أفضل الدين

 

المقدمة

حمداً أبدياً للخالق المتعال الجاعل على الأعراف رجالاً يعرفون كلاً بسيماهم، وشكراً لمن ميز الأشرار عن الأخيار، وصلواته المتواصلة على الصادع بالتنزيل السالك بالطبائع سواء السبيل، وعلى آله الطيبين الطاهرين المؤسسين لقاعدة الجرح والتعديل بفعلهم الذي بلا بديل وقولهم الذي بلا عديل.

وبعد:

فلما كانت المروءة هي أفضل الدين، سميت بحثي هذا أفضل الدين وذلك لبيان أن الشريعة المقدسة قد لاحظت العرف وأقرّت الاستقامة العرفية التي أمر الشارع الأخذ بها، و إن المروءة متعلقة بالهداية الفطرية النقية من الكدورات، ومما دعاني لكتابة هذا البحث هو رؤيتي لألسنة الناس وقد لاكت علماء الدين عندما سقطت السلطة الطاغية بسبب بعض المُعَمَّمِين المتزيين بزي علماء الدين،  مِمَّنْ قد سلكوا طريقاً يخالف المروءة، ومرقوا عن عرف علماء الدين مما جعل العوام ينتقدونهم وَيَنْحَتون أثَلَتَهُم ويُنْحُون عليهم باللّوْمِ النّامِّ عن سُقُوطِ مُرُوْءَتِهِم وتَنَكُّبِهِم مَهْيَعَ الصَّواب لِتَرْكِهِمْ السَّبِيلَ الأقْوَمَ وَسُلُوْكِهِمْ بُنَيّاتِ الطَّرِيقِ، فأردتُ بيان المروءة، وكيف تحفظ في أواسط علماء الدين وطلاب الحوزة العلمية؟، وكيف تختلف المروءة حسب عناوين المؤمنين والأماكن والأزمان؟ فالله الله في هذا اللباس والزي والحفاظ على قدسيته وجعله عنواناً لمكارم الأخلاق والمروءة التي هي زينة المؤمنين.

لا شك ولا ريب في أَنَّ ارتكاب خلاف المروءة من قبل أي واحدٍ من المعممين أو المحسوبين على الحوزة العلمية هو هتك لمقام العلماء وإضرار بسمعة الحوزة العلمية، فإن كل تصرف وسلوك وعمل يعتبر عيباً عُرْفِيّاً يستلزم الغَضَّ من مقام العلماء وانتقاصهم والإضرار بسمعة الحوزة العلمية، ثم إذا كانت المروءة هي أفضل الدين فإن أوْلى مَنْ ينبغي أن يُراعِيهَا هم المعممون، فإذا كان المعممون لا يرعون المروءة فمن الذي يرعاها!

والذي يستقري الكتب الفقهية يرى حرص الفقهاء على مُراعاة المحافظة على المروءة بما يدهش الألباب مراعاة لهذه الخصلة الحميدة حتى أنهم لم يوجبوا طلب الماء ممن عنده في مكان خالٍ منه للوضوء حتى يصلي، وذلك لصعوبة السؤال على أهل المروءة، مع العلم أنَّ الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت رُدَّ ما سواها، فأجاز الفقهاء التيمم بدلاً من الوضوء، كما أفتى الفقهاء بوجوب لبس ملابس معينة لوظائف معينة وإلاَّ ذهبت المروءة.

وقد كتب القدامى والمُحْدَثُونَ كُتُباً في المروءة منهم الثقة أبو جعفر الأعرج من القميين، والمولى الثقة عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله بن السائب من القميين، والثقة الكوفي محمد بن الحسن الصفار (ت: 290هـ) في قم والحسين بن سعيد له كتاب في التجمل والمروءة([1]).

وفي الختام نسأل الله تعالى بجاه من لذنا بجواره مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ( عليه السلام)  أن يغير حالنا إلى أحسن حال وأن يجعلنا من أهل المروءة وأن نتخلق بخلق أهل بيت العصمة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأن يوفقنا إلى سواء السبيل إنّه سميع مجيب.

والله مِنْ وراءِ القصد

المدرسة المهدية الدينية/ النجف الأشرف

 

المروءة لغة([2]):

المُرُوءة مهموز بضم الميم والراء مشتق من المرء، والمروءة: كمال الرجولية والإنسانية، وَمَرُؤَ الرجلُ يمرؤ مروءة أي صار ذا مروءة فهو مريء على فعيل، ويقال فلان يتمرأ بنا أي يطلب المروءة بنقصنا وعيبنا، ويقال للرجل القليل المروءة بالطوط - بالضم- وذكر أن البُذم بالضم هي المروءة عن ابن بري بقوله:

يا أم عمران وأخت عثم

قد طالما عشت بغير بذم

وقال الجوهري: وقد يشدد فيقال مروَّة.

تعريف المروءة اصطلاحاً:

عرف الفقهاء المروءة في مقام تعرضهم لتعريف العدالة، وعباراتهم تنصب في معنى واحد، وجاءت تعاريفهم بمصاديق المروءة تارة وبذكر خوارم المروءة تارة أخرى, ومنهم من اعتبرها من الهيئات النفسانية، وآخرون من الآداب.

أولاً: التعريف بالمصاديق:

1. عرف الأحنف بن قيس المروءة: بأنها العفة والحرفة، فتعف عمّا حرم الله، وتحترف فيما أحل الله([3]).

2- عن تفسير العياشي قال: خرج علي  ( عليه السلام)  على أصحابه وهم يتذاكرون المروءة، فقال: أين أنتم أنسيتم كتاب الله وقد ذكر ذلك؟ قالوا يا أمير المؤمنين في أي موضع؟ قال في قوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ]([4]) فالعدل والإحسان هو المروءة([5]).

3- هي حفظ الدين وإعزاز النفس ولين الكف وتعهد الضيعة وأداء الحقوق، وفي معنى آخر لها شح الرجل على دينه وإصلاحه ماله وقيامه بالحقوق([6]).

4- وعرفها المحدث المجلسي بأنها الصفات التي يحق للمرء أن يكون عليها وبها يمتاز عن البهائم وهي الإحسان واللطف([7]).

5- وعرفها عمرو بن عثمان المكي (هي التغافل عن زلل الأخوان)([8]).

6- وقيل المروءة (عفة الجوارح عمّا لا يعنيها)([9]).

وقيل المروءة هي شيئان: الإنصاف والتفصل([10])، وقيل هي: كتمان السر والبعد عن الشر([11]).

8- وقد توسع بعضهم في تعريف المروءة كما عن محمد بن عليان (بأنه حفظ الدين، وصيانة النفس، وحفظ حرمات المؤمنين، والجود بالمَوْجُوْدِ، وقصور الرؤية عنك وعن جميع أفعالك)([12]).

ثانياً: التعريف بخوارم المروءة:

الخوارم (Th (عليهم السلام)  Cas (عليهم السلام)  Was failur (عليهم السلام) ): ما ينقص به الشيء، وخوارم المروءة ما ينقصها.

1- عرفها الأحنف (أن تستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك)([13]).

2- جاء في كتاب الدروس بأن المروءة هي تنزيه النفس عن الدناءة التي لا تليق بأمثاله كالسخرية والأكل في الأسواق([14]).

3- عن أبي الحسن البوسنجي (ترك استعمال ما هو محرم عليك مع إكرام الكاتبين)([15]).

4- وعرفها ابن قدامة بأنها (اجتناب الأمور الدنيئة المزرية به)([16]).

5- وعرفها المقدسي بأنها (ترك سفاسف الأمور)([17]).

6- وقال الكاساني المروءة (من لم يطعن عليه في بطن أو فرج. وعند آخر (من لم يعرف عليه جريمته في دينه)([18]).

7- وقيل المروءة التحرز عمّا يسخر منه ويضحك به، وقيل هي أن يصون نفسه عن الأدناس ولا يشينها عند الناس([19]).

8- المروءة هي (تنزيه النفس عن الدناءة التي لا تليق بأمثالها)([20]).

9- وقال ابن حمزة: (هي اجتناب عما يسقط المروءة من ترك صيانة النفس وفقد المبالاة)([21]).

ثالثاً: تعريف المروءة بالغاية:

1- المروءة هي: (اتباع محاسن العادات واجتناب مساوئها وما تنفر عنه النفس من المباحات ويؤذن بدناءة النفس وخستها)([22]).

2- هي (آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات)([23]).

3- وقال الشهيد الثاني: (هي التخلق بخلق أمثاله وأقرانه في زمانه ومكانه)([24])، وهذا التعريف يمكن مناقشته بأن التخلّق بالأمثال والأقران ما قد يؤدي إلى ما ينافي العدالة إذا كانت منحرفة.

4- وفي كشف اللثام: هي هيئة نفسانية تحمل الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل الأفعال والعادات.

5- هي المحافظة على فعل ما تركه من المباح يوجب الذم عرفاً وعلى ترك ما فعله مباح يوجب ذمه عرفاً([25]).

الرأي الراجح:

لا شك من أن ما ورد من الأخبار في تعريف المروءة غير مقصود للفقهاء من لفظ المروءة الذي أخذوه في تعريف العدالة([26])، مضافاً إلى أن تلك الأخبار لابد من حملها على التنزيل أو بيان مصاديق المروءة الخفية.

وبما أن العدالة مطلوبة فيها الاستقامة الشرعية والاستقامة العرفية فالمروءة هي الاستقامة العرفية, أو هي الاستقامة بحسب الموازين العرفية([27]).

الاستقامة العرفية:

إن السلوك الاجتماعي العام الذي تواضع عليه المجتمع يولد ضوابط عامة من ثقافية وأخلاقية تحكم الإطار العام للمجتمع ويلتزم بها الأفراد لسببين أساسين:

أحدهما: إن الإنسان بطبعه يميل إلى الألفة والانسجام مع غيره للفطرة التي فطره الله عليها، ولذلك فهو لا يحب أن يخرج عما تواضع عليه مجتمعه من أمور إلاَّ أن يكون منحرفاً بطبعه وفطرته، أو يكون متأثراً بعوامل أُخر تحدد من هذا الميل، فهو يتأثر في ما يسود مجتمعه من أعراف عامة، وينعكس هذا التأثير عملياً في سلوكه وتصرفاته بصورة عامة.

ثانيهما: إن خرق الاستقامة العرفية وعدم الالتزام بها يُعْتَبر حالة تمرد على المجتمع مما يؤدي إلى رفض هذا المتمرد من قبل مجتمعه وإلحاق الضرر به, وهذا الضرر قد يكون مادياً أو معنوياً والذي تختلف درجته من حالة إلى أخرى حيث يكون ذلك عاملاً من عوامل المجتمع المؤثرة في سلوك الناس بصورة مباشرة.

إن دراسة المؤثّرات المختلفة في سلوك المجتمع توضح لنا أن تأثير الاستقامة العرفية التي لا تمثل قانوناً ولا شريعة وإن كانت لبعضها أُصولٌ قانونية أو تشريعية في سلوك الناس، قد يكونُ أشَدَّ مِن تأثير القانون والشريعة في بعض الأحيان، وإن كان للخلفية التي يحملها الإنسان عنها مدخلية في تحديد درجة تأثيرها.

ومع أن تحديد وضبط السلوك البشري قد أوكل إلى الشريعة في النظرية الإسلامية إلاَّ أن الشريعة ذاتها قد اهتمت بالعرف العام نظراً إلى ماله من أهمية خاصة وجعلته أداة لتحقيق الضبط السلوكي للإنسان، وعملت على إيجاد الأعراف التي تنسجم مع السلوك الذي يراد تربية الإنسان المسلم عليه من قبل الشريعة، ولعل بالإمكان ملاحظة مثل هذا الأمر في بعض الأحكام الشرعية التي من جملتها حرمة التجاهر بالإفطار في شهر رمضان حتى للمعذور شرعاً كالمريض والمسافر، لأن التَّجاهُرَ خَرْقٌ للاستقامة العرفية التي أريد أن يكون عليها مظهر المسلمين في شهر رمضان المبارك.

وكراهة ارتكاب منافيات المروءة من قبيل الأكل في الطرقات العامة أو الضحك عالياً في أماكن العبادة لأنها خلاف المتعارف بين الناس.

المروءة من الأحكام العرفية:

لقد تحصّل مما سبق أنَّ المروءة هي الاستقامة العرفية وبما أن الأحكام العرفية تتغير بتغير الأماكن والأشخاص والأزمان، لأن الواقعة المترتبة على العرف لها عدة وجهات نظر بين العلماء وقلما تنضبط، مِمّا يُعَبَّرُ عنه بأنَّهُ اختلافٌ في عصر وزمان لا في حجة وبرهان.

فالمروءة تتغير باختلاف الأمكنة والأزمنة والأشخاص([28])، قال الشهيد الثاني: (ويختلف الأمر باختلاف الأحوال والأشخاص والأماكن). لذا عرف الفقهاء المروءة بأنَّها التخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه. وهذا بخلاف العدالة فإنها لا تختلف باختلاف الأشخاص، فإن الفسق يستوي فيه الشريف والوضيع بخلاف المروءة فإنها تختلف([29]).

أولاً: اختلاف المروءة بحسب الأشخاص:

إنَّ المروءة تزداد كلما ازداد جاه الشخص وعنوانه الكبير في المجتمع، فمثلاً أكل الرجل الاعتيادي في السوق وشربه لا يكون مخالفاً للمروءة، بخلاف القاضي والفقيه والمسؤول الكبير فإنه خلاف المروءة. وكذلك لبس الفقيه لباس الجند من غير داعٍ إلى ذلك خلاف المروءة بينما لبس الفقيه لباس الجند في وقتنا الحاضر في ساحة المعركة يعتبر من الشرف والرجولية والوطنية والصفات المحمودة.

كما إن لبس القاضي الطيلسان -الجبة- عند قضائه من المروءة، وكشف الرأس وخلع العمامة من رأس العالم الديني دليل على ذهاب مروءته.

وقد هجا محمد بن أبي بكر معاوية بن أبي سفيان بأبيات ذكر فيها بأن معاوية ينازع أهل المروءة، وهذا دليل على أن أهل المروءة لهم مقام لا ينازعهم عليه أحد، ومدح أميرَ المؤمنين الإمام عَلِيَاً  ( عليه السلام)  بأنه من أهل المروءة بقوله:

معاوي ما أمسى هَوَى يستقيدني

إليك ولا أخفي الذي لا أُعالِنُ

إلى أن يقول:

تنازع أسباب المروءة أهلها

وفي الصدر داء من جوى الغل كامِنُ([30])

وقد عدَّ من مساوئ الآداب ومُنافيات المروءة أن يجري ذكر الحمار والألفاظ القبيحة في مجلس قوم من أولي العلم والفضيلة والمروءة([31]).

ثانياً: اختلاف المروءة بحسب الأمكنة:

وأمّا الاختلاف بحسب الأمكنة فمثاله خروج العالم الديني في سوق النجف الأشرف من دون عباءة فإنَّه يُعْتَبَر نقصاً عُرْفياً له، ولا يكون هذا نقصاً عرفياً في بلاد الهند، كما أن جلوس العالم الديني في المقاهي أو النوم فيها خلاف المروءة، بينما جلوس العوام في المقاهي لا يذهب المروءة.

وذهب الفقهاء بأنه يكره وَطْءُ الرجل إحدى زوجاته بحضرة البقية، لأنه بعيد عن المروءة، وقد استشكل على نبي الله شعيب  ( عليه السلام)  كيف يرضى لابنتيه بسقي الماشية وهذا خلاف المروءة([32])؟! وأُجيب بأنه ليس ذلك بمحظور والدين لا يأباه، وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك والعادة متباينة فيه، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو غير مذهب أهل الحضر خصوصاً إذا كانت الحالة حالة ضرورة([33]).

ومن خوارم المروءة بحسب الأمكنة هو الجلوس أو الوقوف في الأسواق والطرقات العامة لرؤية من يمر([34])، فكيف في هذا الزمان التعيس الذي أصبح فيه بعض الشباب الفارغ يقضي جميع أوقاته في الشوارع والأسواق للنظر للآخرين مصحوباً بالتحرش بالنساء، وقد روي عن سفيان بن حسين قال: (قلت لإياس بن معاوية ما المروءة؟ قال: أما في بلدك وحيث تعرف فالتقوى، وأمّا حيث لا تعرف فاللباس)([35]).

ثالثاً: اختلاف المروءة بحسب الأزمنة:

أمّا اختلاف المروءة بحسب الأزمنة فمثاله سياقة طالب الحوزة العلمية لسيارته الخاصة فقد كانت سابقاً مُنافيةً للمروءة وَأمّا في زماننا فقد أصبحت أمراً اعتيادياً عرفياً بخلاف سياقته لسيارة الأجرة.

وقد جَعل الفقهاء مراعاة زي الزمان من المروءة فأجازوا لبس الثياب المصبغة بكل لون إلاَّ أنهم لم يحبذوا لبس ما كان مشبعاً بالحمرة ولا لبس الأحمر مطلقاً فوق الثياب لكونه ليس من لبس أهل المروءة في زمانهم ما لم يكن إثماً وفي مخالفته الزي ضرب من الشهرة([36]), وقد ظنَّ بعض ضعاف النفوس من أبواق المعممين بأن تكبير العمائم وتطويلهم اللحى وتوسيع الأكمام دليل على علمية ومروءة أولئك الأشخاص، أعاذنا الله من هيئات الخُشُبِ المُسَنَّدة.

وذكر قسم من الفقهاء إن من يكثر النظر إلى عورته ليس من المروءة([37])، وكيف - مع الأسف- وقد أصبح في زماننا من لم يهتم بستر عورته أمام الناس ولا يبالي بكشفها في بعض الأماكن مثل السباحة في الأنهار.

وكان الاتكاء على الطليسان في المسجد والأماكن العامة والجلوس فيهما من فعل الأشراف وأهل المروءة، بينما أصبح الجلوس في الطرقات العامة مما يذهب المروءة في وقتنا الحاضر.

لا تستهجن السنن وإن هجرها العامة:

المروءة لا تخالف راجحاً شرعاً:

إن المروءة من اللوازم الإنسانية وهي من الهداية الفطرية التي فطر الله الناس عليها، وضابط المروءة أن لا تخالف راجحاً شرعياً وإن هجرها العامة.

فلو استهجن العامة الحناء فلا يكون ترك الحناء من المروءة لأن الحناء مسنونة شرعاً. نعم، المروءة هي الاستقامة العرفية فيما إذا لم يرد فيها راجح شرعاً, قال الشهيد الثاني في الروضة البهية: (ولا يقدح فعل السنن وإن استهجنها العامة وهجرها الناس كالكحل والحناء والحنك في بعض البلاد وإنما العبرة بغير الراجح شرعاً)([38]).

المروءة مؤشر من مؤشرات المجتمع:

تعتبر المروءة مؤشراً من مؤشرات المجتمع في رقيه وازدهاره وصلاحه،
فكلما أصبحت المروءة مركوزةً في المجتمع ازداد المجتمع رقياً وفضيلة، فقد
سُئِلَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ( عليه السلام)  عن المروءة فقال: (المروءة إصلاح
المعيشة)([39]).

فالمجتمع الذي تسودُ هذه الصفة بين أفراده يكونُ مجتمعاً في عيشة مرضية لأن المروءة هي التي تصلح المعيشة في المجتمع، كما أن أصحاب المتاجر إذا وصفوا بالدين والصلاح سمي سوقهم سوق المروءة([40]).

كما روي عن الإمام أبي الحسن الرضا  ( عليه السلام) : (من مروءة الرجل أن تكون دوابه سماناً وحسن وجه مملوكه والفرس السري)([41])، فالإسلام اعتبر من علامات مروءة الرجل أن تكون آثار النعمة بادية حتى على دوابه وعبيده وخدمه وموظفيه وجميع ما يتعلق به سواء أكان إنساناً أم حيواناً من رحمه أم لا, فمن خوارم المروءة هو الضنك في المعيشة على عياله وأفراد أُسْرَتِه، ولقد أوضح الإمام الصادق  ( عليه السلام)  أنَّ رزق العبد من الله تعالى بمقدار مروءته فقال: (والذي بعث جدي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  بالحق نبياً إن الله عزَّ وجل ليرزق العبد على قدر المروءة)([42]).

وقد بيّن الحكماء متى يجب على ذي المروءة إخفاء نفسه وإظهارها في المجتمع وحددوا ذلك بقدر ما يرى من نفاق([43]) المروءة وكسادها([44]).

ومن الملحوظ أن المروءة في مجتمعنا قد قضى نحبها وشيعت ودفنت فإن لم يظهر أهل المروءات في المجتمع ويكونون مثالاً يحتذى بهم لنسيت هذه الخصلة الحميدة.

إنَّ أي قوم أو جماعة يمتدحون إذا نزلوا على حكم المروءة، فإن المجتمع يعرف رقيه وتقدمه وحضارته وثقافته بمقدار ما ينزل أفراده على حكم المروءة.

وكان يقال: إنَّ تعامل القرن الأول من الناس فيما بينهم كان بالدين حتى رقَّ الدين، ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة حتى فنيت المروءة، ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى قلَّ الحياء، ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة([45]).

وذكر الحكماء أنَّ المروءة في المجتمع بوجود أربع خصال في فرده (بأن يعتزل الريبة فلا يكون في شيء منها فإذا كان مريباً كان ذليلاً، وأن يصلح ماله فلا يفسده فإنه إن أفسد ماله لم تكن له مروءة، وأن يقوم لأهله بما  يحتاجون إليه حتى يستغنوا به عن غيره فإنَّ من احتاج أهله إلى الناس لم تكن له مروءة، وأن ينظر ما يوافقه من الطعام والشراب فيلزمه فأنَّ ذلك من المروءة)([46]).

وقد مُدِحَ أهل بغداد بأنَّهُمْ كانوا أهل مروءة، فقد روي عن ذي النون أنه كان يقول بمصر: من أراد أن يتعلم المروءة فعليه بسقاة بغداد، فقيل له: وكيف ذاك؟ فقال: لما حملت إلى بغداد رمي بي على باب السلطان مقيداً فمرَّ بي رجل متزر بمنديل مصري معتم بمنديل ديبقي بيده كيزان خزف رقاق وزجاج مخروط فسألت هذا ساقي السلطان؟ فقيل لي: لا، هذا ساقي العامة فأومأت إليه اسقني فتقدم وسقاني فشممت في الكوز رائحة المسك فقلت لمن معي: ادفع إليه ديناراً فأعطاه الدينار فأبى وقال: ليس آخذ شيئاً، فقلت له: ولِمَ؟ فقال: أنت أسير وليس من المروءة أن آخذ منك شيئاً، فقلت: كمل الظرف في هذا)([47]), وقد ذُمَّ أهل بعض البلدان بفقدان المروءة بقول الشاعر فيهم([48]):

كفى حزناً أن المروءة عطلـت

وأن ذوي الألباب في الناس ضيّع

وإن ملوكاً ليس يحظى لديهم

من النـــاس إلاَّ من يغني ويصــفع

إن انخراط أغلبية المجتمع في حرف دنيئة دليل على ملابسته لسفاسف الأمور وانحطاط المروءة فيه([49])، وقد استعملت السلطة البائدة سياسة عنصرية واضحة لإذلال طائفة الشيعة باستخدامهم في مهن دنيئة من أجل تذويب مروءتهم وإلغائها كالمنظفين والفراشين وعمال الخدمات وغيرهم، بينما ذكر أصحاب المروءة بأن الحرفة والصنعة دليل على مروءة صاحبها، قال الأحنف: (المروءة العفة والحرفة، تعف عمّا حرم الله، وتحترف فيما أحل الله)([50]).

نعم، قد يكون صاحب الحرفة الدنيئة أنقى من ذي منصب ووجاهة([51])، كما أن المجتمع يكون متدنياً أخلاقياً وتهدم مروءته فيما إذا فشى فيه الغناء مثلاً، فقد ورد عن يزيد بن الوليد الناقل نصيحته لبني أمية بقوله: (إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة، وأنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا) ([52]), وقد وصف المجتمع بالسوء والابتلاء فيما إذا كان ليس فيه آداب الإسلام ولا أخلاق الجاهلية ولا أحلام ذوي المروءة.

بينما تظهر المروءة في المجتمع المترقي اقتصادياً، فقد جاء في غرر الحكم (مع الثروة تظهر المروءة)([53]), وقد أوضح الصلحاء وعلماء الأخلاق مؤشراً ومعياراً في مروءة المسلمين في أسواقهم بأن يرخصوا السعر عند البيع، فقد رُوِيَ عن عبد الأعلى ممن كان سمساراً قال لي الحسن: أيولي أحدكم أخاه الثوب فيه رخص درهمين أو ثلاثة، قال: قلت لا والله ولا دانق، قال: فقال الحسن: أف أف فماذا بقي من المروءة إذاً؟([54])، وقد ورد ما يشابه هذا ما قالت أعرابية: (لا تلتمس المروءة ممن مروءته في رءوس المكاييل)([55]).

وقد أوصى لقمان ابنَهُ بكيفية اختيار إخوانِه وأصحابه بقوله: (وليكن إخوانك وأصحابك الذين تستخلصهم وتستعين بهم على أمورك أهل المروءة والكفاف والثروة والعقل والعفاف)([56]).

المروءة في الروايات الشريفة:

وردت عدة روايات في المروءة منها:

1- في تفسير البرهان عن ابن بابويه باسناده عن عمرو بن عثمان قال: (خرج علي  ( عليه السلام)  على أصحابه وهم يتذاكرون المروءة، فقال: أين أنتم من كتاب الله؟ قالوا: يا أمير المؤمنين في أي موضع؟ فقال في قوله عزَّ وجل: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ]([57]))، ورواه العياشي وصاحب الدر المنثور عن ابن نجار في تاريخه([58]).

2- روى محمد بن علي بن الحسين قال: تذاكر الناس عند الإمام الصادق  ( عليه السلام)  أمر الفتوة، فقال  ( عليه السلام) : (تظنون إن الفتوة بالفسق والفجور، إنما الفتوة والمروءة طعام موضوع، ونائل مبذول بشيء معروف، وأذى مكفوف، وأما تلك فشطارة وفسق، ثم قال: ما المروءة؟ فقال الناس: لا نعلم، قال: المروءة والله أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروءة مروءتان: مروءة في الحضر، ومروءة في السفر، فأما التي في الحضر تلاوة القرآن، ولزوم المساجـد، والمشـي مـع الأخـوان في الحـوائـج، والنـعمة تـرى على الخادم أنها تسر الصديق، وتكبت العدو، وأما التي في السفر فكثرة زاد وطيبه وبذله لمن كان معك، وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك إياهم وكثرة المزاج في غير ما يسخط الله عزَّ وجل)، ثم قال  ( عليه السلام) : (والذي بعث جدي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  بالحق نبياً، إن الله عزَّ وجل ليرزق العبد على قدر المروءة، وإن المعونة تنزل على قدر المؤنة، وإن الصبر ينزل على قدر شدة البلاء)([59]).

3- روي في المستدرك عن الإمام الصادق  ( عليه السلام)  أنه قال في حديث: إن لقمان قال لابنه: (وليكن أخوانك وأصحابك الذين تستخلصهم وتستعين بهم على أمورك أهل المروءة والكفاف والثروة والعقل والعفاف، الذين إنْ نفعتهم شكروك، وإنْ غبت عن جيرتهم ذكروك)([60]).

4- روي (لا دين لمن لا مروءة له ولا مروءة لمن لا عقل له)([61]), وشرح الحديثين إنّ الظاهر إنّ النفي في المواضع الأربعة وارد على الحقيقة كما يقتضيه وقوع النكرة في سياق النفي، والمعنى لا تتحقق حقيقة الدين ولا توجد لمن ليس له حقيقة المروءة، ولا تتحقق حقيقة المروءة لمن ليس له حقيقة العقل، وينتج لا يتحقق حقيقة الدين لمن ليس له حقيقة العقل، والمقدمتان ظاهرتان ضرورة إن من كان له مروءة في الجملة كان له دين في الجملة، ومن كان له عقل في الجملة كان له مروءة في الجملة.

ويحتمل أن يكون النفي فيها وارداً على الكمال كما هو الشائع في استعمال نحو هذا الكلام، والمعنى لا يتحقق كمال الدين لمن ليس له كمال المروءة، ولا يتحقق كمال المروءة لمن ليس له كمال العقل، وينتج لا يتحقق كمال الدين لمن ليس له كمال العقل، وأفاد المحقق الخراساني: من أن نفي الموضوع قد يكون كناية عن نفي آثاره كقول القائل: يا أشباه الرجال ولا رجال مدعياً أنَّ تمام حقيقة الرجولية هو المروءة والشجاعة، فإذا فقدتا فقدت الرجولية، والأول أظهر في المعنى والثاني أنسب، وإن الإمام  ( عليه السلام)  بيَّن أنَّ المروءة والإنسانية بالعقل وكان كل واحد منهما مستوراً لا يدركه الحواس وكانت الظواهر أدلة على البواطن أشار إلى أنه يعرف ذلك بترك الدنيا وعدم الركون إليها، وإلى أن مراتبه متفاوتة في الشدة والضعف([62]).

5- قال الإمام الصادق  ( عليه السلام) : (يا عمار - عمار بن موسى- إن كنت تحب أن تستتب لك النعمة وتكمل لكَ المروءة وتصلح لكَ المعيشة، فلا تشارك العبيد والسفلة في أمرك، فإنك إن ائتمنتهم خانوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن نكبت خذلوك، وإن وعدوك أخلفوك)([63]).

6- قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (من المروءة استصلاح المال)([64]).

7- روى صاحب المستدرك عن الإمام موسى بن جعفر  ( عليه السلام)  أنه قال: قال الحسن بن علي  ( عليه السلام)  في حديث: (واستثمار المال تمام المروءة)([65]).

8- روى زرارة قال: سمعت أبا عبد الله الصادق  ( عليه السلام)  يقول: (إنّا أهل البيت مروءتنا العفو عمّن ظلمنا)([66]).

9- روى جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر  ( عليه السلام)  قال: (أوحى الله عزَّ وجل إلى رسوله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : أني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال، فدعاه النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  فأخبره، فقال: لولا أنّ الله أخبرك ما أخبرتك، ما شربت خمراً قط لأني علمت إن لو شربتها زال عقلي، وما كذبت قط لأن الكذب ينقص المروءة، وما زينت قط لأني خفت أي إذا عملت عمل بي، وما عبدت صنماً قط لأني علمت أنه لا يضر ولا ينفع)([67]).

10- روى المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله الصادق  ( عليه السلام) : (من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروءته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان)([68]).

11- قال الإمام الحسن بن علي  ( عليه السلام) : (المروءة في شيئين: اجتناب الرجل ما يشينه واختياره ما يزينه)([69]).

12- (تجاوزوا لذوي المروءة عن عثراتهم إلاَّ في حد من الحدود، فو الذي نفسي بيده إن أحدهم ليعثر وإنَّ يده لفي يد الله تعالى)([70]).

13- (ليس من المروءة استخدام الضيف)([71])، رواه أبو نعيم عن عمر بن عبد العزيز.

14- ( ليس من المروءة الربح على الإخوان)([72]).

15- روي أن رجلاً قام إلى رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  فقال: يا رسول الله ألست أفضل قومي؟ فقال: (إن كان لكَ عقل فلكَ فضل، وإن كان لك خلق فلكَ مروءة، وإن كان لكَ مال فلك حسب، وإن كان لكَ تقى فلك دين)([73]).

16- وسُئل الإمام الحسن  ( عليه السلام) : ما المروءة؟، فقال: (إن الله تعالى يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها)([74]).

17- روي (إن حَسَبَ الرجل ماله، وكرمه دينه، ومروءته خلقه)([75]).

18- روى الحارث قال: (إن علياً  ( عليه السلام)  سأل ابنه الحسن  ( عليه السلام)  عن أشياء من أمر المروءة، فقال: يا بني ما السداد؟ قال: يا أبه السداد دفع المنكر بالمعروف، قال: فما الشرف؟ قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة ومرافقة الأخوان وحفظ الجيران، قال: فما المروءة؟ قال: العفاف وإصلاح المال، قال: فما الدقة؟ قال: النظر في اليسير ومنع الحقير، قال: فما اللؤم؟ قال: إحراز المرء نفسه وبذله عرسه، قال: فما السماحة؟ قال: البذل من العسير واليسير، قال: فما الشح؟ قال: أن يرى المرء ما أنفقه تلفاً، قال: فما الأخاء؟ قال: المواساة في الشدة والرخاء، قال، فما الجبن؟ قال: الجرأة على الصديق والنكول عن العدو، قال: فما الغنيمة؟ قال: الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا، قال: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس)([76]) إلى آخر الحديث.

19- سأل معاوية الإمام الحسن بن علي  ( عليه السلام)  عن الكرم والمروءة، فقال  ( عليه السلام) : (أما الكرم فالتبرع بالمعروف والإعطاء قبل السؤال والإطعام في المحل، وأما المروءة: فحفظ الرجل دينه، وإحراز نفسه من الدنس وقيامه بضيفه وأداء الحقوق وإفشاء السلام)([77]).

20- قال الإمام علي  ( عليه السلام) : (ثلاث فيهن المروءة: غَضّ الطرف وغض الصوت ومشي القصر)([78]).

21- روي عن الإمام علي  ( عليه السلام) : (أشرف المروءة ملك الغضب وإماتة الشهوة)([79]).

22- وقال الإمام علي  ( عليه السلام) : (تفهموا العربية فإنها تشحذ العقل وتزيد في المروءة)([80]).

23- روي عن الإمام الصادق  ( عليه السلام)  قال: كان الحسن بن علي  ( عليه السلام)  عند معاوية فقال له: أخبرني عن المروءة فقال: (حفظ الرجل دينه وقيامه في إصلاح ضيعته وحسن منازعته وإفشاء السلام وليس الكلام والكف والتحبب إلى الناس)([81]).

24- وروى الحارث بن الأعور قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ( عليه السلام)  للحسن ابنه: (يا بني ما المروءة؟ قال: العفاف وإصلاح المال)([82]).

25- سُئل الإمام الحسن  ( عليه السلام)  عن المروءة فقال: (العفاف في الدين وحسن التقدير في المعيشة والصبر في النائبة)([83]) لا أن يكون الدين للتجارة والانخراط في مسلك علماء الدين لنيل نصيبه من الدنيا وإظهار أنه غيور على الدين وذلك بجمع أموال المسلمين عنده واستخدامها لأغراضه الشخصية كما رأيناه بأم أعيننا, وقد رأينا من إذا نكب أو أصابته مصيبة من فقر أو مرض ذلل نفسه عند الناس وصارت شكواه إلى الناس أكثر من شكواه لله، ونكبته وسيلة للاستجداء عند وجهاء الناس.

26- قال أمير المؤمنين  ( عليه السلام) : (من المروءة أن تقصد فلا تسرف، وتعد فلا
تخلف)([84]).

27- وقال أمير المؤمنين  ( عليه السلام) : (من أفضل المروءة صيانة الحرم)([85])، جعل من أفضل مصاديق المروءة هو صيانة الحرم والغيرة عليها والحفظ وعدم إذلالها بتوفير لقمة العيش الكريمة لها.

28- وروي عن الإمام الحسن بن علي  ( عليه السلام)  عندما سأله معاوية عن المروءة فقال: (حفظ الرجل دينه وإحراز نفسه من الدنس وقيامه بأداء الحقوق وإفشاء السلام)([86]), هذه الخصال كانت مطلوبة في زمن الإمام الحسن وهي المطلوبة للمجتمع فكان معاوية قد غير الدين إلى قومية، وذلل نفسه من أجل كسب الآخرين وأداء الحقوق على أساس العنصرية والقبلية، وكان داعية للحرب سفاكاً لدماء المسلمين من مهاجرين وأنصار.

المروءة في أدب الشريعة

قال خالد بن صفوان لولا أن المروءة تشتد مؤنتها ويثقل حملها ما ترك اللئام للكرام منها مبيت ليلة فلما ثقل حملها واشتدت مؤنتها حاد عنها اللئام واحتملها الكرام([87]). فما حمل الرجال حملاً أثقل من المروءة، والمروءة هي الاستحياء من شيء علانية فلم يفعله سراً، لذا من أراد طلب المروءة فعليه أن يدرب نفسه من الصغر حتى تصبح له عادة طبعية في سلوكه فيتطبع عليها وذلك من خلال النشأة الصالحة، قال الشاعر:

إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً

فمطلبها كهلاً عليها شديد

وقال داود بن هند: (جالست الفقهاء فوجدت ديني عندهم، وجالست كبار الناس فوجدت المروءة فيهم، وجالست شرار الناس فوجدت أحدهم يطلِّق امرأته على ما لا يساوي شعيرة)([88]).

وقد رأينا ممن لا مروءة له قد باع دينه بأتفه الأشياء.

وذكر صالح بن جناح: أصل المروءة الحزم وثمارها الظفر وإذا طلب رجلان أمراً ظفر بأعظمهما مروءة([89]).

وسأل معاوية صعصعة بن صُوْحان ما المروءة؟، قال: (الصبر والصمت، فالصبر على ما ينوبك والصمت حتى تحتاج إلى كلام)([90]).

وقال صعصعة بن صوحان: (رأس المروءة الصمت حتى تحتاج إلى كلام)([91]).

وذُكر بأن التخاصم واستخدام الضيف يَضَعان الشرف وينقصان المروءة، والكامل المروءة من أحرز دينه ووصل رحمه واجتنب ما يلام عليه. وأن طلب العلم بالأدب من المروءة.

وقال الزهري: (ما طلب الناس خير من المروءة، ومن المروءة ترك صحبة من لا خير فيه ولا يستفاد منه عقل فتركه خير من كلامه)([92]).

وقال شاعر يمدح المروءة([93]):

وفتى خلا من ماله

ومن المروءة غير خــــــال

أعطاك قبل سؤاله

وكفاك مكروه الســـــؤال

لله درك مــــن فتى

ما فيك من كرم الخصال

ومن علامات أصحاب المروءة هو طلاقة وجهه وتودده إلى الناس وقضاء حوائجهم، قال ميمون بن مهران: أول المروءة طلاقة الوجه، والثاني التودد إلى الناس والثالث قضاء الحوائج.

كما أن من ظواهر المروءة هي الرياش والفصاحة، وترك الإنسان الطعام وهو بعد يشتهيه، فإن المروءة تأمرك بالأجمل والعقل يأمرك بالأنفع بينما من يتعاطى الأسباب التي تخل بالمروءة فلا تَرْجُ له خيراً وهو من يتكلم بكلام الفسّاق والأراذل مما يستحي أرباب المروءة أن ينطقوا به([94]).

وذكروا للعاقل سِتَّ خِصالٍ وهي من المروءة: أن يحفظ دينه، ويصون عرضه، ويصل رحمه، ويحمي جاره، ويرعى حقوق أخوانه، ويخزن عن البذاء لسانه, ولهذا لما سُئل النظام عن المروءة أنشد بيت زهير:

الستر دون الفاحشات ولا

يلقاك دون الخير من ستر

ولذا قيل: اللذة ترك المروءة والمروءة ترك اللذة، لذا قال معاوية ألذ الأشياء إسقاط المروءة، وأن تستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، (فمن عامل الناس ولم يظلمهم، وحدثهم ولم يكذبهم، ووعدهم ولم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته ووجبت أخوته) وهذا حق، فإن حسن معاملة الناس والوفاء لهم والصدق معهم دليل كمال المروءة ومظهر من مظاهر العدالة([95]).

وروى يَغْنَم بن سالم بن قنبر مولى علي بن أبي طالب  ( عليه السلام)  عن أنس بن مالك قال: لما حشر الله الخلائق إلى بابل بعث إليهم ريحاً شرقية وغربية وقبلية وبحرية، فجمعهم إلى بابل فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا له، إذ نادى منادٍ: من جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره فاقتصد البيت الحرام بوجهه فله سلام أهل السماء، فقام يعرب بن قحطان فقيل له: يا يعرب بن قحطان بن هود أنت هو، فكان أول من تكلّم بالعربية، ولم يزل المنادي ينادي: من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا حتى افترقوا على اثنين وسبعين لساناً، وانقطع الصوت وتبلبلت الألسن فسميت بابل، وكان اللسان يومئذٍ بابلياً، وهبطت ملائكة الخير والشر وملائكة الحياء والإيمان وملائكة الصحة والشقاء وملائكة الغنى وملائكة الشرف وملائكة المروءة وملائكة الجفاء وملائكة الجهل وملائكة السيف وملائكة البأس، حتى انتهوا إلى العراق، فقال بعضهم لبعض: افترقوا، فقال ملك الإيمان أنا أسكن المدينة ومكة، فقال ملك الحياء: أنا معك، فاجتمعت الأمة على الإيمان والحياء ببلد رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقال ملك الشقاء: أنا أسكن البادية فقال ملك الصحة: وأنا معك، فاجتمعت الأمة على أن الشقاء والصحة في الأعراب، وقال ملك الجفاء: أنا أسكن المغرب، فقال ملك الجهل: وأنا معك فاجتمعت الأمة على أن الجفاء والجهل في البربر، وقال ملك السيف: أنا أسكن الشام، فقال ملك البأس: أنا معك، وقال ملك الغنى: أنا أقيم ههنا، فقال ملك المروءة: وأنا معك، وقال ملك الشرف: وأنا معكما، فاجتمع ملك الغنى والمروءة والشرف بالعراق([96]).

خصال أصحاب المروءة

إن المروءة من لوازم الإنسانية ومما يصير بها الإنسان حقيقاً بأن يسمى إنساناً، بل هي من الصفات الذاتية الفطرية، كما أن العمل الصالح من لوازم الإسلام ومما يجعل الإسلام حقيقاً بأن يسمى إسلاماً، ويوصَفُ صاحب المروءة بأنه عريفٌ في المروءة والمحدثون يمدحون رواة الحديث بقولهم (تام المروءة)([97])، فهي من مكارم الأخلاق التي يتخلق بها المؤمن، كما ذكرها الرسول الأكرم، فقد ربط الرسول الأعظم  (صلى الله عليه وآله وسلم)  بين المروءة والخلق وأوضح إنهما متلازمان([98]), وهي صفة من صفات الأئمة وخصلة من خصالهم([99]), فإن غاية المروءة أن يستحي الإنسان من نفسه فإن العلة في الحياء من الشيخ ليس كبر سنه ولا بياض لحيته، وإنما علة الحياء منه عقله، فينبغي لنا أن كان هذا الجوهر فينا أن نستحي منه.

كما أن صدق الإنسان يتوقف على مروءته، فقد ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ( عليه السلام)  في نهجه: (قدر الرجل على قدر همته، وصدقه على قدر مروءته، وشجاعته على قدر أنفته، وعفته على قدر غيرته)([100]) فإن المروءة تمنع الكذب وتزجر عنه، ولهذا يمتنع منه ذو المروءة وإن لم يكن ذا دين، فقد روي عن أبي سفيان أنه حين سأله قيصر عن النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  وصفته، فقال: (والله لولا أني كرهت أن يؤثر عليَّ الكذب لكذبته) ولم يكن ذا دين ولأن الكذب دناءة والمروءة تمنع من الدناءة، وإذا كانت المروءة مانعة من الكذب اعتبرت في العدالة كالدين([101]).

وإن العلم دال على مروءة الإنسان فكلما ازداد الإنسان علماً ازداد مروءةً، فإن طلب العلم دال على المروءة، فقد ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ( عليه السلام)  تقديم العلم على المال بقوله: (فعليكم بطلب العلم فإن طلبه فريضة، وهو صلة بين الأخوان، ودال على المروءة، وتحفة في المجالس وصاحب في السفر وأنس في الغربة)([102]).

ومن خصال أصحاب المروءة ظهور النعمة عليه وعلى المتعلقين به والموظفين عنده، قال الإمام أبو الحسن  ( عليه السلام) : (من مروءة الرجل أن يكون دوابه سماناً)([103])، وروي عنه أيضاً: (من المروءة فراهة الدابة وحسن وجه المملوك والفرش السري)([104]).

وسأل معاوية الإمام الحسن بن علي  ( عليه السلام)  عن المروءة، فأوضح الإمام أصحاب المروءة بقوله: (شُحَّ الرجلُ على دينه، وإصلاحه ماله، وقيامه بالحقوق)([105]).

وعيَّن الإمام أبو عبد الله الصادق  ( عليه السلام)  أصحاب المروءة وخصالهم بأنهم أهل الجود الباذلون للمعروف الكافّوْن عن الأذى بقوله: (تظنون أمر الفتوة بالفسق والفجور، إنما الفتوة والمروءة طعام موضوع ونائل مبذول بشيء معروف وأذى مكفوف، فأما تلك فشطارة وفسق)([106])، وقال الإمام الصادق: (إن من المروءة في السفر كثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك)([107]), وقد أكدت الروايات الشريفة أن سيماء أهل المروءة الاقتصاد في المال واستصلاحه واستثماره فلا يبسطون أيديهم كل البسط ولا يجعلونها مغلولة إلى أعناقهم، قال الإمام علي بن الحسين  ( عليه السلام) : (واستثمار المال تمام المروءة)([108])، و(استصلاح المال من المروءة). كما أنهم يكتمون الأسرار فلا يغشونها فعن الإمام الصادق  ( عليه السلام) : (ليس من المروءة أن يحدث الرجل بما يلقي في سفره من خيرٍ وشرٍ)([109]). بل يتغافلون عن زلل الأخوان([110])، وإنهم يفشون السلام وينشرون الحسن ويطعمون الطعام فثلاثة من أعلام المروءة إطعام الطعام وإفشاء السلام ونشر الحسن([111]).

وذكر من كمال المروءة (أن تحرز دينك وتصل رحمك وتكرم أخوانك وتصلح مالك وتقيل في بيتك)([112]). فإن الرجل الذي يخدم أهل بيته وتوليه حوائجهم بنفسه تواضعاً من كمال المروءة.

وقد ذكرت الأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة  (عليهم السلام)  أنَّ دار أهل المروءة هي الجنة([113]).

مصاديق المروءة:

المروءة إنجاز الوعد واجتناب الدنية واخفاء الفاقة والأمراض والحث على المكارم والبرئ من اللؤم والخيانة والغدر، واجتناب الرجل ما يشينه واكتساب ما يزينه، والعدل في الإمْرَة والعفو مع القدرة والمواساة في العشيرة، وبثَّ المعروف وقرى الضيوف، فأول المروءة طاعة الله وآخرها استدامة البر، فأشرف المروءة حسن الأخوة وملك الغضب وإماتة الشهوة وأحسن المروءة حفظ الود، وأفضل المروءة احتمال جنايات الأخوان وصلة الرحم واستبقاء الرجل ماء وجهه والحياء وثمرته العفة، ومواساة الإخْوان بالأموال ومساواتهم في الأحوال، ورأس المروءة الضيافة، وعنوان المروءة السخاء، وملاك المروءة صدق اللسان وبذل الإحسان، ونظام المروءة حسن الأخوة.

وثلاث فيهنَّ المروءة: غضّ الطرف وغض الصوت ومشي القصد، وثلاث من جماع المروءة عطاء من غير مسألة ووفاء من غير عهد، وجود مع إقلال، وثلاثة هنَّ المروءة: جود مع قلة واحتمال من غير مذلة، وتعفف عن مسألة, وجماع المروءة أن لا تعمل في السر ما تستحي منه في العلانية، وخصلتان فيهما جماع المروءة اجتناب الرجل ما يشينه واكتسابه ما يزينه، فعلى قدر المروءة تكون السخاوة، ومن صبر على شهوته تناهى في المروءة، ومن شرائط المروءة التنزه عن الحرام، ومن تمامها التنزه عن الدنية وان تنسى الحق لك وتذكر الحق عليك، وصدق اللسان وبذل الإحسان وكثرة الحياء وبذل الندى، وكف الأذى وغض الطرف ومشي القصد، والورع يصلح الدين ويصون النفس ويزين المروءة([114]).

وإن المباكرة في الغداء يطيب النكهة ويطفئ المرة ويعين على المروءة لأنه لا تتوق نفسه إلى طعام غيره([115]), والمروءة القناعة والتجمل، ومن كمال المروءة حسب المرء([116]).

ازدياد المروءة

من الأمور التي تزيد المروءة تعلّم العربية، فإنها تشحذ العقل وتزيد في المروءة، وروي عن الأئمة الهداة أن أكل السفرجل يزيد في العقل والمروءة([117])، كما أن تلاوة القرآن وحضور المساجد وصحبة أهل الخير والنظر في الفقه يزيد في المروءة لما روي عن الإمام الصادق  ( عليه السلام)  هذا في الحضر، وأما في السفر فالمروءة ببذل الزاد والمزاح في غير ما يسخط الله عزَّ وجل وقلة الخلاف على من صحبك وترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم([118]).

وقال شبيب بن شيبة: (اطلبوا الأدب فإنه عون على المروءة، وزيادة في العقل، وصاحب في العزلة، وصلة في المجلس)([119]).

أعداء المروءة

إن المروءة اشتدت مَؤونَتُها وثَقل محملها فماد عنها اللئام الأغمار وحملها الكرام الأخيار ولو لم تشتد مؤنتها ويثقل محملها ما ترك اللئام الأغمار منها مبيت يوم, فما حمل الرجل حملاً أثقل من المروءة، فإن المروءة هي المعيار والميزان للرجال فمن ثقلت كفته في مروءته فهو خيرة الرجال, بل أن الفقهاء اعتبروا كل شرط في عقد مخالف للمروءة فهو شرط غير سائغ لأنه مخالف للدين وللشرع، قال المحقق الكركي: (ولو شرط كونها غير عفيفة- نعوذ بالله في عقد الزواج- فظهرت عفيفة، لأن هذا الشرط ينافي المروءة، وعند التحقيق فليس هذا النوع من الشروط بسائغ شرعاً، فإن ما خالف الدين والمروءة فهو مخالف للكتاب والسنة)([120]).

وذكر علماء الفقه والأخلاق عدة عناوين لسقوط المروءة، فأعداء المروءة بنو عم السوء إن رؤا صالحاً دفنوه وإن رَؤَوْا شراً أذاعوه([121])، وقد امتحن الله سبحانه وتعالى بعض المؤمنين بأن يتمرأ بعض أقاربه عند وجهاء القوم وعليتهم أو علماء الدين بأقاربه وعشيرته فيتكلم عليهم ويبين مثالبهم المزعومة في مخيلت,. وَمَعْلومٌ أن الأذن الإنسانية تحب سماع المثالب دون المناقب وهذا ديدن ابتلينا به والله المستعان ، وقال معاوية لعمرو بن العاص ما ألذ الأشياء؟ قال: إسقاط المروءة، يريد أن الرجل إذا لم يهمه مروءته تلذذ وعمل ما يشتهر ولم يلتفت إلى لوم لائم.

ومن أعداء المروءة ممن كانوا جفاة وسفلة وَطَغاماً مع خلوهم من الحمية وأهل الكذب والخلف في الوعد، فإن الكذب ينقص المروءة بل قيل خصلتان لا تجتمعان الكذب والمروءة، وقلة الحياء من قلة المروءة كما أن سوء المنطق يُزْرِيْ بالبهاء والمروءة([122]), وإن المشارطة في أمور معينة لا يليق بشأن كثير من الأشخاص وكذلك المماكسة فيها خلاف المروءة([123])، ومما يسقط المروءة كثرة الريبة فلا ينبل مريب، ومن قدَّر لأهله أن يحتاجون إلى غيره، وإن يستخدم ضيفه وإسقاط حشمته والأكل في الأسواق والمجامع، والبول في الشوارع، وكشف الرأس في المحافل ممن كان لباسه تغطية رأسه، ولبس الإنسان لبساً مما يجعله موضعاً للسخرية، ومد رجليه عند الناس بلا ضرورة ممن كان في المجلس ممن يحتشم منه، أما لو كان بحضرته أخوته أو أولاده أو تلامذته لم يكن تركاً للمروءة([124]), وخروج المرأة إلى محافل الرجال لتباشر عقد زواجها بنفسها فإنه يعد هذا خلاف المروءة ولكن لا يمنع صحة مباشرتها كما ورد في الشرع, وخلاف المروءة أن يخطب على خطبة بعد علمه([125]).

ومن أعداء المروءة المتمسخر والماجن الذي يكثر الدعابة والهزل في أكثر الأوقات، والمغنّي والرقاص والذي يحدث الناس بمضاجعته مع زوجته، والذي يدخل الحمام بدون مئزر مع الناس أو يكشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه أو يتمسخر بما يضحك الناس به أو يخاطب امرأته بحضرة الناس الخطاب الفاحش([126]), والنوم بين المستيقظين([127])، وإكثار الحكايات المضحكة بحيث يصير ذلك عادة له، وكثرة الالتفات وسرعة المشي لا لسبب، وأكل ما يحرم أكله كلحم الخنزير وشرب ما يحرم شربه كالخمر تؤدي إلى ذهاب المروءة والغيرة([128])، وإنشاد الشعر الماجن الخليع والمضايقة في اليسير الذي لا يناسب حاله مثل التدافع مع الناس لحصول أشياء تافهة لوضعه الاجتماعي أو نقل الماء والأطعمة بنفسه ممن ليس أهلاً لذلك إذا كان عن شح وَضِنَّة ونحو ذلك([129])، وعدم المبالاة لما يقال عنه عند الناس([130]).

ومن أشد أعداء المروءة الغناء فهو يهدم المروءة ويسرقها، وينقص الحياء ويزيد في الشهوة وينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر([131])، كما يوصف من همه الدنيا بأنه دنيء المروءة([132])، وظلمَ المروءة مَنْ منَّ بصنيعه. وإن الزنى يفسد المروءة ويجمع خلال الشر كلها مع قلة الدين وذهاب الورع وقلة الغيرة.

ومن علامات ذهاب المروءة أن يبيت الرجل خارج منزله في بلده فقد روي عن الإمام الصادق  ( عليه السلام) : (هلك بذوي المروءة أن يبيت الرجل عن منزله بالمصر الذي فيه أهله)([133]) (وأن يطيء زوجته بحضرة بقية زوجاته)([134])، والشراهة في الأكل، وانهماك الفقيه لطلب الدنيا والملحوظ في زماننا بأن بعض المعممين أخذوا يطلبون الدنيا ويلهثون وراءها مما جعل العوام يستفهمون عمّا يَرَوْنَهُ أمام أعينهم، ويسألون من أين لكَ هذا؟، وعدم الاستقامة العرفية يسقط المروءة فمتى أصبح المعمم مُنَظّماً لسير السيارات في الطرقات أو مُراقِباً في البلدية لتنظيف الشوارع والأزقة كان عملُهُ مُنافياً للمروءة.

وأوضحت الروايات الشريفة بأن السفلة والعبيد لا مروءة لهم، ونصحت بعدم مشاركتهم وائتمانهم قال الإمام الصادق  ( عليه السلام) : (يا عمار إن كنت تحب أن تستتب لكَ النعمة وتكمل لكَ المروءة وتصلح لكَ المعيشة فلا تشارك العبيد والسفلة في أمرك، فإنك إن ائتمنتهم خانوك وإن حدثوك كذبوك وإن نكبت خذلوك وإن وعدوك أخلفوك)([135]).

رجوع المروءة لمن خرمها

ان خارم المروءة  لابد له من التوبة والاستبراء، واختلف الفقهاء في المدة الزمنية التي ترجع المروءة لمن خرمها وأسقطها، قيل يستبرئ حاله سنة واحدة، لأن للفصول الأربعة في تهييج النفوس بشهواتها أثراً بيناً فإذا مضت وهو على حاله أشعر ذلك بحسن سريرته، وقيل ستة أشهر وقد هجر مما يخرم أو يسقط المروءة، وقيل خمسين يوماً كما في قصعة كعب، وقيل ليس لذلك حدٌ محدودٌ بل المدار على وجود القرائن الدالة على صدق مدعاه في توبته، ولكن لا يكفي في ذلك ساعة ولا يوم، ويختلف ذلك باختلاف الجناية والجاني والزمان والمكان([136])، والراجح من هذه الأقوال هو الاطمئنان من التائب بأنه لا يسقط مروءته بعد توبته وذلك من خلال تحديد العرف له بالاستقامة العرفية.

المروءة في الفقه الإسلامي

بحث الفقهاء المروءة في عنوان العدالة([137])، فمنهم من اشترط المروءة في العدالة مطلقاً وآخرون نفى ذلك مطلقاً، والرأي الثالث اشترط المروءة في متعلق العـدالـة في مـورد معـين دون مـورد آخــر، كما اختلف الفقهاء الذين اعتبروا المروءة في العدالة على أنها شَرْطٌ أم شَطْرٌ منها.

الاتجاه الأول: اشتراط المروءة في العدالة:

ذهب جملة من الفقهاء المتأخرين إلى اعتبار المروءة في العدالة كما هو المحكي عن المحقق البهبهاني في شرحه للمفاتيح، والشيخ الطوسي في المبسوط، وابن حمزة في الوسيلة بقوله: (المسلم الحر تقبل شهادته إذا كان عدلاً في ثلاثة أشياء الدين والمروءة والحكم، فالعدالة في الدين الاجتناب من الكبائر ومن الإصرار على الصغائر، وفي المروءة الاجتناب عمّا يسقط المروءة من ترك صيانة النفس وفقد المبالاة)([138])، والعلامة الحلي والفاضل في كتبه في الفروع والأصول والشهيد الأول والمحقق الثاني وصاحب المعالم وروض الجنان([139])، وعن صاحب البحار والرياض أنه المشهور، وعن الذخيرة والمدارك نسبته إلى المتأخرين، فصاحب غنائم الأيام اشترط المروءة في تعريف العدالة بقوله: (إنها ملكة
 نفسانية تبعث على التقوى والمروءة)([140]), واختار صاحب مسالك الإفهام عدم قبول شهادة من لا مروءة لها بقوله: (من أن طرح المروءة إما أن يكون لخبل
 أو نقصان أو قلة مبالاة وحياء وعلى التقديرين يبطل الثقة والاعتماد على قوله: إما الأول فظاهر وإما قليل الحياء فمن لا حياء له يصنع ما شاء كما ورد في الخبر).

وفي الذخيرة والكفاية دعوى الشهرة في اعتبار المروءة في عدالة الشاهد وإمام الجماعة بل عن الماحوزية نقل حكاية الإجماع على ذلك، وعن مجمع البرهان أنه احتمل الإجماع على اعتبارها في غير مستحق الزكاة والخمس([141])، بل في الذخيرة أيضاً، وظاهر المفاتيح أنّ المشهور جعلها جزءاً في مفهوم العدالة, والمحكي عن الأشهر اعتبار المروءة في الشهادة([142])، والمشهور على انها شطر في العدالة، وقيل هي خارجة عن العدالة لكنها شرط في قبول الشهادة كالعدالة. وقد جمع العلامة الحلي في قواعد الأحكام بين الأمرين فجعلها جزءاً من العدالة ثم جعلها شرطاً آخر كالعدالة لقبول الشهادة([143])، وكأنه للإشارة إلى اعتبارها في قبول الشهادة سواء اعتبرت شطراً للعدالة أم لا.

والمشهور عند فقهاء أهل السنة إلى اعتبار المروءة([144]) في العدالة، جاء في حاشية الدسوقي من كتب المالكية: (وإنما اشترطت المروءة في العدالة لأن من تخلق بما لا يليق وإن لم يكن حراماً جرّه ذلك غالباً لعدم المحافظة على دينه واتباع الشهوات)([145]).

واعتبر ابن نجيم الحنفي المروءة في عدالة المفتي([146]), واشترط صاحب فتح الملك العلي من علماء أهل السنة بأن العدالة لا تكون كاملة إلاَّ باشتراط المروءة, فالعدالة من دون مروءة تعد عدالة ناقصة عند كلامه عن عدالة الراوي([147]).

وقد أجمع عُلَماءُ أئمة الحديث على اشتراط المروءة في عدالة الراوي([148])، قال ابن صلاح: (أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن تحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه، وتفصيله أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظاً غير مغفل حافظاً أن حدث من حفظه ضابطاً لكتابة إن حدث من كتابه)([149]).

وقد اشترط الغزالي من علماء الشافعية المروءة في تعريف العدالة بقوله: (العدالة هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، وقد شرط في العدالة التوقّي في بعض المباحات القادحة للمروءة نحو الأكل في الطريق)([150]).

الأدلة على اعتبار المروءة في العدالة:

1- صحيحة ابن أبي يعفور المتفق على العمل بها، والتي رواها الصدوق بسند صحيح في كتابه (من لا يحضره الفقيه)، ورواها الشيخ الطوسي في الاستبصار والتهذيب بسند غير صحيح لوقوع الحسن بن علي في سندها وقد ضعفه ابن الوليد والنجاشي والعلامة الحلي لأنَّ حاله مهمل في الرجال بخلاف سندها في (من لا يحضره الفقيه)، وأما المتن فهنالك تفاوت يسيرٌ في بعض ألفاظ الرواية المنقولة في كتب الحديث.

وأنقل الرواية على ما جاءت في كتاب (من لا يحضره الفقيه) وهي: قال ابن أبي يعفور: قلت لأبي عبد الله  ( عليه السلام)  بمَ تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال  ( عليه السلام) : (أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان، وتعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر، والربا والزنا وعقوق الوالديـن والفـرار مـن الزحـف وغير ذلك، والدلالة على ذلك كله أن يكون ساتراً لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنَّ وحفظ مواقيتهنَّ بحضور جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلاَّ من علة، فإذا كان كذلك لازماً لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته، قالوا: ما رأينا منه إلاَّ خيراً مواظباً على الصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلاه، فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين وذلك أن الصلوات ستر وكفارة للذنوب)([151]).

فقوله  ( عليه السلام) : (أن يعرفوه بالستر والعفاف وكفَّ البطن والفرج واليد واللسان), حيث تدل هذه الفقرة على وجود حالة عفة في النفس بها يقدر الشخص على التحفظ عن القبائح مطلقاً الشرعية أو العرفية دون خصوص القبائح الشرعية لوجود الأخلاق، بل لعل من عطف اجتناب الكبائر يستفاد إن المراد منها هو الستر والعفاف عن القبائح العرفية الذي هو عبارة عن المروءة، مضافاً إلى أن ارتكاب خلاف المروءة عيب لم يستر فهو مضر بالعدالة، أما المغرى فبالعرف، وأما الكبرى فلقوله  ( عليه السلام) : (والدليل على ذلك كله أن يكون ساتراً لعيوبه) الشامل للعيوب الشرعية والعرفية لكونه جمعاً محلى باللام وهكذا قوله  ( عليه السلام)  السابق: (أن يعرفوه بالستر)، ولو سلمنا أنّ الستر ليس بعيب إلاَّ أنه كاشف من عدم كونه ساتراً لعيوبه، وقد دلت الرواية على اشتراط ستر العيوب.

اعتراض:

إن المذكور في الرواية كاشف عن العدالة فهو لا يدل على اعتبار ذلك في العدالة إذ المكشوف قد يوجد من دون الكاشف, ولم يكن الظاهر من سؤال السائل ولا من جواب الإمام  ( عليه السلام)  حصر الكواشف عن العدالة.

فإن قلت: لو لم يكن ترك منافيات المروءة داخلاً في العدالة لاقتصر الإمام على جعل الكاشف اجتناب الكبائر فإنَّهُ طريق أسهل.

قلنا: لا نسلم أسهلية ذلك فإن اجتناب الكبائر ليس بالسهل الاطلاع عليه بخلاف ترك منافيات المروءة، فإنه من السهل الاطلاع عليها لأقَلِّ الناس.

2- استدل المحقق الشيخ أحمد بن محمد بن يوسف البحراني اعتبار المروءة في العدالة بما روي عن الإمام الكاظم  ( عليه السلام)  في حديث هشام بن الحكم من: (أن من لا مروءة له لا دين له، ومن لا عقل له لا مروءة له)([152]).

اعتراض:

لا ريب إن من لا مروءة له ليس بخارج عن الدين، فلابد من حمل الرواية على نفي الكمال الحاصل بالعدالة لأنه أقرب المجازات الممكنة فيكون نظير (لا صلاة لجار المسجد إلاَّ في المسجد)([153])، ويؤيده أن المروءة لا تعتبر في أصل الدين إجماعاً، مضافاً إلى ضعف الرواية، فإن المراد بالرواية هو الحث والحض على المروءة.

3- خبر عثمان بن سماعة في علامات المؤمن وهو: (من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته وكملت مروءته وظهر عدله ووجب أخوته)([154]).

اعتراض:

إن قوله  ( عليه السلام) : (كملت مروءته) ليس المراد منها المروءة عند الفقهاء قطعاً، وذلك أنّ الظلم والكذب محرمان يخلاّن بأصل العدالة، وكذا خُلْف الوعد بناء على كونه من الكذب، فإذن ليس المراد من المروءة في الخبر ما ذكره الفقهاء في معناها لغة واصطلاحاً.

4- قول أمير المؤمنين  ( عليه السلام)  في جواب سؤال جوبرية عن الشرف والعقل والمروءة: (وأما المروءة فإصلاح المعيشة)([155]).

5- وروي عن الإمام الرضا  ( عليه السلام)  عن آبائه  (عليهم السلام)  قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ستة من المروءة ثلاثة منها في الحضر، وثلاثة منها في السفر، فأما في الحضر فتلاوة القرآن وعمارة المسجد واتخاذ الإخوان، وأما التي في السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح في غير معاصي الله)([156]).

6- روي عن الإمام الصادق  ( عليه السلام) : (المروءة والله أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروءة مروءتان: مروءة في الحضر، ومروءة في السفر، فأما في الحضر فتلاوة القرآن، ولزوم المساجد والمشي بين الإخوان في الحوائج، والنعمة ترى على الخادم تسر الصديق وتكبت العدو، وأما في السفر فكثرة الزاد وطيبه وبذله، وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك، وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله)([157]).

اعتراض:

هذه الروايات التي ذكرت المروءة بهذا المعنى غير ما ذكرها الفقهاء قطعاً، على أنها لا دلالة فيها على اعتبارها في العدالة.

7- ما روي عن الأئمة المعصومين  (عليهم السلام) : (من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له)([158]).

8- وعن الإمام أبي عبد الله الصادق  ( عليه السلام) : (الحياء من الإيمان ولا إيمان لمن لا حياء له)([159]).

استدل الشهيد الثاني بهذا الخبر على عدم قبول شهادة من لا مروءة له بقوله: (من أن طرح المروءة إما أن يكون لخبل أو نقصان أو قلة مبالاة وحياء وعلى التقديرين يبطل الثقة والاعتماد على قوله: أما الأول فظاهر، وأما قليل الحياء فمن لا حياء له يصنع ما شاء)([160]) كما ورد في الخبر.

9- روي عن الإمام الصادق  ( عليه السلام) : (من لم يبالِ ما قال وما قيل فيه فهو شرك الشيطان)([161]).

إن هذه الأخبار وغيرها الواردة في هذا المضمون تدل على أن عدم المبالاة وعدم الحياء عبارة عن عدم المروءة أو ملازم لها فإذا كان يجوز الغيبة معه فهو معتبر في العدالة، لأن العادل لا تجوز غيبته.

اعتراض:

إن العادل إذا تجاهر بشيء جازت غيبته، فيجوز أن يكون عادلاً ولكنه لما ارتكب خلاف المروءة بفعل شيء غير مستحي من الناس جاز غيبته في ذلك الشيء لتجاهره به. وأما رواية (لا إيمان لمن لا حياء له) وما بعدها فهي نظير (لا دين لمن لا مروءة له) على نفي الكمال والحث والحض على الحياء، أو أن المراد من الحياء في الخبر ونحوه هو الحياء من الله عزَّ وجل لا الحياء في الأمور العرفية والاعتيادية، ومن الواضح أن من لا يستحيِي من الله سبحانه فيه اقتضاء أن يفعل ما شاء، وعدم الحياء بهذا المعنى الظاهر من الخبر ينافي العدالة بل هو كفر بالله عزِّ وجل وهذا معنى (من لا حياء له لا دين له).

10- إن من لا يجتنب عن المعايب العرفية لا محالة لا يستحي من الناس، ومن لا يكون كذلك لا يستحي من الله سبحانه وتعالى([162]).

ويرد على هذا الاستدلال بأن هذا الدليل أضعف من سابقه لأن من لم يبالِ بالناس قد يكون جهة توجهه التام إلى الله سبحانه فلا يرى شيئاً غيره حيث محَّض نفسه في اتباع أوامره ونواهيه، فكيف يقال: إن من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله؟ ولا سيما إذا انضم إليه أن ارتكاب المباح ليس بمعصية.

11- حديث البرذون حيث جاء فيه: (لا أقبل شهادته لأني رأيته يركض على برذون) ادعى بعض الفقهاء الملازمة بين المروءة والتقوى([163]).

اعتراض:

إن دعوى التلازم بين المروءة وبين التقوى ممنوعة أشد المنع، فإن أولياء الله يقع منهم كثير من الأشياء التي ينكرها الجهلة.

12- إن فاقد المروءة غير مرضي الشهادة عرفاً فلا يدخل في قوله تعالى: [مِمَّنْ تَرْضَوْنَ]([164]).

اعتراض:

روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ( عليه السلام)  في هذه الآية المباركة، قال: (ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقّظه فيما يشهد به وتحصيله وتمييزه، فما كل صالح مميزاً ومحصلاً، ولا كل محصل مميز صالح)([165]) والظاهر أنه أجنبي عن محل الكلام، لأنه ساكت عن الأمور المتعارفة بين الناس وسلوكه في المجتمع بحسب العادات والأخلاق العرفية المتبعة.

13- الإجماع المدعى في الماحوزية، كما أن مجمع البرهان احتمل الإجماع على اعتبار المروءة في غير مستحق الزكاة والخمس.

اعتراض:

إن الإجماع غير ثابت، بل نقل عنه نفسه أنه قال: ليس يبعد عدم اعتبارها لأنه مخالفة للعادة لا للشرع، وهو ظاهر في عدم ثبوت الإجماع عنده([166]).

14- دعوى الاحتياط بأنه قاضٍ بالمروءة في العدالة.

ويرد عليها بأن الاحتياط غير منضبط، فقد يكون فيه، وقد يكون في عدمه، كمعاني العدالة.

15- إن من لا مروءة له لا ثقة به فلا يجوز الاستفتاء منه.

اعتراض:

يمكن حصول الوثوق به ممَّن عنده ملكة اجتناب الكبائر الموجبة لاجتنابه الفتوى من دون اجتهاد أو الفتوى بخلاف ما أدى إليه رأيه لأن ذلك من أعظم الكبائر.

16- أصالة عدم ترتب أحكام العدالة على فاقد المروءة بعد عدم الوثوق بإطلاق يتناوله.

اعتراض:

لا مجال لهذا الأصل بعد سكوت صحيحة ابن أبي عمير عن اعتبار المروءة، إذاً لو كانت شطراً من العدالة لذكرت في الصحيحة، مع كون الإمام  ( عليه السلام)  في مقام بيان العدالة وخصوصياتها ولا سيما بناءً على القول بالحقيقة الشرعية للفظ (العدالة) وحينئذٍ يكون الأصل في اعتبار شيء زائدٍ على ما في الصحيحة هو العدم.

وليس هذا الشك في الاعتبار مسبباً عن الشك في مفهوم العدالة، ولو سلم فإن هذه السببية شرعية والمرجع فيها هو الشرع، فلما كان الوضوء سبباً شرعياً لحصول الطهارة كان على الشارع بيان الوضوء فإن الشك إنْ كانَ في جزئية شيء فيه ولم يذكره كان الأصل عدم الجزئية.

17- احتمال أنَّ العدالة من الحقيقة الشرعية فما شك في اعتباره فيها وهي المروءة ينبغي له أن يعتبر لأصالة عدم تحقق الشرط من دونه.

اعتراض:

إن الأخبار أظهرت ما يراد من العدالة، مع أن ذكرها في مقام البيان كالصريح في نفي اعتبار أمر زائد فيها.

18- ذهب معظم الفقهاء إلى إن ارتكاب خلاف المروءة يضر بالعدالة وهو وإن لم يكن مما حرمه الشارع إلاَّ أنه بحسب العرف يعد نقصاً وهو يختلف بأختلاف البلاد، فالمروءة معتبرة في العدالة، وهذا يفيد الظن، والظن حجة في تشخيص معاني الألفاظ ولذا قيل بحجية قول اللغوي.

اعتراض:

أن المانعين من اعتبار المروءة في العدالة يعارضون المعتبرين، مضافاً إلى عدم حجية الظن المذكور، ولذا يرجع العلماء إلى علامات الحقيقة لا إلى قول اللغويين، ولو قلنا بحجية قول اللغوي فالمعتبرون لَيْسُوْا من علماء اللغة.

الاتجاه الثاني: عدم اعتبار المروءة في العدالة:

حكي إنكاراً المروءة في العدالة من الشيخ المفيد والشيخ الطوسي في العدة وصاحب الرياض والفاضل الأردبيلي والسيد في المدارك، وإليه ذهب المرحوم الشيخ محمد حسين الأصفهاني وحكي عن المحقق الحلي في الشرائع والنافع، والعلامة الحلي في الإرشاد وولده في الإيضاح وإنهم لم يذكروا اعتبار المروءة في العدالة، وذكر صاحب الذخيرة أنه لم يجد اعتبارها في كلام من تقدم على العلامة الحلي، وإنما هي مذكورة في كتب العامة وتبعهم العلامة الحلي على ذلك وتبعه جماعة ممن تأخر عنه، وبعضهم فصل بين الشهادات وبين غيرها، فاعتبرها في الشهادات دون غيرها([167]). قال صاحب الحدائق الناضرة (والحق كما ذكره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين أنه لا دليل على اعتبار المروءة في معنى العدالة)([168]).

جاء في كتاب غنائم الأيام (لا يشترط اجتناب منافيات المروءة ولعل ذلك لعدم إفادة دليلهم إلاَّ وجوب اجتناب المعاصي، وترك المروءة ليس بمعصية كما في المسالك)([169]).

الأدلة على عدم اعتبار المروءة في العدالة:

1- روي في أخلاق النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (كان رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  يركب الحمار بغير سرج)([170])، و(عاد سعدا وأردف خلفه أسامة بن زيد وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض)([171])، و(كان  (صلى الله عليه وآله وسلم)  يحلب شاته وكان أنس رديف رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  عند رجوعهم خيبر)([172]).

ودعوى عدم كون شيء منها منافياً للمروءة مدفوعة بقوله تعالى حكاية عنهم [مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ]([173]).

اعتراض:

لا نسلم صدور ذلك منه بنحو ينافي المروءة وحاشاه صلوات الله عليه أن يرتكب ذلك، وقولهم ذلك لتخيلهم أن الرسول يجب أن يكون حكمه حكم الملائكة في عدم اتصافه بصفات الإنسانية. ثم أنه ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ( عليه السلام)  في الزهد ما لو وقع في مثل هذا الزمان لكان أعظم منافٍ للمروءة بالمعنى الذي ذكروه، مثل ما ورد في رقع جبته حتى استحى من رقعتها.

2- إن ارتكاب خلاف المروءة لا دليل على أنه يضر بالعدالة وعدم أخذ منافيات المروءة في ماهية العدالة لعدم ورود نص صريح أو مؤذن باعتبار المروءة في العدالة، فعدم الدليل دليل العدم.

اعتراض:

قد عرفت إن المروءة معتبرة في حقيقة العدالة، وذلك لأن الاستقامة والاستواء عن ملكة هي العدالة في معناها اللغوي، وحيث أن الشارع المقدس يكون الاستواء والاستقامة عنده بسلوك الصراط المستقيم الذي جعله للعباد، وهو إنما يكون بترك المحرمات وفعل الواجبات، كان اطلاق العدالة في لسانه المقدس يقتضي وجود ملكة تلازم فعل الواجبات وترك المحرمات، وحيث إن الأشياء المنافية للمروءة كالأكل في الأسواق والمشي بدون وقار تنافي الاستقامة والاستواء للشخص عند العرف العام فكان إطلاق العدالة في لسان الشرع يفهم منه الملكة المزبورة الملازمة للاستقامة عند الشرع وعند العرف، نظير ما إذا أطلق لفظ (الكامل) بدون قيد في لسان الشارع فإنه يفهم منه الكامل عند الشارع وعند العرف، وبهذا ظهر لكَ فساد ما يظهر من غير واحد من أنها لو وجدت في كلام الشارع أو أحد أوصيائه  (عليهم السلام)  لم تحمل على ملكة فعل الواجبات وترك المحرمات ومنافيات المروءة إلاَّ أن تثبت الحقيقة الشرعية فإنه قد عرفت إنها تحمل على ذلك بمجرد اطلاقها إلاَّ أن تقوم قرينة من الشارع على عدم إرادة هذا المعنى منها كما يظهر أن الشارع لم ينقلها لمعنى خاص غير المعنى اللغوي.

إن قلت إن الظاهر لمن تتبع الأخبار ولاحظها أنَّ معنى العدالة عند الشارع وأوصيائه  (عليهم السلام)  غير معناها عند أهل اللغة ألا ترى إلى صحيحة أبن يعفور حيث سأل الراوي فيها الإمام  ( عليه السلام)  بقوله: (بمَ تعرف العدالة)([174]) فإن العدالة لو كانت عند الشارع هي معناها عند أهل اللغة وإن الشارع قد استعملها في ذلك لما سأل الراوي عنها.

قلت: السؤال لم يكن عن معنى العدالة، وإنما هو عن طريقة معرفتها كما يسأل السائل عن طريقة معرفة الهلال والقبلة ونحو ذلك من الموضوعات الخارجية، ومقتضى ذلك إن معناها معلوم للسائل وإلاَّ لكان عليه أن يسأل عن معناها لا عن طريقة معرفتها بل عدم سؤاله عن معناها مع أن الشارع لم يُعرف عنه لها معنى عنده يقتضي أن السائل كان يرى أن معناها العرفي والشرعي واحد.

3- إن ارتكاب الصغيرة مع كونها من المعاصي غير منافٍ للعدالة إلاَ مع الإصرار عليها فارتكاب خلاف المروءة أيضاً كذلك بالأولوية.

اعتراض:

إن الأولوية لا تتم عند من يقول بأن خلاف المروءة من المعاصي وعند غيره لا اعتبار لهذه الأولوية لقيام الدليل عنده على أخذ المروءة في العدالة.

4- إن مرتكب خلاف المروءة إذا لم يكن عادلاً فيقتضي أن يكون فاسقاً مع أنه لا يسمى فاسقاً بمجرد ذلك.

اعتراض:

إن الفاسق إن كان غير عادل فلا تأبه عن تسميته بالفاسق. وإن كان مرتكب الذنب فلا تسميه بالفاسق وتلتزم بالوساطة بين العدالة والفسق.

الرأي الراجح:

إن العدالة في لسان الشارع مستعملة في معناها اللغوي غاية الأمر إن الاستقامة عند الشارع هو فعل الواجبات وترك المحرمات بما فهمناه من الآيات الشريفة والأخبار الجلية، والاستقامة عند العرف هي عدم منافيات المروءة فإذا أطلقت في لسانه حملت على الاستقامتين، وحيث إن ظاهر الوصف هو وجود ملكة عليه لذلك كان المفهوم من إطلاقها هو وجود ملكة على الاستقامتين الشرعية والعرفية، ويؤيد ذلك ويؤكده الإجماعان اللذان نقلهما الفاضل المقداد وشارح الإرشاد، ففي الأول أنّ العدالة عبارة عن ملكة بإجماع العلماء، وفي الثاني على ما حكاه صاحب الرياض إن المعروف بين الجمهور والإمامية إن العدالة بمعنى الملكة.

إن منافيات المروءة منافية لمعنى العدالة التي هي الاستواء والاستقامة، فإذا كان الرجل بحيث لا يبالي بشيء من الأشياء المنكرة عرفاً فلا ريب في عدم استقامته مؤيداً بما عساه يؤمي إليه بعض النصوص في المروءة وإن لم تكن صريحة بالمعنى الذي ذكره الفقهاء، بل قد يقال إن منافاتها تورث شكاً في دلالة حسن الظاهر على الملكة أو على حسن غيره مما يظهر منه، ضرورة كون المراد منه ما هو منكر في العادة ومستقبح فيها من دون ملاحظة مصلحة يحسن بها، كما في بعض الأمور الواقعة من بعض أولياء الله التي لا قبح فيها في العادة مع العلم بوجهها، نحو ما وقع من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ( عليه السلام)  من ترقيع المدرعة.

نعم، ارتكاب خلاف المروءة قد يوجب سقوطه عن أعين الناس بحيث يصير بذلك موهوناً، ولا إشكال في أن هذا محرم من جهة هتك لمقام العلماء إذا كان عالماً ومقام الإيمان إذا لم يكن منهم. كما لا يكون وقوع النادر القادح هو مُنافياً للمروءة ولا محرماً ولا مسقطاً للعدالة إلاَّ فيما يصير له عادة.


المصادر

1. القرآن الكريم.

2. الاختصاص/ الشيخ المفيد (ت: 413هـ)/ علي أكبر غفاري/ جماعة المدرسين في الحوزة العلمية.

3. أدب الضيافة/ جعفر البياتي/ مؤسسة النشر الإسلامي/ ط1/ 1418هـ.

4. أدب المجالسة/ يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري (ت: 463هـ)/ تحقيق: سمير حلبي/ دار الصحابة للتراث/ طنطا/ 1409هـ-1989م.

5. إعانة الطالبين/ الكبري الدمياطي (ت: 1310هـ)/ دار الفكر/ بيروت/ ط1.

6. إغاثة اللهفان/ محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله (ت: 751هـ)/ تحقيق: محمد حامد الفقي/ دار المعرفة/ بيروت/ ط2/ 1395هـ-1975م.

7. الأم/ الشافعي (ت: 204هـ)/ دار الفكر/ بيروت/ ط2/ 1403هـ.

8. الأمالي/ الشيخ الصدوق: (ت: 381هـ)/ قسم الدراسات الإسلامية/ مؤسسة البعثة/ قم/ ط1/ 1417هـ.

9. بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي (ت: 1111هـ)/ مؤسسة الوفاء/ بيروت/ ط2/ 1403هـ-1983م.

10. البحر الرائق شرح كنز الدقائق/ ابن نجيم المصري الحنفي (ت: 970هـ)/ تحقيق: الشيخ زكريا عميرات/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ الناشر: محمد علي بيضون/ ط1/ 1418هـ.

11. تاج العروس من جواهر القاموس/ محمد مرتضى الزبيدي (ت: 1205هـ)/ مكتبة الحياة/ بيروت.

12. تاريخ بغداد/ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت: 463هـ)/ دار الكتب العلمية/ ط1.

13. تاريخ مدينة دمشق/ ابن عساكر (ت: 571هـ)/ تحقيق: علي شيري/ دار الفكر/ 1415هـ.

14. تحفة الأحوذي في شرح الترضدي/ المباركفوري (ت: 1353هـ)/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط1.

15. تفسير سورة الحمد/ السيد الشهيد السعيد محمد باقر الحكيم (ت: 1424هـ)/ مجمع الفكر الإسلامي/ ط1/ 1420هـ.

16. الجامع الصغير/ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
(ت: 911هـ)/ دار الفكر/ بيروت/ ط1/ 1401هـ.

17. الجامع لأحكام القرآن/ أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي
(ت: 671هـ)/ دار إحياء التراث العربي/ مؤسسة التاريخ العربي/ بيروت/ 1405هـ.

18. جامع المقاصد/ المحقق الكركي (ت: 940هـ)/ تحقيق: مؤسسة آل البيت F/ ط1/ 1408هـ.

19. جواهر الكلام/ الشيخ محمد حسن النجفي (ت: 1266هـ)/ نشره الشيخ علي الأخوندي/ دار الكتب الإسلامية/ مطبعة النجف/ النجف الأشرف/ ط6/ 1382هـ.

20. حاشية الدسوقي/ شمس الدين بن عرفة الدسوقي (ت: 1230هـ)/ دار إحياء الكتب العربية.

21. الحدائق الناضرة/ المحقق البحراني (ت: 1186هـ)/ محمد تقي الإيرواني/ جماعة المدرسين/ قم.

22. حلية الأولياء/ أبو نُعَيْم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت: 430هـ)/ دار الكتاب العربي/ بيروت/ ط4/ 1405هـ.

23. الخصال/ الشيخ الصدوق (ت: 381هـ)/ علي أكبر غفاري/ مطبعة انتشارات إسلامي/ ط1/ 1361هـ.

24. الدر المنثور/ السيوطي (ت: 911هـ)/ دار المعرفة/ ط1/ 1365هـ.

25. الرأي السديد في الاجتهاد والتقليد/ ميرزا غلام رضا عرفانيان/ الطبعة الأولى/ مطبعة النعمان/ النجف الأشرف/ ط1/ 1386هـ-1967م.

26. رجال النجاشي/ أبو العباس أحمد بن علي النجاشي الأسدي الكوفي
(ت: 450هـ)/ طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي.

27. روض الجنان/ الشهيد الثاني (ت: 966هـ)/ الناشر: مؤسسة آل البيت/ طبعة حجرية/ 1404هـ.

28. روضة الطالبين/ يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ)/ تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض/ دار الكتب العلمية/ بيروت.

29. روضة المحبين/ محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله (ت: 751هـ)/ تحقيق: محمد حامد الفقي/ دار المعرفة/ بيروت/ ط2/ 1395هـ-1975م.

30. سبل السلام/ الإمام محمد بن إسماعيل الكحلاني (ت: 1182هـ)/ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي وأولاده/ مصر.

31. سير أعلام النبلاء/ الذهبي (ت: 748هـ)/ تحقيق: شعيب الأرنؤوط/ مؤسسة الرسالة/ بيروت/ ط9/ 1413هـ.

32. شرح أصول الكافي/ المحقق: مولى محمد صالح المازندراني (ت: 1081هـ).

33. الشرح الكبير/ عبد الله بن قدامة (ت: 620هـ)/ دار الكتاب العربي/ بيروت.

34. شرح نهج البلاغة/ ابن أبي الحديد (ت: 655هـ)/ تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم/ دار إحياء الكتب العربية/ مطبعة منشورات مكتبة آيه الله العظمى المرعشي النجفي.

35. شُعَبُ الإيمان/ أبو  بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت: 458هـ)/ تحقيق: محمد السعيد زغلول/ بيروت/ ط1/ 1410هـ.

36. الشهادات/ السيد الكلبايكاني (ت: 1414هـ)/ دار القرآن الكريم/ مطبعة سيد الشهداء/ قم/ 1405هـ.

37. شيخ المضيرة أبو هريرة/ محمود أبو رية (ت: 1970هـ)/ دار المعارف/ مصر/ ط3.

38. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية/ إسماعيل بن حماد الجوهري
(ت: 393هـ)/ تحقيق: أحمد بن عبد الغفور عطار/ دار العلم للملايين/ بيروت/ ط4/ 1407هـ.

39. صحيفة الإمام الحسين  ( عليه السلام) / الشيخ جواد قيومي/ دفتر انتشارات إسلامي/ ط1/ 1375هـ.

40. العلل ومعرفة الرجال/ أحمد بن محمد بن حنبل (ت: 241هـ)/ تحقيق: د.وصي الله بن محمود عباس/ المكتب الإسلامي/ بيروت/ ط1.

41. غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام/ الميرزا أبو القاسم القمي
(ت: 1221هـ)/ المحقق: عباس تبريزيان/ مكتب الإعلام الإسلامي/ فرع خراسان/ ط1/ 1418هـ.

42. فتح الباري في شرح صحيح البخاري/ شهاب الدين بن حجر العسقلاني (ت: 852هـ) /دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت/ ط2.

43. فتح المعين/ عبد العزيز المليباري الفناني الهندي (ت: 987هـ)/ دار الفكر/ ط1/ 1418هـ.

44. فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي  ( عليه السلام) / محمد بن أحمد بن الصِّدِّيق المغربي (ت: 1380هـ)/ محمد هادي الأميني/ مكتبة أمير المؤمنين  ( عليه السلام) / أصفهان.

45. فتح الوهاب/ زكريا محمد أحمد زكريا الأنصاري (ت: 926هـ)/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط1/ 1418هـ.

46. فقه السنة/ سيد سابق/ دار الكتاب العربي/ بيروت.

47. قواعد الأحكام/ العلامة الحلي (ت: 726هـ)/ تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي/ قم المقدسة/ ط1/ 1413هـ.

48. الكافي/ الشيخ الكليني (ت: 329هـ)/ تحقيق: علي أكبر غفاري/ الناشر: دار الكتب الإسلامية/ المطبعة: الحيدري/ ط4/ 1365هـ.

49. كشف الخفاء ومزيل الإلباس/ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (ت: 1162هـ)/ دار الكتب العلمية/ ط2/ 1408هـ.

50. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية/ عبد الوهاب الشعراني/ مصطفى البابي الحلبي وأولاده/ ط2/ 1393هـ.

51. المبسوط/ شمس الدين السرخسي (ت: 483هـ)/ دار المعرفة/ بيروت/ 1406هـ.

52. مجمع البحرين/ الشيخ فخر الدين الطريحي (ت: 1085هـ)/ السيد أحمد الحسيني/ مكتب نشر الثقافة الإسلامية/ ط2/ 1408هـ.

53. مجمع الفائدة والبرهان/ المحقق الأردبيلي (ت: 993هـ)/ جماعة المدرسين/ 1404هـ.

54. المجموع في شرح المهذب/ محي الدين ابن النووي (ت: 676هـ)/ دار الفكر.

55. المحاسن/ أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت: 274هـ)/ تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني/ دار الكتب الإسلامية.

56. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل/ المحقق النوري الطبرسي (ت: 1320هـ)/ مؤسسة آل البيت F لإحياء التراث/ ط2/ 1408هـ.

57. معاني الأخبار/ الشيخ الصدوق (ت: 381هـ)/ علي أكبر غفاري/ مطبعة انتشارات إسلامي/ ط1/ 1361هـ.

58. معجم البلدان/ ياقوت الحموي (ت: 626هـ)/ دار إحياء التراث العربي/ ط1/ 1405هـ.

59. المعجم الكبير/ سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني (ت: 360هـ)/ تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي/ دار إحياء التراث العربي/ مكتبة ابن تيمية/ القاهرة/ ط2.

60. معدن الجواهر ورياضة الخواطر/ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي/ تحقيق: السيد أحمد الحسيني/ قم/ ط2/ 1394هـ.

61. معرفة الثِقات/ الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي (ت: 261هـ)/ مكتبة الدار بالمدينة المنورة/ ط1/ 1405هـ.

62. المغني/ عبد الله بن قدامة (ت: 620هـ)/ دار الكتاب العربي/ بيروت.

63. مغني المحتاج/ محمد الشربيني الخطيب (ت: 977هـ)/ دار إحياء التراث العربي/ 1377هـ.

64. مقدمة ابن صلاح في علم الحديث/ الإمام أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهروزي (ت: 643هـ)/ تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عريضة/ دار الكتب العلمية/  بيروت/ ط1/ 1416هـ.

65. المكاسب/ الشيخ الأنصاري (ت: 1281هـ)/ لجنة التحقيق/ مطبعة باقري/ قم/ ط1/ 1415هـ.

66. من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق (ت: 381هـ)/ علي أكبر غفاري/ جماعة المدرسين/ ط2/ 1404هـ.

67. الميزان في تفسير القرآن/ العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
(ت: 1402هـ)/ مؤسسة النشر الإسلامي.

68. ميزان الحكمة/ محمدي الريشهري/ المطبعة: دار الحديث/ الناشر: دار الحديث/ ط1.

69. مواهب الجليل/ الحطاب الرعيني (ت: 954هـ)/ الشيخ زكريا عميران/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط1/ 1416هـ.

70. النور الساطع في الفقه النافع/ آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء/ مطبعة الآداب/ النجف الأشرف/ 1961م.

71. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة/ الشيخ محمد باقر المحمودي/ مطبعة النعمان/ النجف الأشرف/ ط1/ 1386هـ.

72. وسائل الشيعة/ الحر العاملي (ت: 1104هـ)/ مؤسسة آل البيت  (عليهم السلام) / قم/ ط2/ 1414هـ.

73. الوسيلة إلى نيل الفضيلة/ ابن حمزة الطوسي (ت: 560هـ)/ تحقيق: محمد الحسون/ الناشر: مكتبة السيد المرعشي/ قم/ ط1/ 1408هـ.

 

([1]) رجال النجاشي: 354؛ رجال العلامة: 89.

 

([2]) كتاب العين 8/ 299؛ لسان العرب: 1/155؛ القاموس المحيط 1/ 28، الصحاح 1/ 72؛ تاج العروس 8/ 197.

 

([3]) شرح نهج البلاغة 18/ 129.

([4]) سورة النحل، آية: 90.

 

([5]) بحار الأنوار 71/ 413.

 

([6]) صحيفة الإمام الحسين  ( عليه السلام)  340.

 

([7]) بحار الأنوار 71/ 124.

 

([8]) شعب الإيمان 6/ 330.

 

([9]) المجموع 1/ 13.

 

([10]) معدن الجواهر 28.

 

([11]) سير أعلام النبلاء 4/ 93.

 

([12]) حلية الأولياء 10/ 376.

 

([13]) شرح نهج البلاغة 16/ 84.

 

([14]) مجمع البحرين 4/ 186.

 

([15]) حلية الأولياء 10/ 379.

 

([16]) المغني 9/ 167.

 

([17]) الشرح الكبير 4/ 131.

 

([18]) بدائع الصنائع 6/ 168.

 

([19]) مغني المحتاج 4/ 431؛ بحار الأنوار 61/ 194.

 

 

([20]) الحدائق الناضرة 10/ 15.

 

 

([21]) الوسيلة 229.

 

([22]) الحدائق الناضرة 10/ 15؛ بحار الأنوار 72/ 168.

 

([23]) مجمع البحرين 4/ 186.

 

([24]) الزبدة الفقهية 4/ 16.

 

([25]) مواهب الجليل 8/ 163، شرح الكبير 12/ 42.

 

([26]) العدالة ملكة الاجتناب عن الكبائر وعن الإصرار على الصغائر وعن منافيات المروءة الدالة على عدم مبالاة مرتكبها بالدين، ويكفي حسن الظاهر الكاشف ظناً عن تلك الملكة. المسند 17/ 381.

 

 

([27]) النور الساطع 2/ 262.

 

([28]) الزبدة الفقهية 4/ 162.

 

 

([29]) مغني المحتاج 4/ 431.

 

([30]) الاختصاص 125.

 

 

([31]) تفسير القرطبي 14/ 72.

 

([32]) فتح الوهاب 2/ 107.

 

([33]) تفسير القرطبي 14/ 72.

 

([34]) فتح الباري 11/ 33.

 

([35]) تاريخ مدينة دمشق 10/ 21.

 

([36]) تحفة الأحوذي 5/ 321؛ فتح الباري 10/ 259.

 

([37]) مواهب الجليل 2/ 193.

 

([38]) الزبدة الفقهية 4/ 162.

 

([39]) الكافي 8/ 241.

 

([40]) عدة الصابرين 1/ 222.

 

([41]) وسائل الشيعة 11/ 437.

 

([42]) من لا يحضره الفقيه 2/ 294.

([43]) المراد بنفاق المروءة بفتح النون رَواجها.

 

([44]) أدب المجالسة 1/ 37.

 

([45]) شرح نهج البلاغة 11/ 214؛ حلية الأولياء 4/ 312.

 

([46]) شعب الإيمان 7/ 441.

 

([47]) تاريخ بغداد 1/ 73.

 

([48]) المصدر نفسه 5/ 345؛ تذكرة الحفاظ 3/ 930.

 

([49]) فتح المعين 3/ 377.

 

([50]) شرح نهج البلاغة 18/ 129.

 

 

([51]) حاشية رد المحتار 6/ 19.

 

([52]) حلية الأولياء 10/ 349.

 

([53]) غرر الحكم 258.

 

([54]) شعب الإيمان 1/ 441.

 

([55]) تفسير القرطبي 19/ 253.

 

([56]) المستدرك 12/ 438.

 

([57]) سورة النحل، آية: 90.

 

([58]) تفسير الميزان 12/ 35.

 

([59]) وسائل الشيعة 11/ 433، معاني الأخبار 119.

 

([60]) مستدرك الوسائل 12/ 438.

([61]) الكافي 1/ 17.

 

([62]) شرح أصول الكافي 1/ 186، بحار الأنوار 65/ 1343.

 

([63]) الكافي 2/ 64.

 

([64]) من لا يحضره الفقيه 3/ 166.

 

([65]) مستدرك الوسائل 13/ 49.

 

([66]) الخصال 10.

 

([67]) الأمالي 133.

 

([68]) بحار الأنوار 72/ 167.

 

([69]) معدن الجواهر 26.

 

([70]) كشف الخفاء 2/ 171؛ كنز العمال 5/ 311؛ جامع الصغير 1/ 498؛ المبسوط 20/ 107.

 

([71]) الجامع الصغير 1/ 498.

 

([72]) المصدر نفسه 1/ 498.

 

([73]) شرح نهج البلاغة 18/ 128.

 

([74]) المصدر نفسه 18/ 128.

 

([75]) المصدر نفسه 18/ 128.

 

([76]) نهج السعادة 1/ 549؛ المعجم الكبير 3/ 68.

 

 

([77]) أدب الضيافة 138.

 

([78]) ميزان الحكمة 2/ 1680.

 

([79]) المصدر نفسه 3/ 2265.

 

([80]) شرح نهج البلاغة 12/ 71.

 

([81]) وسائل الشيعة 11/ 435.

 

([82]) المصدر نفسه 11/ 435.

 

([83]) وسائل الشيعة 11/ 435.

 

([84]) مستدرك الوسائل 13/ 54.

 

([85]) المصدر نَفْسُهُ.

 

([86]) بحار الأنوار 44/ 90.

 

([87]) تاريخ مدينة دمشق 16/ 113.

 

([88]) المصدر نفسه 17/ 130.

 

([89]) المصدر نفسه 23/ 326.

 

([90]) المصدر نفسه 24/ 97.

 

([91]) المصدر نفسه 24/ 97.

 

([92]) تاريخ مدينة دمشق 55/ 381.

 

([93]) تاريخ بغداد 10/ 315.

 

([94]) العهود المحمدية 665.

 

([95]) فقه السنة 2/ 699.

 

([96]) معجم البلدان 1/ 310.

 

([97]) العلل 1/ 96.

 

([98]) شرح نهج البلاغة 18/ 128.

 

([99]) بحار الأنوار، كمال المروءة 4/ 97.

 

([100]) المصدر نفسه 67/ 4.

 

([101]) المغني 12/ 33.

 

([102]) أعلام الدين 84.

 

([103]) الكافي 6/ 479.

 

([104]) المصدر نفسه 6/ 479 .

 

([105]) وسائل الشيعة 11/ 434.

 

([106]) من لا يحضره الفقيه 2/ 294.

 

([107]) وسائل الشيعة 2/ 160.

 

([108]) الكافي، كتاب العقل 1/ 20.

 

([109]) المحاسن 2/ 358.

 

([110]) شعب الإيمان 6/ 330.

 

([111]) حلية الأولياء 9/ 394.

 

([112]) شعب الإيمان 4/ 183.

 

([113]) الاقبال 269.

 

([114]) غرر الحكم 258.

 

([115]) تاريخ دمشق 45/ 381.

 

([116]) كشف الغمة 2/ 347، فقه الرضا 352.

 

([117]) وسائل الشيعة 25/ 168؛ شعب الإيمان 2/ 257؛ أدب المجالسة 1/ 62.

 

([118]) وسائل الشيعة 11/ 436.

 

([119]) أدب المجالسة 1/ 105.

 

([120]) جامع المقاصد 13/ 319.

 

([121]) تاريخ دمشق 46/ 188.

 

([122]) شرح نهج البلاغة 16/ 139؛ غرر الحكم 119.

 

([123]) المكاسب 1/ 171.

 

([124]) مجموعة ورام 2/ 201، 294؛ مغني المحتاج 4/ 431؛ مواهب الجليل 8/ 163.

 

([125]) المبسوط 5/ 13.

 

([126]) الشرح الكبير 12/ 42.

 

([127]) كشف القناع 1/ 91.

 

([128]) الأمالي 74؛ غرر الحكم: 119؛ فقه الرضا 354.

 

([129]) الحدائق الناضرة 10/ 15.

 

([130]) الوسيلة 230.

 

([131]) عدة الصابرين 1/ 47؛ الاستقامة 1/ 278.

 

([132]) الفقيه 3/ 554.

 

([133]) المصدر نفسه 3/ 554.

 

([134]) فتح الوهاب 2/ 107.

 

([135]) الكافي 2/ 640؛ وسائل الشيعة 12/ 30.

 

([136]) فتح الباري 11/ 33؛ فتح المعين 4/ 338.

 

([137]) العدالة: كيفية نفسانية راسخة تبعث على ملازمة التقوى والمروءة؛ جامع المقاصد 5/ 153؛ قواعد الأحكام 3/ 494.

 

([138]) الوسيلة 230.

 

([139]) روض الجنان 289.

 

([140]) غنائم الأيام 2/ 31.

 

([141]) مجمع البرهان 12.

 

([142]) جامع المقاصد 5/ 153.

 

 

([143]) قواعد الأحكام 3/394؛ جواهر الكلام 13/ 301؛ النور الساطع 2/ 262.

 

([144]) إعانة الطالبين 3/ 343؛ حاشية الدسوقي 4/ 166؛ مواهب الجليل 8/ 163؛ شرح الكبير 12/ 42.

 

([145]) حاشية الدسوقي 4/ 166.

 

([146]) البحر الرائق 6/ 443.

 

([147]) فتح الملك العلي 83.

 

([148]) معرفة الثقات 1/ 135.

 

([149]) مقدمة ابن صلاح 84.

 

([150]) المستصفى 125.

 

([151]) وسائل الشيعة ج1، كتاب الشهادات، باب 41.

 

([152]) أصول الكافي 1/ 19/ الطبع الجديد/ ج12/ كتاب العقل والجهل؛ الحدائق الناضرة 10/ 17.

([153]) التهذيب 1/ 92.

 

([154]) وسائل الشيعة/الباب 11/ من أبواب صلاة الجماعة/ ج9.

 

([155]) روضة الكافي 241، الرقم 331.

 

([156]) وسائل الشيعة/ باب 49/ أبواب آداب السفر/ الحديث (12)/ كتاب الحج.

([157]) وسائل الشيعة 11/ 436.

 

([158]) وسائل الشيعة / باب 110/ من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.

 

([159]) المصدر نفسه 110/ من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.

([160]) مسالك الافهام 14/ 169.

 

([161]) المصدر نفسه والجزء والصفحة.

 

([162]) الرأي السديد 111.

 

([163]) جواهر الكلام 13/ 303.

 

([164]) سورة البقرة، آية: 282.

([165]) وسائل الشيعة 27/ 399.

 

([166]) جواهر الكلام 13/ 303.

 

([167]) الشهادات 71؛ النور الساطع 2/ 262؛ الزبدة الفقهية 4/ 160.

 

([168]) الحدائق الناضرة 10/ 16.

 

([169]) غنائم الأيام 4/ 168؛ مسالك الافهام 1/ 423.

 

([170]) بحار الأنوار 6/ باب مكارم أخلاق النبي f/ طبعة 1379هـ؛ بحار الأنوار 16/ 285/طبعة عام 1379هـ/ باب مكارم الأخلاق/ الرقم 136؛ بحار الأنوار 18/ 617-618/كتاب الصلاة.

 

([171]) المصدر نفسه 18/ 617-618/ كتاب الصلاة.

 

([172]) بحار الأنوار 6/ باب مكارم أخلاق النبي f/ طبعة 1379هـ.

 

([173]) سورة الفرقان، آية: 7.

 

([174]) من لا يحضره الفقيه 3/ 38.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD