته بالإشارة ثم بسير بطيء توضع مكان الإشارة لفظة تدلّ على ذلك المعنى الذي دلّت عليه الإشارة، لكنّها تحكى عنه كمعنى قائمٍ في نفسه لا كخصوصيةٍ، وربطٍ بين معاني تلك الألفاظ.

وفي الدور الثاني تتركب الألفاظ وتمتزج وتنضمّ، فمن مزجِ لفظةٍ بأخرى والتحامها تتولد لفظة مع بقاء أصلهما على صورته من غير تغيير في ترتيب الحروف ولا زيادة فيها؛ وبذلك تتأدى المعاني المختلفة من زمان ومكان وصفة وهيئة.

وفي الدور الثالث ينحت من اللفظتين المركبتين بالحذف والقلب والتغيير والزيادة كلمات تؤدي معاني خاصة. وقد يطرأ عليها التغير برمتها حتى يتعذر أحياناً ردّها لأصلها، ثم ذلك المنحوت يتصرف على وجوه شتى للدلالة على الزمان والحدث والإفراد والجمع.

وهنا أقول: إنّ ابن عباد الصيمري أدرك سراً غامضاً في وضع الألفاظ وذاقه بصرف طبعه وقد أرجعنا المناسبة التي([108]) ادعاها في وضع الألفاظ في موضع آخر إلى معنى صحيح هو الرأي الأخير الذي اقتنع به علماء اللغات من نشوء اللغات ونموها ورجوعها إلى أصل واحد وهو دورها الأوّل. والعربية من اللغات التي ارتقت إلى هذا الدور الأخير الذي هو الذروة في سلم ارتقاء اللغات.

أمّا أنّا كيف نعلم أنّ اللغتين تفرعتا من أصل واحد فسبيله إذا جردنا ألفاظ لغة تكون مسمياتها مما تشتد الحاجة إليها في أكثر الأحيان كأسماء بعض الحيوانات الدارجة والأرض، والشمس، والنجوم، والقمر، والبحر، والنهر، والأب، والأم، والابن، والأخ من مزيداتها وأبقينا أصولها وهي قليلة بالنسبة إلى المزيدات، ثم قابلنا هذه الأصول بأصول لغة أخرى في ألفاظ تلك مسمياتها، ووجدنا بينهما اتفاقاً ومشابهة في تلك الأصول نحكم بتجانسها وتفرعها من أصل واحد.

والعربية والعبرانية داخلتان تحت حكم هذا القياس ولذا حكموا بأنّهما كانتا لغة واحدة. ومنذ قديم الأزمان توجد لغاتٌ قد ندرس استعمالها تشارك العربية والعبرانية في هذه الأصول، ومنه استكشفوا أنّها شقيقات لهما، وقد عدّوا منها الآثورية والنبطية والكلدانية، وغيرها من فروع اللغة السامية.

وإذا دقّقنا النظر في اللغة السامية نجدها هي بنفسها قد بلغت الدور الثالث في سلّم الارتقاء قبل أن تتشطر إلى فروعها هذه، فتكونت فيها الأسماء والأفعال والحروف مشتقاتها ومزيداتها، فهي قبل أن يحملها العرب إلى جزيرتهم- فتكون لغة عربية لهم- كانت داخلة في هذا الدور ذات اختصاصات وامتيازات عن غيرها.

ثم إنّ العربية تشعبت الى الحجازية واليمنية والحبشية، وهذه تفرعت كلّ واحدة منها إلى فروع، وكذلك كانت قبل الإسلام تمتاز القبائل كل قبيلة بلغة كما تمتاز الآن بعض الألوية العراقية([109]) بعضها عن بعض بلهجاتها، وما بين لغات تلك القبائل اختلافات يسيرة؛ فلكلّ من ربيعة وتميم ومضر وقيس وهذيل وقضاعة وغيرهن لغة أو لهجة. والعربية القحة منهنّ هي التي كانت أبعد من غيرها اختلاطاً بأمم أخرى؛ وقد ظهر في لغة قريش التي امتازت بتجارتها وأسفارها، وبكثرة اختلاط الأمم غير العربية بها من الاشتقاقات والتراكيب والدخيل ما لا مثيل له في غيرها، وأثر الإسلام في جملة فروع اللغة العربية بواسطة احتكاك الأفكار، والمهاجرة وتغيير الشؤون تأثيراً ظاهراً.

وللغات السامية وهي العبرانية والكلدانية، والنبطية، والموابية، والفينيقية، والحبشية والسامرية، وغيرها من أخوات اللغة العربية مزايا مشتركة تختص بها دون سائر اللغات المعروفة، منها امتياز مذكرها من مؤنثها، ومنها أنّ لها حروفاً وهي "حعقصط" وغيرها تختص بها، ومنها أنّ الضمائر فيها تتصل بجميع أقسام الكلمة. وهذا ما ذكرنا من أنّها دخلت الدور الثالث قبل تفرعها.

والساميون مفطورون بأصل خلقتهم على النطق بالحروف الحلقية، والطفل السامي في حضانته ينطلق لسانه بها بعد النطق بالباء والميم والدال بأفصح ما يكون مع أنّ غير السامي يضطر لرياضة طويلة حتى يستطيع النطق بها، ولا يحسنها كما ينبغي بنبرتها الخاصة، وعلاوة على ذلك فإنّ الجهاز الصوتي السامي مستعد للإفصاح بأي لغة أجنبية. أمّا الدخيل والغريب عنهم فلا يستطيع ذلك في مطلق اللغات السامية وان كان بعضها أهون.

وللعلماء نزاع في أنّ أي اللغات السامية هي الولد البكر لأمهن اللغة السامية وأيهنّ كان فطامه أقدم، وتتنازع تلك الأولية لغات ثلاث السريانية، والعربية، والعبرانية. وبالغ بعض فجعل العربية أمّاً لهما واستدل لذلك بأدلة كلّها ظنون لا توجب جزماً ولا يقيناً، منها: أنّ الأصول التي تفترق فيها العبرانية، والسريانية توجد بأجمعها في العربية ما عدا اليسير من ذلك، وقد احتفظت بها العربية بأجمعها ويدل هذا أنّ السريان والعبران اتخذوها منها، ومنها: أنّه توجد ألفاظ قد استبهمت حقيقتها فيهما وهي موجودة في العربية بحيث يرتفع الاستبهام والشبهة، ومنها: أنّه توجد ألفاظ مختزلة فيهما وهي كاملة فيها كالنونات في أنت وأنتم والمبدوء بها الأفعال المضارعة و(ال) التعريف، فإنّ هذه الحروف تسقط فيهما، ومنها: أنّ الكلمات المشتملة على الضاد فيها جعلت بقياس مطرد صاداً في العبرانية وعيناً في السريانية مثل قبض وضاق وأرض وضأن. ولو كان العرب أخذوها لأبقوها عيناً أو صاداً لوجود هذين الحرفين في العربية، وليست إحداهما أخذت من الأخرى لوجود العين والصاد في كلتا اللغتين والضاد لا توجد إلاّ في العربية، ومثلها الكلمات المشتملة على الذال في العربية فإنّها في السريانية دالاً وفي العبرانية زاء.

ومثلها المشتملة في العربية على الثاء فإنّها في العبرانية شيناً وفي السريانية تاء بقياس مطرد في المقامين؛ والفحص يدلّنا على نحو ما ذكرنا في الضاد.

قال في التمرنة: ولنا برهانٌ آخر على ذلك قاطعٌ كلِّ ريبٍ مستند على التاريخ، وهو أنّ أقدم كتاب كتب في العبرانية هو سفر أيوب، وهو مشحون بصيغ وجمل عربية، وهذا دليل على أنّ العبرانية في قديم الأزمان كانت أقرب للعربية مما صارت إليه فيما بعد.

وهذه الدلائل، وغيرها مما أهملنا ذكرها إنْ لم تدلّ على أمومة اللغة العربية لهما ففيها دلالة على أنّها أقرب لأصلهنّ.

وعقيدتي أنّ مدية المشرّح هي وحدها يمكن أن تعطينا فروقاً دقيقة بفحصها للجهاز الصوتي إذا استطعنا أن نعرف ما هي الانعطافات والتجعدات، والحواجز التي توجب اختلاف الأصوات بالدقة، فإنّ كثيراً من الأجهزة الصوتية لا يساعد حالها التشريحي لتصويت بعض الحروف، وهي من جملة فوارق الشعوب البشرية. ومن التاريخ الطبيعي لها يمكن أن نستفيد قواعد متقنة في تفرعات اللغات وتشعبها.

والوطن الأصلي للعرب، واطمئنانهم في أرضهم من دون أن يتحكم فيهم غريب أو تتعاقب عليهم دول وتحصنهم في قفارهم وفيافيهم هو الذي حفظ لهم لغتهم، أمّا الذين خرجوا منهم ولم يتحصنوا بوحشيتهم أو لم يدخلوا معهم تلك المجاهل من أمم أخرى تشترك معهم في أعراقهم فقد تناوشتهم النوائب والتقلبات ولعبت بهم الحوادث والاختلاطات؛ فتغيرت لذلك لغتهم شيئاَ فشيئاً حتى تلاشت عروبتها وظلّت كلغة مستقلة، ثم مازالت كذلك عرضة للتبدلات حتى انطمست، واندرست وإنْ خلّفت لنا أسفاراً وكتباً على عهد استقلالها هي أقدم ما ألف في اللغة العربية، وذلك لأنّها تقدّمت للحضارة والمدنية قبل أمّها العجوز بقرون وذلك كاللغتين السريانية، والعبرانية، فإنّ اللغة العربية فرضتهما منذ أجيال واستولت على بلاد العبران والسريان وقد بطلت السريانية من جميع مدنها الكبيرة حتى اسمُها السرياني تبدّل والأمةُ السريانيةُ كلغتها انقرضت واندمجت.

واللغة العربية أغنى لغات العالم وأوسعها، وللـ((شدياق)) كلمة قابل بينها وبين لغات الإفرنج فيها نوردها هنا لما فيها من الفائدة قال في كتابه (منتهى العجب): إنّ لغات الإفرنج لم تزل في ضمّ الكلام بعضه إلى بعض في حالة الطفولة، أعني: أنّهم يوردون جملة بعد جملة اقتضاباً من دون حرف عاطف، وكثيراً ما يوردون الجمل من دون مناسبة ولا ارتباط، فمن ثَمَّ كانت الترجمة من العربية إلى الإفرنجية أسهل من الترجمة من هذه إلى تلك. فأما نسق الكلام وتأليفه فعندهم من الشذوذ والخروج فيه عن الأساليب الصحيحة ما لا يحصى، فمن ذلك عدم ذكر أداة السبب، ووجه التعليل والتفريع، ومن ذلك عدم المطابقة، ومن ذلك المعاظلة. وهي تشبث الكلام بعضه ببعض، ومن ذلك إطلاق المقيد وتقييد المطلق من الظروف والأحوال، ومن ذلك النعت المقحم والابتداء بالمعرفة اقتضاباً وأشياء أخرى، انتهى. وقد وقع كتّاب العربية لكثرة مزاولتهم للغات الأجانب في تعابير ركيكة قبيحة شبيهة بلغات الإفرنج فهي إفرنجية عربية.

وقد استأثرت اللغة العربية من دون جميع اللغات بحرف الضاد، الحرف الذي لا يقدر غير المتولدين منهم أن يلفظوه حسناً حتى الساميات أخوات العربية لا يوجد فيها هذا الحرف والأقوام الذين يتكلمون بالعربية، وليسوا من العرب [الذين] لا يحسنون النطق به إلا بتكلف. وبعضهم يلفظه دالاً مغلظة، وبعضهم يلفظه كالفاء الإفرنجية المغلظة. وأخته الظاء مثلها، وهذان الحرفان البدويان هما طابع العروبة الطبيعي، ويروى أنّ في نجد جبلاً يسمى (عكاد) سكانه الآن يحسنون النطق بهذين الحرفين، فلا يستطيع شعب من الشعوب أن يلفظها مثلهم بنبرتها العربية ونغمتها القحطانية، وهم يتكلمون بالعربية بحسب القواعد النحوية، والصرفية حتى قرننا هذا. والفرق بين هذين الحرفين قد قدمنا فيه ما به الكفاية.

ونختم هذه النبذة بكلمة نطرحها أمام القارئ الكريم ولا نظنه إلاّ أن يوافقنا فيها، ولها أثر مهم في باب الدّية الشرعية، وما زالت تجول في الخاطر منذ أمد بعيد، ولأنّها غير معهودة عند أئمة العربية كنا نستوحش من التصريح بها، ولكني ظفرت بمن صرح بها من عهد قريب:

قد قدّمنا في هذا الكتاب الميزان في اختلاف الحروف واتحادها. والمعروف المشهور أنّ الحروف الهجائية ثمانية وعشرون وقد جعلوا لكلّ حرف رسماً خاصًا في كتابته، ولكنّا إذا اعتبرنا الموازين التي بها تتعدد الحروف، وراعينا الحروف من جهة التلفظ بها كان عددها أكثر من ذلك بحسب اختلاف مخارجها والنطق بها؛ فإنّ النطق والمخرج يختلف أشد الاختلاف في الحرف رقيقه، أو خفيفه، ومغلظه، أو مفخمه. فهذه الحروف وهي: " ر، ب، ل، م، ن، ي، و، ف، د، ز، س، ش، ذ، ت، ث" رقيقها، ومغلظها، وخفيفها، ومفخمها مختلفات أشد الاختلاف خارجاً ومخرجاً ولفظاً وملفوظاً. راجع كتب التجويد، فكلّ واحدٍ منها بحالتيه حرفان مستقلان، ولا يؤثر في تعددهما رسمهما بصورة واحدة. ويمكن أن يستطيع الشخص لفظ الرقيق ولا يستطيع النطق بالمغلظ؛ ويلزم من ذلك أنّ تتوزع عليها الديّة الشرعية لكلّ حرف، أو تقسم الديّة الشرعية للحروف كلّها على تسعة وثلاثين، وترتقي الحروف الهجائية العربية إلى تسعة وثلاثين.

هذا ما أردت جمعه وتأليفه من أصح مصادره، وأتقن موارده، راعيت فيه جهات مواضيعه بأوسع ما يكون من مبادئها إلى غاياتها، والله هو الموفق.

حرره مؤلفه وأنجز تأليفه في جمادى الثانية سنة 1340ﻫ في النجف الأشرف.

 

 

 

 

 

 

 

بسمه تعالـى

لمحمد علي(*)

يقول لنا هذا الكتاب مصرِّحاً
 

 

عن الحق قولاً ناصعاً لن يفندا
 

دعوا كل صوت بعد صوتي فأنني
 

 

أنا الصائت المحكي والآخر الصدى
 

 

 سنة 1347ﻫ

 

من إصدارات مؤسسة كاشف الغطاء العامة

< >الأجوبة النجفية في الرد على الفتاوى الوهابية, تأليف: آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء   قدس سره (1361هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.أحكام المتاجر, تأليف: آية الله العظمى الشيخ مهدي كاشف الغطاء   قدس سره (1289هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الشيخ تحسين البلداوي.الإمامة, تأليف: آية الله العظمى الشيخ عباس كاشف الغطاء   قدس سره (1323هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.بحوث ومقالات, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.التعادل والتعارض والترجيح, تأليف: آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء   قدس سره (1411هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.الدراسات النحوية عند آل كاشف الغطاء، تأليف: الدكتور باسم خيري.دليل مخطوطات مؤسسة كاشف الغطاء العامة, الإصدار الخامس (1434هـ - 2012م), إعداد: قسم الذخائر للمخطوطات.رسالة في فن التجويد, تأليف: آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء   قدس سره (1361هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الدكتور خليل المشايخي.زيد بن علي `, تأليف: آية الله الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء   قدس سره (1366هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الدكتور خليل المشايخي.الغيب والشهادة, تأليف: آية الله الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء   قدس سره (1366هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.الفساد الإداري في المنظور الإسلامي, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.القواعد الستة عشر, تأليف: آية الله العظمى الشيخ جعفر كاشف الغطاء   قدس سره (1228هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.كشف ابن الرضا عن فقه الرضا, تأليف: آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء   قدس سره (1411هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ مصطفى ناجح الصراف.المال المثلي والمال القيمي في الفقه الإسلامي, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.مجموعة آثار علماء آل كاشف الغطاء, قرص ليزري, إعداد مؤسسة كاشف الغطاء العامة بالتعاون مع مركز البحوث الكمبيوترية للعلوم الإسلامية. المدخل إلى الشريعة الإسلامية, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.المقبولة الحسينية, تأليف: آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء   قدس سره (1361هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.المنتخب من القواعد الفقهية, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.الموسوعة الوثائقية, صدر منها أربعة أجزاء, إعداد قسم الوثائق والأرشفة.نبذة الغري في أحوال الحسن الجعفري, تأليف: آية الله العظمى الشيخ عباس كاشف الغطاء   قدس سره (1323هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.


([1]) ظ. الكنى والألقاب 3/82، شعراء الغري 8/418.

([2]) ظ. شعراء الغري 8/418، ماضي النجف وحاضرها 3/198.

([3]) أنساب العشائر العربية في النجف الأشرف 1/214.

([4]) ظ. شعراء الغري 3/418.

([5]) شعراء الغري 3/418، 419.

([6]) ظ. جريدة الأحرار العدد 286، الأربعاء 18حزيران عام 1947، 1366ﮬ.

([7]) جريدة اليقظة: بقلم سَلمان الصفواني، العدد الصادر في 3/7/1937.

([8]) ظ. شعراء الغري 9/419.

([9]) ظ. شعراء الغري 9/62، 64.

([10]) ظ. رجال الفكر والأدب في النجف/265.

([11]) ظ م.ن 8/419، 420.

([12]) ظ.م.ن 3/191، الشريف الرضي/3.

([13]) ظ. ماضي النجف وحاضرها 3/191.

([14]) ظ. شعراء الغري 8/421.

([15]) مجلة العرفان، مقال الاستاذ الجعفري سنة 1347ﮬ.

([16]) ظ. ماضي النجف وحاضرها 3/192.

([17]) ظ. شعراء الغري 8/421، ماضي النجف وحاضرها 3/192، رجال الفكر والأدب في النجف 365، 366.

([18]) ظ. شعراء الغري 8/421.

([19]) شعراء الغري 8/420.

([20]) م. ن 8/420، 421.

([21]) ظ. شعراء الغري 8/422.

([22]) ظ. م.ن 8/ 422، 423، 424، 425، 426، 427، 428، 429.

([23]) ظ. شعراء الغري 8/422، 423.

([24]) ظ. شعراء الغري 8/430.

([25]) ظ.م.ن 8/423، 424.

([26]) شعراء الغري 8/425.

([27]) شعراء الغري 8/ 429، 430.

([28]) شعراء الغري 8/ 428، 429.

([29]) شعراء الغري 8/426، 427.

([30]) ظ. كشف الظنون 2/1217، 1282.

([31]) مجمع الأمثال 1/326.

([32]) ظ. كشكول الشيخ هادي كاشف الغطاء 2/167.

([33]) ظ. كشكول الشيخ هادي كاشف الغطاء /176.

([34]) شعراء الغري 8/420.

([35]) ظ. ماضي النجف وحاضرها 3/192.

([36]) ظ. كشكول الشيخ هادي كاشف الغطاء 2/170.

([37]) ظ. م.ن.

([38]) جريدة الهاتف، العدد 461، السنة الثالثة، 3رجب، 1366ﮬ.

([39]) ظ. شعراء الغري 8/420، ماضي النجف وحاضرها 3/192.

([40]) أراد الضاد والظاء.

([41]) أراد: إنّ لكلّ حرف مخرجاً.

([42])  ألاصل "منافات ".

([43]) قال المؤلف في الحاشية ((قال ابن كثير (هذا الحديث لا أصل له لكن معناه صحيح) وقد فتشت عنه في كثير من الكتب من جوامع الأخبار وغيرها فلم أجده بهذه الألفاظ والذي وجدته من روايته (أنا أفصح العرب) نعم رواه بدر الدين في شرح الخلاصة في مبحث الاستثناء بهذه الألفاظ، وكذا رواه الإمام محمد راغب باشا في كتاب (سفينة الراغب ودفينة المطالب) ورواه كذلك (مغني اللبيب) ولا نعلم مأخذه، والظاهر أن الحديث واحد، ولكن حيث إن العرب لا تشارك لغتهم لغة أخرى بهذا الحرف كنى عنهم بعض رواة هذا الحديث بمن نطق الضاد. وذكر أبو البقا أنّ حرف الظاء أيضا خاص بلغة العرب)).

 ظ. سفينة الراغب ودفينة المطالب/ 119، وقد وجد المحققون إنّ ابن الأثير رواه في النهاية في غريب الحديث والأثر1/171بلفظ (أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش)، وورد في غريب الحديث لأبي عبيد القاسم الهروي 1/140 مثلما أورده ابن الأثير، في حين جاء في الجامع الصغير للسيوطي 1/92 بلفظ (أنا أعرب العرب ولدتني قريش ونشأت في بني سعد بن بكر فأنّى يأتيني اللحن)، وفي مغني اللبيب 1/155 بلفظ (أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد بن بكر).

([44]) الأصل ((وقد أتعب منها آراء)).

([45]) الأصل ((تختلف)).

([46]) في حاشية الأصل بخطّ خفيف بعضه غير مقروء، وهو ((مثل الطاقة بالحركة التموجية... في وسط... وقد يكون هذا الوسط مضغوطاً أو متخلخلاً)).

([47]) (هامش المؤلف) نستعمل الهواء في كل ما يأتي من المباحث بمعنى الريح إتباعا لاستعماله المشهور في ذلك.

([48]) الأصل (الحبول).

([49]) الأصل (الذان).

([50]) الأصل (الحبول).

([51]) الأصل (إلى مؤخرة) .

([52]) هامش المؤلف ((روت إحدى الجرائد عن شركة الآلات الطبية الجراحية في نيويورك أنها: اخترعت تلك الشركة جهازا يتمكن بواسطته البكم من التكلم وقد أبلغت هذه الشركة اختراعها حد الكمال، وهذا الجهاز ليس سوى حنجرة صناعية كاملة لها أوتار النطق والتلفظ وتوضع من الخارج وتقلد كلام الإنسان ونطقه بصورتهما الطبيعيتين؛ وذلك بفضل اشتماله على أوتار ملفوفة بأنسجة تخرج الصوت بنبراته الطبيعية وتتصل بأنبوب من المطاط داخل في شق قصبة الرئة، ولا بد لمن يريد استعمال هذه الحنجرة الصناعية من أن يزيل حنجرته الطبيعية لتحل محلها الحنجرة الصناعية بواسطة عملية جراحية بسيطة لتسهيل التنفس على مستعمل الحنجرة الصناعية)).

([53]) الجَرْش: صوتٌ يحصل من أكل الشيء الخشن. ظ. لسان العرب (جرش) 6/272.

([54]) الأصل (الاحبال).

([55]) الأصل (ترخي).

([56]) الأصل (سرعته).

([57]) الأصل (الغير).

([58]) ظ. مجلة الهلال (الزرافة حيوان اخرس) 9/350.

([59]) الأصل (واهتزازها).

([60]) الأصل (فجئه).

([61]) أراد أنّ التبدّل هو دائرة مجوّفة، أي: على هيئة دائرة مجوّفة.

([62]) الأصل (والأكبر).

([63]) الأصل (بخطوط).

([64]) أشراط: جمع الشَّرَطُ بالتحريك: العَلامة، ظ. لسان العرب (شَرَط) 7/329.

([65]) الأصل (وأما القسم المتوسط وصلنا إلى الغشاء)، والسياق يقتضي (وأما القسم المتوسط فإنه يوصلنا إلى الغشاء).

([66]) جملة مضافة اقتضاها السياق.

([67]) الأصل (هدات).

([68]) الإسراء/44. وردت في المخطوطة خطأً "يسبح لله...".

([69]) الأصل (النغمات وتختلف) بزيادة الواو، وهو سهو.

([70]) القَطَطْ: الشديد الجُعُودة، ظ. تاج العروس (قَطَطْ) 1/4971.

([71]) الأصل (يلفظونها).

([72]) اقتضاها السياق، فهو في موضع التعليل لاختلاف لفظ الظاء.

([73]) الأصل (يخلف).

([74]) ظ. المزهر في علوم اللغة 2/244.

([75]) التكوير/24، الأصل (بظنين) وهي قراءة في مصحف عبد الله (الكشاف 1/1184).

([76]) الأصل زيادة ((وما هو)) لم ترد في نصّ الكشاف.

([77]) أُعيدت كتابة النّص على ما وردت في الكشاف.

([78]) كذلك أُعيدت كتابة النص.

([79]) الكشاف 1/ 1184.

([80]) ظ. كشكول البهائي 1/33.

([81]) التكوير/24.

([82]) ظ. جامع البيان 30/100.

([83]) ظ. روح المعاني 30/61.

([84]) م.ن 30/61.

([85]) هو محمد بن سلمة بن أرتبيل اليشكري (أبو جعفر) عالم بالأنساب، من أهل الكوفة، رحل الى البادية وأخذ عن أهلها، وأخذ عنه ابن السكيت، من آثاره: بجيلة وأنسابها وأخبارها وأشعارها، النوافل من العرب، خثعم وأنسابها واشعارها، والميسر والقداح. ظ. الأعلام 7/18، اختيار معرفة الرجال 1/39.

([86]) ظ. روح المعاني 30 /61.

([87]) في الحاشية "إلى هنا انتهى النقل غرّة محرّم 1348".

([88]) يفترض أن توضع نقطة تحت الحرف أو فوقه.

([89]) دائرة المعارف 1/115، باب الضاد.

([90]) م.ن 1/116.

([91]) ظ. سفينة الراغب ودفينة المطالب /119.

([92]) ظ. التمرنة في الأصول النحوية/20.

([93]) الأصل " الضاد من الضاد من أي شدقيه ".

([94]) البيان والتبيين 1/48.

([95]) ظ. لسان العرب 7/434.

([96]) سر صناعة الإعراب 1/227.

([97]) ظ. الممتع في التصريف /38.

([98]) ظ. إصلاح المنطق /27.

([99]) ظ. البيان والتبيين 1/32، 33، 34.

(*) قال المؤلف "ونذكر للقارئ خلاصة الخلاصة كإلمام بالموضوع نلحق بها المباحث السابقة استيفاءً لتلك المباحث وتتميماً لها من هذه الجهة".

([101]) ظ. مقاييس اللغة 1/1.

([102]) ظ. التمرنة في الأصول النحوية/22.

([103]) ظ. الفلسفة اللغوية /49، تاريخ اللغة العربية 1/35.

([104]) البقرة /31.

([105]) الأصل (أبو).

([106]) الأصل (ونحن).

([107]) الأصل (لا يصلح).

([108]) الأصل (الذي).

([109]) اللواء وجمعه ألوية هو مصطلح قديم في تقسيم العراق في مقابل ما يعرف في الوقت الحاضر بالمحافظات.

(*) ويرى المحقّقون إنّ هذه الصفحة قد كتبت بعد ذلك لأنّها ليست من خط الناسخ بل يختلف خطّها عن خط الخطوط ثمّ أنّ المؤلف ذكر أنّه انتهى من تأليفها ونسخها سنة 1340 وهنا ثبت سنة 1347, مثلما ثبت في الصفحة الأولى من المخطوط. ولا يخفى على أحد أنّ البيت الثاني هو للمتنبي وقد أُجري عليه بعض التحريف.

                     
 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD